الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

نزيف مستمر: العقوبات الأمريكية ومستقبل الاقتصاد الإيراني

اعداد الباحثة : آية حمادة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، جامعة القاهرة – مصر

  • المركز الديمقراطي العربي

 

يعاني الاقتصاد الإيراني في الفترة الأخيرة من ضعف وتراجع كبير بعدما كان بدأ في التعافي، وذلك نتيجة عودة العقوبات الأمريكية التى كانت توقفت بعد توقيع الاتفاق النووي في عام 2015، حيث إنه مع تولي الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” ذمام السلطة قام بالانسحاب من الاتفاق في مايو 2018، ومن حينها واجهت طهران عقوبات، توصف بأنها الأشد على الإطلاق، على قطاعات الطاقة والنقل البحري والمال، وكل القطاعات الأساسية في الاقتصاد، وتمنع العقوبات الشركات الأمريكية من التعامل مع إيران، وكذلك التعامل مع الشركات الأجنبية العاملة في إيران. حددت الولايات المتحدة 12 طلبًا على طهران الاستجابة لها من أجل رفع العقوبات، من بينها إنهاء دعم الإرهاب، وإنهاء التدخل العسكري في سوريا، ووقف تطوير الصورايخ النووية والباليستية بشكل كامل، ولكن إيران اعتبرت ذلك سعيًا من واشنطن لتغيير نظام الحكم فيها، ورفضت أي تفاوض معها إلا بعد رفع هذه العقوبات، وبدأت في انتهاك الاتفاق النووي منذ مايو 2019، ردًا على خروج الولايات المتحدة منه وشروعها في فرض عقوبات اقتصادية قاسية عليها.

أولا: العقوبات الأمريكية وأثرها على الاقتصاد الإيراني:

 بعد تاريخ حافل من العقوبات الأمريكية على طهران أدي الاتفاق النووي إلى إزالة هذه العقوبات وعاود الاقتصاد الإيراني النمو، وارتفع الناتج المحلي الإجمالى بحوالي 12.3 في المائة عقب الاتفاق، وتحركت الشراكات العالمية تجاه إيران، وبدأت في تنفيذ بعض المشروعات بها في مجالات الطاقة والنفط، ما أدى لإعادة الانتعاش إلى اقتصاد طهران، ولكن بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق وعودة العقوبات، بدأت الشركات في الانسحاب، وعانى الاقتصاد الإيراني على مدى السنوات الأخيرة داخليًا وخارجيًا، حيث أثرت العقوبات على تجارته الخارجية مع الدول الأخري، كما عانى الشعب الإيراني معاناة كبيرة، ومن هذه الآثار:

  1. تصفير النفط الإيراني: سعت الولايات المتحدة لاستخدام العقوبات كأداة لتصفير النفط الإيراني، حيث منعت الدول من الحصول علي النفط الإيراني حتي لاتتعرض للعقوبات وتعتبرها دولة داعمة للإرهاب، فيما عدا الصين، والهند، واليابان، وكوريا الجنوبية، وتايوان، وتركيا، واليونان، وإيطاليا، ولكن شريطة أن تقوم هذه الدول بتقليل اعتمادها على مشتريات النفط الإيراني، وبالفعل قامت تايوان، وإيطاليا بوقف شراء النفط الإيراني، وخفضت أكبر دولتين مشتريتين، وهما الصين، والهند الكميات التىي تستوردها بنسبة 39، و47 في المائة على التوالي، مما أدي لخسارة الحكومة الإيرانية أكثر من 10 مليارات دولار من الدخل نتيجة لذلك، وفي مايو 2019 قامت واشنطن بإلغاء الاستثناءات لتمنع إيران من تصدير أى نفط.

نتيجة لذلك، تكاد تكون صادرات النفط الإيرانية وصلت إلى الصفر حيث وصلت إلى أقل من 200 ألف برميل يوميًا مقابل صادرات بلغت 2.5 مليون برميل يوميًا قبل إعادة فرض العقوبات الأمريكية العام الماضي.

  1. تدهور سعر الصرف: عانى سوق الصرف من مشاكل عدة بعد فرض العقوبات، وانهارت العملة المحلية، حيث فقد سعر الصرف 60 في المائة من قيمته مقابل الدولار الأمريكي، ووصل سعره في السوق إلى 115 ألفًا للدولار في أكتوبر 2019، ويبلغ سعر الصرف الرسمي 42 ألف ريال إيراني للدولار، ولكن لا تستخدمه طهران إلا في أضيق الحدود.

ويرجع انهيار قيمة الريال الإيراني إلى المشاكل التي يواجهها الاقتصاد الإيراني، والطلب الكبير على العملة الأجنبية من قبل الإيرانيين العاديين نتيجة عدم ثقتهم في عملتهم التي انهارت أمام الدولار الأمريكي، وأدي تدهور سعر صرف الريال إلى شح في السلع والمنتجات المستوردة، والتى تعتمد على مواد أولية تستورد من الخارج، ومنها بعض السلع الأساسية.

– خطة حذف الأصفار واستبدال العملة: بعدما فشلت السياسة النقدية في إعادة العملة إلى وضعها، تتبني الحكومة الإيرانية خطة لاستبدال “التومان” بـ”الريال” مع حذف أربعة أصفار منها، ومن شأن تطبيق هذا الإجراء أن يساعد طهران في تعزيز الثقة المحلية والدولية بالعملة، وتسهيل حسابات المعاملات المالية، والتجارية للأفراد والشركات، بجانب خفض تكلفة طباعة الأوراق النقدية.

يعتبر استبدال العملة الجديدة بالريال عملية معقدة وقد تستغرق وقتًا طويلًا، حيث سيتم سحب الأوراق النقدية القديمة، وطباعة أوراق مالية جديدة، وهو ما قد يستغرق نحو عامين، بحسب البنك المركزي الإيراني، مما يعني أن الأوضاع الحالية لسوق الصرف ستظل كما هى لفترة طويلة، لذا الاتجاه نحو تصفير قيمة العملة يبدو محدود الفعالية في مواجهة تدهور سعر الصرف، ما لم تتخذ طهران مزيدًا من الإجراءات التي يمكن أن تسهم في علاج التشوهات الحالية لسوق الصرف.

  1. ارتفاع معدلات التضخم: كنتيجة طبيعية لتدهور سعر صرف العملة المحلية، تعاني طهران من ارتفاع كبير في معدلات التضخم، فارتفعت أسعار السلع بشكل كبير، ومنها سلع أساسية، ووصل معدل التضخم إلى أكثر من 42% في اكتوبر 2019، مما أثر بشكل كبير على الشعب الإيراني.

ختامًا، أثرت العقوبات الأمريكية على جميع القطاعات في طهران، حيث بلغ الهبوط في قطاع النفط 14%، وتراجع قطاع التصنيع بنسبة 6.5%، وتراجع قطاع الإنشاءات بنسبة 4.5%، أما قطاع الزراعة الذي يشكل نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي فتراجع بنسبة 1.5%، فيما لم يتغير معدل النمو في قطاع الخدمات الذي يشكل نحو 55% من الناتج المحلي الإجمالي من دون القطاع النفطي.

وخفض صندوق النقد الدولي ، في اكتوبر 2019، توقعاته للنمو في إيران على خلفية العقوبات الأمريكية، متوقعًا أن ينكمش اقتصادها في 2019 بنسبة 9.5% بعدما كان توقع في إبريل انكماشًا بنسبة 6%، كما أشار إلى أن الاقتصاد الإيراني سيختم السنة المالية 2019-2020 بحجم يصغر 90% عما كان عليه قبل عامين، أي قبل فرض العقوبات الأمريكية، ويعتبر هذا التقدير هو الأسوء لطهران منذ عام 1984، حين كانت إيران وقتها في حرب مع العراق.

ثانيا: أثر العقوبات الأمريكية على الشعب الإيراني:

 تأثر الشعب الإيراني كثيرًا بتدهور اقتصاد بدلادهم، فهناك العديد من السلع المستوردة أصبح من الصعب الحصول عليها نتيجة للعقوبات، كما عاني الشعب من الارتفاع الكبير للأسعار، حيث سجلت المأكولات تضخمًا بنحو 62%، والتبغ 80%، والملابس والأحذية أعلى من 51%، والأجهزة المنزلية 70%، وكانت أسعار مجموعة السلع غير الغذائية والخدمات حوالي 34%، حسب تقييم مركز الإحصاء الإيراني في اكتوبر 2019، مما أدي لارتفاع تكلفة المعيشة بشكل كبير، حيث ذكر مركز الإحصاء الإيراني أن ربع دخل الأسرة الإيرانية بات يُنقق على المواد الغذائية والمشروبات نتيجة ارتفاع الأسعار، إذ ارتفعت أسعار الفواكه والخضروات واللحوم أعلى من غيرها من السلع، حيث ارتفع سعر اللحوم بنسبة 95%.

وفي قرار مفاجئ، أعلنت الحكومة الإيرانية في اكتوبر 2019 قطع الإعانات النقدية عن 400 ألف شخص، كانت تدفع تعويضًا عن تضاعف الأسعار المستمر في السلع الغذائية نتيجة العقوبات الاقتصادية، وتنوي طهران الاستمرار في قطع الإعانات، فسوف يبلغ عدد الأشخاص الذين يتم قطع الإعانات عنهم إلى حوالي 24 مليون إيراني (من 80 مليونًا إجمالي عدد السكان) بحلول مارس 2020، مما سيشكل المزيد من الضغط على الشعب، ومزيد من التدهور في الوضع المعيشي لهم.

أثرت العقوبات أيضًا على صحة الإيرانيين، حيث حملت مصارف وشركات دولية على وقف المعاملات التجارية المرتبطة بالمجال الإنساني في إيران ما لا يفسح المجال أمام إيرانيين أُصيبوا بأمراض نادرة أو مستعصية بالحصول على أدوية أو العلاج الذي يحتاجون إليه.

تنتج طهران 96 في المائة من الأدوية التي يستهلكها شعبها، لكنها تستورد أكثر من نصف المواد الأولية التي تدخل في تركيبها، وعلى إيران أيضًا أن تشتري من الخارج الأدوية اللازمة للأشخاص المصابين بأمراض نادرة، وتؤكد السلطات الأمريكية أن تصدير مواد غذائية، وأدوية، ومنتجات آخري تعتبر إنسانية غير محظورة، لكن معظم الشركات تمتنع من التعامل مع طهران خشيًة من تعرضها لتدابير رد تعرضها لعقوبات.

ثالثا- مستقبل الاقتصاد الإيراني:

من المتوقع أن يعاني الاقتصاد الإيراني مزيد من التدهور إذا لم تمثل طهران للمفاوضات مع واشنطن، فقطاع النفط أوشك على الانهيار، كما ستزداد معدلات التضخم بنسب أكبر، والتجارة الخارجية بالأساس تعاني، وستشهد مزيد من المعاناة، فالولايات المتحدة مستمرة في العقوبات، وفي المقابل تستمر طهران في الضغط عليها من خلال خفض التزاماتها بالاتفاق النووي، حيث أعلنت حتي الآن عن أربعة خطوات للتقليص، فهي تقوم بزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم، آخرها إلى 4.5 في المائة ما يفوق الحد المقرر في الاتفاق وهو 3.67 في المائة مما يقوض فرصة دفاع الأطراف الآخري في الاتفاق عنها، لذا إذا استمرت طهران في ذلك، ستستمر الولايات المتحدة في فرض العقوبات، خاصًة بعدما أدت إلى تهاوي أذرع إيران العسكرية في العراق، ولبنان، وسوريا، حيث تم قطع الرواتب عما يسمي باللواء 110 شمال شرق ديالي، الذي يسيطر على قطاع مهم وحيوي حتي الحدود الإيرانية، وهو طريق الزوار الإيرانيين إلى العراق، فضلًا عن استنجاد زعيم حزب الله “حسن نصر الله” بما يسمي هيئة دعم المقامة لمواجهة العقوبات، وبالتالي لا حل أمام إيران سوي التنازل والمثول أمام الولايات المتحدة للتفاوض، حتي تحمي اقتصادها من مزيد من الانهيار، كذلك تحمي شعبها من المعاناة التي يواجهها.

2/5 - (4 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى