مقالات

مخرجات أساسية في المشهد السياسي في العراق

بقلم : د.هاني الحديثي – المركز الديمقراطي العربي

 

في ظل سيادة الثقافة الشعبوية وغياب العقل والوعي والمنطق ، وعلو العقل الفئوي دينيا و طائفيا، عرقيا وعشائريا ومناطقيا في بلد كان يوما والى وقت قريب يعيش مظاهر المدنية والتنمية الانفجارية اقتصاديا وعلميا ليكون بين البلدان المتقدمة في الامن والاستقرار و الصحة والتعليم وارتفاع نسب المستوى المعيشي للمواطن بشهادة وتوثيق منظمة اليونسكو والمنظمات الدولية ولكن دون ان يعالج بشكل جوهري معضلة الثقافة والوعي الجمعي المتصل بالهوية والولاء الوطني وفق منهج علمي واقعي معتمدا بدلا من ذلك الأساليب القسرية في كبح النزعات الذاتية لصالح شخصنة السلطة ومن يقبض عليها ليتحول الولاء للشخص الزعيم والقائد المبجل وظل الله في الارض بدلا من الولاء للوطن اولا واخيرا ، تفجرت كل ينابيع الكراهية بين ابناء المكونات العراقية اتجاه الاخر دفعة واحدة بعدما أزيحت القوة القاهرة المانعة لها ، و لتذهب البلاد والعباد او الاغلبية منها نحو مظاهر كانت إلى وقت الاحتلال المركب للعراق 2003م تبدو شبه مستحيلة ، أو على الأقل شديدة الصعوبة ليشهد العراق انقسامات جدية وحقيقيه ثقافيا ومجتمعيا تقوده فئات وقيادات مختلفة وجاهلة ولائية لمن هم خارج العراق مع التنظير واسع النطاق من قبلهم واعطائها مفهوم المقدس الديني والواجب فرضه على العامة لإلغاء مفهوم السيادة والحدود الوطنية والقومية والولاء للوطن اولا ، و اغلب هذه القيادات ظلت تبدو دخيلة لم تكن لتتبوأ ما تبوأته من مصادر ومواقع السلطة والنفوذ لولا الاحتلال الأجنبي المركب الهويات والمتعدد الغايات والمختلف في المقاصد النهائية حتى ادى ذلك إلى انقسام صارخ في المشهد السياسي العراقي بعيدا عن كل مزاعم الاتصال بالحضارات القديمة التي اندثرت تأثيراتها المعنوية أمام هول الانفصال الثقافي عنها ، او حتى التفاعل مع مركبات وعناصر التجديد الحضاري أو مظاهر المدنية الجديدة .

في ظل هذا الواقع ،شهد العراق مؤخرا مشاهد تخللت الانتخابات التي يزعم أصحابها انها مظهر للديمقراطية ولكنها في واقع الحال مناقضة لكل مناهج الديمقراطيات السائدة في العالم المتقدم والمتخلف وهي ترفع شعارات الاغلبية الاجتماعية في عملية مقصودة لتشويه مفهوم الاغلبية السياسية مستغلة الجهل العام وغياب الوعي عن عامة الناس وحتى بعض الخصوص منهم من الذين انساقوا خلف المصالح الذاتية ومنحوها العلوية على البناء الهوياتي الوطني . و نعرض منها الآتي :

1- الاطار التنسيقي : تتنافس أطرافه وفق مبدأين : الاول :وحدة الهدف المتمثل بالقبض على السلطة لصالح الاطار تحت شعارات( طائفية ) تنطلق بها عشرات القنوات الفضائية وتحت شعار الاغلبية السكانية وعلو المذهب على الوطن ليؤكدوا خلال ذلك ان الطائفة والمذهب فوق الوطن . هم بذلك ينطلقون من توظيف شعار( المظلومية) للانتقام ممن يعتقدونه (جلادا ) في تشكيل بيئة حاضنة لثقافات شعبوية تعتمد الأوهام وتزوير وقائع التاريخ المزور أصلا .

الثاني : المتنافسون الاطاريون يسجل لهم رغم الاختلافات بينهم بانهم يتمتعون بشرف التنافس بينهم دون تجريح من طرف لطرف آخر وهم ناجحون في ذلك . 2- قوى وتكتلات الشعب الكردي . وتتنافس أطرافه بمنهج حضاري لأجل علو واستحقاقات الشعب الكوردي وقضاياه القومية يسحبون معهم جماهير واسعة من الطيف العربي السني والطيف العراقي المسيحي داخل الاقليم وخارجه نتيجة المواقف الإنسانية لقيادة اقليم كوردستان وتقديمها انموذجا متقدما في البناء والإعمار والامن المفقود في عموم العراق .

3- التكتلات التي تمثل الطيف السني .رغم تاريخ الطيف الزاهر والمنتج في بناء الدولة والخبرة والتجربة العميقة لدى أعلام ومثقفي العرب السنة ،إلا أن القوائم والتكتلات المتقدمة في الانتخابات طبعت نفسها للأسف بمنهج التسقيط والتجريح للآخر داخل المكون وبأسلوب يفتقد للقيم التقليدية في التنافس الشريف ، بل وصل الأمر ببعظهم الى الغدر باصحاب المواقف النبيلة سواءا من داخل المكون العربي السني او من رموز المكونات الأخرى .

لقد خيم عليهم للأسف الخطاب العشائري والمناطقي ومصالح الأشخاص فوق مصالح المكون عدا عن مصالح الوطن وبذلك يكونوا قد وقفوا على ذات الخط مع طيف الاطار التنسيقي وهي ظاهرة خطيرة هددت فعلا او ربما قوضت عند مجموعة الناس قضية الهوية الوطنية و الولاء للبلاد ، ولعل ذهاب بعض رموز القوائم السنية الفائزة في الانتخابات الى تشكيل مجلس سياسي مشترك مؤخرا هو استجابة لهذا الواقع بالتوازي مع الاطار التنسيقي الممثل حسب زعمهم للمكون الشيعي في البلاد .

4- تكتلات اخرى تستمد الدعم من الآخرين لإثبات حقوقها في وطن غابت عنه الهوية الوطنية ووحدة الولاء رغم الجذور التاريخية الراسخة في سجل البلاد التاريخي .

في ضوء ماتقدم ،غابت الهوية الوطنية وتشظى الولاء للعراق إلى تقديم الولاءات الفرعية حتى فقد العراق او افقدوه سماته وصفاته وولاء أبنائه للوطن ليحل الانتماء والولاء الفرعي محله . ان ماتقدم يؤسس ويرسخ لواقع عراقي جديد ،عراق القوميات والأديان والطوائف التي تتصارع فيما بينها على المغانم ، او بعبارة اخرى عراق إمارات الطوائف ، وهو الأمر الذي لابد ان يؤخذ بنظر الاعتبار في اعادة تاسيس الدولة لمن يفكر لصالح اعادة التأسيس حفاظاعلى البلاد .

أن الاستنتاج الذي نخلص له هنا ومن وجهة نظرنا الشخصية أنه حين تغيب فرص الاندماج و الوحدة الاجتماعية والعيش المشترك بسبب غلبة سياسة الإقصاء والتهميش والتكفير و التضليل ، وتنحسر إمكانية بناء دولة القانون وتحقيق العدالة ،فان الحل يكمن في إنجاز مشروع الدولة المتحدة بأقاليم تحفظ لمكوناتها الاثنية حقوقهم وتحفظ لهم أستحقاقاتهم وفق دستور جامع شامل تتفرع عنه دساتير محلية للأقاليم تنسجم معه في وحدة المقصد الوطني .

أن ذلك لايمكن ان تنجزه الاحزاب ورموز المكونات المتسببة أصلا بهذه المظاهر من الفشل والفساد ، انما يتم حين تحسن النوايا ان ينجز من قبل خبراء مهنيون يستمدون خبرتهم من مهنيتهم واحترافهم المدعوم بخبرات اممية تعينهم في تحقيق وحدة الوطن ووحدة المواطنة في دولة يسودها العدالة الاجتماعية .

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطي العربي

مؤسسة بحثية مستقلة تعمل فى إطار البحث العلمي الأكاديمي، وتعنى بنشر البحوث والدراسات في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية والعلوم التطبيقية، وذلك من خلال منافذ رصينة كالمجلات المحكمة والمؤتمرات العلمية ومشاريع الكتب الجماعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى