احدث الاخبار

حول حدود التدخلات الإيرانية في العراق

اعداد : نجاح عبدالله سليمان – كاتبة لدى الحياة اللندنية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

بداية فنحن أمام حالة جدلية، أصبحت مع مرور الوقت أحد عناوين الأزمة السياسية في العراق، بل قد ترقى لسبب الفوضى في البلاد، إنها الميليشيات التي استخدمت قوة الأمر الواقع وانتشارها ميدانياً في مساومة الحكومة العراقية من أجل زيادة المخصصات المالية لها. إنها ميليشيات الحشد التي أجبرت من خلال القوى السياسية التي ترعاها البرلمان على زيادة التمويل لنحو 2.6 مليار دولار تشكل 3.6% من إجمالي النفقات الحكومية في ميزانية 2016، حيث كانت تبلغ حوالي مليار دولار تقريباً في عام 2015. وبالرغم من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يعيشها العراق، استقطعت الحكومة 3 بالمائة من إجمالي الرواتب الحكومية بموازنة 2016، وأعادت نقل 60 بالمائة منها إلى هيئة الحشد الشعبي، وفقاً للمركز الاستراتيجي للدراسات الاستراتيجية في القاهرة.

كانت البداية بعد انهيار القوات العراقية في الموصل والأنبار، حيث صدرت الأوامر من المرجعية العليا لتكوين قوات شعبية لحماية العاصمة، على أن تتمتع تلك الميليشيات بالدعم من القطاع الخاص، فضلاً عن الدعم المقدم من طهران. هنا جاءت بداية الطائفية والفوضى السياسية، حيث أن هذه الميليشيات تمثل لوناً طائفياً واحداً وتتبع أحزاب موالية لإيران، وهو ما يجعلها ميليشيات عقائدية وسياسية وليست “وطنية” مثل مؤسسة الجيش. ويعني ذلك أن التمويل الحكومي للميليشيات لا تمثل الأطياف السياسية والاجتماعية كافة، ويعمق المشاكل السياسية أكثر.

لقد توسع الحشد من المتطوعين الذين استجابوا لفتوى الجهاد الكفائي وهم بغالبهم من الشيعة.

لقد قام المرجع الشيعي علي السيستاني، كونه له دور في تأسيس الحشد الشعبي عن طريق فتواه بالجهاد الكفائي، بإصدار توجيهات دينية تنظم علاقة وتعامل الحشد الشعبي مع أهالي المناطق المحررة، وتتضمن التوجيهات 20 نقطة. وطرح قانون هيأة الحشد الشعبي للتصويت عليه بمجلس النواب وأقر القانون بأغلبية الأصوات، وصادق عليه رئيس جمهورية العراق استناداً إلى أحكام البند (أولاً) من المادة (61)، والبند (ثالثاً) من المادة (73)، من الدستور.

الواقع أن الحكومة العراقية جهزت الحشد الشعبي بأسلحة أمريكية الصنع. ومما تجدر الإشارة له أن الأسلحة العسكرية وبكافة أنواعها منتشرة في العراق، خصوصاً بعد الغزو الأمريكيّ، وما عقبه من انفلات أمني، والأسلحة من مناشئ متعددة، منها الإتحاد السوفييتي السابق، وروسيا، وفرنسا، وبريطانيا، ويوغسلافيا السابقة، وصربيا، وبولندا، والولايات المتحدة الأمريكية.

المجموعات الأقوى في الحشد هي تلك التي تحافظ على علاقات وثيقة ومتينة مع طهران وتدين بالولاء الروحي للمرشد الأعلى الإيراني علي الخامنئي. وهي، تبعاً لذلك، حظيت برعاية إيران بكونها حليفاً سياسياً وعسكرياً يُعتد به، وتلقّت تمويلاً أكبر وامدادات أوفر من طهران قياساً بالمجموعات الأخرى في الحشد. وتضم المجموعة المؤيدة للخامنئي عدداً من التشكيلات شبه العسكرية الصغيرة نسبياً التي أسستها إيران، والتي تعمل لصالحها. ويفاخر قادة هذه التشكيلات علناً بهذا الانتماء، ويعلنون ولاءهم الديني لآية الله الخامنئي ولمبدأ ولاية الفقيه، بدلاً من اعتبار آية الله العظمى السيستاني في النجف مرجعيتهم. وتشمل هذه المجموعة على سبيل المثال سرايا الخراساني، وكتائب حزب الله، وكتائب أبو الفضل العباس، وغيرها. والواقع أن هذه المجموعات هي أذرع لوحدات الحرس الثوري الإيراني ولجهاز المخابرات الإيراني “إطلاعات”.

يفيد هذا الجناح في ترقية المصالح الإيرانية في سورية وأيضاً في حماية المناطق الحدودية الإيرانية، كما يسعى إلى توفير جسر لإيران كي تمدّد نفوذها في بلاد المشرق. ويتحدر أفراد هذا الجناح من مناطق عربية نائية تمتد من البصرة في الجنوب إلى ديالى في الشمال، وهو يخدم كنوع من حرس الحدود، أي كبوليصة تأمين إيرانية ضد التهديدات المُنبعثة من الحدود المجاورة.

بيد أن العناصر الأشهر في هذا الجناح المؤيد للخامنئي تتكوّن من الأجنحة اليمينية المُتشددة العراقية التي أضحت من اللاعبين السياسيين. كل الموارد العسكرية لهذه الجماعات- بما في ذلك السلاح الثقيل والطائرات من دون طيار والمستشارين العسكريين- تتدفق من طهران، فيما التمويل والشرعية السياسية يأتيان من بغداد.

ما حدث سابقاً هو أن نجح المالكي، من خلال إيران، في إقناع هذه المجموعات بأن تصبح لاعباً سياسياً والانضمام إلى إئتلاف دولة القانون في الانتخابات البرلمانية العام 2014. وعلى رغم أن هذه الميليشيات شُكِّلت أساساً كتشكيلات عسكرية، إلا أنها تحوّلت إلى أحزاب سياسية مكتملة النمو بتوجيه من المالكي.

سبق أن انشقّ هادي العامري وفيلق بدر، الذي كان الذراع العسكري للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي منذ تأسيسه في الثمانينيات، عن المجلس الأعلى بزعامة عمار الحكيم وأصبح كياناً سياسياً مُستقلاً في العام 2012. وتعود الأسباب الرئيسة لهذا الانشقاق لنزاعاً إيديولوجياً مع المجلس الأعلى الذي تحوّل من الخامنئي إلى السيستاني العام 2007، إضافةً إلى تنافس داخلي على السلطة بين الحكيم وبين العامري الذي طوّر على نحو مطرد طموحاته السياسية. كذلك سبق وقررت منظمة بدر، بإيعاز وإغراء من المالكي، الانشقاق عن المجلس الأعلى الإسلامي العراقي.

في 2014، خاضت بدر المعركة الانتخابية تحت لواء إئتلاف حكم القانون وحصدت 22 مقعداً برلمانياً (من أصل 328). وبالمثل، تم تشجيع عصائب أهل الحق على الانشقاق عن جيش المهدي الصدري وانتهجت في نهاية المطاف توجهات سياسية خاصة بها. وقد خرجت العصائب عن طوق الصدر، لأنه بدأ ينتقد على نحو متزايد النفوذ الإيراني في العراق. وخاضت العصائب الانتخابات باسم “الصادقين” وفازت بمقعد واحد. وثمة فصيل شبه عسكري آخر شبيه بالعصائب هو كتائب التيار الرسالي الذي يرئسه الصدري السابق والحليف الحالي للمالكي عدنان الشحماني.

قد يكون من جهة، يقف مؤيدو الخامنئي، والأحزاب اليمينية، وكتلة العامري، والمالكي، والمهندس، وجميعهم يسعون إلى إنشاء هيكل مزدوج رسمي وقانوني ضمن جهاز الأمن العراقي، على غرار الفصل بين حرس الثورة الإسلامية وبين الجيش الإيراني النظامي. إذ بالنسبة إلى المالكي وغيره، تجعل التركيبة متعددة الأعراق للجيش العراقي وقوات الشرطة هذه المؤسسات عرضة إلى تأثيرات مختلفة، وبالتالي إلى انهيار آخر. وهكذا، يسعى هؤلاء القادة إلى الإبقاء على قوات الحشد الشعبي، الشيعية في الدرجة الأولى، فعّالة ومُخلصة لهم.

بين خياريْ اعتراف الدولة بها وتحجيمها أو دمجها بالكامل مع الجيش، يبقى خيار الحفاظ على هيكل قوات الحشد الشعبي الحالي، مع تغيير طريقة عمل الميليشيات. وعليه تصبح عصائب أهل الحق الفرق الثامنة والتاسعة والعاشرة من الجيش العراقي. أما في ما يتعلق بمسألة الدمج، فالأمر الذي أصدره العبادي يعترف بقوات الحشد “ككيان مستقل”، لكنه يصنّفها بموجب اللوائح التأديبية وصلاحيات الجيش كجزء من القوات المسلحة وقوات الأمن. وعلى الرغم من صيغة هذا الأمر، لايزال العبادي راغباً في دمج قوات الحشد الشعبي في الجيش العراقي. لكن سواء تمّ دمج قوات الحشد الشعبي مع جنود القوات المسلحة الحالية أو أُبقي عليها كفرع مستقل من الجيش، سيكون لذلك تبعات ليس على أمن العراق في المستقبل وحسب، بل أيضاً على الآفاق السياسية للبلاد.

ما يحدث على الأرض، وما سبق الانتخابات العراقية، بل وتلاها، هو أنه تحتل قوات الحشد الشعبي موقع قلب في المعركة الأوسع على السلطة داخل المعسكر الشيعي المُنقسم. والطرف الظافر في هذه المعركة سيسيطر على الأرجح على السلطة التنفيذية في العراق، وسيقود إلى حدٍّ بعيد عملية إعادة إعمار الدولة والهوية الوطنية العراقية في مرحلة قادمة. وفي حين أن الموالين للخامنئي سيسخّرون هالة القدسية المُحاطَة بالحشد الشعبي لكسب الشعبية وحصد الأصوات، سيحاول البعض في المقابل الإفادة من الانتصارات التي تحصدها القوات العسكرية العراقية داخل الموصل لتوطيد موقعه كقيادة عامة للقوات المسلحة. ويبقى هنا أن معظم العراقيين يرون أن الصدر يحاول البناء على التظلّمات المتنامية في صفوف الشيعة حيال قضايا الفساد وفشل الحوكمة، للمطالبة بتغيير طاقم القيادة المتحالفة مع المالكي، والتي حكمت العراق بشكلٍ رسمي وغير رسمي منذ العام 2003.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى