الشرق الأوسطتقدير الموقفعاجل

إزدواجية المعايير الأمريكية في التعامل مع الصراعات  المختلفة في العالم بالتطبيق علي الحرب في أوكرانيا وغزة وأثر ذلك علي السلم والأمن الدوليين

اعداد : سامية أحمد – المركز الديمقراطي العربي

 

المقدمة:

لقد أظهرت لنا الحرب في أوكرانيا وغزة مدي تناقض الدول الغربية في التعامل مع الصراعات المختلفة في العالم، ففي ظل دعم الولايات المتحدة والدول الغربية لأوكرانيا في حربها القائمة ضد روسيا وتوجيه اتهامات لروسيا بإنتهاك القانون الدولي وحقوق الإنسان، أظهرت الدول الغربية والولايات المتحدة علي الجانب الأخر موقف متناقض من الحرب في غزة، فبدلا من دعم حقوق الإنسان في غزة وتجريم إسرائيل لإنتهاك القانون الدولي وإرتكاب جرائم إبادة جماعية ضد المدنيين في غزة أعلنت دعمها المطلق لإسرائيل، ومنعت مجلس الأمن من إصدار أي قرار ينص علي وقف إطلاق النار في غزة متهمة المقاومة الفلسطينية بالقيام بأعمال إرهابية ضد إسرائيل.

وقد هذا الصدد تركز هذه الدراسة علي إزدواجية المعايير والنظرة الأحادية الأمريكية للصراعات في العالم بالتطبيق علي الموقف الأمريكي من الحرب في أوكرانيا وغزة وتأثير ذلك علي الأمن والسلم الدوليين.

أولا: الموقف الأمريكي من الحرب في أوكرانيا:

منذ قيام الحرب الروسية الأوكرانية التي شنها الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” ضد أوكرانيا علي خلفية رغبتها في الإنضمام إلي حلف الناتو، والذي اعتبره بمثابة تهديد للنفوذ الروسي وخاصة أن روسيا تعتبر أوكرانيا بمثابة جزأ  منها،وبالتالي انضمام أوكرانيا إلي حلف الناتو سيحد من النفوذ الروسي بإعطا دور أكبر للدول الغربية وهو ما يرفضه بوتين بشدة ،أعلنت الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية دعمها للحكومة الأوكرانية رافضة الغزو الروسي لأوكرانيا والذي اعتبرته انتهاك صريح من روسيا لحقوق الإنسان والقانون الدولي،من خلال تقديم الدعم المالي والعسكري والدبلوماسي لأوكرانيا وفرض عقوبات اقتصادية علي روسيا[1].

ويمكن تناول الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية للحكومة الأوكرانية في عدة نقاط كالتالي:

منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية دعمها للحكومة الأوكرانية، فقد حشدت حزمة هائلة من المساعدات المالية والعسكرية والإنسانية لدعم أوكرانيا،  وتعهدت بفرض عقوبات سياسية واقتصادية علي روسيا، وخلالسبتمبر 2023 أظهرت مستندات  نشرتها وزارة الدفاع الأمريكية حجم المساعدات الأمنية والإنسانية التي قدمتها الولايات المتحدة إلي أوكرانيا ،فقد وصل حجم المساعدات الأمنية التي قدمتها إلي أوكرانيا إلي 43.2 مليار دولار بينما وصل حجم المساعدات الإنسانية إلي 2.9 دولار،بالإضافة إلي تقديم دعم مالي إلي أوكرانيا وصلت قيمته إلي 20.5 مليار دولارمن خلال البنك الدولي[2].

وتندد الولايات المتحدة بشكل مستمر بالغزو الروسي لأوكرانيا، فقد وصف الرئيس الأمريكي نظيره الروسي فلاديمير بوتين بمجرم الحرب متهما  روسيابإرتكاب جرائم حرب ضد المدنيين في أوكرانيا كما اتهمت الولايات المتحدة روسيا بإرتكاب جرائم إبادة جماعية في أوكرانيا[3]، وقد وجهت اتهامات إلي روسيا بإنتهاك حقوق الإنسان ودعت إلي مساءلة روسيا قضائيا،وتقود الولايات المتحدة حلفا يتكون من 50 دولة تقف بجانب أواكرانيا وتهدف من هذا التحالف تأمين وصول المساعدات الإمنية للشعب الأوكراني، كما عملت علي حشد الأجهزة التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الغير حكومية للمساعدة في توصيل المساعدات الإنسانية إلي أوكرانيا[4].

وإذا تحدثنا عن موقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية سنجد أنه كان يدعم أوكرانيا بشكل مستمر ضد روسيا، فمنذ إندلاع الحرب دعا الأمين العالم للأمم المتحدة لحل الأزمة بشكل سلمي، وقد أيد مجلس الأمن هذه الجهود، كما عمل مجلس الأمن علي إصدار قرارات واتباع سياسات لدعم أوكرانيا ضد الجانب الروسي، وكان من أبرز تلك القرارات قرار يعبر فيه عن أسفه لغزوروسيا لأكرانيا ، وقد استخدمت روسيا حق الفيتو لمنعإصدار هذا القرار، وتؤيد الدول الغربية  والولاياتالمتحدة سياسات مجلس الأمن والأمم المتحدة الداعمة لأوكرانيا ضد روسيا خاصة أن الجمعية العامة للأمم المتحدة تبنت سياسات لعزل روسيا دوليا[5].

وقد وصلت حزمة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأروبي علي روسيا منذ الغزو الروسي لأوكرانيا خلال فبراير 2022 إلي 16.500 عقوبة، كما جمد الاتحاد الأوروبي 70% من أصول البنوك الروسية،  أضف إلي ذلك قيام الدول الغربية بعدة محاولات لفرض قيود علي الاقتصاد الروسي، كان من أهمها حظر الولايات المتحدة وبريطانيا للنفط والغاز الروسي[6].

وفي سياق العقوبات الأمريكية ضد روسيا علي خلفية حربها في أوكرانيا، أكدت الإدارة الأمريكيةأنها ستفرض أكبر حزمة من العقوبات علي روسيا منذ  الحرب خلال الفترة القادمة،بالإضافة إلي إعلان بريطانيا سعيها إلي فرض حزمة جديدة من العقوبات ضد روسيا ، بجانب توصل سفراء الاتحاد الأوروبي إلي اتفاق ينص علي حزمة جديدة من العقوبات لتقييد الاقتصاد الروسي[7].

ثانيا: الموقف الأمريكي من الحرب في غزة:

رغم تأكيد الولايات المتحدة سعيها وبذلها الكثير من المساعي والجهود لتخفيف حدة الصراع في غزة، إلا أنها من الناحية الفعلية قامت بعكس ذلك، فمنذ إعلانإسرائيل حربها علي غزة سخرت الولايات المتحدة كافة الوسائل لتقديم المساعدات العسكرية والمالية لإسرائيل بالإضافة إلي دعم الموقف الإسرائيلي في كافة المحافل الدولية والإقليمية[8].

ويمكن تناول الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل في الحرب التي شنتها علي غزة كالتالي:

فعلي الصعيد العسكري زودت الولايات المتحدة الجيش الإسرائيلي بالأسحلة والمعدات العسكرية، بل وقامت بإنشاء جسر جوي بهدف تزويد إسرائيل بالأسحلة، أضف إلي ذلك تقديم الولايات المتحدة معلومات استخباراتية لمساندة الإحتلال الإسرائيلي[9].

وعلي المستوي السياسي والدبلوماسي استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو أكثرمن مرة لدعم الجرائم الجرائم الغير إنسانية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني ، ففي اجتماع مجلس الأمن خلال 8 ديسمبر2023 استجابة للخطاب الذي أرسله الأمين العام للأمم” أنطونيو غوتيريش”مطالبا مجلس الأمن بالتدخل العاجل لوقف إطلاق النار[10]، أقترحتدولة الإمارات مشروع بإسم “الإنسانية والعدالة والسلام” يطالب بالوقف العاجل والفوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلي غزة،ورغم أن هذا المشروع  أيدته 96  دولة عضوة في الأمم المتحدة،إلا أن الولايات المتحدة أستخدمت حق الفيتو لمنع تطبيق مشروع هذا القرار بحجة أن هذا القرار سيزيد من حدة الحرب الدائرة في غزة وأن حماس لا ترغب في تحقيق السلام[11].

كانت البرازيل قد قدمت مقترح بمشروع  هدنةإنسانية في غزة للسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلي غزة، وإيقاف إسرائيل تهجير سكان شمال قطاع غزة إلي جنوب القطاع ، وقد  تضمن إدانة واضحة ومباشرة لحماس حيث وصف مقاومة حماس ضد إسرائيل بالهجوم الإرهابي ،وكانت روسيا قد اقترحت إضافة نص إلي مشروع القرار البرازيلي ينص علي إدانة الهجوم التي قامت به إسرائيل علي المستشفي الأهلي العربي في قطاع غزة ، إلا أنالولايات المتحدة  استخدمتحق الفيتو وقامت بالتصويت ضد هذا القرار مما منع مجلس الأمن  من تطبيق هذا القرار.[12]

خلال إجتماع مجلس الأمن الذي عقد في 22 ديسمبر 2023 أقترحت روسيا مشروع قرار لوقف إطلاق النار في غزة لأسباب إنسانية،إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية استخدمت حق الفيتو لإفشال مشروع هذا القرار وذلك لدعم حليفتها إسرائيل وكان حجتها في ذلك أن مشروع وقف إطلاق النار من شأنه أن يساهم في عرقلة مسار المفاوضات بشأن الأوضاع في غزة ورغم أنمجلس الامن أكد أنه يسعي لإتخاذ قرارات لتوسيع حجم المساعدات الإنسانية في غزة إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية تمنع مجلس الأمن من إصدار أي قرارات لا تتوافق مع مصالحها أو أهدافها الداعمة لإسرائيل، فالضغط الأمريكي بشكل مستمر يمنع كافة الأطراف الدولية من إصدار قرار حاسم بشأن غزة، وهذا ما استنكره المندوب الروسي لدي مجلس الأمن “فاسيلي نيبنزيا” بشكل واضح واصفا التصرف الأمريكي بالتصرف الغير مسؤول[13].

في 20 نوفمبر 2023 وخلال اجتماع مجلس الأمن لبحث سبل تهدئة الأوضاع في غزة أقترحت الجزائر مشروع قرار لوقف إطلاق النار في غزة بشكل عاجل لأسباب إنسانية بالإضافة إلي توسيع حجم المساعدات الإنسانية في غزة[14]، إلا أن الولايات المتحدة استخدمت حق الفيتو لمنع تطبيق هذا المقترح بحجة أن السماح بتطبيق مشروع هذا القرار سيؤثر بشكل سلبي علي سير المفاوضات بخصوي الأوضاع في غزة ، ليكون هذا الفيتو الثالث الذي تستخدمه الولايات المتحدة ضد أي مقترح يدعو إلي وقف إطلاق النار في غزة متجاهلة بذلك الأوضاع الإنسانية الكارثيةالتي يعاني منها المدنيين في غزة .[15]

خلال مارس  2024قدمتالولايات المتحدة إلي مجلس الأمن مقترحا يدعو إلي وقف إطلاق النار في غزة لمدة 6 أسابيع مقابل الإفراج عن الرهائن وإتاحة وصول المساعدات الإنسانية  إليغزة، وقد أيدته 11 دولة من الدول الأعضاء في مجلس الامن ورفضته روسيا والصين والجزائر،وقد أكدت الولايات المتحدة أنها وضعت وقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح الرهائن للتأكيد أن وقف إطلاق النار مرتبط بإطلاق سراح الرهائن، ولكن هذا القرار بالرغم من أن هدفه وقف إطلاق النار كما أشارت الولايات المتحدة الأمريكية إلا أنه مشروط بإطلاق سراح الرهائن[16].

وإذانظرنا له بشكل عميق سنجد أن هذا المقترح لم يدعو إلي وقف إطلاق النار حيث لم يرد في المقترح الأمريكي أي عبارت “تدعو أو تطلب” وقف إطلاق النار إذا ورد به “ضرورة” وهذا ما انتقدته روسيا حيث وصفت القرار بأنه لا يدعو لوقف إطلاق النار ووصفت واشنطن بأنها تتلاعب بالمجتمع الدولي، كما أن المقترح أدان الأعمال الإرهابية في غزة مشيرا إلي هجمات حماس ضد جنوب إسرائيل ولم يشير بشكل مباشر أو غير مباشر إلي جرائم إسرائيل ضد المدنيين في غزة.

وقد أشار القرار لرفض واشنطن لأي محاولات استيطانية في غزة مما يدعو للتسأول كيف تسعي واشنطن لوقف إطلاق النار وتهدئة الأوضاع في غزة وحماية المدنيين وفي نفس الوقت تدعم إسرائيل في إبادتها الجماعة الجماعية للفلسطينين والتهجير القسري لهم من غزة من خلال تقديم المساعدات العسكرية والمالية، ومنع مجلس الأمن من إصدار أي قرار ينص علي الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة من خلال استخدمها حق الفيتو عدة مرات ، فنحن هنا أمام دبلوماسية تقوم علي معايير مزودجة، وقد انتقدت واشنطن استخدام روسيا والصين لحق الفيتو لإيقاف مشروع القرار الأمريكي واصفين الفيتو الروسي الصيني بالخبيث مما  يجعلنانتساءل كيف تصف الولايات المتحدة الفيتو الروسيالصيني بالفيتو الخبيث وقد استخدمت أكثر من مرة حق الفيتو لإيقاف أي قرار يدعو إلي وقف إطلاق النار في غزة، وكيف تدعو الأن إلي وقف إطلاق النار بعد أن وقفت عائق ضد أي قرار يدعو إلي وقف إطلاق النار مما تسبب في إبادة جماعية للفلسطينين مستمرة منذ أكتوبر 2023، مما نتج عنه مقتل أكثر  من 30 الف من المدنيين في غزة.

ثالثا: تقييم للموقف الأمريكي من الحرب في أوكرانيا وغزة بالتركيز علي إزدواجية المعايير والنظرة الأحادية:

لقد كشفت الحرب في أوكرانيا وغزة إزدواجية المعايير والنظرة الأحادية الأمريكية في التعامل مع القضايا وفقا لما تمليه عليها مصالحها، فمنذ قيام الحرب الغزو الروسي لأوكرانيا وقيام الحرب في غزة ، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية دعمها لأوكرانيا وإسرائيل وربطت دعم أوكرانيا وإسرائيل بالأمن القومي الأمريكي، وهنا تظهر الأزدواجية الأمريكية في التعامل مع الحرب في أوكرانيا وغزة، فإذا نظرنا إلي أوكرانيا نجد أنه منذ اليوم الأول للغزو الروسي لأوكرانيا أدانت الولايات المتحدة روسيا واتهمتها بإنتهاك حقوق الإنساني والقانون الدولي، وأكدت أنها تقف مع الشعب الأوكراني في الدفاع عن حريته ضد العدوان الروسي.[17]

اتخذت الولايات المتحدة من الحرب في غزة موقفا يتناقض بشكل كلي من موقفها من الحرب في أوكرانيا ليظهر لنا إزدواجية المعايير الأمريكية في التعامل مع الصراعات وفق مصالحها فظهر التناقض الواضح في مبادئ الولايات المتحدةالتي تدعو إلي احترام حقوق الإنسان وإنصاف الشعوب لتقرير مصيرها لتحقيق الأمن والسلم في العالم، فمنذ قيام الحرب في غزة أعلنت الولايات المتحدة عن دعمها المطلق لإسرائيلمن خلال تقديم الدعم للمحتل الإسرائيلي قي كافة المحافل الدولية والإقليمية، وكافة المنصات الإعلامية وتقديم المساعدات العسكرية  والمالية لإسرائيل، كما أكدت أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها ولم تدين الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين، بل أدانت المقاومة الفلسطينية إلي الحد الذي وصف فيه بايدن المقاومة الفلسطينية ضد الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل في غزة بالأعمال الإرهابية[18]، كما منعت مجلس الأمن من تطبيق أي قرار لوقف إطلاق النار في غزة من خلال استخدام حق الفيتو أكثر من مرة، فالسياسات الأمريكية بشأن الحرب في غزة أعطت لإسرائيل الضوء الأخضر لإرتكاب إبادة جماعية في غزة وانتهاك قواعد القانوني الدولي لتكون بذلك بمثابة شريك لإسرائيل في جرائم الإبادة الجماعية التي تقوم بها ضد المدنيين في غزة[19].

ومن خلال التناول السابق للموقف الأمريكي من الحرب في أوكرانيا وغزة ظهر مدي هشاشة القيم الأمريكيةالتي تتغير بشكل مستمر وفقا لمصالحها وأهدافها حتي لو أنتهكت القوانين والمواثيق المتعلقة بحماية الأمن والسلم الدوليين، ليظهر بشكل واضح إزدواجية المعايير الأمريكية في التعامل  مع  الحرب في غزة وأوكرانيا وليتضح تأرجح الدبلوماسية الأمريكية الغير متوازنة والتي تسير بشكل واضح  لتحقيق مصالحها وأهدافها فقطمنتهكة بذلك كافة المواثيق والأعراف التي تحث علي الحفاظ علي الأمن والسلم الدوليين.

رابعا: تأثير النظرة الأحادية وإزدواجية المعايير الأمريكية في التعامل مع الحرب القائمة في أوكرانيا وغزة علي السلم والأمن الدوليين:

أولا: تأثير الموقف الأمريكي من الحرب في أوكرانيا علي السلم والأمن الدوليين:

منذ قيام الحرب في أوكرانيا تأثر الأمن العالمي بشكل كبير من الناحية الأقتصادية ولاسيما أن الدولتين من أهم الدول المصدرة للغذاء والطاقة فقد ارتفعت الأسعار بشكل كبير، ووصلت أصداء الحرب إلي كل دول العالم ولاسيما دول الشرق الأوسط وأفريقيا[20]، وفي سياق الموقف الأمريكي من الحرب في أوكرانيا أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن أن دعم أوكرانيا مرتبط بشكل وثيق بالأمن القومي الأمريكي، لذلك تبني سياسات تقوم بتقديم الدعم الغير محدود لأوكرانيا وإسرائيل، وبالرغم من أن الولايات المتحدة أكدت أنها تهدف من ذلك إلي الحفاظ علي الأمن والسلم الدوليين إلا أن الموقف الأمريكي أدي بشكل كبير إلي زعزة الأمن الدولي، فإذا نظرنا إلي الحرب الدائرة في أوكرانيا سنجد أن سببها الأساسي يتمثل في رغبة أوكرانيا في الإنضمام إلي حلف شمال الأطلسي وكانت الولايات المتحدة الأمريكي هي التي أعطت لأوكرانيا إشارات بإمكانية إنضمامها إلي الحلف رغم أنها تعلم مدي أهمية أوكرانيا بالنسبة لروسيا، إذن فالولايات المتحدة الأمريكية تهدف إلي تقييد السياسة الروسية، ومنذ قيام الحرب في أوكرانيا أخذت الولايات المتحدة علي عاتقها ردع روسيا لأن انتصار روسيا في هذه الحرب سيشكل تهديد للولايات المتحدة وحلفائها، وسيشجع بوتين علي التوسع أكثر في الوقت الذي تسعي فيه الولايات المتحدة إلي تقييد سياسة روسيا والإحاطة بدورها[21].

وقد أثار دعم الولايات المتحدة وحلفائها من الدول الغربية لأوكرانيا غضب روسيا، ولاسيما أنها ترفض هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية علي المجتمع الدولي، وترفض النظرة الأحادية الأمريكية لمختلف القضايا ولاسيما الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث تري روسيا أنها تدافع عن نفوذها في أوكرانيا في حين تري الولايات المتحدة أن روسيا تهدف إلي تهديد النفوذ الأمريكي،  وإذا نظرنا إلي النظام العالمي الحالي سنجد أنه أصبح غير مناسب للنظرة الأحادية الأمريكية في ظل وجود دول كبري أبرزها الصين والذي تتبني سياسات متوافقة مع السياسة الروسية، وعلي الجانب الأخر تدعم الدول الغربية سياسات الولايات المتحدة، وبالتالي من الممكن أن تؤدي النظرة الأحادية الأمريكية لمختلف القضايا خاصة الحرب الروسية الأوكرانية إلي صراع عالمي قد يؤدي إلي حرب عالمية ثالثة ، خاصة أن بوتين يري أن الولايات المتحدة والدول الغربية تسعي إلي زعزعة الاستقرار العالمي مما قد يؤدي إلي حرب عالمية ثالثة وهذا ما هدد به بوتين إذا تواجدت قوات غربية في أوكرانيا.[22]

ثانيا: تأثير الموقف الأمريكي من الحرب في غزة علي السلم والأمن الدوليين:

في ظل عرقلة الولايات المتحدة لأي جهود لوقف إطلاق النار في غزة، وفي ظل دعمها المطلق لإسرائيل وربط دعمها لإسرائيل بالحفاظ علي أمنها القومي، فمن المحتمل أن تؤدي النظرة الأحادية الأمريكية القائمة علي إزدواجية المعايير إلي تهديد السلم والأمن الدوليين، خاصة في ظل تدخل أطراف أخري في النزاع القائم في غزة، ولعل أبرز هذه الأطراف الحوثيين في اليمن، وحزب الله اللبناني بعد إعلانهم أنهم طرف في الصراع مع إسرائيل إلي جانب حماس مدعومين من إيران مما يثير مخاوف من قيام صراع دولي من شأنه أن يهدد الأمن العالمي، وفي هذا السياق شن الحوثيين العديد من الهجمات ضد إسرائيل بالإضافة إلي اختطاف السفن التي تمر بالبحر الأحمر والمحملة بالمساعدات لإسرائيل[23]، كما قام حزب الله بالعديد من الاشتباكات مع إسرائيل علي الحدود اللبنانية، بالإضافة إلي قيام العديد من العناصر المدعومة من إيران بالعديد من الهجمات علي أهداف أمريكية في العراق وسوريا، وتدعم إيران الحوثيين وحزب الله بالمعدات العسكرية والمعلومات الإستخباراتية لمواجهة إسرائيل، وبالتالي نحن هنا أمام حرب قائمة بين إسرائيل المدعومة من الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، والجانب الفلسطيني الذي يمثله حماس ويدعمه حزب الله اللبناني، والحوثيين في اليمن، وإيران، وفي هذا السياق يمكن القول أنه إذا استمر دعم الغرب والولايات المتحدة للإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل في غزة فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلي تمدد الصراع ليكون صراع عالمي لا يمكن السيطرة عليه.[24]

الخاتمة:

يتضح من خلال تناولنا للموقف الأمريكي من الحرب في غزة وأوكرانيا أن السياسة الأمريكية في التعامل مع الصراعات المختلفة في العالم تقوم علي إزدواجية المعايير والنظرة الأحادية، وأن سياستها في التعامل مع الحروب والصراعات تسير نحو تحقيق مصالحها وأهدافها فقط حتي لو أدي ذلك إلي كوارث إنسانية وتهديد الأمن والسلم الدوليين.

قائمة المراجع:

أولا: المراجع العربية:

أول بيان بعد 70 يوما.. مجلس الأمن يعلن موقفه من حرب أوكرانيا، سكاي نيوز عربية، مايو 2022

https://tinyurl.com/mr3ad3th

الولايات المتحدة تفرض ” أكبر حزمة” عقوبات على روسيا منذ بدء الحرب في أوكرانيا ، فرنسا 24، فبراير 2024

https://tinyurl.com/4n2p2d2p

الولايات المتحدة تستخدم “الفيتو” لإفشال تعديل روسي على مشروع قرار يدعو لوقف النار في غزة، شبكة ارتي، ديسمبر 2023،  https://tinyurl.com/4xwrpfrb

فيتو أمريكي في مجلس الأمن ضد مشروع قرار جزائري يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، أرتي عربية، فبراير2023

https://tinyurl.com/3xkh3nt4

الولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد مشروع قرار جزائري لوقف إطلاق النار في غزة، سي إن إن بالعربية، فبراير 2023

https://tinyurl.com/ynpmc3ya

الولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد مشروع قرار يطالب بالوقف الإنساني لإطلاق النار في غزة، أخبار الأمم المتحدة، 8 ديسمبر 2023 ، https://news.un.org/ar/story/2023/12/1126797

الحرب في أوكرانيا وأصداؤها عبر مختلف مناطق العالم  ، IMF BLOG، مارس 2022، https://tinyurl.com/hzrynuf5

التأثير المحتمل للحرب الروسية الأوكرانية على النظام الدولي، القاهرة الإخبارية، فبراير 2023، https://tinyurl.com/59wjppa7

بالدولار.. قيمة ما قدمته أمريكا من دعم لأوكرانيا منذ بداية الحرب الروسية، سي ان ان بالعربية، سبتمبر2023 https://arabic.cnn.com/world/article/2023/09/07/us-aid-ukraine-russia-invasion

بايدن يجدد وصف بوتين بـ”مجرم حرب” ويدعو “لمحاسبته، دي دبيو، أبريل2022 ،

https://tinyurl.com/y4x2du5k

تفعيلا للمادة 99، غوتيريش يرسل خطابا لمجلس الأمن حول الوضع في فلسطين وإسرائيل باعتباره تهديدا للسلم والأمن الدوليين أخبار الأمم المتحدة، ديسمبر 2023 ، https://tinyurl.com/3s25fkh8

روسيا وأوكرانيا: ماذا يريد بوتين وهل ستنهي روسيا حربها؟، بي بي سي نبوز، ديسمبر 2021، https://www.bbc.com/arabic/world-59450489

فوزي الغويدي، تدخّل الحوثيين في حرب غزة: ما بين التكتيك والتأثير، مجلس الشرق الأوسط للشئون الدولية، ديسمبر2022، https://tinyurl.com/yc89xwh2

قادة من إيران و«حزب الله» يساعدون في توجيه هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر، الشرق الأوسط، نوفمبر2023، https://tinyurl.com/mr3xufbf

كشف حصيلة الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل منذ 7 أكتوبر، سكاي نيوز عربية، ديسمبر2023

https://tinyurl.com/3s25fkhhttps://tinyurl.com/3s25fkh88

ما هي العقوبات المفروضة على روسيا وهل أثرت على اقتصادها؟، بي بي سي نيوز، فبراير2024

https://tinyurl.com/54p4n2m5

مجلس الأمن يصوت الأربعاء على مشروع قرار برازيلي بشأن غزة، سكاي نيوز عربية، أكتوبر2023 ، https://tinyurl.com/4a9e4cxx

موسكو وبكين تجهضان مشروع قرار أمريكي لوقف إطلاق النار وبلينكن يندد بالفيتو الروسي “الخبيث”، مارس 2024 https://tinyurl.com/2s3funvj

ما مصالح أميركا الإستراتيجية في حرب أوكرانيا؟، الجزيرة، نوفمبر2022، https://tinyurl.com/yzcafzt7

ثانيا: المراجع الأجنبية:

Biden Administration Announces Additional U.S. Security Assistance for Ukraine, U.S. Department of state, DECEMBER 2023, https://tinyurl.com/mtm68224

Remarks by President Biden on the United States’ Response to Hamas’s Terrorist Attacks Against Israel and Russia’s Ongoing Brutal War Against Ukraine, U.S Embassy& Consulates in Russia, OCTOBER 2023, https://tinyurl.com/yrz7nvv2

FACT SHEET: One Year of Supporting Ukraine,  W H. GOV, FEBRUARY 2023, https://tinyurl.com/yu62tx7d

[1] روسيا وأوكرانيا: ماذا يريد بوتين وهل ستنهي روسيا حربها؟، بي بي سي نبوز، ديسمبر 2021، https://www.bbc.com/arabic/world-59450489

[2] بالدولار.. قيمة ما قدمته أمريكا من دعم لأوكرانيا منذ بداية الحرب الروسية، سي إن إن بالعربية، سبتمبر2023 https://arabic.cnn.com/world/article/2023/09/07/us-aid-ukraine-russia-invasion

[3] بايدن يجدد وصف بوتين بـ”مجرم حرب” ويدعو “لمحاسبته، دي دبيو، أبريل2022

https://tinyurl.com/y4x2du5k

[4] FACT SHEET: One Year of Supporting Ukraine,  W H. GOV, FEBRUARY 2023, https://tinyurl.com/yu62tx7d

[5] أول بيان بعد 70 يوما.. مجلس الأمن يعلن موقفه من حرب أوكرانيا، سكاي نيوز عربية، مايو 2022

https://tinyurl.com/mr3ad3th

[6] ما هي العقوبات المفروضة على روسيا وهل أثرت على اقتصادها؟، بي بي سي نيوز، فبراير2024

https://tinyurl.com/54p4n2m5

[7] الولايات المتحدة تفرض ” أكبر حزمة” عقوبات على روسيا منذ بدء الحرب في أوكرانيا ، فرنسا 24، فبراير 2024

https://tinyurl.com/4n2p2d2p

[8] كشف حصيلة الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل منذ 7 أكتوبر، سكاي نيوز عربية، ديسمبر2023

https://tinyurl.com/3s25fkhhttps://tinyurl.com/3s25fkh88

[9] كشف حصيلة الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل منذ 7 أكتوبر، المرجع السابق.

[10] تفعيلا للمادة 99، غوتيريش يرسل خطابا لمجلس الأمن حول الوضع في فلسطين وإسرائيل باعتباره تهديدا للسلم والأمن الدوليين أخبار الأمم المتحدة، ديسمبر 2023 ، https://tinyurl.com/3s25fkh8

[11] الولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد مشروع قرار يطالب بالوقف الإنساني لإطلاق النار في غزة، أخبار الأمم المتحدة، 8 ديسمبر 2023 ، https://news.un.org/ar/story/2023/12/1126797

[12] مجلس الأمن يصوت الأربعاء على مشروع قرار برازيلي بشأن غزة، سكاي نيوز عربية، أكتوبر2023 ، https://tinyurl.com/4a9e4cxx

[13] الولايات المتحدة تستخدم “الفيتو” لإفشال تعديل روسي على مشروع قرار يدعو لوقف النار في غزة، شبكة ارتي، ديسمبر 2023،  https://tinyurl.com/4xwrpfrb

[14] فيتو أمريكي في مجلس الأمن ضد مشروع قرار جزائري يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، أرتي عربية، فبراير2023

https://tinyurl.com/3xkh3nt4

[15] الولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد مشروع قرار جزائري لوقف إطلاق النار في غزة، سي إن إن بالعربية، فبراير 2023

https://tinyurl.com/ynpmc3ya

[16] موسكو وبكين تجهضان مشروع قرار أمريكي لوقف إطلاق النار وبلينكن يندد بالفيتو الروسي “الخبيث”، مارس 2024 https://tinyurl.com/2s3funvj

[17] Biden Administration Announces Additional U.S. Security Assistance for Ukraine, U.S. Department of state, DECEMBER 2023, https://tinyurl.com/mtm68224

[18] Remarks by President Biden on the United States’ Response to Hamas’s Terrorist Attacks Against Israel and Russia’s Ongoing Brutal War Against Ukraine, U.S Embassy& Consulates in Russia, OCTOBER 2023, https://tinyurl.com/yrz7nvv2

[19] الولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد مشروع قرار يطالب بالوقف الإنساني لإطلاق النار في غزة، ، المرجع السابق.

[20] الحرب في أوكرانيا وأصداؤها عبر مختلف مناطق العالم  ، IMF BLOG، مارس 2022، https://tinyurl.com/hzrynuf5

[21] ما مصالح أميركا الإستراتيجية في حرب أوكرانيا؟، الجزيرة، نوفمبر2022، https://tinyurl.com/yzcafzt7

[22] التأثير المحتمل للحرب الروسية الأوكرانية على النظام الدولي، القاهرة الإخبارية، فبراير 2023، https://tinyurl.com/59wjppa7

[23] فوزي الغويدي، تدخّل الحوثيين في حرب غزة: ما بين التكتيك والتأثير، مجلس الشرق الأوسط للشئون الدولية، ديسمبر2022، https://tinyurl.com/yc89xwh2

[24] قادة من إيران و«حزب الله» يساعدون في توجيه هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر، الشرق الأوسط، نوفمبر2023، https://tinyurl.com/mr3xufbf

5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى