مفهوم الإصلاح الاجتماعي
بقلم : أ.معاذ عليوي
*باحث اجتماعي، متخصص في العلوم الاجتماعية، حاصل على درجة الماجستير في التخطيط والتنمية السياسية.
تمهيد:-
يعدّ مفهوم الإصلاح الاجتماعي إحدى المفاهيم الشائكة في حقل العلوم الاجتماعية لما له من أهمية علمية وعملية لدى الباحثين في تطويره والإستفادة منه في إجراء الابحاث والدراسات العلمية التي يرادُ منها الإضافة العلمية للمفهوم كي يضمن له التجدد والديمومة والاستفادة منه في الجانب العملي نظراً لما يتسم به مجتمعنا العربي من مشكلاتٍ اجتماعية معقدة على المستويين المحلي والقومي، مما يستدعي توافر آليات للإصلاح الاجتماعي تأخذ على عاتقها بناء استراتيجيات ورؤى عملية اصلاحية تدفع المجتمع نحو التقدم والتحديث بعيداً عن مظاهر الظلم والاضطهاد والتعسف الاجتماعي.
ترجع بدايات نشأة المفهوم إلى تشارلز بوث عندما أجرى دراسته البحثية عن مشكة الفقر وتوصله إلى نتيجة أساسية وهي أن الفقر يرجع إلى سوء إدارة وتنظيم المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، ولا يرجع إلى تقصير الفرد وسوء أخلاقه كانحرافه السلوكي، أو كسله، أو أفراطه في تناول المشروبات الكحولية.
وهذا يعني بأن سوء الإوضاع الاقتصادية والاجتماعية داخل المؤسسات والإنطمة الاقتصادية والاجتماعية ناتج عن سلوكٍ نخبوي بإمتياز لا علاقة للإفراد به، وهذا ما يتطلب دوماً بوجود أحهزة للمراقبة والمتابعة المنظمة من قبل الجهات العليا في الإشراف على المؤسسات والهيئات الناظمة خشيةً تعرضها لسلوكياتٍ شاذة تؤدي بها إلى حالةٍ من الانهيار التام للمؤسسة مما يصعبُ إصلاحها وإعادة هيكليتها.
إلا أن ما يهمنا في هذا المقال التعريف بمفهوم الاصلاح الاجتماعي، وبيان الاهمية العامة للمفهوم.
مفهوم الإصلاح الاجتماعي:-
قبل البدء بتعريف الاصلاح الاجتماعي لابد من التعريف اللغوي للإصلاح والفرق بينه وبين الثورة.
التعريف اللغوي للإصلاح:- زال عنه الفساد، صلح الشئ أي زال فساده.
الثورة:- هيالتغييرالمفاجئ السريع بعيدالاثرفي الكيان الاجتماعي لتحطيم استمرار الاحوال القائمة في المجتمع وذلك بإعادة تنظيم وبناء النظام الاجتماعي بناء اًجذرياً.
يتبين مما سبق بأن الإصلاح هو تحويلاً وتغييراً غير جذرياً في شكل وانماط العلاقات الاجتماعية دون المساس بأسس وقواعد الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للدولة، بينما الثورة تكون أعنف من الإصلاح وتأتي كخيار نهائي عندمل تستعصى أدوات الإصلاح عن تحقيق الهدف الأسمى لها في إحداث تغيير شامل في البنى الاجتماعية والاقتصادية للدولة، بل يؤدي في حال تعذرها إلى حالةٍ من التمرد والعصيان وتدخل البلاد في حالة حربٍ أهلية ينجمُ عنها الفوضى وقتلً للمدنيين نتيجةً لعدم توافق صياغة نموذجية مشتركة بين الأطر السياسية حول بناء نموذج إصلاحي توافقي يخدم أبناء المحتمع الواحد بعيداً عن التمسك بإجنداتٍ حزبية لا تخدم سوى حزبٍ أو تنظيمٍ سياسي واحد دون الآخذ بعين الإعتبار المصلحة العليا للشعب.
الإصلاح الاجتماعي:- يشير مفهوم الإصلاح الاجتماعي إلى تحسين الإحوال الاجتماعية عن طريق تعديل في بعض النظم الاجتماعية دون أن يؤدي إلى تغيير شامل في البناء الاجتماعي بشكل جذري.
علينا ان نأخذ بعين الإعتبار أن الاصلاح الاجتماعي لا يتوالد من الخارج أي لا تفرضه أجنداتٌ خارجية بل يأتي نتاجاً لحالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي الناجم عن خروج النسق السياسي والاجتماعي عن بعض مظاهره مثل: شيوع الفقر، وانتشار البطالة، وغياب مبادئ العدالة والمساواة الاجتماعية، مما يسترعي توافر حراكاً إصلاحياً من قبل مواطني الدولة يستشعرون فيها قيمتهم الإنسانية نحو تصحيح المسار الاقتصادي والاجتماعي بعيداً عن المسار الدموي الذي يؤدي بالبلاد نحو الدمارالتخريب.
لماذا نحنُ بحاجة للإصلاح الاجتماعي؟
إن الحاجة للإصلاح الاجتماعي في القرن الحادي والعشرين أمرٌ بات في غاية الضرورة لايمكن إغفاله أو نسيانه، أو حتى استعماله نظرياً على الصعيد الإكاديمي، بل لابد من تطبيقه وحُسن استعماله كي ينشأ لنا مجتمعاً متماسكاً مترابطاً مستقراً يعيّ أهمية المفهوم فعلاً وقولاً وممارسةً.
إذا إردنا أن يكون لدينا مجتمعاً قوياً مترابطاً مستقراً فلابد من تطبيق قواعد الاصلاح الاجتماعي الناجزة التي تحقق الاستقرار ليس فقط السياسي والاجتماعي، بل تحقق استقراراً ثقافياً وفكرياً يتيج لجميع أفراد المجتمع الإسهام بشكلٍ فاعل في بناء منظومةٍ اجتماعية إصلاحية قادرة على تحقيق ما يلي:-
-تذويب الفوارق بين الطبقات.
– تحقيق التكافؤ في الفرص.
– المساواة أمام القانون.
– العدالة في توزيع أعباء الإنفاق العام.
وهذه الإهداف آنفة الذكر لن تتحقق بدون الإرتكاز على عنصرين رئيسين إلا وهما:-
الحرية السياسية.
المسسئولية المجتمعية.
يتضح مما سبق بأن الحاجة للإصلاح يجب أن تكون مستمرة وليست متقطعة، حتى تضمن سلامة نجاعتها ومدى قدرتها على تحقيق الإهداف العامة المرجوة لها، وهذا بحاجة إلى كوادر مدربة تستشعر أهمية الاصلاح الاجتماعي كي تكون قادرة على توظيف الموارد والامكانيات داخل مجتمعها بالتعاون مع النخب والقيادات الفاعلة والنشطة وهذا لن يتم كما أطلق عليه Malina Anna)) إلا بالحاجة الشديدة إلى الرغبة الطيبة والثقة المتبادلة مع الآخذ بإلاعتبار ضرورة تعميم وتعزيز أشكال المواطنة والتحرك بعيداً عن الانانية والمصالح الشخصية باتجاه الشخصية الجديدة المهتمة والمواطنة الأفضل، كمؤشر أساسي للمشاركة وتطوير القبول الواسع للمسؤولية الاجتماعية الجماعية.