الدراسات البحثيةالمتخصصةالنظم السياسي

من يصنع السياسة الخارجية العراقية

اعداد : م.م تمارا كاظم الاسدي – باحثة متخصصة في الشؤون الدولية- العراق

  • المركز الديمقراطي العربي

 

المقدمة:

تعد السياسة الخارجية البرنامج الذي يسعى لتحقيق افضل الظروف الممكنة للدولة بالطرق السلمية التي لا تصل إلى حد الحرب، ويمكـن دراسـة موضـوع السياسـة الخارجيــة العراقيـة مـن منطلـق البحـث عـن سـبل تحقيـق تلـك الأهــداف، إلا أن السياسـة العراقيــة عمومـاً ومـن ثــم السياســة الخارجيــة عانـت ومــاتزال مـن الكثيـر مـن القيــود فـي الوقـت الــراهن داخليـاً وخارجيـاً، وفـي الوقـت نفسـه أمامهـا الكثيـر مـن الفـرص أن هـي اسـتغلت الامكانيـات المتاحــة لعمل دبلوماسي فاعل.

وبناء على هذا فأن فرضية الدراسة تنطلق من فكرة مفادها أن العراق قد عانى من جملة تحديات كونها نابعة من معطيات البيئة الداخلية والخارجية، والتي وقع اثرها على عملية صنع السياسة الخارجية العراقية ونمط سلوكها وتوجهها.

لذا فأن إشكالية الدراسة تذهب الى التعرف على المتغيرات والتحديات والعوامل المؤثرة في عملية صنع السياسة الخارجية العراقية من خلال الإجابة على التساؤلات الاتية:-

  • ما مدى وكيف يمكن أن تتأثر عملية صنع السياسة الخارجية العراقية بمتغيرات البيئة الداخلية والخارجية.

أولاً:- مفهوم السياسة الخارجية.

على الرغم من عدم وجود تحديد مفهوم واضح للسياسة الخارجية وذلك بسبب عدم وجود نظرية محددة يتفق عليها الأكاديميون للسياسة الخارجية، فمنذ ظهور الدول القومية والعالم في تغير كبير في ميزان القوى بسبب هذهِ الدول، وفي كل فترة يتغير مفهوم السياسة الخارجية بحسب خارطة القوى في العالم([1])، فالسياسة الخارجية لا تعرف كموضوع مجرد بل تتحدد من خلال مجموعة مكونات وعناصر تتدخل في تركيبها وتؤثر فيها بشكل مباشر، لذا يميل بعض الدراسين الى المرادفة بين السياسة الخارجية وبعض أجزاء تلك السياسة كالاهداف والسلوكيات([2])، إلا أن هذهِ الأسباب لم تمنع من وجود تعاريف عدة لمفهوم السياسة الخارجية، فقد عرف الدكتور فاضل زكي محمد السياسة الخارجية على أنها الخطة التي ترسم العلاقات الخارجية لدولة مع غيرها من الدول([3]).

أما بالنسبة للدكتور مازن الرمضاني فيقدم تعريفاً برز فيه عنصراً هاماً ومحدداً في فهم السياسة الخارجية وهو البعد الرسمي، أو سمة التأثير لصانع القرار، إذ يرى السياسة الخارجية هي السلوك السياسي الخارجي الهادف والمؤثر لصانع القرار؛ وبهذا فأن مفهوم السياسة الخارجية يشمل ابعاد عدة نذكر منها([4]):-

  • هي تلك السياسة التي يصوغها الممثلون الرسميون للوحدة الدولية أي الأشخاص المخولون رسمياً باتخاذ القرارات الملزمة.
  • تتميز بعنصر الاختيار، بمعنى يتم اختيارها من قبل صانعي القرار.
  • تسعى لتحقيق اهداف إزاء وحدات خارجية.
  • السياسة الخارجية ليست مجرد رد فعل آلي للبيئة الخارجية، ولكنها عملية واعية تنطوي على محاولة التأثير على تلك البيئة، أو التأقلم معها.

ثانياً:- السياسة الخارجية العراقية قبل عام 2003.

أن استراتيجية التحرك الخارجي للعراق قبل عام 2003 كانت موجهة بنزعة الزعامة للقومية العربية وتبني النموذج الاشتراكي في إدارة الاقتصاد ومحاولة الميل باتجاه عدم الانحياز، فقد كان الحال في العراق يقتصر على حصر صلاحيات اتخاذ القرار برئيس الجمهورية وقيادة حزب البعث الحاكم ولا يسمح بتعدد مراكز القوى سواءً الحزبية، أو النخبوية، إذ جاء احتلال الكويت في 2/8/1990 من قبل القوات العسكرية العراقية من دون معرفة مسبقة من القادة العسكريين، أو المسؤولين السياسيين في العراق ولم يكن احتلال الكويت ضمن الأهداف الاستراتيجية للسياسة الخارجية العراقية فهو في الحقيقة تناقض مع مواد دستور الدولة العراقية لعام 1970 ولمواد الإعلان القومي لعام 1980، إذ اعتمدت الدولة العراقية في رسم سياستها الخارجية ما جاء على دستور عام 1970 الذي يحدد استراتيجيتها الخارجية في الباب الثاني المادة (12) التي نصت “تتولى الدولة تخطيط وتوجيه وقيادة الاقتصاد الوطني لهدف” ([5]):-

  • إقامة النظام الاشتراكي على أسس علمية وثورية.
  • تحقيق الوحدة الاقتصادية العربية.

كما أن العقوبات التي تعرض لها العراق بسبب النظام السابق أدت الى فرض حصار على هذا البلد وعزله عن جيرانه وعن المجتمع الدولي، وصدور العديد من قرارات مجلس الامن الدولي التي تضمنت عقوبات أضرت بمكانة العراق الدولية وتسببت في تدهور الوضع الاقتصادي([6]).

وانطلاقاً من كل تلك المعطيات يمكن القول أن السياسة الخارجية العراقية قبل عام 2003 تتفرد بواقع أكثر تعقيداً وتأزماً فمنذ الحرب العراقية- الإيرانية في عام 1980 والعراق على حافة التدويل في مجمل شؤونه إلى أن جاءت الضربة القاصمة بعد احتلال الكويت ، إذ كان القرار السياسي الخارجي يخضع كلياً لرؤية الحاكم الفرد رئيس الجمهورية، والاداء الدبلوماسي العراقي لم يكن يرتكز على خطط وصياغات استراتيجية للأهداف والوسائل، كما لم تحسب القدرات الحقيقية للعراق في صراعه مع القوى الإقليمية والدولية مما جعل حروب العراق تمثل انتكاسة للسياسة الخارجية العراقية.

ثالثاً:- السياسة الخارجية العراقية بعد 2003 ( رؤية في محددات البيئة السياسية).

قد تشكلت السياسة الخارجية العراقية بعد عام 2003 ، في ظل مرحلة مصيرية صعبة عاشها العراق بعد مخاض الحرب التي عصفت به، وإعادة تشكيل ورسم ملامح الدولة العراقية من جديد،  فقد تكونت السياسة الخارجية العراقية من مزيج مركب من تضارب المصالح للقوى السياسية الداخلية العراقية والمدفوعة بمحركات خارجية ترغب بأن تستحصل لها على موطئ قدم داخل العراق ، وبالتالي هذهِ الحالة المركبة ولدت أداء سياسياً عراقياً خارجياً غير متوازن ولا يستند على أسس المصالح المشتركة بقدر ما يستند على حجم محركات مصالح القوى السياسية الداخلية وتعميق علاقاتها مع القوى الإقليمية والدولية المغذية لها([7])، لذلك فأن تغيير النظام السياسي العراقي في عام 2003 إدى إلى تحلل السياسة الخارجية العراقية من دائرة المركزية والتفرد بالسلطة وتم إعادة هيكلة الدولة العراقية بمؤسساتها السياسية، لهذا وجدت الدولة العراقية نفسها بمواجهة العديد من التحديات  في نطاق البيئة الداخلية، والإقليمية ،أو الخارجية سيتم توضيحها كالآتي:-

  • البيئة الداخلية ( تغير النظام السياسي).

بعد سقوط نظام صدام حسين كان من الطبيعي أن يكون هناك فراغاً واضحاً في السلطة، وبعد أشهر تقريباً من حكم الاحتلال طرح مبدأ إقامة حكومة مستقلة تتمتع بسيادة كاملة والتي مرت بالمراحل الاتية([8]):-

  • المرحلة المتمثلة بالحاكم العسكري (جي كارنر) من (9/4/2003الى1/5/2003) التي وضعت العراق تحت الإدارة المباشرة للجيش الأمريكي واستمرت بحدود شهر واحد.
  • مرحلة سلطة الائتلاف المؤقت 16/5/2003-28/6/2004 وهذه المرحلة تزعمها الحاكم المدني الأمريكي (بول بريمر).
  • تأسيس مجلس الحكم العراقي في 13/7/2003، وامتدت فترة الصلاحيات المحددة لمجلس الحكم من 13 تموز 2003 الى 1 حزيران 2004.

ومن نافلة القول يتبين أن الغزو الأمريكي للعراق أنتج الكثير من الكوارث السياسية، والاجتماعية، والثقافية للتشكيلة العراقية بعد إن حول دولتها ونسيجها الاجتماعي إلى مجموعة من السلطات تتحكم فيها الكتل السياسية النافذة في هذه المنطقة، لذا لابد من التوقف عند سمات الصراع الدائر في العراق وهي([9]):-

  • افتقدت مسارات العملية السياسية إلى مرجعية عراقية، إذ أن هذهِ العملية منذ الغزو الأمريكي لم تكن قادرة على فرز مرجعيتها الوطنية، بل اعتمدت على الرؤية الأمريكية وأجندتها الشرق أوسطية.
  • بناء شكل الدولة انطلاقاً من البنود الدستورية المتمركزة حول الصيغة الإقليمية للفدرالية المتناغمة والصيغة القومية، الأمر الذي يفتح الأبواب أمام تفكك الدولة العراقية بعد تحويلها إلى أقاليم شبه مستقلة.

وانطلاقاً من ذلك فأن الصراع الدائر في العراق بين الكتل السياسية المتناحرة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق هو صراع ذو طابع طائفي يستند إلى محاولة الطائفتين الرئيسيتين الانفراد بالسلطة السياسية وإعادة بناء مراكزها الرئيسة وفق توجهات حزبية، فكان من الطبيعي أن تواجه السياسة الخارجية العراقية لفترة ما مشكلة الضبابية في توجهاتها وضعف أدائها والتباس رؤية الاخرين حولها إلا أن هذا لا ينبغي أن يستمر طويلاً لأنه عامل ضار بسرعة التحول الإيجابي للدولة وبناء استقرارها، لاسيّما أن العراق كان في فترة تحول وبالتالي يحتاج وقتاً مناسباً لتوضيح معالم سياسته الخارجية، إذ أن لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب كانت خاضعة إلى الحصص بحسب مقاعد الكتل، فضلاً عن انعدام التعاون والتنسيق مع وزارة الخارجية العراقية وتعقد الوضع الداخلي والتباين الشديد بين وجهات نظر الكتل والشخصيات السياسية إلى حد التقاطع العام فيما يتعلق باتجاهات بوصلة السياسة الخارجية([10]).

وفي ضوء ذلك فشل الأداء الدبلوماسي العراقي في حل الكثير من المشاكل الخارجية مع الكثير من الدول بسبب التلبد والغموض وانعكاس تقاسم السلطة على القرار السياسي الخارجي العراقي.

  • البيئة الإقليمية.

من التحديات التي تواجه عمل السياسة الخارجية العراقية على صعيد العلاقات مع دول الجوار والمنطقة العربية، نجد تاريخ طويل من الخلافات والاشكاليات الأمنية التي تحد من التعاون مع بعض الدول، ومن بين القيود في التعامل مع دول الجوار يمكن رصد قضايا كثيرة فمثلاً مع تركيا مشكلة الاكراد والتركمان والحدود والمياه، فضلاً عن وجود القوات التركية على الأراضي العراقية، لاسيّما بعد دخول داعش وتصاعد التصريحات السلبية بين طرفي الحكومتين، فضلاً عما تشهده العلاقات العراقية- الإيرانية من حالات مد وجزر جراء تدخل ايران في الشؤون العراقية ودعم بعض الكيانات مادياً وسياسياً([11])، فقد تنامى الدور الإيراني بشكل كبير في العراق منذ الاحتلال الأمريكي للعراق وإزاء ذلك عمدت إيران إلى تحقيق أهدافها في العراق عن طريق اتباعها إستراتيجيات عدة هي كالأتي([12]):

  • التأثير على العملية السياسية العراقية بشكل يضمن استمرار التورط الأمريكي في العراق لأطول فترة ممكنة لإبعاد الخطر عنها.
  • إقامة علاقات وطيدة مع مختلف القوى العراقية لضمان تأييدها في حالة اتخاذ أي سياسات عدائية أمريكية ضد طهران.

ومن ذلك استطاع المشروع الإيراني أن يكون هو الفاعل والمؤثر في العراق، عبر وكلائها الذين لجأوا لتكريس سلطتهم لخدمة المصالح الإيرانية منذ العام 2011، حتى اندلاع ثورة 25 تشرين 2019 التي شكلت تهديد حقيقي لإيران ، فقد عبر الثوار من خلال شعاراتهم وأفعالهم عن رفضهم للتأثير الإيراني ،الأمر الذي جعل إيران أول الأطراف الإقليمية ، بل لم يصدر أي طرف اخر سوى إيران مواقف تجاه ثورة 25 تشرين ، تزامنت مع ما انتشر من أنباء حول تدخلات مباشرة من قبل إيران لإخماد الثورة لذلك مارست ايران ضغطاً شديداً على صانع القرار السياسي العراقي لجعل العراق ساحة لتصفية الحسابات مع الولايات المتحدة الامريكية([13]).

كذلك العلاقات العراقية- السعودية الغير مستقرة بسبب دخول ايران كمعطى جديد لضبط العلاقة بين البلدين، فضلاً عن مشكلات الحدود، واستحداث صراع أيديولوجي مذهبي الى لائحة الصراع بين البلدين، وفي ضوء الأوضاع التي مر بها العراق كان لابد من أن يقدم صانع القرار السياسي الخارجي على استعمال آليات جديدة تتناسب مع التغيير الذي طرأ على الساحة السياسية العراقية وأهم الآليات التي استندت عليها الحكومات العراقية التي توالت على السلطة بعد عام 2003 والتي تمثلت في([14]):-

  • اليات سياسية: حيث قامت وزارة الخارجية العراقية بتفعيل دورها في المجال الخارجي.
  • اليات اقتصادية: من خلال اتجاهها نحو تدعيم مسألة التعاون وفق مبدأ المصلحة العراقية، إذ حاول الجانب العراقي تأطير سياسته الخارجية بأطر اقتصادية لتوسيع تعاونه الآني والمستقبلي.

فضلاً عن السياسة الخارجية العراقية تجاه الكويت لم تتغير بعد العام 2003 تغيراً كبيراً عما قبل الاحتلال ، فبعد القطيعة الطويلة بين البلدين والمشاكل العالقة فيما بينهم فيما يخص ملف التعويضات التي يقدمها العراق للكويت منذ الغزو العراقي للكويت عام 1990 وحتى الآن، ومشاكل ترسيم الحدود التي ما زالت ملفات معلقة بين البلدين تثير الشكوك حول إمكانية تحسين السياسة الخارجية العراقية تجاه الكويت، سرعان ما تغيرت الرؤية الكويتية للعراق بعد سقوط النظام السابق كونها اعتبرت وجود نظام صدام حسين تهديد مباشر لها، إلا انه على العموم يمكن اعتبارها مرحلة جديدة في أطار تحسين السياسة الخارجية العراقية تجاه الكويت، لاسيّما بعد أن تم اخراج العراق من احكام البند السابع بعد أن اوفى بجميع التزاماته الدولية بشكل تقريبي وما زال يعمل على ما تبقى منها فيما يخص التعويضات والممتلكات الكويتية وما زالت المحاولات مستمرة للاتفاق حول ترسيم الحدود بين البلدين([15]).

ومن هذا المنطلق فأن الأداء الدبلوماسي العراقي وفق معطى البيئة الإقليمية يكون له تأثير على صانع القرار السياسي سواء كان هذا التحرك باتجاه الإدارة ام الوساطة لأن كليهما يستفاد منهم صانع القرار في التعامل مع البيئة الداخلية عبر تقليص، أو تغيير مسار التأثير الإقليمي على الحراك الداخلي.

  • البيئة الدولية.

يعد العراق ركن رئيس من أركان الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، فهذا البلد أصبح جزء من مجال النفوذ الحيوي للمصالح العليا للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة لهذا فالعراق يمثل بالنسبة لها نقطة استراتيجية ونقطة انطلاق في أي سياسة تتخذها،  إذ كان العراق من أولويات الاستراتيجية الأمريكية لشن حرب عليه متعددة الأهداف ولعل أهمها خدمة إسرائيل وجزءاً من خطة السيطرة على العالم العربي عقائدياً وسياسياً كونها تشكل سلاحاً للتفرد الأمريكي في السيطرة على العالم([16])، مما أدى إلى سيطرة الولايات المتحدة الامريكية على القرار السياسي العراقي وحيدت القدرة العراقية بأتفاقية الصداقة والتعاون طويلة الأمد بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية في عام 2009 وذلك لأن بنود هذهِ الاتفاقية تحمل صيغة الوصاية على القرار السياسي العراقي والتحرك الخارجي لدولة العراق ([17]).

وقد استمرت انعكاسات الاحتلال الأمريكي للعراق على الأداء الدبلوماسي للسياسة الخارجية العراقية حتى بعد  انسحاب القوات الامريكية من العراق بموجب الاتفاقية الأمنية التي عقدت بين العراق والولايات المتحدة الامريكية عام 2011،  إلا أن الهيمنة الأمريكية على القرار السياسي العراقي ظلت هدفاً دائماً ومستمراً ، وعليه، مع تطورات وضع العراق وصعود التنظيمات المتطرفة وعلى رأسها تنظيم “داعش”  اثبتت السيطرة الأمريكية على الساحة العراقية ، فقد أعطت إدارة أوباما لموضوع مكافحة الإرهاب وقضايا التعاون الاستراتيجي والأمني أهمية قصوى كجزء من سياسة الاندماج المرن تجاه العراق([18]).

كما أن الدول الأخرى المؤثرة في السياسة الدولية مثل دول الاتحاد الأوربي وروسيا والصين واليابان وغيرها تسعى للحصول على مكاسب واستثمارات في العراق، بمحاولة استمالة بعض الأطراف العراقية من جهة وبالتفاهم مع الولايات المتحدة الامريكية من جهة أخرى، وتقف الأمم المتحدة على مسافة غير قريبة من العراق، ودورها محكوم بما تقرره الولايات المتحدة([19]).

رابعاً:- مستقبل السياسة الخارجية العراقية.

  • مشهد الترقب الحذر.

إن توجه السياسة الخارجية العراقية نحو سياسة أكثر اتزاناً نابع من التوجهات الجديدة للحكومة العراقية في البيئة الاستراتيجية الإقليمية والدولية، التي تعاني من إرهاصات تؤثر على أمن العراق واستقراره استناداً إلى نظرية التأثير الارتدادي السلبي، فالمواقف المحايدة التي اتسمت بها السياسة الخارجية للعراق تعطي انطباعاً إيجابياً حيال بقاء العراق خارج دائرة الأزمات والصراعات المتعاقبة، ، فاستدراك الوضع الإقليمي والدولي للعراق في ضوء صياغته الجديدة لسياساته الخارجية التي يمكن الاستدلال على معالمها من خلال قراءة الموقف الخارجي العراقي حيال الأزمات ([20])، إلا أن خطط السياسة الخارجية العراقية لا تخلو من تحدّيات، إذ يمكن للدول أن تضغط على وتر التوترات الداخلية التي تتصاعد بين الكتل السياسية الرئيسة ، وطبيعة المجتمع العراقي التعددي ، لتقويض طموحات سياسته الخارجية ([21]).

ومن خلال رؤية تحليلية فإن هذا المشهد يتجلى فيه الموقف الخارجي العراقي باتباع سياسة الحياد والانفتاح الاستراتيجي على جميع الأطراف وهو ما يمهد لدور سيؤديه العراق في الحقبة المقبلة لصياغة توازن جديد تتخذ فيه السياسة الخارجية العراقية دور اللاعب الموازن بين القوى الإقليمية والدولية.

  • مشهد اغتنام الفرص.

لقد تضمن الدستور العراقي لعام 2005 مواد تؤكد استقلالية القرار في سياسة العراق الخارجية، إذ تضمنت المادة(8) على أن:” يرعى العراق مبادئ حسن الجوار، ويلتزم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ويسعى لحل النزاعات بالوسائل السلمية، ويقيم علاقاته على أساس المصالح المشتركة والتعامل بالمثل، ويحترم التزاماته الدولية”([22]).

وعلى أساس ذلك يقوم هذا المشهد على ضرورة وضع رؤية واضحة للسياسة الخارجية بناءً على التخطيط الاستراتيجي المحكم عبر اتباع جملة من الخطوات تتمثل أهمها بما يأتي:-

  • حماية استقرار العراق والحفاظ على وحده أراضيه.
  • إقامة علاقات متوازنة مع الدول العربية من خلال إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الدول التي شهدت العلاقات العراقية معها توترات لسنوات طويلة.
  • منع استغلال الخلافات الداخلية من قبل القوى الإقليمية والدولية لتحقيق مصالحها.
  • تشكيل الدوائر ذات الشأن في وزارة الخارجية والوزارات ذات العلاقة.
  • توظيف الخبرات الدولية الناجحة الذين يقع على عاتقهم العمل على رسم سياسة خارجية عراقية ناجحة تتجاوز إشكالية ضبابية الأهداف وقصور الأدوات من خلال وضع منطلقات ومبادئ تتأسس عليها هذهِ السياسة وتبني رؤيتها عبر تحديد أهداف كبرى بعيدة المدى.
  • جعل القرار السياسي الخارجي العراقي منسجماً ومتوازياً مع السياسات الداخلية ومعبراً عن رؤية البلد وتوجهاته.

ومن خلال تلك المؤشرات يمكن القول ان الأداء السياسي العراقي مقبل على مرحلة مهمة من انفراج أدائه الدبلوماسي، إذ يمكن للعراق بالرغم من كل عوامل الضعف التي تعتريه، ولاسيمّا بعد تجربة المواجهة مع وسائل الإرهاب العنيفة المتمثلة بالفكر والسلوك المتطرف للقاعدة وداعش أن ينتقل إلى مرحلة أعلى أمنياً ومجتمعياً بالشكل الذي يزيد من مناعته في مواجهة الإرهاب، إلى جانب الإنتقال بالنصر من نصر محلي إلى نصر دولي، وذلك بتعزيز دور العراق في المنظمات والمحافل الدولية كفاعل دولي مهم.

الخاتمة:

من خلال ما سبق يمكن القول أن السياسة الخارجية العراقية تبقى مضطربة فقد عانت من عدم وضوح الرؤية والتوجه، ولعل الفاعلون في السياسة الداخلية ليسوا هم وحدهم السبب بذلك، بقدر ما ساهم المحيط الإقليمي واضطراباته، وسياسة المحاور الدولية في جعل السياسة العراقية تفتقر لرؤية واضحة ومتماسكة، مما يضعنا امام استنتاجات تتمثل :-

  • السياسة الخارجية العراقية لا زالت تعاني من خلل في البيئة الداخلية التي تعد عنصراً رئيساً لأي سياسة خارجية فعالة.
  • افرز التغير الجديد بعد عام 2003 عدم تبلور سياسة ثابتة ومحددة.
  • ان الأداء الدبلوماسي العراقي تؤثر فيه العديد من متغيرات البيئة الداخلية والإقليمية والدولية والأزمات التي واجهها العراق.
  • السلوك السياسي الخارجي العراقي تغلب عليه القرار الفردي، والسيطرة على المؤسسات صنع وتنفيذ السياسة الخارجية العراقية.

المصادر:

أولاً:- الدساتير.

  • الدستور العراقي لعام 2005.

ثانياً:- الكتب.

  • تمارا كاظم الاسدي وآخرون، تحديات الهيمنة: السياسة الخارجية الامريكية تجاه العراق ما بين (2003-2020)، دار امجد للنشر والتوزيع، عمان- الأردن، 2020.
  • تمارا كاظم الاسدي، وسالي سعد محمد، ثورة 25 أكتوبر دراسة لقضية وطن، دار اشور بانيبال، العراق، 2020.
  • د. أحمد نوري النعيمي، السياسة الخارجية، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بغداد- العراق،2009.
  • د. فاضل زكي محمد، السياسة الخارجية وأبعادها في السياسة الدولية، مطبعة شفيق، بغداد- العراق، 1975.
  • سليمان الدباغ وآخرون، الإستراتيجية الأمريكية في العراق والمنطقة، مطبعة البينة، ندوة بيروت- لبنان، 2008.
  • عبد الكريم العلوجي، إيران والعراق: صراع حدود أم وجود، الدار الثقافية للنشر، القاهرة- مصر، 2007.
  • مجموعة باحثين، السياسة الخارجية العراقية بعد عام 2014، المركز الديمقراطي العربي، برلين- المانيا، 2018.
  • محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، مركز البحوث والدراسات السياسية، جامعة القاهرة، مصر،1989.

ثانياً:- الدوريات والبحوث.

  • تمارا كاظم الاسدي، العلاقات العراقية الكويتية وافاقها المستقبلية، دراسة منشورة، المركز الديمقراطي العربي، برلين- المانيا، 2018.
  • د. خالد هاشم محمد، الاستراتيجية الامريكية تجاه العراق في ولاية أوباما الثانية ما بين الثابت والمتغير( 2013-2016)، دراسة بحثية منشورة، المركز الديمقراطي العربي، برلين- المانيا، 2019.
  • د. خلود محمد خميس، السياسة الخارجية العراقية تجاه المملكة العربية السعودية بعد عام 2003، مجلة دراسات دولية، مركز الدراسات الدولية، جامعة بغداد، العدد(44)، نيسان 2010.
  • د. صباح نعاس شنافة، إستراتيجية السياسة الخارجية العراقية لما بعد عام 2003، دراسات دولية، مركز الدراسات الدولية، جامعة بغداد، العدد(51)، كانون الثاني 2012.
  • د. كوثر عباس الربيعي، سياسة العراق الخارجية بين القيود والفرص، مجلة دراسات دولية، مركز الدراسات الدولية، جامعة بغداد، العدد(44)، نيسان 2010.
  • د.فاطمة حسين سلومي، الانتخابات البرلمانية العراقية 2003-2010، مجلة المستنصرية للدراسات العربية والدولية،كلية العلوم السياسية، الجامعة المستنصرية، العدد(40)، كانون الأول2012.
  • علي زياد العلي، مسالك السياسة الخارجية في دائرة التفاعلات الإقليمية، بحث منشور، مركز البيان للدراسات والتخطيط، بغداد- العراق، 2018.

        ثالثاً:- شبكة المعلومات الدولية(الانترنيت).

  • علي بشار اغوان، السياسة الخارجية العراقية بين النظرية والتطبيق دراسة حالة العلاقات العراقية- السعودية حتى عام 2014 وآفاقها المستقبلية، بحث منشور، 2017، على الموقع الالكتروني:

https://dergipark.org.tr/en/download/article-file/355600

  • ماريا فانتابيه، مستقبل سياسة العراق الخارجية يكمن في سورية، مقال منشور، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، الولايات المتحدة الامريكية، 21 آيار 2012، على الموقع الالكتروني: https://carnegie-mec.org/publications/48183

([1]) د. أحمد نوري النعيمي، السياسة الخارجية، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بغداد- العراق،2009، ص21.

([2]) محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، مركز البحوث والدراسات السياسية، جامعة القاهرة، مصر،1989،ص8.

([3]) د. فاضل زكي محمد، السياسة الخارجية وأبعادها في السياسة الدولية، مطبعة شفيق، بغداد- العراق، 1975، ص23.

([4]) محمد السيد سليم، مصدر سبق ذكره ،ص12-16.

([5]) د. صباح نعاس شنافة، إستراتيجية السياسة الخارجية العراقية لما بعد عام 2003، دراسات دولية، مركز الدراسات الدولية، جامعة بغداد، العدد(51)، كانون الثاني 2012، ص121.

([6]) علي بشار اغوان، السياسة الخارجية العراقية بين النظرية والتطبيق دراسة حالة العلاقات العراقية- السعودية حتى عام 2014 وآفاقها المستقبلية، بحث منشور، 2017، على الموقع الالكتروني:

https://dergipark.org.tr/en/download/article-file/355600

([7]) المصدر نفسه.

([8]) د.فاطمة حسين سلومي، الانتخابات البرلمانية العراقية 2003-2010، مجلة المستنصرية للدراسات العربية والدولية، كلية العلوم السياسية، الجامعة المستنصرية، العدد(40)، كانون الأول2012، ص131.

([9]) تمارا كاظم الاسدي وآخرون، تحديات الهيمنة: السياسة الخارجية الامريكية تجاه العراق ما بين (2003-2020)، دار امجد للنشر والتوزيع، عمان- الأردن، 2020، ص39-40.

([10]) د. كوثر عباس الربيعي، سياسة العراق الخارجية بين القيود والفرص، مجلة دراسات دولية، مركز الدراسات الدولية، جامعة بغداد، العدد(44)، نيسان 2010، ص6-14.

([11]) مجموعة باحثين، السياسة الخارجية العراقية بعد عام 2014، المركز الديمقراطي العربي، برلين- المانيا، 2018، ص 31.

([12]) عبد الكريم العلوجي، إيران والعراق: صراع حدود أم وجود، الدار الثقافية للنشر، القاهرة- مصر، 2007، ص132.

([13]) تمارا كاظم الاسدي، وسالي سعد محمد، ثورة 25 أكتوبر دراسة لقضية وطن، دار اشور بانيبال، العراق، 2020، ص83-85.

([14]) د. خلود محمد خميس، السياسة الخارجية العراقية تجاه المملكة العربية السعودية بعد عام 2003، مجلة دراسات دولية، مركز الدراسات الدولية، جامعة بغداد، العدد(44)، نيسان 2010، ص82-88.

([15]) تمارا كاظم الاسدي، العلاقات العراقية الكويتية وافاقها المستقبلية، دراسة منشورة، المركز الديمقراطي العربي، برلين- المانيا، 2018.

([16]) سليمان الدباغ وآخرون، الإستراتيجية الأمريكية في العراق والمنطقة، مطبعة البينة، ندوة بيروت- لبنان، 2008، ص171.

([17]) د. صباح نعاس شنافة، مصدر سبق ذكره، ص119- 120.

([18]) د. خالد هاشم محمد، الاستراتيجية الامريكية تجاه العراق في ولاية أوباما الثانية ما بين الثابت والمتغير( 2013-2016)، دراسة بحثية منشورة، المركز الديمقراطي العربي، برلين- المانيا، 2019.

([19]) د. خلود محمد خميس، مصدر سبق ذكره، ص91.

([20]) علي زياد العلي، مسالك السياسة الخارجية في دائرة التفاعلات الإقليمية، بحث منشور، مركز البيان للدراسات والتخطيط، بغداد- العراق، 2018، ص3.

([21]) ماريا فانتابيه، مستقبل سياسة العراق الخارجية يكمن في سورية، مقال منشور، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، الولايات المتحدة الامريكية، 21 آيار 2012، على الموقع الالكتروني: https://carnegie-mec.org/publications/48183

([22]) الدستور العراقي لعام 2005.

4.7/5 - (3 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى