الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

أزمة الهوية في الجزائر إلى أين ؟

اعداد : مسايلي مهدي – باحث دكتوراه – جامعة مولود معمري بتيزي وزو

  • المركز الديمقراطي العربي

 

منذ أسبوعين اندلعت احتجاجت قديمة جديدة في منطقة القبائل محورها الهوية الأمازيغية، على إثر رفض البرلمان الجزائري مشروع قانون ينص على رفع التمويل المخصص لتدريس اللغة الأمازيغية، حيث خرج آلاف الطلبة والتلاميذ ومختلف أطياف المجتمع الأمازيغي في مسيرات حاشدة شملت كل من ولاية تيزي وزو والبويرة وبجاية وباتنة تطالب بتطوير تدريس اللغة الأمازيغية وتعميمها في جميع المدارس العمومية.

مطلب في ظرف حساس تعيشه الدولة، قد ينجر عنه نتائج وخيمة كما حدث سابقا، فقد سارع النظام اليوم لتدارك الوضع وذلك بإعلان يوم 12 يناير عطلة وعيدا وطنيا،واعتبر بوتفليقة خلال إشرافه مساء الأربعاء على اجتماع مجلس الوزراء، أن هذا الإجراء الجديد سيكون “لصالح الهوية الوطنية بمقوماتها الثلاث الإسلامية والعربية والأمازيغية، وهو كفيل بتعزيز الوحدة و الاستقرار الوطنيين في الوقت الذي تستوقفنا فيه العديد من التحديات على الصعيدين الداخلي والإقليمي”.

وفي نفس السياق، أمر بوتفليقة الحكومة بتحضير قانون يتعلق “بإنشاء أكاديمية جزائرية للغة الأمازيغية وترقيتها وتطويرها”، والبدء بتعميم اللغة الأمازيغية في كافة البرامج التعليمية.

إجراء صائب جاء في اطار تعزيز قيم الهوية الوطنية، لكنه يطرح العديد من التساؤلات، ما إذا كان حقا سيقضي على أزمة الهوية التي ظلت عالقة لعقود ؟، وهل سيجسد حقا على أرض الوقع؟وهل يعتبر هذا القرار نتاجا لإيمان النظام بضرورة الحفاظ على مكونات الهوية الوطنية وتعزيزها أم أنه مجرد إجراء رمزي تفاديا لأي أزمة في ظل الظرف الحساس الذي تعيشه الدولة؟.

1/في أصل الهوية:

يشكل الأمازيغ جزءا مهما من النسيج الإجتماعي الجزائري، إذتؤكد الابحاث الانتروبولوجية و الابحاثالاتنوغرافية ان أصل سكان شمال افريقيا هم أمازيغ، وقد حافظ السكان الأصليون على هذا المكون الهام رغم تعاقب الغزوات والإحتلال الذي طال البلاد منذ قرون، وظلت اللغة والعادات والتقاليد راسخة رغم تعاقب الأجيال، إن تاريخ الأمة الجزائرية من تاريخ الأمة الأمازيغية الضاربة في أعماق تاريخ منطقة شمال إفريقيا، ذلك التاريخ الذي صنعه أجدادنا من ماسينساإلى يوغرطة، وخلقوا مجدا مثلته دولةالنوميديين، وترجمه سانت أوغسطين في مؤلفاته الفلسفية الكبرى، فمجتمع بلا تاريخ مجتمع بلا حاضر ولا مستقبل، أي بلا هوية تاريخية.

وإن كانت الفتوحات الإسلامية قد احتوت مختلف الهويات، إنما لم تكن مبررا لنفيها وهدمها وإلا كانت لا تختلف مع سائر الغزوات التي شهدها شمال إفريقيا، وقد كان للأمازيغ الفضل الكبير في الفتوحات الإسلامية التي تمت بالأندلس على يد طارق بن زياد وغيرهم من الأحرار الأمازيغ.

2/في اصل الازمة:

بالنسبة للسان الأمازيغي فهنالك إشكال عالق في أوساط علماء اللغة و اللسانيات في الجزائر، و هو الجدلية القائمة بخصوص ما إذا كان يتوجب تصنيف هذا النسق اللغوي في خانة اللغة، أو تصنيفه في خانة اللهجة بسبب افتقاره إلى نظام رمزي هجائي و قواعد نحوية و صرفية موحدة بين جميع مستخدمي هذا النسق على المستوى الوطني،  لذلك يرى البعض أنه مجموعة من اللهجات المحلية، وقد تأثر اللسان الأمازيغي باللغة العربية الفصحى و أخذ منها الكثير من التراكيب و المصطلحات، فهو نفسه أعطى الدارجة الجزائرية الكثير من التراكيب و العبارات الشائعة اليوم، وتأثر أيضا اللسان العربي باللغة الأمازيغية فقد أعطى أيضا للدارجة الجزائرية العديد من العبارات والمصطلحات الشائعة في اللهجة الأمازيغية.

وبعكس الفتوحات العثمانية التي ظلت حافظة لتلك التركيبة المتنوعة للثقافة والهوية الجزائرية، حاول الإستعمار الفرنسي لأكثر من قرن وثلاث عقود طمس كل ما يتعلق بالهوية الجزائرية عبر فرنسة المجتمع وتمسيحه، إلا أن النخب الوطنية حينها نجحت في ثبات وترسيخ القيم الوطنية في الشعب الجزائري.

بعد الإستقلال أهملت النخب هذا الجانب المهم من الهوية الجزائرية، واخضعت السياسات اللغوية لتوجهاتها وأيديولوجيتها ،ففيفترة حكم الراحل بن بلة كانت بداية مسخ الهوية و الكارثة الثقافية الجزائرية، و بداية تغلغل فكر الإخوان و النظريات البعثية دفعة واحدة ،نظرا لتأثره بفكر صديقه عبد الناصر واعتماده على دفعات المتعاقدين المشارقة في التعليم و الذين تغلغل في وسطهم الكثير من أتباع الإخوان المسلمين و الإسلام السياسي ، وتواصلت عمليات النفي الهوياتي في عهد الراحل بومدين  و بنفس طريقة سابقه بسياسات تعريب ارتجالية و ظرفية و إيديولوجية جامدة و منغلقة، وهكذا خلقوا صراعا بين فئتين في المجتمع ، فئة لا تعترف بنظرية عروبة الجزائر و ترى فيه خطرا على المجتمع و لديها براهينها التاريخية و الثقافية و العرقية في ذلك ، و فئة أخرى استسلمت لعمليات التدجين و ترى مجرد الحديث عن أصول الجزائر الأمازيغية ضربا للإستقرار والتماسك الإجتماعي.

أبدى الأمازيغ في الجزائر امتعاضا مطردا من تهميش لغتهم ومن عدم اهتمام الدولة بموروثهم الثقافي،

وبقي هذا الإشكال اللغوي نخبويا لا يكاد يجاوز بعض الأكاديميين والمثقفين انتظموا في إطارٍ أكاديمي سموه الأكاديمية الأمازيغية التي تأسست في عام 1966 واتخذت من باريس مقرا لها، وطفت الأزمة للأفق لأول مرة إثر منع السلطات الجزائرية في 10 مارس/آذار 1980 الكاتب مولود معمري إلقاء محاضرة عن الشعر الأمازيغي، ورفضت السلطات المحلية ترخيص المحاضرة من دون تقديم تبريرات، وهكذا اندلعت أحداث الربيع الأمازيغي التي نددت بمنع محاضرة الكاتب مولود معمري وطالبت بالإعتراف باللغات والثقافات الشعبية، ومنها الأمازيغية، ورغم أن المسيرة كان “مطلبها متعلقا بالهوية” كان لها مغزى سياسي كبير حيث فتحت لأول مرة الفضاء أمام الجميع للنضال ضد النظام بصفة علنية وبطريقة سليمة وشعبية، ومهدت لأحداث كثيرة كأحداث الجامعة المركزية عام 1982 وأحداث قسنطينة عام1984 وأحداث أخرى جرت عام1986.

3/ في رؤية السلطة للأزمة وحلولها:

تبرز مواقف النظام السياسي الجزائري من بعض مقومات الهوية الوطنيةومن خلال النخب العسكرية المسيطرة حينها حسم الخيارات السياسية القائمة على “الوطنية” التي لا تحتمل التنوع العرقي ولا الديني الأخلاقي،  ومن ثم تعاملت مع الأمازيغية على أنها تراث شعبي فلكلوري لا علاقة له بالرمزية الوطنية ولا علاقة له بالهوية الوطنية، مما أنتج إحساسا بالغربة والتهميش لدى مواطني المناطق القبائلية الذين بدأوا برفع مطالبهم اللغوية والثقافية بشكل واضح مع بداية الثمانينات، وفرضوا أنفسهم كقوة سياسية واجتماعية فعلية وإن لم يعترف بهم النظام وتطورت نظالاتهم إلى أن بلغت حد المواجهة (أحداث الربيع العربي البربري).

وبغض النظر عن المكون الأمازيغي فقد تعامل النظام بنفس المنهجية وبازدواجية مع التيار الإسلامي، حيث عمل على قمعهم واستهدافهم بحملات اعتقال واسعة كما حدث في بداية حكم الرئيس الشادلي بن جديد،فتارة تعمل على توظيفه لخدمة مراميمهم السياسية في تحجيم دور اليسار ولتجاوز بعض الأزمات التي تقف عائقا في طريق بناء الدولة الوطنية كما حدث بعد دستور 1989، ثم تحييدهم نهائيا عن العملية السياسية بعد الوئام المدني والمصالحة الوطنية بصفتهم أنهم هم من أفضوا للمأساة الوطنية.

بعد وصول الرئيس بوتفليقة للحكم ونجاح مشروع الوئام المدني، تجدد الربيع الأمازيغي في 2001 وكانت احتجاجات ذات طابع سلمي لكنها جوبهت بالقمع الذي عرفته منطقة القبائل والاحتجاز والاعتقالات التي مست العشرات من الشباب وراح ضحية هذه الأحداث 126 قتيل،والتي انتهت باعتراف السلطة باللغة الأمازيغية ودسترتها كلغة وطنية في التعديل الدستوري 2002، تفاديا لانزلاقات أخرى قد تفشل مشروع الوئام المدني، ثم تلاها التعديل الدستوري 2016 ليجسدها كلغة وطنية ورسمية.

إن جوهر القضية الأمازيغية لا يقتصر على قانون في دستور لا يحظى باحترام حتى من سنه ولا بـتخصيص يوم للإحتفال بها أوبإنشاء أكاديمية لترقيتها، وليست الأمازيغية فقط من تعرضت للإغتصابفالعربية أيضا وإن نصت عليها معظم الدساتير الجزائرية فهي لسان عموم الجزائريين فقط عكس ساستهم ولم تتجسد حتى في التعاملات الإدارية ولا التعاملات الرسمية للدولة، وإن التيار الفرنكفوني اليوم يرى كلا اللغتين رجعيتين ولا تمتان بصلة للحضارة والتقدم وذلك حال القائمين على الإصلاحات التربوية من الجيل الأول والثاني، وإن أي تدابير أو أي اجراء في هذا الشأن لا يعدو أن يكون سوى خطوة استباقية لتفادي أي أزمة لنظام تآكل شرعيته وما من مبررات لبقائه.

إن السبيل الأمثل في القضاء على هذه الأزمة هو إحلال قيم المواطنة، والرغبة والإرادة الحقيقية نحو تعزيز قيم الهوية في المجتمع الجزائري والنظر إلى ذلك التنوع على أنه وميزة وإيجابية تغذي روح التماسك والتكافل الإجتماعيبدل التفكك والتصارع .

1.5/5 - (4 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى