تحليلات

الشباب والنظام … أزمة ثقة

كتب / محمود خليفة جودة
باحث متخصص فى مجال العلوم السياسية
ثمة أزمة حقيقة ومعضلة فى علاقة الشباب بالنظام السياسى, مهما اختلفت طبيعية هذا النظام ورأسه, فمازال يوجد حالة من الاحتقان والسخط العام لدى قطاع كبير من الشباب فى مصر, الأمر الذى بات واضحاً وتجلى فى ثورة 25 يناير التى أشعل فتيلها الشباب لإسقاط نظام مبارك الذى ظل كابتاً على نفوس المصريين طيلة ثلاثة عقود من الزمان, الأمر أيضا الذى بدأ يتجلى ويتكرر فى أكثر من صورة وملمح متمثلاً فى الاحتجاجات والمظاهرات فى الفترات الزمانية المتعاقبة منذ ثورة 25 يناير وحتى يومنا هذا.
وفى سياق ما تقدم باتت الحاجة ملحه للوقوف على حقيقة هذه الإشكاليه التى أضحت تأرق المجتمع وأجهزة الدولة المختلفه, خاصة فى ظل التوجه نحو العنف السياسى والاحتجاج غير السلمى على الأوضاع, ويعد قطاع الشباب الفئة العمرية الأكبر نسبة فى مصر إذ تبلغ نسبة الشباب فى الفئة العمرية (15 – 29 عاما) 29% من أجمالى السكان وذلك طبقا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء, ومن هنا كان لابد من البحث فى الأسباب الكامنة وراء أزمة الثقة بين الشباب والنظام, هذه الأزمة التى ترجع لأسباب عدة تبدأ من المراحل العمرية المبكرة ثم تكبر يوما بعد يوم, فلدينا منظومة تعليميه تحتاج إلى إعادة هيكلة لإفراز جيل جديد قادر على الإبتكار والإبداع وخلق الفرص لنفسه, وتنمية ملكاته وزيادة الإمكانيات لديه ليكون إداة فيما بعد تعود بالنفع على نفسه والمجتمع, فتكوين ثقافة العمل والإبداع هو مفتاح التقدم والرقى لكل أمه.
وفى ظل تدنى المستوى التعليمى الذى يستمر حتى فى مراحل التعليم الجامعى, فيكون لدينا فى النهاية خريج غير قادر على إفادة نفسه ومجتمعه هذا من ناحية, بالإضافة إلى عدم الإستفادة من الكفاءات والمتفوقين فى ظل سيادة المحسوبية وتولى من لا يصلح مكان من يصلح, وعدم قدرة الدولة على توفير فرص العمل المناسب للشباب وتنمية قدارتهم ومهاراتهم وفتح مجالات وأسواق جديدة للعمالة أمامهم, صار لدينا 51.3% من الشباب يصنفون ضمن قائمة الفقراء حيث أن 27% من الشباب يعانون من الفقر، بينما يقترب من خط الفقر نحو 24.3% ويمثل غير الفقراء نحو 48.7%, ويبلغ معدل البطالة للشباب الذكور الحاصلين على مؤهل جامعى فأعلى بلغ 37.8% و 56.5% بالنسبة للأناث.
وفى ظل هذه الحالة يسرى الأحباط واليأس فى نفوس الشباب, فهو أصبح غير قادر على صناعة مستقبل أفضل والحصول على الوظيفة المناسبة بالمرتب المناسب الذى يكفى احتياجاته ويجعله قادر فيما بعد على أن يكون رب أسرة, مما يجعل مستقبل السود الأعظم من الشباب قاتم يكتنفه الغموض, فيلجأ إلى عده وسائل وطرق منها الهجرة إلى الخارج حيث نجد أن أكثر من 61% من الشباب يرغبون فى الهجرة سواء كان ذلك بوسائل شرعية أو غير شرعية, ويؤثر ذلك كله على سيكولوجية الشباب فيشعر بنوع من عدم الثقة فى الدولة وأجهزتها لعجزها عن توفير مستقبل آمن له, ومن هنا يثور عليها بكل الطرق ويعلن بشكل أو بأخر رفضه لهذا الوضع وسعيه إلى تغييره للأفضل, إلا أن ما يقلقنى فى هذا الصدد هو المنحنى الذى اتخذه أسلوب الشباب من الاحتجاج والمظاهرات السلمية إلى العنف السياسى الذى يهدد أمن المجتمع واستقراره وتجلى فى أكثر من موقف كالذى حدث فى الجامعات المصرية طوال الفترة الماضية, لذا وجب على الدولة وأجهزتها المختلفة التحرك بأقصى سرعة وعلى اتجاهات عدة لتمكين الشباب سياسياً واقتصادياً وتوفير فرص العمل المناسبة واحتواء هذا الهوى الثورى الذى بدأ يستشرى فى قطاع الشباب.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى