الديموقراطية الغربية أزمات متلاحقة ودعوات بحتمية التغيير

- إعادة هيكلة النظام االسياسى الغربى لظهور الكثير من عناصر القصور
- الولايات المتحده تعانى استقطاب سياسي وخلل في المؤسسات وتهديدات للحريات المدنية
- خطر الانحراف عن المسار يهدد الأنظمة الديمقراطية القائمة
- الديموقراطية منهجا وطريقة عملية لأخذ القرارات و ليست عقيدة ترتبط بتراث أوروبا
اعداد : د. شاهيناز العقباوى – المركز الديمقراطي العربي
تعيش الديمقراطية فى المجتماعات الغربية فى الوقت الراهن ؛ أزمة خانقة تظهر ملامحها عبر العديد من الأحداث المتتابعة ذلك على الرغم من كونها مع بداية التسعينيات، انتقلت اغلب بلدانها إلى الممارسة الديمقراطية بوصفها النموذج السياسى الأمثل لحرية الشعوب ونجاح الأمم، لكن وعلى مستوى واسع نلاحظ في السنوات الأخيرة موجة انحسار وتراجع حتى فى الأنتماء للديمقراطية ذلك في قلب المنظومة الليبرالية الغربية، وشيوع حالة استقطاب نحو الرافعين شعار الدعوة إلى إعادة هيكلة النظام االسياسى الغربى لظهور الكثير من عناصر القصور به .
الديمقراطية وكما هو متعارف علية شكل من أشكال الحكم يشارك فيها جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة إما مباشرة أو من خلال ممثلين عنهم منتخبين ، وهي تشمل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تمكن المواطنين من الممارسة الحرة والمتساوية لتقرير المصير السياسي. ويعد الالتزام بالمسؤولية واحترام النظام وترجيح كفة المعرفة على القوة والعنف من أهم الأسس التى تقوم عليها، ويطلق المصطلح أحيانا على المعنى الضيق لوصف نظام الحكم في دولة ديمقراطيةٍ، أو بمعنى أوسع لوصف ثقافة مجتمع. وهى بهذا المعنَى الأوسع نظام اجتماعي مميز يؤمن به ويسير عليه المجتمع ويشير إلى ثقافةٍ سياسيّة وأخلاقية تتجلى فيها مفاهيم تتعلق بضرورة تداول السلطة سلمياً وبصورة دورية.
أشكال الديمقراطية
هذا وتوجد عدة أشكال من الديمقراطية، منها المباشرة والتى تسمى عادة باالنقية وهي الأقل شيوعا وتمثل النظام الذي يصوت فيه الشعب على قرارات الحكومة مثل المصادقة على القوانين أو رفضها وتسمى” بالديمقراطية المباشرة “ لأن الناس يمارسون بشكل مباشر سلطة صنع القرار من دون وسطاء أو نواب ينوبون عنهم. وتاريخياً كان هذا الشكل من أشكال الحكم نادراً نظراً لصعوبة جمع كل الأفراد المعنيين في مكان واحد من أجل عملية التصويت على القرارات.
و “ الديمقراطية النيابية” وهي عبارة عن نظام سياسي يصوت فيه أفراد الشعب على اختيار أعضاء الحكومة الذين بدورهم يتخذون القرارات التي تتفق ومصالح الناخبين وتسمى بالنيابية لأن الشعب لا يصوت على قرارات الحكومة بل ينتخب نواباً يقررون عنهم و شاع هذا الشكل من الحكم الديمقراطي في العصور الأخيرة وشهد القرن العشرين زيادة كبيرة في اعداد نظم الحكم هذه ولهذا صار غالبية سكان العالم يعيشون في ظل حكومات نيابية .
وكذلك هناك “الديمقراطية الليبرالية” والتى تكون فيها السلطة الحاكمة خاضعة للقانون ، ويضمن دستور الدولة للمواطنين حقوقا لا يمكن انتهاكها. أما “التشاركية” وهي إشراك أكبر قدر ممكن من الفاعلين السياسيين المتمثلين في أفراد المجتمع المدني والجمعيات والخبراء والباحثين وغيرهم، إلى جانب السلطة المنتخبة بهدف إيجاد حلول فعالة وواقعية لمختلف المشاكل السياسية، ذلك عن طريق المساهمة الشعبية في التشريع بتقديم عرائض وملتمسات التشريع والنشاط والسياسي للجمعيات المدنية والهيئات الحكامة الجيدة وتفعيل دور المؤسسات الوسيطة بين المواطن وأجهزة الدولة.
وتهدف الديمقراطية فى الأساس إلى تحقيق مبادئ الحرية والعدالة والمساواة.و الأمن الشخصي والاجتماعي والاقتصادي مع ترسيخ قيم الصدق والأمانة والتعايش السلمي و مشاركة الشعب في اتخاذ القرار . والمحافظة على المال العام واحترام حقوق الإنسان و الفصل بين السلطات. ومحاربة الشطط في استعمال السلطات. والذى بدورة يترتب علية االكثير من المميزات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، للدول التى تتخذ من الديمقراطية صيغة رسمية لها ومنها الاستقرار السياسي والتجاوب الفعال في أوقات الحروب والازمات وانخفاض مستوى الفساد والحد من الإرهاب ومكافحة الفقر والمجاعة وغيرها من المكتسبات التى بدورها تعود على الشعوب والأوطان بالفضل، وفى هذا الإطار تسعى القيادة الديمقراطية إلى زيادة وعي المرؤوسين باحتياجاتهم، وتحويـل هذا الوعي إلى آمال وتوقعات، ومن ثم تتولد لديهم الدافعية لإشباع حاجاتهم فيما يتعلق بإدراك وتحقيق الذات في حياتهم العملية، مما يترتب علية تقديم كل ما لديهم من جهد لغـرض تنفيذ ما هو مطلوب منهم رسميا بل أكثر من ذلك، إلى الاجتهاد والمثابرة والإبداع من أجـل ضمان نجاح المنظومة الديمقراطية واستمرارها.
تراجع الديمقراطية
كل هذه المميزات والاهداف البناءة لم تشفع لها أمام الانحسار والأزمة الشديدة التى تواجهها فى دول الغرب، فوفقا لما كشفة تقرير للمعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الإنتخابية الذى يتخذ من السويد مقرا له، أن نصف الديمقراطيات في العالم تشهد تراجعا كبيرا تقاقم في ظل الحرب في أوكرانيا و الذى تواكب مع العديد من الأزمات الاقتصادية، وقال المعهد: إن قضايا تتراوح بين القيود على حرية التعبير وزيادة عدم الثقة في شرعية الانتخابات، وانتهاكات لدولة القانون او فرض قيود فى القضاء المدنى ، حيث شهدت السنوات الأخيرة حالة ركود على صعيد كل مؤشرات دراسات المؤسسات الديمقراطية ، بل عاد بعضها إلى مستويات التسعينات ، حيث سجلت أغلب الأنظمة الديمقراطية تدهورا حقيقيا فى العقدين الأخيرين .
وحذر التقرير من أن الولايات المتحده تعانى مشكلات استقطاب سياسي، وخلل في عمل المؤسسات، وتهديدات للحريات المدنية. وقال الأمين العام للمعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية “كاساس زامورا “من الواضح الآن أن هذه الحمى لم تنحسر مع انتخاب إدارة جديدة”بها “ . وخلال السنوات الخمس الأخيرة في أوروبا وحدها ، عانت17 دولة اى حوالي نصف الديمقراطيات من تدهور فى أسس الديمقراطية .
وشدد التقرير على أن “الديمقراطيات تجهد لإيجاد توازن فعال في بيئة من انعدام الاستقرار والقلق. مع انتشار النزعة الشعبوية في العالم في حين أن الابتكار والنمو في حالة ركود أو تراجع”. كما أشار التقريرإلى “توجهات مقلقة” حتى في الدول التي تتمتع بمستوى متوسط أو مرتفع من المعايير الديمقراطية. وفى السياق ذاته قال الدكتور مايكل روبنز، مدير شبكة أبحاث الباروميتر العربي،” ثمة إدراك على نحو متزايد بأن الديمقراطية ليست النظام الأمثل للحكم وأنها عاجزة عن إصلاح كل شيء”..
وأنطلاقا من هذه الرؤية شهدت السنوات الأخيرة تشكيك البعض في قيمة عملية المشاركة والتصويت الشعبي عندما يؤدي إلى تحولات كبيرة، مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وانتخاب “الديماجوجيين” الذين يهددون القيم الديمقراطية، مثل الرئيس “دونالد ترامب”. وعلى مدى السنوات الماضية، ترسخ شكل تكنوقراطي من السياسة في الاتحاد الأوروبي، حيث يمكن القول إن الحكومات الديمقراطية أصبحت أقل استجابة للمواطنين، وفي المقابل تمت الإشادة بحكومات يصنفها الغرب على أنها غير ديمقراطية، مثل الصين، لنجاحها في مواجهة جائحة كورونا بشكل أفضل من بعض الدول الديمقراطية، ذلك لأنها أكثر قدرة على تنظيم سلوك المواطنين، مما شكك في الحاجة إلى الديمقراطية. . ومؤخرا أصبحت بعض الأنظمة الديمقراطية القائمة معرَّضة لخطر الانحراف عن المسار الديمقراطي، وفي معظم أنحاء العالم، اتخذت الديمقراطية شكلًا محددًا من الترتيب المؤسسي، أي الديمقراطية التمثيلية، تلك التي تعتمد على مجموعة من المؤسسات التي أضحت بحاجة إلى ممارسات بديلة لضمان ممارسة “الحوكمة الجماعية” التي تعطي الأولوية للاستدامة على العائد الاقتصادي الفوري؛ فخلال موجة الاحتجاجات المناهضة للديمقراطية التي اجتاحت العالم مؤخرًا، انتقد المتظاهرون في الغرب النموذج التمثيلي الليبرالي للديمقراطية، وتزايد عدم المساواة، والتأثير السلبي لنخبة رجال الأعمال على السياسة وأصحاب المصالح وغياب القدوة وإنحسار دور الأحزاب السياسية بوصفها حلقة الوصل بين الشعب والسلطة الحاكمة والذى بدورة تعد من الأسباب المحورية التى وضعت النظم الديمقراطية فى مأزق.
الأحزاب السياسية
ويؤكد الكثير من الباحثين على إنه من الضرورى عند إعطاء تعريف للديمقراطية المعاصرة، باعتبارها منهجا وطريقة عملية لأخاذ القرارات العامة، الأخذ فى الاعتبار أنها ليست عقيدة ترتبط بتراث أوروبا الغربية، كما أن الوصول إلى أرقى أنظمة الحكم السياسي، لا يمكن أن يتحقق إلا في ظل سيادة قيم الديمقراطية، وذلك لا يتجسد إلا من خلال القيام بالإصلاحات السياسية والمؤسساتية، ومن أجل الوصول إلى ترسيخ الديمقراطية لا بد من وجود أدوات لتدعيم هذه الديمقراطية، ومن بين أهم هذه الأدوات وجود الأحزاب السياسية التي يجب أن تتميز بالفاعلية و النشاط من أجل المشاركة في العملية السياسية. كما أن للأحزاب السياسية دور كبير في صناعة الديمقراطية، وحمايتها والحفاظ عليها، الأمر الذي يبين أهمية الأحزاب السياسية ودورها المحوري والفاعل في العملية السياسية الديمقراطية فالأحزاب السياسية تعتبر أداة تستعمل في ممارسة الحكم و إدارة العمل السياسي، كونها هي القادرة على بلورة الأفكار وتنمية الوعي السياسي وبناء ثقافة سياسية ديمقراطية، بمعنى هي بمثابة أدوات تكوين الرأي العام، كما أن الديمقراطية لا يمكن ممارستها من قبل الشعب ككل، بل هي بحاجة إلى أجهزة حزبية مؤسسية تنوب عنه، وتمثله في ممارسة سلطاته السياسية.
هذا وتعد الأحزاب السياسية ألية فاعلة في تعبئة الجماهير ورفع مستوى وعيها السياسي، وكذا الإلمام بالمطالب الجماهيرية إيديولوجيا وميدانيا من خلال استراتيجيات تحويل الأفكار إلى ممارسة والنظرية إلى تطبيق، كما تعتبر أحد العناصر المهمة و الركائز الرئيسية التي تقوم عليها الأنظمة الديمقراطية.، فبواسطتها تستطيع المجتمعات التعبير عن حقها في المشاركة في صنع القرار باعتبارها الجسر الرابط بين الحكومة و المواطنين.
ومؤخر هبطت شعبية العديد من الأحزاب السياسية الغربية إلى مستوى متدنى جدا ، فعلى سبيل المثال يواجه الحزبان الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة انتقادات واسعة، لا لأنهما لا يمثلان الشعب فحسب، بل أيضا لأنهما أصبحا يلبيان مصالح النخبة السياسية وسيطرة صحاب المصالح المتحكمة فيهما. والدليل على ذلك أن نسبة متزايدة من الناخبين الأمريكيين، تعادل 38 % ، ذكروا عام 2018 أنهم لا ينتمون لأي من الحزبين. و بالتأكيد هذه النسبة الآن أكبر من نسبة الناخبين الذين يعتبرون أنفسهم إما جمهوريين أو ديمقراطيين عند المقارنة . وهذه الظاهرة للأسف ليست حكرا على الولايات المتحدة وحدها ، ففي أوروبا على سبيل المثال، اتُهمت أحزاب اليسار المعتدل التي تمتلك قاعدة شعبية قوية ، بأنها تتجاهل ناخبيها، وربما أسهمت في إشعال الغضب الشعبي الواسع الذي أدى إلى خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
كماعجلت اتجاهات عديدة بتهاوي شعبية ونفوذ الأحزاب السياسية فى العديد من الدول الغربية فقد حلت الأنظمة القائمة على الجدارة والاستحقاق منذ سنوات طويلة محل أنظمة المحسوبية السياسية التي كانت تتيح للأحزاب السياسية مكافأة مؤيديها بوظائف حكومية. وأدى بروز لجان العمل السياسي المستقلة إلى توفير مصدر ثابت للمرشحين السياسيين لتمويل حملاتهم الانتخابية بلغ في العقد الماضي وحده نحو 4.5 مليار دولار- خارج قنوات الحزب التي كانت تهيمن على أموال الحملات الانتخابية. ولذلك أصبح الكثير من المرشحين أكثر اهتماما بالمشروعات وجني الأموال وأقل التزاما تجاه بيروقراطية الحزب. هذا و تحدد الآن الأحزاب مرشحيها من خلال انتخابات تمهيدية بدلا من عقد اجتماعات بين أعضاء الحزب. لاسيما إن هذا التحول إلى “الانتخابات التمهيدية” أدى إلى تقليص دور أعضاء الحزب البارزين وزيادة تأثير النشطاء على نتائج الانتخابات التمهيدية. كل هذه الاحداث ادت إلى ظهور فئة تنادى بأن الوقت قد حان لرسم ملامح نظام ديمقراطي مباشر وأكثر انفتاحا، يتراجع فيه دور الأحزاب السياسية ورجال السياسة. وأثارت هذه الكراهية الشعبية المتزايدة نحو الأحزاب السياسية جدلا واسعا بين خبراء العلوم السياسية. ويرى المدافعون عن النظام السياسي التقليدي أن الديمقراطية تعتمد على فصائل سياسية قوية ومنظمة وجديرة بالثقة. وتقول نانسي روزينبلوم، الباحثة في العلوم السياسية بجامعة هارفارد: “كثيرا ما يحاول الناس في عالم السياسة الالتفاف على الأحزاب السياسية ومخاطبة الشعب مباشرة. لكن في الواقع، من دون أحزاب سياسية، ستشيع الفوضى” على حد قولها .
قيم الديمقراطية
إن للديمقراطية ثلاث قيم رئيسة، تتمثل الأولى في المساواة؛ من خلال إخضاع جموع المواطنين للقانون دون تمييز، فيما تكمن القيمة الثانية في الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية، والتنفيذية، والقضائية؛ حيث إن أي خلط بين أثنتين من هذه السلطات يمكن أن يهدد حرية المواطنين والنظام الديمقراطي، وثالثًا التعددية السياسية التي تتيح لجموع المواطنين التعبير عن آرائهم بحرية، من خلال إجراء انتخابات حرة، ينتخب خلالها الشعب ممثليه ..
وفي هذا الإطار، تشير التقديرات إلى أن المجتمعات الغربية أصبحت بحاجة إلى تعزيز هذه القيم، وهي فضائل فشلت النسخة التمثيلية للديمقراطية في تحقيقها، إذ دعا العديد من النخب السياسية في الغرب الشعوب لتقبل مزيد من الحلول غير الديمقراطية لمواجهة التحديات المتنامية، وذلك من خلال تقييد الحرية، وتركيز السلطات، وممارسة إجراءات تسببت في تقسيم المجتمعات، وتدمير البيئة، مع إضفاء الطابع المؤسسي على هذه الإجراءات، ومن ثم جاءت ممارسات بعض الديمقراطيات مخيبة لأمال العديد من المواطنين والمدافعين عنها.
فالولايات المتحدة والبلدان الأوروبية، والتى كانت تأتي تقليديا في طليعة المجتمعات والدول التي يشار إليها إيجابيا فيما خص الالتزام بقيم سيادة القانون وتداول السلطة وصون الحقوق والحريات في إدارة الشؤون الداخلية، تواجه اليوم عصفا منظما ، بالفكرة الديمقراطية وقيمها ،حيث تتواصل انتكاسات سيادة القانون والذى يعد من أهم أسس النظام الديمقراطى بسبب نزوع الحكومات المنتخبة في الغرب الأمريكي والأوروبي للتغول أمنيا واستخباراتيا على المواطن وإخضاعه جهرا أو سرا لصنوف مختلفة من المراقبة الدائمة، وذلك سعيا منها لإختزال وجوده الفردي والخاص . مع تمرير القوانين الاستثنائية لإضفاء شرعية إجرائية على تشويه هوية ، مصدر تهديد محتمل ينبغي بالضرورة إخضاعه للمراقبة وبالتبعية ضبطه والسيطرة عليه. وذلك فى سياقات جماعية وعامة . ومن جهة أخرى، تفرغ هيمنة النخب الحزبية والسياسية والإدارية ومعها المصالح الاقتصادي والمالية وجماعات ضغطها على المؤسسات التشريعية والتنفيذية المنتخبة والتى تعد من الجوهر الديمقراطي بقصرها ممارسة المواطن لحق الاختيار الحر لنوابة وممثليية التشريعيين والتفييذيين وقصرها على مجموعات محدودة العدد من السياسيين والذى بدورة يعد امتهان صارخ لأسس الديقراطية وذلك بستبعاد قطاعات شعبية واسعة، بعضها مؤطر داخل النقابات العمالية والمهنية والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، من عمليات صناعة القرار العام والسياسات العامة ومن ثم الإلغاء شبه الكامل لعدد من السياسيين والنافذين في تحديد صالح المواطن والمجتمع والدولة الذي يترك لهيمنة النخب والمصالح الكبرى.
وبالمثل تمتهن الديمقراطية بغابات من الأسوار والحواجز المشيدة تارة بأدوات قانونية وسياسية وتارة أخرى بأدوات بيروقراطية وإجرائية للفصل بين المؤسسات التشريعية والتنفيذية المنتخبة وبين والمواطنين وتنقل لهم باستمرار انطباعات زائفة بشأن ما يحدث فى أروقة البرلمانات والحكومات وتطلب منهم بالتبعية الاكتفاء بالمشاركة في مواسم الانتخابات المتتالية والتعبير عن رضاهم أو رفضهم للقرارات والسياسات العامة .
اصحاب المصالح والنخب
ثم تؤدي هيمنة النخب والمصالح الكبرى على المؤسسات التشريعية والتنفيذية المنتخبة، والاستعلاء الصارخ في التعاطي مع المواطن ودوره في صناعة القرارات والسياسات العامة إلى عزوف المواطن عن المشاركة في الانتخابات وهجره لمراكز الاقتراع وبطاقات التصويت أو تودي به إلى مهالك التصويت للشعبوية المتجسدة اليوم في الأفراد والحركات والأحزاب أصحاب الأجندات العنصرية والحمائية، وكأن المواطن بذلك وباختياره الحر يلغي حلقة الوصل الأخيرة بينه وبين الديمقراطية . بعد أن استبعدته وهمشته بقسوة النخب و أصحاب المصالح الكبرى.
وفى المقابل تشكل مجموعات أصحاب المصالح الداعمة لأسس الديمقراطية إحدى الآليات المهمة التي يعبر من خلالها المواطنون عن أفكارهم، وحاجاتهم، وآرائهم للمسؤولين المنتخبين. وبإمكان المواطنين أن يجدوا عادة مجموعة من بين مجموعات أصحاب المصالح تركز اهتمامها على مشاكلهم الخاصة، مهما كانت هذه المشاكل خاصة ، والمعلم الذى يميز مجتمعا ديقراطيا هو انه يمح للمواطنين بتكوين موارد سياسية بديلة يمكنهم حشدها عندما يعتقد أن اللاعبيين الأقتصاديين والمسؤولين الحكوميين ينتهكون مصالحم . وفى هذا المعنى، تلعب مجموعات أصحاب المصالح المنظمة دوراً أساسيا ، فهي تساعد المواطنين في كيفية استخدام الموارد التي يملكونها بصورة اكثر فعالية ، مثل التصويت والتجمع وحرية الكلام والإجراءات القضائية .
هذا ويمكن النظر إلى أصحاب المصلحة في الديمقراطية ورصد توجهاتهم من زاويتين : أولهما : زاوية الأفراد والجماعات غير المنظمة والتي تعبر عن نفسها من خلال ما هو متاح من أطر وقنوات التعبير مثل الأندية والجمعيات والمجالس والمساجد والديوانيات، ومن خلال العرايض والتجمعات الوطنية التي تبرز في فترات متباعدة وقت الأزمات ، هذا إضافة إلى الأعمال الفنية والكتابات الأدبية والصحفية والأكاديمية والفكرية، التي يعبر من خلالها الأفراد عن مصلحتهم في الديمقراطية ودعوتهم إليها . وثانيهما: من خلال القوى أو الأحزاب والحركات التي تعبر عن مصالحها ومواقفها بشكل واضح ومنظم .
من هنا يمكننا القول أن هناك أفراد كثيرين وجماعات متعددة تعتبر نفسها صاحبة مصلحة في الديمقراطية وتعبر عن ذلك من خلال الأطر والقنوات المحدودة المتاحة لها ، إلا أن هؤلاء الأفراد والجماعات لم يصبحوا بعد، قوة سياسية فعاله متمكنة من التعبير علنيا عن مصلحتها في الديمقراطية ولن يصبحوا قوة سياسية إلا عندما يتحولون إلى حركات سياسية ذات قوة فاعله ، وبشكل عام أن الأفراد والجماعات التي تعتبر نفسها صاحبة مصلحة في الديمقراطية في كل دولة من دول المنطقة يمكن أن يتسع نطاقها ويتبلور طلبها حتى تصبح قوة سياسية فعالة تعبر عن مصلحتها في إقامة نظام حكم ديمقراطي، فى المقابل هناك فئة تصنف على اإنها أصحاب المصالح المناهضة للديمقراطية أستطاعت ان تتواجد فى المؤسسات العامة وتصنع قوة مضادة تحد من الوجود الديمقراطى وحريصة على تقييد كل مقوماته . .
و من حيث المبدأ يمكن اعتبار جميع الأفراد العقلاء والجماعات المنصفة وغير المتعدية على حقوق الآخرين، أصحاب مصلحة في الديمقراطية ، إذ أن الأفراد والجماعات التي مازالت لا تدرك مصلحتها من إقامة نظام حكم ديمقراطي ولم يلاحظوا بعد قوة العلاقة بين المبادئ الديمقراطية وبين القيم الدينية والإنسانية الخالدة من مساواة وعدل وإنصاف وتكافل في ظل تعايش سلمي وإما أنهم غير مطلعين أو غير مدركين لإنجازات نظم الحكم الديمقراطية في مجال الأمن الوطني والتنمية وحفظ كرامة الإنسان، مقارنة بغيرها من نظم الحكم غير الديمقراطية المعاصرة لها و أي مقارنة بين نظام الحكم الديمقراطي على أرض الواقع مع بدائله تبرهن على أن نظام الحكم الديمقراطي هو حقا أقل نظم الحكم سوءا على الاطلاق .
تحديات الديموقراطية
إن التحدى الذى يواجه الديقراطية فى الوقت االحالى هو العمل على إعادة تقييم ما يعين على تعزيز اسس الديقراطية ودعمها ومساعدتها على الخروج من ازمتها الراهنه ذلك أنها قادرة على الصمود فى وجه الازمات . حيث اظهرت دراسة صدرت مؤخرا موافقة واسعة النطاق على اهمية الحفاظ على الديمقراطية ، ذلك ان الافتقار إلى الشفافية فى عملية صنع القرارات العامة فضلا عن مساءلة الحوكمة والمسؤولين العموميين يزيد من تأكل ثقة الناس .ويعتبر الكثيرون أن التربية المدنية المحدودة وغياب المرشحين السياسيين من القدوة القادرة على المواجهه والاستمرار لاسيما المقربين من فئة الشباب يزيد من مشاعر العزلة ويحفز فكرة الابتعاد وعدم المشاركة لديهم والذى بدورة يقوض من الوجود الديمقراطى .
وحيث أن الحكومات الإستبدادية تستخدم المعلومات المضللة كأداة لتشكيل الرأى المحلى والدولى وفى بعض الأحيان تبلغ المعلومات الكاذبة مستويات خطيرة وسامة كما تغذى خطاب الكراهية ضد المهمشين والمستبعدين ، ولقد وفر الافتقار إلى الثقة أرضا خصبة للقادة والحركات الشعبوية ، الذين ينتهزون الفرصة لإلقاء اللوم على الديمقراطية ويسعون لسلب كل ماتتمتع به من مزايا وراحت تفرض قيود على حرية التعبير وتداول المعلومات وحرية الإعلام وغيرها من الحقوق التى تتمتع بها الديمقراطية .
.وعلية فإن توفير المساحات اللازمة للمشاركة العامة ، أكثر الطرق فاعلية كى تدرك السلطات احتياجات المواطنيين وتسعى لإتخاذ قرارات أفضل ، ومن أجل معالجة الفجوة بين ما يتوقعة الناس وما تقدمة الحكومات ، لابد من أعتماد عقد إجتماعى جديد على أساس مداولات شاملة تضم كافة شرائح المجتمع ، كما يجب ترسيخ معالجة عدم المساوة ومكافحة الفساد ووضعها على راس الاهتمامات. هذا فضلا عن إن الانفاق الاجتماعى مهم للغاية من أجل تعزيز المساواة ودعم المستويات الدنيا للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للجميع ، وحتى نحقق نتائج إنمائية أفضل ، من الضرورى العمل على زيادة الانفاق الوطنى على القطاعات الاجتماعية وتوفيرها إلى الجميع بمنأى عن أى تمييز مع التركيز على إمكانية الوصول إلى الخدمات والقدرة على تحمل تكلفتها وتحسين جودتها والعمل على الرفع من مستويتها ، وهذا النهج الذى يرتكز على مبادىء حقوق الانسان يساهم بدورة فى تعزيز احترام العقد الاجتماعى ومبادىء الديمقراطية ويقضى على عدم المساواة ، وتعتبر هذه الاداة الأكثر فاعلية لإقامة المجتمع الديمقراطى القادر على البناء .
فضلا عن ذلك تحتاج المؤسسات الديقراطية إلى التعزيز والدعم من الحكومات المحلية ، والذى بدورة يتحقق عن طريق زيادة الشفافية والاستقلالية بداية من مجالس الإعلام و حتى كيانات مكافحة الفساد ، ويعتبر الدعم السياسى والمالى بالغ الأهمية من حيث انه يساهم فى منح الأولوية للأستثمار فى ركائز الديموقراطية .
إجمالا : تعد الديموقراطية هى طوق النجاة الذى يساعد فى بناء مجتمعات تتميز بالحرية وتعمل على تحقيق العدل والمساواة لكن، الازمة التى تمر بها فى الوقت الراهن والتى أدت الى تراجع اسهمها السياسية والعامة اثرت بشكل كبير على تواجدها الطبيعى ، الأمر الذى يتطلب معه إعادة انعاش وعودة سريعة لكافة الأسس والمبادىء التى قامت عليها الديقراطية ، والذى بدورة يتأتى عبر العديد من الوسائل التى تبدو الى حد كبير متوفرة ومتاحة إذا ارادت القوى السياسية والحاكمة ذلك برغبة ودافعية إلى إعادة الشرعية والحياة إلى الديقراطية ، ذلك إن مسببات الأزمة لاتخفى على أحد ويدركها الجميع، وبالتالى السعى نحو إيجاد الحلول ووضع الأمور فى نصابها الصحيح وإعادة النظام االديموقراطى إلى وضعه الطبيعى أمر ليس بالصعوبة إذا توفرت الإرادة والرغبة فى ذلك .
– اسراء احمد اسماعيل ، مقال،”لديمقراطية العالمية في نفق مظلم”مركز المعلومات مجلس الوزراء ودعم اتخاذ القرار2022 .
– الأمم المتحدة لحقوق الانسان ، مكتب المفوض العام ، تقرير “ لأزمات تهدّد الديمقراطية حول العالم “ أغسطس 2022
_مجلة الجزائر للأمن والتنمية ، بحث فى مجال الاستدامة “ أزمة الديمقراطية فى العالم العربى “
نوفمبر ، 2016 ، 186-190.
_ دراسة تحليلة ، شيبانى الصديق محمد “ المركز العالمى للدراسات “أزمة الديمقراطية الغربية المعاصرة “ دراسة تحليللة 2020،.
_ الجامعة الامريكية قسم الخدمات العامة ، كتاب ، “ الديموقراطية “ 2020.
ديوان العرب “ التربية الديمقراطية “ جميل حمداوى “ 2019 . _
: http://www.diwanalarab.com/spip.php?article17646
_ جون كين ، ترجمة محمد العزيز ، المركز العربى للأبحاث ودراسات السياسات ، كتاب ،” حياة الديمقراطية وموتها “ ، 2021.
_ عاطف الغمرى ، مقال ، “ أزمة الديمقراطية الغربية “ جريدة عمان ، 2019 .
_ ليلى العجايب ، مقال ، “مفهوم الاحزاب السياسية “ موقع موضوع ، 2019.