الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

ملاحظات أولية في تقرير الاستخبارات الأمريكية السنوي 2024 ( الجزء المتعلق بالسودان )

بقلم:  التجاني صلاح عبدالله المبارك – المركز الديمقراطي العربي

 

في الخامس من فبراير هذا العام 2024،صدر التقرير الاستخباري الأمريكي السنوي الخاص بتقييم التهديدات على الولايات المتحدة، وهو التقرير الذي يهتم فيه مجمع الاستخبارات الأمريكي (IC) المكون من 18 مجمع استخباري في الولايات المتحدة الأمريكية، بتوفير كل المعلومات الاستخبارية الدقيقة والمستقلة، التي يحتاجها صناع القرار في الولايات المتحدة، وفيه يقدم المجمع ملخصا شاملا لتقييم التهديدات السنوية الحالية للأمن القومي الأمريكي.

تضمن التقرير الذي جاء في40 صفحة، توطئة ومقدمة وتقييما شاملاً لتهديد الجهات الفاعلة الحكومية، والقضايا العابرة للحدود الوطنية، واقتصر في تقييمه للجهات الفاعلة الحكومية على دور كل من الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، وتناول الصراع في غزة، والصراع المحتمل بين الدول مثل الهند-الصين، والاضطرابات المحتملة داخل الدول مثل السودان.

وفي التوطئة ذكر التقرير أن الملخص السنوي للتهديدات العالمية التي يتعرض لها الأمن القومي للولايات المتحدة يتماشى مع المادة 617 من قانون تفويض الاستخبارات للعام المالي 2021 (النشرة L. رقم 116-260)، ويعكس التقرير الرؤى الجماعية لمجتمع الاستخبارات (IC)، والتي تلتزم بتوفير المعلومات الاستخبارية الدقيقة والمستقلة والصريحة التي يحتاجها صناع السياسات والمقاتلون والعاملون في مجال إنفاذ القانون المحلي بشكل يومي لحماية حياة الأمريكيين ومصالح أمريكا في أي مكان في العالم، وأنه يركز على التهديدات الأكثر مباشرة وخطورة والتي تواجه الولايات المتحدة خلال العام المقبل في المقام الأول، مع العلم بأن ترتيب الموضوعات المعروضة في هذا التقييم لا يشير بالضرورة إلى أهميتها النسبية أو حجم التهديدات من وجهة نظر مجتمع الاستخبارات. وتتطلب جميعها استجابة استخباراتية قوية، بما في ذلك تلك التي قد يساعد التركيز عليها على المدى القريب في تجنب تهديدات أكبر في المستقبل.

وفي مقدمة التقرير، ذكر مجمع الاستخبارات أنه خلال العام المقبل، ستواجه الولايات المتحدة نظاماً عالمياً هشاً بشكل متزايد، وأن المنافسة الاستراتيجية المتسارعة بين القوى الكبرى والتحديات العابرة للحدود والصراعات الإقليمية المتعددة، هي التي زادت من مستوى التوتر.

ووصف التقرير في مقدمته،  الصين  بالدولة الطموحة والقلقة في آن واحد، وروسيا  بأنها دولة تميل إلى المواجهة، وبعض القوى الإقليمية، مثل إيران، والجهات الفاعلة غير الحكومية الأكثر قدرة، أنها تتحدى القواعد القديمة للنظام الدولي، فضلاً عن التفوق الذي تتميز به الولايات المتحدة بداخله.

واضاف التقرير في المقدمة، ان التكنولوجيات الجديدة، وهشاشة قطاع الصحة العامة، والتغيرات البيئية أكثر تواتراً، والتي غالباً ما يكون لها تأثير عالمي ويصعب التنبؤ بها،  وذكر  مثالا بما وصفه بأزمة غزة،  فإنه لا يحتاج المرء إلا أن ينظر إلى أزمة غزة ــ التي أثارتها مجموعة “إرهابية” غير حكومية ذات قدرة عالية في حركة حماس، والتي تغذيها جزئياً طموحات إيران الإقليمية، والتي تفاقمت بدورها بسبب السرديات التي شجعتها الصين وروسيا لتقويض مكانة الولايات المتحدة على المسرح العالمي ــ لنرى كيف يمكن لأزمة إقليمية أن يكون لها آثار جانبية واسعة النطاق وتعقيد التعاون الدولي في قضايا ملحّة أخرى.

إلا أنه كما أكدت مقدمة التقرير، سوف يتشكل العالم الذي سيخرج من هذه الفترة المضطربة على يد من يقدم الحجج الأكثر إقناعاً حول الكيفية التي ينبغي بها حكم العالم، وكيف ينبغي تنظيم المجتمعات، وما هي الأنظمة الأكثر فعالية في دفع النمو الاقتصادي وتوفير المنافع لعدد أكبر من الناس، ومِن قبل القوى، سواء الحكومية أو غير الحكومية، الأكثر قدرة وراغبة في العمل على إيجاد حلول للقضايا العابرة للحدود الوطنية والأزمات الإقليمية وسوف تنشأ فرص جديدة للعمل الجماعي، بما في ذلك مع الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية على حد سواء، من خلال هذه القضايا المعقدة والمترابطة.

وجاء في مقدمة التقرير السنوي ايضاً، أن الصين تتمتع بالقدرة على التنافس المباشر مع الولايات المتحدة وحلفاء الولايات المتحدة وإمكانية تغيير النظام العالمي القائم على القواعد بطرق تدعم قوة بكين وشكل حكمها في مواجهة الولايات المتحدة، ولكن التحديات الديموغرافية والاقتصادية الخطيرة التي تواجهها الصين قد تجعلها لاعباً عالمياً أكثر عدوانية ولا يمكن التنبؤ به.

ثم تناولت مقدمة التقرير الحرب الروسية الاوكرانية: يؤكد العدوان الروسي المستمر في أوكرانيا على أنها لا تزال تشكل تهديداً للنظام الدولي القائم على القواعد. وتحاول القوى المحلية والإقليمية أيضاً اكتساب النفوذ وممارسته، وغالباً ما يكون ذلك على حساب دول الجوار والنظام العالمي نفسه، وسوف تظل إيران تشكل تهديداً إقليمياً مع أنشطة تأثير ضارة واسعة النطاق، وسوف تعمل كوريا الشمالية على توسيع قدراتها في مجال أسلحة الدمار الشامل في حين تظل لاعباً مدمراً على المسرحين الإقليمي والعالمي. وفي كثير من الأحيان، يفسر الخصوم الإجراءات الأمريكية التي تهدف إلى ردع العدوان الأجنبي أو التصعيد على أنها تعزز تصوراتهم الخاصة بأن الولايات المتحدة تنوي احتواءهم أو إضعافهم، ويمكن أن تؤدي هذه التفسيرات الخاطئة إلى تعقيد إدارة التصعيد والاتصالات في الأزمات.

وفي الحرب على غزة جاء في المقدمة: إن الصراعات الإقليمية والمحلية وعدم الاستقرار، مثل الهجوم الذي قامت به حركة حماس ضد إسرائيل (في السابع من أكتوبر) والغزو الإسرائيلي اللاحق لغزة، سوف تتطلب اهتمام الولايات المتحدة بينما تتصارع الدول والجهات الفاعلة غير الحكومية في هذا النظام العالمي المتطور، بما في ذلك التنافس على القوى الكبرى والتحديات المشتركة العابرة للحدود الوطنية. ومن هنا، فإن الصراعات ونوبات عدم الاستقرار من شرق آسيا إلى أفريقيا إلى نصف الكرة الغربي –والتي تفاقمت بسبب التحديات العالمية– لديها إمكانات أكبر للامتداد إلى العديد من المجالات، مع ما يترتب على ذلك من آثار على الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها والعالم أجمع.

وستؤدي الضغوط الاقتصادية إلى زيادة تأجيج حالة عدم الاستقرار تلك في جميع أنحاء العالم، حيث تواجه دول متعددة في جميع أنحاء العالم أعباء ديون متزايدة، وفي بعض الحالات غير مستدامة، بالإضافة إلى التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا، والزيادة في الخسائر في التكاليف والإنتاج بسبب الأحداث المناخية القاسية، حتى مع استمرار تعافيها من جائحة كوفيد-19. وفي حين تراجعت أسعار السلع الغذائية الزراعية العالمية عن الذروة التي بلغتها في عام 2022، فإن تضخم أسعار المواد الغذائية المحلية لا يزال مرتفعا في العديد من البلدان، ولا يزال الأمن الغذائي في العديد من البلدان عرضة للصدمات الاقتصادية والجيوسياسية.

في الاطار تضيف مقدمة التقرير: أن العالم يواجه مجموعة من القضايا العالمية المشتركة التي تتطلب حلولاً عالمية تعاونية. ومع ذلك، فإن المنافسة الأكبر بين أشكال الحكم الديمقراطية والاستبدادية التي تغذيها الصين وروسيا ودول أخرى من خلال تعزيز الاستبداد ونشر المعلومات المضللة، تفرض ضغوطاً على المعايير القديمة التي تشجع النهج التعاوني للمشاعات العالمية. وتستغل هذه المنافسة أيضاً التقدم التكنولوجي –مثل الذكاء الاصطناعي، والتقنيات الحيوية والأمن الحيوي ذي الصلة، وتطوير وإنتاج الإلكترونيات الدقيقة، والتطورات الكمية المحتملة– لاكتساب نفوذ أقوى على السرديات العالمية التي تؤثر على التوازن الجيوسياسي العالمي، بما في ذلك التأثير في داخله. وتشهد مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية، على وجه الخصوص، تقدماً سريعاً، ومن المحتمل أن يؤدي التقارب بين مختلف مجالات العلوم والتكنولوجيا إلى المزيد من الإنجازات المهمة. إن الآثار المتسارعة لتغير المناخ تضع المزيد من سكان العالم، لا سيما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، في خطر أكبر من تطرف أحوال الطقس، وانعدام الأمن الغذائي والمائي، والكوارث الإنسانية، مما يزيد من تدفقات الهجرة ويزيد من أخطار الأوبئة في المستقبل حيث تستغل مسببات الأمراض البيئة المتغيرة.

ويدعم تقرير تقييم التهديدات السنوي لعام 2024 التزام مكتب مدير الاستخبارات الوطنية بالشفافية وتقليد تقديم تحديثات منتظمة للتهديدات إلى الجمهور الأمريكي والكونجرس الأمريكي. إن اللجنة الدولية يقظة في مراقبة وتقييم التهديدات المباشرة وغير المباشرة لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها. ولتحقيق هذا المطلب، يعمل ضباط الاستخبارات الوطنية في مجتمع الاستخبارات –ومجلس الاستخبارات الوطني الذي يشكلونه بشكل جماعي– بشكل وثيق ومنتظم مع المحللين في جميع مكونات مجتمع الاستخبارات. كما يفحص هذا العمل بشكل تشخيصي أخطر التهديدات المباشرة والطويلة الأجل التي تواجه الولايات المتحدة، إلى جانب النظام العالمي المتطور والاتجاهات الكلية الأخرى، التي ستؤثر بشكل كبير على الاتجاه والتأثير المحتمل لهذه التهديدات. ومجلس الاستخبارات الوطني على استعداد تام لدعم صناع السياسات بمعلومات إضافية في إطار سري.

صحيح ان النظام العالمي بشكله الحالي هو نظام يتسم بالهشاشة والسيولة ليس بسبب المنافسة الإستراتيجية بين الفاعلين وحدها، والصراعات الإقليمية المتعددة، لكن بسبب تنازع الفاعلين على اكتساب المصالح الذاتية، التي أدت إلى الصراعات الاقليمية والكونية، ففي الوقت الذي تنزع فيه اوكرانيا إلى الانضمام للحلف الاطلسي، تتدعي روسيا ان ذلك من شأنه ان يشكل تهديدا وجوديا لأمنها القومي، ونفس السردية عندما تفجر طوفان الأقصى لانتزاع حقوقه الأساسية من إسرائيل، تدعي الولايات المتحدة أن إسرائيل لها الحق الكامل في الدفاع عن النفس، حتى وان تجاوز ذلك على نحو الابادة والقتل الجماعي الذي تقوم به إسرائيل بكل عنف وغشم في غزة، لذا فقد كان من الطبيعي أن يصف تقرير مجمع الاستخبارات الأمريكي الاطراف والفواعل الأخرى مثل روسيا وإيران والصين بالدول القلقة والطموحة التي تجنح للعنف والمواجهة وهو ما يشيء برغبة واصرار الولايات المتحدة على الهيمنة المنفردة على النظام العالمي.

مع هذا فقد وصفت مقدمة التقرير حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بأنها مجموعة “إرهابية” غير حكومية ذات قدرة عالية، وأنها تغذيها جزئيًّا طموحات إيران الاقليمية  لتقويض مكانة الولايات المتحدة على المسرح العالمي، والحق ان التقرير لو بدل مكان حماس ب-إسرائيل لكان أوفق، لأن الأخيرة هي المجموعة الارهابية لا الأولى.

وفي الجزء المتعلق بالسودان ذكر تقرير مجمع الاستخبارات الأمريكي تحت عنوان  الاضطرابات المحتملة داخل الدول: يزيد الصراع المطول من مخاطر انتشار الصراع خارج حدود السودان، وانضمام الجهات الفاعلة الخارجية إلى المعركة، ومواجهة المدنيين للموت والنزوح. ولا تزال القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع تتقاتل لأن قادتها يعتقدون أن بإمكانهم تحقيق أهدافهم، في غياب وقف الأعمال العدائية عن طريق التفاوض. ومع وجود السودان على مفترق طرق القرن الأفريقي ومنطقة الساحل وشمال أفريقيا، فمن الممكن أن يصبح مرة أخرى بيئة مثالية للشبكات الإرهابية والإجرامية.

ربما تتلقى قوات الأمن المتحاربة في السودان المزيد من الدعم العسكري الأجنبي، الأمر الذي من المرجح أن يعوق التقدم في أي محادثات سلام مستقبلية. وأي مشاركة متزايدة من جانب جهة خارجية واحدة يمكن أن تدفع الآخرين إلى أن يحذوا حذوها بسرعة.

وفي ملاحظاتنا الأولية عن الجزء المتعلق بالسودان فانه يلاحظ أولاً:

أن التقرير يخشى من خروج الصراع خارج حدود السودان، ودخول فواعل ولاعبين على الخط، وما يمكن قراءته هنا إثنتين:

أ: اهتمام الولايات المتحدة في المحافظة على المصالح الأمريكية في حال تمدد الصراع والاقتتال خارج السودان ودخول الجهات الفاعلة الحكومية في الصراع، وتتمثل المصالح الأمريكية في الجنود والقواعد العسكرية الأمريكية المتواجدة في بعض الدول العربية والافريقية، التي لا تبتعد  كثيرا عن حدود السودان.

ب: وقوع السودان تحت مظلة وحماية إحدى الدول الفاعلة مثل روسيا أو الصين أو إيران، سيؤدي إلى تعقيد المشهد لدى الإدارة والإستراتيجية الأمريكية، التي كلتا ذراعيها مشغولتان، الأولى تدافع بها عن أوكرانيا، والثانية عن إسرائيل.

ثانيا: لم يسهب تقرير المجمع الاستخباري الأمريكي عن بواعث الصراع والنزاع، ومآلاته الجارية على أرض السودان،واعمال القتل البربرية الوحشية التي قامت بها قوات الدعم السريع المتمردة على العزل والأبرياء، ولم يقدم أي رؤية في حل النزاع، بقدر ما انصب التقرير في شكل مقتضب عن احتمالية تحول الصراع خارج الأراضي السودانية، وما سيمثل ذلك من بؤرة مثالية للشبكات الارهابية والاجرامية في المنطقة.

ثالثا: وصف التقرير القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع المتمردة تتقاتل لأن قادتها يعتقدون أن بامكانهم تحقيق اهدافهم، في غياب وقف الاعمال العدائية عن طريق التفاوض، وفي تقديري، أن هذا الاعتقاد لدى قيادة الجيش السوداني وقواته المسلحة النظامية هو إعتقاد صائب وسليم مائة بالمائة، كما وصف التقرير.

5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى