سقوط البهلوان: النعي المبكر لثورات الربيع العربي
بقلم : أبوالقاسم المشاي- هيئة ابحاث العلوم والتكنولوجيا – ليبيا
عندما تغيب أبجديات التفاهم والحوار .. وتغيب المرجعيات الاساسية للحوكمة.. وتختفي المعايير التي شكّلت المؤشرات الأولى التي ارتكزت وتمحورت حولها مختلف محطات وجلسات ولقاءات المفاوضات والمباحثات التي بدأت بين الأطراف المتنازعة والمتناحرة والمتقاتلة على السلطة والنفوذ.. تغذيها أوهام السيطرة على الارزاق والاعناق وكأنها “اعادة” لتدوير منهجيات الاستبداد والتنكيل بالشعب والقمع وما يغلفها من عبارات تخوين وتجريم واقصاء وتهميش وعنصرية..!
• المسألة برمتها تجلت صورتها وتشكّلت حلقاتها من اجل البحث عن الخلافات وليس البحث والتفكير بروح الاختلاف من اجل الاتفاق والتعددية وان ترتكز على شروط تأسيس واختراع “دولة” وحماية وطن من الانهيار! بل ذهبت جميع الشعارات واللقاءات والمفاوضات التي تتجاذب اطراف الحديث من اجل زيادة التفرقة والتشرذم والاطاحة بالحد الأدنى او الخيط الرفيع الذي يربط اوصال الوطن بين تكويناته الاجتماعية التي ازدادت حدة تفككها .. منذ أول حكومة ” بعد التحرير” ومع الفشل المستمر لما يسمى -اعتباطا- بالمصالحة الوطنية دونما امكانية الوعي بمفهوم “المصالحة” في اطارها الحقيقي كمقتضى اساسي للخروج من العنف!
• لن يأخذنا هنا المسرح المشوه بالمسوخات السياسية التي تحاول ان تقدم نفسها كــ” نخب” سياسية، حيث ان الوعي الجذري بالسياسية تظهر باعتبارها “فن ادارة النقاش العام” وهذا ما لم نشاهده او نسمعه او يمكن الاهتداء عبره الى انتاج صيغ توافقية او ما يعرف بعملية “ادراة المجتمع المتعدد” ! ولعل الظرف التاريخي الاجتماعي يعيش محنته القاسية من صراعات وابادات وحروب وتهجير وتنكيل وخطف! كان لها ان تعمق الشقاق والانقسامات القبلية والجهوية والعرقية والعائلية.. كان المستفيد الاكبر منها والذي يسعي بشكل متواصل الى
اعادة استثمار (هم) ذاتهم … ومشروعيتهم التي جاءت خلف افواه البنادق او من وراء اشكال مختلفة من اساليب المحاصصات “والغلبة” بروع العداء للآخر “اي آخر” وكل طرف يريد او يعمل على اتهام الآخر من اجل إلغائه، في حين ترزح غالبية الشعب تحت وطأة الفقر المدقع.. واعادة تدوير التجهيل بوسائل ليست جديدة ولكنها ذاتها التي عمدتها الدكتاتوريات وانظمة الاستبداد.. وكأننا نشهد على عودتها بأكثر توحش وهمجية مما قرأنا في كتب التاريخ عن انماط الدكتاتوريات وطبائع الاستبداد والتي سيكون همها ومشروع انتهاك الحقوق وإخراس العقول وقمع الحريات وممارسات انماط الفساد الرجيم التي تغولت في الافتراس.. بل تجد ضالتها في انتهاك الحقوق من اجل اشباع عطشها .. وتجد حياتها عبر اراقة دماء الابرياء!
• هل فكرة “دراكولا” الاسطورية او الواقعية باتت ادنى من ان تشد انتباه الدارسين والباحثين عن غريزة سفك الدماء التي يتم تتويجها وتكريمها في مشهد يدعوا الى الكثير من التأمل واعادة شحذ الفكر بأكثر من وسيلة كي نفهم حقيقة “الانسان” وسلوكه ومتى انحطاطه ونزوله الى الدرك الاسفل من الهمجية والتوحش!
• الخيال الاستراتيجي والذكاء العاطفي واذ يعيد ترميم سؤاله الجوهري حول الأخلاق وبما جاءت به مختلف الاديان السماوية وبما اسست له مختلف انماط ومراحل الحضارات منذ مجتمعات “ما وراء التاريخ” واذ نطل في ذات اللحظة على ما يحدث حولنا سواء على المستوى المحلى او العالمي او ربما بنظرة اضيق جدا مما هو عليه السؤال؟! ان نرى المؤسسات في بلادنا وما تمارسه من اعمال وافعال تصنف كونها رجسا وفجورا منقطع النظير ولايشبهه فساد آخر في اي زمان ومكان!
• وكأن دالة اقول تعلن على ان الشر يلتهم الخير، والكذب ينتصر على الصدق، والجهل يعلو على العلم، والفساد اكثر تبجيلا من الامانة، والنفاق يطيح بكل ما عداه من متصورات اخلاقية او دروس تربوية بل فهو يقوض امكانية اقامة العدل والحق ويزيد من مكيدته عندما تجد مؤسسات القضاء بيئة حاضنة له وداعمة وعيا او بغير ذلك،.. هذا بذاته يشكل لنا اصل السؤال؟
• الى اين والى اي مصير يمكن ان نوجه السؤال لمن يدعي الشرعية او يدعي الوفاق او الذين ادعوّ الحكمة.. واؤلئك الذين يزايدون بأسم الحوار والتوافق؟!
• وعلى ما تيسر من أزمات مركبةّ فككت المجتمع ودمرت خلاياه وأنسجته وعبر كل الاساليب والادوات التي اندفعت وراء صناعة التدمير سواء حضر عبر المحطات الاعلامية وخطاباتها المؤججة للعنف وادارة الانقسامات.. وتغييب المواطن او لعلها الشروط التي انتجتها والتبعية التي تخنقها “المال” المدفوع والمشبوه كان محركها وان جاء على حساب المباديء!
• كما ساهمت ما يعرف بالاحزاب السياسية والتكتلات القبلية والعرقية من شحن وتيرة الخلافات وتأجيج الصراعات بأكثر من وسيلة مدعومة بوقود العنصرية “كل يتهم الآخر!!” فقط من أجل مآرب شخصية او لمجموعة تقتات على هذه السموم وتعيد حقنها في عقول الناس تماما مثلما تحقن فئران التجارب في الحاضنات المعملية.. ومن جهة اخرى كانت عصابات غسيل الامول والارهاب جاهزة في كل محطة ومع كل دورة برلمانية او تشكيلة حكومية جديدة.. تشهد عليها آخر هذه الجولات من الصخيرات الى غدامس الى تونس الى ريكسوس وطبرق الى حضائر الليل ومرابيع الكولصة على طول الخريطة..! • التقرير السري الذي تم تسريبه عبر ويكيليس يؤكد ان العملية “صوفيا” والتي تشكل جزء من القفل الفولاذي فعلا تم رسمها بالطول والعرض وبالتفصيل الممل.. وهي تعلن عن زمنها بـ 6 أشهر.. ولكن الفرضيات التي يمكن استنتاجها ستكون عملية طويلـة الأجل.. وعلى فكرة “مارس” هو إله الحرب عند الرومان! ومن البديهي والمسلمّ به انه عندما يبدأ العنف يختفي الحوار، وعندما تبدأ الحرب تختفي السياسة!!