الدراسات البحثيةالمتخصصة

التجارب التنموية الافريقية ” رواندا نموذجا “

اعداد الباحث : محمد محمد حباظة – المركز الديمقراطي العربي

 

ملخص :-

استهدفت الدراسة الكشف عن مفهوم الدولة التنموية، مع توضيح ابرز سماتها  والمتمثلة في ” القيادة السياسية ودوره كعامل مؤثر في التنمية دخل الدولة، وجود جهاز بيروقراطي مستقل ويتمتع بالكفاءة ،وجود نخبة من رجال الأعمال ” ،ثم تعرضت الدراسة إلي مرحلة الصراع بين الجماعتين العرقيتين ” الهوتو – التوتسي” والحرب الأهلية الواقعة بينهما في حقبة التسعينات من القرن العشرين علي إثر مقتل الرئيس الرواندي ” جوفنيال هابياريمانا ” ،ثم تطرقت الدراسة إلي مرحلة ما بعد الصراع، بعدما سيطرت الجبهة الوطنية علي الحكم في رواندا بقيادة ” باستور بيزيمونجو” إلي حين تولى الحكم الرئيس ” بول كاغامي” في عام ٢٠٠٠ ،وهو ذات العام التي بدأت فيه نهضة رواندا الحقيقية ،ثم انتهى المبحث الاخير من الدراسة إلي الوقوف علي أهم العوامل والأسباب التي أسهمت في نهضة رواندا، تلك العوامل التي جعلت من رواندا مثال يحتذي به أفريقيا ودوليا.

Abstract  

The study aimed to reveal the concept of the developmental state, while clarifying and highlighting its characteristics, which are “political leadership and its role as an influential factor in the development of the state’s income, the presence of an independent and efficient bureaucratic apparatus, and the presence of an elite of businessmen.” Then the study was exposed to the stage of conflict between the two ethnic groups, the Hutus. “And the Tutsis” and the civil war between them in the nineties of the twentieth century following the killing of Rwandan President “Juvenile Habyarimana.” Then the study touched on the post-conflict phase, after the National Front took control of power in Rwanda under the leadership of “Pastor Bizimungu,” until the president took office. Paul Kagame, “The Rule in the Year 2000, the same year in which Rwanda’s true renaissance began, and then the final section of the study concluded by identifying the most important factors and reasons that contributed to Rwanda’s renaissance, those factors that made Rwanda an example for Africa and internationally to emulate.

المقدمة:-

رواندا واحدة من إبراز الدول الإفريقية التي شهدت في السنوات الأخيرة طفرة في معادلات النمو الاقتصادي، وسرعة في عملية التحول الديمقراطي، الأمر الذى حاد بالبعض إلي وصفها ب  ” سنغافورة أفريقيا ” .

وبعد حرب أهلية ضروس شهدته الساحة الرواندية عام ١٩٩٤ علي أثر اغتيال الرئيس الرواندي ” جوفنيال هابياريمانا” بين قبيلتي الهوتو والتوتسي، كان من الملاحظ من قبل الروانديين في الفترة التي تلت الحرب الأهلية أن التركة المؤلمة للماضي كانت لابد أن تتغير وتتعدل، وعملت رواندا علي وضع خطة شاملة للإصلاح في جميع المجالات ،أبتدئ من النسيج المجتمعي لرواندا وإصلاح الجهاز البيروقراطي وصولا إلي تحقيق طفرة في معادلات النمو الاقتصادي تعد الأعلى في أفريقيا ،وأصلاح الجهاز التشريعي والعمل علي توفير البيئة المناسبة لعملية التحول الديمقراطي.

ويمثل النموذج التنموي الرواندي حالة فريدة من نوعها في القارة الأفريقية لسببين :  الأول : أن الدولة عانت لمدة عقدين من الزمن من واحدة من أخطر وأصعب الكوارث الإنسانية إلا وهي الحرب الأهلية والابادة الجماعية بين قبيلتي الهوتو والتوتسي عام ١٩٩٤ ،وتلك الحرب قتل فيها حوالي مليون شخص وعرفت ” بمذبحة القرن ” .

والثاني : النمو الاستثنائي لبلد في أفريقيا لا تتمتع بمزايا اقتصادية ،ولا بمزايا جغرافية حيث المساحة الصغيرة والدولة الحبيسة .

وعملت رواندا من خلال الخطة الشاملة علي التحول من حالة الفقر والحرب إلي حالة النمو والتنمية والاستقرار ،في غضون عشرين سنة فأصبحت بمثابة مثال ونموذج جيد لدراسة إفريقيا ودوليا .

أهمية البحث :-

تكمن أهمية الدراسة في الوقوف علي أهم العوامل والأسباب التي إدت برواندا من الانتقال من حالة الحرب الأهلية إلي حالة الدولة التنموية الواعدة خلال العقدين الأخيرين، ومحاولة الاستفادة من هذا النموذج الواعد واستخلاص أهم الدروس منه .

المشكلة البحثية :-

تهدف هذه الدراسة إلي التعرف علي أهم العوامل والأسباب التي التي أسهمت في انتقال رواندا من حالة الابادة الجماعية والحروب الأهلية في حقبة التسعينات وما قبلها ،إلي الدولة التنموية الرائدة والواعدة، في ظل الظروف الاقتصادية والجغرافية عديمة الين وشديدة التصلب .

أهداف البحث :-

  1. التعريف بالدولة التنموية وسماتها
  2. دراسة أثر مرحلة الصراع والحروب الأهلية علي التنمية في رواندا
  3. دراسة أهم العوامل والأسباب التي أسهمت في انتقال رواندا من حالة. الحروب الأهلية والابادة الجماعية، إلي نموذج لدولة رائدة .
  4. أهمية الاستقرار السياسي والتعايش السلمي في عملية التنمية .

منهج الدراسة :- سوف تعتمد الدراسة علي منهج دراسة الحالة ،والمنهج التاريخي .

تقسيم الدراسة :-

  • وتنقسم الدراسة إلي ثلاثة مباحث ، وهم علي النحو التالي
  • ١)المبحث الأول:- ماهية الدولة التنموية ” المفهوم والسمات “
  • ٢)المبحث الثاني :- الحرب الأهلية والابادة الجماعية الرواندية

٣)المبحث الثالث:- ابراز العوامل والأسباب التي أسهمت في انتقال رواندا من حالة الابادة الجماعية والحروب الأهلية، إلي نموذج لدولة تنموية واعدة .

المبحث الأول:- ماهية الدولة التنموية ” المفهوم والسمات ” .

منذ العقود الأخيرة الماضية ونحن نشاهد العديد من التجارب التنموية الناجحة في مناطق وقارات مختلفة في العالم ،وعلي الرغم من أن معظم التجارب التنموية التي شهدته العديد من دول العالم ،كانت دولها تعاني من أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية غير مستقرة ،فاليابان شهدت نهضة تنموية ضخمة علي الرغم من هزيمته في الحرب العالمية الثانية والخسائر الضخمة التي تكبدها ، ولكن استطعت اليابان أن تلملم شتأتها من خلال خطة شاملة عملت علي إعادة بناء وتشغيل الاقتصاد الياباني وادارته، وكسر حلقات الفقر والتخلف التي عانت منه .

وكانت التجارب التنموية لمجتمعات جنوب شرق أسيا نموذجا ومثالا علي  التجارب التنموية الناجحة ،وكان لهذه التجارب نجاحا مدويا جعل من بلدانها ترتقي إلي مصاف الدول المتقدمة ،من حيث حداثة التصنيع والمنافسة علي الأسواق بالجودة وانخفاض التكلفة ،فكنت تلك الدول نموذجا جيد للمحاكاة من قبل العديد من الدول النامية ،نظرا لم تمتلكه تلك الدول من إمكانيات مادية وبشرية هائلة [1]

وشهدت مؤخرا الساحة الافريقية العديد من الدول التي تسير في ركاب تلك التجارب التنموية الجنوب شرق أسيوية والتجربة اليابانية ، وهي تجارب لا تقل أهمية عن تلك التجارب ،ومن ضمنها التجربة الرواندية .

يعد مفهوم الدولة التنموية أحد أهم المفاهيم التي حظيت باهتمام بالغ من قبل العديد من باحثي العلوم السياسية خاصة خلال العقود الأخيرة الماضية، الأمر الذي شكل لديهم ما عرف ” بنظرية الدولة التنموية ” ، وقد ظهر المفهوم لأول مرة علي يد عالم السياسية الأمريكي ” تشالمرز جونسون”  عام ١٩٨٢ في كتاب له معنون ب ” المعجزة اليابانية ” [2]

مصطلح الدولة التنموية يشير إلي الدولة التي تتدخل وتوجه مسار التنمية الاقتصادية ،وهي ترتبط بالأساس بنمط السياسات الاقتصادية التي اتبعتها حكومات شرق أسيا في النصف الثاني من القرن العشرين [3] وبالتالي تلعب الدولة دورا في عملية التخطيط الاقتصادي الكلي .

وعرف ” تشالمرز جونسون ” الدولة التنموية بأنها دولة تركز علي التنمية الاقتصادية ،وتتخذ التدابير اللازمة لتحقيق هذا الهدف وهي تجمع بين أليات السوق وتدخل الدولة [4].

وكان من إيجابيات الدولة التنموية أنها أكدت علي حيوية الدور الذي تلعبه الدولة في عملية التخطيط الاستراتيجي، ودعم الصناعة وتحقيق معدلات عالية في الناتج المحلي الإجمالي، ولعبت الدولة أو القطاع العام دورا قياديا ،رغم السير في طريق التنمية الرأسمالية [5] .

وقد تجلت تعريفات أخري لمفهوم الدولة التنموية منها ” سعي نخبتها الحاكمة نحو تحقيق أهداف تنموية والاسراع بمعدلات التنمية الاقتصادية ،كما توفر الظروف الملائمة لتحقيق ذلك من خلال وجود جهاز بيروقراطي يتوفر له القوة والسلطة ،مما يزيد من كفاءته وقدرته علي تخطيط وتنفيذ السياسات بكفاءة وفعالية ،بشكل يؤدي إلي تعزيز شرعية الحكم [6]  .

غالبا ما يتم وضع الدولة التنموية من الناحية المفاهيمية بين النموذج الاقتصادي اليبرالي المفتوح ونموذج التخطيط المركزي، وبالتالي فنظرية الدولة التنموية ليست رأسمالية أو اشتراكية ،وترتكز الحالة التنموية علي مزيج من المزايا الإيجابية للأعمال الخاصة والدور الإيجابي للحكومة   [7].

وفي الفترة التي بدأت بالحرب العالمية الثانية واستمرت حتي الثمانينيات تشكلت استراتيجية الدول التنموية من خلال أيديولوجية سياسية فضلت رفع مستويات الدخل والحفاظ علي النمو الصناعي ” أو الناتج القومي الاجمالي ” ،ويؤكد هذا النموذج أن الدولة هي مفتاح عملية التنمية مع القدرة والنية علي حل إخفاقات السوق الحر ،وندرة رأس المال ونقص التنسيق بين الحكومات والنخب الصناعية [8].

واستخلاصا لما سبق يمكن القول أن الدولة التنموية يكون للحكومة والجهاز البيروقراطي دورا قياديا في تحقيق التنمية الاقتصادية ،وهذا لا ينفي وجود القطاع الخاص فدول في مثل هذه الحالة تعمل علي المزج بين ايجابيات القطاع الخاص ومحاولة الانعزال عن إخفاقات السوق الحر ،وبين الدور الإيجابي للحكومة.

سمات الدولة التنموية:-

يمكن وضع مجموعة من السمات الضرورية لنجاح التجربة التنموية وهم علي النحو التالي :

١)وجود قيادة سياسية لديها خطة شاملة للإصلاح والتنمية وتعمل من أجل تحققه :- للقيادة السياسية دور مهم كعامل مؤثر في التنمية الاقتصادية داخل الدولة، ويعتمد هذا الدور علي عدة أمور منها جاذبية القائد السياسي ،وحسن تصرفه إضافة إلي مرونته في التعامل مع المشاكل المختلفة التي تواجه الدولة ،وكذلك خبرته في مجال الإدارة [9]،وتتنوع تعريفات القيادة السياسية ويمكن وضع تعريف مبسط للقيادة السياسية علي أنها ” نمط من السلوك يهدف إلي تنظيم جهود الجماعة نحو الأهداف والمصالح المرغوب تحقيقه والوصول إليها [10] .

وفي حالة رواندا ،وبعد تولي الرئيس ” بول كاغامي” الحكم قام بتحديد هدفين أولهما  توحيد الشعب الرواندي ،والثاني القضاء علي الفقر في البلاد ،وشرع كاغامي بوضع خطة من عدة محاور ،في مقدمتها تحقيق المصالحة المجتمعية ،وإنجاز دستور جديد حظر فيه مسميات الهوتو والتوتسي، وجرم استخدام أي خطاب عرقي ونجحت الخطة في تحقيق المصالحة بين أفراد المجتمع ،وعاد اللاجئون إلي بلادهم [11].

٢)وجود جهاز بيروقراطي مستقل ويتمتع بكفاءة:- من ضمن الشروط الأساسية في تحقيق التنمية وجود جهاز بيروقراطي يتمتع بكفاءة عالية وقدرة فائقة علي تنفيذ السياسات وتطبيق الإستراتيجيات التي تم وضعها من قبل الإدارة العليا .

وتسند الدولة إلي الجهاز الإداري مهمة تنفيذ القرارات التي تتخذها المؤسسات المختلفة ،فمهمة تنفيذ السياسات العامة تقع علي عاتق الجهاز الإداري، والجهاز البيروقراطي يتكون من العديد من الموظفين الذين يؤدون العديد من الوظائف الهامة منها جمع وتوفير المعلومات حول القضايا المختلفة ،وتلك المعلومات تيسر عمل الأجهزة السياسية وتضمن من خلالها بقائها واستمراره ،إضافة إلي ذلك بالجهاز البيروقراطي له دور في زيادة قاعدة الإنتاج ،وخلق فرص عمل للمواطنين ،والتحكم وضبط المستوي العام للأسعار، بالإضافة إلي المساهمة في تحسين الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين من تعليم وصحة وإسكان وغير ذلك [12].

٣)وجود نخبة من رجال الأعمال:- فكما سبق أن أشارنا أن الدولة التنموية لا تعزل القطاع الخاص ولكنها تعمل على المزج بين ايجابيات القطاع الخاص وبين الدور الإيجابي للحكومة.

فوجود نخبة قوية من رجال الأعمال خاصة في قطاع الصناعة تؤمن بأهمية إنجاز هدف التنمية في إطار تعاون وثيق مع الشريكين الآخرين ” القيادة السياسية والبيروقراطية” [13] ،فيمكن للحكومة من خلال التعاون والشراكة مع القطاع الخاص أن توجه استثماراته إلي قطاع  مستهدف ،وقد يلعب القطاع الخاص دورا هاما في تطوير وتنمية البنية التحتية للدولة مثل إنشاء المدارس والمستشفيات وغيره من الأنشطة الضرورية والحيوية .

المبحث الثاني :- الحرب الأهلية والابادة الجماعية الرواندية

ظلت سلسلة الانتقامات الدموية والحروب الوحشية بين قبيلتي الهوتو والتوتسي هي المسيطرة علي مشهد الساحة الرواندية لسنوات طويلة ،وقد لعب الاستعمار الغربي دورا كبيرا في تعميق الخلافات بين الفصائل العرقية للمجتمع الرواندي ،وكان أخره وأفزعه الحرب الأهلية الرواندية في عام ١٩٩٤ .

ويمكن تقسيم المبحث إلي جزئيين ،الأول نتطرق فيه للحديث عن مرحلة الصراع بين الهوتو والتوتسي ،والجزء الثاني نتطرق فيه للحديث عن مرحلة ما بعد الصراع .

١-مرحلة الصراع بين الهوتو والتوتسي :-

رواندا بلد زراعي إذا يعتمد الاقتصاد الرواندي بالأساس إلي حرفتي الرعي والزراعة ،وتصدر رواندا البن والشاي بكميات كبيرة ،ويتألف سكانها من ثلاثة مجموعات عرقية وهما التوا بنسبة ١% والتوتسي بنسبة ١٤% الهوتو ٨٤% [14]،وتشكل قبيلة التوا النسبة الاقل من حيث عدد السكان ،وهم في نفس الوقت كانت من أولي الجماعات التي استوطنت رواندا ،ولكن نظرا لقلة تعددهم السكاني فلم يكن لهم أي دور في الحياة السياسية الرواندي .

تعتبر جماعة الهوتو من أكبر الجماعات العرقية في منطقة البحيرات العظمي فهي مجموعة عرقية من وسط أفريقيا ،ويرجع أصل الهوتو إلي جماعة البانتو وهو الاسم الصحيح للهوتو، حيث تعني كلمة ” ماو هوتو” في ” الكيهاميت ” وهي لغة التوتسي ب الخادم ،ولذلك شعر التوتسي بأنهم أعلي مرتبة من الهوتو[15]،وكان ذلك من ضمن الأسباب التي أدت إلي تأجيج الصراع بين القبلتين العرقيتين.

وفي عقد الثمانينات من القرن التاسع عشر استولت المانيا علي الأراضي الرواندية ،واستمروا في حكمها حتي هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، ومن ثم أنتقل حكم رواندا إلي بلجيكا ،استخدم الاستعمار البلجيكي  الأقلية التوتسية لقمع واستبعاد أغلبية الهوتو ،كما فرض الاحتلال نظاما لبطاقات الهوية يتم إيضاح فيها المجموعة العرقية التي ينتمي إليها الفرد ،وكان يتعمد أن تكون جميع المناصب السياسية والإدارية حكرا علي أقلية التوتسي [16]،أي السير علي درب سياسية فرق تسد ،وهو ما خلق حالة من الشعور بالظلم من جانب قبيلة الهوتو ،مما جعلهم ينظرون إلي التوتسي علي أنهم أرباب المستعمر.

بدأ البعض من قبيلة الهوتو يطالب بالمساواة، ووجدوا تعاطفا من رجال الدين الكاثوليك وبعض الموظفين الإداريين البلجيكيين، مما أدي إلي قيام الهوتو فانتفاضة في الأول من نوفمبر عام ١٩٥٩ ،عندما أدت شائعة عن وفاة أحد زعماء قبيلة الهوتو علي يد مرتكبي الجرائم من التوتسي إلي قيام مجموعات من الهوتو بشن هجمات علي التوتسي ،وأعقب ذلك أشهر من العنف ،وقتل العديد من التوتسي أوفروا من البلاد إلي الدول المجاورة[17] .

أدت انتفاضة الهوتو إلي مقتل العديد من التوتسي وتسبب في لجوء ٣٣٠ ألفا خارج رواندا ،استمرت الثورة الاجتماعية أو ثورة فلاحي الهوتو حتي عام ١٩٦١ وكانت بمثابة نهاية لحكم التوتسي ،كانت هذه اللحظة الحاسمة بمثابة بداية سلطة الهوتو وسبقت مباشرة استقلال رواندا عن بلجيكا [18].

وفي بداية الستينات من القرن العشرين تحديدا عام ١٩٦٢ حصلت رواندا علي استقلالها من المستعمر البلجيكي ،ويفر ما يقرب من ١٢٠ ألف شخص معظمهم من التوتسي إلي الدول المجاورة هربا من العنف الذي رافق وصول الهوتو إلي السلطة [19].

وظهرت العديد من الاحزاب السياسية ومنها ” حركة أنعتاق الهوتو ” التي تأسست في عام ١٩٥٩ من قبل مجموعة من أبناء الهوتو، وكانت أهداف الحزب هي إنهاء سلطة الأقلية التوتسية علي البلاد ،وإعلان الجمهورية ،وكان للحزب دور في المجازر التي حصلت في عام ١٩٥٩[20]،وفي ٢٦ أكتوبر ١٩٦٠ تألفت أول حكومة بعد الانتخابات التي جرت في رواندا وفاز به أغلبية أعضاء قبيلة الهوتو ،وكان علي رأسها ” جريجوار كايباندا”  وحين حاولت الحكومة البلجيكية أن تتنكر لوعدها بإجراء انتخابات عامة في البلاد ،في ٢٨ يناير ١٩٦١ سارع ممثلو القوي وكان عددهم بالآلاف، إلي عقد اجتماع في اليوم نفسه ،وأعلنوا سقوط الملك ” كيجيلي الخامس” والملكية  وقيام الجمهورية الدستورية ،وانتخاب رئيس الدولة ،وتعين الحكومة في عام ١٩٦١ حيث جرت الانتخابات تحت إشراف الامم المتحدة، والتي علي إثرها ألغيت الملكية وقامت الجمهورية التي أوصلت البلاد إلي الاستقلال في أول يوليو ١٩٦٢ ،وهو التاريخ نفسه الذي انفصلت فيه بوروندي عن رواندا التي حصلت بدورها علي استقلالها[21] .

وبعد أن أستلم ” جوفنيال هابياريمانا ” السلطة كان هدفه الأساسي هو التخلص من التوتسي ،حيث نفذوا فيهم المجازر فقتلوا مائة ألف منهم ،وفي وقت لاحق قام التوتسين الفارين إلي أوغندا بتشكيل ما يعرف “بالجبهة الوطنية الرواندية ” ،وكانت هذه الجبهة في الأساس تعتمد علي حرب العصابات أو الحروب غير النظمية، وفي الأول من أكتوبر عبرت قوات الجبهة الوطنية الرواندية إلي الأراضي الرواندية عن طريق أوغندا في عام ١٩٩٠ ،ومنذ ذلك الحين بدأت سلسلة من الأحداث الدامية بين الحكومة الرواندية من جهة والجبهة الوطنية من جهة أخري ،والتي بلغت ذروتها في عام ١٩٩٤ [22].

شهدت الساحة الرواندية في العقد الأخير من القرن العشرين حرب أهلية تعد من أبشع واعنف الحروب الأهلية التي شهدتها القارة الأفريقية والتي راح ضحيتها العديد من الروانديين [23]،ففي ٧ابريل من عام ١٩٩٤ انطلقت من رواندا واحدة من أكبر عمليات القتل الجماعي في القرن العشرين ،وتوصف المذابح التي شهدتها رواندا في ذلك الوقت بأنها أكبر إبادة جماعية في إفريقيا في العصر الحديث، تلك المذبحة التي وقعت مخلفه ورائه ما يقرب من مليون شخص قتيل ،بالإضافة إلي الانهيار الاقتصادي وحالة عدم الاستقرار السياسي، كل ذلك في غضون مائة يوم فقط .

وكان أغلب الضحايا ينتمون عرقيا إلي قبيلة التوتسي ” الأقلية ” ،في حين كان مرتكبو مشروع الابادة من الهوتو ” الأغلبية ” ،واندلعت الحرب الأهلية الرواندية علي إثر مقتل الرئيس الرواندي ” جوفنيال هابياريمانا ” وهو ينتمي عرقيا إلي قبيلة الهوتو ،وذلك عندما أسقطت طائرته فوق مطار كيجالي في ٦ أبريل عام ١٩٩٤ [24].

وفيما يتعلق بالجهة التي قامت بارتكاب الحادث فالقد تعددت التخمينات، ففي تقرير حكومي قال بأن متشددين من الهوتو أسقطوا الطائرة التي كانت تقل الرئيس ” هابياريمانا ” ،وتماشيا مع هذا السياق وفقا لتقرير أخري أيضا أكدت أن أعضاء من الدائرة الداخلية لرئيس هابياريمانا خططوا لقتله قبل أشهر بهدف إحباط اتفاق لتقاسم السلطة مع” كاغامي ” وهو زعيم الجبهة الوطنية الرواندية، واستخدموا الحادث كذريعة لقتل ٨٠٠الف من الهوتو والتوتسي المعتدلين [25].

وفي عام ٢٠٠٦ ،خلص تحقيق دام ثماني سنوات أجراه القاضي الفرنسي ” جان لويس بروجوبر” إلي أن الرئيس الحالي ” بول كاغامي ” قائد الجبهة الوطنية الرواندية في ذلك الوقت هو الذي أمر بالاغتيال ،وفي يناير من عام ٢٠١٢ نشر تحقيق فرنسي علي نطاق واسع يبرئ الجبهة الوطنية الرواندية من حادثه الاغتيال [26].

وبعد مقتل الرئيس هابياريمانا، استولي علي السلطة بعض المتطرفين من الهوتو والذين أطلقوا حملة إبادة التوتسي ،وحرضوا علي الابادة الجماعية مستخدمين كافة أنواع الأسلحة رافعين شعار ” أن القبور لم تمتلئ بعد” .

ردت الجبهة الوطنية الرواندية بهجوم من الشمال ،واستطاعت السيطرة علي معظم البلاد ،وأنشأت حكومة مؤقته ،والتي ضمت العديد من أعضاء الحكومة الانتقالية التي تأسست في البداية بموجب اتفاقيات أورشا[27].

دخلت رواندا في مرحلة انتقالية، وتوقفت أعمال الابادة الجماعية غير أن حالة الاستقرار الداخلي بقيت غير مستقرة ،إلي أن تولي ” بول كاغامي ” الحكم في ١٧ أبريل عام ٢٠٠٠ ، بعد انتخابه من طرف أعضاء البرلمان وإعلانه فيما بعد مؤتمر المصالحة والوحدة في البلاد ،حيث ركز علي جمع كل أعراق المجتمع الرواندي ،وقام بتطهير الجبهة الوطنية الرواندية من كل الفاسدين [28].

مرحلة ما بعد الصراع بين الهوتو والتوتسي:-

بعد أن سيطرت الجبهة الوطنية علي البلاد ،تم تعين ” باستور بيزيمونجو ” رئيسا للبلاد ،بدأت الحكومة في ملاحقة المتورطين في الأحداث، وبدأت عمليات قتل مرة أخري ولكن أقل وتيرة من الاولي ،وفي عام ٢٠٠٠ قام زعيم الجبهة الوطنية ” بول كاغامي ” بإقالة الرئيس الرواندي واستلام السلطة مكانه [29].

نظرا لأن الجبهة الوطنية الرواندية كانت الطرف المنتصر عسكريا ،فقد تمكنت من وضع الأجندة لرواندا ما بعد الابادة الجماعية، وقد أشار الرئيس ” بول كاغامي” بشكل متكرر إلي أنه يريد بناء بلدا جديد ،لقد تم إطلاق حملة هندسية اجتماعية جريئة في فترة ما بعد الابادة الجماعية، من أجل ترجمة هذه الرؤية إلي واقع ملموس [30].

علي الرغم من أصابت الروانديين في فترة ما بعد الابادة الجماعية بالصدمة واليأس نظرا لحجم الدمار الذي شهدته الساحة الرواندية، من انهيار النظام  العام بالكامل وانهيار البنية التحتية بأكملها من مدارس ومستشفيات، وترجع مصداقية المواطنين في كافة الجهات والمؤسسات سواء الرسمية أو اللارسمية كالأحزاب السياسية ووسائل الإعلام والشرطة والجيش والكنيسة نظرا لمشاركتهم في الابادة الجماعية، ولكن أدرك الكثيرون منهم أن الامل الوحيد في بناء مجتمع فعال يكمن في المصالحة .

المصالحة الوطنية الرواندية:-

يشكل التصالح بعد الفرقة والصراع تحديا كبيرا ،يبدأ وينتهي بالاعتراف التام بالمشاركة في أحداث الابادة الجماعية كخطوة أولي في نهج التصالح علي المستويين الفردي والجماعي ،وهذا ما حدث في المحاكمات التي جرت بعد عملية الابادة الجماعية  ،حيث تم اتهام أكثر من مائة وعشرين ألف شخص بالمشاركة في عمليات القتل.

وفي محاولة لحل الأزمة أوصي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإنشاء محكمة جنائية دولية خاصة لرواندا في نوفمبر ١٩٩٤ واستمرت هذا المحكمة حتي عام ٢٠١٥ ،حيث تم إدانة ٦١ شخصا وإحالة عشرة أخرين إلي المحاكم الوطنية ،فيما تمت تبرئه ١٤ متهما ،وعلي الرغم من انقضاء فترة زمنية طويلة في عمل المحكمة الدولية ،إلا أن أكبر جزء من عمليات المصالحة في رواندا كانت تتم عبر نظام المحاكم المحلية المعروفة باسم ” الجاكاكا” ،وكانت هذه المحاكم تعتمد علي الآليات التقليدية ،حيث يتم التوصل إلي حل المنازعات عن طريق جلب الجناة وجها لوجه مع الضحايا والمجتمع ،لطلب العفو بعد الاعتراف[31].

وفي سبيله لتحقيق الوحدة والمصالحة ،عملت الحكومة الرواندية علي أتبع مجموعة من الآليات وهما كتالي :-

١-اللجنة الوطنية للوحدة والمصالحة :-

مهدت اتفاقية أورشا للمصالحة واعتباراتها إجراء أساسيا للاستقرار وتنمية البلاد ،وشرطا لا غني عنه لتعزيز الديمقراطية والسلم ودولة القانون ولانسجام الوطني والتنمية الشاملة ،ووسيلة للوحدة الوطنية، ومنها انبثقت لجنة المصالحة ،وتم إنشاء اللجنة عام ١٩٩٩ مع الجلسات التشاورية [32]،بموجب قانون برلماني لتعزيز الوحدة والمصالحة بين الروانديين في أعقاب الابادة الجماعية، وكان للجنة مجموعة من المهام الواقعة علي عاتقه منها ما يلي :-

أ-إعداد وتنسيق البرامج الوطنية الرامية إلي تعزيز الوحدة والمصالحة الوطنية

ب-إنشاء وتعزيز أليات لاستعادة وتعزيز الوحدة والمصالحة بين الروانديين

ج- تثقيف وتوعية وتعبئة السكان في مناطق الوحدة والمصالحة

د-إجراء البحوث وتنظيم المناقشات ونشر الأفكار وإصدار المنشورات حول تعزيز السلام والوحدة والمصالحة بين الروانديين

ه- اقتراح التدابير والإجراءات التي يمكن أن تساهم في القضاء علي الانقسام بين الروانديين وتعزيز الوحدة والمصالحة

و-إدانة ومكافحة الأعمال والمنشورات والتصريحات التي تشجع علي أي نوع من الانقسام والتمييز والتعصب والكراهية

ر-إعداد تقرير سنوي وغيره من التقارير إذا وجدا ضرورة لذلك ،لتحقيق الوحدة والمصالحة الوطنية

ز-مراقبة مدي التزام المؤسسات والقادة والسكان بشكل عام بسياسة ومبدئ الوحدة الوطنية والمصالحة [33].

وتتكون اللجنة من ١٢ عضوا ،ويجب أن يكونوا روانديين بالغين لا يقل عمرهم عن ٢١ عاما ،معروفين بالنزاهة الأخلاقية وحسن السلوك والكفاءة ،ويتم تعين اللجنة بأمر رئاسي بمشورة مجلس الوزراء ،ويتم تعين أعضاء الجنة لمدة ثلاثة سنوات قابلة لتجديد، ويجوز لرئيس الجمهورية استبدلهم في أي وقت [34].

وعملت الجنة الوطنية علي تعزيز الشعور لدي الروانديين بالتماسك الوطني ،وإنهم يتشاركون في المصير وينتمون إلي نفس البلد ،ويفهمون أنه لا أحد له حق أكثر من الاخر ،ويعتبرون أن أي شيء يهدد أمن جزء من بلدهم هو في الواقع خطر يهددهم جميعا ،وأن عليهم أن يقوموا ويقاتلوا معا ،والعمل علي استنفار أي شكل من أشكال الاستبعاد ،وأي شكل من أشكال التميز علي أساس عرقي أو ديني أو غير ذلك [35] .

كان من ضمن أهداف الجنة هو تحقيق التصالح والتسامح ،وتحقيق العدالة وعرض الحقيقة وحل الخلافات ،بالاستناد إلي القول أنا الخسارة كانت لجميع الأطراف وليس هناك طرف فائز وطرف خاسر ،فالجميع في مركب واحد[36].

وصرح الرئيس ” بول كاغامي ” عندما تولي السلطة عام ٢٠٠٠ بالقول أننا لم نأت من أجل الانتقام فلدينا وطن نبنه، وبينما نمسح دموعنا بيد ،سنبني باليد الأخرى ،وذلك ليس لان  الذين قتلوا يستحقون الغفران ،ولكن لان الاجيل القادمة تستحق أن تعيش بسلام .

٢-المحكمة الجنائية الدولية:-

إنشاءات المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا بطلب من مجلس الأمن عن طريق القرار٩٥٥ في ٨نوفمبر ١٩٩٤ ،حيث أن مجلس الأمن يري أن الهدف من إنشاء المحكمة هو إحلال السلام والامن الدوليين ،ومقاضاة الأشخاص المسئولين علي الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني علي إقليم رواندا والأراضي المجاورة [37].

أصدرت المحكمة عدة أحكام تاريخية ،ففي أول حكم صادر عن المحكمة الجنائية بشأن الابادة الجماعية، أدين فيه رئيس البلدية السابق ” جان بول أكاسيو ” في عام ١٩٩٨ بتسع تهم تتعلق بالإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وكان الحكم أيضا أول ما خلص إلي أن الاغتصاب ولاعتداء الجنسي أفعال إبادة جماعية [38] .

وقد حكمت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا علي ٦١ شخص بالسجن المؤبد لدورهم في المذابح ،وتمت تبرئة ١٤ متهما وإحالة ١٠ أخرين إلي المحاكم الوطنية ،واتهمت ٩٣ شخصا ،وأصدرت ٥٥ حكما أوليا و٤٥ حكما بالاستئناف، واستمعت إلي روايات قوية لأكثر من ٣٠٠٠شاهد عمدوا إلي سرد بعض الأحداث [39].

وأصدرت المحكمة حكمها الثاني في ٤ ديسمبر ١٩٩٨ ،ضد رئيس الوزراء الأسبق ” جين كامباندا” بالسجن المؤبد ،وذلك لكونه قادا هجوم واسع ومنظم ضد سكان التوتسي بعمليات القتل الجماعي بحق الرجال والنساء والأطفال، وملاحقتهم وقتلهم حتي في الملاجئ والمستشفيات والكنائس والمدارس[40].

ومن الجدير بالذكر كذلك محاكمات كلا من ” فرديناند ناهيمانا وجان بوسكو باراباغويزا” رئيسا محطة الإذاعة والتليفزيون الحرة للتلال الالف ،ومحاكمة ” نغيزي ”  مؤسس ومدير صحيفة كانغورا ،وقد ضمت المحكمة لوائح اتهام أولئك الثلاثة في محاكمة واحدة ،يشار إليها باسم قضية الاعلام، وكان يتم التحقيق فيها حول دور وسائل الإعلام كعنصر من عناصر القانون الجنائي الدولي ،وقد أدين كلا من ” ناهيمانا وكانغورا”  بتهم الابادة الجماعية وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وقد حكم عليهم في البداية بالسجن المؤبد ،وحكم علي ” باراباغويزا ” بالسجن لمدة ٣٥ سنه ،وبعد الإستئناف خفض الحكم علي ” ناهيمانا ” ليصبح الحكم بالسجن لمدة ٣٠ عاما ،وعلي ” نغيزي” بسجن لمدة ٣٥ عاما [41].

محاكم الجاكاكا:-

عندما تولت الجبهة الوطنية الحكم ،لأول مرة في يوليو ١٩٩٤ بعد انتهاء الحرب الأهلية والابادة الجماعية، ظهرت الحاجة إلي تحقيق العدالة فيما يتعلق بمقتل أكثر من ثلاثة أرباع سكان رواندا من التوتسي بالإضافة إلي عدد لا يستهان به من الهوتو الذين عارضوا القتل أو حاولوا تقديم المساعدة والحماية لتوتسي، وكان من شأن ذلك التحدي أن يقضي علي أكثر الأنظمة تقدما في العالم ،وفي رواندا أصبحت المهمة أكثر صعوبة بسبب مقتل عدد كبير من القضاة ، بالإضافة إلي تدمير جزء كبير من البنية التحتية القضائية[42].

ولما كان عدد المشتبه بارتكابهم جرائم إبادة جماعية كبير والإجراءات تسير ببطيء في المحاكم الوطنية، تم إنشاء محاكم ” الجاكاكا ” وهي كلمة تعني العشب ،وتشير إلي جلوس الجميع علي الارض لحل المشكلات علي أسس تقليدية ،وفي عام ٢٠٠١ كان هناك حوالي ١١٥،٠٠٠ قضية معروضة عليها [43] .

وانتخبت المجتمعات علي المستوي المحلي قضاه للاستماع إلي محاكمات المشتبه في ارتكابهم جرائم إبادة جماعية ،وأصدرت المحاكم عقوبات أقل إذا كان الشخص مرتكب الابادة الجماعية تائبا وسعي إلي المصالحة مع المجتمع ،وعملت محاكم الجاكاكا علي تعزيز المصالحة من خلال توفير وسائل للضحايا لمعرفة وفاة أفراد أسرهم وأقاربهم ،كما أعطوا الجناة الفرصة للاعتراف بجرائمهم وإبداء الندم وطلب العفو أمام مجتمعهم [44].

وفي واقع الأمر أحدثت هذه المحاكم نقلة نوعية في المجتمع ،ففي غضون سبع سنوات، عقدت أكثر من ١١٠٠٠ محكمة محلية ،يعمل فيها أكثر من ١٠٠،٠٠٠ قاض غير قانوني ،للنظر في حكم أكثر من مليون قضية إبادة جماعية، وقد ساعدت محاكم الجاكاكا في زيادة المشاعر السلبية لدي المواطنين الروانديين بشأن الانقسامات العرقية ،ومساعدة الروانديين نحو التواجه إلي الواحدة والمصالحة [45] .

الواقع الحالي لدولة رواندا :-

شهدت كيغالي ورواندا بأسرها معدلات نمو هي الإسراع علي مستوي القارة فيما يتعلق بإيجاد فرص عمل للمواطنين، وزيادة الدخل ،علي الرغم من أن نقطة الانطلاق كانت متدنية نسبيا ،لقد حقق المجتمع الرواندي معدلات انتعاش ملحوظة منذ نهاية الابادة الجماعية في فترة التسعينات [46].

تعد رواندا سوقا صغيرة ولكنها متنامية ،حيث يبلغ عدد سكان الدولة ١٢،٢ مليون نسمة ،ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي ٩،١٤ مليار دولار أمريكي ،وتتمتع رواندا بنمو اقتصادي قوي بلغ متوسطة أكثر من ٧% سنويا علي مدار العقدين الماضيين [47] وفقا لبيانات البنك الدولي فقد بلغ إجمالي الناتج المحلي في عام ٢٠٢٢ ١٣،٣١ مليار دولار ،وبلغ نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في نفس العام ٩٦٦،٢٠ دولار ،وفيما يتعلق بأجمالي الناتج المحلي الإجمالي سنويا في عام ٢٠٢٢ فقد بلغ ٨،٢٠% [48]

وفيما يتعلق بالصادرات الرواندية فقد أعلن المجلس الوطني للصادرات الزراعية أن رواندا حققت خلال العام ٢٠٢٢ عائدات بقيمة ٧٨٩ مليون دولار أمريكي ،وأوضح المجلس أن هذه العائدات سجلت نموا بنسبة ٤٥% في عام ٢٠٢٢ مقارنة بعام ٢٠٢١ والتي بلغت ٥٤٣ مليون دولار أمريكي ،ونمت صادرات  المنتجات الزراعية التقليدية مثل البن والشاي بمتوسط ١٨% لتصل عائدات هذه المنتجات إلي ٢١٢ مليون دولار أمريكي [49].

وشهد قطاع السياحة ارتفاعا ملحوظا ،فوفقا لمجلس السياحة الرواندي ارتفعت إيرادات رواندا من السياحة بنسبة ٥٦% خلال النصف الأول من عام ٢٠٢٣ لتصل إلي نحو ٢٤٧ مليون دولار [50] .

رؤية ٢٠٢٠:-

تعد رؤية ٢٠٢٠ التي أطلقها الرئيس الرواندي بول كاغامي في عام ٢٠٠٠ ،واحدة من أهم المبادرات ،والتي تسعي الحكومة من خلالها إلي تحويل رواندا إلي دولة متوسطة الدخل ،والحد من الفقر ،وتحسين الخدمات التعليمية والصحية المقدمة إلي المواطنين .

ولتحقيق الرؤية حددت الحكومة ستة ركائز متشابكة منها الحكم الرشيد ودولة فعالة ،رأس المال البشري الماهر ،وجود قطاع خاص ينبض بالحياة ،وجود بنية تحتية ذات مستوي عالمي ،وكل تلك الركائز في النهاية موجهة نحو الازدهار والمنافسة علي المستويين الإقليمي والعالمي .

رؤية ٢٠٢٠هي إطار لتنمية رواندا ،حيث تقدم الأولويات الرئيسية وتزود الروانديين بأداة توجيهية للمستقبل ،وتسعي الرؤية إلي تحويل رواندا إلي دولة متوسطة الدخل بحلول عام ٢٠٢٠ ،ويتطلب هذا تحقيق دخل سنوي يقدر بنحو ٩٠٠ دولار أمريكي [51].

ولتحقيق أهداف الرؤية عملت الحكومة الرواندية علي إنشاء المؤسسات ذات الصلة وإجراء الإصلاحات ذات الصلة في جميع المجالات لضمان الكفاءة ،كما تم البدء في تنفيذ العديد من الحلول المحلية ،تماشيا مع أحكام رؤية ٢٠٢٠ ،كانت رعاية ريادة الأعمال وخلق قطاع خاص ديناميكي وتنافسي خيارا استراتيجيا، أعطت الحكومة من خلال مجلس التنمية في رواندا الأولوية لإنشاء البنية التحتية المرغوبة [52].

بالإضافة إلي ذلك فقد كانت الرؤية تهدف ايضا إلي تحويل رواندا من دولة تعتمد علي القطاع الزراعي ذو العائد المنخفض ،إلي دولة تعتمد علي القطاع المعرفي والتكنولوجي ،وبعد وضع الخطة بست سنوات فقط أي في عام ٢٠٠٦ سجلت الدولة معدل نمو اقتصادي بنسبة ٨% [53].

واعتمدت الحكومة الرواندية في تحقيق رؤيته التنموية علي ثلاثة مديات

المدي القصير ويتمحور حول تكوين الثروات وتقليل الاعتماد علي المعونات والديون الدولية ، المدي المتوسط ويتمحور حول التحول من الاقتصاد الزراعي إلي الاقتصاد المعرفي من خلال تطوير التعليم والتكنولوجيا الاتصالات ،والمدي البعيد يتمحور حول خلق طبقة وسطي منتجة ،وتعزيز روح المبادرة لديها عبر تمكينها مع خلق الثروة والمساهمة في تطوير اقتصاد البلاد [54].

ولتنفيذ الرؤية فقد تم تقديم حوافز لجذب المستثمرين مثل الإعفاء من الرسوم الجمركية المفروضة علي عمليات الاستيراد للآلات والمعدات والمواد الخام ،والحوافز المالية الإضافية مثل الاستيراد وإعفاءات ضريبة القيمة المضافة في القطاعات الاستراتيجية ،بما في ذلك قطاعي الطاقة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات [55].

ركزت الحكومة الرواندية علي الاستثمار في رأس المال البشري ” الاستثمار في القوي العاملة الوطنية” واقتصاد المعرفة والتكنولوجيا والثورة الصناعية الرابعة ،ومحاربة الفساد وهو العدو الأول للتنمية في إفريقيا وبقية الدول النامية ،وهو ما جعلها نموذجا يمكن السير علي خطاه من قبل العديد من الدول الأفريقية والنازية.

ونتيجة لذلك فقد حققت رواندا العديد من الإنجازات التنموية خلال الفترة الماضية، فقد حافظت علي معدلات نمو مرتفعة خلال العقد الماضي، متفوقة علي بعض الدول الكبرى مثل الصين والهند ،حيث بلغ معدل النمو ٨،٦% في عام ٢٠١٨ بعد أن كان ٦% في عام ٢٠١٧ ،كما قفزت رواندا في مؤشر سهولة ممارسة أنشطة الأعمال لعام ٢٠١٨ الصادر عن البنك الدولي إلي المرتبة ٢٩ عالميا والثانية أفريقيا ،متقدمة من المركز ٤١ خلال العام  ٢٠١٧ ،وهو ما دفع شركة فولكس خاغن عملاق صناعة السيارات إلي اختيارها لتصبح مركزا لصناعة السيارات وتوزيعها إلي الشرق الافريقي [56] .

قطاع التعليم :-

أسفرت الابادة الجماعية والحرب الأهلية الرواندية إلي تدمير شبة كامل لنظام التعليم ،ولذلك تعين علي حكومة ما بعد الابادة الجماعية إعادة بناء نظام تعليمي قائم علي المساواة  وعدم التحيز الاثني ،وإعداد بنية تحتية جيدة ،انطلاقة رواندا من مقولة أن الحق في التعليم مكفول للجميع ،ومن هذا المنطلق وضعت رواندا سياسات وتدبير تشريعية ومؤسسية وإدارية متنوعة لتيسير تطور قطاع التعليم ،ولم تكتفي رواندا فقط ببناء اقتصاد قائم علي المعرفة ومستند إلي التكنولوجية ،ولكنها ترغب أيضا في تعزيز النظام التعليمي الذي يتيح للفتيات والأولاد المهارات والقيم اللازمة ليصبحوا مواطنين صالحين ،فقد اعتمدت رواندا تباعا سياسية قطاع التعليم في عام ٢٠٠٣ ،والسياسية التعليمية لذوي الاحتياجات الخاصة في عام ٢٠٠٧ ،وسياسية التعليم والتدريب المهني والتقني في عام ٢٠٠٨ لإنجاز هدف التعليم لجميع المواطنين [57].

وفي مايو من عام ٢٠١٩ أطلقت رواندا قمرا صناعي لتزويد المدارس في المناطق النائية بالأنترنت  المجاني ، وتم تصميم هذا القمر الصناعي بواسطة شركة ” one web ” بالمملكة المتحدة [58]،وجاءت الخطوة في إطار مشروع متكامل لتحديث وتطوير شبكة الإنترنت بتكلفة بلغت ملياري دولار ،وكذلك في إطار السعي لتكون رواندا مركزا للابتكار التكنولوجي في إفريقيا .

اتخذت الحكومة الرواندية خطوات كبيرة منذ الابادة الجماعية في ظل أصعب الظروف من أجل إصلاح التعليم ،وهدفت سياسة التعليم لما بعد عام ١٩٩٤ إلي تصويب الظلم التعليمي السابق بطريقة تعزيز الوحدة والمصالحة الوطنية من خلال إعطاء الأولوية للأنصاف في توفير التعليم والوصول إلية ،وصممت الحكومة أيضا علي تشجيع الثقافة الإنسانية القائمة علي الإدماج والاحترام المتبادل، وإلغاء تصنيف المتعلمين والمعلمين وفقا للانتماء إلي الهوتو أو التوتسي أو التوا ،وتطلب الأمر تعليم مجموعة من القيم شملت

١.تسليط الضوء علي أوجه الشبة بين الروانديين وسياسة الشمولية

٢.تعزيز المسؤولية الفردية

٣.التركيز علي المستقبل التقدمي

٤.ضمان ملاءمة المنهج وقابلية تطبيقه في الحياة اليومية [59]

ونتيجة لذلك أصبحت رواندا مثالا يحتذي به في النهوض بقطاع التعليم ،وصنفت رواندا من قبل منظمة اليونسكو في عام ٢٠١٤ بأنها من أفضل ثلاثة دول في تجربة النهوض بالتعليم [60].

ومن ضمن الإستراتيجيات التي اتبعته رواندا للنهوض بقطاع التعليم ما يلي

١.إعادة تأهيل المعلم :- ومن أجل ذلك قامت العديد من ورش العمل والدورات التدريبية التي تنتج معلمين قادرين علي تقديم تعليم يواكب العصر ،ويلبي احتياجات سوق العمل

٢.تعليم يحارب العنصرية:- فتعليم ما قبل النهضة كان يرسخ للعنصرية ،ويعطي جميع الامتيازات لأبناء التوتسي علي غيرهم ،ولكن هذا الأمر تم معالجته

٣.التعليم المجاني:- اعتمدت الحكومة الرواندية علي سياسية التعليم المجاني في فترة ما بعد الابادة الجماعية نظرا لظروف المعيشة الموجعة لسواد الأعظم من الشعب الرواندي

٤.التكنولوجيا:- هناك استراتيجية وضعته الحكومة الرواندية نحو الاعتماد علي التكنولوجيا ،فقد عقدت الحكومة الرواندية مع شركة ” Microsoft ” شركة لمحو الأمية الرقمية ،كما تبنت الحكومة نظام ” ICT4E” وهو اختصار لتكنولوجيا المعلومات والاتصال من أجل التعليم ،وهو نظام يستبدل وسائل التعليم والكتب التقليدية بمنصات إلكترونية

٥.معالجة ظاهرة التسرب الدراسي:- اعتمدت الحكومة الرواندية علي خطة مدتها ٥سنوات لمحاربة ظاهرة التسرب من التعليم ،من خلال إعداد المتعلمين نفسيا وفكريا وعلميا ،فقد وصلت نسبة الطلاب المنتظمين في التعليم إلي ٨٥% ،وأكدت اليونسكو أن رواندا أصبحت بذلك أعلي الدول الإفريقية انتظاما في التعليم الأساسي، ففي المرحلة الابتدائية بلغت نسبة الأطفال المنتظمين بالدراسة ٩٧% ،وفي التعليم المتوسط بلغت ٧٣% [61].

قطاع الصحة :-

شهد قطاع الصحة في رواندا تطورا كبير خلال الفترة الماضية، وعقدت الحكومة الرواندية العديد من الشراكات مع شركات مختلفة لتحسين إداء القطاع الصحي ،فعلي سبيل المثال دخلت شركة بريطانية مع الحكومة الرواندية في شراكة لتقديم الخدمات الصحية للمواطنين عبر الهاتف المحمول عن طريق البرنامج الرقمي ” Babyl” .

برنامج ” Babyl” هو عبارة عن منصة رقمية تقدم استشارات إلكترونية ،وتصنف الحالات الطبية ،وتجري التشخيصات المرضية ،وتوفر إمكانية حجز المواعيد بنقرة واحدة ،فضلا عن الوصفات الطبية والسجلات الإلكترونية ،وهذا البرنامج متاح مجانا لخمسة وسبعين بالمائة من المواطنين [62].

في حقيقة الأمر أن رواندا لم تقم ببناء نظام صحي جيد فقط ،ولكنها استطعت أن تأسس أحد أنجح أنظمة الرعاية الصحية في العالم ،والذي يضم تحت مظلته أكثر من ٩٠% من السكان [63]،ومن خلال برنامج التأمين الصحي المجتمعي الذي أطلقته الحكومة تمكنت أفقر الأسر والسكان من الحصول علي الخدمة الصحية دون تحمل تكلفة باهظة .

المبحث الثالث :- ابرز العوامل والأسباب التي أسهمت في نجاح التجربة الرواندية :

شهدت رواندا تحولا مذهلا في العقدين الاخريين ،منذ أن دمرت الحرب الأهلية والابادة الجماعية شريحة كبيرة من سكان الدولة ،وأودت بحياة

الآلاف منهم ،وبطبيعة الحال تتعدد وتتنوع الأسباب والعوامل التي أسهمت في نجاح التجربة التنموية الرواندية والتي يمكن أن نوردهم علي النحو التالي

أولا :- الاستقرار السياسي والتعايش السلمي :-

يعتبر السلم في العالم عموما وفي القارة الأفريقية خصوصا مسألة جوهرية للأفراد والجماعات والدول ،فلا سبيل لتحقيق التنمية والنهضة مالم يحدث تعايش سلمي يؤدي إلي استقرار سياسي .

ويعني مفهوم التعايش السلمي وجود ثمرة من التسامح والتوؤم بين الجماعات المختلفة ،ووجود رغبة في التعايش معا ،مع القدرة علي استيعاب ثقافات الآخر، فالتعايش السلمي تعبير يراد به خلق جو من التفاهم بين الشعوب بعيدا عن الحرب والعنف ،والقدرة علي احترام الآخرين وحرياتهم والاعتراف بالاختلافات بين الأفراد والقبول بها ،وتقدير التنوع الثقافي [64].

ولقد استطعت رواندا بالفعل بعد الحروب الدموية والمشاهد الوحشية عام ١٩٩٤ من إرساء دعائم سياسية التعايش السلمي وقبول الآخر، فالقد ورد في ديباجة الدستور الرواندي ما يلي”  نحن شعب رواندا تكريما لأسلافنا البوسل الذين ضحوا بأنفسهم من أجل تأسيس رواندا والابطال الذين ناضلوا من أجل الامن والعدالة والحرية واستعادة هدوءنا الوطني وكرامتنا وكبريائنا ،وإذا نأخذ في الاعتبار أننا نتمتع بامتياز وجود بلد واحد ،ولغة مشتركة ،وثقافة مشتركة ،وتاريخ مشترك طويل وهو ما يجب أن يمكننا من الحصول علي رؤية مشتركة لمصرنا ،وإذ ندرك أن السلام والامن والوحدة والمصالحة لشعب رواندا هي ركائز التنمية ،وملتزمون كذلك ببناء دولة تقوم علي أسس ديمقراطية توافقية وتعددية تقوم علي تقاسم السلطة والوحدة الوطنية والمصالحة والحكم الرشيد والتنمية والعدالة الاجتماعية والتسامح وحل المشاكل من خلال الحوار [65].

وفي محاولة منها لتحقيق السلام والاستقرار فقد أعلنت الحكومة الرواندية في أغسطس من عام ٢٠٠٧ عن سياسية وطنية للوحدة والمصالحة، هدفت هذه السياسية إلي بناء رواندا موحدة يتمتع فيها جميع المواطنين بحقوق متساوية وبحرية المشاركة الجماعية في حكم بلادهم وتنميتها ،وتشمل الأهداف المحددة لهذه السياسية مكافحة أي شكل من أشكال الانقسام والتمييز، مكافحة إيديولوجية الابادة الجماعية وتوعية الروانديين علي المستويات كافة من أجل السعي إلي تحقيق وحدتهم وتقديرهم ،وتمكين الروانديين ليتمتعوا بالقدرة علي تحليل مشاكلهم وإيجاد الحلول المناسبة، وتعزيز ثقافة السلام ،وتعزيز قيم الثقافة الرواندية التي تساهم في التماسك الاجتماعي ورفاه الروانديين [66]، وكذلك حظرت هذه السياسية رسميا تسميات الهوية العرقية مثل الهوتو والتوتسي والتوا.

وكان لتلك السياسات إثره البالغ علي تحقيق السلام والاستقرار دخل ربوع الدولة الرواندية ،وهو الامر الذي عزز من قدرة رواندا علي تحقيق التنمية والسير في دروب النهضة والتقدم .

مما لا شك فيه أن للاستقرار السياسي دورا كبير في دفع خطي التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتعجيل بإنجازها[67]، وكان الأمر كذلك في رواندا حيث استطعت البلاد إن تحقق معدلات نمو مرتفعة بعد أن استعادت استقراره السياسي بعد عدة حروب طاحنة بي قبائل متناحرة.

ثانيا : القيادة السياسية الرشيدة :-

إن للقيادة السياسية دورا كبيرا في إحداث التنمية ، لأنها البوصلة الموجهة للدولة ،وقد برزت العديد من الأسماء الامعه التي قادت بلاده من قال العالم إلي مصاف الدول المتقدمة ،مثل مهاتير محمد في ماليزيا ، لي كوان في سنغافورة ،وأيضا بول كاغامي في رواندا .

أن قصة نجاح رواندا تعود إلي وجود قيادة سياسية لديها رؤية مستقبلية وخطة تنموية ،ورغبة حقيقية نحو تغير الوضع القائم ،فهذه القصة قد رسم معالمها وحدد أحدثها بول كاغامي الذي تولي السلطة عام ٢٠٠٠.

ركز بول كاغامي علي عنصرين أساسيين وهما توحيد الشعب الرواندي بعد حرب أهلية ضروس أزهقت أروح بالآلاف، والثاني يتمثل في القضاء علي الفقر ومحاربته ،عمل الرئيس الرواندي أيضا علي تفعيل موضوع المساواة بين الجنسين ،عن طريق تمكين المرأة الرواندية في المجالات كافة ،حيث أن القوانين الجديدة منحت المرأة حقوق واضحة في الأرض والميراث والعمل والتعليم ،والدليل علي مؤشرات النجاح في التمكين أن البرلمان الرواندي غالبيته من النساء ،وفي تشكيل الحكومة أخذت النساء نصيبا وفرا[68].

وكان لبول كاغامي دورا كبير في بناء الوحدة الوطنية والتماسك المجتمعي ،زاعما أن الامن الناتج عن ذلك يشكل أساسا لأي نوع  من التقدم ،ولتحقيق هذه الغاية دعت الحكومة إلي العفو عن مرتكبي جرائم الإبادة جماعية في رواندا وإعادة تأهيلهم، كما أمر الرئيس كاغامي بإزالة الانتماء العرقي من بطاقات الهوية الوطنية للمواطنين [69].

لقد عمل كاغامي علي بناء أمة من الصفر وهذا ليس بالأمر الهين فقد كانت المهمة تتطلب جهدا كبيرا ،وقد اعتمدا كاغامي علي مهاراته القيادية الفطرية وقدرة السكان الذين تعرضوا للتحطيم، وقام بتنفيذ مجموعة من الاستراتيجيات والتي تركز علي المستوي المحلي مثل “محاكم الجاكاكا” ،وهو جهد للمصالحة الوطنية يستخدم فيها الأساليب التقليدية ،و “أوموغاندا” وهو جهد جماعي يتم فيه أشرك جميع الروانديين في مشاريع اجتماعية مثل تنظيف الشوارع ،وتجديد المدارس، ودعم الأرامل والأيتام [70].

وفي عهد الرئيس بول كاغامي أصبحت رواندا ذات المساحة  الصغيرة، ونادرة الموارد ،واحدة من اسرع الاقتصاديات نموا في العالم بداية من سنة ٢٠٠٠ متجاوزة دولا كثيرة أكثر ثراء ،وانخفض إيضا عدد أبنائها الذين يعيشون تحت خط الفقر من ٧٧% في عام ١٩٩٤ إلي ٣٩% ،كما انخفض نسبة الأمية من ٥٠% إلي ٢٥% في عام ٢٠١٩ ،وأصبح دخل الفرد فيها يقارب ٣ آلاف دولا  ،ودشنت الحكومة برنامج تأمين صحي ظن الخبراء الغربيون أنه مستحيل في بلد أفريقي [71].

عملت الحكومة الرواندية بقيادة رشيدة علي توفير البيئة المناسبة لجذب الاستثمار الأجنبي، فثقة المستثمرين بالمؤسسات ساعدت علي جذب الاستثمار حيث أنه أصبح من اليسير إنشاء شركة فالأمر لا يتطلب سوي خمسة ساعات فقط ،ومن خلال سياسية ” أوموغاندا ” حازت العاصمة كيغالي علي لقب أنظف عاصمة أفريقية ،أيضا تعد رواندا واحدة من أكثر عشر وجهات سياحية أمانا في العالم ،وكان من ضمن بؤر اهتمام القيادة السياسية الرواندية هي رقمنة البلاد والاهتمام بالجانب المعلوماتي والتكنولوجي .

وعلي الرغم من شخصية الرئيس التسلطية ،إلا أنه كان صاحب الرؤية والقائد الموجهة ،واستطاع أن يجعل من بلد تعاني من أوضاع كارثية وحروب دموية إلي واحدة من أنجح التجارب التنموية علي الرغم من صغر المساحة ونادرة الموارد.

ثالثا : القضاء علي الفساد:-

قطعت رواندا شوطا كبيرا في موجهة ومكافحة الفساد ، بعتبره العدو الأول للتنمية، ومبتلع ثمار النهضة ،وللفساد دورا كبير في زيادة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، ويؤدي إلي ضعف الدول ويؤثر علي الاستقرار السياسي.

وتعتبر رواندا من أهم الدول النامية بصفة عامة والأفريقية بصفة خاصة التي استطاعت التغلب علي الفساد وتحقيق نهضة رائدة وواعدة في مسارها التنموي ،في رواندا توجد هيئة تسمي ” مكتب وسيط الجمهورية” وهي هيئة دستورية والجهة الأكثر أهمية في مجال محاربة الفساد، ومن بين المهام الكثيرة الواقعة علي عاتق الهيئة والتي من ضمنها تلقي وفحص تصاريح الممتلكات لمسئولي الدولة [72].

التصريح بالممتلكات لا يخص فقط رئيس الدولة ،وكبار المسئولين داخلها ،بل أكثر من ذلك بكثير يقدر أن هناك حوالي ٥٠٠٠ مسؤول يصرحون بممتلكاتهم بمكتب وسيط الجمهورية، من بينهم الرئيس ،الوزراء ، القضاة ،ضباط الجيش والشرطة ،مديري الشركات العمومية ،مدير الخزينة العامة، مدير الضرائب وجميع وكلاء تحصيل الضرائب وغيرهم [73].

مهدت المصالحة الوطنية لبدء كاغامي حكمة كرئيس ،وإطلاق مشروعة الذي وضع في أولويته مكافحة الفساد ،وبعدما كانت منظمة الشفافية الدولية تعتبر أن رواندا تعاني من فساد أسوء من اليمن وليبيا وإيران ،بات البلد الواقع شرق أفريقيا اليوم أفضل حالا بكثير من إيطاليا واليونان من ناحية مكافحة الفساد [74].

تعد رواندا حاليا أول دولة علي مستوي الشفافية في أفريقيا ،بالإضافة إلي كونها الاولي أيضا فيما يخص سياسات محاربة الفساد، ما جعلها تتربع علي رأس دول القارة السمراء من حيث أقل نسبة فساد ، كما أن ترتيبها ٤٤ عالميا في المؤشر نفسه وهذا يعد مشرف جدا مقارنة بدول إفريقية أخري[75].

ومن جانب آخر ارتكزت استراتيجية الحكومة علي الحكم الرشيد الذي يشمل المساءلة والشفافية والمحاسبة ، ولاهتمام بمسألة مكافحة الفساد ،حيث تبنت الحكومة شعار ” عدم التسامح مع الفاسدين مع ضمان حماية المبلغين ” ،وأطلقت حملات توعوية واسعة لنشر الوعي بين السكان حول النتائج غير الإيجابية للفساد ،وقد تم أيضا اتخاذ إجراءات رادعة تناولها القانون رقم ٢٠٠٣/٢٣ الخاص بمكافحة الفساد الذي يخص استيراد الاموال المنهوبة وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، كما تم إنشاء العديد من الهيئات للنظر في قضايا الفساد كديوان المظالم ،ومكتب المراجع العام ،ولجنة الحسابات البرلمانية [76].

وحققت رواندا من خلال تلك الهيئات العديد من الإنجازات في مجال مكافحة الفساد، علي سبيل المثال قامت الحكومة خلال عام واحد عام ٢٠٠٧ بإقالة ٥٠٣من أعضاء السلطة القضائية بتهمة الفساد وعدم الكفاءة ،و ٦٢ ضابط شرطة لطلب الرشاوي، و ٦الاف موظف غير مؤهل و ٦٥٠٠ عامل وهمي[77].

لقد أعطي تبني كاغامي قضية مكافحة الفساد دفعة كبيرة لها ، حيث قام باتخاذ مجموعة من الإجراءات سواء القانونية أو المؤسسية أو التطبيقية ،

فقانونيا:- جري سن مجموعة من التشريعات بعد انتهاء الحرب أبرزها القانون ٢٠٠٣/٢٣ الخاص بمنع وقمع الفساد وما يتصل به ،فضلا عن القوانين الأخرى كقانون العقوبات ” المواد من ٢٢ إلي ٢٧ ” إضافة إلي ذلك انضمام رواندا إلي معظم الاتفاقيات الدولية الخاصة بمكافحة الفساد

مؤسسيا :- فقد شرعت الحكومة الرواندية في إنشاء العديد من الهيئات للنظر في قضايا الفساد كما سبق الإشارة إلي ديوان المظالم ،ومكتب المراجع العام ولجنة الحسابات البرلمانية

وعلي الصعيد الإداري:- أدي وجود نظام فعال للإدارة المالية العامة إلي تقليل فرص سرقة الأموال العامة وزيادة مخاطر الكشف عنها، كما أن نظام الخدمة المدنية المنضبطة والمحفزة، أسهم في تقليص عدد الموظفين العمومين وتحسين مكانتهم ،كما حفزت عقود الأداء كلا من المديرين والقادة في جميع أنحاء الحكومة لمقاومة الفساد [78].

رابعا : التخطيط الجيد والقدرة علي استشراف المستقبل :-

إن القدرة علي التخطيط الجيد ،ووضع الإستراتيجيات المحاكمة من العوامل الهامة لنجاح التنمية ،وكانت الحكومة الرواندية مثال يحتذي به في عملية التخطيط المحكم ، فقد أكد الرئيس” بول كاغامي” مرارا علي أهمية التخطيط والاستشراف وأثره الإيجابي علي تنمية المجتمع وتطويره.

لقد وضعت الحكومة الرواندية العديد من الخطط وشرعت في تنفيذه ،منها رؤية ٢٠٢٠ التي تضمنت العديد من الأهداف في جميع المجالات والتي نجحت فعلا الحكومة في تنفيذ معظمه بنجاح مثل تنمية رأس المال البشري، والتي أحرزت تقدما هائلا فيه ،فقد استطعت توسيع نطاق الالتحاق بمرحلة ما قبل الابتدائية ،وتحسين نتائج التعليم ،وتحسين ملاءمة المناهج مع الواقع العملي ،وتعزيز العلوم والتكنولوجيا والابتكار ،وأيضا عملت الحكومة الرواندية علي تقديم خدمته لجميع المواطنين بما في ذلك ذوي الاحتياجات الخاصة، وكانت تهدف رؤية ٢٠٢٠ إلي جعل رواندا من البلدان متوسطة الدخل ،ولقد استطعت تنفيذ ذلك بالفعل  .

وتشمل عوامل نجاح رواندا أيضا في ” مبادئ الحكم الرشيد ” ،عدم التسامح مع الفاسدين ،القيادة الموجهة نحو النتائج ،تمكين مجموعة واسعة من إيجاد الحلول محليا ،تحقيق المساواة بين الجنسين، وإعادة أعمار البنية التحتية، والتحسين المستمر للبيئة الاستثماري  [79].

وعند تقيم رؤية ٢٠٢٠ نجد أن الكثير من أهدافه استطعت الحكومة أن تحققه ،فقد نما الاقتصاد الرواندي بمتوسط ٨% ،وكان من المتوقع أن نسبة النمو تزيد في ٢٠٢٠ بنسبة ١٠% لولا جائحة ” CoVID19″ ،أيضا ارتفع دخل الفرد من ٢٠٠ دولار في عام ٢٠٠٢ إلي ٨٢٠ دولار في عام ٢٠٢٠ ،علاوة علي ذلك فإن هذا النمو ساعد علي انتشال الكثير من برثن الفقر ،وتعد رواندا من بين البلدان القليلة التي حققت جميع  أهداف الألفية الإنمائية للأمم المتحدة [80].

وإيمانا من السلطة الرواندية بأهمية التخطيط والإعداد الجيد للمستقبل ،وضعت الحكومة الرواندية رؤية ٢٠٥٠ ،وتعمل الرؤية علي تكثيف طموحات الدولة وتواصل التوجه نحو الاعتماد علي الذات والقدرة التنافسية ،وقد أخذ إعداد الرؤية في الاعتبار أجندات التنمية العالمية والإقليمية لضمان مواءمة الأهداف والمؤشرات ،وتشمل تلك الأهداف أهداف التنمية المستدامة، وأجندة الاتحاد الأفريقي ٢٠٦٣ ،ورؤية جماعة شرق أفريقيا ٢٠٥٠ ،واتفاق باريس بشأن التغير المناخي [81].

وتنقسم الرؤية إلي مرحلتين : ٢٠٢٠ – ٢٠٣٥ و ٢٠٣٦ – ٢٠٥٠ ،مع مراجعة الرؤية في عام ٢٠٣٥ لضمان بقاء الخطة علي نفس المسار الصحيح ،وتهدف رواندا إلي التحول إلي دخل متوسط أعلي بحلول عام ٢٠٣٥ ،وأن تصبح ذات دخل مرتفع بحلول عام ٢٠٥٠ [82].

وفي معرض حديثة عن الإستراتيجية الجديدة ،صرح الرئيس ” بول كاغامي ” بقولة ” إننا لا نريد أن نكون دولة في الوضع الراهن أو شعب في الوضع الرهن ،كانت رؤية ٢٠٢٠ تدور حول ما يتعين علينا القيام به من أجل البقاء واستعادة كرامتنا ،لكن رؤية ٢٠٥٠ يجب أن تدور حول المستقبل الذي نختاره ،لأننا نستطيع ذلك ،ولأننا نستحقه” .

خامسا : وجود أجهزة ومؤسسات تتسم بالكفاءة والفعالية:-

يتمثل أحد نجاحات الدولة الرواندية في وجود جهاز إداري قوي ذي كفاءة وقادر علي تنفيذ الخطط التنموية وتلبية احتياجات المواطنين من السلع والخدمات، ومن أجل الوصول إلي الكفاءة والفعالية عملة رواندا علي إصلاح جذري في الجهاز الإداري.

عندما قررت رواندا النهوض علمت أن القطاع الخاص لابد أن يكون شريكا في ذلك، وعملت الحكومة الرواندية علي إزالة جميع العقبات أمام القطاع الخاص، وحاليا إنشاء شركة لا يستغرق سوي ٥ ساعات فقط ،ما يجعلها إحدى أسهل وأسرع الدول في أفريقيا في تكوين الشركات .

واهتمت الحكومة الرواندية بالقضاء علي البيروقراطية ما جعل رواندا قبلة للاستثمار الأجنبي وشجع علي ازدهار ريادة الأعمال في البلاد ،وفي ظل مناخ استثماري جيد ارتفع معدل إنشاء الشركات في رواندا نحو ١٥ آلاف شركة جديدة سنويا ،ما يوفر آلاف من فرص العمل ويدعم اقتصاد الدولة [83].

وكان من ضمن السياسات التي اتبعته الحكومة الرواندية لزيادة فعالية الجهاز الإداري، هو القضاء علي الفساد ،والقضاء علي كل المعاملات القديمة القائمة علي المعاملات التفضيلية والمحسوبية والتمييز العرقي ،من أجل تحقيق ذلك سعت إلي بناء مؤسسات عامة تتسم بالكفاءة والفعالية قائمة بشكل أساسي علي تحسين والارتقاء بمعدلات الأداء والإدارة بالنتائج ،ومن ثم أصبح التعيين في المؤسسات المختلفة علي أسس احترافية [84].

الخاتمة

استهدفت الدراسة الكشف عن مفهوم الدولة التنموية، مع توضيح ابرز سماته،  كما تضمنت الدراسة أيضا الوقوف علي أهم المحطات التاريخية في واقع التاريخ الرواندي والمتمثلة في الحرب الأهلية والابادة الجماعية التي شهدته الساحة الرواندية في حقبة التسعينات، كما تعرضت الدراسة أيضا إلي الوقوف علي أهم العوامل والأسباب التي أدت إلي انتشال رواندا من حالة الاقتتال الجماعي وبراثن الفقر ،إلي واحة للسلام ،ومنبع للاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية .

ولقد خلصت الدراسة إلي نتائج عدة لعل من أظهرها :-

١.أكدت الدراسة علي أهمية الاستقرار السياسي وسياسية التعايش السلمي ونتائجه الإيجابية علي التنمية الاقتصادية .

٢.خلصت الدراسة إلي التأكيد علي الدور المحوري للقيادة السياسية الواعية ذات الرؤية المستقبلية الثاقبة ،مع القدرة علي التعامل مع مشكلات الواقع بكل مستجداته.

٣.انتهت الدراسة إلي التأكيد علي أهمية الاستثمار في رأس المال البشري ودوره في نهضت الامم والمجتمعات ،والتقدم والنهضة لا يرتبطا بشكل حتمي بوفرة الموارد الطبيعية .

٤.خلصت الدراسة إلي قضية الفساد وضرورة القضاء عليه ،باعتباره العدو الأول للتنمية، ومبتلع ثمار النهضة، والتأكيد علي دور الفساد في زيادة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، والتسبب في ضعف الامم والشعوب .

٥.انتهت الدراسة إلي ضرورة وجود مؤسسات إدارية ذات كفاءة وفعالية ،وقدرة فائقة علي تنفيذ السياسات والاستراتيجيات التي وضعتها الإدارة العليا، مع أهمية وجود القطاع الخاص ودوره المحوري في عملية التنمية ،وأهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص مع توفير كل سبل الدعم والتيسير والتسهيل للقطاع الخاص لمزاولة نشاطه.

[1] عبد الوهاب محمد جواد ،النموذج التنموي الآسيوي وإمكانية محاكته من قبل الدول النامية ،جامعة الكوفة – كلية الإدارة والاقتصاد

[2] أية يوسف ذكي يوسف ،الدولة التنموية – دراسة مقارنة بين نجاح كوريا الجنوبية في الفترة ١٩٦١-١٩٨٧وفشلها في مصر في الفترة ١٩٨١-٢٠٠٨ ، المركز الديمقراطي العربي

[3] محمود أحمد عبد الله، مفهوم الدولة التنموية وتطوره – استبيان بيريز كالدنيتي ، المركز العربي للبحوث والدراسات

[4] تاج السر عثمان ،مفهوم الدولة التنموية، الراكوبة، تاريخ الزيارة الجمعة ،يونيو ١٤ – ٦- ٢٠٢٤

[5] مرجع سابق

[6] أحمد الشوري أبو زيد ،الدولة التنموية في أفريقيا – رواندا نموذجا ،كلية التجارة – جامعة أسيوط، العدد التاسع والسبعون ،ديسمبر ٢٠٢٣ .

[7] ANDRZEJ BOLESTA,CHINA AS DEVELOPMENTAL STATE.

[8] Jesse Salah ovadia ,The theory and practice of building developmental states the Global south,Taylor &Francis

[9] محمد دحماني ،خليل جداوي ،دور القيادة السياسية في تحقيق التنمية الاقتصادية <مهاتير محمد انموذجا> ،مجلة الحقوق والعلوم الإنسانية، المجلد ١٥ /العدد ٠٤ /٢٠٢٠ /ص ١٠١-٦٨٧

[10] محمود سمير ابو عره، دور القيادة السياسية في تحقيق التنمية في ماليزيا <مهاتير محمد نموذجا> ،مجلة الدراسات السياسية والعلاقات الدولية، العدد٣٣،ص ٨١

[11] أحمد مجيد جاسم ،دور بول كاغامي في بناء الدولة الرواندية ٢٠٠٠- ٢٠١٨ ،كلية العلوم السياسية، جامعة تكريت

[12] أحمد صبري الحمراوي، تحليل السياسية العامة ،محاضرات ألقيت علي طلبة المستوي الثاني ،كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية جامعة الإسكندرية ،الفصل الدراسي الثاني ٢٠٢٣- ٢٠٢٤

[13] محمد فايز فرحات ،مصر دولة تنموية ،بوابة الأهرام

[14] عامر عمر محمد عمر ،الحرب الأهلية في رواندا ” ٦” أبريل ١٩٩٤ وأثرها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مجلة رماح للبحوث والدراسات

[15] هبة سمير نور الدين ،الصراع الدولي دراسة حالتي رواندا وبوروندي ،كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية- جامعة الإسكندرية

[16] تامر سامي ،الامن القومي في الدول الصغيرة ..رواندا نموذجا ،مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية

[17] Hutu revolution,rwandan history ,Britannicahttps://www.britannica.com/topic/Hutu-revolution

١٨.https: //cat.umn.edu/chgs/holocaust-gencide-education/resource-guides/Rwandan

[19] https://www.un.org/en/preventgenocide/rwanda/

[20] عامر عمر محمد عامر ،الحرب الأهلية في رواندا ” ٦” إبريل ١٩٩٤ وأثرها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مجلة رماح للبحوث والدراسات ،المجلد ع ٧٩

[21] http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Dwal-Modn1/Rwanda/Sec01.doc_cvt.htm

[22] https://sfi.usc.edu/news/2021/10/31721-date-history-rwandan-patriotic-army-invades-rwanda

[23] أحمد جمال الصياد ،رواندا بين الحرب الأهلية والتحول الديمقراطي ،المركز الديمقراطي العربي

[24] عبد السلام الشامخ ،مذبحة رواندا .. كيف أشعلت طائرة الرئيس حربا أهلية أودات بحياة مليون شخص ،الشرق

[25] رواندا تقول أن متطرفين من الهوتو قتلوا الرئيس في ١٩٩٤ ،By Reutershttps://www.reuters.com/article/idUSCAE60A0FF/

[26] https://www.ascleiden.nl/content/library-weekly/assassination-juvenal-habyarimana-and-cyprien-ntaryamira

[27] سباش ليندة، التجربة الرواندية في حوكمة التنمية بين الإنجازات الاقتصادية والسياسية ،مجلة الحقوق والعلوم السياسية، المجلد ١٥/العدد ٠١ (٢٠٢٢) ص ٣٨٦- ٤٠٤

[28] مرجع سابق ذكره ص ١٢

[29] عزيز أحمد سعدون ،رواندا .. الثورة علي الحرب ،الجزيرة نت

[30] بيرت إنغلييز، العدالة  والمصالحة التقليديتان بعد الصراعات العنيفة ” التعلم من التجارب الافريقية https://www.idea.int/publications/catalogue/traditional-justice-and-reconciliation-after-violent-conflict-learning?lang=ar

[31] إيمان لاريش، تجربة  إعادة الإعمار بعد الصراع في رواندا : بين الخبرات المستخلصة وسبل الاعتراف،policy center

[32] هارون باه ،المصالحة الوطنية الرواندية.. دراسة لنموذج أفريقي ،الراحة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين

[33] إزيكيل سنتياما،المصالحة الوطنية في رواندا التجارب والدروس المستخلصة

[34] http://197.243.22.137/nurc7/index.php?id=83

[35] https://www.usip.org/publications/1999/03/truth-commission-rwanda-99

[36] وليد كنوني، الأساليب والمناهج المحلية في تحويل النزاع .. دراسة حالة التجربة  الرواندية ،كلية الحقوق والعلوم السياسية

[37] هبة خالد جمال عبد الرازق ،مشكلة الاندماج الوطني في رواندا ،المركز الديمقراطي العربي

[38] عادل مستاري،المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا،  كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد خيضر – بسكرة

[39] https://www.un.org/ar/preventgenocide/rwanda/

[40] محمد جبار الكريزي،الابادة الجماعية في رواندا الدروس والعبر ،المركز العرقي لتوثيق جرائم التطرف

[41] عامر عمر محمد عمر، الحرب الأهلية في رواندا ” ٦” أبريل ١٩٩٤ وأثرها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مجلة رماح للبحوث والدراسات

[42] مايكل ب شارف ،النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا ،United nations

[43] https://www.hrw.org/report/2011/05/31/justice-compromised/legacy-rwandas-community-based-gacaca-courts

[44] محمد صالح عمر ،محاكم الجاكاكا قضت في ١،٥ مليون قضية هل طوي ملف مجازر رواندا https://www.ajnet.me/politics/2023/4/7/%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%83%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D9%83%D8%A7%D9%83%D8%A7-%D9%82%D8%B6%D8%AA-%D9%81%D9%8A-1-5-%D9%85%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9-%D9%87%D9%84

[45] محمد جبار الكريزي، الابادة الجماعية في رواندا الدروس والعبر، المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف

[46] طارق ناصف ،رواندا من الحرب الأهلية إلي التنمية الشاملة ،مركز حرمون للدراسات المعاصرة

[47] https://www.export.gov/article?series=a0pt0000000PB09AAG&type=Country_Commercial__kav

https://data.worldbank.org/[48]

[49] رواندا : زيادة عائدات الصادرات الزراعية بنسبة ٤٥% العام الماضي ،اليوم السابع https://www.youm7.com/story/2023/2/22/%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%86%D8%AF%D8%A7-%D8%B2%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%B9%D8%A7%D8%A6%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D8%B1%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%86%D8%B3%D8%A8%D8%A9-45-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B6%D9%8A/6091695

[50] في هذا البلد الافريقي عائدات السياحة ترتفع بنسبة ٥٦% لهذه الأسباب، البلادhttps://www.elbilad.net/actualites/%D9%81%D9%8A-%D9%87%D8%B0%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%84%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A-%D8%B9%D8%A7%D8%A6%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%AD%D8%A9-%D8%AA%D8%B1%D8%AA%D9%81%D8%B9-%D8%A8%D8%A3%D9%83%D8%AB%D8%B1-%D9%85%D9%86-50%D9%AA-%D9%84%D9%87%D8%B0%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D8%A8-118256

[51] https://climate-laws.org/document/rwanda-vision-2020_196c?q=++%2C%3F+DRMONE++This+Document+is+encrypted+and+protected+by+Fasoo+DRM+++%2C++%2C++%2C++%2C++%2C++%2C++%2C++%2C++%2C++%2C….12a4

[52] أبل بوحونقو ، التحول الاقتصادي لرواندا بعد الابادة الجماعية ضد التوتسي عام ١٩٩٤ ،صحيفة التغيير السودانية

[53] صائب كايا، رواندا من الابادة الجماعية إلي الازدهار ،مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة

[54] موسي العدوان، بين الرؤية الاقتصادية الرواندية ومثيلتها الاردنية https://jo24.net/article/482034

[55] تامر سامي ،الامن القومي في الدول الصغيرة ..رواندا نموذجا ،مركز فاروس للاستشارات والدراسات الإستراتيجية

[56] مجناح أمال ، فايزة والى ،مقاربة الحكم الراشد. مدخل لتحقيق التنمية في إفريقيا .رواندا نموذجا .قراءات إفريقية   https://akhbarelmadina.dz/%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%B1%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%B4%D8%AF-%D9%85%D8%AF%D8%AE%D9%84-%D9%84%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%85/amp/

[57] الإطار القانوني المتعلق باللامركزية في رواندا  https://docstore.ohchr.org/SelfServices/FilesHandler.ashx?enc=FhOD6sgqgzAhFXD9F%2FeKaFMm83LbFY75RhkIFGrig%2B566z2CZBvgiXEleDePefE6DkHTNLubFYgDkXruZlLe5iym4WHKgiFwQoCv4KFFBE%2BSrCBrDeuZTlnPxq1%2BpthR

[58] نور رشوان ،رواندا تطلق قمر صناعيا لتزويد المدارس النائية بالأنترنت ،بوابة الشروق  https://www.shorouknews.com/mobile/news/view.aspx?cdate=02032019&id=6854fee7-1a83-4e77-a9fe-2805a920481b

[59] إزيكيل سنتياما، المصالحة الوطنية الرواندية التجارب والدروس المستخلصة ،European University

[60] عمر الشربيني ،رواندا التي تسير بخطوات متسارعة..نظام تعليمي إنجليزي في طريق تقوية عماد الدولة  https://www.assahifa.com/%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%86%D8%AF%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A-%D8%AA%D8%B3%D9%8A%D8%B1-%D8%A8%D8%AE%D8%B7%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%AA%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D8%B9%D8%A9-%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85-%D8%AA/

[61] عبد الله ونيس الترهوني،  أهم سياسيات وأليات التعليم في النهضة الرواندية ،بوابة أفريقيا الإخبارية

[62] https://wish.org.qa/ar/research-report/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%A6%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D9%8A%D8%A9-%D8%AF%D9%88%D8%B1-%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%B9%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD/

[63] https://www.argaam.com/ar/article/articledetail/id/502496

[64] أحمد علي سليمان ،معني التعايش السلمي وخصائصه ،مركز عدل لحقوق الإنسان

[65] ديباجة الدستور الرواندي https://www.constituteproject.org/

[66] محمد إبراهيم حجاب – صبحي قنصوه- أحمد أمل ،أثر مرحلة ما بعد الصراع علي التنمية في رواندا وجنوب السودان، مجلة الدراسات الإفريقية

[67] أديس أبابا أوطو ،أثر الاستقرار السياسي علي التنمية الاقتصادية، معرض المؤلفين العرب https://www.arabauthors.net/product/%D8%A3%D8%AB%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D8%B9%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7/

[68] https://www.pukmedia.com/AR/details/?Jimare=132868

[69] https://afrodemption.com/the-rwandan-renaissance-paul-kagames-success-story/

[70] https://www.newtimes.co.rw/article/6693/opinions/rwandas-remarkable-renaissance-how-kagames-leadership-saved-a-nation-from-annihilation

[71] حسام عيد ،بول كاغامي ..مبتكر النهضة الشاملة في رواندا ،مركز فاروس للاستشارات والدراسات الإستراتيجية

[72] محمد رب الشيخ ،التصريح بالممتلكات في إطار محاربة الفساد .. رواندا نموذجا، وكالة الحقيقة الإخبارية

[73] مرجع سابق ذكره ص ٢٨

[74] هيفاء زعيتر ،رواندا كنموذج : كيف يهزم الفساد بعد حرب أهلية وإبادة جماعية https://www.awanmedia.net/article/5820

[75] كريم البطيوي، رواندا ..من جحيم الحرب الأهلية إلي نعيم الاقتصادات الافريقية https://www.hespress.com/%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%86%D8%AF%D8%A7-%D9%85%D9%86-%D8%AC%D8%AD%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%88%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%87%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-464584.html

[76] فتيحة مقداد ،رواندا بعد الحرب الأهلية: من بناء الدولة إلي التنمية الشاملة، مجلة العلوم القانونية والاجتماعية

[77] إبراهيم حسين السيد- محمود أبو العينين، دور وسائل الإعلام في مكافحة الفساد السياسي في رواندا ،مجلة الدراسات الإفريقية، مجلد ٤٥ – عدد ٣- يوليو ٢٠٢٣

[78] بدر حسن شافعي ، إفريقيا بين الديمقراطية المحدودة ومكافحة الفساد: حالة رواندا، الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين

[79] تامر سامي ، الامن القومي في الدولة الصغيرة… رواندا نموذجا ،مركز فاروس للاستشارات والدراسات الإستراتيجية

[80] مرجع سابق ذكره ص ٣١

[81] https://theresult.rw/user/article/37

[82] https://medium.com/african-perspective-and-folklore/rwanda-and-its-future-vision-2050-abdda8c97e9e

[83] ياسر محمد ،رحلة رواندا من الابادة الجماعية إلي مثال ملهم للدول الإفريقية، CNN الاقتصادية https://25h.app/2024/06/23/%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%-%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%86%D8%AF%D8%A7-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D9%85%D8%AB/

[84] أحمد الشوري أبو زيد، الدولة التنموية في أفريقيا. .رواندا نموذجا ،المجلة العلمية كلية التجارة- جامعة أسيوط ،العدد التاسع والسبعون – ديسمبر ٢٠٢٣

4.8/5 - (5 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى