الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

بناء الدولة الحضارية الحديثة في العراق: أخطاء التأسيس وإدارة الحلول

اعداد : مازن صاحب – صحفي وباحث سياسي

  • المركز الديمقراطي العربي

 

تتفق مصادر الفقه السياسي الدستوري على ان (الدولة الحديثة هي دولة المواطنة التي يعيش فيها الجميع بتساو في الحقوق والواجبات، وهي دولة المؤسسات والفصل بين السلطات، وهي الدولة الديمقراطية التي يتم تداول السلطة فيها بسلمية مطلقة بقوة وملكية الإرادة الحرة للجماهير عبر الصناديق الانتخابية) ، السؤال الذي طرح في الملتقى العلمي الأول للجمعية العراقية للسياسات العامة والتنمية البشرية: هل نحتاج الى بناء دولة حضارية في العراق على ركام دولة المكونات ومفاسد المحاصصة ام نحن بحاجة الى بناء الانسان العراقي من جديد والاستثمار في رأسمال المعرفة البشرية؟؟…

 فلسفة السياسة: إدارة الدولةك-

 من أهم وأخطر المراحل التي يمر بها بناء الدولة الحديثة هي مراحل التحول الأولى من النظم غير الديمقراطية إلى نظام ديمقراطي حديث يتم فيه رسم وتمكين البنية الأساسية لهذه الدولة  وتبقى الهوية الوطنية هي أيضا الدستور الضمني غير المكتوب ، مشكلة عراق اليوم  عدم الحفاظ على  الهوية الوطنية لدولة المواطنة وتطبيق نموذج  دولة المكونات  في  نموذج للمحاصصة  انتهت الى فشل واضح  … يتطلب  تصحيح  أخطاء  التأسيس الدستورية ،  لإيضاح  الهوية  الوطنية من خلال  عقد  دستوري  يعتمد مبدأ المواطنة واسس التعايش السلمي وفقا  لإعلان  دستوري متفق عليه برلمانيا وشعبيا.

 لذلك يستند الأستاذ محمد عبد الجبار الشبوط في طرحه لنموذج بناء دولة حضارية حديثة في العراق على ما يصفه ب(المركب الحضاري والقيم الحضارية السلوكية والاخلاقية الحافة به) حيث يتكون المركب الحضاري من خمسة عناصر هي: الانسان والارض والزمن والعلم والعمل. اما القيم الحضارية فهي مؤشرات حاكمة للدولة والمجتمع والمواطنين في تعاطيهم مع هذه العناصر، وهذا يتطلب:

  •   اطلاق المعركة ضد التخلف، باعتبار ان التخلف يمثل خللا حادا في المركب الحضاري، وهذا يشمل التخلف المنهجي، والتخلف السياسي، والتخلف الاقتصادي، والتخلف الاداري، والتخلف الاجتماعي، والتخلف الديني، والتربوي .. الخ
  •  اطلاق عجلة الاصلاح الحضاري وهذا يشمل الاصلاح السياسي، والاصلاح الاقتصادي، والاصلاح الاداري، والاصلاح الاجتماعي، والاصلاح الديني، والاصلاح التربوي، الخ.، حيث  تعتمد المعركة ضد التخلف بالدرجة الاولى على تغيير المحتوى الداخلي للإنسان والمجتمع. والتعامل مع الانسان والزمن والارض والعلم والعمل. وهذا هو الانسان الحضاري، او #المواطن_الفعال الذي يشكل اللبنة الاساسية في بناء المجتمع والدولة الحضارية على الانسان الذي يؤمن بهذه الكلمات ان يأخذ على عاتقه مهمة تثقيف نفسه على التعامل الايجابي مع عناصر الانتاج الحضاري لتلك الخصائص التي تتجسد في مضمون الدولة الحضارية ذاتها.

تحالف مدني – اكاديمي

 ولكن …اختلف مع الأستاذ الشبوط في الاكتفاء بنموذج الدعوة الفلسفية لبناء العراق كدولة حضارية والاتكال على نهوض المواطن من سبات جاهلية الديمقراطية نحو صناديق الانتخابات لأحداث ما يمكن وصفه بالثورة الناعمة لإعادة بناء العراق كدولة حضارية، لذلك ادعو الى :

أولا: أهمية ان تؤكد منهجية بناء الدولة الحضارية على العقد الاجتماعي الدستوري للمواطنة والتعايش السلمي وعدم ادخال السلطات الدستورية في آتون الأفكار وصراعاتها، مع احترامي للأفكار التي لا تؤدي الى إشكالات في الامن والسلم الأهلي.

ثانيا  : تشكيل تحالف مدني  – اكاديمي ، يتعرف به من قبل الرئاسات الثلاث كنموذج مدني للمعارضة الشعبية  تسعى لحوكمة السياسات العامة للدولة ، وفي حالة ظهور مثل هذا التحالف المدني ، فان الكثير  من السياسات الحكومية ستتعامل  معه تحت عنوان «قياس  المعارضة الشعبية  لتطبيقات الدولة».

ثالثا : ربما العراق بحاجة الى نموذج من فرض الحصار الاستيرادي في  جميع المنافذ الحدودية لتشجيع الصناعة الوطنية وتحسين معايير جودة الأداء للوظيفة العامة بقرار حكومي  يسترشد بالمعايير التي يمكن لهذا التحالف المدني  الاشراف على  تنفيذها ، ما دامت الحكومة لا تجد معارضة برلمانية تفرض محاسبتها على تطبيق برنامجها وان حدد بمسافات زمنية ، لكن جغرافية مجلس النواب السياسية تفرض هذه المعادلة ، لا توجد معارضة برلمانية ، والحكومة  بحاجة الى  بوصلة خارجية  ترشدها الى حقائق  السلام الأهلي والأمان الاقتصادي  .

المواقف الإقليمية والدولية بين يوم واخر تظهر قراءات عن مستقبل العراق، كأنها الحقيقة بعينها، أبرز هذه القراءات كانت محور محاضرة الدكتور عبد علي سفيح لتحويل (اور – منطقة نبي الله ابراهيم) الى عاصمة جديدة للمال العالمي وفقا لكتاب جاك اتالي سكرتير الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران !! قد تبدو هذه الفكرة صاعقة على الذهن العراقي للتسوية الكبرى وهو يواجه استحقاقات حروب متعددة …لابد وان تقوم على الاتي:

  •  الموروث الديني المتناقض والمتغالب في صراعاته المجتمعية ضمن مظاهر شعائرية تجعل الحديث عن مثل هذه التسوية بعيدة المنال، الاستخدام السياسي له مفجع ولا مناص من الحديث عن ميراث الدم في مرحلة التسوية التاريخية الكبرى التي يجري الحديث عنها في هذه المرحلة، فميراث الدم قضية لا يمكن تجاهلها، بل تحتاج الى فتاوى دينية من جميع الأطراف تطوي صفحة وتفتح صفحة أخرى، ولكن ليس بطريقة ((من لم تغمس أيديهم بدماء العراقيين)).
  •  أي تسوية مجتمعية تاريخية بعد حرب أهلية بحاجة الى خبرة دولية محايدة ومثل هذه الخبرة تأتي من تجارب الشعوب وقدرات الأمم المتحدة على حل النزاعات والمنظمات الدولية المناظرة مثل منظمة حل الازمات الدولية التي مقرها في بروكسل، وأيضا المعاهد ومركز الأبحاث الدولية المعروفة، وتشكيل فريق عمل وطني من الجامعات العراقية للعلوم السياسية والاجتماعية والاقتصادية وفريق اممي مناظر، يمكن ان ينتهي الى حلول تتبنى من قبل مجلس الامن الدولي.

عهود دولية :-

دستوريا، يعترف عراق اليوم بهذه العهود الدولية، لكن ليس للدولة سلطة واحدة تحتكر استخدام العنف في فرض سيادة القانون، بل هناك سلطات متداخلة بقوانين مختلفة، كل منها يحاول فرض احتكاره للعنف بوسائل غير قانونية أدت الى ظهور جماعات أبو فلان وعلان، كل منها يفرض نفوذه بطريقته الخاصة، ناهيك عن سلطة عشائر التي غادرت اعرافها الحميدة الى ممارسات لا عقلانية في العنف المنفلت، فضلا عن ذلك الذي يريد تحقيق طموحه القومي والانفصال عن العراق. حلول عراقية مفترضة يتجسد فن السياسة في إدارة الدولة ويمكن تعريف التنمية السياسية بعدة تعاريف اكاديمية من بينها (تحقيق زيادة سريعة وتراكمية خلال فترة من الزمن محددة وقصيرة نسبياً وتستهدف إحداث تغييرات نوعية بالإضافة إلى التغييرات الكمية عن طريق الجهود المنظمة) ويتحقق ذلك من خلال:

أولا: العدول عن اجراء الانتخابات بطريقة القائمة واعتماد طريقة الانتخاب الفردي والدوائر المتعددة.

ثانيا: تقليل عدد الاحزاب من خلال اجراءات قانونية صارمة للتمييز بين الاحزاب الوطنية والاحزاب المحلية. الاحزاب الوطنية تشترك في انتخابات مجلس النواب. الاحزاب المحلية تشترك في انتخابات مجلس المحافظة فقط. الاحزاب المحلية لا تشترك في الحكومة الاتحادية، الحزب الوطني يضم في صفوفه اعضاء من 12 محافظة بواقع 2000 عضو لكل محافظة، يعتبر الحزب محليا اذا كان يضم في صفوفه اعضاء من اقل من 12  محافظة (11محافظة فما دون) ، يشترك في الانتخابات العامة الحزب الذي مضى على تأسيسه وتسجيله رسميا خمس سنوات، على ان تعلن الاحزاب الوطنية المتنافسة عن اسماء مرشحيها لتولي منصب رئيس الوزراء ضمن برامجها الانتخابية.

ثالثا: المطلوب ان يكون هناك اشراف دولي مباشر على اعلان دستوري لحل أخطاء التأسيس، وان يتم الاستفتاء عليه في هذه الانتخابات بعد ان يخضع عمل مفوضية الانتخابات للحوكمة وفقا للمعايير الدولية، وأبرزها وجود رؤية انتخابية وطنية كسياسات عامة في برنامج محدد تلتزم بمعاييرها هذه المفوضية في منح الأحزاب اجازات ممارسة العمل السياسي.

رابعا : يتعرف الكثير  من النواب بان العراق  مدين  بحوالي 132  مليار دولار لأكثر  من عشرين  دولة فضلا عن صندوق النقد الدولي ، وخدمة الدين تتصاعد سنويا ، مشكلة العام الحالي ان  ثمة تهديد  بأزمة اقتصادية دولية ويتوقع الدكتور طلال أبو غزالة في مقالة له ان تضرب ازمة الاقتصاد الدولي عام 2020 وتكون اشد  من ازمة عام 2008 ربما تنجو منها اقتصاديات الهند والصين  فيما تتعرض بلدان اوربية لخسائر هائلة .

خامسا: مطلوب من مراكز البحوث والدراسات واهل الاختصاص البحث في حلول عراقية تبدأ بما يصفه الدكتور الشبوط بأخطاء التأسيس الدستورية وإيجاد الحلول المناسبة لها بغية تأسيس علاقة جدلية بين قيمة الإنتاجية والأجور في الحد من مفاسد السلطة وتحتاج الى نظرية عراقية في الاقتصاد السياسي تحقق نموذجا متجددا لبناء الإمكانيات البشرية الشخصية.

  • متى تنطلق أطروحة الدولة الحضارية ؟؟

اي انطلاقة حقيقية لبناء العراق كدولة حضارية تحتاج الى هذا النموذج المتجدد في رأسمالية الدولة لإدارة القطاع الاقتصادي بعقلية صاحب الشركة وليس التأمينات الاجتماعية بما يفتح المجال لتحويل القطاع العام الى شركات مساهمة، وهذا يتطلب عقلية اقتصادية من القطاع الخاص لا تتعامل مع الدولة  بأسلوب المغانم  والربح السريع ، بل إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني بمفهوم انتاج المعرفة بمساهمات واقعية  من رجال  الاعمال العراقيين  تقوم على :

أولا: تعديل دستوري – قانوني، يضع مسارا للتنمية المستدامة حتى 2050 وفق خطط خمسية، تستبعد النفط  تدريجيا عن التمويل لموازنة العامة وإيجاد البدائل الكفيلة باستحضار التمويل  من القطاع الخاص الوطني  والاجنبي في مشاريع محددة ، صناعية وزراعية،  وفق جداول للجدوى والحاجة لها في  ضوء رؤية التنمية المستدامة .

ثانيا: تشكيل مجلس وطني اعلى للتنمية المستدامة يشرف على تطبيق الخطط الخمسية خارج إطار المحاصصة او التنافس السياسي، وتكون الموازنة العامة للدولة أحد واجبات هذا المجلس.

ثالثا: تصميم خارطة وطنية تحدث سنويا وفق معادلة تقليل الفقر وتخفيض معدلات التضخم مقابل حوكمة تنفيذ الموازنة العامة، تعلن للناخب العراقي عن كفاءة الحكومة في تحقيق الرؤية الاستراتيجية للتنمية المستدامة.

رابعا: يقوم مجلس النواب، حسب تكليفه الدستوري، بالمراقبة والمحاسبة عن نجاح او فشل الموازنة المالية للدولة في اعمال الوزارات سنويا، فيما يكلف ديوان الرقابة المالية وهيأة النزاهة ومكاتب المفتشين بإلزام الوزارة والجهات الاستثمارية بعدم الخروج عن الرؤية الاستراتيجية للتنمية المستدامة وفقا لالتزامات العراق بموجب الاتفاقات الدولية ذات العلاقة ومنها اتفاقات حقوق الانسان ومكافحة الفساد.

خامسا: تطرح الوزارات فصليا تحليل ( سوات) عن تطبيقات الرؤية الاستراتيجية للتنمية المستدامة، وتبحث عن الحلول  المطلوبة  للتحديات وتعظيم الفرص  وإيجاد البدائل، ونشر هذا التــــــقرير على مواقع إعلامـية  معروفة ، وطرحـه للنقاش العام وفـــــقا لذات المعادلة الساعية لتقليل الفقر وتخفـــيض معدلات التضخم ، مقابل  الأمـوال التي صرفت من الموازنة العامة.

يبقى من القول، ربما ما زال الكثير من المثقفين العراقيين، ناهيك عن الاكاديميين المتصديين للوظائف الحكومية القيادية، لا يجدون في هذه الاطروحة الحلول الاكيدة لمفاسد المحاصصة، ويطرحون حلولا مغايرة تتماهى مع مصالح حزبية معينة، لكن الحقيقة الاكيدة ان التراكم الفكري لفلسفة إدارة الدولة تحتاج الى مشعل يوضح نهاية النفق للتغيير المنهجي العقد الاجتماعي المنشود للمواطنة الصالحة والتعايش السلمي المطلوب.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى