الشرق الأوسطتقدير الموقفعاجل

الـــمــقــتــرح الأمــريــكي لإدارة غـــــزة وفـــقــاً لأي نـــمـــوذج؟ / مــغــــزاه؟ علاقته المحتملة بالتفاوض الأمريكي مع حـــمـــاس ؟

اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر

 

في 5 فبراير 2025 نشرت محطة CNN علي موقعها أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضاعف مرارا وتكرارا اقتراحه بضرورة نقل ما يقرب من مليوني فلسطيني من غزة التي مزقتها المعارك إلى منازل جديدة في أماكن أخري حتي تتمكن الولايات المتحدة من إرسال قوات إلى القطاع وتولي زمام الأمور وبناء “ريفيرا الشرق الأوسط وقال ترامب للصحفيين: “أنت تبني مساكن ذات نوعية جيدة حقا مثل بلدة جميلة مثل مكان يمكنهم العيش فيه وعدم الموت فيه ” وأوضح ذلك بقوله : “ستسيطر الولايات المتحدة على قطاع غزة وسنقوم بعمل معاً أيضا وسنمتلكها وسنكون مسؤولين عن تفكيك جميع القنابل الخطيرة غير المنفجرة والأسلحة الأخرى في الموقع ونقوم بتسوية الموقع والتخلص من المباني المدمرة  وتسويتها وخلق تنمية اقتصادية من شأنها توفير أعداد غير محدودة من الوظائف والمساكن لسكان المنطقة والقيام بعمل حقيقي والقيام بشيء مختلف “.

علقت الـ CNN بكلمات قليلةعلي ذلك بقولها : أن الرئيس ترامب استحضر تحولا جيوسياسيا محيرا للعقل في الشرق الأوسط وأن رؤية رئيس أمريكي يؤيد ما يمكن أن يكون الطرد القسري للفلسطينيين من ديارهم، في نزوح جماعي من شأنه أن يقوض عقودا من السياسة الأمريكية والقانون الدولي والإنسانية الأساسية وذلك فقد كانت هذه الفكرة أمرا مذهلا فإذا قاد زعيم أقوى ديمقراطية في العالم مثل هذا النقل القسري فسوف يعكس جرائم الطغاة السابقين ويخلق ذريعة لكل مستبد لإطلاق برامج تطهير عرقي جماعي ضد الأقليات الضعيفة ويتضح من فكرة الرئيس ترامب هذه أن موجته الذهنية في وضع علامة تجارية لولايته الثانية تشهد بأن الرئيس ترامب غير مقيد تماما بالقانون أو الدستور أو أي شخص من حوله يمنعه من فعل ما يريد بالضبط كما يُذكر أن هذه الفكرة تشبه مخططا اقترحه صهر ترامب المستثمر جاريد كوشنر العام الماضي لنقل الفلسطينيين من غزة و”تنظيفها” لتطوير الواجهة البحرية “القيمة للغاية” للمنطقة على البحر الأبيض المتوسط لكن وبوجه عام فإن هذه الفكرة تبدو سخيفة لأسباب متعددة  .

رفضت الإدارة التي يقودها دونالد ترامب خطة إعادة إعمار غزة التي طال انتظارها والتي طرحها القادة العرب بقيادة مصر وتدعو هذه الخطة حماس إلى التخلي عن السيطرة علي غــزة  لصالح إدارة مؤقتة تتولاها السلطة الفلسطينية التي تم إصلاحها الحكم وعلى عكس خطة ترامب فسيسمح الإطار المصري لما يقرب من مليوني فلسطيني بالبقاء في غزة حسبما ذكرت شبكة CNN والاقتراح المقدم من الدول العربية قيمته 53 مليار دولار لتنفيذ عملية إعادة إعمار غزة بحلول عام 2030 التي تشمل مرحلتهاالأولى إزالة أكثر من 50 مليون طن من الأنقاض الناجمة عن القصف الإسرائيلي والهجمات العسكرية فضلا عن إزالة الذخائر غير المنفجرة وقال مسؤولون أردنيون لشبكة CNN إن الخطة ستُعرض على الرئيس ترامب في الأسابيع المقبلة على الرغم من أن مدى دعمها الإقليمي لا يزال غير مؤكد لتغيب قادة عرب عن القمة العربية التي مررت خطة إعمار غــزة لكن الولايات المتحدة من جانبها لم تعر الخطة العربية / المصرية أدني إهتمام إذ أكدت الإدارة الأمريكية من جديد رؤيتها الخاصة للمنطقة فوفقا لشبكة CNN أكد البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يدعم خطة تتضمن طرد السكان الفلسطينيين وتحويل غزة إلى “ريفيرا” تحت ملكية الولايات المتحدة ففي بيان في 4 مارس 2025 قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض بريان هيوز: “الاقتراح الحالي لا يعالج حقيقة أن غزة غير صالحة للسكن حاليا ولا يمكن للسكان العيش بشكل إنساني في منطقة مغطاة بالحطام والذخائر غير المنفجرة”و “الرئيس ترامب يقف إلى جانب رؤيته لإعادة بناء غزة خالية من حماس ونحن نتطلع إلى مزيد من المحادثات لإحلال السلام والازدهار في المنطقة”.

في8 مايو2025 نشر موقع .news.com.au أن الولايات المتحدة وإسرائيل تجريان محادثات رفيعة المستوى حول إمكانية قيادة واشنطن لإدارة مؤقتة بعد الحرب في غزة والمناقشات بهذا الشأن مازالت في مراحلها الأولى لكنها تركز على هيئة حكم انتقالية بقيادة مسؤول أمريكي مكلفة بإدارة غزة حتى يتم نزع السلاح من المنطقة وظهور إدارة فلسطينية قابلة للحياة ونقلت مصادر عن رويترز قولها إن النموذج يشبه إلى حد ما سلطة التحالف المؤقتة في العراق التي تولت السلطة في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 ولم تدم هذه السلطة طويلا حيث اعتبر العراقيون الولايات المتحدة قوة احتلال كما لم يحدد جدول زمني محدد للاتفاق المقترح بشأن غزة حيث تتوقف مدته على الظروف على أرض الواقع ولم تتقدم هذه المحادثات إلى حد تسمية المسؤولين أو تثبيت الأدوار فلا يزال من غير الواضح من هو الجانب الذي بادر إلى الاقتراح ؟ كما أنه لا يوجد وضوح بشأن الدول التي قد تتم دعوتها للانضمام إلى السلطة على الرغم من أنها ستثني كل من حماس والسلطة الفلسطينية وأكدت صحيفة هأرتس الصهيونية  ذلك علي موقعها في 77 مايو2025 فتحت عنوان : الولايات المتحدة وإسرائيل تناقشان الإدارة المحتملة لغزة بقيادة الولايات المتحدة ” أحالت علي مصادر لم تسمها إفادتها لوكالة رويترز بإن المناقشات الأولية في هذا الشأن لن تحدد الهيكل الدقيق أو الجدول الزمني لإدارة ما بعد الحرب وهو ما سيعتمد على الظروف على الأرض وأوضحت رويترز أن الولايات المتحدة وإسرائيل تناقشان إمكانية تشكيل إدارة أمريكية لغزة مضيفة أن الإدارة المؤقتة الأمريكية لقطاع غزة ستستمر حتى نزع سلاح القطاع  .

أشار موقع صحيفة الخليج www.alkhaleej.ae في 8 مايو2025 إلي أن حركة حماس رفضت هذا المقترح وأكدت أن «الشعب الفلسطيني هو من يقرر من يحكمه» وهوموقف يعكس رفضاً قاطعاً لتدخل خارجي في تشكيل الحكم في القطاع وكان القيادي في حماس باسم نعيم أكد أن الحركة مصرة على التوصل لاتفاق شامل لوقف إطلاق النارمع إسرائيل وليس لاتفاق جزئي .

خلال زيارته لقطر / الدوحة في 14 مايو2025 وفي مؤتمر صحفي في الدوحة  أعاد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الحديث مجدداً عن مقترح وضع قطاع غزة تحت السيطرة الأمريكية وتحويله إلى ما أسماه “منطقة حرية وذلك بعد أن باءت جهود إدارته بالفشل في إنهاء النزاع الدامي بين إسرائيل والفلسطينيين المستمر منذ أكتوبر 2023 والذي أدى إلى سقوط عشرات الآلاف من الضحايا وتدمير شبه كامل للبنية التحتية في غزة  .

أكدت صحيفة “الجارديان” ذلك وقالت أن ترامب صرح قائلاً: “لدي تصورات إيجابية للغاية بشأن قطاع غزة وأرى إمكانية أن تصبح منطقة حرية وأتمنى لو تمكنت الولايات المتحدة من الإشراف عليها وتحويلها إلى تلك المنطقة” مشيراً إلى رغبته في أن تلعب بلاده دوراً مباشراً في مستقبل القطاع وجاءت هذه التصريحات في ظل استمرار القصف الإسرائيلي الذي أودى بحياة 34 شخصاً يوم الخميس فقط في حين تتفاقم الأوضاع الإنسانية مع استمرار الحصار ومنع المساعدات الغذائية عن السكان .

الــــــتــــعــــلــــيــــق :

مبدئياً لابد أن أقرر أن هذه الدراسة الموجزة لا تعني أن الخطة أو المقترح الأمريكي لإدارة غــزة أمر مقبول أخلاقياً أو منطقياً أو أنه ممكن في مواجهة إرادة القتال الشرس الذي تخوضه حـــمــاس والفصائل الجهادية الإسلامــية التي تحمل لواء الفداء لــغــزة ولشعبها , لكنني هدفت منها تأمل وفحص هذه الفكرة الأمريكية لأخلص منها إلي تقرير الحالة الصراعية للولايات المتحدة وربيبها الكيان  الصهيوني فهذا المقترح طريق فرعي يمكن الإستهداء به لنصل لطريق المفاوضات الرئيسي الموازي لطريق القتال الذي يسلكه الكيان الصهيوني والولايات المتحدة معاً وبتنسيق وتجانس تام وتوزيع الدوار بينهما لتضليل / إرباك / تشتيت / تخـــويف والضغط علي ذهنية المفاوض الــحــمـــســاوي .

المقترح الأمريكي لإدارة غـــزة في اليوم التالي عمودها الرئيسي هي فكرة الحاكم الأمريكي علي غـــزة بدلاً من حكومة حـــمـــاس علي غـرار الحاكم الأمريكي بول برايمرعلي العراق بعد سقوط بـغداد وإسقاط الرئيس صدام حــســيــن في 2025  وهذا المــقــترح من البديهي أن يكون له تفصيلات لدي إدارة ترامب لكنها غير معلنة حتي تاريخه لكن هناك دراسة أعدها معهدواشنطن لسياسة الشرق الأدني نُشرت علي موقع المعهد www.washingtoninstitute.org في 17 اكتوبر2023 أي بعد أيام قليلة من طوفان الأقصي في 77 أكتوبر2023وأهم نقاطها التي ربما توضح ما يمكن أن يكون وارداً في تفصيلات إقتراح الرئيس ترامب :

– يجب أن تقوم “الإدارة المؤقتة المقترحة في غزة” على ثلاث ركائز أساسية: (1) إدارة مدنية (2) جهاز للسلامة العامة/إنفاذ القانون تلعب فيه الوحدات العسكرية التابعة للدول العربية دوراً مركزياً و (3) تحالف دولي لإعادة الإعمار والتنمية  .

– يجب أن يتولى الفلسطينيون زمام الإدارة المدنية في غزة في مرحلة ما بعد “حماس” ستتولى مجموعة من التكنوقراط من غزة والضفة الغربية والشتات الفلسطيني، بالإضافة إلى شخصيات محلية مهمة من بلدات قطاع غزة وعشائره إدارة إدارات الحكومة المحلية العاملة بكامل طاقتها – الصحة والتعليم والنقل والقضاء والرعاية الاجتماعية وما إلى ذلك – تحت قيادة “رئيس الشؤون الإدارية” الفلسطيني وخلال الفترة الانتقالية المضطربة تستطيع “وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين” التابعة للأمم المتحدة” (“الأونروا”) الاستمرار في تقديم الخدمات الغذائية والصحية والتعليمية الحالية – ليس أكثر وليس أقل مما كانت تقدمه في الماضي ومن الممكن إعادة النظر في وضعها على المدى الطويل في سياق العودة النهائية “للسلطة الفلسطينية” إلى المنطقة  .

– يمكن أن يتولى توجيه السلامة العامة وإنفاذ القانون اتحاد من الدول العربية الخمس التي أبرمت اتفاقات سلام مع إسرائيل – مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب هذه الدول العربية هي الوحيدة التي ستحظى بثقة إسرائيل وهذه الثقة أساسية لنجاح هذا الجهد وينبغي إيلاء اهتمام خاص لضمان عدم النظر إلى هذه القوة على أنها “قوة احتلال”، الأمر الذي سترفضه كل من الدول المساهمة والفلسطينيين المحليين بل ينبغي تقديمها وتنظيمها كـ”قوة سلامة عامة”ولهذه الغاية ينبغي على الدول المساهمة إرسال مفارز من الشرطة أو الدرك وليس وحدات عسكرية نظامية فضلاً عن ذلك يجب أن يتزعم القوة ضابط من دولة ليس لها أي صلة إقليمية بالمناطق الفلسطينية مثل المغرب ويمكن بعد ذلك إنشاء مكاتب اتصال مع الجيشين الإسرائيلي والمصري حيث سيضطلع هذا الأخير بدور خاص يعكس مكانة القاهرة الفريدة باعتبارها الجارة العربية المباشرة لغزة ومن شأن هذه المكاتب أن توفر منتدى للتعاون بشأن قضايا الحدود وتدفق البضائع والأشخاص  .

– ستعمل الجهات المانحة الدولية والأمم المتحدة وغيرها من وكالات المعونة الدولية والمنظمات غير الحكومية الدولية مع الإدارة المدنية في غزة تحت مظلة وكالة جديدة (المهم إبعاد الأمم المتحدة ونزع الصفة الدولية) مسؤولة عن الإصلاح وإعادة الإعمار والتنمية وينبغي أن يشكل هذا جهداً يديره العرب وربما تترأسه دولة الإمارات (أحط نظام علي الخريطة العربية) التي هي شريك سلام مع إسرائيل وتمتلك الموارد المالية الكافية لتكون جهة مانحة كبيرة وتتمتع بسمعة عالمية وحنكة مهنية(لم يسمع أحدنا عن ذلك) تخولها إدارة مثل هذه العملية وستشرف هذه الوكالة على الإصلاح الفوري وإعادة بناء المرافق والأشغال العامة الأخرى بالإضافة إلى تحديد المشاريع الكبرى وجمع الأموال لها وتنفيذ المشاريع الكبرى وستكون هناك حاجة إلى مليارات الدولارات لتنفيذ مشاريع مثل إنشاء ميناء جديد في غزة وبناء مناطق صناعية جديدة لتوفير خيارات العمل (من غير المرجح أن تسمح إسرائيل بعودة عمّال قطاع غزة في أي وقت قريب بعد أن لعب بعضهم على ما يبدو دوراً في هجوم “حماس” في 7 تشرين الأول/ أكتوبر سواء بشكل مباشر أو من خلال تقديم معلومات استخباراتية للمهاجمين) وستكون المشاركة السعودية في جهود الإصلاح/إعادة الإعمار مهمة أيضاً لنجاح الخطة بشكل عام ويمكن تأطيرها كجزء من التزام الرياض بإعادة فتح مسار نحو صنع السلام الإسرائيلي الفلسطيني ( يعتبر واضعو هذه الدراسة الصبيانه مقطوعة الصلة بحقيقة فعل المقاومة وتداعياته أن المشاركة في خطتهم شرف بينما هي في الحقيقة وصمة عـــار عربياً )   .

– ورغم أن الإداريين والضباط والمسؤولين العرب – بمن فيهم الفلسطينيون – يجب أن يتولّوا القيادة في جميع هذه الجهود إلا أن هناك أيضاً دوراً حيوياً يجب أن تلعبه الولايات المتحدة وغيرها من الداعمين لمستقبل سلمي وبنّاء ومفعم بالأمل للفلسطينيين وستشارك جهات فاعلة متعددة – من الشركاء الأوروبيين وإلى الوكالات المتخصصة للأمم المتحدة – ولكن الولايات المتحدة وحدها قادرة على حشد هذه الجهود وتنظيمها وضمان تنفيذ كافة عناصرها ويقوم جزء من دور دور الولايات المتحدة على الشق المالي وجزء آخر على تقديم الخبرة لعمليات الإدارة وإعادة الإعمار وجزء آخر على ضمان علاقات سلسة بين إسرائيل والأطراف الثلاثة “للإدارة المؤقتة في غزة” وبجزء آخر على توفير الشرعية الدولية للجهود بأكملها  .

فيما يتعلق بالشرعية يتمثل الخيار الأفضل بالحصول على تفويض من مجلس الأمن الدولي لتنفيذ هذه الخطة على الرغم من أن روسيا والصين ستسعيان على الأرجح إلى تعقيد هذه الجهود ويمكن لمجلس الأمن أيضاً أن يمنح جامعة الدول العربية(الإستعمال التقليدي لجامعة الدول العربية كسمسار تـــآمـــر وتـــواطـــؤ) الصلاحية للسماح بتنفيذ هذه الخطة كجهة فاعلة وسيطة ولكن هنا أيضاً قد تعترض جهات فاعلة مثل سوريا ولبنان والجزائر وتونس الطريق وبدلاً من ذلك يمكن وضع هذه الجهود ضمن إطار ولاية “منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط” الأمر الذي قد لا يتطلب إجراءات إضافية من جانب مجلس الأمن (كيف ومجلس الأمن هو من يحدد ولايته ونطاقها ؟)  .

لكن في نهاية المطاف قد يكون من الضروري بناء “الإدارة المؤقتة في غزة” كتحالف للراغبين إذا حظيت المبادرة بدعم قوي من الجهات الفاعلة الدولية الكبرى وبدعم من الدول العربية الأكثر نفوذاً فستحظى بفرصة معقولة للمضي قدماً  .

طوال هذه العملية سيشكل الاتصال المستمر بين “الإدارة المؤقتة في غزة” وإسرائيل المسألة الضرورية بل الحساسة في عالم لم تعد فيه “حماس” قوة سياسية أو عسكرية في غزة(مع أن حماس وفصائل المقاومة الإسلامية كانت تدافع عن غـــزة  والمقاومة بذاتها عـــمل مشروع يمنح مــزية طبيعية لتمثيل الشعب الذي تدافع عنه هذه المقاومة إذن لا قيمة تذكر للكيان الصهيوني ولا غيره ففعل المقاومة وحده هو الذي منح الشرعية لحماس بغض النظرعن رأي العدو الصهيوني) وينبغي لإسرائيل أن تكون على استعداد للسماح للميناء البحري والحدود البرية مع مصر بالعمل مع نظام تفتيش أقل تدخلاً لحركة السلع والخدمات ففي نهاية المطاف إن الحصار الذي فرضته إسرائيل بدرجات متفاوتة على مر السنين لم يمنع الحركة من الحصول على ما تحتاج إليه لشن الهجمات المروعة التي وقعت في7 تشرين الأول/أكتوبر وأنتج ضغينة شعبية مهولة وفرص للفساد ومع ذلك لا يزال أمام إسرائيل دور حاسم لتلعبه0كيف لدولة منيت بهزيمة مروعة في 77 أكتوبر2023 أن يوصف دورها المحتمل بالحاسم؟) على الأقل في وقت مبكر من المرحلة الانتقالية عندما تتمكن من المساعدة في توفير الكهرباء، والوقود ونقل البضائع مع إدراكها أن الهدف على المدى الطويل يجب أن يكون قيام غزة بتوفير هذه السلع بنفسها.

– يُعتبر الاتصال الوثيق مع أذرع الإدارة المدنية والسلامة العامة وإعادة الإعمار في “الإدارة المؤقتة في غزة” أساسياً لمنح إسرائيل الثقة في أن النظام الجديد لن يسمح بإعادة ظهور “حماس” أو نمو حركة أخرى ربما أكثر تطرفاً وفي الوقت نفسه يجب أن تحافظ إسرائيل على أكبر قدر ممكن من الوجود عن بعد بالنظر إلى أن الجيش الإسرائيلي سيكون قد عمل لتوه في كل ركن من أركان القطاع تقريباً لاستئصال “حماس” .

– يجب أن يكون “للإدارة المؤقتة في غزة” أيضاً ارتباط طبيعي بالسلطة الفلسطينية على الرغم من أنها ستعمل بشكل مستقل ضمن الإطار الموصوف هنا يمكن أن يكون للولاية الأولية “للإدارة المؤقتة في غزة” فترة زمنية محدودة – على سبيل المثال، ثلاث سنوات – وبعد ذلك يجب أن تكون عملياتها متاحة للتجديد ومرتبطة مباشرةً بعملية إصلاح السلطة الفلسطينية وهنا يبرز مبدآن متضاربان: “لا يوجد شيء دائم كالمؤقت” و”إنجاز الأمور بشكل صحيح أفضل من إنهائها سريعاً” وستكون الولايات المتحدة وغيرها من الجهات الفاعلة الرئيسية مسؤولة عن إيجاد التوازن الصحيح في هذا السياق  .

في تقديري أن هذه الدراسة صبيانية أعدها مجموعة مغفلين في مكاتبهم بواشنطن لأنها ببساطة نسخة أخري من ولادة السفاح السرية التي حاكها ياسر عرفات رئيس ما يُسمي بمنظمة التحرير الفلسطينية في أوسلوا مع حكومة رئيس وزراء الكيان الصهيوني الراحل إسحاق رابيـــن والمعروفة بإتفاق أوسلو التي إنبثق منها ما يُعرف بالسلطة الفلسطينية والتي هي في الواقع تتولي الحراسة اليلية للمستوطنات في الضفة الغربية وأعتقد أن ولاء واضعي هذه الدراسة لا يتجاوزالكيان الصهيوني فعلاقتهم بالولايات المتحدة ورقية كما أنهم لا يمكنهم أن يدركوا معني المقاومة والدم والجوع والحرمان الذي تشارك حماس الشعب في غزة أهواله . هي دراسة جدير بأي عاقل أن يهملها لكنها في الحقيقة كامنة داخل مقترح الرئيس ترامب لإدارة غـــزة وربما كان هذا هو السبب الرئيسي وراء حجب تفصيلات مقترح الرئيس ترامب لإدارة غزة في اليوم التالي .

ماذا يعني الرئيس ترامب بمصطلح “إدارة “غـــــزة ؟

قال الرئيس الأمريكي ترامب خلال لقاءه برئيس وزراء الكيان الصهيوني بمناسبة  زيارته لواشنطن في 4 فبراير2025 : “ستسيطر الولايات المتحدة على قطاع غزة وسنقوم بعمل معاً أيضا وسنمتلكها وسنكون مسؤولين عن تفكيك جميع القنابل الخطيرة غير المنفجرة والأسلحة الأخرى في الموقع ونقوم بتسوية الموقع والتخلص من المباني المدمرة وتسويتها وخلق تنمية اقتصادية من شأنها توفير أعداد غير محدودة من الوظائف والمساكن لسكان المنطقة والقيام بعمل حقيقي والقيام بشيء مختلف” وهي عبارة غامضة المعاني الحقيقية مُستترة بداخلها والكلمة الوحيدة التي ربما تفصح عن المرمي البعيد الذي يستهدفه الرئيس ترامب هي كلمة : “وسنمتلكها ” أي أن غــــزة ستؤول للولايات المتحدة وتصبح من أملاكها وهذه الكلمة بعلاقتها بما قبلها وما بعدها تعني الإستحواذ الأمريكي علي غـــزة : (1) فهل هذا الإستحواذ دائم أم مؤقت ؟ و(2) هل هذا الإستحواذ تحت مظلة الدولة والعسكرية الأمريكية ؟ و(3) لماذا تجنب الرئيس الأمريكي إنشاء علاقة بين الإستحواذ الأمريكي علي غـــزة وبين الأمم المتحدة ؟ و(4) لماذا أحجم الكيان الصهيوني عن التعليق علي إعلان الرئيس الأمريكي بالإستحواذ علي غــــزة ؟ و (5) السوابق الأمريكية في الإستحواذ عن طريق الأمم المتحدة (مجلس الوصاية وعن طريق إعتبار هذا البلد أو غيره بمثابة مـــحـــمــيــة أمـريـكـيـة .

(1) لم يشر الرئيس الأمريكي لحد زمني مبدئي لبدء إستحواذه علي غـــزة  وإن كان من المنطقي أن يكون ذلك في اليوم التالي لنهاية حرب غــــزة وذلك اليوم لا يملك الرئيس الأمريكي والصهاينة تحديده فإرادتهما معاً غير كافية بل قد تكون غير قـــادرة , لكنه  أيضاً لم يضع سقفاً زمنياً ينتهي عنده أجل هذا الإستحواذ المفتوح أو المؤقت – كما قال هو – فالإستحــواذ الأمـــريكي علي غــزة وفقاً لمقالة الرئيس الأمريكي لم يتعد حد التعبير عن رغـــبـــة أمريكية ربما يبررها إضطلاع الولايات المتحددة بدور الوسيط الرئيسي بين الكيان الصهيوني وحـــمـــاس يُساندها وكلاء محليون دورهم التفاوضي محدد بمدي ما يريده الأمريكي لكل موضوع تفاوضي سواء كان موضوع الأسري/ الرهائن أو وقف إطلاق النار أو المساعدات الإنسانية ألخ ويبدو أن الرئيس الأمريكي أو لنقل الإدارة الأمريكية الحالية يدرك أن مـــصـــيــر غــــزة ليس بيده وحده فمهع حـــلف هو الكيان الصهيوني وأمامه خـــصـــم عـــنـــيــد غير معلومة إتجاهاته وردود فعله وهذا الخـــصــم هو حــــمــاس تـعـيـيــنـاً ولهذا فليس بيده أن يحدد بداية أو نهاية لهذا الإستحواذ فآثر أن يُطلق هذا التصريح لمجرد الــتأثـــير في مــعــنــويــات حـــمـــاس فلو كان هذا التصريح مقصوداً لذاته لألحقه ببرنامج زمني للتنفيذ لكن كبف يتأتي تنفيذ عملية إستحواذ للقطاه وهو أي الرئيس الأمريكي بعسكريته وقيادته العسكرية الأمريكية الوسطي غير قادرين علي تخليص أسير أمريكي واحد من يد حــمـــاس ؟ إنه تصريح يقع في إطـــار حـــرب نـفـسـيـة موجهة لـحــمــاس فقط .

(2) وفقاً لمفردات هذا التصريح فإن غـــزة يراها الرئيس ترامب كما لو كانت ستكون أساساً تحت مـــظــلـته هــو فهو وحده يـــراهـــا أصـــل عـــقــاري يـــلـــزمــه  مــطـــور عـــقــاري وهو تحديداً هذا المــطـــور العقــاري فخبراته الشخصية في هذا المجال معروفة  ومتوفرة  لكنه الآن ليس كسابق عهده فهوالأن  مطور عقاري مُتميز بدرجة رئيس جمهورية إذ أنه بما لديه من سـطات رئيس جمهورية الولايات المتحدة يملك السلطة علي المؤسسات المدنية والعسكرية للولايات المتحدة الأمريكية وهما معاً أي المؤسسات المدنية الأمريكية سواء أكانت قطاع خاص أو عام معاً ومع المؤسسة العسكرية الأمريكية (البنتاجون) سيضطلعون بمشروع غـــزة العقاري بعد فــصـــله عن رحـــمه وهو القضية الفلسطينية وهي قضية دينية / سياسية بدون حاجة للجدال حول هذه الحقيقة الساطعة فقد صرح رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو ذات مره أثناء حــرب غــزة تصريحاً تلي فيه فقرة من ســـفــر أشــعـــيــا فكيف يجادل بعض السفــهــاء العرب ممن ران علي عقولهم طــــلاء خفيف من ثـــقـــافة مستوردة في دينية الصراع الفلسطيني / الصهيوني ؟  إنـــه صـــراع بين الصهيونية وفي أحشاءها الدين اليهودي يختنق وبين الإســـلام ويرفع لواءه جندي فريد وحيد إلا من عـــون الله سبحانه وتعالي وهذا الجندي ليس إلا حـــمـــاس .

(3) تجنب الرئيس الأمريكي وتجنب الرؤساء الأمريكيين وبوضوح منذ عهد الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريجان إنشاء علاقة بين الصراعات أو التحديات التي تواجهها الإدارات الأمريكية المختلفة وبين الأمم المتحدة ففي عهد الرئيس الأمريكي بيل كلينتون مثلاً أصدر الكونجرس الأمريكي قانون العقوبات الإقتصادية علي إيران وليبيا ILSA ويسمي قانون داماتو(عضو كونجرس) في سياق تشديد العقوبات الأمريكية على إيــــران وفي عهد الرئيس بوش وبرعاية توماس تانكريدو صدر قانون السلام في السودان وهو قانون يدين السودان على الإبادة الجماعية ووقعه الرئيس جورج دبليو بوش القانون ليصبح قانونًا في 21 أكتوبر 2002 فهذه القوانين الأمريكية ما هي إلا سلوك تمارسه الإدارات الأمريكية المختلفة للتعبير عن تفوق الإدارة الأمريكية وتساميها علي الهيئة الدولية للأمم المتحدة ومن هنا جاء ولأسباب أخري أيضاء جاء الإنسحاب الأمريكي من منظمة اليونسكو والرضي عن الرغبة الصهيونية لإلغاء دور الأونروا في غــــزة إنها جميعاً تعبير واحد عن سلوك سياسي أمريكي طاغ مــُعـــبــر عــن الــتـــمـــرد علي الـــهــيــئـــة الدولية أي الأمم المتحدة التي عملت الولايات المتحدة علي إنشاءها بعد الحرب العالمية الثانية أو كنتيجة لنتائج هذه الحرب هذا بالإضافة إلي التدخلات العسكرية الأمريكية في العراق 2003 وليبيا في  19 مارس 2011 وأمـــور أخـــري .

(4) نـــمـــوذج الــمـــحـــمــيـــة الأمــريــكــيــة :

العبارات التي أطلقها الرئيس الأمريكي ترامب بشأن مستقبل غــزة بعد أن تـضع الحرب أوزارها أو مـا يُـطـلــق عليه : “غـــزة في اليوم التالي” كانت مـحــــصــورة بصفة مُكثفة في مـــعــنــي واحد لا ثــاني له وهو أن غـــزة ستكون شـــان أمـريـكـي بصفة مؤقتة / أو دائمة كـذلـك ووفقاً لمنـطــوق الرئيس الأمريكي ترامب فإن غــــزة  سيتولي إدارتها حـــاكــم أمريكي ووفقاً لهذا فإن غـــزة ستكون نــمـــوذج مُستحــدث مـــُخــلــق من مزيج نظامين هما : الوصـــاية الأمريكية (خارج نظام الأمم المتحدة) أو مـــحــميــة أمـــريــكــيـة ونظام الوصاية سأشـــير إليه لاحقاً أما نــظــام الــمــحــمـيـة فللولايات المتحدة بشأنه سوابق أشير إليها بإختصار شديد فقط لإثبات أن للولايات المتحدة سوابق في هذا الخصوص :

– إكتسبت الولايات المتحدة كــــوبــا كمحمية عام 1903وتبعها في نفس العام تـأسـيـس نظام الحماية علي بــنـــمــا في عهد الرئيس ثيودور روزفلت وكان الهدف حماية حقوق الولايات المتحدة في قــنــاة بـنـمـا ووفقاً للمعاهدة التي وقعها وزير خارجية الولايات المتحدة John Hay مع الوزير المفوض لبنما لدي الولايات المتحدة  PhillipeBunauVarillaluوبموجبها وافقت الولايات المتحدة علي أن تضمن وتحافظ علي إستقلال بـنـمـا وخارج منطقة القناة المُدارة بمعرفة الولايات المتحدة يمكن للولايات المتحدة أن تستخدم الأراضي البنمية الضرورية بشكل مناسب للعمليات ولحماية القناة وكذلك يمكن للولايات المتحدة أن تتدخل لتحافظ علي النظام العام في المدن البنمية وفي Colonوفي عام 1936 تم خفض هذه القدرة الأمريكية داخل بنما عندما جري التوقيع علي إتفاقية جديدة فبموجبها تخلت الولايات المتحدة عن معظم حقوقها خارج منطقة القناة كذلك وبالنسبة للإلتزام الأمريكي باضمان والحفاظ علي إستقلال بنما تم إستبداله بشرط ينص علي أنه في حالة حدوث حريق تب الخشية تدخل الدول الأوربية الدائنة (المانيا) لهذه الجمهورية في شؤونها ومن هنا نشأ مبدأ Monroe الذي دعا إلي التدخل حينها ضــد قوي التمرد وحدثت عدة تطورات في نيكاراجوا إلي أنتهي وضعها كمحمية فعلياً عام 1933 ووفقاً لموسوعة السياسة الخارجية الأمريكية Encyclopedia of American Forign Plicy  الجزء الثالث طبع 1978نُفذت سياسة الحماية بشكل جـــلــي في هــــيتي وجمهورية الدومينيكان ففي حالة هـــيتـيHaiti كان التدخل الأمريكي بها بسبب إضطرابات الثورة وتصاعدها وحينها كتب الرئيس الأمريكي Willsonلوزير الخارجية الأمريكي Robert Lansing: ” … أخشي أننا ليس لدينا سلطة قانونية لعمل ما يتوجب علينا بوضوح أن نعمله … وأفترض أن لا شيء نعمله سوي أن نمسك الثور من قرونه to take the bull by the horns وإستعادة النظام وما كان من الرئيس ويلسون إلا أن يأمر قواته بالرسو علي ساحل هـــتــي وإجبار حكومتها علي توقيع إتفاقية حماية .

في أعقاب الحرب العالمية الثانية وقعت الولايات المتحدة إتفاقيات مع عدة دول في المحيط الهادئ تولت بموجبها الدفاع عن الجانب الآخر الموقع علي مثل هذه الإتفاقيات ومن هذه الدول الفيلبين التي وقعت علي إتفاقية دفاع مع الولايات المتحدة عام 1946ثم مع اليابان عام 1951 وكوريا الجنوبية عام 1953وتايوان عام 1954 وكانت علاقات الولايات المتحدة مع هذه الدول مختلفة في خصائصهاعن علاقاتها معها قبل الحرب خاصة فيما يتعلق بموضوع الحماية الذي لم يــلغ وأنما تطور وكانت حالة المغرب وفرنسا من أوضح الأمثلة علي ذلك ففي إتفاقية 1912 خولت هذه الإتفاقية لفرنسا حق إحتلال المغرب عسكرياً والسيطرة علي علاقات المغرب الخارجية  .

(5) لقد أحـجــم صــهايــنــة الــكــيـان الصهيوني عن التعليق علي تصريح الرئيس الأمريكي تـرامــب بالإستحواذ الأمريكي علي قــطـــاع غـــزة وإن رئيس الوزراء الصهيونس نتنياهو وصف الخطة بالرائعة وأنها أول فكرة جديدة منذ سنوات بشأن  مستقبل غــــزة مشيراً إلي أن الإقتراح جدير بالدراسة والتنفيذ وأن الكيان الصهيوني يمكنه القيام بدور تنفيذي لهذه الخطة   و لكن هناك تحفظ علي المستويات الأخري مما يشير إلي أن عبارات نتنياهو إنـمـا قالها فقط لإستيعاب أفكار الرئيس ترامب توطئة لإهــمــالــهــا أو التعامل معها لوأدها وذلك لعدة أسباب هي :

السبب الأول / أنه تصريح مبرمج ومُتفق عليه مُسبقاً مع الصهاينة في سياق مذكرات التفاهم الإستراتيجي المُتتالية بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة والتي تتضمن العون والتنسيق العسكري والأمني والمقصود من هذا المقترح – في عـــقـــيــدتــي – علي الأمد القصير هو التأثير في المفاوضين الحمساويين للتأثير بالتالي في نتائج المفاوضات .

السبب الثاني / أن موقع .news.com.au في 8 مايو2025 أشار فعلاً إلي أن الولايات المتحدة وإسرائيل تجريان محادثات رفيعة المستوى حول إمكانية قيادة واشنطن لإدارة مؤقتة بعد الحرب في غزة والمناقشات بهذا الشأن مازالت في مراحلها الأولى لكنها تركز على هيئة حكم انتقالية بقيادة مسؤول أمريكي مكلفة بإدارة غزة حتى يتم نزع السلاح من المنطقة وظهور إدارة فلسطينية قابلة للحياة .

السبب الثالث / وهو سبب جدلي لكنه قابل للنقض فبسبب تداعيات طوفان الأقصي في 7 أكتوبر2023 السلبية المدمرة لنظرية الأمن الصهيوني فالصهاينة لا أطماع توسعية لهم أصـــلاً في غــزة ذلك أن إسحاق رابين رئيس الوزراء الصهيوني الراحل هومن قال ذات مرة : “أتمنى لو أستيقظ يومًا وأرى غزة وقد ابتلعها البحر” لكن إثر طوفان الأقصي عدل المسؤليين الصهاينة عن قذفهم لـغــزة لفم البحر المتوسط كي يبتلعها وقرروا إبتلاعها هم ولكن كيف ؟ بإعطائها للأمريكيين كي يــهيــئــوها لتكون قابلة لإبتلاع الصهاينة لها ولذلك سيديرها الأمريكان – طبقاً لحلمهم – لفترة مؤقته مـــُتــفـق عليها ويمنحونها للصهاينة لإستيطانها …. أضــغـاث أحلام الشياطين !!!! والصهاينة بعد طوفان الأقصي وبعد أن رُفع الغطاء عن القوة الوهمية المُصطنعة للجيش الصهيوني أصبحت غـــزة خـــطـــراً داهمـــاً لا مــطــمــعــاً ولابد من الخلاص منه من وجهة نظر الأمن القومي الصهيوني .

لماذا لم تلجأ الولايات المتحدة لنظام الــــوصـــايــة بالأمم المتحدة في حـــالة غـــزة ؟ :

عندما كانت فلسطين تحت الإنتداب البريطاني عام 1947 طُرح وضع فلسطين داخل نظام  الوصاية الدولية لكن هذا  الإقتراح رُفــض ولم يحظ بالدعــم الكافي كما أن لا أحد علي الجانب الأمريكي أو الصهيوني يريد أي دور ولو علي الصعيد الإنساني للأمم المتحدة فكلاهما لديه أطماع في غــزة وهي أطماع ذات صبغة دينية علي الجانب الصهيوني وصبغتها إقتصادية / عسكرية / سياسية علي الجانب الأمريكي .

كان من المفروض أن تطلب مصر إدارة قطاع غـــزة – وقد عــُرض عليها إدارة الـقــطاع أثناء أولي جولات مفاوضات حرب غـــزة لكنها رفضت – ولو كانت لدي مـصـر رؤية سياسية و/ أو عسكرية ولو كان لديها مفاوضون محترفون لكانت طالبت بإستعادة إدارتها للقطاع الذي كان يديره حاكم عسكري مصري حتي جاءت هزيمو 5 يونيو1967 وواضح ان هذا الرفض مبرره عدم القدرة السياسية فمـــصـــر فقدت “المكانة” طواعية وقـــســـراً وهي في ظن البعض والآخرون لا تدرك أنها  فقدت مكانتها وتلك مـــصـــيـــبــة لان مصر العظيمة ذات التاريخ التليد حــل مــحـــلــها دول كرتونية بلا قيمة دورها وظــيــفــي بحت كالسعودية والإمارات دول بلا بـــصــمــة علي لـــوحـــة الــتــاريــخ ولا السياسة .

أمــا لماذا لم تلجأ الولايات المتحدة لنظام الــــوصـــايــة بالأمم المتحدة في حـــالة غـــزة فالإجابة ببساطة لأن غــــزة أرض مُحتلة وهذا مُثبت في متن قــرارات دولية مـــُقـــيــدة ولذلك لا تستطيع الولايات المتحدة ولا رئيسها بالتالي أن يطلب أو يعبر عن إرادة الولايات المتحدة بوضع قطاع غـــزة تحت الوصايةTrusteeship  الأمــمـــيـــة أو الأمريكية (وهذا الرئيس في الحقيقة لا يريد ذلك طبعاً) ولذلك عمد الرئيس الأمريكي مباشرة إلي تخطي القانون والعرف الدوليين والإعلان بكل صـــراحـــة عن إرادته لإدارة قطاع غــــزة مــبــاشـــرة وكما قلت وأكد المتخصصين أن قطاع غــزة إقليم وقع تحت الاحتلال الإسرائيلي بعد حرب 5 يونيو1967 بعد أن كان يتبع الإدارة المصرية منذ عام 1948 ومنذ ذلك الحين لا تزال هناك ادعاءات متعارضة بشأن المكانة القانونية للأراضي الفلسطينية المحتلة عامةً وقطاع غزة بشكل خاص لكن وفقاً للقانون الدولي الإنساني هناك التزامات قانونية وعرفية تقع على عاتق قوة الاحتلال تنظمها بشكل أساسي ثلاثة مواثيق دولية هي : قواعد لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907 واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 المتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين في أوقات النزاعات المسلحة والتي تركز على السكان الواقعين تحت وطأة الحرب والبرتوكول الإضافي الأول الملحق لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1977 وتفرض هذه المواثيق على دولة الاحتلال مجموعة من الالتزامات التي يجب الوفاء بها لتوفير الحماية للمواطنين في الأراضي المحتلة(وهو ما لم ولن يتحقق) كما أن ثمة قواعد يفرضها القانون الدولي العرفي، وهي قواعد لا تتطلب انضمام الدولة لاتفاقيات دولية بل يجب احترامها من قبل جميع الدول تحت أية ظروف وقد عرّفت قواعد لاهاي لعام 1907 الاحتلال بأنه السيطرة الفعلية على أرض من قبل قوة عسكرية أجنبية ولا يتطلب الاحتلال إعلانا من نوع خاص أو وجود نية مسبقة لاحتلال إقليم ما من طرف القوة المحتلة كما أنه لا توجد أهمية للدوافع من وراء التواجد الأجنبي على أرض الإقليم المحتل وبالتالي فوفقاً للقانون الدولي الإنساني يعتبر قطاع غزة أرضاً محتلة وتنطبق عليه الأحكام الواردة في هذه المواثيق الثلاثة وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين في الأراضي المحتلة وكانت محاكمات نورمبرج التي جرت في نهاية الحرب العالمية الثانية قد اعتبرت اتفاقيه لاهاي جزءًا من القانون الدولي العرفي بمعنى أنها تلزم حتى الدول التي لم تقبل طوعًا بمبادئ هذه الاتفاقية ولم تنضم  إليها  .

قبل ذلك وفي عام 1975 أنشأت الجمعية العامة لجنةَ الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة  للتصرف عملا بقرارها ٣٣٧٦ وطلبت إليها أن توصي بوضع برنامج تنفيذي من أجل تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه غير القابلة للتصرف المتمثلة في تقرير المصير دون تدخل خارجي وفي الاستقلال والسيادة الوطنيين وفي العودة إلى دياره وممتلكاته التي شُرِّد منه وهذا بالتأكيد ما منع الرئيس ترامب من اللجوء للأمم المتحدة لوضع غـــزة داخل نظام الوصاية Trusteeship لتحقيق الأهداف التي نصت عليها المادة 776 (ب) من ميثاق الأمم المتحدة وقد حققت جميع مناطق الوصاية التي وضعت في إطار مسؤلياته ومعظمها كان انتداب سابق لعصبة الأمم أو كان أقاليم مأخوذة من دول هزمت في نهاية الحرب العالمية الثانية حكما ذاتيا أو استقلالا إما كدول منفصلة أو من خلال الانضمام إلى دول مستقلة مجاورة وكان آخرها جزيرة Palau التي كانت سابقا جزءا من الإقليم المشمولة بالوصاية في جزر المحيط الهادئ والتي أصبحت دولة عضوا في الأمم المتحدة في  ديسمبر 1994  .

من الدول التي خضعت لمجلس الوصاية : تنزانيا والكاميرون والتوجو ( كلف مجلس الوصاية المملكة المتحدة  بإدارة هذه الأقاليم) ورواندا وبوروندي(وضعه مجلس الوصاية في عهدة الإدارة البلجيكية له) والصومال (الذي وُضع تحت الإدارة الإيطالية) والكاميرون والتوجو ( كلف مجلس الوصاية فرنسا بادارتهما) وساموا الغربية (كلف مجلس الوصاية نيوزيلاند بإدارة هذه الجزيرة) وغينيا الجديدة وجزيرة ناورو (كلف مجلس الوصاية أستراليا بإدارة هاتين الجزيرتين الواقعتين في المحيط الهادئ) أما الولايات المتحدة فقد أحال مجلس الوصاية عليها إدارة إقليم جــزر الـمـحـيـط الـهـادئ .

الولايات المتحدة وتباين التناول السياسي بين حالتي غـــــزة وجــــنــــوب الـــســـودان :

جنوب السودان دولة مُسـتـقلة أعلنت في 9 يوليو2011  وبالرغم من ذلك وبسبب إندلاع الحرب الأهلية مجدداً بين الرئيس سلفا كير ونائبه ريك مشار في 15 ديسمبر 2013 سربت الولايات بشكل غير رسمي مقترح أعده سفير أمريكي سابق لوضع جنوب السودان تحت إدارة دولية طرفاها الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي فقد تناقلت في يناير / فبراير2017 وسائل الإعلام الــدولــيـــة مُقترحاً بوضع دولة جنوب السودان تحت إدارة بديلة لحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة القائمة حالياً في جنوب السودان والتي يرأسها Salva Kiir تتولاها الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي وذلك بسبب تفجر الحرب الأهلية بين رئيس جنوب السودان Salva Kiir ونائبه Riek Machar في 15 ديسمبر 2013 وإستمرارتصاعد وتيرتها وما تداعي عنها من نشوء أزمة للاجئيين من جنوب السودان للدول الأخري المجاورة , إذ لم تؤد التسوية السياسية نتيجة الجهود المضنية التي بذلتها الولايات المتحدة والسلطة عبر الحكومية للتنمية IGAD والحكومة الإثيوبية مع طرفي الحرب الأهلية لتوقيع إتفاقية إديس أبابا لإحلال السلام هناك في 17 أغسطس 2015 إلي إستعادة السلام في جنوب السودان بسبب إفتقاد طرفي هذه الحرب للإرادة السياسية والأخلاقية لإنهاءها , مما أدي – ميدانياً – لإنهيار هذه الإتفاقية , إذ سرعان ما تجاوز طرفي هذه الحرب جوهرها وموادها بل وإطارها معاً , فمن الجلي أن إرادة الحرب لديهما أقوي من رغبتهما في السلام , وهو الأمر الذي دعي المبعوث الأمريكي السفير السابق للسودان وجنوب السودان Princeton Lyman الذي تولي هذه المهمة في الفترة من مارس2011 حتي مارس 2013 ومعه زميلته السيدة Kate Almquist Knopf المديرة السابقة لمكتب وكالة التنمية الدولية بجنوب السودان والسودان من 2006 حتي 2007 ثم المديرة السابقة لمركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية وهو مركز تابع لوزارة الدفاع الأمريكية ثم تولت منذ يوليو 2014مهمة دراسة القضايا الأمنية المُتعلقة بأفريقيا بمركز تابع للكونجرس الأمريكي , دعاهما خاصة بعد أن تجدد القتال بين أطراف الحرب الأهلية في 16 يوليو 2016 والهجوم علي مركز إيواء للنازحين الجنوبيين اللائذين بمركز إيواء تابع للأمم المتحدة في جوبا  في إطار تمدد غير مسبوق للقتال في معظم عموم جنوب السودان , للبحث عن و في حل الصراع والحرب الأهلية بفرض الإدارة الدولية الإنتقالية لجنوب السودان وهو ما رفضته حكومة جنوب السودان غير مرة , إلا أن مقترحهما يظل – نظرياً علي الأقل مدعاة للتأمل والفحص بإعتباره حلاً نابعاً من واقع خبرتهما الميدانية في شأن جنوب السودان وبإعتبار أن إتفاقية أديس أبابا لم تؤد إلي إحلال السلام وليس من الواضح أنها ستؤدي إلي ذلك , خاصة وأن الحرب إستمرت والإتفاقية شارفت علي التحلل لدرجة أن أحتاجت القوي الدولية في مجلس الأمن لإستصدار قرار بدعم أو بالأحريلجماية  قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب السلامUNMIS من خلال دعم القوة القائمة بنحو 4,000رجل لحمايتها ومشروع قرار آخر أخفقت الولايات المتحدة في نوفمبر 2016 وحتي الآن في إستصداره يدعو إلي حظر السلاح عن أطراف الحرب الأهلية بجنوب السودان والذي مازالت الصين وروسيا تعارضانه ومعهما دول أخري غير دائمة العضوية بمجلس الأمن منها مصر وأنجولا وفينزويلا, وبالتالي فإن مقترح السفير Lyman ولو أنه يعتبر حلاً ثوريا أو إنقلابيا من وجهة نظر معارضيه لتجاوزه ثوابت في القانون الدولي منها ميثاق الأمم المتحدة نفسه , لكنه علي أي الأحوال يظل مُقترحاً  , حتي وإن كان يعبرعن قناعة السفير Lyman وزميلته Kate المهنية والشخصية معاً , وعلي كل حال فقدعرضاه لأول مرةعلي الملأ من خلال موقع معهد الولايات المتحدة للسلام United States Institute of Peaceوصحيفة Financial Time في نفس اليوم أي في 20 يوليو 2016 وقد تضمن مقترحهما ما يلي نصه  :

نص مقترح إدارة الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي لجنوب السودان :

” إن إتفاق المشاركة في السلطة لإنهاء الصراع الأهلي  في جنوب السودان الذي بدأ في ديسمبر 2013 كان مُركزاً علي شخصين هما الرئيس  Salva Kiir(ينتمي لقبيلة الدنكا) و زعيم المعارضة نائب الرئيس Riek Machar (ينتمي لقبيلة النوير) وكلاهما يتحصن بكتلة من السكان وكل منهما يري أن المجتمع(القبيلة)في جنوب السودان يتهدد وجوده خطر , وقد وجدت لجنة تحقيق تابعة للإتحاد الأفريقي أن قوات  Kiir و Machar كلاهما مسئول عن القتل الذي شكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية . إن إتفاق المشاركة في السلطة بينهما فشل بصفة كارثية الآن في مناسبتين منفصلتين , أي محاولات أكثر يمكن أن يُتوقع منها فقط أن تؤدي إلي مزيد من نفس المعاناة الإنسانية الضخمة وعدم الإستقرار الإقليمي ”   .

” علي كل حال هناك سبيل آخر وهو أن يُوضع جنوب السودان في غرفة الإنعاش من خلال إقامة ولاية تنفيذية للأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي لإدارة البلد حتي إيجاد مؤسسات تدير السياسات بغير العنف وكسر الشبكات التي تقف وراء هذا الصراع , وسيستغرق هذا الوضع من 10 إلي 15 عام , وعلي أي حال فالتخطيط في البداية يعتبر أكثر حساسية من تراكم تفويـــضات (مهام حفظ السلام) لعام واحد عبر عقود , كما هي الحال في باقي مهام حفظ السلام , ووضعاً في الإعتبار الدرجة القصوي من فشل الدولة (في جنوب السودان) فإن إدارة خارجية مؤقتة تعد المسار الباقي الوحيد لحماية وإستعادة السيادة . إن ذلك من شأنه تمكين شعب جنوب السودان لأخذ زمام مستقبله بيده ويطور رؤية جديدة للبلاد . وبينما تصنف النخبة المفلسة المفترسة معنوياً بشكل سلبي مثل هذه المبادرة بإعتبارها – في نظرها – إنتهاك للسيادة , فمثل هذه النخبة ذاتها هي التي وضعت بقاء البلاد علي المحك ” ,  وعلي الرغم من أن الفكرة تبدو راديكالية , إلا أن الإدارة الدولية ليست بغير سوابق وقد عُمل بها سابقاً لإرشاد Kosovo وتيمور الشرقية وبلاد أخري للخروج من صراعاتها , وفي جنوب السودان فإن نصيبها من الصراع ليس بأقل من هؤلاء ”  .

” فيما نتداول ذلك المُقترح , فإن فترة إنتقالية ستتطلب دبلوماسية فائقة المستوي ومُلتزمة من قبل الولايات المتحدة والحكومات الأفريقية والأمم المتحدة والبلاد الغربية التي لها مصالح طويلة الأمد في جنوب السودان مثل المملكة المتحدة والنرويج سوف تكون أعلي كلفة عن النهج الحالي , الذي في الحقيقة يعد بفرصة أكبر للنجاح . ومنذ 2005 أنفقت الولايات المتحدة  ما يزيد عن 11 بليون دولار علي النواحي الإنسانية وحفظ السلام والعون علي إعادة الإعمار , كل ذلك مقابل القليل كعائد علي هذا الإستثمار ولا نهاية منظورة ”  .

” تحتاج الولايات المتحدة الآن للأخذ بمبادرة دبلوماسية جديدة تتسق مع الشركاء الإقليميين والدوليين للإعتراف بعبثية النهج الحالي وتأمين الدعم لإدارتي الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي التي تحمي السودانيين الجنوبيين وهذا إنما يتضمن  :

* تفاوضاً لخروج Kiir  و Machar   .

* كسب الدعم لخدمات الأمن المتعددة للسودانيين الجنوبيين والمجموعات الرئيسية المُسلحة والدوائر القبلية من قبل إدارة الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي   .

* تأسيس هيكل إداري مُشترك للرقابة للأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي لجنوب السودان ووضع إيرادات البلاد من البترول بضمان سيطرتهما  .

* إعادة هيكلة تدخل حفظ السلام ليشمل قدرات مُعززة للإنفاذ ” .

” إن تضافراً للسلطة والقوة يمكن به إضعاف أي فاعل لديه حافز إعتراض الإدارة الإنتقالية إن الإتحاد الأفريقي وجيران جنوب السودان علي نحو خاص عليهم الإتحاد في هذا , وهم يضعون قواهم الدبلوماسيين والعسكرية في خدمة مبدأ الإتحاد الأفريقي بعدم تجاهل التدخل في حالة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب ”  .

” إن إستبعاد Kiir و  Machar من الفترة الإنتقالية يمكن أن يمحو دافعاً رئيسياً للحرب , وكذلك الأمر مع المعارضة في أوساط الدوائر القبلية الرئيسية لإدارة الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي . وللإسراع برحيلهما فإن الولايات المتحدة والضامنين الدوليين والإقليميين لإتفاق السلام الحالي يجب أن يقدموا للسيدين  Kiir و Machar حصانة من المُلاحقة القضائية ومنحهما ملاذاً آمناً بالخارج ”  .

” هذه المبادرة الدبلوماسية يمكن أن تغري أيضاً العسكرية بجنوب السودان والأجهزة الوطنية الأخري , علي إعتبار أن إدارة الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي هما البديل السيئ الأقل في توجيه التدخل العسكري , وإيصال البلاد إلي نطاق نفوذ إثيوبيا والسودان وأوغندا , والنتيجة بذلك تقود إلي نهاية مفتوحة ألا وهي فقدان السيادة فهناك الكثير من القادة العسكريين السودانيين الجنوبيين سيقفون ملياً أمام الوقفة التي توفرت بالوجود الدولي لهيكلة وإصلاح أمور قواتهم الممزقة وعلي التوازي فإن الوزن السياسي للقبائل غير الدنكاوية والتي أُبعدت بفعل إجراءات حكومية لمصلحة قبيلة الرئيس Kiir وعلي حسابهم هم يمكن أن تدفع بإتجاه داعم لإدارة الأمم المتحدة والإتحاد الافريقي التي تلغي هذه الإجراءات ” .

” إن تمركز قوة تدخل للسلام لديها قوة جبرية ذات مصداقية يمكنها إذن أن تردع وتدحر من تبقي من المفسدين وبينما يتطلب الأمر قواعد قوية للإلتزام , فإن هيكلاً رائداً كفئاً وأصول تمكن من التحرك , من شأن كل ذلك مع حجم وتكلفة لمثل هذه القوة للتدخل من أجل السلام ألا تتجاوز ( تكاليف) عملية حفظ السلام الحالية التابعة للأمم المتحدة وعوضاً عن ذلك ومن المنظور السياسي حيث العناصر الأساسية للحكومة وقوي المعارضة سوف لا تعارض الإدارة الدولية , فإن عدداً أقل  من المساهمين بقوات ممن أبدوا إستعداداً لإستخدام قوات فدائية يمكن لهم أن يضعوها علي الأرض , إن الترتيبات الأمنية التي نجحت في إنهاء حروب أهلية أخري لم يكن لها تمركزاً كثيفاً أو إستخدام علي نطاق واسع للقوة , لكن الأحري من ذلك كان الإلتزام بالإقناع بالإنفاذ بدعم من توفر إستراتيجية سياسية مُتماسكة . علاوة علي ذلك ولما كانت البلاد مُنكسرة , فإن الإدارة الدولية يمكن لها أن تطلب جنوداً من السودانيين الجنوبيين للعودة للثكنات للبقاء فيها بأجر”   .

” إن تركها في الموقف الحالي يعني زوال  Demise جنوب السودان مما سيُضاعف من التهديدات التي نراها بالفعل في دولة فاشلة , كما أن ضعف الحكم والصراع والهجرة والتطرف في منطقة يُنتظر أن يتضاعف سكانها بحلول عام 2050 . يحتاج المجتمع الدولي  إلي منهج يتجه نحو آفاق عودة أفضل للإستثمار , إن شعب جنوب السودان لا يستحق فرق المساعدة , لكنه بحاجة إلي إنهاء كابوسهم الثقيل” إنتهي النص   .

– لم يكن مُقترح وضع جنوب السودان تحت وصاية الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي معزولاً عن الدائرة الإستشارية التي تقف خلف السياسة الأمريكية , إذ أن Princeton Lyman كان من كبار مستشاري الرئيس الأمريكي Barack Obama والمبعوث الأمريكي السابق لدي السودان وجنوب السودان ومن المُؤكد أن هذه الفكرة إستخلصها من واقع مهمته مبعوثاً للرئيس الامريكي لجنوب السودان والسودان , وتداولها قليلون علي نطاق ضيق مُقفل بالدائرة الرئاسية , وربما – وهذا لا يُغير إلا قليلاً في المعني – إنتهي الأمر إلي تفضيل إعلانها بعد أن تنتهي مهمته في مارس 2013 وفي توقيت ملائم  , بمعني أن هذا المُقترح لامس آذان الدبلوماسية الأمريكية قبل إعلانه ,  فالسفير Lyman بحكم منصبه السابق يسبغ علي المقترح درجتين من الخطورة والأهمية  وعندما أعلنه علي موقع مركز عصف ذهني أمريكي تضع الدبلوماسية والعسكرية الأمريكيتين له إعتباراً ممُيزاً كما أنه كتب وكرر ما ورد بمقترحه حتي يؤكده في عمود للرأي لأحدي الصحف الأمريكية في يوليو 2016 .

من جهة أخري سبق أن طرح  Pagan Amum Okiech الأمين العام لحركة الجيش الشعبي لتحرير السودان SPLM وهو الحزب الحاكم حالياً بجنوب السودان , في يوليو 2016 إقتراحاً مُشابهاً لإقتراح السفير  Princeton Lyman وأسس ذلك علي إعتقاده بأن القادة الحاليين بجنوب السودان لا إرادة سياسية لديهم لتوحيد البلاد وإنهاء الدائرة الشريرة للعنف , وأعلن من نيروبي في تصريح لإذاعة Tamazuj نُشر في 4 أغسطس 2016 أنه سيقود حملة دولية وإقليمية لفرض وصاية دولية علي جنوب السودان بإعتبار ذلك هو السبيل الوحيد لإستعادة السلام والإستقرار في أحدث دول العالم , مُوضحاً أن التدخل الأجنبي في جنوب السودان سيجبر الرئيس Salva Kiir وحلفاءه بلا شك علي التقاعد , ومن شأن ذلك أن يمنح فرصة لتشكيل حكومة إنتقالية من التكنوقراط تُشرف عليها الأمم المتحدة لتُعد البلاد للإنتخابات , وأضاف قوله ” إننا نقود حملة لشرح الموقف في جنوب السودان فلقد إنهار إتفاق السلام  وقُتل بمعرفة الرئيس Salva Kiir , والتدخل يمكن بواسطته إستعادة السلام وعند ذلك نجبر الرئيس Salva Kiir وحكومته غير الشرعية الآن للإنزواء بعيداً حتي تتاح فرصة لحكومة وطنية من التكنوقراط ” , و في تصريح آخر لنفس الإذاعة بُث في 6 فبراير 2017 كرر Amum نفس الكلام لكنه أضاف ” أن الرئيس Salva Kiir  صاغ جيش جنوب السودان بصبغة قبائلية إثنية Ethicizing لإستهداف جماعات إثنية أخري كما نراه الآن في  Wau  و في  Yeiوأن عمليات عسكرية أخري تجري في مناطق قبيلة الشلك في ولاية أعالي النيل (التي نشرت بعض المواقع الإعلامية مُؤخراً أن القاذفات الجوية المصرية إستهدفتها أيضاً) ونحن ندين هذا المسلك من الرئيس Kiir لإستمراره في مهاجمة جماعات إثنية أخري ” وأضاف قوله ” إن الأمم المتحدة يجب أن تتصرف وبسرعة فلا يجب أن تتوقف عند حد الإدانة وتوجه تحذيرات فقط , لكنها يجب أن تفعل شيئاً , وإلا فإن الموقف في جنوب السودان سيشهد تطهيراً عرقياً وإبادة جماعية ” , ومن جهة أخري أشارت الإذاعة تعليقاً علي ما تقدم أن سياسياً ينتمي لقبيلة الشلك موالي للنائب الأول لرئيس جنوب السودان Taban Deng Gai إتهم حركة SPLA-IO المُتمردة علي نظام الرئيسKiir ومتحالفة مع Riek Machar بالقيام بهجمات من مواقعهم في Ditang و Gabat بولاية أعالي النيل وفي 9 فبراير 2017 نشرت إذاعة Tamazujتصريحاً أدلي به Amum قال فيه ” إن قرارات قمة الإتحاد الأفريقي لم تف بتوقعات الجنوبيين والعالم , إن ما نقترحه إنه يجب علي الإتحاد الأافريقي أن ينخرط والأمم المتحدة معاً ويأتون إلينا بمبادرة من أجل السلام في جنوب السودان ” , ثم دعا الإتحاد الأفريقي والسلطة عبر الحكومية للتنمية  IGAD للدعوة إلي تمركز قوات للأمم المتحدة وقوات إقليمية لحماية المدنيين الجنوبيين , ذلك أن تمركز قوات إقليمية في جوبا لن يحل المشكلة , وأن الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس Kiir يجب أن يقوده كيان محايد لضمان فعالية العملية , ومن جهته أشار الناطق باسم رئاسة جنوب السودان Wek Ateny  أن المعارضة تريد أن يكون الإتحاد الأفريقي هو الميكانيزم لتغيير النظام في جنوب السودان ”   .

نشرت إحدي الصحف الصادرة في نيروبي مُجدداً في فبراير 2017 عن تداول بعض المسئوليين السابقين بجنوب السودان لمُقترح بفرض الوصاية الدولية علي جنوب السودان تُدار فيها البلاد من خلال الأمم المتحدة لمدة مُحددة قبل أن تُعاد الإدارة لشعب جنوب السودان , وقد فتح تكرار الصحف الكينية لهذا الملف الشائك مُجدداً باب المزيد من النقاش حول فرض الوصاية علي جنوب السودان , إذ أن رئيس جنوب السودان Salva Kiir إتهم عام 2014 الأمم المتحدة بالبحث عن تولي أمر جنوب السودان مُؤسساً مقولته تلك علي تكهنات بأن بعثة الأمم المتحدة لجنوب السودان UNMISS ربما تدفع بخصم الرئيس ونائبه السابق زعيم المعارضة المُسلحة له Riek Machar للإنتفاض علي الحكومة التي يرأسها Kiir  .

لكن ومع كل الإعتبار لوجهات النظر علي تباينها , أري من الوجهة الموضوعية أن الجميع يجب ان يعلم أن الوضع في جنوب السوداني كارثي بالفعل ولا مجال للمبالغة بشأنه , إذ أن الحرب الأهلية بجنوب السودان آمن طرفيها بضرورتها تلبية لدوافعهما القبلية والسياسية مما أدي إلي إنهيار إتفاقية أديس أبابا وسيؤدي لإنهيار غيرها إن طُرحت ثم وُقعت , ولذلك فإن الجهود الدبلوماسية الجارية يجب أن تتوقف بالفعل لتلتقط الأطراف الدولية والإقليمية أنفاسها ,  فالإستمرار في مسار هذه الإتفاقية عبثي لأنه وببساطة جهد نظري لا علاقة له بالواقع الميداني والأزمة الإنسانية التي تقترب بل أصبحت في إتجاه إبادة جماعية وتطهير عرقي وجرائم ضد الإنسانية ضحاياها كما هو الحال دائماً في كل الصراعات السياسية المدنيين العزل , وبالتالي فإن الأخذ بنظرية المؤامرة وعلاقتها بمقترح السفير Princeton Lyman بشأن الإدارة الدولية بجنوب السودان حتي وإن إعتبرناه إنقلاباً أو ثورة في الفكر الدبلوماسي فهو مُقترح لإنهاء أزمة إنسانية مُكتملة الأركان وهو قد نشر علي موقع معهد الولايات المتحدة للسلام في 20 يوليو 2016و Financial Times كما نشره أيضاً موقع معهد الدراسات الأمنية الأمريكي , ونفياً لنظرية المؤامرة تلك اشار الصحفي SIMON ALLISON  في مقال له نشر في 3 أغسطس 2016 علي الموقع الأخير, أشار إلي أنه يمكنك أن تقول ما تريده عنPrinceton Lyman المبعوث الأمريكي السابق للسودان وجنوب السودان والسيدة Kate Almquist Knopf  وفكرتهما الخلافية , لكن مما لاشك فيه أنهما يفكران خارج الصندوق فهي أي نظرية المؤامرة لن تصمد أمام ما تراه أطراف أخري معنية من أدلة تحدث علي الأرض وتثبت نفاذ البدائل .

الـــتـــبــــايـــن بين حالتي غـــزة وجــنــوب الــســودان:

1- مـــقترح الإستحواذ علي وإدارة غـــزة قـــرار أمريكي أت من الرئيس الأمريكي شخصياً وهو بخبرته السابقة كسمسار عقارات لا خبرة لديه بالأزمات الدولية ومنها الصراع في غزة كما أنه لم يشر في مقترحه لأي إشارة إلي دور للأمم المتحدة مـا أو لمجلس الأمن الدولي وبالتالي فغزة وفقاً لذلك المقترح شأن أمريكي صرف أما في حالة جنوب السودان فالمقترح الأمريكي غير الرسمي  آت من خبراء ذوي علم بموضوع الصراع في جنوب السودان فمقدم المقترح سفير الولايات المتحدة السابق في السودان كما أن مقدم الإقتراح أعتبر أن موضوع الصراع( وهو صراع مازال مُستمراً) في جنوب السودان شأن دولي لذا تركز المقترح علي دور الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي .

2- مــــُقـــتــرح وضع جنوب السودان تحت وصاية الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي طــــُـرح بصفة غير رسمية من قبل المبعوث الأمريكي السفير السابق للسودان وجنوب السودان Princeton Lyman الذي تولي هذه المهمة في الفترة من مارس2011 حتي مارس 2013 وزميلته السيدة Kate Almquist Knopf المديرة السابقة لمكتب وكالة التنمية الدولية بجنوب السودان والسودان من 2006 حتي 2007 ثم المديرة السابقة لمركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية اما مُــقــتــرح الإستحواذ علي وإدارة الولايات المتحدة لـغــزة فقد قدمه الرئسش ترامب مباشرة للمجتمع الدولي عبر الإعلام الدولي الرئيس دونالد ترامب شــخـــصــيـاً .

3- في حالة جنــوب السودان وُضع مقترح وضع جنوب السودان تحت وصاية الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي أثناء الحرب الأهلية في جنوب السودان 2013 – 2018 وبعد أن أخفقت إتفاقية 2015 في أديس أبابا لإنهاء هذه الحرب  ولم يكن هناك وساطة أو تفاوض أمريكي بين طرفي هذه الحرب الأهلية لكن في حالة غــزة عين الرئيس ترامب ستيف ويتكوف اليهودي مبعوثاً للشرق الأوسط ليدير المفاوضات بين حماس والكيان الصهيوني ثم مع حماس بمفردها .

4- في حالة غـــزة أدي الأمريكيين أداء دبلوماسياً شــاذاً فقد تناول شـــان غـــزة الرئيس الأمريكي بنفسه ووزير الخارجية روبيو والمبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف وربما أكد ذلك إفتقاد أدارة ترامب للمؤسسية فهو يدير الدولة كيفما أُتفق وإن لم يعبر ذلك عن فــوضي وإزدواجية فعن أي شيئ آخــر يعبر ذلك ؟ إضـــافــة لأمر آخر في غـــاية الـــغـــرابة وهو/ كيف يــتــأتي فــهم إعلان “الوسيط الأمريكي” منفرداً عن خـــطـــة أو مـــُقــتــرح الإدارة الأمريكية لــغـــزة  ؟ إذ أن هذا الإعلان وحده كفيل بالمصــادرة علي وســاطــة الولايات الــمــتـحــدة أو علي الأقل دخولها كطـــرف في الصراع الصهيوني / الفلسطيني في غــزة وقبل كل ذلك إفتقادها للحيادية والحيادية أول شروط التأهل للوساطة , وعلي نحو مختلف كان من المنطقي أن تقترح الولايات المتحدة ولو بصفة غير رسمية  وضع جنوب السودان تحت الوصاية الدولية فلم تكن وســـيــطــاً في صراع جنوب الســـودان بل إنها دعت آنئذ – ولم تنجح – في الأمم المتحدة  إلي فرض حــظــر علي توريد السلاح لطرفي هذه الحرب الأهلية .

5- إقتراح الرئيس ترامب بالإدارة الأمريكية لقطاع غـــزة إقــتراح يؤكد حالة الغيبوبةApathy  السياسية لدي كامل الإدارة الأمريكية فالمقاومة أثبتت لكل من ألقي السمع وهو شهيد سـيـــادتــهــا وسيطرتها المطلقةعلي قــطــاع غـــزة وإستجداء الرئيس الإمريكي نفسه موافقة حماس علي إطلاق سراح الأسري المُقاتلين في صفوف الجيش الصهيوني من حاملي الجنسية الأمريكية فكيف وهوبهذا الضعف يتجرأ علي إطلاق دعوته المقــُترحـه لإدارة قطاع غـــزة ؟ أما في حالة جنوب السودان فلأن مقدم المقترح مدرك تماماً بحكم خبرته كسفير سابق للولايات المتحدة في السودان وجنوب السودان حدودوإمكانيات الدور الأمريكي وهي محدود هناك لذلك أحال الوصاية علي جنوب السودان لكي ينهض بها الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي .

الــــتـــــقــــديـــــر:   

مــُقترح الرئيس الأمريكي لإدارة غــزة ليس مقترحاً منفك الصلة عن ما قبله وما بعده فهو مـــرحـــلة من مــراحــل ســــيــنــاريو وضعــه جهاز المخابرات الأمريكي (وربما بمشاركة الخارجية الأمريكية وبعض مراكز القدح الذهني الأمريكية) المعني بمتابعة والتأثير علي مجريات صراع الشرق الأوسط وبؤرته الملتهبة حــاليـاً في غـــزة , فهذا المقترح غير مقصود لذاته بقدر ما هو يـستـهـدف التأثير علي المفاوض الحمساوي ولقد نجح المفاوض الحمساوي أن ينأي بنفسه عن هذه التخرصات الأمريكية الـــســـمــجــة . فكيف لبؤرة ملتهبة كارهة للولايات المتحدة رفيقة الكيان الصهيوني وراعيته في حرب الإبادة بـغـزة التي مازالت الولايات المتحدة وستظل عــالـــقــة بها أن تفكر في إدارتها وتـــهـــجــــيــر ســكــانها لبلاد عربية مـــحــيـطـة بـغـزة أودعت شعوبها ســجناً كبيراً سيُـلحق به زنزانة إنفرادية لشعب غـــزة الذين ستعاملهم أنظمة الحكم المحيطة بغزة – لو أن شعبها قبل التهجير القسري – كمصابين بالجذام فتعزلهم حتي الـمـوت فهي نظم جـــاهـــلـة متعفنة بلا ضمير ؟ ومما يؤكد بدرجة ما أن هذا المقترح جــزء من ســـيـــنــاريــو مـــُعـد أن الولايات المتحدة نفسها إعترفت علي الأقل بسطوة حـــمـــاس وأضرابها ففاوضت حــمــاس مباشرة صحيح أنه ليس إعتراف سـيـاسي مكتمل لكنه علي الأقل إعتراف واقعي مساوي بالتفاوض مع حماس في قطر ومع المقاومة الفيتنامية في باريس وكلا ال‘ترافين إنهيا بإنسحاب أمريكي من أفغانستان وفيتنام بمعني أن التفاوض الأمريكي المباشر مع حماس ربما كـــان بـــشـــيــراً بنهاية ظافرة بمعونة الله سبحانه وتعالي لـحـمـاس .

(2) المــُـقــترح الأمريكي بإدارة غـــزة غير مفهوم والقتال يجري علي أشده في غــــزة وكذلك تمضي دورات التفاوض المباشر وغير المباشر مع حــمــاس إلي الأمام والخلف وهذا التضارب لا يناسب طـــرح مـــُقــتــرح مـا فكيف وهذا المُـقــتــرح يفترض نهاية الصراع نهاية تناسب إدارة غـــزة وعن أي غـــزة يشير هذا المقترح القاضي بإدارة غـزة ؟ أهي غــزة الخالية من سكانها ؟ أم هي غـزة المُحتلة؟ ثم أن هذا الرئيس المعتوه الذي لم تلد أمهات الولايات المتحدة ألـــعـن منه يتكلم عن الــحـــريــة لـــغــزة أفلم ينبهه أحدهم أن غـــزة وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة تشير إلي أن غـــزة مـــُحـــتــلة ؟ , لذلك أعتقد أن مـــُقـــتــرح إدارة غـــزة عملية تــمــويــهCamouflage وتـعــمــيــة مـقــصــودة لليمين الديني المهووس داخل الكيان الصهيوني جنباً إلي جنب مع الكنائس المــسيحية المــجــيـــئــية في الولايات المتحدة التي لها نصيب قل أو كبر في الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ إنشاء الولايات المتحدة الأمريكية وحتي أيامنا هذه , وهذا السلوك السياسي المعوج ليس وقفاً علي الرئيس ترامب فقد فعله رؤساء أمريكيون سابقون في قضايا وصراعات نشبت في فترة رئــاســتـهم والإختلاف في الفجاجة التي يتحدث بها الرئيس ترمب وليس في المضمون فالمضمون واحد وهو قــذف القضية موضوع التفاوض بعيدا لتشتيت الأنظار , فمن الوجهة الموضوعية الأمريكيين غير قادرين مع الصهاينة حتي الآن علي الحسم العسكري فإرادة القتال لديهم خـــائـــرة فيما حــمــاس وأضرابها في القطاع لاقتهم الوحيدة مع الله سبحانه تعالي ناصــر الـمــؤمــنــيــن وهذه حقيقة فالنظم العربية كلها تحولت حسابياً وأخلاقياً إلي صـــفــر كبير فلا قيمة ترجي منهم وهذا كلما تدركه حــمـــاس تـشــتد إرادة القتال لديها مصداقاً لقول الشاعر المصري محمود سامي البارودي أحد قادة الثورة الـعـرابـيـة  :

خـُلقت عـــيــوفاً لا أري لأبن حــرة علي يداً أغضي لها حين يغضب

– الـــصـــراع في غـــزة سيكون مستقبلاً حالة جديرة بأن تدرس في المؤسسات العسكرية والسياسة أي في فنون القتال والتفاوض وهي فنون تفتقدها معظم النظم العربية .

الــــــــســـــفــــــيـــــر : بـــلال الـــمـــصــــري – حصريا المركز الديمقراطي العربي

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى