الأفريقية وحوض النيلالدراسات البحثيةالشرق الأوسطتقارير استراتيجيةعاجل

الخــــروج الـــعســكــري الأمـــريـــكي من الـنــــيـــجــر

 

اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر

 

أعلن العقيد أمادو عبد الرحمن المتحدث باسم المجلس الوطني لحماية الوطن CNSP على التلفزيون الوطني في 16 مارس2024 أن المجلس العسكري الذي يحكم النيجر منذ (انقلاب) 26 يوليو 2023 قد أنهى إتفاقاً عسكرياً مع الولايات المتحدة الأمريكية يُعرف بـإتفاق وضعية القوات أو Status of Forcec Agreement وهو إتفاق وُقع عام 2012 بأثر فوري”مُوضحاً قوله بأن  “الوجود الأمريكي على أراضي جمهورية النيجر غير قانوني وينتهك جميع القواعد الدستورية والديمقراطية التي تتطلب استشارة الشعب ذو السيادة […] بشأن تواجد جيش أجنبي على أراضيها”, ووفقاً للمجلس العسكري فإن هذا الاتفاق “غير العادل” تم “فرضه من جانب واحد” من قبل الولايات المتحدة من خلال “مذكرة شفهية بسيطة” مُوقعة في 6 يوليو 2012, وفي تقديري وآخرين أن قرار المجلس العسكري بالنيجر يمثل ضربة قوية جداً للمصالح الأمنية الأمريكية في منطقتي الساحل والصحراء ودرساً مؤلماً لدول الشرق الأوسط الذليلة الــخانعة تحت سطوة القوي الدولية الكبري كالولايات المتحدة والإتحاد الروسي والصين الشعبية وفرنسا وغيرهم , فليست القواعد الأمريكية التي ألغاها قرار المجلس العسكري النيجر مهمتها قاصرة علي إطلاق الطائرات المُسيرة لمحاربة ما يدعون أنه إرهــاب هم صـــانعوه كما يدعي الأمريكيون وكما كانت تتصور حكومة رئيس النيجر الأسبقMamadou Issofou  الذي كان أول رئيس للنيجر يدشن الوجود والتدخل العسكري الأجنبي في النيجر مثله مثل رئيس تشاد الراحل إدريس ديبي الذي كان رائد وكلاء المصالح الفرنسية والغربية في أفريقيا وفتح تشاد علي مصراعيها لهم أيضاً , لا  فهذه القواعد الأمريكية للطائرات المُسيرة وفقاً لمعلومات موثقة حصلت عليها أثناء عملي سفيراً لمصر لدي النيجر من عام2009 حتي 2013 تؤمن فقط وحصراً المصالح والأمن القومي للولايات المتحدة فمثلاً تم تركيب هوائيات لأغراض مزدوجة لإطلاق هذه الطائرات المُسيرة وعمليات التصنت التي تتم داخل هذه القواعد علي إمتداد الطريق من نيامي إلي فايالارجو في تشاد فالكفرة في ليبيا حتي العوينات في مصر وقد إلتقيت بالخبير الأمريكي الذي قام بمهمة التركيب قبل أن يقوكم بها وأخطرت القاهرة بالعملية وتوقعاتي بشأنها , فالوجود العسكري والأمني الأمريكي والفرنسي والأوروبي منفك الصلة بمصالح النيجر ودول جوارها إنه لمصلحة الأمن القومي لهذه الأطراف فقط .

تواصلت منظمة Task & Purpose مع وزارة الدفاع الأمريكية بشأن ما يعنيه إعلان النيجر بالنسبة للقوات الأمريكية هناك ؟ وما إذا كانت العمليات في قواعد الطائرات بدون طيار ستتعطل ؟ فكان رد البنتاجون : “نحن على علم بما نشره CNSP على فيسبوك وهو الأمرالذي أعقب مناقشات صريحة على المستويات العليا في نيامي هذا الأسبوع حول مخاوفنا بشأن مسار CNSP وقال مسؤول عسكري أمريكي في بيان لموقع  Task & Purpose: “نحن على اتصال مع CNSP وسنقدم المزيد من التحديثات حسب الضرورة” .

في 13 مارس 2024أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن مبعوثي الرئيس جو بايدن يزورون نيامي وأنهم سيلتقون بالسلطات النيجرية التي تتولى السلطة منذ يوليو 2023 وأن وكيلة وزارة الخارجية لشؤون أفريقيا Molly Phee بالإضافة إلى ومساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي Celeste Wallander والقائد الأعلى للقيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) Michael Langley , وقد التقى رئيس وزراء النيجرالأمين زين 13مارس2024 بالوفد الأمريكي برئاسة مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية Molly Phee وأضافت قناة Tele Sahel التيليفزيونية أن الاجتماع تم توسيعه ليشمل أعضاء الحكومة وأعضاء المجلس الوطني لحماية الوطن وأنه من المقررأن يلتقي الوفد الأمريكي برئيس النظام العسكري الجنرال عبد الرحمن تياني يوم 13 مارس2024 لكن ما حدث بالفعل أن الوفد الأمريكيا إضطر مغادرة النيجر مساء الخميس 14 مارس2024 دون أي ضمانة لمستقبل الوجود العسكري الأمريكي في هذا البلد , ووفقا لوزارة الخارجية الأمريكية فإن الغرض من المحادثات كان “مواصلة المناقشات التي بدأت في أغسطس 2024مع حكام النيجر العسكريين بشأن العودة إلى الديمقراطية ومستقبل الشراكة الأمنية والتنموية , علي خلفية تعليق الولايات المتحدة لتعاونها مع النيجر بعد الانقلاب الذي وقع في 26 يوليو2024الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم ففي أكتوبر2023 صنفت واشنطن رسميًا الانقلاب العسكري بالنيجر على أنه انقلاب عسكري مما أدى إلى سن قوانين أمريكية تقيد الدعم العسكري والمساعدات التي يمكن أن تقدمها للنيجر لكن في ديسمبر2023قالت المبعوثة الأمريكية العليا لإفريقيا  Molly Phee إن الولايات المتحدة مستعدة لاستعادة المساعدات والعلاقات الأمنية إذا استوفت النيجر شروطا معينة , وهذه المقولات التي درجت علي إستخدامها الولايات المتحدة للي ذراع قادة الإنقلابات العسكرية فقط دون مصداقية هذه المقولات إستفزت قادة إنقلاب النيجر مع تدخل الأمريكيين صراحة في زيارتهم الأخيرة للنيجر في خيارات النيجر لشركاؤها .

فيما لا يزال للولايات المتحدة حوالي ألف جندي في النيجر يتمركزون في قاعدة بمدينة أجاديز الصحراوية بدعوي المشاركة في الحرب ضد الإرهاب , وهناك ثمة علاقة مباشرة بين قرار النيجر إنهاء التعاون العسكري/الأمني مع الولايات المتحدة فوراً بإعتباره غير شرعي وبين مغادرة الوفد الأمريكي الذي رترأسته Molly Phee ووصل في 12مارس2024 وغادر فجأة في 14 مارس 2024 , وقالت نائبة السكرتيرالصحفي للبنتاجون Sabrina Singh في 18 مارس2024 إن المسؤولين الأمريكيين أجروا مناقشات “طويلة ومباشرة” مع مسؤولي المجلس العسكري والتي كانت مدفوعة جزئيًا أيضًا بالمخاوف بشأن علاقات النيجر المحتملة مع روسيا وإيران وقالت: “لقد شعرنا بالانزعاج بشأن المسار الذي تسلكه النيجر” , كما قالت واشنطن في 18 مارس 2024 أن التعاون العسكري بين الولايات المتحدة والنيجر مفيد للطرفين وأنها تنتظر توضيحا بعد إعلان المجلس العسكري الحاكم إنهاءه وكرر Vedant Patel المتحدث باسم وزارة الخارجية العبارات الإستهلاكية في مثل هذه المواقف فقال :”نحن على اتصال مع السلطات الانتقالية للحصول على توضيحات لتعليقاتها ومناقشة الخطوات المستقبلية  وشراكاتنا مع دول غرب إفريقيا في مجال الأمن مفيدة للطرفين وتهدف إلى تحقيق ما نعتقد أنها أهداف مشتركة لكشف العنف الإرهابي ومنعه والحد منه وخلق بيئة مواتية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية” , وجاء البيان بعد وقت قصير من مغادرة وفد أمريكي البلاد بقيادة القائد العسكري الأمريكي الأعلى في أفريقيا الجنرال Michael Langley وعدد من كبار المسؤولين المدنيين  .

جاء إعلان المجلس العسكري لحماية الوطن بالنيجرCNSP عـن إنهاء التعاون العسكري والأمني مع الولايات المتحدة كما أشرت بعد أيام قليلة من زيارة وفد أمريكي لنيامي عاصمة النيجر استغرقت 3 أيام قام بها وفد أمريكي برئاسة مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية Molly Phee (هذه هي زيارتها الثانية خلال ثلاثة أشهرللنيجر) وضم هذا الوفد رئيس القيادة الأمريكية في إفريقيا الجنرال Michael Langley لتجديد الاتصالات مع المجلس العسكري بالنيجر , وقدانتقد عبد الرحمن هذا الوفد سواء بسبب انتقاداته للأوضاع في النيجر وتصرفات المجلس العسكري أو بسبب الافتقارالواضح للشفافية وقال عبد الرحمن تياني في خطابه التلفزيوني في 16 مارس2024أن “حكومة النيجر تدين بشدة الموقف المتعالي المصحوب بالتهديد بالانتقام من رئيس الوفد الأمريكي تجاه حكومة وشعب النيجر” وأوضح أن “وصول الوفد الأميركي لم يحترم الممارسات الدبلوماسية” وأكدأن الحكومة الأمريكية أبلغت نيامي “من جانب واحد” بموعد وصول الوفد وتشكيله , ولم تكن زيارة الوفد مُرتبة ثنائياً لذا فقد كانت بمثابة نوع من أنواع الإملاء والغطرسة فلم تُستشار السلطات في النيجر بشأن موعد هذه الزيارة ولا أُخطرت بالموضوعات التي سيتم تناولها لذا ووفقًا لمصدر حكومي نيجيري فخلال هذه الزيارة التي استمرت 3أيام لم تتمكن  Molly Phee من مقابلة رئيس النظام العسكري عبد الرحمن تياني فلم يستقبلها    لكنها مددت إقامتها 24 ساعة لمقابلته لكن قائد الانقلاب تجاهلها فكان عليها أن تكتفي بمقابلتين مع رئيس الوزراء , بل إن  المتحدث باسم المجلس العسكري بالنيجر قال على التلفزيون الرسمي إن قادة المجلس العسكري لم يستضيفوا الوفد الأمريكي إلا من باب المجاملة ووصفوا لهجتهم بأنها متعالية , وهو ما أكدته علي نحو آخر Aneliese Bernard المسؤولة السابقة بوزارة الخارجية الأمريكية والمتخصصة في الشؤون الأفريقية ومديرة مستشاري الاستقرار الاستراتيجي Strategic Stabilisation وهي مجموعة استشارية للمخاطر عندما قالت ” إن الزيارة الأخيرة (للوفد الأمريكي للنيجر) قد فشلت وإن الولايات المتحدة بحاجة إلى إلقاء نظرة نقدية على كيفية إدارتها للدبلوماسية ليس فقط في النيجر بل في أفريقيا وأن ما يحدث في النيجر ومنطقة الساحل لا يمكن النظر إليه بشكل مستمر في فراغ كما نفعل دائما فحكومة الولايات المتحدة تميل إلى العمل مع الغمامة ولا يمكننا أن ننكر أن علاقاتنا المتدهورة في أجزاء أخرى من العالم كالخليج وإسرائيل وغيرهما كلها لها تأثير مؤثر على علاقاتنا الثنائية في دول غرب أفريقيا ” .

كانت لدي الولايات المتحدة توقعات بأن سيناريو إخراج العسكرية الفرنسية من النيجر قد يتكرر معها فقد سبق أن قال قائد القوات الجوية لأفريقيا الجنرال James B. Hecker عقب إنقلاب النيجر في 26 يوليو2023أن الولايات المتحدة تضع خططًا احترازية لإخلاء قاعدتين رئيسيتين للطائرات المسيرة ومكافحة الإرهاب في النيجر إذا أصبح ذلك ضروريًا في ظل المجلس العسكري الحاكم الجديد في الدولة الواقعة في غرب إفريقيا , وشدد على أنه لم يكن هناك قرار من إدارة بايدن بشأن ما إذا كانت الإطاحة بجيش النيجر في 26 يوليو 2023برئيس البلاد المنتخب ديمقراطياً ستجبر الدبلوماسيين الأمريكيين أو قوات الأمن على مغادرة البلاد وأنه يعتقد أن الأمر سيستغرق “أسابيع أو أطول بكثير” قبل أن يعلن المسؤولون الأمريكيون أي نوع من قرار الإخلاء وإذا حدث ذلك فإن كل ما نأمله بالطبع هو أن يكون لدينا حل دبلوماسي سلمي لهذا الأمر فلا يتعين علينا المغادرة ولم يذكر  الجنرال James B. Hecker تفاصيل عن الدول التي كانت الولايات المتحدة تعتبرها مركزًا بديلًا لمكافحة الإرهاب في غرب إفريقيا إذا طُلب من الولايات المتحدة الخروج من النيجر لكنه قال : “لقد بدأنا للتو النظر في ذلك والمسؤولون العسكريون الأمريكيون “يعرفون أين نود أن تكون القاعدة ولكن المزيد من ذلك سيكون دبلوماسيًا” من حيث كيفية اتخاذ القرار وأشار إلي أن التخطيط الاحترازي للإخلاء شمل سيناريوهات حيث يتمكن الأمريكيون من الخروج في أوقات الفراغ وأيضًا حيث يتعين عليهم المغادرة على عجل مع استخدام المواد الأكثر حساسية فقط .

يُلاحظ أن الولايات المتحدة لم تُصنف رسميًا ما حدث في النيجر بأنه انقلاب إذ قد يجبر هذا التصنيف واشنطن على قطع العديد من العلاقات العسكرية والأمنية بين البلدين لكنها أعلنت عن تصنيفها لما حدث في النيجر في 26 يوليو 2023 علي أنه إنقلاب عسكري في اكتوبر 2023وأعتقد أن السبب في ذلك هو أن الولايات المتحدة كانت متأكدة أن مصير تواجدها العسكري في النيجر سيكون مثل مصير الفرنسيين وأستخدموا سلاح التصنيف لمرواغة وتطويع العسكريين الحاكمين في النيجر لأن التصنيف يترتب عليه من وجهة نظر الكونجرس والإدارة الأمريكية مواصلة أو عدم مواصلة التعاون والمساعدة للنيجر .

خلافاً لموقف الفرنسيين عندما قررالمجلس العسكري بالنيجر نهاية عام2023 تصفية وجودهم العسكري بعموم النيجر فواجهوا هذا القرار بكثير من التحدي والمراوغة بل والوقاحة , فإن الأمريكيين إتسم موقفهم برباطة الجأش إلي حد كبير إلي درجة أن صحيفة The Sun النيويوركية وصفت في 19 مارس موقف الولايات المتحدة ساخرة فقالت أن الرئيس Bidenإستسلم وسينتهي به الأمر لإعطاء قاعدتي الطائرات المسيرة كهدية للرئيس الروسي Putin لكن ما يجب أن يُقال أن رد فعل العسكريين الأمريكيين كان عملياً إلي حد ما – علي الأقل حتي الآن – ففي19 مارس 2024 قال الجنرال Charles Brown رئيس هيئة الأركان المشتركة إن الولايات المتحدة تدرس خيارات أخرى في جميع أنحاء غرب أفريقيا لاستضافة القوات الأمريكية ودعم عمليات مكافحة الإرهاب بعد أن أمرت النيجر واشنطن بمغادرة البلاد وقال براون في مؤتمر صحفي في ألمانيا بعد اجتماع بشأن أوكرانيا “أن الولايات المتحدة تتحدث مع دول أخرى في غرب أفريقيا حول إمكانية التعاون في جهود مكافحة الإرهاب” قائلا “إن تلك العمليات تأثرت بالإطاحة بحكومة النيجر في انقلاب عسكري العام الماضي (هذا هي وجهة نظره وهذا هو تقديره مع أن الأمور هدأت في النيجر) وأضاف قوله “أنه منذ أحداث يوليو2023 أي إنقلاب النيجر أثر ذلك على قدرتنا على دعم مكافحة الإرهاب وأنه بينما نتطلع إلى المستقبل فسوف نواصل النظر إلى الدول الأخرى في غرب إفريقيا” وأشار الجنرالCharles Brown “إن هناك “إشارات متضاربة” من النيجر منذ صدور الأمر بمغادرة القوات الأمريكية” لكنه أضاف “أنهم ما زالوا يقيمون جميع الخيارات فنحن دائمًا نخطط لحالات طوارئ مختلفة وسنواصل وضع الخطط والاستعداد للبقاء أو المغادرة”.

في غمار هذه الأزمة الخانقة التي تواجهها الولايات المتحدة والعسكرية الأمريكية في النيجر نجد ردود فعل الفرنسيين كما لوكانوا سعداء ويغمرهم شعور بالتشفي في الأمريكيين فيما الإيطايين في واد آخر إذ صرح وزير الخارجية الإيطالي Antonio Tajani أمام مجلس الشيوخ الإيطالي في 19 مارس 2024 أن روما مستعدة لاستئناف التعاون الثنائي مع نيامي فلا يزال المجلس العسكري بالنيجر يحظى باحترام كبير للقوات الإيطالية الموجودة على الأرض النيجرية(وهي قوات صغيرة العدد) على الرغم من خطابه المتصاعد ضد القوى الغربية الأخرى واذعانه المتزايد لروسيا وإيران وأضاف قوله “إن العلاقة بين روما ونيامي ما زالت حية وبصحة جيدة وأن إيطاليا مستعدة لاستئناف التعاون الثنائي مع النيجر وأشار إلى أن الأمين العام لوزارة الخارجية Riccardo Guariglia ورئيس قيادة عمليات القمة المشتركة للقوات Francesco Paolo Figliuolo زارا نيامي في أوائل مارس وفي تلك المناسبة تم “التخطيط لإمكانية استئناف التعاون الثنائي”, لكن وزير الخارجية الإيطالي لم ينس التعاطف مع حلفاءه الأمريكيين فقال :” إن الانسحاب من منطقة الساحل سيجعل المنطقة أكثر عدائية وبالتأكيد ليس أكثر ملاءمة لمصالحنا الاستراتيجية ونكرر النصيحة باستئناف الحوار مع سلطات الأمر الواقع في النيجر وهو احتمال تعمل عليه الولايات المتحدة أيضًا “.

أهم أصــــول الولايات المتحدة في النـــيــجــر هي قواعد الطائرات المُسيرة :

للولايات المتحدة 648 جندياً متمركزين حالياً في النـــيـجـر بعد قرار المجلس العسكري موضوعهذا التقرير (تشير مصادر أخري إلي أن عددهم 1100 جندي) وقد تم تقليص هذه المهام المصاحبة منذ مقتل جنود أمريكيين في عملية مشتركة في النيجر في عام 2017 عندما أعلن العقيد Mark Cheadle المُتحدث باسم القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM في مؤتمر صحفي عُقد في 4 أكتوبر2017 عن مصرع أربعة وإصابة إثنين آخرين أثناء قيامهم بهذه المهمة المُشتركة التي قوامها 40 مُؤلفة من عناصر من القوات الخاصة الأمريكية وأفراد من كتيبة أمن وإستخبارات تابعة للنيجر , وذلك في كمين نصبه لهم المهاجمين بقريةTongo Tongo الواقعة علي بعد 190 كم تقريباً شمال العاصمة نيامي بشمال محافظة Tillabéri بجنوب غربي جمهورية النيجر بعد قتال لم يستغرق سوي نصف الساعة أي أن الإنخفاض في عدد القوات الأمريكية بالنيجر أصبح 400 جندي , وكانت القوات الأمريكية تتواجد بالنيجر وراء ســـاتـرتوفير التدريب لقوات الأمن في البلاد وذلك حتي ما قبل الانقلاب في 26 يوليو2023 , وتدير الولايات المتحدة قاعدتين للطائرات بدون طيار في النيجر الأولي هي القاعدة الجوية 101في العاصمة نيامي والقاعدة الجوية 201بالقرب من مدينة أجاديز شمال النيجر على بعد حوالي 920 كيلومترا (550 ميلا) من العاصمة نيامي   (تكلفت إقامتها 100 مليون دولار أمريكي) ويضم هذا الموقع ما بين 600 إلى 1100 جندي أمريكي حسب الفترة الزمنية وتنطلق منه طائرات المراقبة والقتال وللولايات المتحدة مطاران جويان يستخدمهما الجيش الأمريكي في عمليات مكافحة الإرهاب – كما يدعي وهذا مجاف للحقيقية طبعاً – ضد تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية في غرب أفريقيا وهذان المطاران في نيامي وأجاديز المدينة الصحراوية بشمال النيجر , وبعد توقف عمليات الطائرات بدون طيارعقب الانقلاب استؤنفت الرحلات الجوية في خريف 2023لكن لُوحظ أنه بعد الانقلاب نقلت الولايات المتحدة الكثير من أفرادها من القاعدة الجوية 101 إلى القاعدة الجوية 201 وهذه القاعدة الجوية تعتبرأكبر مشروع بناء للقوات الجوية الأمريكية في التاريخ فهي مركز ضخم للطائرات بدون طيار كلف دافعي الضرائب الأمريكيين 280 مليون دولار كما تقدر مصادر أخري ويبدو أن إدارة بايدن تماطل في الإستجابة لطلب المجلس العسكري النيجري فالمتحدثة باسم البنتاجون سابرينا سينج والمتحدث باسم وزارة الخارجية فيدانت باتيل قالا إن الولايات المتحدة تسعى للحصول على “توضيح” بشأن تصريحات الحكومة النيجرية و اللافت للنظر أن الأمريكيين كالفرنسيبين يكررون نفس السردية التي لن تنتهي الإدارات السياسية والأمنية من ترديدها وهي أن وجودهم العسكري إنما لمساعدة الحكومات المحلية في محاربة المتمردين الإسلاميين مثل تنظيم القاعدةوالدولة الإسلامية وبوكو حرام مع أن قطاع الطرق المحليون سرقوا مؤخراً شاحنة تحمل 40 ألف دولار كانت مخصصة لدفع رواتب الموظفين المحليين وكان ذلك في وضح النهار خارج القاعدة الجوية 201.

في القاعدة 201 ووفقا لآخر المعلومات التقديرية فإنه يوجد علي المدرج الذي بالقاعدة طائرتان للاستخبارات الكهرومغناطيسية وطائرتان هليكوبتر للمناورة إضافة لحوالي 10 طائرات بدون طيار من طراز MQ 9 Reaper وهناك تنسيق يمكن أن يتضخم ليصل بالعدد إلى 15 إلى 20 جهازًا في حالة حدوث أزمة , وتسمح طائرات ريبر بدون طيار للجيش الأمريكي برؤية منطقة الساحل بأكملها وخاصة ليبيا وهي طريق الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط فالقاعدة الجوية 201تعمل كقاعدة استيطانية وهي بمثابة العمود الفقري لأرخبيل القواعد العسكرية الأمريكية في شمال وغرب أفريقيا وجزء رئيسي من جهود المراقبة والأمن الأمريكية واسعة النطاق في المنطقة , وبالتالي فإن الرحيل القسري للعسكريين الأمريكيين وقواعدهم يمثل نكسة كبيرة لواشنطن التي كانت منذ 26 يوليو2023 تاريخ إنقلاب النيجر العسكري تصالحية للغاية مع المجلس العسكري لكن يبدو مؤكدا الآن أن المجلس العسكري ومعظم شعب النيجر لا يريد أن تُستباح أرضه تحت أي ذريعة , وهذا قد سر الفرنسيين كثيراً فيقول ضابط فرنسي رفيع المستوى:  ” لقد اعتقدوا أن بإمكانهم التصرف بمفردهم في الأشهر الأخيرة دون دعم باريس وتكوين صداقات مع المجلس العسكري ” , ويري الفرنسيين أنه سيتعين على الولايات المتحدة الآن العثور على خطة بديلة ويشير الجيش الفرنسي إلى أنه “ربما سيكون لديهم الدافع لإيجاد حل معنا”, ويبدو من الواضح تمامًا أن الأمريكيين سيرغبون في الحفاظ على وسائل المراقبة في منطقة الساحل وقد تبدو تشاد وجهة منطقية فهي تقع على حدود النيجرولها حدود مشتركة مع ليبيا وتتمتع فرنسا بمكانة راسخة في تشاد ولا سيما مع وجود قاعدة جوية في كامب كوسي في نجامينا وقد تكون موريتانيا أو شمال بنين أو حتى المغرب خيارات ذات مصداقية للولايات المتحدة .

جدير بالإشارة إلي أن الولايات المتحدة من أجل التوطن عسكرياً في النيجر إستطاعت إستمالة الرئيس الأسبق للنيجر Mamadou Issofou الذي نافس الرئيس التشادي إدريس ديبي في عمالته لفرنسا فوافق علي إنتشار عسكري فرنسي لأول مرة في النيجر وفتح الباب علي مصراعيه للولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وفي سبيل ذلك إستخدمت الولايات المتحدة وسائل شخصية للإستمالة وأخري غير شخصية فكان أن أنفقت أكثر من 500 مليون دولار من المساعدات العسكرية قُدمت للنيجر منذ عام 2012.

الوجود الـعـسـكـري الأمـريـكـي في الـنـيـجـر :

تتأسس  العلاقات العسكرية بين النيجر والولايات المتحدة علي إتفاق مُوقع في 14 يونيو 1962بموجبه تقدم واشنطن معدات وخدمات للنيجر لتأمين أمنها و” إستقلالها ” ثم وقعت الدولتان إتفاقاً آخر في 9 يونيو 1980 يمنح النيجر الحق في الإلتحاق بالبرنامج الدولي للتعليم والتدريب العسكري بالمراكز والمعاهد العسكرية الأمريكية , وظلت العلاقات العسكرية علي مستواها المحدود إلي أن فاتحت الولايات المتحدة كل من النيجر وتشاد وموريتانيا في أكتوبر من عام 2002 في شأن مبادرة عموم الساحل أو Pan Sahel Initiative التي دخلت حيز العمل في نوفمبر 2002 ثم تطورت لتكون Trans-Sahara Counter Terrorism Partnership , إلا أن الولايات المتحدة أوقفت لفترة قصيرة تعاونها العسكري مع النيجر إبان عهد الرئيس Tandja إحتجاجاً علي رغبته في التمديد لفترة رئاسية ثالثة (مع أن رؤساء عرب وأفارقة كثر نفذوا هذه الرغبة وبرضي أمريكي بل أحياناً بدفع أمريكي) فيما عُرف هناك بالأزمة الدستورية والسياسية في النيجر 2009 حتي أُطيه به بإنقلاب عسكري في 18 فبراير 2010 , وفي يناير 2013 وقعت الولايات المتحدة مع حكومة الرئيس المُنتخب Issoufou إتفاقاً بشأن “وضعية القوات ” أو Status of Forces أتاح للأولي زيادة إنخراطها العسكري في عموم أراضي النيجر وأرتبط ذلك بالطبع بتطوير محطة الطائرات التي بلا طيار أو Drones من طراز Predator بمدينة Agadez بشمال النيجر وكذلك بدعم أمريكي إنطلاقاً من النيجر لمهام العسكرية الفرنسية في شمال مالي التي تخوضها فرنسا هناك تحت ستار قيم مُزيفة كالتي تعلنها مراراً العسكرية الأمريكية وتستخدمها لتسويغ “الحرب علي الإرهاب” , ثم وفي فبراير 2013 أعلن البيت الأبيض أن الرئيس Obama أمر بإرسال 100 من الأفراد العسكريين للعمل بالنيجر في مهمة إستخباراتية Intelligence collection وهي المهمة التي أشارت صحيفة The Guardian البريطانية أن رئيس النيجر Issoufou هو من طلبها , ومن الغريب في هذا الصدد أن يشير Atlantic Council في تقرير للدكتور Peter Pham عن هذا الشأن بقوله ” أن النيجر بالطبع كانت خياراً طبيعياً ليس فقط بسبب موقعها الوسطي جغرافياً , بل لإن حكومتها المُنتخبة ديموقراطياً نجت من الإضطرابات الإقليمية وأثبتت أنها حيلف يُعتمد عليه في الجهود المبذولة لإحتواء وهزيمة التشدد العنيف” ونسي أو تناسي الدكتور Pham أن حكومة النيجر وغيرها وهي تثبت أنها حليف يُعتمد عليه تضحي بالسيادة وبإستقلال مفاهيمها عن ما هو تشدد أو إرهاب لمجرد تلقي عون عسكري ما ودعم نظامها السياسي كلما تماهي مع الإستراتيجيات العسكرية الغربية , علي كل حال ففي عام 2013 أيضاً والذي يمثل أكثف تحرك عسكري أمريكي مع النيجر منحت الولايات المتحدة سلاح الجو بالنيجر طائرتان نقل صغيرتان من طراز Caravan Cessna 208 Grand وعدد من سيارت نقل Toyota كل ذلك بقيمة تتجاوز 10 مليون دولار , وفي فبراير 2014 إستضافت النيجر علي أراضيها أكثر من 1,000 جندي من 18 دولة أفريقية وأخري غربية منها الولايات المتحدة التي تكفلت بتكاليف هذه التدريبات التي نظمتها ونسقتها قيادة العمليات الخاصة الأمريكية وكانت تدريبات معنية بمجال مكافحة “الإرهاب” , ثم وفي 23 يوليو 2015 قام وزير دفاع النيجر Karidjo Mahamadou بزيارة للولايات المتحدة ليلتقي بنائب وزير الدفاع الأمريكي Bob Work ليبحث معه مجالات تعاون تقع في نطاق عريض منها المجال الأمني وتم خلال هذا اللقاء تبادل للأفكار بشأن جماعة Boko Haram وأمن الحدود علي نطاق شمال غرب أفريقيا , كما جري حديث بينهما عن الأولويات المشتركة للبلدين من أجل الشراكة وتوسيع التعاون في مجال الدفاع , بعد ذلك وفي أكتوبر 2015 أهدت واشنطن طائرتان أخريان من نفس الطراز للعمل في مجال الإستخبارات والإستطلاع مع 40 مركبة و250 ألبسة عسكرية وأجهزة إستقبال ومعدات حماية ثم سلمت طائرة أخري من نفس الطراز عام 2016 , وكل ذلك كان يعني من وجهة نظري محاولة نجحت من العسكرية الامريكية لجعل العلاقات العسكرية والأمنية مع النيجر ترقي إلي مرتبة التحالف كحالة تشاد , وبموجب علاقة التحالف تلك إستصدرت القيادة العسكرية الأأمريكية لأفريقيا موافقة من الرئيس Issoufou تتيح لعناصر قيادة العمليات الخاصة الأمريكية القيام بعمليات قتالية كتلك التي أعتقد أن هجوم 4 أكتوبر كان إحداها , وفي الواقع فإن الموقع الجغرافي للنيجر إضطردت أهميته بسبب تعدد التظيمات الجهادية عن يمين وشمال النيجر بإعتبارها نقطة وسيطة بين خطرين يُشاع أنهما خارج النطاق الجغرافي للنيجر وهم الإسلاميين الجهاديين في مربضهم بشمال مالي وجماعة BOKO HARAM المتناثرة حول محيط بحيرة تشاد التي تطل عليها النيجر من جهة محافظة Diffa وبالإضافة لذلك فلدي النيجر ثروة هائلة من خام اليورانيوم تبررلفرنسا والولايات المتحدة التواجد أمنياً وعسكرياً لتتبع عمليات تهريب مُسخلص اليورانيوم أي الكعكة الصفراء Yellow Cake , وتجدر الإشارة إلي أن التواجد العسكري الأمريكي والفرنسي في النيجر يستفز قطاع عريض من شعبها فالحقيقة أن هناك تيار إسلامي بالنيجر كامن ولكنه قوي لدي قطاع عريض من السكان الذين هم خليط من قبائل الجيرما والهوسا والفولاني و99,5% منهم مسلمين علي المذهب المالكي , ومن مؤشرات وجود نمو هذا التيار أنه في أعقاب إنقلاب 18 فبراير 2010 وفي المرحلة الإنتقالية التي تولي فيها المجلس العسكري السلطة وإبان وضع المجلس الإستشاري لمشروع الدستور الجديد حظرت السلطات العسكرية مظاهرة شعبية كبيرة تطالب بتضمين هذا الدستور لمادة تنص علي أن الإسلام هو دين الدولة ولكن الإنقلابيين والنخبة الموالية بالمجلس الإستشاري أبقيا علي مبدأ علمانية الدولة وهو رفض شاذ إذ أن الدستور الأسباني مثلاً ينص علي كاثوليكية الدولة , فما هو الفرق وما هو الخطر من ذلك ؟ .

كان الهجوم الدامي للعناصر الجهادية ضد قوات العمليات الخاصة الامريكية في 4أكتوبر2017في قرية Tongo-Tongo الواقعة علي بعد 80 كم من شمال غرب بلدة Ouallam (جنوب غربي النيجر وتتبع منطقة Tillabéri) يعتبر تطوراً نوعياً في علاقة التيار الجهادي بالصحراء الكبري بالوجود العسكري الغربي بالصحراء , فلفترة طويلة كان الوجود العسكري الفرنسي هو الهدف الأول والأخير يُضاف إليه علي سبيل الإلحاق عسكريات دول الصحراء المُتماهية بسلطة رؤساءها مع إستراتيجية الإستنزاف الإقتصادي الفرنسي لموارد هذه الدول من خلال إتفاقيات غير متكافئة ومجحفة وتحت ضغط القوة العسكرية الفرنسية التي من ضمن أدوارها تأمين أنظمة موالية كما فعلت في تشاد عام 2008 عندما تصدت القوة الفرنسية المتمركزة بالعاصمة N’Djamena لزحف قوات المعارضة التشادية المُسلحة التي نجحت في دخولها لكن القوة الفرنسية مُستخدمة الطيران العسكري ردتهم وفكت حصارهم للقصر الجمهوري حيث كان الرئيس Idriss Déby قابعاً ومنزوياً خائفاً في أحد أركانه .

ولإن العسكرية الأمريكية كثفت من وجودها في النيجر من خلال تعزيز الموارد البشرية العسكرية الأمريكية ومن بينهم مجموعة من قيادة العمليات الخاصة تعمل في إطار Trans-Sahara Counter Terrorism Partnership بالإضافة إلي قاعدتين للطائرات التي بلا طيار Drones واحدة في Niamey العاصمة وتُستخدم بصفة رئيسية طائرات من طراز Predator والأخري تكلف إنشاؤها 100 مليون دولار وتقع خارج مدينة Agadez بشمال النيجر وكلاهما لجمع المعلومات عن الأجزاء الشمالية بصحراء مالي والنيجر معاً حيث يتحرك أبناء الطوارق الذين يُعتقد أنهم الداعم الرئيسي والحاضنة الطبيعية للتيار الجهادي في الصحراء الكبري الممتدة من موريتانيا وحتي واحة سيوة بالصحراء الغربية لمصر , وهم أيضاً من تشير إليهم تقارير متواترة عن مسئوليتهم عن تهريب الأسلحة بأنواعها ومختلف أنواع السلع الأخري , لكل ذلك فإن هجوم 4 أكتوبر سيؤثر بشدة علي وضعية وتطتيكات الإستراتيجية العسكرية للقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM , ذلك أنه ولأول مرة يكون هناك إشتباك بين الجهاديين أو لنفترض أنهم عناصر قاعدة المغرب الإسلامي والقوات الأمريكية فمنذ سنوات كانت الأهداف القتالية لهؤلاء الجهاديون مُركزة علي الفرنسيين سواء بقتلهم أو إختطافهم مقابل دفع فدي , لكن أما وأن هذه الأهداف أُضيف إليها الأمريكيين كما هي حالة هجوم 4 أكتوبر فإن الأمر يتطلب النظر إلي العلاقات المُحتملة للتواجد العسكري الأمريكي في النيجر في ضوء عملية المراجعة التي ستجريها AFRICOM لوضعيتها في النيجر وربما في أفريقيا عموماً , ولهذا يمكننا النظر إلي عملية المراجعة تلك في ضوء إرتباطها بعوامل مختلفة قد يبدو للبعض أنها مُنفكة الصلة بهجوم 4 أكتوبر , لكنني أري أن هذا الهجوم المُوجع له ظلال علي مجمل مهام القيادة العسكرية لأفريقيا في منطقتي الساحل والصحراء التي يجد المرء أن القوي الإسلامية هي المقاوم الوحيد لهذا الوجود الذي لاشك ينتهك السيادة وكان من الجدير للتيارات الليبرالية واليسارية أو الوطنية عموماً مشاركة التيار الجهادي في معركة السيادة تلك , لكن هذه التيارات للأسف جري إستنواقها علي يد أجهزة الأمن الضالة , إذ إن أنصارها للأسف لا يعتبرون الوجود والقواعد العسكرية الأمريكية والفرنسية وغيرهما ماسة ومنتهكة للسيادة وهذا في نظري شذوذ في السلوك السياسي الوطني , وعلي كل حال فالواقع أنه بعد هجوم 4 أكتوبر ستُجري القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا عملية مراجعة شاملة Comprehensive ومُعمقة .

جديـــر بـالذكــرأنه في ديسمبر2023 سحبت فرنسا قواتها البالغ عددها 1500 جندي وإغلاق سفارتها في النيجر بعد الاتفاق مع الحكومة العسكرية على إنهاء وجودها في البلاد وكانت فرنسا تعمل مع الولايات المتحدة انطلاقاً من النيجر في عمليات مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل كما يحلو لكلاهما أن يدعي لكن الهدف الحقيقي هو السيطرة علي الأمور وإدارتها وفق مصالحهما في ليبيا ودعم الحكومات الكرتونية العميلة لهما في دول الساحل الأفريقي والصحراء الكبري والتعامل مع من يستجيب من التنظيمات المسلحة بغض النظر عن لونها لخدمة مصالحهما وتهديد الحكومات العميلة لهما بهذه التنظيمات  .

تزامناً مع القرار ذا المدي الزمني الفوري لإنهاء التواجد العسكري/الأمني الأمريكي في النيجر أصبح من الواضح أن المجلس العسكري لحماية الوطن في النيجر ينهج خطاً مُتشدداً حيال الوجود الأجنبي وكله غربي في النيجر ولا يثق أبداً بأن كافة أشكال الوجود العسكري وتالأمني الغربي أتي للنيجر لحمايتها وأن الهدف الوحيد لكل أشكال التدخل العسكري/ الأمني بالبلاد إنما لتخريبها ونهبها وتحطيم وحدة المجتمع بالنيجر , لهذا وفي 14مارس2024 أُعلن عن أن الرئيسة الألمانية لبعثة Eucap (وهي بعثة لبناء القدرات المدنية أنشأها الاتحاد الأوروبي كجزء من سياسة الأمن والدفاع المشتركة (CSDP) بهدف شامل هو تعزيز قطاع الأمن الداخلي في النيجر وقدراته في مكافحة التهديدات الأمنية الكبيرة , كما أن هناك بعثة مدنيةأخري تابعة للاتحاد الأوروبي لإدارة الأزمات في مالي  مقرها الرئيسي في العاصمة باماكووهي مهمة غير تنفيذية لبناء القدرات تم إطلاقها في 15 يناير 2015بناءً على دعوة رسمية من الحكومة المالية وتدعم البعثة إصلاح قطاع الأمن وتعزيز الحوكمة والمساءلة في قوة الأمن الداخلي المالي) السيدة Katja Dominik عالقة في النيجر رغم عدم وجود حظر رسمي على مغادرتها أراضي النيجر إلا أنها لم تحصل بعد على الضوء الأخضر من سلطات النيجر لمغادرةالبلاد وتأتي هذه المواجهة عندما بث التلفزيون الوطني النيجري في شهر فبراير2024 صورا لمصادرة أسلحة في نيامي في فيلا Eucap في منطقة  الساحل في نيامي وأدي هذا الوضع إلى تعقيد العلاقات بين ألمانيا والنيجر وجرت مناقشات لإيجاد حل والاتفاق على تفاصيل انسحاب Eucap الساحل من النيجر ففي ديسمبر 2023أنهت النيجر مهمة  Eucap  في الساحل  .

الـــسبب الـــمباشـــر للخروج الـعســـكـري الأمريكي:

السؤال الجوهري الآن ولفترة قادمة سيظل هو : لماذا أنهت النيجر التعاون العسكري/ الأمني مع الولايات المتحدة ؟ وإتصالاً بهذا لماذا غادر الوفد الأمريكي النيجر فجأة بعد يوم من وصوله النيجر دون الإلتقاء بالجنرال عبد الرحمن تياني رئيس الجلس العسكري لحماية الوطن الحاكم في النيجر ؟

الإجابة تضمنها خبر صغير أوردته صحيفة وول ستريت جورنال wsj في 17 مارس 2024

تحت عنوان : “النيجر إنهاء العلاقات العسكرية الأمريكية بعد اتهام إيران بصفقة اليورانيوم مع النيجر”

وورد ضمن هذا الخبر أن مسؤولون أمريكيون كبار أثاروا قلقهم مع المجلس العسكري بشأن الاتفاق (المزمع بين النيجروإيران) الذي من شأنه أن يتيح لإيران الوصول إلى اليورانيوم النيجري

في تقديري أنه وكنتيجة لتباين وجهة النظر الأمريكية عن وجهة نظر المجلس العسكري الحاكم في النيجر بشأن صفقة اليورانيوم النيجري (السرية) لإيران (من الممكن أن تمنح نيامي طهران حق الوصول إلى احتياطياتها من اليورانيوم لبرنامج إيران النووي مقابل الدعم العسكري أو الاقتصادي) والتي أعتقد أنه تم إكتشافها بوسائل إستخباراتية أمريكية /صهيونية  , جاء قرار النيجر بإنهاء “التحالف” مع واشنطن في مجال مكافحة الإرهاب بعد أن اتهم مسؤولون أمريكيون كبار المجلس العسكري الحاكم في البلاد بالبحث سرا في اتفاق يسمح لإيران بالوصول إلى احتياطياتها من اليورانيوم حسبما يؤكد مسؤولون نيجيريون وأمريكيون , وكان أمر هذه الاصفقة أحد أهم نقاط الخلاف مع الجانب الأمريكي وأعتبر المجلس العسكري الحاكم في النيجر أن طرح أمر هذه الاصفقة في حد ذاته يعد تدخلاً أمريكياً مقيتاً وغير مقبول بالمرة لذلك أعلن المتحدث باسم المجلس العسكري النيجري في مساء16 مارس 2024قرار إنهاء التعاون العسكري مع الولايات المتحدة ولذلك تداعيات غاية في السلبية علي التواجد والفاعلية العسكرية الأمريكية والتي تنهض بها القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM في منطقتي الساحل والصحراء والتي سبقها في ديسمبر2023 الإنحسار والإنسحاب العسكري الفرنسي من النيجرومالي وبوركينافاسو .

إن صفقة اليورانيوم بين النيجر وإيران والتي كانت السبب الرئيسي لقرار النيجر إنهاء إتفاقية التعاون العسكري مع الولايات المتحدة سبق وأن أكدت أنها كانت السبب الرئيسي لزيارة وزير الخارجية الأمريكي Antony Blinken للنيجر في 16 مارس 2023 ومن المهم في هذا الصدد أن أستحضر فقرتين أشرت فيهما إلي هذا السبب الرئيسي ضمن مقال نُشر علي موقع المركز العربي الديموقراطي في 14 مارس 2023 أي منذ عام مضي وكان عنوانه : “ لماذا توجه وزير خارجية الولايات المتحدة للنيجر ؟ ففي هذا التقرير أوضحت وبصفة محددة تماما مايلي :

“الأهداف المُحتملة لزيارة وزير خارجية الولايات المتحدة للنيجر:

1أحتمال شراء إيران ليورانيوم من النيجر :

تأتي هذه زيارة وزير الخارجية  Antony Blinken للنيجرعلي خلفية إنسحاب الولايات المتحدة في 8 مايو 2018من خطة العمل الشاملة المشتركة المعروفة بشكل غير رسمي بالاتفاق النووي الإيراني وهو اتفاق دولي حول البرنامج النووي الإيراني تم التوصل إليه في يوليو 2015 بين إيران ومجموعة 5+1 (الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة – الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة – بالإضافة إلى ألمانيا) والاتحاد الأوروبي , ومنذ فترة تبددت الآمال في تحقيق نجاح وشيك في المحادثات النووية مع إيران فلا الولايات المتحدة الأمريكية ولا الحكومة في طهران راغبتان في الوقت الحالي من عام 2023 في مواصلة التفاوض بشأن برنامج إيران النووي، مما يعني تعليق المحادثات الأخيرة لإحياء الاتفاق النووي للعام 2015 , ومنذ نوفمبر2022 دخلت المحادثات النووية بين الغرب وطهران نفقا مظلما على إثر إرسال إيران شحنات تصنيع طائرات بدون طيار إلى روسيا التي تخوض غمار حرب ضروس ضد أوكرانيا المدعومة من عسكرية الولايات المتحدة وعسكريات دول حلف NATO , وليس هناك من وقت مناسب أكثر من الوقت الوقت الراهن حيث الحرب الروسية / الأوكرانية التي بدات في 24 فبراير 2022 حتي الآن و توقف المفاوضات الأمريكية / الغربية / الصهيونية الضاغطة علي برنامج إيران النووي الذي يتسارع في تقدمه إستغلالاً لهذه الظروف المواتية , وهو أمر تراقب الولايات المتحدة والكيان الصهيوني خاصة تحركات إيران بشأنه , ومن بين هذه التحركات المُحتملة تحرك إيران بإتجاه الحصول علي كميات من الكعكة الصفراء (مُستخلص اليورانيوم)Yallow Cack  لتموين برنامجها النووي , وقد سبق أن أشار تقرير اللجنة التي كان يرأسها اللورد “باتلر” إلي معلومات مُوثّقة عن زيارات قام بها مسؤولون عراقيون لدولة النيجر المصدّرة لليورانيوم  أيدتها معلومات الاستخباراتية البريطانية الواردة من مصادر كثيرة وتشير إلى أن الغرض من تلك الزيارات كان الحصول على اليورانيوم لكن هذه المعلومات كانت بلا أدلة جازمة بأن العراق قد اشترى اليورانيوم بالفعل .

لكن الذي يؤكد أن زيارة وزير خارجية الولايات المتحدة في 16 مارس 2023 كانت للإحاطة بـ وإحباط أي تحرك إيراني في إتجاه شراء يورانيوم من النيجر أنه في نهاية ديسمبر 2005 سافر وزير زراعة النيجر الذي كلف بمهام وزير تعدين النيجر(لإحكام سرية الزيارة) إلي طهران ووقع إتفاقية تعاون في مجال التعدين مع الحكومة الإيرانية وبخاصة اليوراتنيوم وبعد عودته بأقل من شهرين  أطاح إنقلاب عسكري في النيجر في 18 فبراير 2010قاده Salou Djibo وهوضابط مغمور أطاح  برئيس النيجر الراحل Mamadou Tandja لا لشيئ إلا لأنه تجرأ وإوفد وزير الزراعة لإيران من أجل هذا الإتفاق التعديني خاصة في ظروف متوترة في علاقات تعاون فرنسا مع النيجر في إستغلال يورانيوم شمال النيجر فقد كان رئيس النيجر Mamadou Tandja يُطالب الفرنسيين آنئذ بتغيير النمط التعاقدي غير العادل لإمتيازات تعدين يورانيوم النيجر(ثاني أكبر منتج عالمي)  مُهدداً إياهم بمنح إمتياز ثاني أكبر مسطح تعدين يورانيوم في العالم Imoraren بشمال النيجر للصينيين إن لم يفعلوا فوافقوا في 15 مارس 2009 خلال زيارة لنيامي إستغرقت 4 ساعت للرئيس ساركوزي بصحبة Anne Lauvergeon رئيسة مجموعة Areva لتعدين اليورانيوم , بعد ذلك ثم قام الفرنسيين بهندسة هذا الإنقلاب بالتعاون مع شركة Black Water ولدي تفاصيله , وهكذا كان إنقلاب مالي في 22 مارس 2012 بقيادة ضابط مغمور آخريُدعي Amadou Sanogo أطاح فيه بالرئيسAmadou Toumani Touré قبل شهر من إنتهاء ولايته الرئاسية الثانية والأخيرة لا لشيئ إلا لانه رفض الإنصياع للفرنسيين لإجتثاث الإسلاميين الأفارقة والعرب  من وسط وشمال مالي بسبب رؤيته بأن ذلك سيؤدي في نفس الوقت لتمزيق النسيج الإجتماعي بمالي وتأجيج المقاومة للنظام السياسي وللفرنسيين وكذا إحياء الدعاوي الإنفصالية , وقال لهم أي للفرنسيين أنه يُؤثر التفاوض معهم , لكن الفرنسيين فضلوا إستمرارالمواجهة مع المقاومة الإسلامية – أيا كان مُسماها – ثم تم لاحقاً تعيين Ibrahim Boubacar Keïta وهو أحد وكلاء فرنسا رئيساً مُنتخباً لجمهورية مالي والذي أُطيح به بإنقلاب عسكري في 18 أغسطس 2020 بالرغم من Keïta  كان متعاوناً مع الفرنسيين ولذلك نشطت المخابرات الفرنسية في تنصيبه بعملية ديموقراطية هزلية , لكن مع تردي كل أوضاع مالي وإشتداد المقاومة الإٍسلامية فقد تعرضت القدرات الفرنسية إلي تآكل وبالتالي فقد أخفقت في السيطرة علي الجيش المالي بل علي المؤسسات العسكرية بدول مجموعة الساحل الخماسية خاصة وأن هذه المؤسسات هي من تتعامل معها السياسة الفرنسية قبل القادة السياسيين والحزبيين بهذه الدول مما أكسبها مكانة خاصة ومُسيطرة ويزيد اللجوء الفرنسي إليها مع إشتداد المقاومة الإسلامية في عموم الساحل , لكن هذه الجيوش وخاصة جيش مالي أصابه الإنهاك من إستمرار القتال في حرب عصابات ليس مُعداً لها بالمرة شأنه شأن القوات الفرنسية ( إختزل الفرنسيون وحلفاءهم بالساحل المقاومة الإسلامية في كيان واحد هو تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبري EIGS بقيادة أبو وليد الصحراوي) ومع تصاعد الغضب الشعبي وشدة إلتزام أجنحة المقاومة الإٍسلامية بالصحراء الكبري  بقضية المقاومة للفرنسيين أخذ الوجود العسكري في مال يضمحل ويتراجع الفرنسيون نحو النيجر  , فلقد أدي هذا الغضب وتلك الشدة في الإلتزام إلي إمتدادات في شمال بوركينافاسو التي وصلت هجمات المقاومة الإسلامية علي المصالح الفرنسية لعاصمتها Ouagadougou وأستهدفت الفرنسيين هناك وحتي شمال الكاميرون Boko Haram التي وُضعت لها رواية وُزعت نسخها علي الإعلام الغربي والأفريقي بوصفها إرهابية مع أنها في المبدأ جماعة تربوية دعوية سلمية منشأ إرهابها أرهاب السلطات في نيجيريا لها بدفع من الكنيسة هناك ولما إستمر ذبح وترويع أعضاءها رفعت السلاح وخرجت الأمور عن سيطرة أعضاءها وعن العسكريين النيجيريين معاً .

مما يعزز إحتمال أن يكون الهدف الرئيسي من الزيارة هو وقف أي تحرك إيراني مع النيجر في التعاون أو لشراء كميات من الكعكة الصفراء أنه بمجرد إنسحاب الولايات المتحدة من الإتفاق النووي مع إيران تحررت الأخيرة من القيود علي برنامجها النووي بوجه عام وعلي طبيعته بوجه خاص , ومن ثم وازنت إيران التقدم للأمام في برنامجها النووي في الإتجاهين معاً المدني والعسكري مع تكلفة الفرصة المضيعة فكان أن قررت وبسرعة الولوج إلي الإتجاهات الرئيسية التي تحقق مردودية البرنامج النووي لمصلحة أمن إيران القومي , ولنتذكر أن الدول ذات الإيدولوجية الواضحة والعميقة هي نفسها الدول التي تبغي الكمال لنظرية أمنها القومي دون إعتبار للخصوم بوجه خاص وهذا هو مناط خشية المُتربصين ببرنامج إيران النووي ( وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني)  .

2- قاعدتي الطائرات التي بلا طيار Drones بالنيجر :  …………. “

نعود لموضوع الخروج الأمريكي من النيجر وأشـــيــر إلي أنه رغم أن قرار النيجر إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في النيجر أُتخذ وأُعلن عنه في 16 مارس2024 وكان بصفة فوريــة (إلا أنه لم يُحدد توقيت معين لمغدرة الأفراد وسحب المعدات) إلا أن موقع Stars and Stripes وهو قريب من الجيش الأمريكي والبنتاجون أشار في 18 مارس2018 إلي أن الوحدة العسكرية الأمريكية في النيجر لا تزال موجودة في البلاد على الرغم من إعلان المجلس العسكري إنهاءها إذ لا يزال حوالي 1000 جندي أمريكي في النيجر بعد يومين من إعلان المجلس العسكري الحاكم أنه يريد خروج تلك القوات من البلاد وأكدت القيادة الأمريكية في أفريقيا AFRICOM في18 مارس2024 أن القوات الأمريكية لا تزال في النيجروتتركز معظمها في قاعدة للطائرات بدون طيار على مشارف مدينة أجاديز بالصحراء الكبرى وقالت AFRICOM أن وحدة منفصلة موجودة في موقع مماثل في العاصمة نيامي ومن غير الواضح إلى متى ستتمكن القوات الأمريكية من البقاء في البلاد ويقول الأمريكيون أن تمركز AFRICOMإنما هو لمهام مكافحة الإرهاب عبر غرب إفريقيا ويُعرض هذا الوضع للخطر موقع أجاديز للطائرات بدون طيار التابع  AFRICOMوالمعروف باسم القاعدة الجوية 201 والذي أنفق البنتاجون أكثر من 100 مليون دولار لتطويره  .

بموازاة هذا الإتجاه من AFRICOM وكأنه نوع من أنواع ممارسة الضغط فقد أُعلن في 16 مارس2024 أن مجلس الشيوخ الأميركي صـوت مؤخراً ضد سحب القوات من النيجرالأمر الذي سلط الضوء على الأهمية الاستراتيجية للقواعد الأمريكية في النيجر وخاصة تلك التي في الشمال في أجاديــز ومنطقة الساحل ككل وأثار ذلك في نفس الوقت تساؤلات حول السياسة الأميركية في التعامل مع أفريقيا   وهذا التصويت كان ضد مشروع قانون يقترح انسحاب القوات الأمريكية وقاعدة الطائرات بدون طيار من النيجر مما يؤكد على المخاطر الجيوسياسية التي تواجهها الولايات المتحدة حالياً في منطقة الساحل ويسلط هذا الرفض الذي كان بأغلبية 86 صوتًا مقابل 11 صوتًا الضوء على مدى تعقيد الارتباطات العسكرية الأمريكية في الخارج والاعتبارات الإستراتيجية على خلفية تحولات القوى العالمية وقاد السيناتور الجمهوري Rand Paul الحملة ضد استمرار الوجود الأمريكي في النيجر مشيرًا إلى عدم موافقة الكونجرس والأعباء المالية في حين سلط السيناتورالديمقراطي  Ben Cardin الضوء على خطر إخلاء موقع استراتيجي كالنيجريمكن أن يفيد النفوذ الروسي ومرتزقة مجموعة فاجنر, وعلي أية حـــال فقد أدى قرار مجلس الشيوخ إلى إعادة إشعال المناقشات حول نطاق وسلطة الانتشار العسكري الأمريكي وخاصة في المناطق التي لم يتم منح موافقة الكونجرس فيها صراحة حيث يقول المنتقدون مثل السيناتور Rand Paul أن مثل هذه العمليات تعمل على توسيع نطاق التزامات الولايات المتحدة العسكرية من دون إشراف واضح أو استراتيجية خروج الأمر الذي يثقل كاهل دافعي الضرائب ويحتمل أن يورط أميركا في صراعات مطولة وعلى العكس من ذلك أكد المؤيدون أن الانسحاب يمكن أن يقوض الاستقرارالإقليمي ويفتح الباب أمام القوى المعادية لأخذ موطئ قدم وردد هؤلاء المخاوف بشأن الوجود المتزايد لروسيا ومجموعات المرتزقة التابعة لها في أفريقيا  .

الــخيــارات الـــمُــتــاحـــة أمام الـولايات المتحدة الأمريكية :

إن حيز المناورة أو الضغط الأمريكي علي المجلس العسكري بالنيجرضيق والخيارات محدودة وتكاد أن تكون معدومة في حالة ثلاثي الساحل : النيجر / مالي / بوركينافاسو بدرجة وهذا مالم تعهده سياسة ولا عسكرية الولايات المتحدة من قبل فالمجلس العسكري لحماية الوطن في النيجرمتماسك وبين أعضاءه وقيادته تناغم واضح ومما يدل علي ذلك إتخاذه قرار مماثل بتصفية الوجود العسكري الفرنسي في ديسمبر2023 ونجح في إملاء هذا القرار علي الفرنسيين رغم تجذرهم في المؤسسة العسكرية النيجيرية , وواضح أن هناك قليل من المناورة الأمريكية لكن لا أعتقد أن الأمريكيين سيفلحوتا فيما لم يفلح فيه الفرنسيون وهم ضاربين بجذورهم في جميع المؤسسات بالنيجر بما فيها المؤسسة العسكرية بإعتبارهم المستعمر السابق للنيجر و90% من القيادات العسكرية تلقت تدريباتها بفرنسا , كما أن الطبيعة الغالبة للوجود العسكري الأمريكي تثير المخاوف ذلك أن للولايات المتحدة قاعدتين للطائرات المُسيرة تغطي منطقتي الساحل والصحراء وطبعا بمافيها النيجر المكشوفة تماماً للامريكيين الذين كالعهد بهم حاولوا إختراق جيش النيجر وفشلوا وإلا لما نجح الإنقلاب العسكري في 26 يوليو2026 بطبيعة تكوينه من ضباط غير موالين لا لفرنسا ولا للولايات المتحدة الأمريكية ولا لروسيا ولا لإيران أو غيرهم فروسيا صحيح أن المجلس العسكري أتفق معها علي إقامة تعاون عسكري إلا أنه في ضوء تجربة النيجر مع عسكريات القوي الدولية الأخري كفرنسا والولايات المتحدة سيجعل من هذا التعاون في نطاق المساحة النمطية للدول الوطنية المُستقلة أي لا قواعد ولا أمتيازات ولا وجود المرتزقة فــاجــنر أو غيرهم ذلك النيجر سُلب إستقلالها بالقواعد العسكرية التي أتاحها نظام الرئيس الأسبق Mamadou Issofou والذي أعتقد بعد فراغ المجلس العسكري لحماية الوطن بالنيجر من الأزمة الحالية مع الولايات المتحدة فسيقدمه للمحاكمة بتهمة الـــخـــيـــانــة الـــعـــظـــمـــي هذا سواء أكان     موجوداً داخل النـــيـــجر أو خارجها , فما فعله  Mamadou Issofou لم يسبقه فيه رئيس آخر منذ إستقلال النيجــر عام 1960 عن فرنــسـا ,

إن الخروج العـــسكري الأمـريـكي من الــنــيـجرسيؤدي قـطـعـاً إلي تـنـاقص كفاءة وفعالية AFRICOM في منطقتي الساحل والصحراء الكبري وخاصة في عملياتها في لــيــبيا فقد كانت قاعدتي الطائرات الأمريكية المسيرة وأجهزة التصنت بهاتين القاعدتين في النيجر ذاخرتين بفيض من المعلومات حتي أنها مكنت العسكرية الأمريكية من تشغيل دول شرق أوسطية لتنفيذ عمليات محدودة في ليبيا لا لشيئ إلا لمحدودية الوقت Span of Time لدي AFRICOM .

إن الخروج الأمريكي في النيجر يأتي والإنطباعات والمشاعر الدينية والإنسانية لدي شعوب المنطقة وقياداتها خاصة بالدول الثلاث النيجر ومالي وبوركينافاسو أو ثلاثي الساحل غاية في السلبية تجاه الولايات المتحدة والعسكرية الأمريكية تعييناً فوزيرا الدفاع والخارجية الأمريكيين جاهرا علناً بدعم عدوان وإبادة العصابة الصهيونية المسلحة لأخوتنا الفلسطينيين في غزة ومونت الولايات المتحدة القتلة الصهاينة بإنتظام بالسلاح والذخيرة وعارضت كل القرارات المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة فكيف يمكن للعسكرية الأمريكية المرفوضة من قبل في عموم أفريقيا والتي رفضت معظم دولها إستضافة مقر قيادتها العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM  أن تستقر في أي من دول الساحل والصحراء وغالبتها من شعوب مسلمة ؟ سيكون أمـراً صـعباً إن لم يكن مستحيل  .

إن حــرب الصهاينة وداعميهم الأمريكيين علي شعب غـــزة كانت وستظل مــصدر إلــهـام لقادة النيجر ومالي وبوركينافاسو علي مستويين :

المستــوي الأول : شـــعــوري أو مـــعـــنوي فقد رســــخت المقاومة الفلسطينية / حمـــاس مــــفهـــوم المـــقــاومة القادرة الرادعة المــســتـقـلة , فقد آمنت المقاومة بقضية التخلص من الظلم والعدوان فكان لها ما أرادت إن ظلت مؤمنة بروح المقاومة فكان لها ما أرادت وهذا ما تفعله النيجر الآن مع فرنسا والولايات المتحدة وما لاتفعله دول شرق أوسطية وهو الإيمان الرابض وراء قرار النيجر إبعاد ولنقل طرد الوجودين العسكريين الفرنسي والأمريكي بصفة متتالية , فماذا عساها الولايات المتحدة وفرنسا أن تفعلا ؟ تقاتل أبناء النيجر قتال صحراء ؟ لا تستطيعه كلاهما تماما كما لم تفلح الولايات المتحدة وحلفاءها أن تكبح أنصار الله وتنهي إغلاقهم للبحر الأحمر من عند فوهته بباب المندب بل وعلي مدي المسطح البحري بخليج عدن ومدخل المحيط الهندي فمن يمكنه أن يواجه اليمنيين في مسرح قتال جبلي مُشابه لما واجهه الأمريكيون في أفغانستان وفشلوا فأنسحبوا كلية من أفغانستان أمام صلابة مقاومة طالبان ؟ .

المستوي الـثاني : قــــتالي / فالمقاومة الفلسطينية في غـزة تقاتل جيش أو لنقل عـصابات مدججة بأفضل ما أنتجته مصانع السلاح الأمريكية من سلاح وذخيرة لما يزيد عن 5 أشهر مُتصـلة ولم يفت ذلك في عضدها رغم فداحة التضحيات جراء إستشهاد الآف المدنيين من أهل غـزة , لكن صــمــود المقاومة الـفـلسطينية مـنـح قادة أفريقيا  – وفي حالتنا العملية هذه قادة النيجر –  فــرصـــة رؤية شعب يدافع عن هويته وسيادته فلم لا ينتهزوا هذه الفرصة لإستعادة هويتهم وسيادتهم التي فرط فيها الرئيسين Mamadou Isoffou  ومحمد بازوم الذي أطاح به الإنقلاب العسكري في 26 يوليو2026 وتصورت فرنسا والولايات المتحدة لمدة قصيرة أنه سيكون تكراراً لمسلسل الإنقلابات العسكرية المدمرة السابقة في النيجر وأفريقيا وإذ هم أمام إنقلاب في مفاهيم مبتسة مستقرة في خيالهم السياسي والأمني , فهو لم يكن كما هي حالة إنقلابي مالي وبوركينافاسو إلا إنقلاب للبحث عن والعثور علي السيادة التي أهدرها Mamadou Isoffou ومحمد بازوم وهاهم ماضون في مسار إستعادة هذه السيادة وإن حافظوا علي إيمانهم بعدالة قضيتهم وجدواها فسيحققوا هدفهم وهو إستعادة السيادة , مع ضرورة ووجوبية تحري الحرص والحذر الشديد فالمؤامرات والفتن والحصار والعقوبات أسلحة سيستخدمها الأمريكيون والفرنسيون لإستعادة عملاءهم أولاً ثم بواستطهم وكما يحدث في الشرق الأوسط يمكنهم بكل يسر وفجر تـحطيم سيادة الدولة وأمنها القومي

كما أن هذا الخروج الأمريكي يأتي حرجاً فحالياً هناك ثلاث دول بالساحل والصحراء ليس لديها أي إستعداد لإستقبال العسكرية الأمريكية خاصة المنتمية لسلاح الجو وتحديداً سلاح الطائرات المُسيرة وقد تكون ليبريا أو المغرب من بين الدول المرشحة لإستقبال الجيش الأمريكي خاصة وأنه سبق وأن رشحت هاتان الدولتان في الدوائر الأمريكي لإستضافة مقر القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM إلا أن كليهما لا تتوفر فيه ميزة موقع النيجر في قلب الصحراء الكبري وقريباً من وسط أفريقيا كما أن إستضافة المغرب لقواعد أمريكية للطائرات المسيرة سيثير غضب وحساسية وخشية الجزائر كما أن ليبريا دولة ساحلية موقعها متطرف عن نطاق الصحراء الكبري وهو نطاق من الضروري للعسكرية الأمريكية بكفاءة ويسر وهو أمر لن يوفره موقع ليبريا (وهي دولة صنعها الأمريكيون صناعة بالعبيد السود الأمريكيين المحررين) وبالتالي فالأمريكيون سيكونون مضطرين لمزاحمة الفرنسيين في تشاد التي تتواجد بها أعداد من الجنود الفرنسيين المنسحبين من مالي وبوركينافاسو والنيجر إضافة لمن للقوة الفرنسية التي كانت متموضعة في تشاد قبل تصفية الوجود العسكري في هذه الدول الثلاث , مع العلم أن الأوضاع في تشاد غير مستقرة داخلياً وحولها ففي داخلها هناك سخط شعبي من مجمل الأوضاع بالإضافة إلي محمد أدريس ديبي تولي السلطة بما لايشبه الوراثة بعملية إنتقال للسلطة مشكوك تماماً في دستوريتها فقد دعم هذه العملية فرنسا وثلة من العسكريين الوالين لفرنسا ولوالده إدريس دبي الذي جثم علي جسد تشاد لثلاثين عاماً متصلة من الفساد والفقر وسوء الإدارة إضافة للعمالة الصارخة لفرنسا وبالتالي فمن الأنسب أن تنأي الولايات المتحدة عن الإستقرار عسكرياً في تشاد أما حول تشاد فأشباح التيارات الإسلامية الكارهة للولايات المتحدة ولفرنسا معاً تهيم حول تشاد وداخلها جنباً إلي جنب مع المعارضة التشادية المُسلحة التي أدت آخر معاركها مع سلطة أدريس ديبي لمصرعه   في 20 أبريل 2021 في بلدة كانم وبالتالي فستقترب القواعد الأمريكية بنفسها من الخطر الذي تدعي العسكرية الأمريكية والغربية كذباً أنها تراقبه وتحاربه وحده فقط .

إن الشرق الأوسط بحاجة إلي تكرار تـجـربـة النـــيـــجـــر فالظل والظلم الأمريكي جاثم بكل ثقله وحالك في هذه المنطقة فالولايات المتحدة الأمريكية تمارس هذا الـظـلم الشرس جــهــاراً بدعمها العلني إبادة عصابات الصهاينة المسلحة لأخوتنا في غـــزة .

الـــــــســــــفــــــيـــر : بـــــــلال الـــمــــصـــري –

حصريا المركز الديمقراطي العربي – الـــــقـــاهــــرة / تـحـريـراً في 21 مارس 2024

5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى