مقالات

المشروع التمهيدي لتعديل الدستور الجزائري – قراءة تحليلية لحقوق الإنسان والأمن السياسي-

بقلم: أ. يوسف بوغرارة / باحث دكتوراه علوم سياسية وعلاقات دولية

  • المركز الديمقراطي العربي 

 

إن مشاركة الشعب الجزائري في الحراك الشعبي المبارك، ساهم في إكسابه قيم المشاركة السياسية إزاء المصلحة العامة؛ وتغذية ثقافته السياسية. إستنادا لما سبق، قد تبين أن الخارطة الإدراكية للمجتمع الجزائري كونت له صورة نمطية جديدة غيرت من مركزه؛ كفاعل رئيسي في صناعة القرار، ودوره في بناء الدولة وإضفاء طموحاته السياسية والإجتماعية على أرض الواقع.

جاء المشروع التمهيدي تعديل الدستور الجزائري 2020 في صيغته المعبرة عن  تبني مطالب شعبية؛ تجلت معالمها في إدراج الإرادة الشعبية المنبثقة عن الحراك المبارك فيفري 2019 ، والطموحات في التغيير العميق للتوجه نحو بناء الجمهورية الجديدة، حيث أن المؤسس الدستوري أدرج مجموعة من المواد الدستورية التي تبنت في مضمونها تحولا عميقا في بنية النظام السياسي وعلاقته بالبيئة الإجتماعية والنظم الفرعية الأخرى؛ نحو تجسيد مكانة النظام القانوني استنادا لمبدأ سمو القانون وتعزيز المساواة بين المواطنين أمام القانون. ويعتبر محور تعزيز السلطة القضائية واستقلاليتها الآلية المؤسساتية الأكثر ضمانا من منطلق أنها الركيزة الأساسية لتكريس دولة الحق والقانون. أما بالنسبة للنظام الإجتماعي، فقد أدرج المؤسس الدستوري مواد متعلقة بأخلقة الحياة العامة ومكافحة كل أنواع الفساد التي من شأنها المساس بالمصلحة العامة والإجتماعية؛ وفتح الطريق أمام المجتمع المدني كآلية فعالة للتطهير العمومي والرقابة. وفيما يتعلق بالنظام السياسي، قد تضمن مشروع الدستور حيزا معتبرا في تعزيز سلطة الرقابة البرلمانية؛ وذلك بتمكينها من ممارسة مهامها الكاملة بالإشارة لآليات فعالة تعزز سلطة المنتخبين لا سيما عمل المعارضة البرلمانية، وفي نفس السياق، أدرج المؤسس الدستوري آليات عملية لتنظيم السلطات وتعزيز مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها أهمها تحديد العهدات الرئاسية.

وبتصويب النظر إلى المبادرات المتعلقة بحقوق الإنسان، تضمن مشروع الدستور في الفصل المتعلق بالحقوق الأساسية والحريات العامة قفزة تاريخية من خلال توسيع وإثراء مجالات حرية المواطنين؛ بتكريس الحريات الفردية والجماعية، في مسايرة عولمة حقوق الإنسان وتبني قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان على أرض الواقع، وكذا الآليات المؤسساتية لتكريس الأمن الإنساني. وللإشارة، جاء نص المادة 34 من مشروع الدستور -في أربع فقرات- صريحا فيما بخص التكريس الدستوري لهذه الحقوق والحريات؛ من خلال إلزام جميع السلطات والمؤسسات العمومية بضمانها، بموجب الدستور والقوانين المنظمة لهذه الحقوق. وأكدت المادة 38 من نص المشروع على الحق في الحياة؛ كحق لصيق وهذا ما نصت عليه المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، والفقرة الأولى من المادة 6 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966. ويعتبر هذا الحق الأساس الذي تقوم عليه جميع حقوق الإنسان. وجاء في نص المادتين 39، 40 ما يتعلق بالحماية من التعذيب والمعاملات القاسية واللاإنسانية، وتوفير المساعدة القضائية، وجدير بالذكر، أن هذه المادة كرست الحقوق المستمدة من الكرامة المتأصلة للإنسان، والعمل باتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لسنة 1948، والمادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ونصت المادة 47 من المشروع على الحق في حماية الحياة الخاصة والمراسلات الشخصية والمعطيات ذات الطابع الشخصي، وهذا ما يتلاءم مع نص لمادة 17 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وأشارت المادتين 60، 61 على حقوق فئة الموقوفين قضائيا في مجال التحريات الجزائية للرقابة القضائية، وهذا ما نصت عليه إتفاقيات معاملة السجناء والقواعد النموذجية لمعاملة المساجين، وتعزيز مبدأ براءة المتهم حتى تثبت إدانته.

وبالتالي، تبرز إرادة المؤسس الدستوري في ترقية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، ومسايرة الإرادة الدولية في تعزيز قيم الكرامة الإنسانية، وعولمة الحقوق والحريات الأساسية كآلية فعالة لدمقرطة النظم السياسية.

مما سبق، في إطار ترجمة مطالب الحراك الشعبي المبارك، بادر المؤسس الدستوري بإدراج مقترحات جميع الفواعل، والفئات والشرائح السياسية والإجتماعية والإقتصادية والأكاديمية والثقافية؛ لبناء جمهورية جديدة قائمة على دولة الحق والقانون، ومبدأ تكافؤ الفرص.

من هذا المنطلق، تشهد الجزائر محطة حاسمة وجوهرية في تاريخ دمقرطة النظام السياسي، و الجدير بالإشارة في هذا السياق؛ أن المشاركة السياسية للإستفتاء على مشروع الدستور بتاريخ 01/11/2020، تعتبر الحلقة الرابطة بين الحراك الشعبي المبارك وتحقيق المطالب نحور التحولات السياسية والإجتماعية والإقتصادية العميقة. حيث أن الشعب الجزائري العظيم أدرك مدى أهمية تفعيل إرادته عبر أطر سلمية وآليات تشاركية كرسها الدستور.

إن مشاركة الشعب الجزائري في الحراك الشعبي المبارك، ساهم في إكسابه قيم المشاركة السياسية إزاء المصلحة العامة؛ وتغذية ثقافته السياسية. إستنادا لما سبق، قد تبين أن الخارطة الإدراكية للمجتمع الجزائري كونت له صورة نمطية جديدة غيرت من مركزه؛ كفاعل رئيسي في صناعة القرار، ودوره في بناء الدولة وإضفاء طموحاته السياسية والإجتماعية على أرض الواقع.

الكلمات المفتاحية: مشروع تعديل الدستور، الجزائر، الحراك الشعبي، حقوق الإنسان، الحقوق الأساسية والحريات العامة. الإستفتاء الدستوري.

المراجع:

– مشروع تعديل الدستور الجزائري، 2020.

– القانون الدولي لحقوق الإنسان.

– الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

– العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

– اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

– رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، محاور التعديل الدستوري.

– محمد سنوسي، الديمقراطية التشاركية وواقع الحكومة المحلية في الجزائر، المركز الديمقراطي العربي,

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى