الشرق الأوسطتقدير الموقفعاجل

الإنقلابات العسكرية في السودان وآثرها على المسار الديمقراطي: ثورة 19 ديسمبر 2018 نموذجاً

إعداد : ندى محمد إبراهيم الموافي – باحثة ماجستير بكلية الدراسات الإفريقية جامعة القاهرة – lwv

  • المركز الديمقراطي العربي

 

المقدمة:

السودان (جمهورية السودان) هي دولة عربية تقع في شمال شرف أفريقيا، تحدها مصر من الشمال وليبيا من الشمال الغربي، تشاد من الغرب، وجنوب السودان من الجنوب، وجمهورية أفريقيا الوسطى من الجنوب الغربي، وإثيوبيا من الجنوب الشرقي، وأريتريا من الشرق والبحر الأحمر من الشمال الشرقي. يبلغ عدد سكان السودان نحو 43 مليون نسمة (لسنة 2020)[1]. تعد السودان ثالث أكبر دولة من حيث المساحة في أفريقيا وفي العالم عربي وهذا بعد انفصال جنوب السودان عام 2011 حيث إنها كانت أكبر دولة في القارة الافريقية.

شكل الحكم في السودان حسب إتفاقية السلام الشامل في عام 2005 م، يتكون من ثلاثة مستويات في السلطة: حكم مركزي رئاسي على رأسه رئيس الجمهورية الي يمثل رأس الدولة ورئاسة الحكومة وعددها 17 ولاية والحكومات الولائية، وحكم محلي يتمثل في المحليات المختلفة بالولايات (وعددها 176 محلية).

شهد السودان على مر العقود العديد من الانقلابات العسكرية التي أثرت بدورها على المسار الديمقراطي بها، فمنذ حصول السودان على الاستقلال عام 1956 م .. كان السودان مسرحاً للعديد من الانقلابات العسكري التي نجح بعضها فيما فشل البعض الآخرـ أخرهم كانت في 25 أكتوبر 2021 م وهو انقلاب على المسار الديمقراطي وليس على السلطة الحاكمة.

فالسودان على صفيح ساخن، اللهب المشتعل الآن في المنطقة، ولا يمكننا التغاضي عن ما يحدث في السودان لموقعها الاستراتيجي والسياسي المهم في المنطقة العربية ومنطقة القرن الإفريقي كذلك.

يعيش السودان حالة من التخبط وعدم الرؤية في الوقت الراهن ومنذ الثورة الشعبية في 11 إبريل 2019 والتي أطاحت بالبشير بعد حكم 30 عاماً، وفي الوقت الراهن تعيش السودان حالة من عدم الإستقرار بعد الإنقلاب على رئيس الوزراء “عبدالله حمدوك” في 25 أكتوبر 2021.

قد مرت السودان منذ الثورة الشعبية عام 2018 بمحاولتين انقلاب عسكريتين أحدهما فشلت وكنت في سبتمبر 2021، والأخرى نجحت في 25 أكتوبر 2021..

الأشكالية :

تواجه المشكلة إلى معرفة تاريخ الانقلابات العسكرية في السودان وتأثيرها على الديمقراطية هناك، ومدى تأثير ذلك على على المسار الديمقراطي عقب الثورة السودانية في 2018، وهل ما حدث في شهر أكتوبر هو انقلاب عسكري أم لا؟ هل تم الاخلال بعملية الشراكة في الحكم حتى انتقال السلطة؟ تطورات شرق السودان هل تعقد المشهد السياسي أكثر! ما تأثيرها على ما حدث وما سيحدث في البلاد؟ هل عملية الانقلاب في 25 أكتوبر هي مدبرة قبل انتقال السلطة إلى المدنيين بشهر واحد؟ وهل السودان أمام تحديات جديدة بعد الثورة تؤثر على مسيرتها الديمقراطية، وهل الانقسامات الداخلية سوف تؤثر على ذلك،  ومن خلال ما سبق يمكننا أن نحدد مشكلة الدراسة بالتساؤل الآتي:

هل تغير مكونات الحكم في السودان عقب الثورة سيؤثر على المسار الديمقراطي للبلاد؟ هل الثورة السودانية قادرة على خلق مسار ديمقراطي مدني بعيد عن العسكريين؟

تساؤلات :

  1. تاريخ الانقلابات العسكرية في السودان.
  2. ما سبب الأنفجار الشعبي الذي أدى إلى ثورة شعبية؟
  3. هل ما حدث في 25 أكتوبر 2021 انقلاب؟
  4. طريق العودة إلأى المسار الديمقراطي بالسودان.

تكمن الأهمية في محاولة تتبع ورصد وتحليل الانقلابات العسكرية في السودان وتأثيرها على المسار الديمقراطي في البلاد، وكيف ستؤثر الثورة السودانية على المسار الديمقراطي ولعب الأنشقاقات الداخلية بالسودان دور هام في زيادة الصراع وتأخر الأنتخابات.

المحور الأول: تاريخ الإنقلابات العسكرية في السودان

منذ استقلال السودان عن الاحتلال البريطاني عام 1956 م، شهدت العديد من الإنقلابات العسكرية، لعل ابرزها التي قام بها “همر البشير” عام 1989 على حكومة الأحزاب الديمقراطية والتي مهدت له حكم البلاد لمدة 30 عاماً، حتى تم عزله من قبل الثورة السودانية 2018 م.

انقلاب السودان 1957:

أول انقلاب عسكري يحدث في تاريخ السودان منذ استقلالها من الاحتلا وقد كان مصيره الفشل، وحدث هذا بعد عام واحد من استقلال السودان. قام بهذا الإنقلاب مجموعة من ضباط الجيش وطلاب الكلية الحربية بقيادة “إسماعيل كبيدة” ضد أول حكومة وطنية ديمقراطية برئاسة “إسماعيل الأزهري” وقد تم إحباط هذه المحاولة في مرحلتها الأخيرة.[2]

انقلاب السودان 1958:

لعل أول انقلاب قد فشل، ولكن الانقلاب الثاني كان مصيره النجاح، ولم يكن بينهم سوا عام واحد فقط. كان الانقلاب في نوفمير 1958 م، انقلب اللواء “إبراهيم عبود” على حكومة الائتلاف الديمقراطية بين حزب الأمة والاتحاد الديمقراطي والتي كان يرأسها مجلس سيادة مكون من الزعيم “إسماعيل الأزهري” الذي يرأس المجلس ذاته و”عبدالله خليل” الذي يرأس رئاسة الوزراء.[3]

انقلاب السودان 1964:

بعد انقلاب 1958 تولى “إبراهيم عبود” حكم السودان لمدة 7 سنوات، قام خلالها بحل جميع الأحزاب السياسية ومنع التجمعات وأوقف صدور الصحف، حتى قامت ضده ثورة شعبية عام 1964 سُميت بـ”ثورة أكتوبر” وأُعتبرت أول ثورة شعبية تطيح بالحكم العسكري في العالم العربي. بدأت الثورة في 21 أكتوبر 1964 من خلال مؤتمر عقد طلاب جامعة الخرطوم، في تحدً للحظر الذي تفرضه الحكومة والتنديد بالنظام، فوقعت اشتباكات بين الطلاب وبين قوات الأمن أدت لمقتل الطالب “أحمد القرشي”، وخلال تشييع جثمانه خرجت مظاهرات حاشدة تقدر بنحو 30 ألف شخص بقيادة أعضاء هيئة التدريس بالجامعة. في 15 نوفمبر 1964 أجبرت أعمال الشغب والإضراب العام اللواء “عبود” على نقل السلطة التنفيذية إلى حكومة مدنية انتقالية، والاستقالة.[4]

انقلاب 1969:

بعد نجاح ثورة أكتوبر 1964، تولى الحكم “سر الخاتم خليفة” منصب رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية .. إلى حين إجراء الانتخابات في مايو 1965 لتشكيل حكومة نيابية. ولكن الحكومة الجديدة لم تكن مستقرة ولم تكن قادرة على تلبية مطالب السوداننيين بسبب الصراعات السياسية بين الأحزاب. وبعد 4 سنوات من تولى الحكومة مناصب الحكم قام العميد “جعفر نميري” ومعه مجموعة من الضباط المحسوبين على الحزب الشيوعي والأحزاب القومية العربية .. انقلاباً أطلقوا عليه 25 مايو وعن طريقه وصل “نميري” إلى حكم البلاد .. استمر حكمه 16 عاماً.[5]

انقلاب عام 1971:

قاد الضابط هاشم العطا ومجموعة من الضباط المحسوبين على الحزب الشيوعي في الجيش السوداني انقلابا استولوا فيه جزئيا على السلطة لمدة يومين. لكن النميري استعاد سلطته وحاكم الانقلابيين وعدد من المدنيين.[6]

انقلاب 1973:

وقع خلاف داخل المؤسسة العسكرية تحول إلى تمرد عسكري جديد، قام به مجموعة من الضباط معلنين عزمهم محاربة “الاستعمار الجديد” وإنهاء التبعية للغرب التي اتهموا بها نظام النميري.

لكن التمرد لم يستمر سوى 3 أيام، تدخلت بعدها قوى دولية وإقليمية تتقدمها مصر وليبيا بشراكة بريطانية، إلى جانب دعم داخلي لهذا التدخل قاده رجل أعمال سوداني هو خليل عثمان، الأمر الذي ساعد في القضاء على التمرد في وقت قياسي. وأعيدت السلطة للنميري.[7]

انقلاب 1975:  قاد ضابط الجيش حسن حسين، محاولة انقلاب جديدة لكنها أُحبطت وأُعدم منفذوها.[8]

انقلاب 1976: قاد العميد محمد نور سعد محاولة انقلاب على نظام النميري، الذي استخدم العنف البالغ لسحقها.[9]

انقلاب 1985:

الجيش السوداني يعلن انتهاء حكم النميري بعد عصيان مدني شامل واحتجاجات على الغلاء. غير أن الفريق عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب تصدى لعملية عزل النميري معلنا تشكيل مجلس عسكري أعلى لإدارة المرحلة الانتقالية تحت رئاسته، وحدّد مدة هذه الفترة في سنة واحدة تجرى الانتخابات في نهايتها. بعد عام أظهرت نتائج الانتخابات صعود غير مسبوق للإسلاميين، حيث نالوا 51 مقعدا، واحتلوا المرتبة الثالثة بعد كل من الحزب الاتحادي (63 مقعدا) وحزب الأمة (100 مقعد) الذي كان الصادق المهدي، يرأسه حينها.[10]

انقلاب عام 1989:  قاد العميد عمر حسن البشير انقلابا ضد الحكومة المدنية المنتخبة برئاسة رئيس الوزراء الراحل الصادق المهدي آنذاك.

شن الانقلابيون حملة اعتقالات طالت قادة جميع الأحزاب السياسية بمن فيهم حسن الترابي زعيم الجبهة الإسلامية القومية.[11]

انقلاب عام 1990:

قاد اللواءان عبد القادر الكدرو ومحمد عثمان محاولة “انقلاب 28 رمضان” التي فشلت، وأعدم نظام البشير 28 ضابطا بمن فيهم قادة الانقلاب.

انقلاب عام 1992: قاد العقيد أحمد خالد انقلابا نُسب إلى “حزب البعث”، لكن المحاولة أجهضت وسجن قادتها.[12]

انقلاب عام 2019:

أطاح مجلس عسكري بنظام الفريق عمر البشير الذي حكم البلاد 30 عاما، بعد أشهر من انتفاضة شعبية تزعمتها نقابه المهنيين السودانيين وطلاب الجامعات بمساندة كل من قوى إعلان الحرية والتغيير.

المحور الثاني: ثورة 19 ديسمبر 2018 وآثرها على المسار الديمقراطي

تم تحفيز انتفاضة أبريل 2019 لأول مرة من قبل سلسلة من الاحتجاجات التي بدأت في ديسمبر 2018. ولكن حتى قبل عام 2018 ، كانت إثارة جيل جديد من السودانيين الجريئين واضحة للعيان ، حيث لا يزال العديد منهم يتجاهلون انفصال جنوب السودان ، وهو ما يعني أيضاً خسارة 75% من عائدات الخرطوم من النفط.[13] وهذا ما دفع نظام البشير إلى تنفيذ أول موجة من تدابير التقشف في عام 2012، والتي أشعلت الاحتجاجات الشعبية على الفور، وإن كانت أصغر حجماً وتتمركز في المدينة. وتبع ذلك احتجاجات إضافية في عام 2013. وكان من الواضح أن فقدان جنوب السودان، والفقر الناجم عنه، أدى إلى توحيد الناشطين السودانيين بجميع أطيافهم ضد حزب المؤتمر الوطني باعتباره عدوا مشتركا.

المحيط الداخلي كحافز للانتفاضة:

على الرغم من أن أثار في البداية إلغاء إعانات الخبز مقترنة بزيادة ثلاثة أضعاف في أسعار الخبز، سرعان ما تصاعدت الاحتجاجات 2018 إلى اعتراضات أوسع حول النظام نفسه. وأشارت تقارير إخبارية مبكرة إلى الاحتجاجات بأنها “أعمال شغب في الخبز”، مما جعل هذه الاحتجاجات تعادلها خطأ بحركة عفوية، بل وغير عقلانية، أثارتها أزمة اقتصادية مرة واحدة. بيد أن الأصوات التي كان لها صدى من المظاهرات عكست مظالم ومطالب سياسية أعمق سرعان ما ظهرت في المقدمة: وأزمة فساد، وتضخم بنسبة 60 في المائة، والقمع المنهجي لحقوق الإنسان، والافتقار إلى الفرص المتاحة للشباب، وسياسات الخصخصة التي حولت الأصول إلى مؤيدي النظام، وأزمة سيولة حادة، والسرقة المنتظمة للذهب والنفط خلال فترة الطفرة النفطية القصيرة في السودان. وسرعان ما توسعت الاحتجاجات عبر المدن والبلدات في الشمال ثم في الخرطوم.[14]

مسار الثورة:

إن مستقبل السودان غير مؤكد في أعقاب إسقاط الرئيس عمر البشير، حيث سعت عناصر من نظامه إلى الاحتفاظ بالسلطة في مواجهة انتفاضة شعبية وضغوط دولية. إن المؤسسة العسكرية السودانية لديها تاريخ من التدخل في السياسة: فقد كان انقلاب عام 1989 الذي تولى فيه بشير السلطة رابع انقلاب في البلاد. وللسودان أيضا تاريخ طويل من التمرد والمقاومة. وفي حين أن الانتفاضات المسلحة معروفة على نطاق أوسع، فإن الاحتجاجات الحاشدة ضد الأنظمة العسكرية في عامي 1964 و 1985 أدت إلى انقلابات أدت إلى فترات وجيزة من الحكم المدني[15]. والجمع بين النقابات المهنية والعمالية، والجماعات المجتمعية، والناشطين المدنيين، وقادة الأعمال التجارية، أحزاب المعارضة، والمتمردين في دعوة مشتركة للتغيير. وتشكل المفاوضات مع الجيش بشأن الانتقال السياسي اختبارا رئيسيا للتحالف المتنوع في سعيه إلى إرساء أسس الديمقراطية.[16]

خرج سكان الخرطوم أيضا إلى الشوارع. وقام السودانيون، الذين نظمهم وقادهم مجلس الشعب السوداني، بمسيرة إلى البرلمان طالبوا فيها بزيادة الأجور وإضفاء الصفة القانونية على النقابات، ضمن مسائل أخرى. عندما قوبلوا بالعنف، تصاعدت الاحتجاجات إلى مطالبات بإزالة حزب المؤتمر الوطني، مع نداءات من السقوط، ودعوات أوسع للديمقراطية. والآن احتدم المتظاهرون علناً على مستويات الفساد المتوطنة في النظام وحلفائه، واغتصاب قوات الأمن التابعة لجهاز الأمن الوطني لحقوق الإنسان، والحروب الوحشية التي شنت على دارفور، وولاية النيل الأزرق، وجبال النوبة، والانفصال المؤلم الذي لا يمكن إصلاحه في جنوب السودان.[17]

وفي أعقاب تفاقم الأزمة الاقتصادية، بدأت الدعوات إلى إرساء الديمقراطية في الظهور. بحلول أواخر عام 2018، لعبت الحركات الاجتماعية دورا هاما في المطالبة بالمزيد من الدولة. وتستند مطالبهم إلى حقوق اجتماعية أهملت منذ زمن طويل، وجدول أعمال يشمل التوزيع العادل للموارد ، وإعادة تحديد هوية السودان الثقافية المجزأة. واستُخدمت لغة الحقوق لتعبير جماعي عن الاحتياجات التي تضع المزيد من الثقل والإلحاح على احتياجات فقراء الحضر. وهذا في حد ذاته لم يسبق له مثيل ومهد الطريق لثورة دافعة لم يكن من الممكن أن تحدث إلا في الخرطوم الأكثر قلقا والأكثر سكانا وتحضرا في الوقت الحاضر.[18]

المحور الثالث: المسار الديمقراطي للثورة

في 28 أكتوبر 2019، وفد من حركة تحرير السودان، وهي جماعة مسلحة تشكل جزءا من الجبهة الثورية السودانية الأوسع نطاقا، رحب بها في الخرطوم ممثلون عن الحكومة السودانية الجديدة وقوات الحرية والتغيير، المعارضة السياسية الفعلية التي ساعدت الاحتجاجات ضد الرئيس السابق عمر البشير ومن المتوقع أن تدعم التحول السوداني نحو الحكم المدني. وبالنسبة للجنة المالية الاتحادية، تمثل عودة الوفد خطوة نحو السلام الوطني، وبينما نقل عن عضو الحكومة محمد الطايشي قوله إن الاجتماع جزء من رغبة الحكومة الجديدة “في معالجة أسباب عدم الاستقرار السياسي، وبدء دورة سياسية لا يسمع فيها صوت حرب يعزز الكراهية بين الشعب السوداني.[19]

بعد إسقاط نظام “البشير” بدأ المجلس العسكري االنتقالي في التفاوض مع ممثلي قوى الحرية والتغيير؛ من أجل االتفاق على خطوات وإجراءات تسليم السلطة، وذلك في ظل التبايُن في وجهات النظر بين الجانبين، حتى توصل الطرفان إلى الوثيقة الدستورية للفترة االنتقالية لسنة 2019 ،وباستعراض مواد الوثيقة، يُمكن ملاحظة نمط العلاقات المدنية العسكرية التي حاولت رسم ملامحه، والتي سعت من خلاله إلى تحقيق التوافق والتوازن بين الجانب المدني والعسكري في مكونات السلطة بأضلاعها الثالثة الرئاسية والتنفيذية والتشريعية.[20]

فيتضح مما سبق رغبة النخبة السودانية في ضمان المشاركة في تقاسم المسؤوليات بين المدنيين والعسكريين، وعدم انفراد أي طرف بالسلطة، ووجود إرادة حقيقية لاجتياز المرحلة االنتقالية بنجاح؛ بهدف تحقيق الصالح العام، وتجنُّب المصالح الشخصية والأطماع السلطوية للطرفين، وهو ما أكدته الوثيقة في الفصل السادس، في المادة التاسعة عشرة؛ حيث حظرت حق الترّشح في الانتخابات التي تلت الفترة الانتقالية لرئيس وأعضاء مجلسي السيادة والوزراء ووالة الولايات أو حكام الأقاليم. كذلك عكست بنود الوثيقة رغبة المؤسسة العسكرية السودانية في كسب ثقة أعضاء قوى إعلان الحرية والتغيير، وهو ما تجل في غلبة المكون المدني عدديًّا على المكون العسكري في مجلس الوزراء َّى والمجلس التشريعي الانتقلايين، وكذلك في مجلس الأمن والدفاع، والذي يتكون من مجلس السيادة، ورئيس الوزراء، ووزير الدفاع، ووزير الداخلية، ووزير الخارجية، ووزير العدل، ووزير المالية، والقائد العام للقوات المسلحة، والنائب العام والمدير العام لجهاز المخابرات العامة.[21]

أثر الإنقلاب على المسار الديمقراطي:

إن تحرك السودان نحو الديمقراطية في خطر، بعد أن استولت المؤسسة العسكرية على السيطرة على الحكومة الانتقالية في البلاد في انقلاب. لقد بدأ المشروع الديمقراطي في البلاد قبل عامين فقط، بعد أن أقيل الدكتاتور السوداني عمر البشير منذ أمد طويل وسط احتجاجات حاشدة في عام 2019. وتوصل المجتمع المدني وقادة الاحتجاجات والجيش في نهاية المطاف إلى ترتيب لتقاسم السلطة يضع كلا المسؤولين عن البلاد مع الالتزام بالانتقال إلى الحكم المدني الكامل، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى دستور جديد وانتخابات جديدة في عام 2023. وقد أدى انقلاب الاثنين إلى تقويض هذا المسعى برمته، وكسر ما كان بالفعل ترتيبا هشا بين الفصائل العسكرية والمدنية وعرّض للخطر أي مكاسب تحققت. وقد نظم النائب عبد الفتاح البرهان، الجنرال الأعلى في السودان، عملية الاستيلاء على السلطة، فاحتجز رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك وغيره من القادة المدنيين، وطرد السفراء الذين قاوموا عملية الاستيلاء.[22]

لكن الانقلاب أشعل المقاومة من جديد، حيث عاد المتظاهرون إلى الشوارع في المدن والبلدات في جميع أنحاء السودان للتنديد بالاستيلاء العسكري. فقد أغلقت المؤسسة العسكرية السودانية شبكة الإنترنت ، الأمر الذي جعل من الصعب عليها أن تفهم بالكامل نطاق المقاومة ــ واستجابة قوات الأمن لها ــ وخاصة خارج المدن الكبرى مثل الخرطوم. فقد أصيب 170 شخصاً على الأقل، وقتل سبعة أشخاص على الأقل في احتجاجات يوم الاثنين، وفقاً للبيانات التي جمعها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. وتفيد التقارير بأن بعض الزعماء المؤيدين للديمقراطية قد احتجزوا. كل هذا يجعل الوضع متقلبا جدا، ولا يمكن التنبؤ به. وعلى الرغم من الضغط الدولي والإقليمي على المؤسسة العسكرية السودانية لاستعادة الحكومة الانتقالية ، قال الخبراء إنه من الصعب رؤية طريق للمضي قدما في إطار واحد.[23]

وهذا يوفر نظرة قاتمة لتجربة السودان الديمقراطية. ولكن المجتمع المدني في السودان، الذي ساعد في إحداث الثورة التي أطاحت بالبشير في عام 2019 ، يظل منظماً بشكل جيد وقوي. وتطالب جماعات المجتمع المدني باحتجاجات واسعة النطاق في 30 أكتوبر/تشرين الأول في آخر تحدٍ للانقلاب. منذ البداية، لم يثق المتظاهرون في الجيش لبداية الديمقراطية، واستمروا في عدم الثقة بالقوات المسلحة والدفع نحو السيطرة المدنية، حتى قبل الاستيلاء على السلطة هذا الأسبوع. وقد أثبت الانقلاب حق معسكر مؤيد للديمقراطية، وهو ما يعزز مطالبتهم بحكومة يقودها مدنيون. إن الكيفية التي يمكنهم بها تحقيق ذلك أمر غير مؤكد، ولكن الاحتجاجات المستمرة هي علامة على أن المؤسسة العسكرية لا تستطيع أن تلغي المشروع الديمقراطي الذي بدأه السودان.[24]

قائمة المراجع

أولاً: مراجع باللغة العربية:

  1. أحمد إبراهيم أبو شوك، الثورة السودانية (2018-2019): مقاربة توثيقية-تحليلية لدوافعها ومراحلها وتحدياتها، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2021.
  2. إسراء أحمد إسماعيل، العلاقات المدنية العسكرية والتحول الديمقراطي في السودان، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري 2021.
  3. إسلام خليفة، السودان ما بعد البشير: خرائط الفواعل الداخلية، المعهد المصري للدراسات، 2021.
  4. أماني الطويل، الانقلابات العسكرية في السودان بين الملامح والأسباب، اندبندنت عربية، 2021. متاح على الرابط التالي: https://www.independentarabia.com/node/261911/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%AA%D8%AD%D9%84%DB%8C%D9%84/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D9%82%D9%84%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%AD-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D8%A8
  5. أماني الطويل، المكونات العسكرية السودانية: الإشكاليات والمسارات، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 2021.
  6. حسن الحاج علي، الانقلاب العسكري بمنزلة عملية سياسية: الجيش والسلطة في السودان، سياسات عربية، 2020.
  7. كمال محمد جاه الله الخضر، السودان: جغرافية الحراك الثوري والقوى الفاعلة، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، 2019.
  8. محمد العجاتي، وآخرون، تجمع المهنيين السودانيينالبنية والتطور والأدوار والتحالفات – أية تحديات وآفاق مستقبلية؟، مبادرة الإصلاح العربي، 2021. متاح على الرابط التالي: https://www.arab-reform.net/ar/publication/%D8%AA%D8%AC%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA/
  9. مزن النيل، مراجعة لدروس الثورة السودانية، 2021. tni.org/arab-uprisings-ar/08-ar
  10. مصطفى سري، تاريخ الانقلابات في السودان: من عبود 1958 إلى نميري فالبشير.. سلسلة لا تنقطع وثورتان شعبيتان، جريدة الشرق الأوسط، 2012، العدد 12414.

ثانياً: مراجع باللغة الإنجليزية:

  1. Ben Lowing, SUDAN: MAPPING TRANSITIONAL JUSTICE STRATEGIES FOR EFFECTIVE DEMOCRATIC TRANSITION, BRUSSELS INTERNATIONAL CENTER, 2019.
  2. Mohammed Hussein Sharfi, “The Dynamics of the Loss of Oil Revenues in the Economy of North Sudan,” Review of African Political Economy 41, no. 140 (2016): 316-322. Available at: https://www.researchgate.net/publication/262576821_The_dynamics_of_the_loss_of_oil_revenues_in_the_economy_of_North_Sudan
  3. The World Bank, Population, total- Sudan. https://data.worldbank.org/indicator/SP.POP.TOTL?locations=SD

[1] The World Bank, Population, total- Sudan. https://data.worldbank.org/indicator/SP.POP.TOTL?locations=SD

[2] أماني الطويل، الانقلابات العسكرية في السودان بين الملامح والأسباب، اندبندنت عربية، 2021. متاح على الرابط التالي: https://www.independentarabia.com/node/261911/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%AA%D8%AD%D9%84%DB%8C%D9%84/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D9%82%D9%84%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%AD-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D8%A8

[3] حسن الحاج علي، الانقلاب العسكري بمنزلة عملية سياسية: الجيش والسلطة في السودان، سياسات عربية، 2020.

[4] أماني الطويل، مرجع سبق ذكره.

[5] حسن الحاج علي، مرجع سبق ذكره.

[6] مصطفى سري، تاريخ الانقلابات في السودان: من عبود 1958 إلى نميري فالبشير.. سلسلة لا تنقطع وثورتان شعبيتان، جريدة الشرق الأوسط، 2012، العدد 12414.

[7] أماني الطويل، مرجع سبق ذكره.

[8] المرجع نفسه.

[9] حسن الحاج علي، مرجع سبق ذكره.

[10] مصطفى سري، مرجع سبق ذكره.

[11] المرجع نفسه.

[12] المرجع نفسه.

[13] Mohammed Hussein Sharfi, “The Dynamics of the Loss of Oil Revenues in the Economy of North Sudan,” Review of African Political Economy 41, no. 140 (2016): 316-322. Available at:  https://www.researchgate.net/publication/262576821_The_dynamics_of_the_loss_of_oil_revenues_in_the_economy_of_North_Sudan

[14] أحمد إبراهيم أبو شوك، الثورة السودانية (2018-2019): مقاربة توثيقية-تحليلية لدوافعها ومراحلها وتحدياتها، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2021.

[15] كمال محمد جاه الله الخضر، السودان: جغرافية الحراك الثوري والقوى الفاعلة، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، 2019.

[16] أحمد إبراهيم أبو شوك، مرجع سبق ذكره.

[17] مزن النيل، مراجعة لدروس الثورة السودانية، 2021. longreads.tni.org/arab-uprisings-ar/08-ar

[18] محمد العجاتي، وآخرون، تجمع المهنيين السودانيينالبنية والتطور والأدوار والتحالفات – أية تحديات وآفاق مستقبلية؟، مبادرة الإصلاح العربي، 2021. متاح على الرابط التالي: https://www.arab-reform.net/ar/publication/%D8%AA%D8%AC%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA/

[19] Ben Lowing, SUDAN: MAPPING TRANSITIONAL JUSTICE STRATEGIES FOR EFFECTIVE DEMOCRATIC TRANSITION, BRUSSELS INTERNATIONAL CENTER, 2019.

[20] إسراء أحمد إسماعيل، العلاقات المدنية العسكرية والتحول الديمقراطي في السودان، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري 2021.

[21] المرجع نفسه.

[22] أماني الطويل، المكونات العسكرية السودانية: الإشكاليات والمسارات، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 2021.

[23] إسلام خليفة، السودان ما بعد البشير: خرائط الفواعل الداخلية، المعهد المصري للدراسات، 2021.

[24] أماني الطويل، مرجع سبق ذكره.

3.6/5 - (5 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى