الشرق الأوسطعاجل

الرسوم الجمركية على ورادات الصين والهند بداية الازمة الاقتصادية الامريكية

اعداد : د. رامى عاشور – زميل كلية الدفاع الوطنى، أكاديمية ناصر للعلوم العسكرية

تحرير : محمد ثابت حسنين – باحث فى العلوم السياسية – المركز الديمقراطى العربى

  • المركز الديمقراطي العربي

 

” حماقة الرؤساء السابقين هى ما ادت الى ما نحن فيه الآن من هذا الكم من العجز التجارى ” هكذا كانت تصريحات ترامب فى منذ أيام قليلة بعد قرار الولايات المتحدة الأمريكية فرض رسوم جمركية على العديد من واردات دول العالم – بشكل عام – و واردات الصين والهند – بصفة خاصة – وهو ما يؤكد على السياسة الاقتصادية التى يسير عليها ترامب من تعزيز تنافسية القطاع الخاص وتخفيض النفقات الحكومية، وعليه فكان ملجأ كل من الصين والهند لدى منظمة التجارة العالمية التى موكول إليها تحقيق أهداف الجات والمبادئ التى تقوم عليها الإتفاقية العامة للتعريفات والتجارة، والعمل على تحقيق أهداف أخرى تدور حول الهدف الرئيسي وهو تحرير التجارة الدولية لدعم فعالية النظام التجارى الدولى، و وفقاً لجولة أورجواى تم الإتفاق على تسوية المنازعات التى قد تنشأ بين الدول الأعضاء، وقد لجأت كل من الصين والهند إلى تلك الأداة التى أوصت بها منظمة التجارة العالمية، ألا وهى المفاوضات، من أجل التوصل إلى إتفاق مع الجانب الأمريكى، بيد أن تمسك الرئيس الأمريكى ” ترامب ” لقراراته بدد أى فرصة ممكنة للتوصل إلى إتفاق للنزاع التجارى، وبالتالى فشلت فرص التسوية عن طريق المفاوضات، و من جانبها هددت الصين بإتخاذ العديد من القرارات التى تضر بالمصالح الإقتصادية، ولكن الأمر لم يتعدى مرحلة التهديد، و هو ما دفع الجانب الأمريكى إلى المضي قدماً فى طريقه نحو تنفيذ حزمة القرارات التى يراها من جانبه تحقق مصالحه؛ وبالفعل تم فرض رسوم استيراد قدرت بنسبة 25% على جميع البضائع الواردة من الصين، و 20% على السلع القادمة من الهند، وبات الأمر ينذر بإندلاع حرب تجارية تلوح فى الأفق؛ لن يحمد عقباه إن نشبت.

  وجاء الرد الصيني على تلك القرارات فى صورة تهديد تمثل فى إعلانها الإستعداد لفرض رسوم على السلع الأمريكية بقيمة 60 مليار دولار، وقد تمثل الأمر من جانبها فى الإعلان والتهديد فحسب، دون الإقدام على إتخاذ قرارات تنفيذية. بينما الموقف الهندى لم يحزو حزو الموقف الصينى؛ بل جاء أكثر جرأة وجدية، فلقد أعلنت – بشكل رسمي – فرض رسوم جمركية على معظم المنتجات الأمريكية، ومن بينها سلعة ( اللوز )، وتعد الهند أكبر مستورد لتلك السلعة، وفى محاولة من الهند للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية ، و إظهار مبدأ الدولة الآولى بالرعاية ( المعاملة بالمثل)، قامت بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على سلعة ( اللوز ) فقط ؛ وذلك يمثل صفعة قوية للاقتصاد الأمريكى، خاصةً وأن حجم التبادل التجارى بين الولايات المتحدة والهند عام 2017 بلغ 115 مليار دولار، وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا القرار لم يكن وليد اللحظة، فلقد تم الإتفاق من قبل بين كل من الهند والصين والإتحاد الأوروبى على فرض ذات النسبة سالفة الذكر على جميع المنتجات الأمريكية؛ ولكن لم يتم تنفيذ الإتفاق من جانب المتفقين. هل أكتفت الهند بذلك ؟!!! … كلا، ذهبت بقوتها التنافسية الوليدة وفقاً لمعطيات قدراتها المتحققة إلى أبعد من ذلك؛ فلقد قامت بفرض رسوم جمركية بنسبة 120% على باقى المنتجات الأمريكية، والمحلل للموقف الهندى يجد أن الأمر يشبه البركان النشط، بل يعد بركاناً فى مرحلة الإنفجار وإخراج براثنه؛ و وصفت وكالات الأنباء العالمية تلك القرارات بأنها أقوى خطوة حتى الآن ضد الولايات المتحدة الأمريكية.

    إن المتابع والمحلل للموقف، يرى أن المعضلة الخطيرة فى الأزمة تمثلت فى الموقف الصيني بعد إعلان الهند عن موقفها صراحةً وشروعها فى تنفيذ قرارات أصدرتها تراها وفقاً لمصالحها حقاً أصيلاً؛ فلن تتابع الصين الموقف عن كثب كما بدأت، ومحاولة الظهور بمظهر العقلانى فى إدارة الموقف، ولكن فى اعتقاد كاتب السطور، فإنه لا مناص من الإنخراط فى الأزمة والدفاع عن مصالحها، ومن ثم فإنها – إلى حد كبير – سوف تحذو حذو الهند وتنضم إلى الهند فى حربها ضد الولايات المتحدة، بل إن الأوراق التى تمتلكها الصين فى جعبتها كثيرة؛ فعلى سبيل المثال – وليس الحصر – الصين هى أكبر مستثمر فى أذون الخزانة الأمريكية؛ قدرت حجم استثمارتها وفقاً لإحصائيات عام 2008 بمبلغ قدر بنحو 1.244 تريليون دولار. إن كشفت الأيام القادمة عن حدوث ذلك السيناريو، فإن روسيا بالضرورة سوف تنضم إلى المعسكر الصينى-الهندى؛ للتقليل من أثر العقوبات الاقتصادية الموقعة عليها من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، وبذلك يتشكل أكبر تحالف اقتصادى يضم كل من الهند والصين و روسيا، والدافع الأكبر الذى يعزز ذلك الرأى هو إرتباط تلك الدول بعلاقات ومصالح إقتصادية شديدة؛ ناهيك عن الإعتبارات السياسية والتى تتمثل فى رغبة تلك الدول فى مواجهة التواجد الأمريكى فى قارة آسيا، أيضاً إن تواجد تلك الدول – الصين والهند و روسيا – بالإضافة إلى البرازيل داخل منظمة البريكس يدفع تلك الأطراف إلى التحالف فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية .

   نخلص من العرض السابق إلى نتيجة مفادها، أن المعسكر السالف الذكر، إن تحقق السيناريو المتوقع؛ فإنها تستطيع عزل الولايات المتحدة الأمريكية اقتصادياً، وهو ما يؤدى بالتبعية إلى انهيار مجحف للدولار ولسعر الذهب عالمياً، فضلاً عن الأضرار التى سوف تؤدى بالضرورة إلى إنهيار اقتصاد معظم الدول النامية المعتمدة على المعونات والمساعدات العسكرية الأمريكية. لذا ينبغى العودة إلى مظلة منظمة التجارة العالمية للقيام بالمهام التالية:

  • الإشراف على الوصول إلى مجموعة من الاتفاقات متعددة الأطراف، المنظمة للعلاقات التجارية بين تلك الدول.
  • تنظيم المفاوضات المستقبلية بين تلك الدول حول موضوعات قواعد السلوك التجارى الدولى التى سوف يتم الاتفاق عليها.
  • ضرورة اللجوء إلى تسوية المنازعات التى قد تنشأ بين هذه الدول حول تنفيذها لالتزاماتها، وفقاً للتفاهم الذى تم التوصل إليه فى هذا الشأن.
  • طرح السياسات التجارية لتلك الدول وفق الآلية المتفق عليها بما يضمن توافق هذه السياسات مع القواعد والأسس الواردة فى مواد الاتفاقات.
  • دعوة ” ترامب ” الى المرونة فى التعامل مع الملفات ذات الشأن المعقد.

وفى الختام، يمكن القول أن الجانب السياسى فى الأمر يتعلق بعملية تشكيل النظام الدولى الجديد، وبروز نسق مختلف عن سابقه الآحادى القطبية؛ الذى تزعمته الولايات المتحدة الأمريكية لما يقرب من العقدين، ومن ثم صعود قوى عظمى أخرى قد تشكل نسق تعددى، ولكن من حيث النطاق الجغرافى فقد يتسم بالعالمية.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى