الدراسات البحثيةالمتخصصة

مُقاربة معرفية حول التهديدات الامنية الجديدة

Cognitive approach on new security threats

العدد الأول لسنة “2017 ” من مجلة العلوم السياسية والقانون

احدى اصدارات المركز الديمقراطي العربي

اعداد : جارش عادل – باحث دكتوراه في المدرسة العليا للعلوم السياسية (الجزائر)

 

المـــلخـــــص:

إ ن التغيرات الهيكلية والقيمية وما تلاه من تحولات وتغيرات في البيئة العالمية منذ نهاية الحرب الباردة (The Cold War) ساهمت في رسم مجتمع كوني يتميز بالتعقيد والترابط والغموض وتختلف فيه حدة التهديدات الأمنية بين الزيادة والنقصان من منطقة إلى أخرى.

فلقد تغيرت هيكلة وخارطة المخاطر والتهديدات الأمنية من نمط تقليدي إلى نمط جديد اصُطلح عليه في الكثير من الأحيان “بالتهديدات اللاتماثلية” Asymmetric Threats، وبصورة أحدث “التهديدات الهجينة”Hybrids Threats  كتعبير عن زيادة التعقيد والحركية والتطور المستمر الذي يمس الظاهرة الأمنية في العلاقات الدولية انطلاقاً من تفاعلها بما يحصل على أرض الواقع خاصة فيما يتعلق بالتطور التكنولوجي والمعرفي والتقني.

وتأسيساً على ذلك فإن الدراسة تستهدف إلقاء الضوء على التحولات التي لحقت بطبيعة التهديدات الأمنيةمنذ فترة نهاية الحرب الباردة، إضافة إلى محاولة تشخيص لأبرز التهديدات الأمنية الجديدة التي تدرج على سلم أولويات قضايا المجتمع الدولي.

Abstract:

The structural and value changes and the subsequent shifts and changes in the global environment since the end of the Cold War contributed in shaping global society characterized by complexity, interdependence and mystery, and vary the seriousness of security threats between the increase and decrease depending on the nature of each region.

The nature of the risks and security threats from a traditional form has been changed to a new format called a lot of times “Threats asymmetric”, and in the latest and most complex “hybrid threats” as an expression of increased complexity and constant evolution, which touched the security phenomenon in international relations from interaction of what is happening on the ground especially influenced by technological development and cognitive and technical.

Based on this, The study aimed to shed light on the nature of the transformations that have touched the security threats since the end of the Cold War period, in addition to attempting to detect the most prominent new security threats which are considered a priority for the international community issues.

 

مقــــــدمـــــــة

إذا كانت الحرب الباردة مصدراً قوياً للصرامة والاتساق الإيديولوجي بقيادة المعسكرين (USA & USSR)، كونها فرضت خط صدع واحد بين الاختلافات في النظام الدولي (الشيوعية الاشتراكية/الليبرالية الرأسمالية)، فإن هذا الخط الجديد بدأ في الانطماس والتفكك في نهاية الثمانينياتجراء تفاعل مجموعة من الأسباب أدت إلى تغيرات هيكلية وقيمية عميقة مست النظام الدولي والعلاقات الدولية.

وأعقب ذلك أيضاً أحداث متفرقة مهمة تركت بصمات واضحة في السياسة الدولية والأمنية كأحداث الحادي عشر من سبتمبر والغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق، وهي وقائع عند رصدها ضمن سياق أمني بشكل دقيق، فسنجد أنها تُعبر عن مجرى جديد للبعد الأمني في العلاقات الدولية بمفاهيم ونظريات وفواعل وتهديدات أمنية جديدة تتجاوز النطاق العسكري الدولاتي الضيق للأمن والتهديد، حيث دعى الكثير من المفكرين أمثال “باري بوزان”Barry Buzan و”أول ويفر” Ole Waever إلى تجاوز التفكير الضيقللأمن والتهديدات الأمنية الذي ينحصر حول أمن الدولة والأمن العسكري، وتوسيع هذا التفكير من خلال البحث عن الفواعل الجديدة المهددة للأمن والتهديدات الأمنية الجديدة.

…………………………. خط

* طالب دكتوراه في المدرسة العليا للعلوم السياسية (الجزائر)

ووسط هذه المعطيات أيضاً سنلمس أن أغلب النقاشات المطروحة اليوم في الأوساط السياسية والأكاديمية تتضمن قضايا أمنية جديدة تتميز بالطابع اللاتماثلي مثل: الظاهرة الإرهابية، الجريمة المنظمة، الهجرة غير الشرعية…وغيرها، وهي تهديدات أمنية جديدة(New Threats) تحركها في الكثير من الأحيان فواعل أمنية غير تقليدية تُحاول تحقيق أهدافها المنشودة.

المشــكــلــــة البحـــثيــة:

تحاول هذه الأوراق البحثية الوصول إلى بناء إطار معرفي حول التهديدات الأمنية اللاتماثلية والكشف عن أبرز المضامين الفكرية انطلاقاً من طرح التساؤل المركزي التالي:

ولتبسيط هذه المشكلة سيتم تفكيكها إلى عدة تساؤلات فرعية على النحو التالي:

  • ما هو التهديد الأمني؟ وماهي أبرز تصنيفاته؟
  • ما هي التهديدات اللاتماثلية؟ وأين تجد المكان المثالي لها؟
  • استناداً إلى ما يحدث من وقائع في العلاقات الدولية، فيما تتمثل أبرز التهديدات الأمنية اللاتماثلية التي تؤثر بالسلب على الأمن العالمي؟

أهميــــة الــــدراســــــة

تتمثل أهمية الدراسة بأنها:

  • تستمد أهميتها وقيمتها العلمية والواقعية من أهمية الدراسات الأمنية والاستراتيجية في العلاقات الدولية، فهي تحاول إيصال فكرة أن الأمن هو “قيمة ثابتة” في الحياة الإنسانية، ولا بد من الحفاظ عليه وذلك من خلال معرفة مهددات الأمن الجديدة وربطها بالتحولات والتطورات الحاصلة في البيئة الأمنية العالمية.
  • مهمة كونها تكشف عن الأشكال الجديدة للتهديدات الأمنية، والتي يمكن من خلالها التساؤل عن كيفية احتواءها والحد من تفاقمها وخطورتها حتى يتم الوصول إلى نهج انكفائي لتأمين الأمن، ولاسيما أننا أصبحنا في بيئة أمنية جد معقدة وغامضة تحكمها حالة “عدم اليقين” Uncertainly.
  • تُعد الدراسة مجالا جديداً للبحث، فهي متزامنة مع المستجدات الحركية الحاصلة في البيئة الدولية، وبالأخص في المنطقة العربية.

أهـــــداف الــــدراســـــة

تسعى هذه الدراسة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف أبرزها:

  • محاولة الوصول إلى إطارمعرفي لمناسب يمكن من خلاله تفسير وتحليل التهديدات الأمنية اللاتماثلية
  • دراسة العلاقة بين متغيري التهديد الأمني والتحولات والتطورات الحاصلة البيئة الدولية، ومدى انعكاس هذه العلاقة على الأمن العالمي.

منهـــــجية الـــــدراســـــــــة

تعتمد الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي(Descriptive Analytical Method) الذي تم من خلاله تحديد خصائص وأبعاد الظاهرة المدروسة ووصفها وصفاً موضوعياً عبر جمع الحقائق والبيانات وباستخدام أدوات وتقنيات البحث العلمي.

وتجدر الإشارة بأن الدراسة تنطلق من العام إلى الخاص، بدءاً بتوضيح مفهوم التهديد الأمني وتحديد طبيعته وتصنيفاته بصفة عامة، ثم  التطرق إلى التهديدات الأمنية اللاتماثلية، إضافة إلى دراسة أبرز التهديدات اللاتماثلية التي تؤثر على الأمن العالمي مستدلين بأمثلة وعدة براهين

الــــدراســـــات الســــــابـــقة

تم التطرق لهذه الدراسة في العديد من الدراسات السابقة بشكل جزئي كمحاولة لتقديم أطر علمية أكاديمية تساعد على فهم التهديدات الأمنية الجديدة، ونذكر منها:

  • مقال “لسليمان عبدالله الحربي” حول: “مفهوم الأمن، مستوياته وصيغه وتهديداته (دراسة نظرية في المفاهيم والأطر) الصادرة عن المجلة العربية للعلوم السياسية عام 2008، حاول فيها الباحث التوصل إلى اقتراب فكري أو إطار معرفي للتحديد الدقيق لمحددات الأمن عبر دراسة أبعاده ومستوياته وصيغه، كما تعرض الباحث للعلاقة بين الأمن والتهديد.
  • دراسة للباحث “هانس براوتش” Hans Günter Brauch المعنونة “بمفاهيم التهديدات الأمنية، التحديات، نقاط الضعف والمخاطر” “Concepts of Security Threats, Challenges, Vulnerabilities and Risks”، وهي دراسة تحليلية مفصلة لأبرز المفاهيم المستخدمة عند دراسة الأمن القومي، وتم التطرق فيها إلى مفاهيم: الأمن، التهديد الأمني، المخطر، نقاط الضعف.
  • دراسات ومقالات أخرى متفرقة حول التهديدات اللاتماثلية والهجينةتم الاعتماد عليها في موضوعنا  كدراسة “توني بافنر”  Toni Pfanner حول الحروب اللاتماثلية  “فرانك هوفمان” Frank G Hoffmanحول “النزاعات في القرن الواحد والعشرين صعود الحروب الهجينة” Conflict in the 20 th Century the Rise of The Hybrid Wars.

هيـــكــــلة البـــحـــث

تنقسم الدراسة إلى ثلاث عناصر إضافة إلى مقدمة وخاتمة، حيث سيتم توضيح عدة مفاهيم كالتهديد والتحدي والمخطر والرهان، وأبرز تصنيفات التهديدات الأمنية في العنصر الأول، أما الثاني فيستعرض التهديدات اللاتماثلية، بينما يتضمن الثالث أبرز التهديدات الجديدة التي تؤثر على الأمن العالمي كظاهرة الإرهاب العابر للحدود والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية وغيرها.

أولاً:  فهم التهديدات الأمنية

يستوجب التطرق إلى موضوع التهديدات الأمنية الجديدة توظيف بعض المفاهيم الأساسية التي لا بد من التدقيق في استعمالها ومعرفة فحواها، ومن بينها مفهوم التهديد(Threat) والخطر(Risk) والتحدي (Challenge)، كما أن الإحاطة بأبرز تصنيفات التهديد الأمني ومعرفة العوامل التي تُساهم في تحديده أمر ضروري يسمح لنا بالتقرب منه أكثر واستكشافه بدقة.

  1. تعريف التهديد الأمني

اشتقت كلمة “تهديد” من الناحية اللغوية من لفظ “هدد”، ويقصد به محاولة إلحاق الضرر والأذى بشيء معين قصد الإخلال بالأمن[1]، ويشار إليه في اللغة الانجليزية “Threat” وبالألمانية “Drohung” أو “Budrohung” وبالفرنسية “Menace”،  ويُعبر التهديد عن وجود نية لإيذاء أو معاقبة أو إلحاق ضرر من خلال عمل عدائي على شخص معين[2].

ولقد ورد في قاموس “أكسفورد” Oxford على أن التهديد هو: “محاولة شخص أو شيء الإضرار بحياة الآخرين” مثل: التلوث يهدد حياة الحيوانات والناس[3].

أما من حيث المعنى الايتمولوجي للمصطلح فإن كلمة التهديد ذات المدلول الجديد كلمة مستحدثة نسبياً على المستوى الأكاديمي، فالتهديدات التي كانت تتعرض لها الدول في السابق كانت تندرج ضمن الدائرة العسكرية الضيقة ذات المنشأ الخارجي، لكن مع تعقد الظاهرة الأمنية إثر التحولات الهيكلية والقيمية الحاصلة في العلاقات الدولية نتيجة لنهاية الحرب الباردة (The Cold War) جعلت دائرة التهديدات تتوسع لتشمل التهديدات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية ليست ذات منشأ خارجي فحسب، بل تنشأ أيضاً على الصعيد الداخلي، وهو ما أدى إلى تعدد مستوياته (فردي، إقليمي، دولي…)، وما ولد من الناحية النظرية مفهوم جديد للتهديد ذات طابع معقد متعدد المجالات والمستويات والفواعل[4].

ويرى “تيري ديبيل” Terry L. Debel على أن التهديد: “عمل نشط وفعال تقوم به دولة معينة للتأثير في سلوك دولة أخرى، ويشترط نجاحه توفر عدة عوامل أبرزها المصداقية والجدية والقدرات التي تتناسب مع التهديد، وهناك ثلاث سمات يتميز بها التهديد، وهي: درجة الخطورة ومدى احتمالية وقوع التهديد وعنصر التوقيت”[5].

أما باري بوزانفقد عرف التهديد على أنه:”تهديد لمؤسسات الدولة باستخدام الإيديولوجيا أو استخدام مكونات القدرة للدولة ضد دولة أخرى، حيث يمكن أن يكون إقليم الدولة مهدداً بضرر أوغزو أو احتلال، ويمكن أن تأتي التهديدات من الخارج أو من الداخل، ويعتقد باري بوزان أن الدول القوية عادةً ما تتعرض للتهديدات خارجية عكس الدول الضعيفة التي تتعرض للتهديدات من الداخل والخارج”[6].

ويعتبر الباحث التشيكي “يان إيشلر” Jan Eichlerأن التهديد يعبر عن إرادة إلحاق الضرر بفاعل (الفرد/جماعة/دولة…)، ويشترط فيه توفر العناصر التالية:

  • أن يسبب حالة من الهلع والخوف.
  • توفر القدرة على الاستهداف سواء استهداف الدولة مباشرةً أو مواطنيها أو الدول المجاورة للدولة، وهنا يكون للتهديد تأثير جيوسياسي، فمثلاً: الفوضى الأمنية والتهديدات الأمنية الموجودة بدول الجوار الجزائرية خاصة ليبيا تجعل الجزائر في حالة من الخوف والترصد والتأهب لمواجهة تهديدات محتملة قد تأتي منها.
  • درجة الخطورة، أي طبيعة الخطورة (محتملة، فعلية، كامنة)، فكما كان التهديد خطير كلما تطلب ذلك رد فوري فعال من الطرف المهدد[7].

وانطلاقاً من هذه العينات المختارة من التعريفات سالفة الذكر يمكن استخلاص عدة نقاط تشكل الوعاء الحقيقي لمفهوم التهديد على النحو التالي:

  • أن التهديد يُعبر عن نية لإلحاق الضرر والأذى قصد الإخلال بالأمن.
  • يتأثر التهديد بالمستجدات والتغيرات التي تحدث على أرض الواقع، وهو ما يضفي الطابع الحركي والنسبي لمفهوم التهديد.
  • تتعدد مستويات التهديد (فرد، جماعة، دولة، إقليم وغيرها)، ومصادره (من داخل وخارج الدولة) ومسبباته وأنواعه، وهو ما يجعله مفهوم مركب ومُعقد.
  • يتداخل ويتفاعل التهديد في البيئة الراهنة مع عدة تهديدات أخرى.
  1. التهديد الأمني ومفاهيم مشابهة

لا تزال إشكالية التدقيق في الضبط التعريفي للمصطلحات المتعلقة بالتهديدات الأمنية محل نقاش كبير بين الباحثين والدارسين، فالكثير منهم يخلط في استعمال مفردات”التحدي” و”الخطر”، ويستعملها كمرادف للتهديد الأمني، وهو ما قد ينعكس سلباً على تقديرات الدراسة.

لذلك لابد من التمييز بين هذه المفاهيم، والتحكم في استعمالها بدقة استناداً إلى قول “فولتير” Voltair : “إذا أردت أن أفهمك فلا بُد لك من توضيح مصطلحاتك”، وهو ما ارتأينا إليه في هذا العنصر.

1.2  التحدي (Challenge)

اشتقت كلمة “تحدي” من الناحية اللغوية من اللفظ “تحدى”، حيث يُقال في اللغة العربية فلان تحدى فلان حول شيء معين أي طالب مباراته في هذا الشيء، ويقابل لفظ التحدي في اللغة الإنجليزية كلمة (Challenge)، وفي الألمانية (Herausforderung) وبالفرنسية (Défi).

وتشير القواميس الانجليزية البريطانية إلى عدة معاني للتحدي، فهو يعبر على شيء صعب يجب اختباره ويحتاج إلى القوة والمهارة، وهو أيضاً دعوة للمنافسة والمواجهة كأن يقترح شخص مبارزة آخر وما إلى ذلك[8].

ومن الناحية العلمية؛ فإن المتفق عليه أن مُفردة “التحدي” يقصد بها مجموعة معقدة من المشاكل والظروف التي ننتجها في الواقع والمستقبل بإرادتنا ورغباتنا الواعية وغير الواعية[9]، فلقد عرفها “سليمان عبد الله الحربي” بأنها: “المشاكل والصعوبات أو المخاطر التي تواجه الدولة وتحد وتعوق من تقدمها وتشكل حجر عثرة أمام تحقيق أمنها واستقرارها ومصالحها الحيوية الذاتية المشتركة ويصعب تجنبها أو تجاهلها”، فعلى سبيل المثال تعتبر كل من معضلة البطالة ومشاكل الانفجار الديمغرافي تحدياً بالنسبة للدولة[10].

والتحدي شيء صعب يتم فيه اختبار قدرة الدولة على إدارة شؤونها ومنافسة الآخرين، سواء تعلقت هذه التحديات بالمشاكل الداخلية أو الخارجية[11].

  • الخطر (Risk)

عرف قاموس Le Petite Robert “الخطر” على أنه كل فعل مهدد يُحتمل وقوعه وإمكانية التنبؤ به تتأرجح بين الزيادة والنقصان، وهو مرتبط بمدى قدرة المجتمع ومناعته حيال مواجهته[12].

ويعتبره الكثير من المفكرين والمختصين على أنه خاصية تدل على شيء يلحق ضرر معنوي أو مادي، فعندما نقول عن شيء خطر بمعنى أنه يحمل ضرر معنوي أو مادي يُحتمل وقوعه، وقد يؤدي إلى الخسارة أو الدمار أو الإصابة، ويشملالخطر ثلاث عناصر أساسية تتمثل في:

  • المصدر المنتج للخطر.
  • الوسيلة الناقلة للخطر بحيث قد تكون ميكانيكية أو كيميائية أو إشعاعية.
  • البيئة الناقلة للخطر التي قد تكون مائية أو حضرية أو هوائية[13].

ويرى “ألريش بيك” Ulrich Beck في كتابه “مجتمع الأخطار” La Société du Risqueأن الخطر عبارة عن ضرر يهدد أمن الأفراد والبيئة والجماعات البشرية، لكنه يوشك أن يحدث أو حدث فعلاً ويمكن احتواءه إن لم يتفاقم، كما يعتبر ألريش بيك أن الأخطار استفحلت وتنوعت مع التطور التكنولوجي والعلمي وتزايد تأثيرات العولمة وأصبحت تتميز بسرعة الانتشار من منطقة إلى أخرى[14](انظر الشكل01).

الشكل (01): جدول يُبين أبرز أوجه الاختلاق بين التهديد والتحدي والمخطر

 

المفهوم

 

مؤشر التمييز

التهديد

 (Threat)

 

التحدي

 (Challenge)

المخطر

(Risk)

من حيث مضمون كل مفهوم محاولة إلحاق الضرر بفاعل معين (دولة/ جماعة/ أفراد…). مشاكل وصعوبات يقتضي للدولة مجابهتها . فعل مُهدد يُحتمل وقوعه وإمكانية التنبؤ به تتأرجح بين الزيادة والنقضان.
من حيث البعد الزمني يكون آني نتيجة لإدراك وجود خطر يهدد الفاعل. مشاكل ننتجها في الواقع والمستقبل. تهديد يكون على وشك الحدوث، أو حدث فعلاً.
من حيث الهدف عادةً ما يحمل أهداف سياسية اختبار مدى قدرة الدولة على المنافسة والمواجهة محاولة إلحاق الضرر المعنوي أو المادي

 

المصدر: تصميم الباحث

  • تصنيفات التهديدات الأمنية

هناك عدة معايير مستعملة لتصنيف التهديدات الأمنية من قبل الدارسين والباحثين، حيث تعددت المعايير المستعملة لتصنيف التهديدات الأمنية، إذ يركز بعض الباحثين على معيار “المجال” Fieldفي تصنيفهم للتهديدات، ومنهم من يستخدم المعيار “الجغرافي” Geographical، ومنهم من يحبذ استخدام تصنيفات معاصرة تركز على معيار “التماثل” Similarty و”التأثير” Influence.

  • من حيث المجال: يحبذ الكثير من الباحثين تصنيف التهديدات الأمنية حسب معيار المجال، بحيث يتضمن هذا التصنيف مايلي:
  • التهديدات السياسية:تتضمن غياب نظام سياسي يتميز بالقبول العام الداخلي والخارجي متماسك ومتجاوب مع تطلعات الشعب، إضافة إلى غياب شبه تام لمؤشرات الديمقراطية والحكم الرشيد.
  • التهديدات اقتصاديّة: تتمثل فيعدم وجود توزيع عادل للثروة، وضعف في الناتج القومي والدخل الفردي وتأثر الدولة بإفرازات العولمة الاقتصادية والأزمات المالية والعقوبات الاقتصادية.
  • التهديدات الاجتماعية والثقافية: تتجلَّى في اتساع دائرة الفقر والجوع والأمية والبطالة والأوبئة والهجرة والتزايد الديمغرافي الذي لا يتماشى ولا يتوافق مع نسبة النمو الاقتصادي، وزيادة التفكك الاجتماعي وتدني مستوى الخدمات الاجتماعية مما يؤدي إلى تدهور حالة البشر، إضافةً إلى الاختراق الثقافي لهوية المجتمعات والدول نتيجة لتطور مسارات العولمة التي ارتبطت ارتباطاً عضوياً بتطور وسائل الاتصال والتكنولوجيا، وجعلت العالم ينتقل من صفة المحدود إلى اللامحدود، وتزايد الحركات الأصولية المتطرفة التي أصبحت تمثل الخطر الرئيسي على السلام العالمي.
  • التهديدات البيئية: وتتضمن كل تهديد يمس الحيز (المحيط) الذي نعيش فيه سواء كان يابسة أو ماء أو هواء، وتعتبر البيئة قضية أمنية ذات طابع أفقي كوني غير محدودة جغرافياً تمس كل الفواعل والمجالات، وتشمل هذه التهديدات التلوث، الاحتباس الحراري وتآكل طبقة الأوزون، وظاهرة الانقراض الحيواني والنباتي، وتلوث التربة بسبب سوء استخدام الأسمدة والمبيدات، وتلوث الهواء والمياه العذبة والجوفية ومياه البحار والمحيطات والاستهلاك المفرط لمصادر الطاقة غير المتجدِّدة (نفط، فحم حجري، غاز طبيعي وصخري…)[15].
  • حسب درجة الخطورة: يرىالمفكر العربي “سليمان عبد الله الحربي” في مقال له بالمجلة العربية للعلومالسياسية موسوم بما يلي “مفهوم الأمن: مستوياته وصيغه وتهديداته (دراسة نظرية في المفاهيم والأطر)” أنه يمكن تصنيف التهديدات الأمنية من حيث درجة الخطورة إلى:
  • التهديدات فعلية: وهي ما يعرض الدولة لخطر داهم نتيجة الاستخدام الفعلي والجاد للقوة العسكرية.
  • التهديدات المحتملة: تُرصد هذه التهديدات من خلال مجموعة من الأسباب الحقيقية التي تؤكد تعرض الدولة لمجموعة من التهديدات دون وصولها إلى مرحلة استخدام القوة العسكرية .
  • التهديدات الكامنة: تتميز بأنها غير مرئية(كامنة)، كوجود أسباب خلاف بين دولتين أو أكثر دون وجود أي مظاهر مرئية على السطح.
  • التهديدات المتصورة: وهي التهديدات التي يُحتمل ظهورها مستقبلاً[16] (أنظر الشكل 02).

 

الشكل (02): يُبين تصاعد حدة خطر التهديدات


المصدر:
تصميم الباحث

  • حسب درجة التماثل: يرى بعض الباحثين أنه يمكن تصنيف التهديدات الأمنية حسب درجة تشابه الفواعل (Actors) إلى:

التهديداتالتماثلية: يطلق على النمط التقليدي للتهديدات الذي تتميز بالطابع البيني والعسكري وتتشابه في الفواعل من حيث الخصائص كالتهديد العسكري الذي يكون بين دولة “أ” ودولة “ب”، مثل: التهديدات المتبادلة بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية باستخدام القوة بينهما.

  • التهديدات اللاتماثلية:هي تلك التهديدات التي تُبنى على فكرة الغموض وعدم إمكانية تحديد ماهية العدو، إذ تكون بين أطراف غير متكافئة من حيث القوة، ويشمل هذا النوع من التهديدات الجريمة الاقتصادية والمتاجرة بالأسلحة والإرهاب العابر للحدود، والجريمة المنظمة والنزاعات الداخلية، وما يصحبها من انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، والإبادة الجماعية التي تجد لها مكاناً مثالياً في الدول الفاشلة (Failed States)، ولقد برزت نتيجة للتغير المهم في هيكلة المخاطر الأمنية من النمط التماثلي (باعتبار تماثل أطرافها) إلى “النمط اللاتماثلي” (بالنظر إلى لا تناظر طبيعة أطرافها) تزامناً مع التحولات والتغيرات الحاصلة في النظام العالمي[17].

وتجدر الإشارة إلى أن هناك مجموعة من العناصر التي تساهم في تحديد التهديد الأمني، ويمكن من خلالها تحليل أي تهديد أمني لا بد من التطرق لها على النحو التالي:

  • طبيعة التهديد:ما هو تصنيف هذا التهديد؟ و ما هي أبرز أبعاده؟
  • مكان التهديد: ما هو النطاق الجغرافي لهذا التهديد؟ وما هي امتداداته؟
  • زمان التهديد: ماهي تأثيراته الحينية والمستقبلية؟
  • درجة التهديد:ما قوة هذا التهديد؟ وما هي خطورته؟
  • تعبئة الموارد: ماهي الإجراءات والتدابير المناسبة المادية والبشرية والمعنوية لمواجهة هذا التهديد ومحاولة الحد من تأثيره وأبعاده[18]؟

وكنتيجة لما سبق نستنتج أن مفهوم التهديد الأمني هو مفهوم معقد نسبي وحركي،ولذلك لا بد من الدقة العلمية في تحديده من خلال معرفة أبرز السمات والأبعاد التي يتميز بها هذا المفهوم حتى يسهل تشخيصه وعلاجه،فمثله مثل الحالة التي يريد من خلالها الطبيب الكشف عن طبيعة الداء الذي أصاب مريضه، ومن ثم محاولة تشخيصه وعلاجه.

ثانياً: التهديدات اللاتماثلية

عند توصيف البيئة العالمية الأمنية منذ نهاية الحرب الباردةفإننا سنقترب من فرضية أساسية مفادها أن: “تطور الإنسانية يثبت قدرة كبيرة على صنع التغيير والتحول”، وهذا هو الفارق بين كل حقبة وحقبة زمنية أخرى، فإذا كان هذا التغير يمس مواطن القوة في العلاقات الدولية فسيؤثر على موازين القوى في النظام الدولي وترتيب الوحدات ومنظومة القيم فيه، وهو ما يجعلنا نعيد النظر في الكثير من المعطيات، ومن بينها الأمنية.

فالراصد لمؤشرات البيئة الأمنية العالمية في العقود الثلاث الأخيرة، سيرى أن هناك تحول قد لحق بطبيعة المخاطر التي تُهدد الأمن العالمي من النمط التقليدي الذي يُركز على الدولة كفاعل مُهدد، وعلى الطبيعة العسكرية للتهديد إلى أنماط جديدة عديدة، ومن بينها التهديدات اللاتماثلية، والتي سنحاول توضيحها وتبسيطها في هذا العنصر.

  1. تعريف التهديدات اللاتماثلية

وتُسمى أيضاً بغير المتناظرة أو غير المتكافئة، وتكون بين فاعلين غير متكافئين من حيث القوة وعادة ما يكون هذا النمط من التهديدات وسيلة للتعويض عن نقص في الموارد للطرف الضعيف الذي يستخدم التهديد من خلال الاعتماد على أساليب ووسائل متعددة يستهدف من خلالها المساس بنقاط الضعف للطرف الأقوى.

ومن أمثلة هذه التهديدات حرب الدولة ضد الإرهاب وعصابات الجريمة المنظمة، ومصطلح “التهديدات اللاتماثلية” عكس مصطلح التهديدات التماثلية التي تعني الطرح الكلاسيكي للتهديد ذات الطابع العسكري والبيني بين الدول (انظر الشكل03).

وبمستوى أعلى من التهديد يُشار في الكثير من الدراسات إلى الحرب اللاتماثلية ( AsymmetricWar)؛ وهي النمط الغالب في حروب اليوم لذلك تُسمى بـــــــــــ “حروب العصر”، بحيث تكون الأطراف المتحاربة غير متساوية ومتفاوتة في القوى والوسائل والتنظيم، وتتخذ عدة أشكال، ويُمكن قراءتها على ثلاث مستويات؛ فهناك المستوى الميداني (يتميز بكثرة العمليات السرية، المفاجأة، الغدر والحيل…، وما إلى ذلك)، والمستوى الاستراتيجي العسكري (حرب العصابات، الحرب الخاطفة، …، وغيرها)، والمستوى الاستراتيجي السياسي (حرب ذات معطى ثقافي أخلاقي وديني)[19].

ولقد استعمل هذا المصطلح في الكثير من الدراسات الأنجلوساكسونية، مثل دراسة: “ستيفن لمبكيز”Steven Lambakis، “جيمس كيريس” James Kirasو “كريستين كولتKirstin Kolet في دراسة موسومة بــــ:Understanding Asymmetric Threats to the USAو”دايفيدبيوفلو” David Buffaloe حول “تعريف الحرب اللاتماثلية”Defining Asymmetric Warfare.

وتم استعمال هذا المصطلح في الولايات المتحدة لتوصيف المخاطر الجديدة التي تواجه الأمن القومي الأمريكي على النحو التالي:

  • التهديدات الجديدة التي تتميز بعنصر المفاجأة والحركية والغير مألوفة.
  • الأساليب والتكتيكات العملية الجديدة التي تستخدمها المجموعات لتهديد الأمن الأمريكي.
  • غموض وصعوبة تحديد ماهية العدو المهدد للأمن الأمريكي.
الشكل (03): جدول يُبين أبرز أوجه الاختلاق بين التهديداتالتماثلية والتهديدات اللاتماثلية

 

نوع التهديد

 

مؤشر الاختلاف

 

التهديدات التماثلية

 

التهديدات اللاتماثلية

من حيث مضمون كل مفهوم هي التهديدات التقليدية التي تحمل بُعد عسكري تحاول فيها دولة تهديد دولة أخرى بغرض تحقيق أهدافها. تهديدات تكون بين فواعل غير متناظرة كحرب دولة ضد جماعة إرهابية، وتُعبر عن النمط الجديد من التهديدات السائدة بكثرة منذ أحداث الحادي عشر من ستمبر 2001.
من حيث المصدر الدولة فاعل من غير الدولة: جماعات الإرهابية، وجماعات تمرد، عصابات جريمة منظمة…، وغيرها.
منحيث الخصائص يكون العدو واضح ويمكن تحديده بسهولة واستهدافه، وعادة ما تكون بين أطرف متشابهة كتهديد دولة لدولة ويتشابهان في العديد من النقاط. تُبنى على فكرة الغموض وعدم إمكانية تحديد ماهية العدو،وتكون بين أطراف غير متكافئة تختلف من حيث القوى التنظيم وامتلاك الوسائل والأساليب.

المصدر: تصميم الباحث

  1. التهديدات اللاتماثلية والتهديدات الهجينة

يعود استعمال عيارة “هجين” Hybrid  أو “خليط” إلى تحليل قامت به قوات سلاح البحرية الأمريكية  للتجارب العملياتية في العراق وأفغانستان، ففي سنة 2005 كتب الجنرال “جيمس ماتيس” James Mattisالذي شغل منصب قائد القيادة المركزية الأمريكية في مجلة “الاجراءات” التابعة لمعهد البحرية الأمريكية عن ظهور طرق غير منتظمة للتهديدات مثل: الإرهاب وأعمال التمرد وتجارة المخدرات.

وجاء في هذا التحليل أن الخصوم غير النظاميين يسعون الى استغلال الأفضلية التكتيكية في وقت ومكان يختارونه بأنفسهم بدل الخضوع إلى قواعدنا، إذ يحاولون مراكمة سلسلة من الأثار التكتيكية الصغيرة ثم يضخمونها باستعمال الإعلام وحرب المعلومات لإضعاف العزم الأمريكي، وهكذا تظهر عملية اندماج بين طرق ووسائل حربية مختلفة تُشكل تهديد هجين وبمستوى متقدم تؤدي إلى “حرب هجينة” .Hybrid War

ويعرف “فرانك هوفمان”F.Hoffmanالتهديدات الهجينة : بأنها تتضمن مجموعة كاملة من الوسائط المختلفة من الحرب بما في ذلك القدرات النظامية والتكتيكات والتشكيلات غير النظامية والأعمال الإرهابية بما في ذلك العنف العشوائي والإكراه والإجرام العشوائي.

“Hybrid threats incorporate a full range of different modes of warfare including conventional capabilities, irregular tactics and formations terrorist acts including indiscriminate voilence and coercion, and criminal disorder”[20].

وتتواجد التهديدات الهجينة بكثرة في الأقاليم التي لم تعد خاضعة لسيطرة الدولة، وتتميز بسرعة الانتشار وتتعلق بفواعل غير دولاتية تجمع بين استخدام الوسائل التقليدية وغير التقليدية مثل الحرب التقليدية والجريمة المنظمة والإرهاب والأعمال التخريبية والتحكم في التكنولوجيا واختراق المواقع الالكترونية، وتتميز أيضاً بتعدد أشكالها وطبيعتها المستعصية الفهم، نظراً لغموضها وكثرة تفاعلاتها وتفرعاتها، كما تمثل التهديدات الهجينة خصماً يصعب معرفته وتحديده وتوقع أعماله ونتائجه وتنطبق هذه الحالة على التهديد الهجين ” داعش” أو ما يُسمى بتنظيم الدولة الاسلامية في الشام والعراق(ISIS)[21].

وتُمثل التهديدات الهجينة تحدي جد عويص لأمون الدول والأمن العالمي، وهي أكثر تعقيداً وتشابكاً وغموضاً من التهديدات اللاتماثلية، وأشمل منها.

ثالثاً: أبرز التهديدات اللاتماثلية

أصبحت التهديدات اللاتماثلية تسيطر على نقاشات الدوائر السياسية والأمنية، ويتعلق ذلك خاصةً بمثلث الإرهاب، الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية، وهي من أبرز المشاكل التي تُخل بالسلم والأمن العالمي اليوم نظرا لحركيتها وصعوبة مواجهتها.

  1. الظاهرة الإرهابية

إن المتطلع على مختلف الأدبيات التي تتعلق بظاهرة الإرهاب سيلاحظ أن هناك  مناقشة مطولة حول إشكالية تحديد تعريف معين للإرهاب يتم الانطلاق منه لقياس هذه الظاهرة، إلا أنه لحد الآن لا يتواجد إجماع حول تعريف ملائم حول هذا التهديد المتنامي الذي يحدق بالبشرية.

ففي دراسة قام بها “ألكس شميد” Alex Schmid على أكثر من مئة تعريف لخبراء وباحثين في مجال الإرهاب استنتج أن الإرهاب هو مفهوم مجرد دون جوهر حقيقي Terrorism is an abstract concept with no real essenceيخضع للطابع البراغماتي للدول المهيمنة على الساسيات الدولية حيث تركز أغلب التعاريف حسبه على ثلاث عناصر أساسية، وهي: الفاعل (The Actor)، الفعل الإرهابي (The Terrorist Act)، الضحية (The Victim)[22].

وكتصور يمكن القول أن الإرهاب عبارة عن:”عمل عنيف يستهدف ارضاخ جماعة ما لآرائه وفرض معادلة مغايرة بمنطق القوة من خلال القيام بنشر الخوف وزرع القلق، وهو وسيلة يستخدمها الأفراد والجماعات ضد الحكومات، ويمكن أن تراعاها وتستخدمها حكومات ضد مجموعات معينة”، حيث يعتبره “دافيد تيكر” David Tucker في مقال له عن أبرز مستجدات الإرهاب ومدى خطورته على أنه عبارة عن شبكة جديدة من المجموعات والهواة التي تترابط بشكل شبكي فيما بينها، وتختلف عن الشكل الهرمي التقليدي الذي يتم فيه تدمير الجماعات الإرهابية من خلال عملية قطع الرأس (القضاء على القائد).

وتتميز هذه المجموعات بالمرونة والقدرة على التكيف والاحترافية، وعادة ما تستخدم طرق تقليدية ويتعدى ذلك إلى طرق جديدة وهجينة لتنفيذ هجماتهم كاستخدام شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية والشيفرة والقرصنة والمواد الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية، وهو ما يزيد في عمليات الفتك والقتل ليس فقط على المستوى الوطني بل العالمي[23].

ولابد من الإشارة إلى أنه إضافة إلى إرهاب الجماعات هناك ما يسمى “بإرهاب الدولة”Terrorism by State  الذي يقوم به النظام السياسي اتجاه شعبه نظراً لعدم قدرته على تحقيق مطالبه وتلبية احتياجاته، وتنطبق هذه الحالة على محاولات القوات الصربية تحت قيادة “سلوبدانميلوزفيتش”Slobodan Milosovischتطهير المسلمين في صربيا[24].

ويؤثر الإرهاب بالسلب على الأمن الوطني فهو يمثل تهديد وتحدي في آن واحد، كما يهدد الأمن الإقليمي والعالمي وسلامة واستقرار المجتمع الدولي، ويؤدي إلى استفزاز للمشاعر الإنسانية والضمير العالمي، ويمثل عامل من عوامل التوتر في العلاقات الدولية بين الشعوب والدول فهجوم القاعدة المزعوم على الولايات المتحدة يوم 11 سبتمبر 2011م الذي أدى إلى مقتل حوالي 2985 قتيل عزز التوتر بين الولايات المتحدة والدول العربية، كما أن تصاعد حدة هذه الظاهرة بصورة مطردة، وتزايد أعداد العمليات الإرهابية والخسائر الناجمة عنها يعزز سيناريو أن استفحال هذه الظاهرة خاصة في الدول الفاشلة والهشة (Failed and Fragile States) يؤكد أن الإرهاب سيظل عقبة كبيرة وتحدي مستقبلي عويص لتحقيق الأمن، وتنطبق هذه الحالة على المنطقة العربية التي دق فيها منذ سنة 2013م نقوس خطر الدعشنة في الفترة الآنية[25].

  1. الجريمة المنظمة

تُعرف أيضاًالجريمة المنظمة على أنها تنظيم إجرامي يضم أفراد أو مجموعات ينشطون بشكل منظم للحصول على فوائد مالية من خلال ممارسة أنشطة غير قانونية، ويعمل أعضاؤه من خلال بناء تنظيمي دقيق ومُعقد يُشبه ما عليه الحال في المؤسسات الاقتصادية،  وتشمل الجرائم المنظمة جرائم السرقات والسطو والسلب والنهب الاقتصادي والاجتماعي، والتهريب والمخدرات، والمتاجرة بالبشر والغش الصناعي والتزوير والاحتيال والاتجار بالأعضاء البشرية، وأي عمل يحرمه القانون الداخلي والدولي يُرتكب بصورة منظمة ومعدة سلفاً بالتخطيط والترصد والتصميم[26].

وتلتقي الجريمة المنظمة مع الظاهرة الإرهابية في عنصر التنظيم والعمل غير المشروع قانونياً، ويختلفان من حيث الهدف، حيث يهدف الإرهاب إلى تحقيق هدف سياسي إيديولوجي عبر العنف ونشر الهلع والتخويف، في حين تهدف الجريمة المنظمة إلى تحقيق الربح المادي، ويتميزان بوجود طابع علائقي من حيث التعاون الوظيفي من خلال تبادل الخبرات الفنية كتزويد عصابات الجريمة المنظمة الجماعات الإرهابية تقنية تزوير الهويات، وأيضاً الأدوار من خلال تبادل الأفراد النشيطة، كما توفر عصابات الجريمة المنظمة الجماعات الإرهابية المال والسلاح في حين تعمل الجماعات الإرهابية على حمايتها[27].

  1. الهجرة غير الشرعية

أصبحت الهجرة ظاهرة عالمية تزايدت نسبتها وتوسعت نطاقها من حيث الحجم والانتشار، وتعددت أشكالها، خاصة في العقود الأخيرة نظراً لعوامل الدفع المختلفة التي تحركه عوامل بسيكولوجية واجتماعية واقتصادية سلبية، وعوامل الجذب التي تستقطب المهاجرين بحثاً عن حياة أفضل في البلد المستقبل.

وتشير مختلف المراجع والمصادر على أن الهجرة* تعني بصفة عامة، الانتقال للعيش من مكان إلى آخر، مع نية البقاءفي المكان الجديد لفترة طويلة، كما تنقسم الهجرة إلى عدة أنواع تتعلق بالمعيار العددي أو بنطاق الهجرة، أو بالمدة الزمنية، أو بالوضع القانوني ورضا الطرفين حول الهجرة، وهي على التوالي(جماعية/فردية، محلية/خارجية، دائمة/مؤقتة شرعية/غير شرعية)، وما يهمنا في هذه الدراسة هو التصنيف الأخير، حيث يقصد بالهجرة الشرعية على أنها تلك الهجرة التي ترتبط بمدى رضا الأطراف وسلامة الإجراءات القانونية لعملية الهجرة، حيث تتم بجوزات سفر أو وثائق معتمدة من قبل الدولة المهاجر إليها وموافقتها عن طريق عقود محددة المدة وبترخيص من الدولة المستقبلة، أما الهجرة غير الشرعية تعني أن المهاجرين يدخلون بطريقة غير قانونية وشرعية بدون تأشيرات أو دون إذن مسبق للدخول للوصول إلى الدول الصناعية من خلال التعاقد مع مقاولي تهريب المهاجرين، والتسلل من خلال الحدود والزواج الشكلي الذي يهدف من خلاله المهاجر للإقامة، كما أن البعض يستخدم الوثائق وجوزات سفر مزورة وغيرها.

وما يلاحظ أن الهجرة غير الشرعية كتهديد أمني لا تماثلي أصبحت اليوم عامل مؤرق للدول سواء منها المستقبلة أو المرسلة، وحتى دول العبور كمنطقة المغرب العربي[28]، فمن الناحية الأمنية من المحتمل أن يقوم المهاجرين غير الشرعيين بالجرائم وأعمال عنف وربما أعمال إرهابية، نتيجة لعدم وجود مناصب عمل مناسبة لهم، أو قد يستغلون من طرف الجماعات المسلحة كتنظيم القاعدة، كما أن توافد المهاجرين يؤثر على البناء الديمغرافي السوسيوثقافي للدول المستقبلة خاصة إذا تمسك المهاجرين بثقافتهم، وهو ما يخل بالأمن الاجتماعي والثقافي.

أما من الناحية الاقتصادية فيمكن القول أن المهاجرين هم الإسفنجة التي تمتص التنمية حسب بعض المحللين لأن زحف الفقراء نحو دول متقدمة بأعداد كبيرة يزيد من عبء البطالة ويزيد من مستوى المنافسة بين مواطني الدولة المستقبلة والمهاجرين خاصة في حالة ركود اقتصادي، وهو ما يُولد حالات اضطراب داخل الدولة[29].

خاتمة:

يتبين لنا من خلال ما تم عرضه في هذه الورقة البحثية أن التهديدات اللاتماثلية هي نتاج لما يحصل من تطورات في البيئة العالمية الأمنية، فطبيعة هذه التهديدات أخذت أشكال أكثر تعقيداً لتأثرها بالتطور التكنولوجي والمعلوماتي الحاصل، والتي أوجدت فيه وسائل وآليات جديدة للمواجهة يصعب تحديدها، عكس عدو الأمس التقليدي الذي يسهل مواجهته وتحديد مكانه.

وعادة ما تجد هذه التهديدات المكان المثالي لها في الدول الفاشلة والهشة لتوفر البيئة المناسبة والمساعدة لها، ومن أمثلة هذه الدول نجد ليبيا، العراق، سوريا، دول الساحل…إلخ، وهي دول وجدت فيها حركات التمرد والانفصال والجماعات الارهابية وعصابات الجريمة المنظمة مناخاً ملائما لتوسيع وزيادة نشاطاتها.

وأمام تعقد هذا النوع من التهديدات لا بُد من وجود سرعة أكثر للتكيف معها من خلال معالجة التركيبات الجديدة للتكتيكات التي تستعملها الفواعل المُهددة وردعها، وزيادة العقوبات الاقتصادية والذكية عليها، ومواجهتها بلغة الجماعة، وتفعيل البانوبتية.

قائمة المراجع

أولا: باللغة العربية

  1. أبو جودة إلياس، “الأمن البشري وسيادة الدول”،مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت،
  2. المشافية أمين، وسعد شاكر شبلي،التحديات الأمنية للسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد الحرب الباردة”،دار ومكتبة حامد للنشر والتوزيع،عمان، 2012.
  3. حجاج قاسم، “التدخل الإنساني للجيش الوطني الشعبي في مواجهة الكوارث الطبيعية”،ورقة بحث قدمت في الملتقى الدولي حول: “الدفاع الوطني بين الالتزامات السيادية والتحديات الإقليمية”، ورقلة، الجزائر، 12-13 نوفمبر2014.
  4. ديبيل تيري،” استراتيجية الشؤون الخارجية…منطق الحكم الأمريكي“، ترجمة: وليد شحادة ، دار الكتاب العربيومؤسسة محمد بن آل راشد آل مكتوم، بيروت 2009.
  5. شهرزاد أدمام، “الطبيعة اللاتماثلية للتهديدات الأمنية الجديدة”، مجلة الندوة للدراسات القانونية، العدد1، 2013،
  6. عبد الله الحربيسليمان، “مفهوم الأمن: مستوياته وصيغه وتهديداته (دراسة نظرية في المفاهيم و الأطر”،المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد 19،صيف 2008.
  7. عكروم لندة، “تأثير التهديدات الأمنية بين شمال و جنوب المتوسط”، دار ابن بطوطة للنشر والتوزيع، عمان، 2013.

ثانياً: باللغة الأجنبية

  1. Brian Forst, “Terrorism, Crime and Public Policy“,Cambridge University Press, UK, 2000.
  2. David Tucker,”What’s New About the New Terrorism and How Dangerous Is It?”,Terrorism and Political Violence,13 Autumn, 2001.
  3. Frank G.Hoffman,Conflict in The 21 Century: The Rise of Hybrid Wars“, Potomac Institute for Policy Studies, Virginia, December, 2007.
  4. Jan Eichler, “Comment apprécier les menaces et les risques du monde contemporain?“, Défense nationale et sécurité collective, vol.62, n°11, Novembre2006.
  5. Hans Gunter Brauch,“Coping with Global Environmental Change, Disasters and Security“,VerlagBerlin Heidelberg: Springer, 2011.
  6. LivierNay,Le xique de Science politique vie et Institutions politiques“, Europe Media Duplication SAS, Toulouse, 2008 .
  7. Oxford Basic English Dictionary”, Oxford University press, USA, 2012.
  8. Stephen Saches, “the Change of the definition to The Security“, look atthe cite: http://www.stevesachs .com/papers/paper_security.html(13/04/2015).
  9. Thomas Copeland,Is the “New Terrorism” Really New?An Analysis of the New Paradigm for Terrorism, The Journal of Conflict Studies, , Vol. XXI, No. 2, Winter 2001.
  10. Toni Pfanner,Asymmetrical warfare from the perspective of humanitarian law and humanitarian action“, International Review of the Red Cross, V8 ,N875, Marche 2005.

 [1]لندةعكروم، “تأثير التهديدات الأمنية بين شمال و جنوب المتوسط”، دار ابن بطوطة للنشر والتوزيع، عمان، 2013، ص30.

[2] Hans Gunter Brauch, “Coping with Global Environmental Change, Disasters and Security“,Verlag Berlin Heidelberg: Springer, 2011, p 62.

 [3]”Oxford Basic English Dictionary”, Oxford University press, USA, 2012, p 404.

[4] Stephen Saches, “the Change of the definition to The Security“, look atthe cite: http://www.stevesachs.com/papers/paper_security.html(13/04/2015).

 [5]تيري ديبيل،” استراتيجية الشؤون الخارجية…منطق الحكم الأمريكي“، ترجمة: وليد شحادة ، دار الكتاب العربيومؤسسة محمد بن آل راشد آل مكتوم، بيروت 2009، ص ص 258-261.

 [6]المرجع نفسه، ص270.

[7]Jan Eichler, “Comment apprécier les menaces et les risques du monde contemporain?“, Défense nationale et sécurité collective, vol.62, n°11, Novembre2006, p.161.

[8]Hans Gunter Brauch ,Op,cit, p 62.

[9] أمين المشافية، وسعد شاكر شبلي،التحديات الأمنية للسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد الحرب الباردة”،دار ومكتبة حامد للنشر والتوزيع،عمان، 2012، ص16.

[10]سليمان عبد الله الحربي، “مفهوم الأمن: مستوياته وصيغه وتهديداته (دراسة نظرية في المفاهيم و الأطر”،المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد 19،صيف 2008، ص28.

 [11]فوزي حسن الزبيدي، “منهجية تقييم مخاطر الأمن القومي”، مجلة رؤى استراتيجية، العدد11،جويلية 2015، ص22.

[12]Le Petite Robert: Dictionnaire Alphabétique et Analogique de la Langue Française“,Edition firmindidol, Paris, 1979, P 1720.

 [13]قاسم حجاج، “التدخل الإنساني للجيش الوطني الشعبي في مواجهة الكوارث الطبيعية”،ورقة بحث قدمت في الملتقى الدولي حول: “الدفاع الوطني بين الالتزامات السيادية والتحديات الإقليمية”، ورقلة، الجزائر، 12-13 نوفمبر2014، ص ص 2-3.

[14] LivierNay,Le xique de Science politique vie etInstitutions politiques“, Europe Media Duplication SAS, Toulouse, 2008,p 482.

 [15]إلياس أبو جودة، “الأمن البشري وسيادة الدول”،مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 2008، ص ص 29-34.

[16] سليمان عبد الله الحربي، مرجع سابق، ص29.

 [17] أدمام شهرزاد، “الطبيعة اللاتماثلية للتهديدات الأمنية الجديدة”، مجلة الندوة للدراسات القانونية، العدد1، 2013، ص1.

[18] سليمان عبد الله الحربي، مرجع سابق، ص ص 29-30.

[19]Toni Pfanner,Asymmetrical warfare from the perspective of humanitarian law and humanitarian action“, International Review of the Red Cross, V87,N875, Marche 2005, p 151.

[20] Frank G.Hoffman,Conflict in The 21 Century: The Rise of Hybrid Wars“, Potomac Institute for Policy Studies, Virginia, December, 2007(, pp 8-15.

[21] عبد النور بن عنتر، “تهديدات هجينة”، تم تصفح الموقع يوم: 13 أفريل 2015. الرابط:

http://www.alaraby.co.uk/opinion/2014/10/4/%D8%AA%D9%87%D8%AF%D9%8A%D8% sthash.U01YhMjl.dpuf

[22] Thomas Copeland,Is the “New Terrorism” Really New?An Analysis of the New Paradigm for Terrorism, The Journal of Conflict Studies, Winter 2001, Vol. XXI, No. 2, p93.

[23] David Tucker,What’s New About the New Terrorism and How Dangerous Is It?, Terrorism and Political Violence,13(Autumn, 2001), pp. 1–14

[24] Brian Forst, “Terrorism, Crime and Public Policy“,Cambridge University Press, UK, 2000, p9.

 [25] لندةعكروم ، مرجع سابق، ص ص84-85.

[26] أديبة محمد صالح، الجريمة المنظمة دراسة مقارنة قانونية، السليمانية: مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية، 2009، ص 12.

 عثمان علي حسن، الإرهاب الدولي ومظاهره القانونية والسياسية في ضوء أحكام القانون الدولي، كردستان: مطبعة مناره ، 2006، ص111-112. [27]

* هناك ثلاث معاني للهجرة في اللغة الإنجليزية: الهجرة من منظور الدول المستقبلة (the Receiving Countries) ويطلق عليها في هذه الحالة التوطين (Immigration)، أما عن الهجرة بالنسبة للدول المرسلة (the Sending Countries) فيطلق عليها (Emigration)، في حين من منظور الدول الأخرى والعالم ككل يطلق عليها (Migration)، وهو الأكثر استخداما. أنظر: مصطفى عبدالله أبو القاسم خشيم، “الهجرة في إطار العلاقات الدولية”، مجلة الدراسات، العدد 28، ص ص 23-25.

[28] لندة عكروم، مرجع سابق، ص ص90-91.

 [29] المرجع نفسه، ص ص 121-127.

4.2/5 - (8 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى