قضايا المياه في الصراع العربي – الاسرائيلى “الرؤى و الإشكاليات”
إعداد الباحث والمحلل السياسي : حسين خلف موسى – المركز الديمقراطى العربى
مشكلة الدراسة : المياه في الصراع العربي- الإسرائيلي
تناول العديد من الباحثين والدارسين مسألة موقع المياه في الصراع العربي الإسرائيلي بالدراسة والتحليل، إلا أننا نرى أن هناك حاجة لإلقاء مزيد من الضوء على مكانة المياه في خضم هذا الصراع الذي بدأ منذ نهاية القرن التاسع عشر، بسبب ما تشهده منطقة الشرق الأوسط الآن من انعطاف حاد في تاريخها منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في الأراضي الفلسطينية، وما أحدثته من إفرازات لعل أهمها تهديد إسرائيل للعديد من الدول العربية المجاورة، وصعود حزب الليكود بزعامة نتياهو إلى الحكم، وإطلاقه للتصريحات العدائية ليس للفلسطينيين فحسب بل للعرب جميعاً، ومن أبرزها إن حرب الاستقلال التي بدأت عام 1948 لم تنته بعد.
إن هذه اللهجة التي اتسم بها الخطاب الإسرائيلي تدل على أن الأطماع الإسرائيلية في الأراضي العربية ما زالت قائمة، وأن حكام إسرائيل مهما اختلفت اتجاهاتهم السياسية، ما زالوا يمضون في تنفيذ المبادئ والأفكار الصهيونية التي نشأت منذ زمن، ولعل أهم ما تدعو إليه هذه المبادئ هو أن السيطرة على الأراضي يجب أن تكون مصاحبة للسيطرة على المياه، ولهذا فإن المحاولات الصهيونية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين كانت تقوم دائماً على المزج بين الخريطة المائية والخريطة الأمنية، أو بمعنى آخر كانت تضع مصادر المياه في اعتباراتها عند تخطيط الحدود.
إن هذا المزج ما زال قائماً حتى الآن، فما زالت إسرائيل تسيطر على هضبة الجولان السورية لا لشيء، إلا لأنها تضم منابع نهر الأردن الحيوي بالنسبة لإسرائيل، أما غير ذلك فحجج واهية خصوصاً وأن التطور الذي حدث في تقنيات السلاح وانتصار الجيوش العربية على إسرائيل عام 1973، قد أسقط نظرية الأمن الإسرائيلية، وكذلك سيطرتها على الجنوب اللبناني مدة 20 عاما،ً وما زالت تطمع في العودة إليه بسبب مياه نهر الليطاني الذي دخل ضمن دائرة الأطماع الإسرائيلية منذ اللحظة الأولى التي بدأ فيها التفكير بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، كذلك محاولات إسرائيل فتح آفاق من العلاقات مع كل من تركيا وأثيوبيا ما هي إلا جهود تصب في محاولة استغلال الموارد المائية للتأثير على أكبر الدول العربية في المنطقة، مصر وسوريا والعراق، ولما كان الصراع العربي الإسرائيلي مستمراً نجد أنه من الضروري تناول هذا الموضوع للكشف عن أخطاره المستقبلية التي تهدد حياة الإنسان العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص. . .ومن هنا تنبع تساؤلات الدراسة ……….
تساؤلات الدراسة :
السؤال الاساسى : ما مستقبل وأبعاد قضية المياه في الصراع العربي الاسرائيلى ؟
التساؤلات الفرعية:
- 1: ما هي الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية ؟
- 2: ما هي الخلفيات التاريخية لهذه الأطماع ؟؟
- 3: ما أهم المشاريع المائية التي تحاول إسرائيل تنفيذها لاستغلال المياه العربية ؟
- 4: ما أهم انعكاسات قضية المياه على مستقبل الصراع العربي الاسرائيلى ؟
أهمية الدراسة :
تتضح أهمية هذه الدراسة من خلال ما يلي :
– أن هذه الدراسة توضح أبعاد وإشكاليات قضية المياه في الصراع العربي الاسرائيلى .
– أن هذه الدراسة تبرز أهم الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية .
– أنها تعرض الخلفيات التاريخية للأطماع الصهيونية في المياه العربية .
– أنها تعرض لأهم المشاريع المائية الإسرائيلية وعلاقتها بالمصالح والحقوق العربية وانعكاسات هذه القضية على مستقبل الصراع العربي الاسرائيلى .
– أن هذه الدراسة تلقى الضؤء على التدابير العربية لمواجهة هذه المخططات الصهيونية لاستغلال المياه العربية
فروض الدراسة :
تفترض الدراسة ما يلي :
1- أن الأطماع الصهيونية في المياه العربية لن تنتهي .
2- أن هناك علاقة بين مشاريع الاستيطان الصهيوني وبين مشكله المياه
3- سوف يكون هناك ترتيبات عربية مشتركة ومحدودة لمجابهة هذه الأطماع
الدراسات السابقة :
هناك عدة دراسات بحثية تناولت قضية المياه وأبعادها على الصراع العربي الاسرائيلى ومن أهم هذه الدراسات ما يلي:
1- الدراسة التي قام بها : الخبير الامريكى ( والتر كلاى لاودرميلك ) عام 1944 بعنوان ( فلسطين ارض الميعاد ) ضمنها مقترحات لمشاريع مائية ادعى بأنه بتنفيذها ستتاح إمكانية زيادة استيعاب فلسطين لما لا يقل عن أربعه ملايين من المهاجرين الجدد (1)
2- دراسة المهندس صبحي كحالة عام 1980 بعنوان (المشكلة المائية في إسرائيل وانعكاساتها على الصراع العربي الاسرائيلى ) وتناول فيها أهم المشاريع والأطماع الصهيونية في المياه العربية (2)
3- الدراسة التي أعدها مركز المعلومات الفلسطيني – وفا بعنوان ( المياه في الصراع العربي الاسرائيلى ) والتي خلصت إلى مجموعة من النتائج منها ضرورة تبني إستراتيجية مائية عربية تأخذ في اعتبارها البعد القومي لهذه القضية وذلك من خلال تجاوز الخلافات العربية على الأصعدة السياسية، والتوجه للعمل العربي المشترك بما يخدم المواطن العربي ويؤمن مستقبله. وكذلك من خلال التركيز على مسألة المياه عند إعادة هيكله الجامعة العربية وذلك بإنشاء هيئة عربية للمياه تطلع بمسائل المياه، من حيث الدراسات والأبحاث واقتراح المشاريع المختلفة التي تخدم الشعوب العربية واستغلال مواردهم المائية استغلالاً أمثل. (3)
مصطلحات الدراسة:
العدو: إسرائيل الأمن: الأمن القومي المائي لكل دولة مع الإشارة لذلك
المنطقة الملتهبة: الشرق الأوسط القضية : قضية المياه
داخل المنطقة : منطقة الشرق الأوسط
المنهج المستخدم في الدراسة :
تم استخدم المنهج التحليلي لأنه الأنسب لهذه الدراسة حيث يعتمد على المدخلان من المعلومات وعلى الخبرات السابقة ثم تحليها على نسق منطقي مرتب للأفكار الذي يؤدى في النهاية إلى الوصول إلى نتائج منطقية تكون الأقرب للواقع .
حدود البحث: قضية المياه وانعكاساتها على الصراع العربي الاسرائيلى
أولا : الأطماع الصهيونية في المياه العربية قبل إنشاء الكيان الإسرائيلي :
تعود المطامع الصهيونية في المياه العربية إلي ما قبل إنشاء الكيان الإسرائيلي عام 1948م , ونجد من المفيد ذكر بعض ملامح الفكر الصهيوني المائي خلال هذه الفترة , وذلك بمتابعة تصريحات ووجهات نظر المفكرين والزعماء الصهاينة حول مسألة المياه لان الآراء والتصورات التي يقدمها هؤلاء تشكل احد الركائز المهمة والمؤثرة في السياسة الإسرائيلية كما أنها تعبر عن المنطلقات الفكرية التي رسمت الخطوط العريضة لهذه السياسة .
فمنذ نشوء وتبلور الحركة الصهيونية في نهايات القرن التاسع عشر كتب تيودور هرتزل عن مستقبل المجتمع الإسرائيلي في فلسطين قائلا :”إن المؤسسين الحقيقيين للأرض الجديدة – القديمة هم مهندسو الماء , فعليهم يتوقف كل شي من تجفيف المستنقعات إلي ري المساحات المجدبة وإنشاء معامل توليد الطاقة الكهربائية”وهكذا نجد إن الحركة الصهيونية منذ نشأتها عملت علي توفير الأساس الاقتصادي لإنشاء الكيان الإسرائيلي في فلسطين ليصبح مكتفيا ذاتيا , مما يحقق له إمكانية استيعاب يهود العالم فتنشأ ”دولة إسرائيل الكبرى” ولهذا بذلت الحركة الصهيونية جهودا كبيرا للسيطرة علي المياه القريبة من فلسطين كمياه نهر الليطاني ومنابع نهر الأردن عن طريق ضمها إلي خارطة فلسطين أو إنشاء المستعمرات بالقرب منها بغية الاستيلاء عليها في المستقبل , حيث تركزت معظم عمليات الاستيطان المبكرة في فلسطين في المناطق الشمالية والساحلية التي تتمتع بوفرة في مصادر المياه(1).
غير أن الظروف الدولية في عهد الدولة العثمانية أفشلت محاولات ضم نهر الليطاني وروافد نهر الأردن إلي فلسطين بالرغم من موافقة بريطانيا علي ذلك وإرسالها لعدد من أعضاء الجمعية العلمية البريطانية إلي فلسطين عام 1872 لدراسة موضوع المياه هناك , التي جاء في تقريرها أنة يمكن ري جنوب فلسطين إذا أمكن توفير بعض المياه الموجودة في شمال فلسطين , وقد نشر الجنرال تشارلز وارن احد أعضاء الجمعية المذكورة كتابا عام 1875 عن فلسطين وأراضيها ذكر فيه ” انه يمكن إسكان 15 مليون نسمة في أراضي فلسطين والنقب إذا استثمرت المياه الواقعة شمال فلسطين”(2)
كما عنيت المسيرة الصهيونية المبكرة بالتوعية المائية والأمن الغذائي , عبر حركة أحباء صهيون التي نشطت عام 1887 في أعمال الاستيطان الزراعي وحفر الآبار الذاتية للمستعمرات في فلسطين مع بدء مرحلة التسلل الاستيطاني هناك واتخاذ شعار السيف والمحراث رمزا لهذه المرحلة.وقد صرح هرتزل بعد مؤتمر بال عام 1897 بأن حدود الدولة اليهودية من الشمال هي نهر الليطاني.(1)
من جانب أخر نجد أن ثوابت الأطماع القديمة – المتجددة للكيان الإسرائيلي في مياه النيل متعددة فعلي الرغم من أن شعار << دولة إسرائيل من النيل إلي الفرات >> يعد حلما للكيان الإسرائيلي , فان وثائق التاريخ المعاصر تؤكد أن الحركة الصهيونية وهي في بدايتها انتهزت فرصة وجود قوات الاحتلال البريطاني في مصر , وعمدت إلي الدعوة لتحويل مياه نهر النيل إلي صحراء النقب في فلسطين المحتلة عبر سيناء , حيث تقدم الزعيم الصهيوني تيودور هرتزل عام 1903 إلي الحكومة البريطانية والي الحكومة المصرية بمشروعة الذي قوبل بالرفض برغم المساعي القوية لتحقيقه , وذلك بتوطين اليهود في سيناء ومدهم بمياه نهر النيل عبر قناة خاصة لذلك , وكان للموقف الاستعماري البريطاني ونظرته المستقبلية للأوضاع في المنطقة آنذاك أثرة في عدم تحقيق هذا الأمر.(2)
وفي مطلع القرن العشرين قام المهندس ويلبوش W.Wilbush عام م1905م بدراسة وادي الأردن وخرج بنتيجة ملخصها أن مياه نهر الأردن لا تكفي حاجات فلسطين من الماء علي المدى البعيد , واقترح تحويل مياه نهر الليطاني إلي نهر الحاصباني احد منابع نهر الأردن لمضاعفة كمية المياه في نهر الأردن ن . وفي عام 1915 قدم الصهيوني البريطاني هربرت صموئيل – الذي عين عام 1920 مندوبا ساميا لبريطانيا في فلسطين – مذكرة إلي الوزارة البريطانية يطلب فيها إن تبدأ الحدود الشمالية لفلسطين عند جبل لبنان .(3)
كما عملت الحركة الصهيونية علي كافة الأصعدة بعد صدور وعد بلفور عام 1917م علي وضع تصوراتها لحدود دولة الكيان الإسرائيلي , والتي كانت مرتبطة بالمياه , سواء في مقترحات اللجنة الاستشارية لفلسطين عن مقترحات الحدود في 6 نوفمبر 1918 م , أو في مذكرة الحركة الصهيونية لمؤتمر السلام في 3 فبراير 1919 م , أو أثناء انعقاد المجلس الاعلي للحلفاء حول تقسيم خطوط المياه , أو عبر ما ذكره بن جوريون واسحق بن زفي عام 1918 م من أن الحياة الاقتصادية في فلسطين تعتمد علي مصادر المياه الموجودة , ومن الأهمية ضمان استمرار تدفق المياه إليها وتخزينها والسيطرة علي منابعها .(4)
وقد توسط الصهاينة الألمان في عام 1918 م لدي حكومتهم وحكومة تركيا لعد مجري نهر الليطاني الحدود الشمالية لفلسطين. وفي رسالة وجهها حاييم وايزمن عام 1919 م إلي لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا أكد فيها علي ضرورة سيطرة الدولة اليهودية علي نهر الليطاني .(1)
وقد تقدمت الحركة الصهيونية إلي مؤتمر الصلح عقب انتهاء الحرب العالمية الأولي مطالبة بان تبدأ حدود الوطن القومي اليهودي من نقطة علي البحر الأبيض المتوسط شمال مصب نهر الليطاني وتمتد شرقا لتضم كافة الينابيع التي تغذي نهر الأردن وهي الحاصباني في لبنان وبانياس في سوريا وتضم شرق بحيرة طبرية وكافة روافد نهر اليرموك في الأردن , وتمر هذه الحدود بالقرب من درعا وشرق عمان وتسير بمحاذاة سكة حديد الحجاز إلي أن تصل إلي خليج العقبة ضامه بذلك كافة الأراضي الفلسطينية وجنوب لبنان وجنوب سوريا وغرب الأردن .(2)
وضمن حلقة الإطماع والمخططات الصهيونية للاستيلاء علي المياه العربية قبل إنشاء الكيان الإسرائيلي حصل مخططو الحركة الصهيونية عام 1928 م علي موافقة بريطانيا لاستغلال مياه نهري الأردن واليرموك لإنارة فلسطين بالكهرباء , وفي عام 1938 م بدأوا في دراسة جدية لجر مياه الشمال إلي النقب.كما طرح بن جوريون عام 1941م وثيقة تدعو لضرورة وجود نهر الليطاني ضمن حدود الكيان الإسرائيلي , ورافق ذلك في نفس السنة تقديم مشروع إسرائيلي إلي الرئيس اللبناني الفرد نقاش لاستثمار المياه اللبنانية بشكل مشترك بين الكيان الإسرائيلي ولبنان.(3)
ثم اتجه الفكر الإسرائيلي إلي مرحلة الدراسة ووضع نماذج مشاريع للاستيلاء علي هذه المياه وذلك عبر مشروع أبو نيدس عام 1938 م ¸ومشروع والتر كلاي لورد ميلك عام 1944 م الذي تضمن اقتراحه عملية الاستيلاء علي مياه نهر الأردن وتحويلها إلي المناطق الشمالية والوسطي مع نقل كميات مائية إلي النفق بواسطة الأنابيب , ثم طرح مشروعي هيز وسافيدج عام 1945م اللذان تضمنا تحقيق الأطماع الصهيونية في الاستيلاء علي المياه العربية.
ومن خلال ما سبق نجد إن هناك إدراكا واضحا للوضعية الجيوبوليتيكية للدولة اليهودية , مما كان له انعكاس علي الفكر السياسي الصهيوني المنادي بالسيطرة علي المياه المحيطة بفلسطين , ووضع حدود الكيان الإسرائيلي , وربط ذلك بالحقائق الجيوبوليتيكية واسطورات الفكر الصهيوني والوعود التوراتية.(4)
وقد اتضح ذلك من خلال إدراك زعماء الصهيونية منذ منتصف القرن الماضي , إن تحقيق أهدافهم في تهجير ملايين اليهود إلي فلسطين لن يتم إلا بالتوسع في السيطرة علي أراضيها , وان التوسع في استغلال الأراضي لن يتم إلا بتأمين كميات كافية من المياه لإروائها , وبالهيمنة الكاملة علي مصادرها وقد قامت الصهيونية بدور مهم في تحديد الحدود السياسية لفلسطين في عهد الانتداب وذلك لضمان الإبقاء علي مصادر المياه داخل فلسطين , كما أنها أثرت علي بعض الدول الكبرى التي أسهمت في وضع مشروع تقسيم فلسطين عام 1947م , وذلك لضمان إدخال الكثير من مصادر المياه ضمن حدود الدولة اليهودية المقترحة في خارطة التقسيم , واستطاعت أن توجه ذلك لخدمة مصالحها مما يوضح إصرار الفكر الصهيوني علي السيطرة علي منابع المياه حول فلسطين.(1)
أن الحلم الصهيوني بالسيطرة علي مصادر المياه العربية في فلسطين والدول العربية المجاورة , الذي احتل مكانا بارزا في الإستراتيجية الصهيونية من موقع أهميته في خدمة مخططات التوسع , وزيادة مساحة الأراضي المرورية , ومتطلبات الصناعة المتطورة , ومخططات الهجرة والاستيطان , حوله الكيان الإسرائيلي بعد قيامة عام 1948م علي ارض فلسطين إلي واقع حي وملموس , مستفيدا من حالة الضعف والعجز العربي ومستندا في ذلك إلي دعم غير محدود من الولايات المتحدة.(2)
وهكذا نجد من خلال العرض التاريخي السابق اهتمام الصهيونية العالمية – فكرا ودراسة وتطبيقا – منذ نشأتها بالبحث عن الإمكانات المائية في فلسطين , والسعي للسيطرة عليها كمؤشر لمدي الأهمية البالغة التي كانت توليها لهذا الموضوع , ومدي تخطيطها البعيد المدى , ومساعيها الدءوبة لوضع تلك المصادر تحت تصرف مشاريعها الاستيطانية والاستعمارية .
ثانيا : المياه في الفكر الاستراتيجي الصهيوني
احتلت المياه موقعاً هاماً في الفكر الاستراتيجي الصهيوني منذ بدء التفكير بإنشاء دولة إسرائيل، وقد استند هذا الفكر إلى ادعاءات دينية وتاريخية باطلة ناتجة عن اعتقادها بما جاء في التوراة: “كل موقع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته… كما كلمت موسى من البركة ولبنان.. هذا إلى النهر الكبير نهر الفرات… وإلى البحر الكبير نحو المغيب يكون تخمكم”. ولاعتقادها أن الحدود المثالية لدولة إسرائيل من النيل إلى الفرات كما ورد في التوراة أيضاً، وبناءً على هذه الادعاءات قامت الحركة الصهيونية بإيفاد الخبراء واللجان العلمية خلال القرن التاسع عشر لدراسة الموارد المائية في فلسطين، ومدى الاستفادة من مياه نهر الأردن لتوليد الطاقة الكهربائية بسبب انخفاض البحر الميت عن البحر المتوسط. (1)
وقد قام بهذه الدراسات خبراء فرنسيون وأمريكيون عام 1850، ومن بينهم هريس أحد مؤسسي الحركة الصهيونية أواخر القرن التاسع عشر، والجمعية العلمية البريطانية عام 1875، التي أوصت بإمكانية إسكان خمسة ملايين مهاجر يهودي في فلسطين، إلا أن أهمية المياه في الفكر الصهيوني أخذت تتبلور بعد انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، حيث صرح تيودور هرتزل بقوله في أعقاب المؤتمر: “إننا وضعنا في هذا المؤتمر أسس الدولة اليهودية بحدودها الشمالية التي تمتد إلى نهر الليطاني”. وفي عام 1903، حاولت الدوائر الصهيونية الاتصال بالحكومة البريطانية لإرسال البعثات الفنية لإجراء الدراسات حول إمكانية سحب جزء من مياه نهر النيل إلى سيناء، ومن ثم جر هذه المياه إلى النقب لتطويره وبناء المستعمرات اليهودية فيه. (2)
وفي عام 1919، كان من أهم القرارات التي اتخذها المؤتمر الصهيوني العالمي الذي عقد بمدينة بازل بسويسرا: “يجب تذكير عصبة الأمم أنه لا بد من إدخال المياه الضرورية للري والقوة الكهربائية ضمن الحدود وتشمل نهر الليطاني وثلوج جبل الشيخ” وقد مارست الدوائر الصهيونية ضغوطاً كبيرة على المجتمعين في مؤتمر الصلح في باريس عام 1919، لجعل حدود فلسطين تضم منابع نهر الأردن ونهر الليطاني وسهل حوران في سوريا إلا أن هذه المطالب قوبلت بالرفض خصوصاً من الفرنسيين الذين وضعوا سوريا ولبنان تحت انتدابهم، وفي عام 1941، قال بن غور يون: “علينا أن نتذكر بأنه لابد أن تكون مياه نهر الليطاني ضمن حدود الدولة اليهودية لضمان قدرتها على البقاء”(3)
وهكذا يتضح أن المياه وقفت على قمة المخططات لإنشاء الدولة اليهودية، لأن قضية المياه ترتبط بقضية الوجود الصهيوني نفسه، كما يتضح أن الاهتمام الصهيوني انصب بشكل كبير على المناطق المتاخمة للحدود الشمالية لفلسطين، لأن معظم مصادر المياه التي تغذي فلسطين تنبع من كل من سوريا ولبنان، حيث يقع نهر الليطاني في الأراضي اللبنانية والذي تذهب مياهه هدراً في البحر على حد تعبير بيجين عندما غزت إسرائيل لبنان عام 82 ، لذلك بذلت الحركة الصهيونية جهوداً كبيرة لتوسيع الحدود الشمالية للاستحواذ على منابع المياه، وقد أكد ذلك العديد من الزعماء الصهيونيين أمثال حاييم وايزمان في رسالته بتاريخ 30/10/1920 إلى لويد جورج رئيس الوزراء البريطاني، حيث أشار إلى أن مياه نهر الأردن واليرموك لا تفي بحاجة الدولة اليهودية، ونهر الليطاني يمكنه أن يسد هذا العجز ويؤمن المياه لري الجليل . (1)
كما اقترح هربرت صموئيل أول مندوب سامي بريطاني على فلسطين وهو يهودي جعل الحدود الشمالية لفلسطين تتوغل داخل لبنان ليمتد من الضفة الشمالية لنهر الليطاني حتى أقصى ينابيع نهر الأردن قرب راشيا، ولتحقيق أهدافها فقد عملت الدوائر الصهيونية على إرسال العديد من البعثات خلال فترة الانتداب البريطاني إلى فلسطين لإجراء عمليات مسح للمصادر المائية واقتراح المشاريع المائية لتشجيع الاستيطان اليهودي فوضعت المشروع تلو المشروع ومنها مشروع روتنبرغ عام 1927، ومشروع أيونيدس عام 1938، ومشروع لاودرملك عام 1944، ومشروع هيز عام 1948م (2)
ثالثا : أشكال ونماذج من الأطماع في المياه العربية
لم يغفل الزعماء الإسرائيليون للحظة حلمهم بتوسيع حدود الدولة اليهودية، فبعد قيام دولة إسرائيل صرح ديفيد بن غوريون عام 1950: “إن هذه الخريطة ـ أي خريطة فلسطين ـ ليست خريطة دولتنا بل لنا خريطة أخرى عليكم أنتم مسؤولية تصميمها، خريطة الوطن الإسرائيلي الممتدة من النيل إلى الفرات” ويذكر مناحيم بيجين في كتابة الثورة الذي نشره عام 1950، وفي تحليله لقرار التقسيم: “بأنه منذ أيام التوراة وأرض إسرائيل تعد الأرض الأم لأبناء إسرائيل، وقد سميت هذه الأرض فيما بعد فلسطين، وكانت تشمل ضفتي نهر الأردن!!..(1)
إن تقسيم الوطن عملية غير مشروعة، ولم يحظ هذا العمل باعتراف قانوني وإن توقيع الأفراد والمؤسسات على اتفاقية التقسيم باطلة من أساسها وسوف تعود أرض إسرائيل إلى شعب إسرائيل وإلى الأبد”،وفي عام 1966 قال ليفي اشكول مخاطباً الفيلسوف الفرنسي سارتر: أن إسرائيل قسمت ثلاث مرات وكانت المرة الأولى عندما وضع نهري الحاصباني وبانياس خارج حدودها (2).
وعلى الرغم من المحاولات الحثيثة التي بذلتها الحركة الصهيونية قبل قيام دولة إسرائيل من أجل توسيع حدود الدولة لتضم منابع نهر الأردن ونهر الليطاني وعلى الرغم من استغلالها الجيد لفترة الانتداب البريطاني على فلسطين، حيث حصلت على امتياز لصالح شركة روتنبرغ من الحكومة البريطانية لاستغلال مياه نهر الأردن واليرموك لتوليد الطاقة الكهربائية وذلك لمدة 70 عاماً، ما أثر تأثيراً كبيراً على الأردن وحرمها من الاستفادة من مياهها، كما حاولت الحركة الصهيونية الاستعانة بالمهندس الأمريكي والتر كلاي ملك الذي وضع كتابه “أرض الميعاد” عام 1944، وجاء فيه أنه يمكن تأمين المياه لإسرائيل من مياه نهر الأردن واليرموك ونهر الليطاني، وكذلك يمكن توليد الطاقة الكهربائية بالاستفادة من الانخفاض الشديد للبحر الميت مع إمكانية إسكان أربعة ملايين يهودي. كما استطاعت إدخال مساحات هامة من الأراضي اللبنانية القريبة من بانياس واليرموك والمحيطة ببحيرة طبريا وأجزاء من الأراضي اللبنانية القريبة من الحاصباني. (3)
إلا أنه يمكن القول بأن الحركة الصهيونية لم تنجح في تحقيق مآربها في ضم جميع ما تصبوا إليه لأسباب كثيرة منها سياسية كالرفض الفرنسي في سوريا ولبنان واشتعال الثورات الفلسطينية المتوالية، والتي بدأت منذ اليوم الأول لإعلان الانتداب البريطاني على فلسطين .
ولم تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها إلا بعد قيامها عام 1948، حيث أخذت على عاتقها تطبيق ما جاء في أفكار وأطروحات منظريها ومخططيها، وكان أول مشروع تتبناه إسرائيل هو مشروع خطة السنين السبع، الذي يهدف إلى زيادة الموارد المائية في إسرائيل من 810 مليون م3 عام 1953 إلى 1730 مليون م3 في نهاية الخطة عام 1960، بزيادة قدرها 920 مليون م3 لري ما بين 600-1800 ألف فدان، على أن يتم تدبير كمية الزيادة من المصادر التالية: (1)
380 مليون م3 من مشاريع استثمار مياه الينابيع والمياه الجوفية والسطحية المختلفة داخل فلسطين المحتلة.
540 مليون م3 من مياه نهر الأردن وروافده
وتتضمن الخطط إنشاء ستة مشاريع تشمل المناطق الرئيسة في إسرائيل:
1- تجفيف بحيرة الحول
2 – مشروع الجليل الأعلى.
3- مشروع غور الأردن.
4 – مشروع الجليل الغربي.
5- مشروع العوجا ـ اليركون لخدمة القسم الغربي من النقب.
6- مشروع العوجا – اليركون لخدمة القسم الشرقي من النقب.
إلا أن أهم مشاريع الخطة على الإطلاق هو مشروع تحويل مجرى نهر الأردن التي حاولت إسرائيل تنفيذه عام 1953، وقد اعتبر هذا المشروع هو المشروع المركزي الذي تستند إليه جميع المشاريع المائية الأخرى. ويهدف المشروع إلى تحويل مياه نهر الأردن إلى النقب، وقد أوكلت إسرائيل شركة ميكروت اليهودية بتنفيذه، ويتضمن المشروع العمليات التالية: (2)
1- تحويل مياه نهر الشريعة من موقع جسر بنات يعقوب جنوب بحيرة الحولة وإنشاء سد تحويلي لهذه الغاية وشق قناة مكشوفة بطاقة 435 مليون م3 سنوياً تمتد جنوبي الأرض المجردة من السلاح ثم إلى قرية الطابعة شمال غرب بحيرة طبريا.
2- إسقاط 236 مليون م3 من منسوب 42م فوق مستوى سطح البحر من نهاية القناة إلى منسوب 210م تحت مستوى سطح البحر في بحيرة طبريا لتوليد الكهرباء.(3)
3- رفع 173 مليون م3 بالاستفادة من جزء من الطاقة المولدة إلى منسوب 42م فوق مستوى سطح البحر لمتابعة نقلها مع القسم المتبقي من تصريف القناة الأصلي إلى خزان صغير ينشأ في موقع سلمة “تسالمون”.
4- رفع كميات المياه المراد تحويلها إلى الجنوب من محطة ضخ تنشأ في سلمة إلى 110م لتصل إلى منسوب 150م فوق سطح البحر، ثم نقلها عبر نفق عيلبون إلى خزان البطوف الكبير، وهو مصمم لاستيعاب مليار م3 من المياه.
5- نقل المياه من خزان البطوف عبر قناة من الإسمنت قطرها 2.75م لتصل إلى ضواحي تل أبيب للالتقاء بمشروعي العوجا ـ اليركون للنقب الشرقي والغربي لري مختلف الأراضي المعدة للاستثمار من منطقة النقب (1)
ويهدف المشروع إجمالاً إلى الاستفادة من 602 مليون م3 تتجمع في نهر الأردن من المصادر التالية: 157 مليون م3 من نهر الحاصباني، 157 مليون م3 من نهر بانياس، 158 مليون م3 من نبع الأردن، 130 مليون م3 من ينابيع الحولة. إلا أن هذا المشروع فشل بسبب الشكوى السورية للأمم المتحدة، وصدور قرار مجلس الأمن الدولي لوقف المشروع في 24 سبتمبر 1953 ، وضغوط الولايات المتحدة على إسرائيل لوقف المشروع وإلا أوقفت المساعدات عنها، وهناك أسباب فنية تمثلت في عدم صلاحية مواقع التخزين بسبب نفاذية الطبقات الجيولوجية، ما يعمل على زيادة التسرب في المياه وعلى هذه الخلفية أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية إريك جونستون لبحث ترتيب الأوضاع المائية في المنطقة، فوضع مشروعاً عرف بخطة جونستون عام 1953، وتقضي الخطة بتوزيع مياه نهر الأردن المقدرة بـ 1213 مليون م3 على النحو التالي: 774 مليون م3 للأردن، 45 مليون م3لسوريا، 394 مليون م3 لإسرائيل. (2)
وتضمنت هذه الخطة العديد من المشاريع لاستغلال مياه نهر الأردن وهي كالآتي:
1- إنشاء سد على نهر الحاصباني لتخزين فائض الوارد الشتوي لنهر الأردن.
2- إنشاء قناة لحمل مياه أنهار بانياس والدان لري أراضي حوض الحولة.
3- تحويل مياه نهر اليرموك إلى قناة الغور الشرقية إلى بحيرة طبرية.
4- إنشاء قناة رئيسة شرق الأردن وقناة أخرى غربه.
5- تجفيف مستنقعات الحولة لزراعتها.
6- إنشاء الخزانات لحفظ مياه فيضانات الأودية على حسب ما تظهره الأبحاث التفصيلية. (3)
7- استثمار مياه الآبار لأغراض الري في المناطق التي تتضح فيها صلاحية ذلك كما في أودية الغور.
8- إنشاء قناة تأخذ مياهها من أمام سد الحاصباني ويقام عليها محطة لتوليد القوة الكهربائية بالقرب من تل حي.
9- توليد الطاقة الكهربائية من نهر اليرموك وذلك بإنشاء سد المقارنة على النهر المذكور.
10- إنشاء ما يلزم من قنوات للتحكم في المياه الدائمة بالوديان جنوب بحيرة طبرية.
وقد رفض هذا المشروع من قبل الدول العربية للأسباب التالية:-
1- اعتبار الخطة لحوض نهر الأردن وحدة جغرافية واحدة دون مراعاة الحدود السياسية.
2- إعطاء إسرائيل نسبة كبيرة من كمية مياه النهر ـ 32.4% ـ من مياه النهر في حين أن كمية المياه التي تساهم في تزويد النهر الواردة من داخل الأراضي الفلسطينية لا تتجاوز 23.1%.
3- حرمان الأراضي العربية من مياه نهر اليرموك القريبة.
4- الاختلاف في تقدير كمية مياه نهر الأردن، حيث قدرتها الدول العربية بـ 1429 مليون م3 توزع على النحو التالي: 977 مليون م3 للأردن، 232 مليون م3لسوريا، 35 مليون م3 للبنان، 285 مليون م3 لإسرائيل.(1)
وفي ضوء فشل مشروع تحويل مجرى نهر الأردن ومشروع جونستون اضطرت إسرائيل للبحث عن بدائل لهذه الخطة، فاستعاضت عنها بخطة السنين العشر التي تنتهي عام 1963، وهي خطة معدلة عن خطة السنين السبع.
وجاء التعديل في إعادة تصنيف المشاريع المتضمنة للخطة، وإدخال مشروع تحويل نهر الأردن من الشمال إلى النقب ومشروع تحويل مياه البحر المتوسط إلى وادي الأردن لتوليد الطاقة الكهربائية. ثم رفع كمية المياه المراد استخراجها من حوض الأردن من 540 مليون م3 إلى 700 مليون م،3 على أن تسحب 500 مليون م3 من مياه بحيرة طبريا إلى النقب بدلاً من إل 340 مليون م3 المعتمدة سابقاً . (2)
والخطة في مرحلتين:-
- الأولى: نقل 180 مليون م3 من بحيرة طبريا إلى النقب وتنتهي عام 1964.
- الثانية: نقل 320 مليون م3 إلى النقب وتنتهي عام 1966.
وقد هدفت إسرائيل من وراء هذه الخطة إلى زيادة طاقتها المائية من 1250 مليون م3 إلى 1850 مليون م3 عام 1970. وتنطوي الخطة على أضرار كبيرة تلحق بالدول العربية إذ ستعمل الخطة على ري مساحات واسعة من أراضي النقب البعيدة عن حوض نهر الأردن ما يسمح باستيعاب أعداد كبيرة من المهاجرين اليهود.(3)
كما ستحرم ضفتي نهر الأردن من مياه النهر بسبب انقطاع انسياب المياه من بحيرة طبريا، وحرمان مساحات كبيرة من الأراضي السورية شرق بحيرة طبريا. وقد حاولت الدول العربية مواجهة هذه الخطة بمشاريع مضادة منها إمكانية تحويل مياه نهر الأردن لاستثماره في كل من لبنان وسوريا والأردن، وحرمان إسرائيل من الاستفادة منه، وقد قررت الجامعة العربية تنفيذ هذا المشروع القاضي بتحويل روافد نهر الأردن إذا ما قامت إسرائيل بتحويل مجرى النهر، إلا أن الدول العربية أهملت المشروع، في حين واصلت إسرائيل إصرارها على تحويل مجرى النهر، وأعلنت أنها على وشك استكمال المرحلة الأولى من المشروع الأمر الذي دفع بالرئيس جمال عبد الناصر للدعوة إلى مؤتمر قمة عربي انتهى بعدة قرارات أهمها:- ( 1)
* تنفيذ المشروعات العربية بشأن استغلال مياه نهر الأردن وروافده لصالح الأقطار العربية تحت إشراف هيئة تتمتع بالشخصية الاعتبارية لاعتماد الأموال اللازمة لهذا الغرض، وتهدف هذه المشروعات إلى تحويل روافد نهر الأردن الأساسية بانياس والحاصباني والحد من صبهما في بحيرة طبريا ولقد كانت المشاريع الإسرائيلية لتحويل مياه نهر الأردن والمشاريع العربية المضادة أحد الأسباب الرئيسة لقيام حرب الخامس من حزيران 1967، والتي أكملت إسرائيل بموجبها احتلالها للأراضي الفلسطينية وأجزاء من الدول العربية الأمر الذي أتاح لإسرائيل الفرصة لتنفيذ مشاريعها ومخططاتها للاستيلاء على مياه نهر الأردن وروافده واستمرارها حتى عام 1994، عندما وقعت اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية في 26/10/1994، والتي تناولت قضية المياه في مادتها السادسة وجاء فيها: (2)
أ) يتفق الطرفان بالتبادل على الاعتراف بتخصيصات عادلة لكل منهما من مياه نهر الأردن واليرموك ومن المياه الجوفية لوادي عربة.
ب) التعاون بالعمل على ضمان عدم تسبب إدارة تنمية الموارد المائية لأحدهما بأي شكل من الأشكال بالإضرار بالموارد المائية للطرف الآخر.
ج) يعترف الطرفان بأن مواردهما المائية غير كافية للإيفاء باحتياجاتهما الأمر الذي يستوجب من خلاله تجهيز كميات إضافية بغية استخدامها، عبر وسائل وطرق مختلفة بما فيها مشاريع التعاون على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وفي ضوء الفقرة الثالثة من المادة السادسة تم الاتفاق على:-
أ) تنمية الموارد المائية الموجودة فيهما والجديدة، والعمل على زيادة وفرة كميات المياه بما في ذلك تحقيق التعاون على المستوى الإقليمي كما هو ملائم.
ب) منع تلوث الموارد المائية.
ج) التعاون المتبادل في مجال التخفيف من حدة النقص في كميات المياه.
د) نقل المعلومات والقيام بنشاطات البحوث والتطوير المشتركة في الموضوعات المتعلقة بالمياه.(1)
وعلى الرغم من قبول الأردن لهذه الاتفاقية، إلا أنها تعتبر تنازلاً ورضوخاً من الأردن للأطروحات الإسرائيلية القديمة وأطماعها في استغلال نهر الأردن، حيث سيضطر الأردن إلى وقف مشروعاته القديمة التي من شأنها تحقيق مصالحه ويضع نفسه في مواجهة عدائية مع سوريا ولبنان، وتأتي الفقرة (ج) لتوضح هذا المعنى. وقد عملت إسرائيل على تلويث مياه نهر الأردن وزيادة نسبة الملوحة فيه وهو مخالف للبند رقم “2” من الفقرة “3” من المادة السادسة للاتفاقية. (2
الفصل الثانى:
• أطماع إسرائيل خارج الحدود.
• الصراع حول نهر النيل.
• الصراع حول نهر الليطاني .
• الصراع حول نهر الأردن وبحيرة طبرية .
• إسرائيل والمياه الفلسطينية.
• أزمة المياه ومشاريع تسوية القضية الفلسطينية.
• الصراع حول المياه الجوفية .
أولا : أطماع إسرائيل المائية خارج الحدود
لقد باتت الأهمية الكبرى للمياه واضحة في الإستراتيجية الصهيونية التي انبثقت منها سياسة تعمل ضمن مخطط الكيان الصهيوني الذي يعمل ضمن إطار عقائدي يعتقد بموجبه ضرورة العمل على تحقيق حلم إسرائيل الكبرى التي تمتد من النيل إلى الفرات، ومن هنا بدأت المياه تظهر جنباً إلى جنب مع الحدود منذ بدء التفكير في إنشاء الكيان الصهيوني، ومن هنا انصبت الجهود الصهيونية في محاولة توسيع حدود فلسطين الشمالية حتى تضمن السيطرة على نهر الليطاني ومنابع نهر الأردن مثل الحاصباني والدان وبانياس، ولم تتوقف هذه الأطماع حتى بعد إقامة دولة إسرائيل، فعلى الرغم من سيطرتها على الموارد المائية الفلسطينية، إلا أنها ما زالت تتطلع إلى المياه العربية القريبة منها والبعيدة .(1)
وقد انصبت جهودها لتحقيق أطماعها في اتجاهين رئيسين تمثل الأول في محاولاتها الدائبة للسيطرة على الموارد المائية القريبة من الحدود الفلسطينية كنهر الأردن ومنابعه ونهر الليطاني في لبنان ومياه نهر النيل في مصر. أما الثاني فعبر عنه التنسيق المائي الإقليمي مع كل من تركيا ودول حوض النيل مثل أثيوبيا في أفريقيا، وذلك في محاولة لسحب كميات كبيرة من المياه إلى إسرائيل خصوصاً من تركيا، وتهديد بعض الدول العربية في المنطقة من خلال التأثير على إمكانياتها المائية المتاحة من أجل الابتزاز السياسي، وعدم تصديها للمشروع الصهيوني في المنطقة وسوف نتناول هذين الاتجاهين.(2)
ثانيا : الصراع حول مياه نهر النيل :
الأهمية الإستراتيجية لنهر النيل :
لنهر النيل تأثيره الرئيسي في السياسة الخارجية المصرية منذ فجر التاريخ , حيث كان له دور أساس في صياغة ما يمكن تسميته بدبلوماسية المياه , وما تفرضه من ضرورات المرونة والمهادنة بشكل معين في عقل القرار المصري وتعاملاته مع الصراعات الداخلية والإقليمية والدولية بمنطقة حوض النيل وما حولها وكل خروج عن هذه الصياغة هو الاستثناء الذي يؤكد القاعدة , فأي تحرك في الدول الواقعة جنوب مصر قد يغير من طبيعة مجري النيل , أو حركة وحجم تدفق المياه فيه يسبب حالة من التوتر في مصر , لأنة يذكرها بنقطة الضعف في جغرافيتها السياسية , ويهدد حاجتها المتصاعدة للمياه لتلبية مشروعات التنمية الزراعية والصناعية فيها , لمواجهة مشكلة استيرادها لما يزيد علي 70% من حاجتها الغذائية , ومعاناتها من ارتفاع معدلات النمو السكاني فيها.(1)
تطور الصراع الدولي حول نهر النيل :
حددت الاتفاقات أسس العلاقة بين الدول الكائنة حول حوض النيل ومنها مصر والسودان وأثيوبيا , وقد أصبحت معظم هذه الاتفاقات مثيرة للجدل لأنها أبرمت مع السلطات الاستعمارية قبل حصول هذه الدول الأفريقية علي استقلالها ومن بين هذه الاتفاقات الاتفاقية الانجلو- أثيوبية في 15 مايو 1902م لتعيين الحدود بين أثيوبيا والسودان , التي تعهد فيها حاكم أثيوبيا بان لا يقيم أو يسمح بإقامة أية منشأة عبر النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو السوباط يكون من شأنها أن توقف تدفق مياهها الي نهر النيل الا بالاتفاق مع حكومتي بريطانيا والسودان , كما تم التأكيد علي مبدأ عدم عرقلة الأنهار التي تنبع من أثيوبيا واريتريا في معاهدة عام 1906م الثلاثية بين فرنسا وبريطانيا وايطاليا . (2)
وهناك أيضا اتفاقية عام 1929م بين مصر والسودان , التي وضعتها اللجنة الثلاثية الدولية المكونة من ممثل من بريطانيا وأمريكا والهند في أعقاب نزاع الدولتين – مصر والسودان – حول نصيب كل منهما من مياه نهر النيل , ثم استقرت الدولتان علي اتفاقية عام 1959م التي أبرمت بمناسبة البدء في بناء السد العالي ورتبت حقوق الدولتين المائية فيها .(3)
ولكن الحكومة الأثيوبية قدمت عام 1957م مذكرة إلي كل من مصر والسودان ، أشارت فيها إلي حقها الطبيعي في مياه نهر النيل النابعة من أراضيها ، وبالتالي معارضتها لاتفاق عام 1902م ، وإنها تتمسك بمبدأ ممارسة السيادة علي منابع النيل الأزرق وعطبرة ، وتزامن مع رفض الحكومة الأثيوبية لهذه الاتفاقية الإعلان عن نتائج دراسة لتنمية الأراضي الزراعية الأثيوبية ، اقترح فيها ردا علي مشروع السد العالي في مصر ، إقامة 36 سدا وخزانا من شأنها أن تنقص 5.4 مليار متر مكعب من تدفق مياه النيل الأزرق . ورغم أن هذه المشاريع لم تر النور إلا أن التقرير الاستراتيجي العربي المنشور عام 1988م يعدها تذكرا أمريكيا لمصر بنقاط ضعفها الجيوبوليتيكي ، كما إنها تظل تهديدا لمصر كلما توترت العلاقات بين القاهرة وأديس أبابا.(1)
ومن ذلك يظهر انه ما لم يتم تدعيم التعاون بين دول حوض نهر النيل ، من خلال وجود كيان قوي لتنمية المشاريع المائية الجماعية فيها ، فإن بذور الصراع ستظل كامنة ، ولن يهدأ لأعداء المنطقة بال حتى يستغلوها من جانب أخر نجد أن معالم الرؤية الإسرائيلية الجديدة للسلام في المنطقة تتضح من خلال طرحها نماذج للتكامل الإقليمي بين دول المنطقة في صيغ مشابهة للسوق المشتركة ، واحد مجالات ذلك التكامل هو مجال الزراعة ، وتصدير تكنولوجيا الري لمصر ، واستخدام نظام فعال للمياه بهدف دعم التنمية الزراعية في مصر. (2)
وترتبط هذه الرؤية الإسرائيلية بالرؤية الأمريكية التي تربط بين ضرورة استغلال الثروات المائية في المنطقة وإعادة توزيعها ، مع عمليات التسوية السياسية في المنطقة ومشاكل نقص المياه في الكيان الإسرائيلي ، وبالتالي فإن قضية المياه ستدخل في إطار قضايا التسوية وإعادة صياغة بناء الوحدات المكونة للنظام الإقليمي في المنطقة / ولذلك تطرح الصفوة الإسرائيلية (التكنوقراط) في إطار تطبيع العلاقات مع مصر وتوزيع الموارد المائية في المنطقة نموذجين للتكامل المائي هما:
(أ) نموذج المهندس اليشع كلي “تاحال”: الذي يقوم علي أساس أن مشاكل الكيان الإسرائيلي المائية يمكن حلها عن طريق استخدام 1% من مياه نهر النيل ، وأن هذا المشروع يمكن أن يؤدي إلي حل بعض مشاكل المياه المصرية والعربية بري شمال سيناء وإمداد قطاع غزة والكيان الإسرائيلي والضفة الغربية بالمياه
(ب) نموذج “يؤر” أو النيل الأزرق – الأبيض : الذي نادي شاؤول ارلوروف نائب مدير هيئة مياه الكيان الإسرائيلي سابقا ، وذلك بحفر ثلاثة أنفاق تحت قناة السويس لدفع مياه نهر النيل إلي سيناء ثم إلي صحراء النقب. (3)
وقد واجه هذان النموذجان تساؤلات داخل الكيان الإسرائيلي ، حول عدم أخذها بعين الحسبان إمكانية استخدام مصر لهما كأداة للمنع أو المنح في مفاوضاتها ، رغم أن السادات – الرئيس المصري السابق – بعد زيارته للأراضي المحتلة وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد قد اقترح في 17 ديسمبر 1979م جر مياه نهر النيل ، بحفر ترعة السلام تحت قناة السويس إلي سيناء ومنها إلي النقب – تجسيدا للنموذجين السابقين – إلا أن المعارضة الشديدة التي لاقاها المشروع داخل مصر وخارجها من الدول العربية والأفريقية أوفقت ذلك المشروع. (1)من جانب أخر وخلال انعقاد ندوة التعاون الاقتصادي لدول الشرق الأوسط في لوزان – سويسرا – عام 1989م ، تقدم أحد المشاركين في الندوة وهو البروفيسور حاييم بن شاهار – الرئيس السابق لجامعة تل أبيب – باقتراح حول مجالات التعاون بين الكيان الإسرائيلي والدول العربية ، مفاده أن تقوم مصر بمنح هذا الكيان حصة من مياه نهر النيل قدرها 1% عبر أنابيب خاصة لاستخدامها في مشاريع التنمية الزراعية الإسرائيلية مما يؤكد استمرارية الأطماع الإسرائيلية في مياه نهر النيل.
إن من أهم المخاطر الاقتصادية والإستراتيجية التي يمثلها مشروع نقل مياه نهر النيل إلي الكيان الإسرائيلي ما يلي : (2)
1- تأثر الأمن القومي المصري مائيا وغذائيا بسبب هذا المشروع الذي سيكون علي حساب الاحتياجات الحقيقية للشعب المصري.
2- أن المشروع سيسهم في حل عدد من المشاكل الرئيسية التي يعاني منها الكيان الإسرائيلي كأزمة المياه ، وعدم القدرة علي التوسع الزراعي ، ومحدودية القدرة علي استيعاب المهاجرين ، وهذه عوامل من شأنها وببساطة أن تدعم القوة الإسرائيلية بوجه عام ، وتدعم بالتالي توجهاتها العدوانية والتوسعية.
3- أ ن نجاح هذا المروع يعني نجاح الكيان الإسرائيلي في إرساء أمر واقع وجديد في المنطقة ، يعد من اخطر أشكال فرض الأمر الواقع علي الإطلاق ، لأنه سيأخذ نوعا من المشروعية والبعد القانوني في ظل التسوية الإسرائيلية – المصرية.
من ناحية أخري هناك تخوف من أن يعمد الكيان الإسرائيلي إلي ممارسة ضغوطه بشكل غير مباشر لتحقيق أهدافه ، وذلك بالإسهام في مشاريع أثيوبية لإنشاء سدود علي نهر النيل الأزرق ، وعندئذ لابد أن يؤدي الأمر إلي توتر في المنطقة بشكل يحقق توقع الدكتور بطرس غالي- وزير الدولة المصري السابق للشئون الخارجية – عندما قال : “إن الحرب المقبلة في الشرق الأوسط بسبب مياه النيل وليس بسبب الاختلافات السياسية”.(3)
وقد أوضحت الأنباء في الصحف الغربية والإسرائيلية بعض أبعاد التعاون بين الكيان الإسرائيلي وأثيوبيا في مجالات المياه والمجالات العسكرية والأمنية والفنية ، كما أظهرت الزيارات بين عدد من كبار المسئولين في الدولتين ، وجود إدارة ووعي سياسيين – خاصة لدي الكيان الإسرائيلي – لتطوير وبلورة تعاون مستقر ودائم بينهما ، مما يشكل أساسا لقيام ارتباط استراتيجي بين كل من الدولتين المحيطتين بالنظام العربي ، فأثيوبيا كانت أخر الدول الأفريقية التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الإسرائيلي تنفيذا لقرارات الوحدة الأفريقية في أكتوبر 1974م ، كما أنها ظلت بعد ذلك محتفظة بعلاقات معه في مختلف المجالات ، إلي أن عادت العلاقات بينهما في أكتوبر 1989م . (1)
ومن أهم المؤشرات السلبية لهذا التعاون علي الوطن العربي أنه يشكل في تطوره تهديدا مباشرا للأمن القومي المصري عبر سيطرة أثيوبيا علي 85% من مياه نهر النيل المتدفقة إلي مصر ، وإن كانت قدرة أثيوبيا علي التحكم في تدفق كميات المياه المنحدرة من الهضبة الأثيوبية شبة منعدمة ، بسبب نقص التمويل والخبرة الفنية ، ونظرا لطبيعة انحدار الهضبة نفسها ، إلا أنها تظل مصدر التهديد الرئيسي لحصة مصر من المياه ، فإذا توفر طرف قادر وراغب في مساعدة أثيوبيا – كالكيان الإسرائيلي- علي القيام ببعض المشروعات التي تؤثر علي هذه الحصة ، فإن ذلك سيشكل تهديدا واضحا للأمن القومي المصري في المستقبل ، وزيادة في الضغط علي مصر وإمكاناتها إقليميا ودوليا من هاتين الدولتين. (2)
والحقيقة إن إقامة أثيوبيا لأية مشروعات مائية لتوليد الطاقة واستصلاح الأراضي فيها ، ستحد من كمية المياه التي تصل إلي السودان ومصر ، كما أن إقامة أية دولة من دول حوض نهر النيل الاخري لأية مشروعات مماثلة أو تغيير نظام الحكم فيها – بما لا يتفق مع السياستين السودانية والمصرية – سيخلق جوانب رئيسية لتهديد الموارد المائية للسودان ومصر علي نهر النيل.وقد كشف وزير الموارد المائية المصري عصام راضي في جلسة خاصة لمجلس الشورى في نهاية عام 1989م عن تفاصيل الأزمة بين مصر وأثيوبيا حول مياه نهر النيل ، معلنا أن مصر تدخلت لإقناع مؤسسات التمويل الدولية بوقف تمويل مشاريع أثيوبية علي نهر النيل الأبيض ، بسبب عدم أخذ رأي مصر لدي إصدار أثيوبيا قرارها بتنفيذ المشاريع ، مؤكدا أن مصر ترصد كل حركة وكل نقطة مياه في حوض نهر النيل (3)
وأن لديها مهندسين موجودين في أوغندا – وهي أحدي دول منابع نهر النيل ، لمراقبة ومراجعة حصتها في المياه ، كما أعلن السودان من جهته علي لسان يعقوب موسي وزير الري ، أن قيام هذه المشاريع الأثيوبية سيؤثر علي كمية المياه المتدفقة إلي السودان ومصر ، وأكد الدعوة للتفاوض مع أثيوبيا لتقسيم مياه نهر النيل.(1)
إن التحالف الإسرائيلي – الأثيوبي في مدخل البحر الأحمر ومنابع نهر النيل ، يرتكز في الجانب الإثيوبي منه إلي عوامل عدة في مقدمتها الأوضاع الاقتصادية المنهارة ، والهزائم المتلاحقة التي مني بها الجيش الأثيوبي في إقليم التيغراي وفي ارتريا ، ووقوع أثيوبيا تحت ضغط احتياجها للأسلحة والكوادر الإسرائيلية لمواجهة هذه الهزائم ، وملء فراغ انسحاب القوات السوفيتية من أثيوبيا ، في مقابل أن يحقق الكيان الإسرائيلي أهدافه البعيدة المدى ، ومحاولة ابتزاز مصر ، والضغط عليها لإعاقة أي دور يمكن أن تؤديه علي صعيد القضية الفلسطينية وتطوراتها ، وكذلك إعاقة أي دور مصري لحل قضية جنوب السودان والذي يعد من الأهداف الأثيوبية – الإسرائيلية المشتركة.(2)
من جانب أخر تذكر التقديرات أن استثمار مياه نهر النيل محدود لانخفاض مستوي النهر إلي ادني معدل له خلال هذا القرن ، مما سبب العديد من المشاكل لدول حوضه خاصة مصر ، كمشكلة انخفاض معدل السياحة المصرية ، وانخفاض مخزون المياه في بحيرة ناصر ، الذي هدد مولدات الطاقة الكهربائية فيها وذلك عام 1989م. مما يشير بقوة إلي أن الحرب المقبلة في شمال شرق أفريقيا ستكون حول المياه وليس حول السياسة ، لتأثيرات النقص فيها علي الجوانب الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية لدول حوض نهر النيل. (3)
التنسيق الإسرائيلي الأثيوبي حول مياه نهر النيل:
استغلت إسرائيل تقاربها مع أثيوبيا في عهد الإمبراطور هيلاسيلاسي وقامت بتوظيف هذه العلاقة من أجل تهديد مصر من زاوية المياه، لأن 85% من احتياجات مصر المائية تنبع من أثيوبيا، حيث بلغت حصة مصر من مياه النيل 55.5 مليار م3 ارتفعت إلى 70 مليار م3 عام 2000، ما شكل عجزاً مائياً بمقدار 14.5 مليار م3، أما السودان فحصتها 18.5 مليار م3، وتهدف السودان إلى زيادة مساحة الرقعة الزراعية من 4.5 مليون فدان إلى 9 مليون فدان، وهذا يحتاج إلى 14.8 مليار م3، وبذلك يكون العجز المائي عند مصر والسودان 38 مليار م3 من المياه، وهذه الكمية لا يمكن تدبيرها إلا بعد الانتهاء من مشروعات أعالي النيل التي تتولاها مصر والسودان معاً.(4)
وتلعب إسرائيل من خلال علاقتها مع أثيوبيا والدول الأفريقية في حوض النيل دوراً تحريضياً ضد مصر والسودان، بحجة أنهما تستهلكان كميات كبيرة من المياه دون الحاجة إليها على حساب الدول الأخرى وفي ضوء هذا التحريض سيطرت الشركات الأمريكية والإسرائيلية على معظم المشاريع المائية في المنطقة، وتولت الأبحاث العلمية الخاصة بموارد المياه، وأسفرت العلاقات الأثيوبية الإسرائيلية عن تهجير أعداد كبيرة من يهود الفلاشا، كما قامت إسرائيل بإنشاء ثلاثة سدود مائية كجزء من برنامج أمثل يستهدف بناء 26 سداً على النيل الأزرق لري 400 ألف هكتار، وإنتاج 38 مليار كيلو وات ساعة من الكهرباء، وهذه المشاريع ستحرم مصر من 5 مليار م3 من المياه، كما قامت إسرائيل ببناء سد على منشأ أحد فروع النيل الأزرق الذي يمد النيل بحوالي 75% من المياه لحجز نصف مليار م3 من المياه مقابل قيام أثيوبيا بتسهيلات لإسرائيل في جزيرة دهلك وفاتيما لإقامة قواعد عسكرية فيها، تحولت إسرائيل بعدها إلى أرتيريا لقربها من باب المندب، كما بدأت أثيوبيا ترفع دعاوى إعادة توزيع مياه نهر النيل وفق مبدأ عدالة التوزيع، كما أنها لم تشترك حتى الآن في مجموعة الأندوجو الخاصة بالاستفادة من مياه نهر النيل. (1)
ثالثا : الصراع حول مياه نهر الليطاني :
بعد إعلان قيام الكيان الإسرائيلي مباشرة ، أثار مندوبها في الأمم المتحدة قضية نهر الليطاني لدي لجنة التوفيق الدولي – التي كانت تعالج القضية الفلسطينية بتكليف من الأمم المتحدة – وقد أوصت اللجنة آنذاك بتأجير سبعة أثمان مياه نهر الليطاني للكيان الإسرائيلي.وفي مؤتمر القدس الذي عقده الكيان الإسرائيلي عام 1953م لدراسة احتياجاته المستقبلية من المياه ، وضع في الحسبان حصوله علاي مياه نهر الليطاني لمواجهة التوسع المقبل لهذا الكيان خلال الستينات(1).
وزاد وضوح مطامع هذا الكيان في مياه نهر الليطاني في المشروع الذي قدمه عام 1954م تحت مسمي مشروع كوتون ، الذي يطالب فيه بتحويل 400 مليون متر مكعب من مياه النهر إليه ، مستوليا بذلك علي نحو 55% من مياه نهر الليطاني ولا يترك لدولة لبنان صاحبة النهر إلا حوالي 45% منها فقط. وبعد حرب عام 1967م أكد بن جوريون – رئيس وزراء إسرائيل الأسبق – أمنيته بجعل نهر الليطاني حدودا شمالية للكيان الإسرائيلي ، كما صرح ليفي أشكول رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي لمندوب جريدة لوموند الفرنسية بقوله : “إن هناك نصف مليار متر مكعب من مياه نهر الليطاني تضيع سنويا في البحر ويجب استغلالها لصالح شعوب المنطقة ، ولا يسع إسرائيلي الظامئة أن تقف مكتوفة الأيدي وهي تري مياه نهر الليطاني تتدفق إلي البحر ، وإن القنوات باتت جاهزة في إسرائيل لاستقبال مياه نهر الليطاني المحولة”.(2)
وعندما احتل الكيان الإسرائيلي جنوب لبنان في عام 1978م ووصل بقواته إلي نهر الليطاني ، ارتفعت أصوات إسرائيلية تطالب بالبقاء في جنوب لبنان ، حيث تقدمت مجموعة “أرض إسرائيل التوراتية” بطلب إلي الكنيست الإسرائيلي لإقرار هاذ الاحتلال وعدم الانسحاب باعتبار أن نهر الليطاني يمثل الحدود الشمالية لهذا الكيان ، وكذلك تقدم عضو الكنيست بيج عزوفر إلي لجنة الخارجية والأمن بطلب لإعادة 3300 دونم من أراضي مرجعيون اللبنانية إلي الكيان الإسرائيلي ، مدعيا أن أصحاب هذه الأراضي من الإسرائيليين وقد سلبها اللبنانيون منهم في إطار اتفاقية الهدنة عام 1949م.(3)
وعندما قام الكيان الإسرائيلي عام 1982م بغزو لبنان ثبت مواقعه حول نهر الليطاني باحتلاله الإسرائيلي لجنوب لبنان ، وبحكم أن كمية المياه الجارية في النهر عند موقع الاحتلال الإسرائيلي محدودة نظرا لوجود سد في اعلي مجراه ، فإن ذلك لم يحل دون أن يسارع هذا الكيان إلي استغلال المتبقي من مياهه ، فبعد أن منع مزارعي الجنوب اللبناني من ضخ مياه النهر لري المزروعات ، قام بنقل المياه بالصهاريج إلي الكيان الإسرائيلي ومن ثم قام بشق نفق طوله 3-4 كيلومتر ليصل النهر بحدود الكيان الإسرائيلي الشمالية.(1)
** ومن الآثار السلبية لهذه المشاريع المائية علي لبنان ما يلي:
– تكريس الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني خاصة في المناطق الحدودية.
– تمكين الكيان الإسرائيلي من ضرب المشاريع المائية في لبنان “كالسدود” والتسبب في مشاكل كبيرة لآلاف المزارعين اللبنانيين.
– حرمان جنوب لبنان من استغلال إمكاناته المائية لإنعاش الجنوب زراعيا.
وهكذا يتضح لنا أن دعوة الفكر الصهيوني للسيطرة علي مياه نهر الليطاني قد تحققت علي ارض الواقع عبر الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان في علمي 1978م و 1982م ، واحتفاظ الكيان الإسرائيلي بالشريط الحدودي ، مما ولد آثارا انعكست علي الأوضاع السياسية والإستراتيجية في المنطقة ، ومن جانب أخر فإن حصول الكيان الإسرائيلي علي المزيد من المياه العربية من شأنه ترسيخ أقدام الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين المحتلة (2)
رابعا : الصراع حول نهر الأردن وبحيرة طبرية :
لا تتعدي كمية المياه المناسبة للاستخدام في نهر الأردن نسبة 2% من مياه نهر النيل أو 7% من مياه9 نهر الفرات ، لكن هذه الكمية التي لا تزيد علي نصف مليون متر مكعب سنويا ، ذات أهمية حيوية لكل من الأردن والكيان الإسرائيلي حيث تقدم للأولي ثلاثة أرباع حاجتها المائية سنويا ، وتقدم للأخيرة أكثر من ربع حاجاتها المائية سنويا(1) ، وبحكم أن مصادر مياه نهر الأردن العلوية – نهري الحصباني وبانياس – تقع في الأراضي العربية باستثناء مصدر واحد منها – نهر الدان- وذلك بعد حرب عام 1948م ، فقد أصبحت المياه مصدرا للنزاع بين الكيان الإسرائيلي والدول العربية المجاورة له ، إضافة إلي أن الأراضي التي تقع مباشرة علي النهر كانت مناطق منزوعة السلاح ولا يستطيع الكيان الإسرائيلي الدخول إليها ، في الوقت الذي زاد فيه عدد المهاجرين الإسرائيليين من 650.000 ألف عام 1948م إلي 1.600.000 ألف عام 1952م ، مما أدي إلي زيادة الطلب علي المياه وذلك لعدة أسباب أهمها:
– أن المهاجرين اليهود الغربيين قد تعودوا علي مستوي مرتفع من الاستهلاك المائي يفوق غيرهم من سكان المنطقة العربية.
– محاولة الكيان الإسرائيلي القيام بمشاريع متقدمة مما تطلب المزيد من المياه.(2)
أما بالنسبة للأردن فقد ازدادت نسبة استهلاكه للمياه ، بسبب لجوء الفلسطينيين إليه بعد حرب عام 1948م ، وضم الضفة الغربية اللي أراضيه بعد حرب عام 1967م ، مما أدي إلي ارتفاع تعداده السكاني إلي أكثر من مليوني نسمة ، مع كون معظم اللاجئين الفلسطينيين مزارعين مما يجعل المصدر المائي مهم لأعمالهم الزراعية.وقد عقد الكيان الإسرائيلي مؤتمر القدس عام 1953م الذي أقر فيه مشروعا لاستغلال مياه نهر الأردن بسحب مياه النهر شمال بحيرة طبرية في مجري صناعي يمتد إلي المستعمرات اليهودية في النقب.(3)
وفي عام 1953م وضع جوردن كلاب – رئيس هيئة وادي تينسي الأمريكية – مشروعا لاستخدام مياه نهر الأردن بناء علي تكليف من الحكومة الأمريكية ، قام بنقله إلي الدول العربية والكيان الإسرائيلي أريك جونسون كمبعوث خاص من قبل الرئيس الأمريكي أيزنهاور .
وكان يتعلق بتقسيم مياه النهر بين الدول الثلاث – سوريا ، الأردن ، الكيان الإسرائيلي – المطلة علي بحيرة طبرية ، وجعل البحيرة منطقة التخزين لمياه النهر. وبحكم أن البحيرة تقع تحت السيطرة الإسرائيلية خاصة مخرج المياه منها ، والذي سيتم عن طريقه – وفق المشروع – توزيع المياه في المناطق العربية ، مما يجعل الأراضي الزراعية العربية خاضعة للسيطرة الإسرائيلية ، ويسهل القضاء عليها وقد رفض العرب المشروع ، بعكس الاسرائيلين الذين قاموا بتنفيذه من جانب واحد ، مع تعهدهم النظري بعدم سحب كميات مياه زيادة عما خصص لهم في المشروع ، ولكنهم من ناحية عملية حاولوا استغلاله إلي أقصي حد علي حساب الحق العربي ، خاصة في المناطق المنزوعة السلاح حول بحيرتي الحولة وطبرية ، واتجهوا إلي إقامة مشروع تحويل مياه النهر إلي صحراء النقب. (1)
ولم يكن هذا الموقف مرضيا للعرب الذين عملوا علي إجراء الدراسات وطرح المشاريع حول الوضع المائي في المنطقة ، فاتجه الأردنيون لبناء نظام سدود علي نهر اليرموك من اجل تحويا مياهه ، وجعل تخزين المياه في داخل الأراضي العربية بعيدا عن السيطرة الإسرائيلية ، وبدأ السوريون في تحويل منابع نهر الأردن النابعة من أراضيهم بمجموعة من السدود والقنوات ، مما أدي إلي توترات حدودية مع الكيان الإسرائيلي ، عمد خلالها الجيش الإسرائيلي أكثر من مرة القيام بأعمال عسكرية للحيلولة دون بناء هذه المشاريع العربية ، مما دفع الدول العربية لعقد أول مؤتمر قمة عربي عام 1964م ، وعد الإجراءات الإسرائيلية عدوانا عليهم واتخذوا قرارهم بعم المشاريع العربية لتحويل مياه نهر الأردن واستثمارها. (2)
وقد صاحب تنفيذ هذه المشروع العديد من الصدامات السياسية في أروقة الأمم المتحدة منها :
– احتجاج الحكومة السورية لذي لجنة الهدنة ومجلس الأمن علي انتهاك الكيان الإسرائيلي لاتفاقية الهدنة ومحاولته تحويل مياه نهر الأردن ، فأصدر المجلس قراره بالإجماع في 27 أكتوبر 1953م بضرورة وقف الكيان الإسرائيلي لكافة أعماله التي يقوم بها في المنطقة المحايدة.(3)
– تقديم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا مشروع قرار – أثناء مناقشة الاحتجاج السوري – إلي مجلس الأمن جاء فيه : “جواز تحويل إسرائيل لمجري نهر الأردن في المنطقة المجردة تحت إشراف رئيس لجنة الهدنة” ، ولكن المندوب السوفيتي استخدم حق النقض – الفيتو – للاعتراض علي المشروع.(4) وقد استمر التوتر في المنطقة خلال تلك الفترة إلي أن قامت حرب عام 1967ن فتوقفت نهائيا المشاريع العربية لاستغلال روافد نهر الأردن ، واكل الكيان الإسرائيلي تنفيذ مشروعاته ، واستطاع بالتالي استخدام كافة الموارد المائية لنهر الأردن ، وحال دون استخدام سوريا ولبنان لمياه نهري الحصباني وبانياس في ري أراضيهم.من جانب أخر نجد أن الإمكانات المستقبلية لاستغلال مياه نهر الأردن أصبحت ضئيلة ، حتى لو أتيح للمزارعين العرب فرصة استغلال مياه النهر وذلك لرداءة نوعية المياه فيه للأسباب التالية: (1)
1- انخفاض منسوب مياه نهر الأردن بعد مشروع تحويل مياهه ونقلها إلي صحراء النقب ، ولضعف الوارد إليه من نهر اليرموك الذي يذهب قسم كبير من مياهه عبر قناة الغور الشرقية ، وما تبقي يقوم الكيان الإسرائيلي بضخه وسحبه إلي بحيرة طبرية.
2- قيام الكيان الإسرائيلي بتحويل ينابيع المياه المالحة مباشرة إلي نهر الأردن بواسطة قنوات خاصة لذلك ، دون مرورها عبر بحيرة طبرية.
3- قيام المستوطنات الإسرائيلية علي امتداد نهر الأردن بسحب ما يمكن سحبه من مياه النهر للاستعمالات في بعض المجالات الاقتصادية ، ومن ثم إلقاء جميع الفضلات في النهر ، ولقد وصف احد الإسرائيليين المهتمين بالطبيعة نهر الأردن بأنه “ليس أكثر من مستنقع مجاري”.
وهكذا تحول مجري نهر الأردن بفعل الكيان الإسرائيلي إلي مجري مائي مالح وهزيل حرم سكان الضفة الغربية من الاستفادة منه.(2)
إن ملوحة نهر الأردن قبل وصوله إلي بحيرة طبرية لا تتعدي 20 ملغرام لكل لتر ، ترتفع بعد اختلاطه بمياه البحيرة إلي حوالي 300 ملغرام لكل متر كمعدل سنوي. ولكن في عام 1965م ازدادت ملوحة النهر بعد أن أقام الكيان الإسرائيلي قناة علي طول الشاطئ الغربي لبحيرة طبرية ، وظيفتها الحد من وصول اكبر كمية ممكنة من الأملاح إلي البحيرة. حيث تنقل هذه القناة سنويا نحو 60.000 طن من الأملاح إلي الجنوب – أي إلي نهر الأردن- . كما بني سد علي موقع خروج نهر الأردن من البحيرة لرفع منسوب المياه فيها ، وسحبها بالتالي لري صحراء النقب بحوالي 400 مليون متر مكعب في المياه سنويا.(3)
وبالتالي نجد المحصلة النهائية لهذه المشاريع إن الكيان الإسرائيلي يعمل للوصول إلي ما يلي :
1- رعاية بحيرة طبرية وجعلها خزان مائي إسرائيلي يسهل التحكم فيه لسيطرة هذا الكيان علي المنطقة حوله.
2- تحويل مياه نهر الأردن من مياه عذبة صالحة للشرب إلي مياه مالحة ، مما يحقق ضغوطا اقتصادية وإستراتيجية لصالح الكيان الإسرائيلي ، لتأثير هذا التحويل علي الجانب العربي من النهر. (1)
خامسا : اسرائيل والمياه الفلسطينية :
ظلت المياه على رأس أولويات الدولة اليهودية حتى بعد قيامها عام 1948، إذ تم إعداد الخطط لاستثمار كل ما يقع في أيدي الإسرائيليين من موارد مائية تمهيداً لاستقبال أعداد كبيرة من المهاجرين اليهود إليها، وقد وضعت السياسة الإسرائيلية نصب عينيها عدم إهدار أي نقطة ماء يمكن الحصول عليها في فلسطين، ولذلك كان قرار تأميم المياه في شهر أغسطس عام 1949 الذي أصدرته حكومة إسرائيل، ويقضي باعتبار المياه ملكاً عاماً، للدولة فقط حق التصرف فيها، ولا يحق للأفراد ذلك، وأسندت مهمة الإشراف على هذا القرار لوزير الزراعة، يساعده مفوض للمياه وظيفته حصر صلاحية الترخيص للأفراد بالحصول على كمية من المياه من مصادرها المختلفة (2).
إن مثل هذه الإجراءات إنما هي امتداد لعمليات التطبيق العملي للفكر الصهيوني فيما يتعلق بقضية المياه، وقد ظهر ذلك جلياً في المذكرات الشخصية لموسي شاريت أول وزير خارجية لإسرائيل في مباحثاته مع إريك جونستون المبعوث الأمريكي من قبل الرئيس أيزنهاور لترتيب مسألة المياه في منطقة غور الأردن، حيث اهتم بضمان سيطرة إسرائيل على جميع المنابع المائية ومصادرها بما في ذلك مياه نهر الليطاني، ويجب أن تتكيف الحدود الجغرافية وفق هذا المفهوم. وفي عام 1955، قال ديفيد بن غوريون رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت: “إن اليهود يخوضون مع العرب معركة المياه وعلى نتائج هذه المعركة يتوقف مصير إسرائيل وإذا لم ننجح في هذه المعركة فإننا لن نكون في فلسطين (3)
وبعد احتلال إسرائيل لبقية الأراضي الفلسطينية في أعقاب حرب 1967، سارعت قواتها إلى السيطرة الكاملة على الموارد المائية الفلسطينية، حيث أصدرت عدداً من الأوامر العسكرية، كان أولها قبل انتهاء العمليات العسكرية يوم 7/6/1967، يتم بمقتضاها نقل جميع الصلاحيات بشأن المياه في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الحاكم العسكري الإسرائيلي، ثم تلا هذا الأمر سلسلة من الأوامر العسكرية منها:( 1)
1ـ الأمر رقم 92 بتاريخ 15/8/1967، وينص على منح كامل الصلاحية في السيطرة على كافة المسائل المتعلقة بالمياه لضابط المياه المعين من قبل المحاكم الإسرائيلية.
2ـ الأمر رقم 158 بتاريخ 19/8/1967، وينص على أن يمنع منعاً باتاً إقامة أي إنشاءات مائية جديدة بدون ترخيص، ولضابط المياه حق رفض أي ترخيص دون إعطاء الأسباب.
3ـ الأمر رقم 291 الصادر عام 1967، وينص على أن جميع مصادر المياه في الأراضي الفلسطينية أصبحت ملكاً للدولة وفقاً للقانون الإسرائيلي عام 1959.
4ـ الأمر العسكري رقم 948 الذي ينص على إلزام كل مواطن في قطاع غزة بالحصول على موافقة الحاكم العسكري الإسرائيلي إذا أراد تنفيذ أي مشروع يتعلق بالمياه، بالإضافة إلى الأمر رقم 457 عام 72، 715 عام 77، 1336 عام 91 (2).
وقد مكنت الأوامر العسكرية الإسرائيلية السابقة القوات الإسرائيلية خلال العقود الثلاثة الماضية من إحكام سيطرتها على موارد فلسطين المائية حارمة الشعب الفلسطيني من حقوقه المائية من خلال العديد من الإجراءات ومنها:-
1. فرض القيود على استغلال الفلسطينيين لحقوقهم المائية في الضفة وغزة.
2. تقييد حفر الآبار الزراعية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
3. حفر إسرائيل العديد من الآبار داخل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة وغزة.
4. حفر سلسلة من الآبار على طول خط الهدنة مع قطاع غزة لاستنفاذ المياه العذبة والتقليل من المياه المنسابة إلى الخزان الجوفي الساحلي في قطاع غزة.( 3)
وقد أدت هذه السياسة إلى تزايد نسبة الأملاح في معظم آبار المياه الجوفية سواء كانت في الضفة الغربية أو قطاع غزة، الأمر الذي أدى إلى انخفاض الإنتاج الزراعي. أما عن كمية المياه الفلسطينية في الخزان الجوفي فتقدر في الأوضاع المثالية بحوالي 895 مليون متر مكعب، منها 835 مليون متر مكعب في الضفة الغربية، و60 مليون متر مكعب في قطاع غزة ، وهناك تقديرات أخرى مختلفة .(4)
ويرجع ذلك إلى اختلاف الجهات التي تقوم بالتقدير، وتذبذب كميات المطر السنوي، وأياً كانت هذه التقديرات فإنها جميعاً تتراوح بين 700-900 مليون متر مكعب، وقد حددت اتفاقية أوسلو الثانية الموقعة في 28/9/1995 كميات المياه الفلسطينية على النحو التالي: (1).
** كميات المياه في الخزان الجوفي الفلسطيني حسب ما أوردته اتفاقية أوسلو:
المنطقة كمية المياه – مليون متر مكعب
أحواض الضفة الغربية الحوض الشرقي 172
الحوض الشمالي الشرقي 145
الحوض الغربي 362
مجموع الضفة الغربية 679
قطاع غزة 55
مجموع الأراضي الفلسطينية 734
** كما حددت اتفاقية أوسلو كمية استهلاك المياه على النحو التالي:
المنطقة كمية المياه- مليون متر مكعب
الضفة الغربية 172.4
قطاع غزة 108
المجموع 235.4
المستوطنات فى الضفة الغربية وقطاع غزة 60
المجموع الكلى 295.4
إذن فإن كمية المياه المستهلكة في الضفة الغربية، بلغت حسب اتفاقية أوسلو 127.4 مليون م3، هذا يعني أن الكمية الباقية وهي 552 مليون م3 تذهب جميعها إلى إسرائيل، منها 50 مليون م3 تذهب إلى المستوطنات الإسرائيلية في الضفة .(2)
أما في قطاع غزة فإن مياه الخزان الجوفي تقدر بـ55 مليون م3، إلا أن احتياجات القطاع المائية أكبر من ذلك بكثير إذ تم ضخ 103 مليون م3 بالإضافة إلى 10 مليون م3 يتم ضخها في المستوطنات.إن قطاع غزة يعاني عجزاً مائياً يقدر بـ 50 مليون م3، وإسرائيل تستنفذ 562 مليون م3 من المياه الفلسطينية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل مباشر. بالإضافة إلى استيلائها على حقوق فلسطين المائية في نهر الأردن والتي تقدر بـ50 مليون م3. ولقد تركت الإجراءات الإسرائيلية آثارها الخطيرة على الحقوق الفلسطينية في المياه، فمعدلات الاستهلاك الفردي للمواطن الفلسطيني أصبحت تقل كثيراً عن معدلات الاستهلاك الفردي في إسرائيل كما في الجدول التالي:- (1)
نوع الاستهلاك فلسطين إسرائيل النسبة
عدد السكان / مليون 2.87 5.7 1.96:1
كمية المياه للاستهلاك الادامى / م3/ سنويا 91 571 2.3:1
نصيب الفرد من مياه الشرب – م3/ سنويا 30 101 3.36:1
كمية المياه للاستهلاك الزراعي –م3 /سنويا 171 252 7.3:1
كمية المياه للاستهلاك الصناعي – م 3/ سنويا 5 136 27:1
إجمالي نصيب الفرد من المياه – م3 / سنويا 93 344 3.7:1
ويتضح من الجدول أن معدل نصيب الفرد الفلسطيني من المياه يصل إلى 27% بالمقارنة مع نصيب الفرد الإسرائيلي، وهذا راجع إلى اعتماد إسرائيل الكبير على المياه الفلسطينية لتلبية متطلباتها المائية الكبيرة، وتستغل إسرائيل مياه الخزان الجوفي الفلسطيني عبر شبكة من الآبار العميقة يصل عددها إلى 300 بئر غرب الخط الأخضر، بالإضافة إلى 51 بئراً موجودة في المستوطنات الإسرائيلية بالضفة، و43 بئراً موجودة في المستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة. (2)
وخلاصة القول فإن إسرائيل تستنفذ 86.5% من إجمالي المياه الفلسطينية الجوفية والسطحية (نهر الأردن) فيما لا يشكل الاستهلاك الفلسطيني أكثر من 13.5% . وبالإضافة إلى هيمنة إسرائيل الكاملة على المياه الفلسطينية، فإنها لم تعمل على تطوير المرافق المائية طوال سنوات احتلالها للأراضي الفلسطينية (3)
إذ تشير نتائج إحصاءات المياه في الأراضي الفلسطينية التي قام بها الجهاز المركزي للإحصاء بأن عدد التجمعات السكانية الفلسطينية التي لا يوجد فيها شبكات مياه عامة قد بلغ 264 تجمعاً سكانياً في الضفة الغربية، أي ما يعادل 38.5% من مجموع التجمعات السكانية وفي قطاع غزة هناك 8 تجمعات لا يوجد فيها شبكات مياه عامة أي بنسبة 19.5% من جملة عدد التجمعات ، ولذلك يقوم المواطنون في هذه المناطق بالاعتماد على شراء صهاريج المياه بأسعار عالية، وعلى حفر آبار جمع مياه الأمطار كمصادر بديلة مما يسبب الكثير من المعاناة لهم، ليس هذا بل قامت إسرائيل ومنذ أيلول 2000 بتدمير أجزاء كبيرة من المرافق المائية مثل هدم الآبار وتدمير شبكات الري والخزانات وخطوط المياه خلال أعمال التجريف التي قامت بها إثر اندلاع انتفاضة الأقصى. إن هذه الإجراءات الإسرائيلية من استنزاف للمياه وتدمير المرافق المائية ألقت بظلالها على الأوضاع المائية في الأراضي الفلسطينية ما أدى إلى بروز الكثير من المشاكل أهمها:- (1)
(1) تناقص المياه :
إن ما تستنفذه إسرائيل من مياه جوفية وسطحية من الأراضي الفلسطينية يفوق كمية المياه الواردة والمغذية للخزان الجوفي، الأمر الذي جعل الخزان الجوفي يعاني من العجز في كمية المياه التي يحتويها ما يهدد الحياة الحيوانية والنباتية، وزيادة تملح التربة بالإضافة إلى المعاناة التي سيواجهها السكان الفلسطينيون، ومن أبرز صور تناقص المياه التناقص الذي تشهده أحواض الخزان الجوفي في الضفة الغربية وقطاع غزة، ففي الضفة الغربية نجد أن هناك عجزاً مائياً يساوي 5.5 مليون م3 في حوض بردلا الواقع ضمن الأحواض الشرقية، ويوجد عجز يتراوح بين 20-30 مليون م3 في مياه الحوض الغربي، أما الأحواض الشمالية فتعاني من عجز يصل إلى حوالي 20 مليون م3 . وفي قطاع غزة فإن العجز المائي كبير إذ يصل إلى حوالي 50 مليون م3 سنوياً.(2)
إن العجز المائي من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض منسوب الخزان الجوفي، ما يؤدي إلى تزايد نسبة الأملاح في المياه من جهة وزيادة عمقها من جهة أخرى، الأمر الذي سيجعل من عملية استخراجها أمراً صعباً ويتسبب في كثير من الأحيان في نضوب الآبار، ما يؤدي إلى إغلاقها وبالفعل أغلقت العديد من الآبار في الضفة وغزة.(3)
أما مياه نهر الأردن فبالإضافة إلى ما تأخذه إسرائيل من مياه فإنها استولت على حقوق الفلسطينيين من ماء هذا النهر والبالغة 250 مليون م3، وهو ما أقرته الاتفاقيات الدولية (اتفاقية جونستون)، وتقوم بتحويلها إلى بحيرة طبريا ومن ثم تنقلها إلى داخل إسرائيل عبر الخط الإقليمي، ولقد كانت مياه نهر الأردن تصل إلى مليار م3 قبل عام 1967، وبدأت الآن في التناقص بسبب الضخ الزائد للمياه من الجانب الإسرائيلي الأمر الذي يهدد البيئة في هذه المنطقة، فمستوى البحر الميت بدأ في الانخفاض ومهدد بالنضوب والجفاف ليتحول إلى سبخة ملحية وبدأ الخزان الجوفي في منطقة أريحا والغور يتأثر بزيادة نسبة الأملاح فيه (1)
ومن جهة أخرى فإن إسرائيل أخذت تماطل في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه حول المياه إذ أعطت اتفاقية أوسلو الفلسطينيين ما بين 70- 80 مليون م3 من المياه إلا أن ما تقدمه إسرائيل الآن هو 37 مليون م3 سنوياً ، بل إنها أصبحت تهدد المدن الفلسطينية بعدم تزويدها بالمياه من خلال شركة ميكروت الإسرائيلية، وحسبما ورد في تقرير منسق الجيش الإسرائيلي لشؤون المياه فإن إسرائيل لا تستطيع تزويد كل من بيت لحم والخليل وجنين بالمياه بسبب النقص الحاصل في مياه الخزان الجوفي فيما تتجاهل أسباب النقص العائدة إلى استنزافها للخزان الجوفي. إن هذه المعاناة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني مرشحة للزيادة مع زيادة حاجات الفلسطينيين المائية في المستقبل بسبب زيادة عدد السكان، فمن المتوقع أن ترتفع هذه الزيادة بشكل كبير في السنوات القادمة كما يوضحها الجدول التالي: (2)
السنة نوع الاستخدام /
مليون متر مكعب نوع الاستخدام /
مليون متر مكعب نوع الاستخدام /مليون متر مكعب المجموع
أغراض منزلية الزراعة أغراض صناعية
2000 158.8 245 33 436.6
2010 231.3 286 43 560.3
2020 337.9 306 53 696.9
2040 641.1 361 63 1065.1
وما زالت إسرائيل تحاول إحكام سيطرتها الكاملة على الموارد المائية في الضفة الغربية وقطاع غزة، فبالإضافة إلى الأوامر العسكرية الصادرة بهذا الشأن والتي سبق ذكرها فقد حاولت في مفاوضات الحكم الذاتي التي بدأت في أعقاب زيارة الرئيس السادات أن تبقى إدارة المياه في يدها، وقد عبر عن ذلك رئيس وزرائها مناحيم بيجن في خطابه أمام الكنيست في 26/12/1977، كما كشفت دراسة أصدرتها الأمم المتحدة عام 1980 حول مفهوم الحكم الذاتي توصيات لجنة شكلتها الحكومة الإسرائيلية لبحث الموقف من الحكم الذاتي، حيث أوصت اللجنة بضرورة سيطرة إسرائيل على الموارد المائية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك للخطر المحدق باحتياطي المياه داخل الخط الأخضر.(1)
وفي دراسة سرية مشابهة كشف عنها المعلق العسكري زئيف شيف في صحيفة هآرتس في 6 تشرين أول 1999، طالبت بضرورة سيطرة إسرائيل على مناطق محددة في الضفة الغربية للحيلولة دون إفراط الفلسطينيين في استخدام المياه الجوفية التي يمكن أن تمد القدس والسهل الساحلي، وحتى في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية ما زالت إسرائيل تصر على تأجيل موضوع المياه واعتباره من موضوعات الحل الدائم لكون مسألة المياه مسألة معقدة فهي مسألة وجود لكلا الطرفين، كما أن إسرائيل لم تنفذ ما وقعت عليه من اتفاقات حول المياه في اتفاقية أوسلو 2 الموقعة في 28 أيلول 1995 المادة 40 والتي جاء فيها: ضرورة تزويد الفلسطينيين بكميات مياه إضافية. كما أنها منعت الفلسطينيين من حفر آبار للمياه أو إقامة أي منشآت مائية بالإضافة إلى تحديدها كمية المياه المستخدمة من قبل الفلسطينيين، وعلى ذلك فإنها تقوم ببيع الفلسطينيين كمية من مياههم التي استولت عليها، حيث تقوم شركة ميكروت الإسرائيلية بضخ ما بين 4.5 – 5 مليون م3 من المياه إلى قطاع غزة.(2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سادسا : أزمة المياه ومشاريع تسوية القضية الفلسطينية
لقد طرح لحل القضية الفلسطينية مشاريع عديدة ، من قبل أطراف النزاع ، ومن المجتمع الدولي ، ومن المنظمات والهيئات الدولية ، حيث بلغت هذه المشاريع في الفترة من 1948م – 1991م ما يقارب المائة وعشرين مشروعا.
وبدراسة للمشاريع السابقة نجد أنها تطرقت لوضع المياه في المنطقة من جانبين:
أولا : التطرق المباشر :
حيث نصت بعض المشاريع بشكل مباشر علي ربط تسوية القضية الفلسطينية بحل مشكلة المياه في المنطقة ، واتضح ذلك في المشاريع التالية :
1- علي أثر فشل مؤتمر باريس عام 1951م في التوفيق بين المطالب العربية والإسرائيلية تقدمت لجنة التوفيق – المشكلة بقرار الأمم المتحدة رقم 194 وتاريخ 11 ديسمبر 1948م – بمشروع تضمن عدة نقاط ، أشارت النقطة الرابعة منه إلي “إنشاء وكالة دولية للمياه تعالج استخدام مياه نهري الأردن واليرموك وروافدها بالإضافة إلي مياه بحيرة طبرية”. (1)
2- أصدر ادلاس – وزير الخارجية السابق للولايات المتحدة الأمريكية – عام 1953م بيانا تمهيديا لمشروع جونسون جاء فيه ، أن حل قضية اللاجئين الفلسطينيين يتم عبر إسكانهم في المنطقة التي يحتلها الكيان الإسرائيلي حاليا ، وان كانت غالبيتهم تستطيع أن تدمج في حياة البلدان العربية المجاورة ، بيد أن هذا يعتمد علي مشاريع الري التي يمكن بواسطتها استثمار أراضي جديدة ، ففي طول المنطقة وعرضها نجد الحاجة الكبرى هي الماء ، ويحكم توافر أموال لدي الأمم المتحدة وغيرها لمساعدة اللاجئين فانه يمكن إنفاق القسم الأكبر من هذه الأموال في سبيل استثمار الأنهر التي تمر في البلدان العربية والكيان الإسرائيلي استثمارا منسقا. (2)
3- مشروع جونسون عام 1953م ، وهو من أكثر المشاريع صراحة علي وضع المياه في المنطقة ، وكان يدعو فيه لتعاون الدول العربية والكيان الإسرائيلي لاستثمار مياه نهر الأردن استثمارا مشتركا عبر مشروع أطلق عليه مشروع الإنماء الموحد لموارد مياه نهر الأردن.
4- مشروع دالاس عام 1956م ، الذي حدد فيه سياسة الولايات المتحدة تجاه القضية الفلسطينية ، ذاكرا أن إسهام الولايات المتحدة في تحقيق مشاريع الري في المنطقة من شأنه أن ييسر توطين اللاجئين بحيث يتمكنون من العمل والاستقرار.
5- مشروع موسي شاريت الإسرائيلي عام 1956م ، الذي جاء فيه في احد نقاطه “قبول إسرائيل بمشروع تطوير نهر الأردن الذي اقترحه جونسون بحيث تشترك مع الدول العربية في الاستفادة من نهري الأردن واليرموك”.
6- مشروع الحكم الذاتي الإسرائيلي عام 1979م ، الذي كان من بنوده : “تكون إسرائيل مسئولة عن تخطيط قطاع المياه بالتشاور مع المجلس الإداري”. (3)
7- مبادرة شامير عام 1988 – 1989م ، حول الحكم الذاتي في المناطق المحتلة التي نص فيها علي تشكيل جهاز حاكم خاص لإدارة شئون المياه وملكية الأراضي بين الكيانات الثلاثة – الأردن والفلسطينيين وإسرائيل.
8- تقرير معهد يافا في جامعة تل أبيب عام 1989م ، المتعلق بالحكم الذاتي والذي جاء فيه إشارة للسيطرة المشتركة علي مصادر المياه بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
9- مبادرة شامير عام 1991م ، جاء فيها استعداده للتوقيع علي معاهدة لتصفية أسلحة الدمار الشامل مقابل اشتراكه في توزيع المياه في المنطقة. (1)
ثانيا : التطرق غير المباشر :
نص في بعض المشاريع علي وضع المياه في المنطقة دون ربطها بالتسوية مباشرة ، بل عن طريق ربطها بالحدود أو الاستيطان أو إنشاء دولة فلسطينية واتضح ذلك في المشاريع التالية:
1- مشروع الون – وزير الخارجية السابق للكيان الإسرائيلي – عام 1967م ، اقترح فيه :
(أ) ضم شريط من 10- 15 كيلومترا من الضفة الغربية موازيا لنهر الأردن.
(ب) أن يصر الكيان الإسرائيلي علي أن حدوده الشرقية يجب إن تكون نهر الأردن وخطا يقطع البحر الميت في منتصفه بكل طوله ، وان تبقي حدود الانتداب علي طول وادي عربه علي ما كانت عليه قبل حر ب الأيام الستة.
2- مشروع حزب مبام الإسرائيلي للسلام عام 1969م ، الذي كان من بنوده أن يتم تجريد الضفة الغربية وإعادتها إلي الدول العربية المجاورة بعد إدخال تعديلات ضرورية لأمن الكيان الإسرائيلي علي الحدود ، وعلي أساس الموافقة علي عدم دخول قوات عسكرية عربية إلي غربي النهر. (2)
3- مشروع حزب مبام الإسرائيلي للسلام عام 1976م ، وجاء فيه أن ارض الكيان الإسرائيلي علي جانبي نهر الأردن هي الوطن المشترك للشعب اليهودي العائد إلي بلده وللشعب العربي المقيم فيها.
4- مشروع رعنان فايتس عام 1976م ، ذكر فيه أن كل مشروع تنمية مرتبط بصورة وثيقة بالمشكلات السياسية ، وان الحزام الاستيطاني علي امتداد نهر الأردن ومشارف رفح هو شريط امني لا يستطيع الكيان الإسرائيلي تجاوزه.
5- مشروع د وليد الخالدي “دولة فلسطينية علي النمط النمساوي” عام 1978م ، جاء فيه وضع قوات تابعة للأمم المتحدة عند الحدود وفي مواني الدولة الجديدة البرية والجوية ، كما يمكن للمراقبين الدوليين مراقبة نقطتي الحدود الوحيدتين علي نهر الأردن مما سيؤدي إلي إغلاق منافذ الدولة الجديدة التي يخشي الإسرائيليون تسلل العناصر غير المرغوب فيها إليها.(3)
6- مبادرة برجنيف عام 1982م ، التي جاء فيها إقامة دولة مستقلة للشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية التي سوف يتم تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي ، أي الضفة الغربية لنهر الأردن وقطاع غزة.
7- مشروع الاتحاد السوفيتي عام 1984م ، الذي كان من مبادئه :
(أ) أن تعاد للعرب كافة الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967م، وهي: مرتفعات الجولان وضفة نهر الأردن الغربية وقطاع غزة والأراضي اللبنانية.
(ب) إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة علي الأراضي الفلسطينية التي ستحرر من الاحتلال الإسرائيلي ، وهي ضفة الأردن الغربية وقطاع غزة. (1)
8- مشروع جاد يعقوبي – وزير الاتصالات الإسرائيلي – عام 1988م ، الذي جاء في مشروعه لمواجهة الانتفاضة الفلسطينية ، بقاء الجيش الإسرائيلي منتشرا علي طول نهر الأردن وعلي طول الخط الأخضر ، ويتم إنشاء مؤسسات للإنذار المبكر علي امتداد المناطق الإستراتيجية.
ومن العرض السابق لمشاريع تسوية القضية الفلسطينية في الفترة ما بين 1948م – 1991م التي تطرقت لموضوع أزمة المياه بطريق مباشر أو غير مباشر نخرج بالملاحظات التالية : (2)
1- أن نسبة 14017% من مشاريع التسوية تطرقت للمياه.
2- أن اغلب المشاريع التي تطرقت للمياه من النسبة السابقة هي مشاريع إسرائيلية كمؤشر لاهتمامهم بها، بعكس المشاريع العربية التي لم تتطرق لها عدا مشروع د. الخالدي وبشكل غير مباشر.
3- أن الطرح حول المياه اتفق في تواريخه مع تحولات جذرية في القضية الفلسطينية كالحروب أعوام 1948م – 1956م – 1967م أو معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية عام 1978م ، أي مع تصاعد الاهتمام العالمي بحل القضية الفلسطينية.
4- أن هناك اهتماما إسرائيليا بجعل المياه أحد أركان عملية السلام في المنطقة بربطها بمشاريع التسوية ، ورفع شعار المياه بدلا من شعار الأرض مقابل السلام.(3)
5- أن مبادرة شامير عام 1991م لم تتحدث عن القضية الفلسطينية بالذات وربطها بالمياه – بعكس المبادرات السابقة- بل تجاوزتها وربطت أزمة المياه بالمنطقة بشكل عام للتدليل علي أهمية وتشعب هذه الأزمة.
6- أن المشاريع الإسرائيلية غير المباشرة عندما تتحدث عن المياه فهي تربطها بالحدود الآمنة للكيان الإسرائيلي والاستيطان.
7- نجد أن الاهتمام المباشر بأزمة المياه برز في فترة الخمسينات أكثر من غيرها لارتباطه بمشروعات أمريكية لتطوير المنطقة تمهيدا لضمان الاستقرار فيها كحلف بغداد ومشروع دعم تركيا واليونان.
8- أن مشاريع تسوية للقضية الفلسطينية عندما تتحدث عن الحروب العربية الإسرائيلية خاصة حرب عام 1967م ، فهي تتضمن إشارة ضمنية لازمة المياه ، ولكننا لم نضعها في هذا التحليل لعدم نصها المباشر أو غير المباشر لازمة المياه.(1)
من ناحية أخري أخر نجد أن هناك ربط بين أزمة المياه في المنطقة بالتسوية السياسية فيها من خلال أراء وتصورات بعض ذوي الاطلاع علي صنع القرار في طرفي النزاع كالتالي :
– أيد ياسر عرفات رئيس دولة فلسطين وجود تنظيم إقليمي لاستخدام المياه في المنطقة ، وذكر أن موضوع المياه سيكون موضوعا أساسيا في مفاوضات السلام وجزءا من اتفاقيات السلام.
– ذكر وزير الزراعة في الكيان الإسرائيلي رفائيل إيتان أن للكيان الإسرائيلي قد يضطر قريبا إلي استيراد المياه من دول تطل علي البحر المتوسط واقترح تعاونا عربيا – إسرائيليا لحل مشكلة نقص المياه في الشرق الأوسط وتفادي حر ب محتملة ، كما اقترح إقامة محطتين لتحليه المياه علي طول الحدود الأردنية – الإسرائيلية لتزويد الجانبين بالمياه ، ولقامة محطة ثالثة قرب قطاع غزة ، لان الفلسطينيين يواجهون أخطارا صحية بسبب نقص المياه وبسبب المجاري المفتوحة في المخيمات.(2)
– طرح شمعون بيريز في عام 1986م مشروع – خيالي – أطلق عليه “مشروع مارشال الاقتصادي” لربط دول المنطقة ببعضها اقتصاديا ، بحيث تكون هناك مصلحة مشتركة بين هذه الدول مما يمنع أحداهما من الإضرار بالمشروع لان الضرر سيعود عليها أيضا ، ويتضمن هذا المشروع بالنسبة للمياه إقامة معهد للطاقة الهيدروكهربية المولدة من نهر الليطاني ، وشق قناة تخترق سيناء وتسير بمياه نهر النيل شمالا إلي لبنان ، وإقامة مشروع أردني لاستغلال مياه نهر اليرموك ، وإقامة شبكة سدود لرفع منسوب المياه وتحويلها إلي بحيرة طبرية ، ومن ثم ألي الأردن والي الضفة الغربية ، وقيام تعاون لاستغلال مياه نهر الأردن المنخفضة ومياه نهر الليطاني.(3)
– كما أننا لا نغفل ما ورد في البيان الختامي لقمة الدول الصناعية السبع التي عقدت في لندن والصادر بتاريخ 17 يوليو 1991م ، والذي جاء في احدي نقاطه المتعلقة بالشرق الأوسط ما يلي :
إننا ندعم قيام علاقات أوثق بين المؤسسات المالية الدولية والممولين العرب الآخرين ، وإننا نعتقد أن هذا سيشجع علي قيام إصلاحات اقتصادية ضرورية ، ويعزز الاستخدام الفعال للتدفقات المالية ، ويقوي استثمارات القطاع الخاص ، ويساعد علي تحرير التجارة ، ويسهل قيام المشاريع المشتركة – كإدارة المياه – التي ستستفيد من خبراتنا ومهارتنا التقنية.(1)
إن ورود هذه الإشارة الواضحة لأهمية المياه في المنطقة وضرورة التعاون بين دولها حول المياه ، وعرض الدول الصناعية لدعم المشاريع المشتركة بين دول المنطقة خاصة المائية منها ، لمؤشر واضح للازمة المتوقع حدوثها في المنطقة ، واهتمام وتخوف الدول الصناعية الكبرى من تحول هذه الأزمة إلي سبب لحروب قادمة في المنطقة.
ومن خلال العرض السابق نجد أن المياه جزء من الصراع العربي – الإسرائيلي ، ويرجح أن تكون في المستقبل سببا قويا لقيام حرب بين طرفي النزاع ، لذلك فهي ستحتل جزءا مهما في أية مفاوضات تعقد لحل قضية الشرق الأوسط.
سابعا : الصراع حول المياه الجوفية:
ينظر الكيان الإسرائيلي إلي منطقة الضفة الغربية بأهمية خاصة لتحقيق أمنه القومي ، سواء في المجال العمق الاستراتيجي لهذا الكيان عسكريا ، أو كمساحة إضافية له من أجل مزيد من السكان والهجرة إليه ، أو من خلال البعد الاقتصادي بتوفير المياه اللازمة “لدولة إسرائيل الكبرى” ، وهو ما يوضح لنا أسباب تمسكه بالأراضي المحتلة ، والبعد التام عن الانسحاب الكامل من هذه الأراضي في كافة خطط التسوية المقترحة(2).
فبالنسبة للكيان الإسرائيلي تبقي الموارد المائية أهم مكسب اقتصادي له من الأراضي التي احتلها عام 1967م ، حيث كان أول المصادر المائية الرئيسية التي أخذها الإسرائيليون من هذه الأراضي المياه المتدفقة من حوض تجمع المياه الجوفية في الضفة الغربية ، لان معظم الأمطار التي تسقط علي الضفة الغربية تنزل إلي الأحواض الجوفية الموجودة في الضفة الغربية والممتدة تحت أراضي الكيان الإسرائيلي ثم تتجه غربا تجاه ساحل البحر الأبيض المتوسط ، ويقدر حجم المياه المتدفقة سنويا من الضفة الغربية إلي الخزانات الساحلية الجوفية بحوالي 200 مليون متر مكعب ، بدأ الكيان الإسرائيلي في استغلالها منذ أوائل الخمسينات.(3)
كما أن استهلاك الكيان الإسرائيلي من المياه الأرضية بلغ 950 مليون متر مكعب ، مشكلا الجانب الأعظم من مصادر مياهه التي يعود نحو 60.2% منها إلي الضفة الغربية.وبالتالي فإن سلطات الكيان الإسرائيلي من منطلق الحفاظ علي الثروة المائية في الضفة الغربية واستغلالها ، تفرض رقابة صارمة ، وتضع عقبات متعددة ، لمنع المواطنين العرب في الضفة الغربية من حفر آبار جديدة ، مما يفسر إلحاح الكيان الإسرائيلي علي أن تكون مصادر المياه في الضفة الغربية تحت رقابته حتى بعد تحقيق الحكم الذاتي.(1)
إن الكيان الإسرائيلي بإشرافه علي استخدام المياه ، يقوي من سيادته الفعلية علي المناطق المحتلة ، فلا يسمح للفلسطينيين بحفر آبار جديدة أو إصلاح آبار قديمة ، كما أن الآبار الفلسطينية تصل إلي عمق 70 مترا في المتوسط ، في حين أن الآبار التي تحفرها المستوطنات الإسرائيلية تصل إلي عمق 300 – 400 متر في المتوسط ، بالإضافة إلي قوانين أخري تسمح لهذا الكيان باستخدام المياه كوسيلة لإحكام سيطرته علي الضفة الغربية.(2)
من جانب أخر نجد أن الكيان الإسرائيلي يواجه في قطاع غزة مشكلة ندرة المياه ، وضيق الأراضي الصالحة للزراعة ، وضعف الحياة الاقتصادية بشكل عام ، ولمجابهة ذلك لجأ الكيان الإسرائيلي إلي توفير المياه اللازمة لمستوطناته من خلال مد خط أنابيب للمياه خاص بذلك ، واستخدام البيوت الزجاجية في الزراعة، كما قام بحفر الآبار الارتوازية ، وانشأ في مختلف المناطق مشاريع مائية متفاوتة الحجم لاستغلال المياه ، حيث يوجد 36 مشروعا محليا في الكيان الإسرائيلي تنتج نحو 849 مليون متر مكعب من المياه ، وتشكل 58% من مجموع كميات المياه المستهلك (3)
جدول المشاريع المائية في الكيان الإسرائيلي وإنتاجيتها
المنطقة عدد المشاريع كمية المياه (مليون م3)
وفي المقابل فإنه لا توجد برامج عربية لاستغلال المياه في الضفة الغربية وقطاع غزة لوقوعها تحت ظروف الاحتلال وسياساته.من ناحية أخري نجد أن الموقف السياسي لهذا الكيان تجاه مستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة ، ورفضه إقامة دولة فلسطينية فيهما ، وإصراره علي الاحتفاظ بهما ، نابع من أهمية العامل المائي في تلك الأراضي الفلسطينية ، حيث إن للموارد المائية في الضفة الغربية وقطاع غزة دورا مهما في تشكيل المفهوم الإسرائيلي لمنح الحكم الذاتي لتلك الأراضي .(1)
كما نشرت صحف الكيان الإسرائيلي في أغسطس 1990م إعلانا صادرا عن وزارة الزراعة الإسرائيلية ، يؤكد ضرورة احتفاظ الكيان الإسرائيلي بالسيطرة علي مصادر المياه الواقعة في الضفة الغربية وقطاع غزة ، بما في ذلك السيطرة علي البنية الأساسية التي تشمل إمدادات المياه وشبكات الطرق الضرورية لتشغيلها وصيانتها والوصول إليها ، وأكد الإعلان أن المياه مورد شحيح في الكيان الإسرائيلي الذي سيحتاج إلي زيادة كميات المياه لديه ، وأن السيطرة علي موارد المياه هي من الأهمية والحيوية بحيث لا يمكن تركها في أيدي الفلسطينيين.( 2)
مما سبق نجد أن الكيان الإسرائيلي يعمل بقوة لأجل استغلال كل قطرة ماء جوفية علي ارض فلسطين المحتلة ، مع تضييقه الخناق علي الفلسطينيين في عملية استهلاك المياه ، وإعلانه الصريح تمسكه بمياه هذه الأراضي حتى بعد الوصول لتسوية سلمية ، وكل هذه المؤشرات واضحة لأهمية المياه الجوفية داخل فلسطين المحتلة للكيان الإسرائيلي. (3)
الفصل الثالث
• المياه في الأمن القومي العربي
• المياه في الأمن القومي الاسرائيلى
• التنسيق المائي الاسرائيلى والاقليمى
• انعكاسات الأطماع المائية الإسرائيلية على الأمن القَومِي العربي
• مستقبل المياه في المنطقة العربية
أولا : المياه في الأمن القومي العربي:
تعريف الأمن القومي
لا يوجد اتفاق علي تعريف الأمن القومي لأنه مفهوم حديث نسبيا ، وحقل جديد من حقول العلوم السياسية ، ولكن يثار هذا المفهوم حول التهديدات التي تواجه القيم الجوهرية للدولة ، بما فيها الاستقلال والسيادة ووحدة الأراضي والإمكانات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.(1)
فتعرفه موسوعة العلوم الاجتماعية بأنه ، قدرة الدولة أو الأمة علي حماية قيمها الداخلية من التهديدات الخارجية.(2)
ويعرف بأنه ، مفهوم شامل يتدرج من حق البقاء فحماية الذات وانتهاء بفرض الإرادة ، إذ من حق البقاء أن تفعل الدول كل ما هو لازم من وجهة نظرها لبقائها ، وهو من الحقوق الأساسية للدول أو الحقوق المطلقة غير القابلة للتصرف ومثله في ذلك حق الاستقلال والسيادة.(3)
كما يمكن تحديد المقصود بمفهوم الأمن القومي بأنه ، تأمين كيان الدولة أو عدد من الدول من الأخطار التي تهددها في الداخل و من الخارج ، وتأمين مصالحها الحيوية ، وخلق الأوضاع الملائمة لتحقيق أهدافها وغاياتها القومية. (4)
ويقصد به أيضا ، مجموعة الإجراءات التي يتعين علي الدولة أن تتخذها في حدود طاقتها للحفاظ علي كيانها ومصالحها في الحاضر والمستقبل مع مراعاة المتغيرات الدولية. (5)
مما سبق يمكن أن نعرف الأمن القومي بأنه : مفهوم يقصد به الحفاظ علي كيان الدولة والمجتمع أو عدد من الدول والمجتمعات ذات الرابطة القومية ضد الأخطار التي تتهددها داخليا وخارجيا ، والعمل علي تحقيق أهدافها وغايتها مما يدعم من كياناتها.
المياه في الأمن القومي العربي إن الاهتمام بالأمن القومي العربي من قبل المثقفين والمفكرين العرب هو اهتمام حديث برز بوضوح في بداية الثمانينات لزيادة الأخطار المحدقة بالعالم العربي ، ولزيادة الاهتمام بموضوع الأمن القومي العربي بشكل عام ، ولوجود الرغبة في التوصل إلي سبل لحماية الأمن القومي العربي بشكل خاص.
وتتباين تعريفات الأمن القومي العربي ، ومنها :
انه يعبر عن مفهوم قومي يرتبط بالسمة الخاصة للنظام العربي وبطبيعة العلاقات القومية التي تربط بين الشعوب العربية ، وان الغموض الذي يحيط به أحيانا في هذه المرحلة ينبع من طبيعة الواقع العربي الذي يتسم بالتجزئة وتكريس السيادات القطرية ، وهذه التناقض بين الطموح القومي والواقع القطري هو الذي يؤدي إلي غموض مفهوم الأمن العربي. (1)
ويجتهد أحد المفكرين العرب في تعريف الأمن القومي العربي بأنه “حاصل الأمن القطري لكل الأقطار العربية أو حصيلة مجموع الأمن الوطني لكل قطر عربي”.(2)
كما يعرف بأنه تأمين المناعة الإقليمية ، والاستقرار السياسي ، والتكامل الاقتصادي ، بين أجزاء الوطن العربي ، وتعزيز آليات وقواعد العمل المشترك بما فيها القدرة الدفاعية لوقف الاختراقات الخارجية للجسم العربي ، وتصليب العلاقة التي تبدو هلامية في الوقت الراهن بين وحدات النظام العربي ، وما يتطلبه ذلك من اعتماد الحوار والتفاوض لإنهاء الخلافات والصراعات الدائرة بين هذه الوحدات.(3)
ومن خلال هذا الفهم لمصطلح الأمن القومي العربي تجدر الإشارة في البداية إلي مصادر التهديد لهذا الأمن ، والتي يمكن إيجازها فيما يلي :
1- الكيان الإسرائيلي عبر ما تشكله إستراتيجيته من تحد للأمن العربي ، أو ما يشكله وجوده الحالي من إعاقة لإثبات الحقوق العربية في فلسطين ، وإقامة دولة فلسطينية ، فهو دخيل علي الوطن العربي خلق حالة توتر ومن ثم عنف هدد به استقرار الأمة العربية ومصالحها وحضارتها ووجودها ، وهو يشكل التهديد الرئيسي والأول للأمن القومي العربي . (4)
2- عدم كفاءة بعض النظم السياسية العربية سياسيا واجتماعيا ، أي عدم قدرتها علي الاستجابة لمتطلبات العصر خاصة ما يتعلق بطموحات المواطن العربي الأساسية نحو الديمقراطية والدالة الاجتماعية.
3- التخلف والتجزئة والتعبئة وبطء عملية التنمية الاقتصادية وعدم شموليتها في الدول العربية مما يخلق أخطارا اقتصادية تؤثر علي الأمن القومي العربي.
4- الأخطار الاجتماعية التي يواجهها الأمن القومي العربي برغم تجانس المجتمع العربي نظريا ومن هذه الأخطار الانقسامات القبلية والطائفية والعنصرية مما يهدد بخلق صراعات داخل هذا المجتمع ، واستغلال الدول المعادية لذلك. ومنها أيضا انتشار الأمية التي تصل إلي حوالي 80% وتدني مستوي الخدمات الاجتماعية والأوضاع الصحية والحرمان الاقتصادي ، وغير ذلك من مظاهر التخلف الاجتماعي التي يصعب حصرها ولكنها تكون بيئة خصبة لانتشار التطرف وتهديد الأمن القومي العربي داخليا. (1)
5- الأطماع الخارجية للدول الكبرى في العالم العربي الذي يمتاز بموقعه الاستراتيجي وإمكاناته الاقتصادية.
وبربطنا قضية المياه بالمص\در الرئيسي والأول لتهديد الأمن القويم العربي ، فإننا نجد إن إستراتيجية الكيان الإسرائيلي الأمنية ، وبتعبير أدق التوسعية ، متعارضة تماما مع متطلبات الأمن العربي ، لان هذه الإستراتيجية استخدمت وسيلة التعامل العضوي مع الجانب العربي وهو في حال تمزق ، لإخضاعه لأهداف هذا الكيان الإستراتيجية التوسعية ذات البعد المائي ، فاستولي علي المياه العربية وفق ذلك.
وقد وعي الفلسطينيون أن احتلال الأراضي مرتبط باحتلال المياه واستغلالها ، لذلك كانت ردود فعلهم العسكرية الأولي ضد الاحتلال حول المشاريع المائية الإسرائيلية المقامة علي أراضهم المحتلة ، كعملية نسف خزان مياه إسرائيلي قرب الفالوجة في عام 1955م ، وعملية عليبون ضد الإجراءات الاسرائيلية لتحويل مياه نهر الأردن. (2)
ومن ناحية أخري نلاحظ في دراسة قدمت لمجلس الشورى المصري – أعدتها لجنة الشئون العربية والخارجية والأمن القومي بالمجلس – عد مشكلة نقص المياه احدي العقبات والتحديات التي تواجه الأمن القومي العربي ، وإنما ستكون محورا للخلافات والمواجهات المقبلة .(3)
فالدول العربية لم تستثمر موارد المياه المتاحة لديها بشكل فعال ، والدولة الوحيدة التي تفعل ذلك في المنطقة هي الكيان الإسرائيلي حيث استولي علي مصادر المياه العربية في الضفة الغربية والجولان وحول مياه نهر الأردن ونهي الليطاني ، وهو يتطلع باستمرار نحو مصادر مياه عربية جديدة. لذلك فالإجراءات التي يجب أن تتخذ لحماية الأمن القومي العربي يجب أن تمثل تصرفا جماعيا من جانب الدول العربية متضامنة ، لرد أي تهديد لأمنها القومي بأية صورة من الصور ، لا أن تركز كل دولة علي أمنها الوطني كوحدة متميزة بين الدول ، فالأمن القومي العربي كل واحد لا يتجزأ برغم ما واجهه من عوامل التفكك. (1)
لقد أثار الكيان الإسرائيلي ومازال هاجس الأمن المائي العربي – الذي هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي – ولكنه لم يتبع أسلوب المواجهة المباشرة مع العرب في هذا الشأن لعدة أسباب منها (2)
(أ) أن هذا الكيان يشارك في بعض أحواض الأنهار العربية – بشكل مباشر أو غير مباشر – مع أطراف عربية لا تزال في حالة حرب معه.
(ب) أن القدرة العربية علي الردع لا تزال فعالة في مجال الأمن المائي بحكم مرور مسافة طويلة من الأنهار بأراضيه ، ولعلاقته القوية بدول الجوار ، وبالتالي يصعب استخدام هذه الورقة لتهديد العرب بشكل مباشر في أية مواجهة قادمة.
(جـ) أن دول الجوار الاستراتيجي – أثيوبيا ، تركيا – وان كانت أهدافها الاستراتيجة تختلف مع الدول العربية المشاركة في أحواض الأنهار. إلا أن ما يربطها بهذه الدول أقوي مما يربطها بالكيان الإسرائيلي من علاقات جوار ومصالح حيوية وامن متبادل.
لذلك ابتعد الكيان الإسرائيلي من سياسة المواجهة المباشرة إلي استخدام أسلوب الحرب الباردة طويلة الأمد ضد العرب ، والتي لم تتضح خطورتها إلا في السنوات الأخيرة باستخدامه للدول الاخري المشاركة في أحواض الأنهار العربية كخط هجوم متقدم ضد الدول العربية – حرب الإنابة – حيث تقوم دولة الجوار الاستراتيجي بإتباع استراتيجيات تتفق مع ما يطالب به الكيان الإسرائيلي تحت ستار مصالحها القومية وخططها التنموية (3)
ويتبع الكيان الإسرائيلي في سياسة الحرب المائية الباردة ضد العرب الأساليب التالية :
(أ) الإشعار الدائم والمستمر لدول الجوار بالاستخدام العربي المسرف للموارد المائية ، مما يثير حفيظة هذه الدول ويدفعها لمحاولة إعاقة اندفاع المياه للدول العربية.
(ب) المحولة المستمرة لاستخدام ورقة الهاجس المائي لدي دول الأحواض العربية ، إجبار دول عربية لاتزال في حالة حرب مع الكيان الإسرائيلي للجلوس علي مائدة المفاوضات المباشرة معه.
(جـ) استخدام الكيان الإسرائيلي للمساعدات والخبرة الفنية في تقنية توفير المياه والمحافظة عليها ، وتقديمها للدول المجاورة للعالم العربي لتقليل اندفاع المياه للدول العربية المشتركة في نفس الحوض النهري ، وفي ذلك يستخدم الكيان الإسرائيلي مساعداته المباشرة أو المساعدات الأمريكية لبعض هذه الدول. ولعل هذا يفسر سبب سيطرة الشركات الأمريكية والغربية علي جملة مشاريع الري في هذه الدول ، وسبب العناية الخاصة التي يوليها الكيان الإسرائيلي للأبحاث العلمية الخاصة بموارد المياه. (1)
لكن بالرغم هذا الطرح إلا أننا بالنسبة لموضوع دراستنا نري بعدا في الربط بين مصطلح الأمن القومي العربي من جهة والمياه في المنطقة من جهة أخري ، وعدم جعل الأمن المائي بالتالي احد جوانب الأمن القومي العربي ، ويعود عد الربط هذا لغياب سياسة عربية مائية واضحة المعالم بسبب الخلافات العربية ، وما ينشأ عنها من تفكك عربي ليس له القدرة علي إتباع تلك السياسة في مواجهة التهديدات الاسرائيلية ، ولذلك لابد من إبراز مصطلح الأمن المائي العربي في الفكر السياسي والاستراتيجي والقومي العربي ، لان أزمة نقص المياه تعد احد أهم الإخطار التي تواجه الأمن القومي العربي ، والتي نأمل إلا تتحول إلي مشكلة تبعية مائية. (2)
* ثانيا : المياه في الأمن القومي الاسرائيلى
إن الأمن القومي قضية وجود ، وبالنسبة للكيان الإسرائيلي هو مسألة وجود شامل يمس صميم الوجود المادي لكل فرد ، فالأمن القومي كمفهوم عالمي هو قضية نسبية يتعلق بالمحافظة علي السيادة القومية ، إما بالنسبة لهذا الكيان فهو ليس عنصرا نسبيا بل مطلق لان وجوده المادي متوقف عليه.ومن الصعوبة وصف التجمع الإسرائيلي بالقومية ، وذلك لان الإسرائيليين لا يشكلون قومية بالمعني الذي تواتر استخدامه في الفكر والنظرية السياسية وفي العمل السياسي ، فالقومية مصطلح يطلق علي مجموعة من الشعوب التي اكتملت لديها عناصر الاندماج ، ووحدة الهوية ، ووضوح الهدف ، فضلا عن الاستقرار مدة طويلة في إقليم يشعرون نحوه بالولاء والانتماء ، وهذه العناصر في جملتها تغيب عن المجتمع الإسرائيلي. (1)
ولكننا في هذه الدراسة سنستخدم مصطلح “قومي” لوصف امن هذا الكيان لأنه يدلل علي الجانب الأمني الداخلي والخارجي له ، ولان استخدامنا لمصطلح الأمن فقد يدلل عل الأمن الداخلي.
وقد عرف العقيد الإسرائيلي ايلون الأمن القومي بأنه : “محصلة الاتصالات المتبادلة لدولة مع بنيتها القريبة والبعيدة التي تعكس قوتها ، واستعدادها ، ووسيلتها ، وقدرتها التنفيذية علي الدفاع عن مصالحها الحيوية ، وتحقيق غايتها ، وأهدافها القومية”. والذي يتضح منه النزعة المتطرفة لسياسة الأمن الإسرائيلي القائمة ، التي تقوم علي حشد الإمكانات في مختلف مجالات القوة ، والوسائل والقدرات بهدف تنفيذ الدفاع عن مصالح الكيان الإسرائيلي الحيوية وتحقيق غاياته واهدافة القومية. (2)
من جانب أخر نجد إن الإستراتيجية الاسرائيلية تقوم علي عدد من العناصر ترتبط ببعضها ارتباطا عضويا لتشكل تحديا خطرا علي الأمن القومي العربي ، ومن أهم هذه العناصر عنصر الأمن ، لان المفهوم الإسرائيلي للأمن هو مفهوم خاص بالكيان الإسرائيلي ذو الطبيعة الاستيطانية ، والقائم علي عقيدة التوسع بجانبيها الأفقي والرأسي ، فالتوسع الأفقي يحقق للكيان الإسرائيلي أكثر من هدف ، فهو يوفر أولا عمقا جغرافيا للدفاع عنه أثناء معاركه مع العرب ، ويوفر ثانيا المياه الضرورية لهذا الكيان الذي يعاني من أزمة حادة فيها ، وثالثا يمده بمصادر جديدة للثروة والمواد الغذائية خاصة في الضفة الغربية ولبنان. أما التوسع الرأسي فهو التوسع العسكري بما يحقق التفوق الكمي والنوعي للكيان الإسرائيلي علي الدول العربية مجتمعة (3)
وبالتالي نجد أن قضايا المياه دخلت إلي مرحلة محورية في الأمن القومي للكيان الإسرائيلي ، تحولت عملية توفير الموارد المائية إلي مسألة قومية ترتبط بأهداف وجود وغايات هذا الكيان ، وتحولت مشروعاته إلي مشروعات ذات صفة قومية ، وأصبح الأمن القومي للكيان الإسرائيلي يرتبط بالسيطرة علي المياه في المنطقة واستثمارها .فبعد حرب عام 1967م ظهر في الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي مفهوم الحدود الآمنة الذي يرتبط في احد أبعاده بمفهوم الحدود الطبيعية ، التي ترتكز علي عمق إقليمي وعقبات طبيعية مثل المياه والجبال …الخ مما دلل علي الارتباط بين قضايا المياه وقضايا الأمن القومي للكيان الإسرائيلي في أبعادها الإستراتيجية والاقتصادية. (1)
إن الفجوة المائية في الأمن القومي للكيان الإسرائيلي فجوة مهمة ، لأنها تتعلق بالعمود الفقري لنظرية الأمن الإسرائيلي “الهجرة” ، فالهجرة تحتاج إلي الأرض ، والأرض تحتاج إلي المياه ، والمياه تحول رجال العمال إلي فلاحين مرتبطين بالأرض وتعمق فيهم روح الانتماء . وبالتالي فالطموحات الاسرائيلية الهادفة لزيادة الهجرة اليهودية إلي ارض فلسطين لا يمكن أن تتم دون تخطيط مسبق ، يأخذ في الحسبان ضرورة توفير المصادر المائية اللازمة لتوفير الغذاء لمئات الألوف من المهاجرين القادمين ، فالحصول علي مصادر مائية إضافية ليس ترفا بالمفهوم الإسرائيلي بل هو ضرورة لازمة لاكتمال المشروع الصهيوني بالبقاء والسيطرة علي فلسطين (2).
إن الكيان الإسرائيلي عندما يبحث على حل لمشاكله المائية سوف تتجه أنظاره خارج حدوده ، مما يجعل البحث عن المياه سببا لممارسات سياسية وعسكرية لهذا الكيان ربما تختلف من شكل لأخر ، ولكنها تظل محكومة بذات الدوافع الأولية التي أدت إلي إقامته “دوافع الاستيطان العنصري والتوسع الإقليمي”.
من ناحية أخري ، فالأطماع الصهيونية التي قد تبدو ذات طابع اقتصادي والمتعلقة بالحصول علي “ما تسميه حقوقها” من مياه انهار الأردن والليطاني والنيل ، لا تستمد شرعيتها و مبرراتها لدي قادة الكيان الإسرائيلي من فائدتها الاقتصادية ، وإنما من الإغراض الاستيطانية التي تتطلب أعمار النقب والمناطق الصحراوية في فلسطين المحتلة ، فطبقا لمعدلات النمو الطبيعية للسكان داخل الكيان الاسرايلي لا توجد مشكلة مياه ملحة ، ولكن حين نضع في الحسبان الهدف الصهيوني باستيعاب وتوطين ثلاثة ملايين مهاجر حتى عام 2000م – طبقا لقرارات الدورة التاسعة والعشرين للمنظمة الصهيونية العالمية – بحيث يتجاوز سكان الكيان الإسرائيلي ، ستة ملايين نسمة ذلك العام (3)
فان مشكلة المياه بإبعادها الاستيطانية الاستعمارية أساسا ، الاقتصادية هامشيا ، تصبح أكثر وضوحا وعلاقة بالأمن القومي للكيان الإسرائيلي. فالخط الأحمر الذي وضعه الكيان الإسرائيلي لمسألة المياه ، لا يقل خطورة عما يمكن أن يؤدي إليه تحريك قوات أو أسلحة إلي مناطق منزوعة السلاح ، حيث عد هذا الكيان المياه موردا استراتيجيا من الدرجة الأولي ، وعد أي تهديد لمصادر المياه مؤديا إلي استنفار الجيش . مما سبق نجد إن هناك علاقة طردية بين تحقيق الأمن القومي للكيان الإسرائيلي من جهة ، وبين سيطرته ثم تحكمه في مصادر المياه في المنطقة من جهة أخري ، لان ذلك يحقق له أهدافه الإستراتيجية والقومية التي من أهمها :
1- دعم هذا الكيان واقتصادياته وتوجهاته الاستعمارية والاستيطانية.
2- زيادة معدلات الهجرة اليهودية إلي فلسطين ، وبالتالي خلق دعم بشري مستمر للقوة العسكرية الصهيونية.
3- خلق ظروف جغرافية وبشرية في المنطقة تهدف إلي تثبيت الوجود الصهيوني في فلسطين ، صناعيا ، وعسكريا ، وامنيا ، مما يسهل له مواصلة احتلاله للأراضي العربية. (1)
4- إن هذا التوجه العدواني بالسيطرة علي مصادر المياه ، يوضح نية هذا الكيان للتمسك بالأراضي التي يحتلها ، وعدم سعيه لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية .
5- ترسيخ الثقة بالكيان الصهيوني في أذهان اليهود ، وإظهار قدرته علي تحقيق أهدافه وأفكاره ومشاريعه.
6- إضعاف الدول العربية المجاورة اقتصاديا وسياسيا و اجتماعيا.
وقد اتبع الكيان الإسرائيلي من اجل الوصول إلي هذه الأهداف بشكل عام ، وتحقيق سيطرته علي مصادر المياه بشكل خاص ، كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة مثل :
– استمرار إقناع الرأي العام العالمي بأنه يواجه أزمة مياه مستمرة.
– استغلال نفوذه لدي الدول الغربية والمنظمات الصهيونية وغير الصهيونية الموالية له لتحقيق هذا الحلم.
– استمرار تنمية قدراته العسكرية من اجل ردع الدول الاخري لتحقيق أهدافه.
– دعم فرقة الصف العربي وخلق جو من التفكك ، ودعم حركات التمرد والانفصال في المنطقة.
– التوسع في إنشاء المستوطنات من اجل مزيد من الحقوق المائية في المنطقة. (2)
– استغلال نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة من اجل عقد اتفاقات مشتركة مع دول المنطقة ، لتحديد وتوجيه سياسة استخدام المياه في المنطقة.
– أن هذا الكيان يعمل بدعم أمريكي علي تنفيذ شبكة مياه تربط الدول المحيطة به (سوريا ، لبنان ، الأردن) ، وذلك لتطوير مصادر المياه في المنطقة.
من جانب أخر فقد انتهج هذا الكيان للحصول علي المياه داخل الأراضي الفلسطينية سياسة مائية تمثلت في الأساليب التالية : (1)
(أ) السيطرة علي مصادر المياه الجارية كنهر الليطاني ونهر الأردن.
(ب) الاستفادة من المياه الجوفية داخل أراضي فلسطين المحتلة.
(جـ) سحب المياه من البحيرات داخل فلسطين كبحيرة الحولة وبحيرة طبرية.
(د) تخطيط وتنفيذ وإقامة مشاريع لنقل المياه من مصادرها إلي الأماكن التي لا توجد بها مياه داخل فلسطين المحتلة.
(هـ) إقامة مشاريع لجمع مياه الإمطار وخزنها كمشروع (شكما) ومشروع (وادي نشمه) ، والقيام بجمع مياه الوديان في منطقة معينة ثم ضخها إلي مناطق أخري ، لتتغلغل المياه داخل التربة ليعاد سحبها من جديد بواسطة الآبار الارتوازية.
(و) إقامة مشاريع لتكرير مياه المجاري وإعادة استعمالها.
(ز) إقامة مشاريع لتحليه مياه البحر في (إيلات) ، ومشاريع لتحليه المياه الجوفية.
(ح) زرع الغيوم وإنزال الأمطار منها بإسقاط مادة مبردة عليها من الطائرات ، وتحويل اتجاه الغيوم نحو بحيرة طبرية لزيادة كمية الأمطار فوق البحيرة.
(ط) استهلاك المياه المالحة في الأغراض الزراعية وتربية الأسماك والصناعة.
(ى) إقامة أجهزة وهيئات حكومية للإشراف علي المياه ، وتوزيعها ، والحفاظ علي مصادرها ، ورسم السياسة المائية العامة للدولة. (2)
(ك) التفكير والتخطيط والتنفيذ الجاد ، وفرض الأمر الواقع.
مما سبق نجد أن هناك ربطا واضحا وقويا بين مفهوم الأمن القومي للكيان الإسرائيلي من جهة وبين أهمية المياه له من جهة أخري ، واتضح ذلك في الفكر والتنظير ثم في التطبيق الإسرائيلي لإستراتيجيته المائية ، والذي كان له انعكاساته الايجابية في استغلال هذا الكيان لكل قطرة ماء مالحة لصالحه ولصالح مستوطنيه.
ثالثا : التنسيق المائي الإسرائيلي ـ الإقليمي:
يستهلك الإسرائيليون جميع مياه الأنظمة المائية في الأراضي الفلسطينية، وقدرت بعض الدراسات أن ما يستهلكه الإسرائيليون قد بلغ 2460 مليون م3 ، وما زالت إسرائيل ترى أنها في حاجة إلى المزيد من المياه لري المزيد من الأراضي وإسكان المزيد من المهاجرين وتحقيق الرفاهية لهم، لذلك أخذت تتطلع إلى الحصول على المياه من أماكن بعيدة خارج الحدود خصوصاً وأن الظروف والمعطيات الحالية لا تشير إلى إمكانية حصول إسرائيل على المياه من نهر النيل أو الفرات حسب مخططاتها القديمة، ولذلك اتجهت لتأمين حاجاتها المائية من خلال التنسيق مع دول تتمتع بموارد مائية كبيرة، ووجدت ضالتها في تركيا. (1)
فتركيا كانت محط أنظار الحركة الصهيونية منذ بدء التفكير في إنشاء وطن قوي لليهود، حيث جرت العديد من المراسلات بين هرتزل والسلطان عبد الحميد تم خلالها عرض المساعدة المالية للدولة العثمانية مقابل منحها فلسطين، ورفضت هذه المطالب في حينها، كما لعبت الحركة الصهيونية دوراً كبيراً في الأحداث التي جرت في تركيا بعد الحرب العالمية الأولى، ودعمها لجماعة الاتحاد والترقي وغيرها ما أدى في النهاية إلى صعود نجم كمال أتاتورك الذي قام بإلغاء الخلافة الإسلامية وتحويل تركيا إلى دولة علمانية عام 1924، وبدأت تركيا بعدها في الابتعاد عن العالم الإسلامي والتقرب إلى الغرب طمعاً في مساعداتهم لدرجة أنها كانت أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل عام 1949، وربطتها بإسرائيل علاقات قوية، وقد زادت أهمية تركيا في نظر الغرب خصوصاً الولايات المتحدة منذ عام 1979 بعد قيام الثورة الإيرانية، حيث حاولت الولايات المتحدة تشكيل حلف إقليمي تركي ـ إسرائيلي لمواجهة حركة التحرر الوطني في المنطقة العربية، (2)
وفي ضوء هذه العلاقة جاء التعاون التركي ـ الإسرائيلي الحالي ليدخل مرحلة جديدة من مراحل العلاقات التركية ـ الإسرائيلية، ومع هذه العلاقة بدأت إسرائيل تسعى لإيجاد الحلول لأزماتها المائية المتوقعة بإقامة مشاريع بديلة عن الاتفاقات مع سوريا أو العراق، وفي خضم هذه العلاقة قام الرئيس التركي تورجوت أوزال عام 1987 بزيارة إلى الولايات المتحدة عرض خلالها استغلال المياه التركية عبر مشروع سمي في حينه مشروع أنابيب السلام تنقل بموجبه المياه من تركيا عبر أنبوبين، أنبوب غربي يمتد من تركيا إلى سوريا ولبنان وإسرائيل بطول 2700 كلم وبقطر 4.3 متر، وأنبوب شرقي يمتد إلى دول الخليج العربي بطول 3900 كلم، وينقل الأنبوبان مياه نهري سيحون وجيحون الذي يصل تصريفهما إلى 29.77 مليون م3 يومياً (3)
وقد لاقى هذا المشروع ترحيباً أمريكياً للأسباب التالية:-
1- المساهمة في إمداد إسرائيل بالمياه.
2- تقوية الموقف التركي في ترتيبات الشرق الأوسط.
3- إتاحة الفرصة للشركات الأمريكية للاطلاع بدور رئيس في مثل هذه المشاريع التي يتوقع أن تكلف 20 مليار دولار.
إلا أن هذه المشاريع لم يتم تنفيذها لارتفاع تكاليف الإنشاء أولاً، ثم المشكلات الفنية أو الطبوغرافية، واعتراض كل من العراق وسوريا على هذه المشاريع ثانياً، وما زالت إسرائيل ترى إمكانية استيراد المياه من تركيا، حيث تواصل وزارة الخارجية الإسرائيلية إجراء دراسات الجدوى الاقتصادية من وراء هذه المشاريع. (1)
التنسيق الإسرائيلي الأثيوبي حول مياه نهر النيل:
استغلت إسرائيل تقاربها مع أثيوبيا في عهد الإمبراطور هيلاسيلاسي وقامت بتوظيف هذه العلاقة من أجل تهديد مصر من زاوية المياه، لأن 85% من احتياجات مصر المائية تنبع من أثيوبيا، حيث بلغت حصة مصر من مياه النيل 55.5 مليار م3 ارتفعت إلى 70 مليار م3 عام 2000، ما شكل عجزاً مائياً بمقدار 14.5 مليار م3، أما السودان فحصتها 18.5 مليار م3، وتهدف السودان إلى زيادة مساحة الرقعة الزراعية من 4.5 مليون فدان إلى 9 مليون فدان، وهذا يحتاج إلى 14.8 مليار م3، وبذلك يكون العجز المائي عند مصر والسودان 38 مليار م3 من المياه، وهذه الكمية لا يمكن تدبيرها إلا بعد الانتهاء من مشروعات أعالي النيل التي تتولاها مصر والسودان معاً.(2)
وتلعب إسرائيل من خلال علاقتها مع أثيوبيا والدول الأفريقية في حوض النيل دوراً تحريضياً ضد مصر والسودان، بحجة أنهما تستهلكان كميات كبيرة من المياه دون الحاجة إليها على حساب الدول الأخرى وفي ضوء هذا التحريض سيطرت الشركات الأمريكية والإسرائيلية على معظم المشاريع المائية في المنطقة، وتولت الأبحاث العلمية الخاصة بموارد المياه، وأسفرت العلاقات الأثيوبية الإسرائيلية عن تهجير أعداد كبيرة من يهود الفلاشا، كما قامت إسرائيل بإنشاء ثلاثة سدود مائية كجزء من برنامج أمثل يستهدف بناء 26 سداً على النيل الأزرق لري 400 ألف هكتار، وإنتاج 38 مليار كيلو وات ساعة من الكهرباء، وهذه المشاريع ستحرم مصر من 5 مليار م3 من المياه . (3)
كما قامت إسرائيل ببناء سد على منشأ أحد فروع النيل الأزرق الذي يمد النيل بحوالي 75% من المياه لحجز نصف مليار م3 من المياه مقابل قيام أثيوبيا بتسهيلات لإسرائيل في جزيرة دهلك وفاتيما لإقامة قواعد عسكرية فيها، تحولت إسرائيل بعدها إلى أرتيريا لقربها من باب المندب، كما بدأت أثيوبيا ترفع دعاوى إعادة توزيع مياه نهر النيل وفق مبدأ عدالة التوزيع، كما أنها لم تشترك حتى الآن في مجموعة الأندوجو الخاصة بالاستفادة من مياه نهر النيل. (1)
انعكاسات الأطماع المائية الإسرائيلية على الأمن القَومِي العربي:
أولاً: على المستوى السياسي، والوضع الجيوستراتيجي:
1- على المستوى السياسي:
إن الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية هي جزءٌ من مخططاتِها لبناء دولتها الكبرى من النيل إلى الفُرَات، وحماية أمنها القَومِي من أي تهديدات عربية، كما أن هذه الأطماع هي شكلٌ آخر من أشكالِ الصراعِ العربي الإسرائيلي، فالمخطَّطات التي وضعها الاستعمار الغربي للمنطقة العربية يتم تنفيذُها حاليًّا من قِبَل إسرائيل خطوةً خطوةً؛ لتجزئة المنطقة العربية، وبَلْقَنَتِها، والاستيلاء على كل مصادر المياه العربية، في كل من: سوريان والأُرْدُن، والأراضي الفِلَسطِينية المحتلَّة، وجنوب لبنان، مما سيمنع من قيام أي مشروع نَهْضَوِي سياسي عربي ضد الأمن القَومِي لإسرائيل، وبالتالي سيكون التحكم الإسرائيلي ورقةَ ضغطٍ رابحةٍ لإسرائيل؛ لفرض سياسة الأمر الواقع تُجَاه الدول العربية؛ لفرض تسويات سلمية تضمن حمايةَ الأمن القَومِي الإسرائيلي على حساب الأمن القَومِي العربي. (1)
ويمكن أن نحدِّد بصفة عامة انعكاساتِ الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية على الأمن القَومِي العربي من الناحية السياسية في النقاط التالية:
• تجزئة الدول العربية، وبَلْقَنة الوطن العربي.
• تمكين الدولة اليهودية من التكامُل.
• تفجير النظام القَومِي العربي، ومن ثَمَّ فقْد الجامعة العربية طبيعتَها القَومِية.
2- الوضع الجيوستراتيجي:
يمكن القول: إن سيطرة إسرائيل على المياه الإقليمية العربية سيمنحها دورًا رِيَاديًّا إقليميًّا مستقبلاً، تتحكم وحدها في الوضع الجيوسياسي لمِنْطَقة الشرق الأوسط، وإثارة الخلافات والمشاكل العربية، بَدْءًا بجر العرب إلى الاحتكاك، والتوتر، والتهديد باستخدام العنف، وانتهاءً بالصراع العسكري المسلَّح؛ وذلك للحيلولة دون قيام تعاون عربيٍّ – عربيٍّ مشترك في الأمن القَومِي العربي، هذا الوضع المحتَمَل سيغيِّر الخريطةَ الجيوستراتيجية في مِنْطَقة الشرق الأوسط لصالح إسرائيل، ونُشُوب مشاكل حدودية وإقليمية؛ وبالتالي إمكانية خلق دُوَيلات طائفية وعِرْقِية تهدِّد استقرارَ العالم العربي، وتستغلها إسرائيل لإقامة علاقاتِ تَطْبِيع معها بين الدول العربية.(2)
كما حدث في أزمة الخليج الثانية عام 1990، عندما اجتاح العراق الكويت، وانهار وقتها الأمن العربي، ومفاهيمه الإستراتيجية، وأُصيبت مؤسسات العمل العربي المشترك بصدمة أَوْدَت بها إلى العطالة حينًا من الزمن.
ثانيًا: على المستوى الاقتصادي والمائي:
أدَّت الإطماع الإسرائيلية في المياه العربية إلى تحكُّم إسرائيل في كميات المياه المسموح بها لسكان العرب؛ فقد اتَّخذت إجراءات لضبط عملية استخراج المياه من الآبار الإرتوازية، عبر منع سكان الضفة الغربية من حفر آبار جديدة، بقصد استخدام مياهها في الري والشرب، وإجبار العرب على تركيب عدَّادات على آبارهم؛ مما أعطى لإسرائيل حفر هذه الآبار بشكل أعمق، الشيء الذي أثَّر على مستوى المياه في الآبار العربية، ونُضُوب بعضها.
وهكذا حقَّقت الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية أهدافَها بزَعْزَعَة الأمن المائي العربي، حيث تضرَّر من الجفاف والتصحُّر الذي يَكَاد يَغْزُو أرجاء الوطن العربي ككلٍّ، إضافة إلى تلُّوث مياه الأنهار العربية في حوض النيل والرافدين، كما أدَّت الاتفاقية المائية الإسرائيلية المُبْرَمة مع الأُرْدُن في وادي عربة عام 1994 إلى تحكُّم إسرائيل في مياه نهر الأُرْدُن، ومنعِ أيِّ مشروعٍ مائيٍّ وزراعيٍّ بين الدول العربية، الأمر الذي أدَّى إلى قيام أزمة الغِذَاء، وانخفاض الإنتاج الزراعي، وازدياد الطلب المحلي على الأغذية، مع ارتفاع كبير في الإنفاق العام لاستيراد الغذاء من الخارج، أمام تصاعد في عدد السكان؛ كل هذا نتيجة غياب إستراتيجية مائية عربية مشتركة لحماية الموارد المائية من الأطماع والتوسعات الإسرائيلية، كما أن الاتفاقيات الاقتصادية المتعلِّقة بإقامة سوق اقتصادية عربية مشتركة لا تَزَال غير مفعَّلة لبناء أمن اقتصادي ومائي عربي لسد حاجيات سكان الوطن العربي. (1)
رابعا : مستقبل المياه في المنطقة العربية:
يرى الكثير من الدارسين والسياسيين، أن المياه سوف تكون محور الصراع القادم في منطقة الشرق الأوسط، ومن بين الجهات التي تعنى بهذا الأمر الاستخبارات الأمريكية التي لمست الخطر المائي منذ زمن عندما حددت عشر مناطق مرشحة لأن تكون مناطق صراع حول المياه، ويقف الشرق الأوسط في مقدمة هذه المناطق إذ قد تشتعل فيه حروب المياه في المستقبل القريب ، ويرجع ذلك إلى مظاهر الجفاف التي حلت بالمنطقة وتدني كمية الأمطار وتزايد أعداد السكان وبالتالي زيادة متطلباتهم المائية بالإضافة إلى اعتماد منطقة الشرق الأوسط في تلبية متطلباتها المائية على ثلاثة أنظمة مائية هي: نهر دجلة والفرات، ونهر النيل، وأنظمة نهر الأردن وروافده، بالإضافة إلى أنهار كالعاصي والليطاني، ولما كانت هذه الأنهار جميعاً أنهاراً دولية ما عدا نهر الليطاني، تستفيد منها أكثر من دولة عربية وغير عربية (1)
فسوف يحتدم الصراع وخصوصاً وأن إسرائيل العدو الأول للعرب بدأت تلعب دوراً في هذا الصراع طمعاً في الحصول على نصيب من هذه الأنهار بالتحريض ضد الدول العربية المستفيدة من هذه الأنهار وخلق المشاكل المائية لها، ما يهدد استقرارها وأمنها كما هو الحال في سوريا والعراق ومصر والسودان، وذلك من أجل رضوخ هذه الدول لأطماعها والتغلغل في المنطقة العربية لتحقيق أطماعها التوسعية وقد رأينا في معرض تناولنا للأطماع الإسرائيلية في المياه العربية كيف استطاعت إسرائيل أن تستغل كل النظام المائي في فلسطين، وكيف أنها مدت أطماعها إلى كل من حقوق سوريا والأردن في مياه نهر الأردن وروافده، بالإضافة إلى توجهاتها وأطماعها تجاه المياه اللبنانية.
أما مياه نهر النيل فإن إسرائيل وجدت نفسها غير قادرة من الناحية اللوجستية والطبوغرافية على جر مياه النهر إليها، إلا من خلال تنسيق إقليمي واتفاقات مع مصر لهذا الغرض وخاصة أن جهودها في التأثير على مصر عبر تنسيقها مع أثيوبيا والتي دفعتها لإقامة بعض المشاريع المائية بهدف تهديد الأمن القومي المصري والسوداني، بالإضافة إلى بروز الدعوات الأثيوبية في المؤتمرات واللقاءات الأفريقية بضرورة إعادة توزيع مياه نهر النيل على أساس من العدل ورفضها الانضمام إلى جماعة الأندوجو للاستفادة من مياه نهر النيل (2)
وبالطبع جميع إجراءات التحريض التي تدخل في سياق الحرب الباردة التي تخوضها إسرائيل مع مصر إن هذه المحاولات الإسرائيلية قد باءت بالفشل حتى الآن للأسباب التالية:- (1)
1- عدم تأثير المشاريع الأثيوبية للاستفادة من مياه نهر النيل على المياه الذاهبة إلى مصر، فعلى سبيل المثال إن كمية المياه المختزنة في سدين على النيل الأزرق أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل يبلغ 92 مليون م3 سنوياً وهذا يعادل تصريف مدينة القاهرة في يوم واحد.
2- التكلفة الباهظة التي ستتكلفها أثيوبيا لإقامة السدود بسبب العوامل الفنية الناجمة عن الانحدار الشديد لهضبة الحبشة تجاه الغرب.
لهذا فإن إسرائيل تتجه إلى محاولة جر مياه النهر إلى سيناء ومن ثم إلى النقب عبر قناة مائية تمر أسفل قناة السويس ومنطق إسرائيل يوضحه خبير المياه الإسرائيلي أليشع كالي في كتابه “المياه والسلام”، حيث يقول:
“إن المنطق الأساسي في فكرة هذا المشروع هو أن كميات ضئيلة بالمقياس المصري ـ نحو نصف في المائة من الاستهلاك ـ لا تشكل عنصراً مهماً في الميزان المائي المصري وغير مستهلكة اليوم ويمكن نقلها بصورة مجدية اقتصادياً في اتجاه الشمال أي إلى إسرائيل”، ويعتقد كالي أن تكاليف نقل المياه من النيل إلى النقب أرخص بكثير من نقلها من طبريا إلى النقب، ما يوفر على إسرائيل ملايين الدولارات ويمكنها من ري 2.16 مليون دونم واستيعاب المزيد من المهاجرين اليهود إلا أن تنفيذ مثل هذه الاقتراحات مرهون بالأوضاع السياسية في المنطقة وتطوراتها.
وتبقى المشكلة الكبرى هي المشكلة القائمة بين كل من تركيا من جهة والعراق وسوريا من جهة أخرى حول مياه دجلة والفرات، حيث بدأت تركيا تدرك أهمية المياه كسلاح للضغط السياسي كما بدأت تدرك أن المياه مورد اقتصادي لا يقل أهمية عن النفط العربي، ولهذا بدأت تبحث عن مسوغات قانونية لاستغلال مياه دجلة والفرات فخرجت بقوانين غريبة اعتبرت فيها أن أنهار دجلة والفرات أنهاراً عابرة للحدود، وذلك في مخالفة للقانون الدولي للأنهار الذي يعتبرها أنهاراً دولية إذ لا يوجد شيء في القانون الدولي اسمه أنهار عابرة للحدود، وبموجب القانون التركي هذا اعتبرت تركيا أن مياه نهر الفرات هي مياه مملوكة للدولة لها كل الحق في التصرف فيها منكرة بذلك الحق التاريخي المكتسب منذ آلاف السنين لكل من العراق وسوريا، (2)
وبدأت تركيا بتخطيط وتنفيذ عدد من المشاريع المائية على نهر دجلة والفرات ومن شأن هذه المشاريع تخزين كميات كبيرة من المياه تصل إلى 90 مليار م3، في حين أن الكمية التي يمكن تخزينها في السدود السورية تصل إلى 16 مليار م3، والسدود العراقية 12 مليار م3، أي أن كمية التخزين التركية تصل إلى ثلاثة أضعاف كمية التخزين السورية والعراقية. ومن أكبر المشاريع التركية مشروع جنوب شرق الأناضول “غاب” الذي سيرفع كمية المياه التي تحصل عليها تركيا من نهر الفرات من 10% إلى 53% من أصل تصريف النهر البالغة 31.4 مليار م3، هذا يعني فقدان سوريا لـ 40% من كمية المياه الواردة إليها وفقدان العراق 80% من كمية المياه التي يتلقاها. ما يلحق أضراراً كبيرة بالبلدان العربية في الوقت الذي تعاني فيه من الجفاف وقلة الأمطار وزيادة السكان، وبالتالي زيادة متطلباتها المائية. وفي الوقت الذي تقوم فيه تركيا بحرمان البلاد العربية من حقها التاريخي في المياه، تقوم بمحاولة تسويق هذه المياه تحت اسم مشروع أنابيب السلام لصالح إسرائيل وبتشجيع أمريكي. (1)
الخاتمة:
إن مستقبل المياه العربية ينذر بالخطر، ففي دراسة للبنك الدولي يتوقع أن يرتفع الطلب على المياه في الوطن العربي من 212.277 مليار م3 من المياه عام 1985 إلى 301.501 مليار م3 عام 2030، لزيادة عدد السكان وزيادة المتطلبات المائية للغذاء والصناعة، وأياً كانت التوقعات فإنه من الضروري للدول العربية أن تأخذ مسألة المياه مأخذ الجد من الآن فصاعداً، لأنها تمس حياة الإنسان العربي وتجعله عرضة لأطماع الدول الأجنبية التي لم تنته منذ عهود الاستعمار وفي ضوء ذلك فإننا نرى:-
1- لابد من تبني إستراتيجية مائية عربية تأخذ في اعتبارها البعد القومي لهذه القضية وذلك من خلال تجاوز الخلافات العربية العربية على الأصعدة السياسية، والتوجه للعمل العربي المشترك بما يخدم المواطن العربي ويؤمن مستقبله. وكذلك من خلال التركيز على مسألة المياه عند إعادة هيكله الجامعة العربية وذلك بإنشاء هيئة عربية للمياه تطلع بمسائل المياه، من حيث الدراسات والأبحاث واقتراح المشاريع المختلفة التي تخدم الشعوب العربية واستغلال مواردهم المائية استغلالاً أمثل.
2- محاولة احتواء المشكلات التركية العراقية السورية من خلال عمل جماعي عربي وبنظرة جيدة إلى المصالح المشتركة العربية التركية والعلاقات التاريخية بين الشعب التركي والشعوب العربية.
3- لابد عند تناول ملف المياه في المفاوضات مع إسرائيل الاستناد إلى أحكام القانون الدولي في هذا المجال.
الباب الثالث:نتائج وتوصيات الدراسة
أولا : نتائج الدراسة :
في ضؤء الدراسة التحليلية لقضايا المياه في الصراع العربي الاسرائيلى توصلت الدراسة إلى إثبات النتائج التالية في ضؤء فروض الدراسة حيث تم التوصل إلى التالي :
1 – إن أزمة المياه تعد احدي الأزمات الرئيسية التي بدأت في الظهور علي السطح في المنطقة موضع الدراسة .
2 – إن هناك اهتمام من الأطراف المتناقضة في المنطقة بالمياه والسيطرة عليها ، وان هذا الاهتمام يتزايد مع الوقت.
3 – إن المياه تعد مهمة بالنسبة للفكر والأمن والإستراتيجية الإسرائيلية ، لان السيطرة علي المياه كانت ولازالت من أهم الأهداف التي يضعها هذا الكيان لتحويل الحلم الصهيوني بإقامة “دولته الكبرى” الي واقع مادي في المنطقة العربية ، حيث ارتبطت المياه طرديا بتحقيق أهم المرتكزات الأساسية لهذا الكيان كالهجرة والاستيطان ، والتي تعد عوامل رئيسية في بنائه ، فكلما اتسعت السيطرة الإسرائيلية علي المياه ، اتسعت مساحته الاستيطانية ، وزاد عدد مهاجريه ، وتدعمت بالتالي أركانه.
4 – إن هذا الاهتمام الصهيوني مر بعدة مراحل ، من ظهور فكرة السيطرة علي المياه علي يد مجموعة من الزعماء الصهاينة ، إلي القيام بمحاولات لإيجاد دعم من القوي الاستعمارية آنذاك لتنفيذ ذلك كواقع علي ارض فلسطين قبل إنشاء هذا الكيان ، ثم ظهور توجهات عملية لتطبيق هذا الفكر وجعله واقعا ملموسا بعد نشأته ، وتدعيم ذلك بقوة من خلال حرب عام 1967م.
5 – إن وجود الكيان الإسرائيلي في المنطقة خلق خللا في توزيع المياه ، لأنه كيان استعماري يبحث عن الماء لجذب ثم لإرواء عطش ألاف المستوطنين الذين يهاجرون إليه.
6 – إن الطرف العربي في هذه الدراسة ، لا تزال ردود فعله في مواجهة الأهداف الإسرائيلية عند حدود المواجهة الإعلامية ، لا الفكرية أو التنفيذية أو التنظيمية .
7 – إن أزمة المياه في المنطقة كانت مرتبطة إلي حد كبير بالعلاقات العربية مع الدول المجاورة ، فالمياه في المنطقة تتمثل في ثلاث دوائر رئيسية هي :
أ- دول حوض نهر النيل وتضم بشكل رئيسي كل من مصر والسودان وأثيوبيا.
ب- الأنهار التي تغذي كل من الأردن ولبنان وسوريا والكيان الإسرائيلي.
ج- دول حوض نهري دجلة والفرات وتضم كل من سوريا والعراق وتركيا.
وفي هذه الدوائر الثلاث هناك باستمرار دولة غير عربية ، وبالتالي فان طبيعة العلاقة مع هذه الدول ستؤثر بصورة مباشرة علي الموقف من أزمة المياه في المنطقة.
8 – إن الاهتمام بهذه الأزمة لم يعد مقصورا علي دولها ، فاتخذ طابعه الدولي باهتمام الدول الصناعية السبع ، مما يؤكد أهمية هذه الأزمة وأبعادها الخطرة علي المنطقة.
توصيات الدراسة:
من خلال هذه الدراسة لموضوع أزمة المياه في الصراع العربي الإسرائيلي تتضح مدي الحاجة لإيجاد حلول علمية وعملية لمجابهة هذه المشكلة ومنها :
1- أهمية إيجاد سياسة عربية مائية موحدة للنظر في هذا الموضوع ودراسته ، وذلك لان مشكلة المياه مشكلة مشتركة بين معظم الدول العربية مما يجعل أية دولة عربية عاجزة عن إيجاد حل لها بمفردها.
2- أنشاء وكالة مستقلة لشئون المياه تابعة لجامعة الدول العربية ، يكون من مهامها وضع هذه السياسة ، والأشراف عليها ، ومتابعة تنفيذها ، ودراسة ثم دعم المشاريع المائية العربية.
3- وضع إستراتيجية عربية لحماية الأمن القومي العربي ، وذلك بوقف الهجرة ، والاستيطان الإسرائيلي ، ووضع حد للسيطرة الإسرائيلية علي الثروات المائية العربية.
4- ضرورة تنبه المفاوض العربي للحسابات الإسرائيلية حول المياه ، أذا ما بدأت مفاوضات تسوية في المنطقة.
5- أن هناك غياب لإستراتيجية عربية لاستثمار الروابط التاريخية والجغرافية بدول الجوار – تركيا وأثيوبيا – وغياب هذه الإستراتيجية العربية يوفر للكيان الإسرائيلي الفرصة لاستغلال ذلك ، مما يدعونا للتأكيد علي أهمية الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع هذه الدول ومواجهة التحركات الإسرائيلية في هذه الشأن.
6- ضمان استمرار تدفق مياه الأنهار في المنطقة بوضع ترتيبات بين الدول الأطراف في الدوائر المائية بشكل مستقل ، أو ضمن ترتيبات جماعية مع دول الجوار كتركيا وأثيوبيا ، وذلك بعقد المعاهدات والاتفاقات اللازمة معها.
7- أهمية دعم المؤسسات التعليمية ومراكز البحوث والباحثين للقيام بالدراسات حول الوضع المائي العربي – موارده وإمكاناته واحتياجاته – ووضع الحلول لذلك.
8- تثقيف وتوعية شعوب هذه المنطقة ، إعلاميا ، وتعليميا ، بأهمية المياه ، وخطورة الصراع حول مصادرها ، وأنها تمثل تهديدا للأجيال القادمة.
9- استغلال المياه المهدرة عند مصبات الأنهار ، مما يقلل التكاليف العالية لتأمين المياه بواسطة التحلية ، أو الخضوع لضغوط الدول المتحكمة في منابع الأنهار.
10- الدعوة لإنشاء كيان موحد – منظمة – لتنمية واستغلال المشاريع المائية في المنطقة لصالح دولها ، وطرح الحلول الجماعية لمواجهة هذه الأزمة.
11- التأكيد علي رفض تجزئة أو تهميش قضيتنا الأولي القضية الفلسطينية ، فهذه القضية كل واحد لا يمكن القبول بتجزئتها أو تهميشها ، وأزمة المياه جزء من تلك التجزئة أو التهميش.
لقد حاولنا في هذه الدراسة إلقاء الضوء علي موضوع أزمة المياه في الصراع العربي – الإسرائيلي ، وتحليل للمنطقة العربية مما قد يساعد علي توضيح الرؤية لمفكري وصانعي القرار في الوطن العربي ، لكن هذه الدراسة تبقي عاجزة عن الوفاء بمهمتها إذا لم ترتبط بالإرادة لتنفيذ ما نفكر أو نخطط أو نتفق عليه.
وهكذا نجد أن أزمة المياه من أهم الأزمات أمام دول المنطقة موضع الدراسة ، وأنها في الطريق إلي التفاعل والتفاقم في حال عدم وضع حد لها.
ونحن في الختام لا يسعنا إلا أن ننبه إلي خطورة هذه الأزمة ولفت الأنظار إلي أهمية دراستها بعمق وموضوعية للوصول إلي حلول بشأنها. والحمد لله علي توفيقه ، حمدا وشكرا يليق بجلاله وعظمته
المراجع
كتب ومجلات :
1 – صبحي كحالة ،المشكلة المائية في إسرائيل وانعكاساتها على الصراع العربي الاسرائيلى ( بيروت : مؤسسة الدراسات الفلسطينية ،الأولى : 1980).
2- رفعت سيد احمد ،الصراع المائي بين العرب وإسرائيل ( القاهرة : دار الهدى للنشر والتوزيع ، الأولى : 1993)
3- مفيد عرنوق ،اضؤاء على الصراع العربي الاسرائيلى ( بيروت : دار النضال للطبع والنشر ،الأولى : 1990)
4- مركز المعلومات الوطني الفلسطيني ( وفا) تقرير بعنوان ( المياه في الصراع العربي – الاسرائيلى )
http://www.wafainfo.ps/atemplate.aspx?id=2257
5- إبراهيم أحمد إبراهيم ، الأطماع الإسرائيلية في مياه جنوب لبنان ، مجلة السياسية الدولية ( القاهرة : العدد 70 : أكتوبر 1982 م )
6- عز الدين شكري ، التعاون الاسرائيلى الاثيويى والأمن القومي المصري ، مجلة السياسة الدولية ( القاهرة ، العدد 101 ،يوليو 1990م )
7- وزارة الخارجية – المملكة العربية السعودية ، بحوث دبلوماسية ( الرياض : 1992م )
8- حسين توفيق إبراهيم ، المياه في الشرق الأوسط صراع أم تعاون . المستقبل العربي ( بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية .1987 م )
9- جرجس خوري ، المياه المحفوفة بالمخاطر ( بيروت : 1990)
10- بشير شريف البرغوثى ،المطامع الإسرائيلية في مياه فلسطين والدول العربية المجاورة ( عمان : دار الجليل ،1986م)
11- كامل زهيرى ، النيل في خطر ( القاهرة : العربي للنشر والتوزيع .1992)
12- السيد ياسين ، الدولة الفلسطينية رؤية مستقبلية ( القاهرة :مكتبة الأسرة ،2009م )
13- نبيل عبد الفتاح محمد ، أزمة المياه والمتغيرات في الأمن لقومي الاسرائيلى ،مجلة السياسة الدولية ( القاهرة : العدد 60 ، ابريل 1980 م )
14- عبد المنعم المشاط ، نظرية الأمن القومي العربي المعاصر ( القاهرة : دار الموقف العربي ، 1987م )
15- رمزي سلامة ، مشكلة المياه في الوطن العربي ، الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية ،
موقع الالوكة الثقافي
http://www.alukah.net/Culture/0/1836/
16- محمد فوراتى ، موقع المياه في الصراع العربي الاسرائيلى من منظور مستقبلي ( الموسوعة الجغرافية )
http://www.4geography.com/vb/showthread.php?t=5975
17- رفعت السيد ، الصراع المائي بين العرب وإسرائيل ( القاهرة : دار الهدى ، الأولى : 1993م )
18- عدنان سيد حسين ، التوسع في الإستراتيجية الإسرائيلية ( القاهرة :دار النفائس، الأولى : 1989م )
19- حامد ربيع ، نظرية الأمن القومي العربي ( القاهرة :دار الموقف العربي : 1995م
20- حسام شحاتة ، المياه العربية في دائرة الخطر ( دمشق : مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية ،1990 )
21- يورى ديفيس ، الموارد المائية العربية والسياسات المائية الاسرائيلية ( لندن: مركز الدراسات العربية ، الأولى : 1990)
22- محمد دامو ، الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية، وانعكاساتها على الأمن القومي العربي ـ موقع التاريخ الالكتروني