طوفان الأقصى وتحولات جذرية في خارطة الشرق الأوسط
بقلم : الدكتور هاني الحديثي – المركز الديمقراطي العربي -ألمانيا – برلين
منذ اندلاع طوفان الأقصى في السابع من اكتوبر 2023 م في غزة ، والوطن العربي وبخاصة مشرقه يشهد تحولات نوعية لتتكامل بشكل متوازي من حيث التداعيات مع التحولات النوعية والجذرية التي شهدتها بلدان المشرق العربي خاصة والعالم العربي عامة اثر الغزو العراقي للكويت مطلع اب /أوغست 1990م في قرار غير مدروس شأنه شأن قرار حماس في طوفان الأقصى وما ترتب عليه من حرب عالمية على العراق تحت إطار (الشرعية الدولية ) دمرت قدرات العراق وأنهت دوره الاقليمي تمهيدا لاحتلاله لاحقا عام 2003 م لتبدأ عمليات التسويات السياسية مع اسرائيل على غرار اتفاق عربة مع الأردن 1994 م و اتفاقية أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية 1993 م وانفتاح العالم العربي نحو التطبيع مع اسرائيل والذي لم يكن ليحصل لولا تلك المنعطفات الخطيرة في تاريخ الامة المعاصر .
ماحصل بعد تدمير العراق اثر احتلال الكويت يحصل شبيهه في الوطن العربي ومشرقه بخاصة ضمن التداعيات الخطيرة لطوفان الأقصى ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصر: –
في لبنان توافق مؤخرا حزب الله مع الحكومة اللبنانية في تشكيل وفد لبناني من المدنيين للحوار مع اسرائيل كبداية للتطبيع بين البلدين لتبدأ نهاية شعارات المقاومة و الممانعة التي لم تجلب على لبنان وسوريا ومحيطها العربي إلا الدمار والتهجير والنزوح لصالح اسرائيل .
– في غزة أذعنت حركة حماس لمطلب ادارة ترامب بنزع سلاحها و لمطلب وحدة الفصائل الفلسطينية بعد ان تسببت بانشقاقاتها منذ عام 2006 إلى جانب إذعانها للمطالب الدولية بعدم المشاركة في حكم غزة مستقبلا بعد ان يتم تنفيذ مواد مشروع ترامب للسلام ولصالح الامن القومي الإسرائيلي .
– في العراق بدأت عمليات التنسيق مع ادارة ترامب لتجنيب الفصائل المسلحة ضربات عسكرية من خلال سياسات توافقية يتم خلالها دخول الشركات الأمريكية للاستثمار في العراق ضمن سياسات الصفقات الاقتصادية لإدارة ترامب بعد ان ظل ذلك يبدو محرما من قبل تلك الفصائل التي ظلت تحث الخطى لتجيير الاقتصاد العراقي بالكامل لصالح ايران ليشكل هذا المنهج استراتيجية تنقذ الاقتصاد الإيراني من الانهيار تحت وقع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها ، فضلا عن مستقبل مجهول يعيشه البلد في جميع مجالات الامن فضلا عن احتمالات خطيرة بخسارة منفذه البحري عبر المساومات والصفقات التي باتت واضحة مع الجانب الكويتي في موضوع خور عبدالله .
لكن الواضح حتى الان ان ادارة ترامب تستخدم مطرقة تهديد الفصائل المسلحة لغرض فرض اجندتها الاقتصادية داخل العراق لتكون هي المتحكم مستقبلا بحركة الاستثمارات الاقتصادية داخل العراق لتقطع الطريق على تطلعات الصين في توظيف الموقع الجيوأقتصادي للعراق ضمن مشروعها الاستراتيجي نحو العالم ،وحينها لن تجد مشكلة في استمرار هيمنة الملشيات والفصائل الولائية على المشهد السياسي العراقي وهي (الفصائل) لن تعارض ذلك ولا ترغب بأكثر منه بعد ان غرقت واغرقت العراق في مستنقع الفساد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والذي لايبدو الخلاص منه ممكنا دون التحول الى نظام الأقاليم الاتحادية كحل جدي لمشكلة التعارض العقائدي للمجتمعات العراقية المعارضة للهيمنة الطائفية التي تفرضها تلك الفصائل على كامل التراب العراقي طالما استمرّت الفصائل بالهيمنة على المشهد العراقي عبر وسائل عديدة من بينها شراء ذمم العدد الأكبر ممن يطلقون على انفسهم رموز المكون الاخر .
– وفي اليمن تشهد الساحة هدوءا نسبيا بعد سلسلة الضربات المدمرة للحوثيين يتم خلالها السعي لنزع فتيل النار من يد الحوثيين وتامين الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب ، وتسليم قيادة اليمن السياسية مستقبلا الفرصة لتنخرط بالسلام الشرق أوسطي عبر التطبيع اللاحق مع اسرائيل وهو امر مرتبط بمستقبل المفاوضات النووية بين ايران و الولايات المتحدة حيث تستخدم ايران الحوثيين كما هو الحال لحزب الله والفصائل في العراق وفلسطين أدوات ضغط لصالحها في تلك المفاوضات المعقدة التي لا يبدو انها ستنتهي بدون توافق أمريكي-إيراني وبتخادم مع اسرائيل في تقاسم مناطق النفوذ الاقليمي .
– سوريا تعالج جراحات نظامها السابق لتنفتح بالكامل على الشركات الأمريكية والغربية بالتنسيق والتكامل مع المملكة السعودية وقطر وبلدان الخليج العربي بعد ان غادرت دورها السابق المثير للتوترات والذي وضفته ايران لصالحها قسريا قبل ان تنكسر شوكتها في سوريا لصالح امريكا وتركيا . بعبارة اخرى فان الشرق الأوسط وتحديدا مشرق الوطن العربي يشهد متغيرات جدية البقاء فيها للأقوى في القدرات الاقتصادية والعسكرية تتحمل شبكة من التخادم الاقليمي لنودع بذلك حقبة عقود طويلة من الشعارات والايديولوجيات القومية والثورية التي لم تجلب إلا البلاء على عموم الوطن العربي . في ضوء ذلك فأن الشرق الأوسط الجديد بخارطته الجديدة قادم لامحالة ضمن المتغيرات الاقليمية والدولية حيث التنافس بين القوى الاقتصادية العالمية والإقليمية ، حينها سيكون تقاسم مناطق النفوذ بين القوى الاقليمية امرا واقعا ربما لن يجد العالم العربي المشرقي خاصة فرصته فيها إلا عبر مشاريع اقليمية تقودها أنظمة تطرح نفسها الان بقوة ضمن شبكة التخادم المشترك للمصالح الاقتصادية الدولية .
تاسيسا على ماتقدم فان الجناح الاخر من العالم العربي حيث بلدان المغرب العربي وجنوبه عليه ان يعمل لتفادي التداعيات المؤكدة عليه من خلال نظام إقليمي يتجاوز النزاعات القطرية الضيقة قبل ان يشمله طوفان التقسيم السوداني .



