دراسة تحليلية لانتخابات رئاسة بنك التنمية الأفريقي 2025

اعداد : محمد الجزار – خبير في الشؤون الأفريقية – مصر
- المركز الديمقراطي العربي
انتخب الموريتاني سيدي ولد التاه رئيسا للبنك الأفريقي للتنمية , وذلك يوم الخميس الموافق 29 مايو 2025 , بعد فوزه علي منافسيه الأربعة في الانتخابات التي جرت خلال الاجتماعات السنوية للبنك في مدينة أبيدجان بساحل العاج , وقد كانت العملية الانتخابية شديدة التنافسية للغاية , نظرا لأهمية المنصب المتنافس عليه , حيث يمثل بنك التنمية الأفريقي أكبر بنك لتمويل عمليات التنمية في القارة الأفريقية , وتأتي هذه الانتخابات في سياق جيوسياسي متوتر ، حيث تعد قضايا التنمية والسيادة المالية والإصلاح المؤسسي علي رأس الأولويات التي تشغل بال الدول الأفريقية , وهو ما يلقي بالعديد من التحديات علي عاتق رئيس البنك الجديد , ومن خلال هذه الدراسة التحليلية سوف نسلط الضوء علي هذه العملية الانتخابية الهامة , وذلك من خلال النقاط التالية :
أولا : التعريف بالمرشحين لمنصب رئيس بنك التنمية الأفريقي :
نظرا لعدم إمكانية إعادة ترشح رئيس بنك التنمية الأفريقي الحالي أكينوومي أديسينا , الذي يحمل جنسية نيجيريا , بسبب حصوله علي فترتين متتاليتين في رئاسة البنك , بلغت مدة كل فترة منهما 5 سنوات , وذلك بداية من عام 2015 حتي عام 2020 , ومن عام 2020 حتي 31 أغسطس 2025 , فقد كان من اللازم انتخاب شخصية جديدة لتخلفه في شغل هذا المنصب القاري والدولي الهام , والذي أعلنت العديد من دول القارة الأفريقية عن رغبتها في تقديم مرشحين لها للتنافس علي هذا المنصب وذلك حتي قبيل إعلان موعد فتح باب الترشح , حيث كانت كل من السنغال , وموريتانيا , وبنين , وتشاد , وجنوب أفريقيا , وزامبيا قد أعلنت عن تقديم مرشحين لها للتنافس علي هذا المنصب , وفي مايو 2024 تم الإعلان خلال الاجتماع السنوي التاسع والخمسين لمجلس إدارة محافظي البنك الذي عقد في العاصمة الكينية نيروبي عن موافقة مجلس الإدارة علي الجدول الزمني المتعلق بانتخابات رئاسة بنك التنمية الأفريقي , مع تحديد موعد 1 يوليو 2024 لبدء اجراءات العملية الانتخابية من خلال دعوة محافظي الدول الأعضاء الإقليمية في البنك لتقديم مرشحيهم , كما تم لاحقا تحديد يوم 31 يناير 2025 ليكون آخر موعد لتلقي طلبات الترشح , وفي 21 فبراير 2025 أعلنت اللجنة التوجيهية لمجلس المحافظين المعنية بانتخاب رئيس بنك التنمية الأفريقي عن قائمة المرشحين المقبولين للتنافس علي منصب رئيس بنك التنمية الأفريقي , وذلك بعد عقدها لعدة اجتماعات قامت خلالها بدراسة ملفات الترشح , حيث تم قبول ملفات ترشح امرأة وأربع رجال للتنافس علي هذا المنصب , ويمكن التعريف بهم كما يلي :
1-مرشح موريتانيا : سيدي ولد التاه : وهو خبير اقتصادي من مواليد عام 1964 ويبلغ عمره الآن 60 عاما , وقد حصل علي درجة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة نواكشوط بموريتانيا , ثم أكمل دراسته العليا في فرنسا حيث حصل علي درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة نيس صوفيا الفرنسية , وبدأت مسيرته المهنية عام 1984 حيث عمل في البنك الموريتاني للتنمية التجارية , ثم تدرج في المناصب القيادية في موريتانيا , كما عمل أيضا في العديد من المؤسسات المالية والمناصب القيادية في خارج موريتانيا حيث تولي منصب رئيس البنك الإسلامي للتنمية , وفي عام 2008 تولي منصب وزير الاقتصاد والمالية في موريتانيا والذي استمر في شغله حتي أبريل 2015 , وفي يوليو من نفس العام السابق تم انتخابه بالإجماع كمدير عام للبنك العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا (BADEA) وهو المنصب الذي ظل يشغله حتي أبريل 2025 . ([1])
ويذكر أن الموريتاني عثمان كين نائب رئيس بنك التنمية الأفريقي للخدمات المؤسسية الأسبق , كان قد أعلن في بيان صحفي منشور بتاريخ 26 أغسطس 2024 عن ترشحه للتنافس في هذه الانتخابات , حيث كان ينظر إليه علي أنه منافس قوي بسبب خبرته ومسيرته المهنية داخل بنك التنمية الأفريقي , حيث أمضي نحو 15 عاما في العمل داخل البنك , وساهم في تطوير الخطة الاستراتيجية للبنك (2003-2007) , فضلا عن توليه عدة مناصب قيادية في موريتانيا من بينها منصب محافظ البنك المركزي الموريتاني , ومنصب وزير المالية , ومنصب وزير الاقتصاد والخدمات الإنتاجية , بجانب كونه شخصية مقربة من الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد الغزواني , غير أنه في اللحظة الأخيرة تم تقديم سيدي ولد التاه كمرشح لموريتانيا للتنافس علي هذا المنصب , حيث تم تقديم أوراق ترشحه يوم 29 يناير 2025 أي قبل غلق موعد الترشح بيومين , ويبدو أن عملية اختيار سيدي ولد التاه تمت بتوصية من خارج القارة , وربما يكون اختياره تم من قبل بعض الداعمين له من الدول العربية والغربية , وخاصة الدول التي عمل معها سابقا , وتربطه بهم علاقات وطيدة , وهو ما يسهل عملية التعاون بينهم وبين بنك التنمية الأفريقي في المستقبل . ([2])
2-مرشح السنغال : أمادو هوت : وهو خبير اقتصادي ومصرفي من مواليد عام 1972 , ويبلغ عمره الآن 52 عاما , وقد حصل علي درجة الزمالة في الرياضيات التطبيقية وبكالوريوس العلوم في الاقتصاد من جامعة بانتيون السوربون , وحصل علي دراسات عليا في تمويل الأسواق المالية وإدارة المصارف ، كما التحق ببرنامج الماجستير في الرياضيات التطبيقية في جامعة نيويورك , وفيما يخص مسيرته المهنية فقد عمل في عدة بنوك غربية مثل أبرزها بنوك نيويورك , ولندن , وهولاندا , كما عمل في مؤسسات مالية في دبي , وفي 2011 عمل كمدير لثروات رجل الأعمال النيجيري إليكو دانجوتي , وفي 2012 تم تعيينه مستشارا خاصا للرئيس السنغالي السابق ماكي سال , كما تولي منصب وزير الاقتصاد والتخطيط والتعاون في السنغال خلال الفترة (2019-2022) , وفي ديسمبر 2022 أصبح مبعوثا خاصا لرئيس بنك التنمية الأفريقي للتحالف من أجل البنية التحتية الخضراء في أفريقيا (AGIA) وهي مبادرة أفريقية تهدف لمعالجة نقص مشاريع البنية التحتية الخضراء القابلة للتمويل , وفي نوفمبر 2024 أعلن رسميا عن ترشحه لانتخابات بنك التنمية الأفريقي , مدعوما من قبل رئيس بنك التنمية الأفريقي المنتهية ولايته , ومدعوما أيضا من الملياردير النيجيري أليكو دانجوتي , والملياردير النيجيري توني إلوميلو رئيس مجلس إدارة بنك يونايتيد لأفريقيا . ([3])
3-مرشح تشاد : عباس محمد تولي : وهو خبير اقتصادي من مواليد عام 1972 , ويبلغ عمره الآن 53 عاما , وقد حصل علي شهادة في إدارة الأعمال من كندا, وشهادة في الاقتصاد من المدرسة الوطنية للإدارة في فرنسا , كما يمتلك خبرة مهنية تزيد عن 20 عاما , حيث تولي العديد من المناصب القيادية داخل المؤسسات الوطنية في تشاد , حيث تولي منصب وزير المالية والبنية التحتية في تشاد , وهو يتحدث عدة لغات من بينها العربية والفرنسية والإنجليزية , وعلي المستوي الإقليمي فقد تولي منصب المحافظ الخامس لبنك دول وسط أفريقيا (BEAC) خلال الفترة ( 2017-2024) , وهو بنك مركزي يخدم الدول الستة الأعضاء في المجموعة الإقتصادية والنقدية لدول وسط أفريقيا CEMAC)) , وفي ديسمبر 2024 قامت دولة تشاد بترشيحه رسميا للتنافس علي منصب رئيس بنك التنمية الأفريقي , كما حصل علي تأييد من دول المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا (ECCAS) . ([4])
4-مرشح زامبيا : صموئيل مونزيلي مايمبو: وهو خبير اقتصادي تنموي من مواليد عام 1972 ويبلغ عمره الآن 52 عاما , وقد حصل علي بكالوريوس المحاسبة من جامعة كوبربيلت في زامبيا , ثم ماجستير إدارة الأعمال والتمويل من جامعة نوتنغهام ببريطانيا , وألحقها بالدكتوراه في الإدارة العامة تخصص الخدمات المصرفية من جامعة مانشستر ببريطانيا كذلك , وفيما يخص سيرته المهنية فقد شغل منصب نائب رئيس البنك الدولي لشؤون الميزانية ومراجعة الأداء والتخطيط الاستراتيجي , وذلك بمقر البنك الدولي بواشنطن العاصمة , كما شغل العديد من المناصب داخل البنك الدولي من ذي قبل , وشغل أيضا منصب مدير إدارة تعبئة الموارد في المؤسسة الدولية للتنمية , وإدارة التمويل المؤسسي في البنك الدولي للإنشاء والتعمير , وعمل سابقا كمفتش مصرفي في بنك زامبيا , بجانب توليه العديد من الوظائف القيادية في زامبيا ودول القارة الأفريقية , وقد حظي بدعم رسمي من قبل مجموعة تنمية دول الجنوب الأفريقي (SADC), ومجموعة دول السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (COMESA) . ([5])
5-مرشحة جنوب أفريقيا : باجابوليلي سوازي تشابالالا : وهي خبير استراتيجية مالية ورائدة في مجال التنمية , وتبلغ من العمر 58 عاما , وقد حصلت علي درجة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة لورانس بالولايات المتحدة الأمريكية , ثم حصلت علي الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة ويك فورست بالولايات المتحدة في عام 1992 , وفيما يخص خبرتها المهنية فقد عملت في مجال التمويل وإدارة الخزينة وأسواق رأس المال لنحو ثلاثة عقود , حيث عملت في القطاعين العام والخاص , وعملت أيضا في مجموعة ستاندرد بنك , كما أنها كانت قد انضمت إلي بنك التنمية الأفريقي في 2018 حيث عملت كنائبة للرئيس للشؤون المالية والمديرة المالية , ثم تولت منصب نائب الرئيس الأول في بنك التنمية الأفريقي بدءا من نوفمبر 2021 , وقد استقالت من منصبها كنائب أول لرئيس البنك في أكتوبر 2024 , وذلك استجابة للقواعد واللوائح الداخلية للبنك حتي تستطيع الترشح لمنصب رئيس بنك التنمية الأفريقي . ([6])
وبجانب هؤلاء المرشحين الخامسة فإن وزير الاقتصاد والمالية في بنين روموالد واداجني كان قد أعلن عن نيته للترشح والمنافسة علي منصب رئيس بنك التنمية الأفريقي غير أنه تخلي عن مسألة ترشحه فيما بعد ولم يقم بتقديم أوراق الترشح , وتم تفسير ذلك بعدم تقديم دعم لطموحاته في الترشح من قبل الرئاسة في بنين , رغم أنه أحد رجال نظام باتريس تالون رئيس بنين الحالي , ليقتصر التنافس علي هؤلاء المرشحين الخمسة وهم يمثلون أقاليم وسط وجنوب وغرب أفريقيا , حيث لم يقدم كل من إقليمي شمال وشرق أفريقيا مرشحين للتنافس في هذه الانتخابات . ([7])
ويمكن أن نوضح في الجدول التالي لمحة عامة مختصرة عن المرشحين الخمسة المقبولين للتنافس علي منصب رئيس البنك الأفريقي للتنمية فيما يلي :
اسم المرشح |
الدولة التي ينتمي إليها |
أبرز خبراته الرئيسية |
الدكتور سيدي ولد التاه | موريتانيا | وزير سابق للاقتصاد
الرئيس السابق للبنك العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا |
الدكتور صموئيل مونزيل مايمبو |
زامبيا |
نائب رئيس البنك الدولي
مفتش مصرفي في بنك زامبيا |
السيد أمادو هوت |
السنغال |
وزير سابق للاقتصاد
نائب الرئيس السابق لبنك التنمية الأفريقي |
السيد عباس محمد تولي |
تشاد |
وزير سابق للمالية
المحافظ السابق لبنك دول وسط أفريقيا |
السيدة باجابوليلي سوازي تشابالالا |
جنوب أفريقيا |
نائب الرئيس الأول والمدير المالي السابق لبنك التنمية الأفريقي |
المصدر : من إعداد الباحث وفقا للسير الذاتية المنشورة للمرشحين الخمسة
ثانيا : مواعيد الترشح وقواعد التصويت والحملة الانتخابية:
أ-مواعيد الترشح :
تنص المادة الأولي المعدلة من قواعد الانتخابات الخاصة بانتخاب رئيس البنك , علي أنه يجب انتخاب رئيس البنك خلال الاجتماع السنوي الأقرب إلي نهاية فترة ولاية الرئيس الحالي للبنك , وتطبيقا لهذه المادة فقد تم تحديد يوم 29 مايو 2025 ليكون موعدا لانتخاب الرئيس الجديد للبنك , وذلك خلال الاجتماع السنوي لمجلس محافظي البنك , والذي كان مقررا عقده في الفترة من 26 إلي 30 مايو 2025 في العاصمة الاقتصادية لساحل العاج أبيدجان .
وبموجب القرار الذي اعتمده مجلس محافظي البنك في 29 مايو 2024 , مع اتخاذ إجراءات المتابعة اللازمة من جانب إدارة البنك فقد تم تحديد الجدول الزمني والإجراءات الخاصة بانتخاب رئيس البنك لتكون علي النحو التالي :
1-تحديد يوم 1 يوليو 2024 ليكون موعدا لبداية تقديم طلبات الترشح , علي أن يتم تقديمها إلي الأمين العام للبنك .
2-تحديد يوم 31 يناير 2025 ليكون الموعد النهائي لتقديم طلبات الترشح .
3-تحديد الفترة من 11 إلي 13 فبراير2025 لتكون موعدا للتحقق من مطابقة الترشيحات الفردية من قبل اللجنة التوجيهية لمجلس المحافظين .
4-تحديد يوم 21 فبراير 2025 لاتخاذ القرارات ونشر قائمة المرشحين المسجلين رسميا وإبلاغ هذه القائمة إلي مجلس المحافظين , مع دعوة كل مرشح لتقديم بيان مكتوب يوضح رؤيته للبنك باللغتين الإنجليزية والفرنسية في نفس هذا التاريخ المحدد .
5-تحديد يوم 21 مارس 2025 ليكون الموعد النهائي لتلقي التصريحات الكتابية برؤية المرشحين .
6-تحديد يوم 22 أبريل 2025 ليكون الموعد النهائي لتقديم الأسئلة التي يوجهها المحافظون للمرشحين .
7-تحديد يوم 28 مايو 2025 خلال الاجتماع السنوي لمجلس المحافظين لعمل محادثة بين مجلس المحافظين وكل مرشح .
8-تحديد يوم 29 مايو 2025 خلال الاجتماع السنوي لمجلس المحافظين لانتخاب رئيس البنك الجديد . ([8])
ب-إجراءات الترشح :
طبقا للمادة 36 من اتفاقية إنشاء البنك يجب علي المرشح لكي يكون مؤهلا لمنصب رئيس البنك أن يكون مواطنا من إحدى الدول الأعضاء الإقليمية الأفريقية في البنك , وأن يكون متمتعا بأعلى قدر من الكفاءة في المجالات المتعلقة بأنشطة البنك وإدارته .
ولكي يكون طلب الترشح المقدم لأمين عام البنك صحيحا يجب أن يقدم في شكل خطاب من محافظ دولة عضو إقليمية إفريقية تمثل بلد المرشح الراغب في التنافس علي منصب الرئيس , أو يكون الترشح من خلال نموذج طلب معبأ علي النحو الواجب من قبل المحافظ وموجه إلي الأمين العام للبنك , علي أن يرفق بالطلب السيرة الذاتية التفصيلية للمرشح , مع تقديم خطاب رعاية للمرشح من قبل محافظ أو أكثر من محافظي الدول الأفريقية الأعضاء , وذلك في شكل خطاب من المحافظ مصحوبا بنموذج رعاية مكتمل وموجه للأمين العام للبنك .
ويعد الأمين العام للبنك هو الشخص المعين والمسؤول عن تلقي كافة الطلبات المتعلقة بانتخاب رئيس البنك , كما يجوز لموظفي البنك الترشح لمنصب رئيس البنك , بشرط مراعاة النظام الأساسي لموظفي البنك والذي يتطلب إبلاغ البنك رسميا بطلبه مع الاستقالة من البنك أو طلب إجازة خاصة بدون مرتب , مع وجوب استفائه لمعاير الأهلية المنصوص عليها في المادة 36 من اتفاقية إنشاء البنك والمتعلقة بالكفاءة والجنسية , بجانب شروط الترشح الأخرى المنصوص عليها في قواعد الانتخاب . ([9])
ج-الهيئة المسؤولة عن إجراء الانتخابات :
تعد اللجنة التوجيهية لمجلس المحافظين هي الهيئة المسؤولة عن إدارة العملية الانتخابية بكاملها , وتعد هذه اللجنة بمثابة هيئة فرعية لمجلس المحافظين , وتمارس عملها بموجب تفويض من مجلس المحافظين , وتتمثل أبرز مهامها في اعتماد إجراءات الدعوة والتقديم للانتخابات , مع التحقق من الترشيحات الفردية وفقا لمعايير الأهلية تنفيذا لقواعد الانتخابات , مع مسؤوليتها عن المراقبة والإشراف علي العملية الانتخابية بكاملها منذ الموعد النهائي لتلقي ملفات الترشح حتي نهاية الانتخابات وإعلان النتيجة النهائية , بجانب قيامها بإعداد ونشر قائمة المرشحين المسجلين رسميا والذين استوفوا الشروط الكاملة للترشح , مع إعدادها تقرير كامل تبلغ من خلاله محافظي البنك بالمعلومات المتعلقة بالترشيحات , كما يقوم المجلس بتعيين ثلاثة محافظين كمراقبين للانتخابات , اثنين منهم يمثلون الدول الأعضاء الإقليمية , وواحد يمثل الدول الأعضاء غير الإقليمية , مع عدم جواز تعيين المحافظين الذين رشحوا أو رعوا مرشحين كمراقبين للانتخابات , علي أن يعاون هؤلاء المراقبين الثلاثة كل من الأمين العام للبنك , والمستشار القانوني العام , ومسؤول واحد أو أكثر من القادرين علي فرز الأصوات المدلى بها بشكل سليم .
ووفقا للمادة 9 من قواعد الانتخابات يعلن رئيس مجلس المحافظين رئيسا منتخبا للبنك المرشح الذي حصل علي الأغلبية المزدوجة المطلوبة للفوز , وعقب هذا الإعلان يدعو رئيس مجلس المحافظين الرئيس المنتخب إلي تقديم نفسه إلي مجلس المحافظين بصفته الرئيس الجديد المنتخب للبنك .
ويجوز لمجلس المحافظين تأجيل الانتخابات بعد مداولة تتعلق بالاستمرار في عملية التصويت من عدمه إذا تبين عدم حصول أي مرشح علي الأغلبية المزدوجة المطلوبة بعد إجراء خمس جولات من التصويت , وفي حالة اتخاذ المجلس قرارا بإيقاف التصويت فإنه يعلن فشل التصويت , وفي هذه الحالة وبناء علي توصية مجلس الإدارة يتم تعيين رئيس البنك المنتهية ولايته أو نائب رئيس البنك الذي يكون من مواطني إحدى الدول الأفريقية في منصب رئيس البنك لمدة لا تتجاوز 12 شهرا من تاريخ شغور منصب الرئيس , ولا يجوز أن يتولى منصب الرئيس بالنيابة أي رئيس أو نائب رئيس أو أي شخص أخر كان قد ترشح لمنصب الرئيس في الانتخابات الفاشلة .
وفي حالة قرار مجلس المحافظين تأجيل الانتخابات بعد إجراء خمس جولات من التصويت لا يجوز إلا للمرشحين الذين شاركوا في الانتخابات المؤجلة , والذين لم يتم إقصاؤهم في الاقتراع السابق المشاركة في الانتخابات المعاد عقدها , ويجب عرض أي نزاع يتعلق بعمليات التصويت علي الفور علي اللجنة التوجيهية لمجلس المحافظين , والتي تطلب قبل إغلاق الاجتماع من رئيس مجلس المحافظين تأجيل الاجتماع حتي يمكن حله علي الفور قبل استئناف التصويت , ويعتبر قرار اللجنة التوجيهية نهائيا . ([10])
د-قواعد التصويت :
1-مدة الولاية : وفقا للمادة 36 من اتفاقية إنشاء بنك التنمية الأفريقي يتم انتخاب رئيس البنك لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة .
2-طريقة الانتخاب : تتمثل طريقة الانتخاب في قيام مجلس محافظي بنك التنمية الأفريقي , والذين هم عادة وزراء المالية والتخطيط أو محافظو البنوك المركزية أو نوابهم المعينون بانتخاب رئيس البنك , ويتألف مجلس المحافظين من ممثلي الدول الأعضاء البالغ عددهم 81 دولة عضو , ينقسمون إلي 54 دولة أفريقية وهي تشمل كل دول القارة الأفريقية الأعضاء في الإتحاد الأفريقي ماعدا الجمهورية العربية الصحراوية ويطلق عليها الدول الإقليمية الأعضاء في البنك , و 27 دولة غير إفريقية ويطلق عليها الدول الأعضاء غير الإقليمية , وهي تضم عدة دول أوروبية وأسيوية بجانب عدة دول تقع في أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وتتمثل هذه الدول في كل من ( الولايات المتحدة الأمريكية , والمملكة المتحدة , وفرنسا , وألمانيا , وكندا , وتركيا , وسويسرا , والسويد , وإسبانيا , والبرتغال , وإيطاليا , والدنمارك , وفنلندا , والنمسا , وبلجيكا , وايرلندا , والنرويج , وهولندا , ولوكسمبورج , والبرازيل , والأرجنتين , والصين , والهند , واليابان , وكوريا الجنوبية , والمملكة العربية السعودية , والكويت ) , ويتم إجراء الانتخابات من خلال نظام التصويت الإلكتروني أو وفقا لبطاقات الاقتراع الورقية وفقا لقواعد الانتخابات . ([11])
3-نظام الفوز : وفقا للمادة 9 من قواعد الانتخابات لكي يفوز أحد المرشحين في الانتخابات يجب أن يحصل المرشح علي ما لا يقل عن (50% +1) من الأصوات المدلى بها لجميع الدول الأعضاء الإقليمية , وهي الدول الأفريقية البالغ عددها 54 دولة عضو في البنك , وكذلك حصول المرشح علي (50% +1) من الأصوات المدلى بها لجميع الدول الأعضاء الإقليمية وغير الإقليمية , ووفقا للمادة 11 من قواعد الانتخابات , فإنه إذا لم يحصل أي مرشح علي الأغلبية المزدوجة المطلوبة في الانتخابات متعددة المرشحين , في الجولة الأولي من التصويت , يستمر التصويت حتي يحصل أحد المرشحين علي الأغلبية المزدوجة المطلوبة , علي أن ينسحب المرشح الذي حصل علي أقل عدد من الأصوات في كل جولة تصويت سابقة من الاقتراع في الجولة الثانية , والجولات اللاحقة حتي يظهر مرشح يحصل علي الأغلبية المزدوجة المطلوبة .
مع العلم أن القوة التصويتية لكل دولة إقليمية أو غير إقليمية تحدد بناء علي مقدار مساهمتها في رأس مال بنك التنمية الأفريقي , ونظرا لأن نيجيريا هي المساهم الأكبر في رأس مال البنك , فهي تتمتع بنسبة تبلغ 9.25% من حقوق التصويت , وطبقا لنص المادة 4 من قواعد الانتخابات فإن صلاحيات التصويت لكل دولة عضو التي سيتم استخدامها في فرز الأصوات , يتم تحديدها من قبل مجلس إدارة البنك بناء علي أخر يوم عمل من الشهر الذي يسبق مباشرة الشهر الذي تجري فيه الانتخابات , أي تعتمد حقوق التصويت علي نسبة مساهمة أعضاء البنك الذين سددوا مساهمتهم المالية في البنك بنهاية شهر أبريل الماضي 2025 .
وإذا علمنا أن هناك 11 دولة تتمثل في كل من ( نيجيريا , أمريكا , مصر , اليابان , الجزائر , جنوب أفريقيا , المغرب , ألمانيا , كندا , فرنسا , ساحل العاج ) تمتلك نسبة تصويتية أكبر من غيرها لكونهم من المساهمين الرئيسين في رأس مال البنك , فلم يتمكن أي مرشح في العمليات الانتخابية السابقة من الفوز بالانتخابات دون دعم هذه الدول , وللإيضاح بصورة أكبر فإن كل من نيجيريا ومصر وجنوب أفريقيا والجزائر والمغرب تمثل وحدها أكثر من نصف أصوات الدول الأفريقية , وكذلك تمثل كل من الولايات المتحدة واليابان ما يزيد قليلا عن 10% من النسبة الإجمالية للأصوات , وبالتالي تعتبر هذه الدول هي صاحبة الثقل التصويتي في الانتخابات , ويمكن اعتبارها صانعة الملوك داخل بنك التنمية الأفريقي , مع التنويه إلي أن غالبية حقوق التصويت لاتزال في أيدي الدول الأفريقية بنسبة 55% , مقابل امتلاك الدول غير الإقليمية لنسبة 45% , وهو ما يعني أن دول القارة الأفريقية لا تزال تحتفظ بالسيطرة علي حقوق التصويت علي الأقل نظريا . ([12])
هـ-الحملة الانتخابية ورؤية المرشحين :
لقد قام كل مرشحة من المرشحين الخمسة بحملة انتخابية قوية تضمنت زيارة العديد من دول القارة الأفريقية , ومحاولة الحصول علي دعمها خلال الانتخابات , فضلا عن زيارة العديد من الدول الغير إقليمية الأعضاء في البنك والسعي لإقناعهم برؤيتهم المتعلقة بالبنك في حالة فوزهم بالمنصب , كما تم تنظيم عدة فعاليات علي هامش الاجتماعات الدولية والقارية مثل اجتماعات الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة لحشد الدعم للمرشحين .
وفيما يتعلق برؤية المرشحين فنجد أن رؤية مرشح موريتانيا سيدي ولد تاه ركزت علي أربعة نقاط أساسية يأتي في مقدمتها تعزيز وإصلاح المؤسسات المالية الإقليمية في أفريقيا والتنسيق بينها لزيادة الفعالية لأنها تعمل بانفصال عن بعضها البعض , وتأكيد الاستقلال المالي لأفريقيا في الأسواق العالمية , وزيادة حشد التمويل وتحسين الموارد المالية , واستخدام الديناميكيات الديموغرافية كرافعة للتنمية حيث يعد شباب القارة مصدر ثروة رئيسية وأن الاستفادة من إمكاناتهم ستكون محركا رئيسا للازدهار الاقتصادي كما أن تركهم يعانون من ارتفاع معدلات البطالة يشكل مصدرا لعدم الاستقرار , وأكد أيضا علي ضرورة التركيز علي تغيير نظم التعليم في دول القارة لتوافق الواقع الحالي , والتحول إلي نظم تعليم تركز علي التعليم التقني والمهني الذي يمكن الشباب من توظيف مهاراتهم المكتسبة في التنمية , ووعد أيضا ببناء بنية تحتية مستدامة قادرة علي الصمود في وجه التغيرات المناخية , مع خلق قيمة اقتصادية لها طويلة الأجل , واستخدام الذكاء الاصطناعي لأغراض التنمية , كما يدعو إلي القطيعة مع نهج الماضي في عالم اكتسبت فيه القارة الأفريقية بعدا جديدا , وتحرير بنك التنمية الأفريقي من القيود القديمة , ووضع نفسه في موقع المحرك للسيادة الاقتصادية لأفريقيا , عن طريق تسهيل التكامل الاقتصادي والدفع بمنطقة التجارة الحرة القارية إلي الأمام , لتقليص الحواجز التجارية بين الدول الأفريقية , بجانب تأكيده علي أهمية استقرار الدول الهشة في أفريقيا لأن الأمن والتنمية متلازمان , مع أهمية وضع حد لمخاطر الصراع وعدم الاستقرار لتحقيق التنمية , كما وعد أيضا ولد التاه بإجراء إصلاحات داخلية في البنك مؤكدا علي ضرورة تحسين الوظائف الرئيسية للبنك , وتقليص الإطار الزمني لتنفيذ المشروعات , واستقطاب الكفاءات اللازمة , مع وعده بزيادة حجم التمويل المطلوب لتنمية القارة , مشيرا إلي أن احتياجات القارة تتطلب تمويلا يتجاوز 400 مليار دولار أمريكي , ويذكر أن رأس مال البنك كان قد ارتفع من 93 مليون دولار عند تولي الرئيس المنتهية ولايته أكينوومي أديسينا رئاسة البنك في 2015 , ليصبح الآن 318 مليون دولار أمريكي , وأشار سيدي ولد التاه أن المهمة ستكون صعبة لزيادة حجم التمويل لكنها ليست مستحيلة لوجود أدوات كثيرة يمكن من خلالها رفع تمويل البنك إلي عشرة أضعاف , ومن أجل تعبئة الاستثمار الخاص بشكل فعال يري ولد التاه ضرورة الاعتماد علي نهج ثلاثي الأبعاد يتضمن جذب المستثمرين من خلال آليات إزالة المخاطر , وإنشاء منصات إقليمية لهيكلة المشاريع , ووضع أفريقيا في طليعة التقنيات الرقمية . ([13])
وفيما يخص رؤية مرشح زامبيا صموئيل مايمبو , فقد ركزت علي منح بنك التنمية الأفريقي دورا قياديا لدعم الدول الأفريقية التي تعاني من الديون , مع تأكيده علي أهمية ميكنة الزراعة , وتنمية الصناعة الزراعية , مع دعمه لاستراتيجية إطعام أفريقيا والتركيز علي فرص الاستثمار ذات التأثير العالي , مع إصلاح البنية التحتية المالية وتبسيط القواعد التنظيمية لتمكين دول القارة من التجارة فيما بينها من خلال تعزيز التبادل التجاري في القارة , مؤكدا علي اتخاذ خطوات عملية لتحويل القطاع الزراعي في أفريقيا من خلال الاستثمارات المستهدفة , متعجبا من أنه كيف تمتلك أفريقيا 60% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم , ولا يتم زراعتها , في الوقت الذي تستورد فيه أفريقيا أغذية بقيمة 45 مليار دولار سنويا . ([14])
بينما ركز المرشح السنغالي أمادو هوت في برنامجه الانتخابي علي فكرة التكامل والاستقلالية لأفريقيا من خلال الاعتماد علي التمويل الذاتي في أفريقيا من خلال تعبئة الموارد وتصميم المشاريع للحفاظ علي الأموال الخاصة في القارة , مع دعمه لتفعيل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية بصورة أوسع , وتعميق العلاقات مع القطاع الخاص , وتسريع الاستثمارات في البنية التحتية للطاقة المستدامة من خلال استخدام الموارد المتجددة في القارة , مع دعمه لعملية رفع تحصيل الإيرادات معتبرا أنها ذات الأولوية , داعيا إلي رفع قدرات الاستثمار المحلي في أفريقيا , حيث أشار إلي أن الأفراد الأثرياء في أفريقيا يمتلكون نحو 2.5 تريليون دولار من الأصول , بالإضافة إلي أن هناك نحو 2 تريليون دولار أخري تديرها صناديق التقاعد , وصناديق الثروة السيادية , وشركات التأمين , وعند تحرير هذه الأموال التي يبلغ مجموعها 4.5 تريليون دولار يمكن تعزيز قدرات الاستثمار المحلي , والحد من الاعتماد علي الخارج . ([15])
فيما ركزت رؤية مرشحة جنوب أفريقيا باجابوليلي سوازي تشابالالا علي ثلاثة مجالات رئيسية تتمثل في تسريع تطوير البنية الأساسية , وتعزيز نمو القطاع الخاص , وجعل بنك التنمية الأفريقي أكثر كفاءة من خلال إصلاح الهيكل الداخلي للبنك لأنه لا يسهل التركيز المستدام والمناسب لتحقيق أداء فعال في بعض المجالات مثل البنية التحتية علي حد قولها , وأكدت أن التمويل العام وحده لا يكفي لتمويل طموحات أفريقيا , مقترحة أنه يجب علي البنك أن يتجاوز الإقراض السيادي التقليدي , وابتكار أدوات مالية مبتكرة بالاستناد إلي جهود البنك في مجال رأس المال الهجين , ونظرا لكونها كانت نائبة رئيس البنك قبل استقالتها فكان ينظر لها علي أنها تجسد شكلا من أشكال الاستمرارية مع الرئيس المنتهية ولايته , بجانب أنها لكونها المرأة الوحيدة المترشحة للمنصب كانت تطمح لتحقيق فكرة تمكين النساء من الوصول للمناصب القيادية , تحقيقا لمبدأ تكافؤ الفرص بين الجنسين لأن كل رؤساء البنك السابقين كانوا من الذكور . ([16])
بينما ركزت رؤية مرشح تشاد عباس محمد تولي علي ضمان السيادة الغذائية من خلال الاستثمارات الزراعية المستدامة وتحقيق الاكتفاء الذاتي , وتسريع تمويل البنية التحتية الأساسية , وتحسين الحوكمة لخفض الانفاق غير الفعال وغير الشفاف الذي يؤدي إلي إغراق الدول الأفريقية في الديون دون تنمية حقيقية , وتعزيز الطاقة المتجددة , وتطوير الأسواق المالية المحلية , مع تركيزه علي أهمية تعزيز دعم الانتاجية الزراعية وتعبئة القطاع الخاص بشكل أكبر , ومساعدة الدول علي مكافحة التهرب الضريبي بشكل أفضل , وذلك لكي تظهر سلاسل قيمة صناعية قوية قادرة علي المنافسة , مع التصدي للتهرب المالي وسوء إدارة الموارد . ([17])
ثالثا : تحليل نتائج انتخابات رئاسة بنك التنمية الأفريقي :
في يوم 29 مايو 2025 وخلال اجتماعات البنك الأفريقي للتنمية في فندق سوفيتيل الموجود في مدينة أبيدجان العاصمة الاقتصادية لساحل العاج , أجريت العملية الانتخابية وسط منافسة محمومة , في ظل تواجد ممثلي الدول الإقليمية وغير الإقليمية ذات العضوية في البنك , وقد تطلبت العملية الانتخابية إجراء ثلاث جولات حتي استطاع مرشح موريتانيا الفوز بمنصب رئيس بنك التنمية الأفريقي لولاية مدتها 5 سنوات تبدأ يوم 1 سبتمبر المقبل 2025 , وذلك بعد انتهاء فترة ولاية الرئيس الحالي للبنك , حيث ستكون الثلاثة أشهر المقبلة بمثابة مرحلة انتقالية لنقل السلطة من رئيس البنك الحالي إلي رئيس البنك الجديد , ومن خلال الجدول التالي يمكن عرض نتائج الجولات الانتخابية الثلاثة ونسبة الأصوات التي حصل عليها كل مرشح :
جدول نتائج انتخابات رئاسة بنك التنمية الأفريقي
م |
الجولة |
موريتانيا |
زامبيا |
السنغال |
جنوب أفريقيا |
تشاد |
1 |
الأولي |
33.21% |
40.41% |
17.62% |
8.24% |
0.52% |
2 |
الثانية |
48.41% |
36.68% |
9.02% |
5.90% |
|
3 |
الثالثة |
76.18 |
20.26 |
3.55 |
المصدر : من إعداد الباحث وفقا للنتائج المعلنة
وتحليلا للجدول السابق نجد أن مرشح زامبيا كان متقدما علي كل منافسيه في الجولة الأولي وذلك بفضل دعم الأعضاء غير الإقليمين له , بينما جاء مرشح موريتانيا في المرتبة الثانية وذلك بفضل دعم الأعضاء الإقليمين له منذ الجولة الأولي , فبرغم حصوله علي 33.21% في التصويت العام إلا أنه كان قد حصل علي نسبة 47.03% من الأصوات الإقليمية في هذه الجولة , وقد تلاهم كل من مرشحي السنغال وجنوب أفريقيا , بينما استبعد مرشح تشاد من المنافسة لحصوله علي أقل نسبة في الجولة الأولي وفقا للقواعد الانتخابية , وفي الجولة الثانية تحسن أداء مرشح موريتانيا بصورة أفضل , وتلاه مرشح زامبيا ثم مرشح السنغال بينما جاءت مرشحة جنوب أفريقيا في المرتبة الأخيرة وهو ما جعلها تخرج من المنافسة , لتقتصر الجولة الثالثة علي مرشحي موريتانيا وزامبيا والسنغال , لتنتهي بحصول مرشح موريتانيا علي نسبة 76.18% من الأصوات الإجمالية , متغلبا علي منافسيه بفضل الدعم الإقليمي المقدم له حيث حصل علي 72.37% من الأصوات الإقليمية في الجولة الثالثة مما يؤكد قوة تفويضه من الدول الأفريقية . ([18])
وفور انتهاء التصويت قامت السيدة كابا نيالي , وزيرة الاقتصاد والتخطيط والتنمية في ساحل العاج ورئيسة مجلس محافظي مجموعة البنك الأفريقي للتنمية بإعلان فوز مرشح موريتانيا بمنصب رئيس البنك بعد حصوله علي الأغلبية المزدوجة اللازمة للفوز بالمنصب , وبذلك يصبح سيدي ولد التاه الرئيس التاسع لبنك التنمية الأفريقي .
وعقب إعلان فوزه قام منافسيه بتهنئته معربين عن دعمهم له في رئاسته للبنك , كما قام رئيس البنك الحالي أكينوومي أديسينا بتهنئته لفوزه بجدارة وبنسبة كبيرة تعكس الدعم الدولي والإقليمي الذي حصل عليه , كما قام رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي محمود علي يوسف بتهنئة سيدي ولد التاه بفوزه مشيرا إلي أن انتخابه دليلا علي قيادته المتميزة الداعمة لتنفيذ أجندة التنمية المستدامة في أفريقيا 2063 , بجانب تهنئته من قبل العديد من قادة الدول الأفريقية وعلي رأسهم رؤساء نيجيريا , وساحل العاج التي قام رئيسها الحسن واتارا باستقباله عقب فوزه بالانتخابات في القصر الرئاسي معربا عن سعادته بفوزه الهام لأفريقيا , وبعد وقت قصير من إعلان النتائج ألقي سيدي ولد التاه كلمة أمام محافظي البنوك ووسائل الإعلام أعرب فيها عن شكره لهم لانتخابه وتهنئته , معلنا عن استعداده لبدء العمل بجدية من أجل تنمية القارة , قائلا دعونا نبدأ العمل . ([19])
ويذكر أن فوز الموريتاني سيدي ولد التاه بهذا المنصب , يعد مكسبا للدول العربية والإسلامية وذلك نظرا لكونه متعدد الهويات الثقافية فهو مسلم وأفريقي وعربي , خاصة أنه يأتي بعد فوز محمود علي يوسف بمنصب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي في فبراير الماضي , وهو يحمل جنسية جيبوتي , ومتعدد الهويات الثقافية أيضا فهو مسلم أفريقي عربي , وفوز مثل هؤلاء القادة متعددي الهويات الثقافية يعزز من علاقات التعاون العربي والأفريقي والإسلامي , ويزيل المدركات السلبية بين العرب والأفارقة , ويساعد الدول العربية علي لعب دور أكبر داخل المنظمات الدولية الأفريقية بما يضمن تحقيق مصالح الطرفين .
رابعا : عوامل فوز مرشح موريتانيا وخسارة باقي المنافسين:
لقد كان هناك مجموعة من العوامل التي أدت إلي فوز مرشح موريتانيا بهذا المنصب القاري والدولي الهام ويمكن عرضها فيما يلي :
1-تمتع مرشح موريتانيا بخبرة وكفاءة مهنية كبيرة : حيث يتمتع سيدي ولد التاه الفائز بمنصب رئيس البنك بخبرة تزيد عن 35 عاما في مجال التمويل الأفريقي والدولي , كما أنه أثبت كفاءة منقطعة النظير خلال فترة رئاسته للبنك العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا (BADEA) الذي تموله جامعة الدول العربية , حيث استمرت رئاسته للبنك علي مدار عشر سنوات بدءا من عام 2015 حتي عام 2025 , وقد استطاع خلال تلك الفترة قيادة عملية تحول شاملة أدت إلي مضاعفة الميزانية العمومية للبنك أربع مرات , حيث زادت أصول البنك من 4 مليار دولار إلي نحو 7 مليار دولار أمريكي , مما جعل وكالة ستنادرد للتصنيف الائتماني ترفع التصنيف الائتماني للبنك إلي AA+)) وهو ما يضع البنك علي بعد درجة واحدة من تصنيف AAA)) وهو أعلي تصنيف ائتماني في العالم تمنحه وكالات التصنيف الائتماني , والذي يعني أن المؤسسة التي تحصل علي هذا التصنيف تتمتع بأعلى مستوي من الجدارة الائتمانية وأقل احتمالا للتخلف عن سداد ديونها , وأن قدرتها علي الوفاء بالتزاماتها المالية قوية جدا , مع انخفاض المخاطر المتعلقة بالتخلف عن السداد للغاية , ولحصول البنك العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا علي هذا التصنيف أصبح من بين البنوك التنموية الأعلى تصنيفا في أفريقيا , وبناء علي نجاحه السابق والمشهود , فقد كان موضع ثقة الدول الإقليمية وغير الإقليمية خلال التصويت , حيث يمكن أن ينجح سيدي ولد التاه في تكرار تجربته القيادية الناجحة لبنك (BADEA) , وينقلها إلي بنك التنمية الأفريقي في ظل التحديات المستقبلية الكبيرة التي تواجهه . ([20])
2-حصوله علي دعم القوي التصويتية المؤثرة في نتيجة الانتخابات : حيث استفاد سيدي ولد التاه مرشح موريتانيا من تنوعه الثقافي فهو مسلم , وعربي , وأفريقي , وفرنكوفوني , كما يجيد اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية , ولهذا فقد يكون حصل علي دعم الدول الإسلامية , بجانب دعمه من قبل الدول العربية في شمال أفريقيا التي لم تتقدم بمرشحين لها في هذه الانتخابات مع امتلاكها لنسبة 20% من حقوق التصويت في الانتخابات , كما تم دعمه من قبل جامعة الدول العربية , ودول الخليج ذات العضوية في بنك التنمية الأفريقي كالسعودية صاحبة النفوذ الدبلوماسي المتصاعد في القارة الأفريقية , والتي يقال أنها هي التي طلبت من جامعة الدول العربية دعم ترشيحه لهذا المنصب , حيث أن سيدي ولد التاه معروفا لدي القيادة السعودية وذلك بحكم عمله كمستشار لرئيس البنك الإسلامي للتنمية , الذي يوجد مقره في السعودية , فضلا عن أنه خلال رئاسته للبنك العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا قد عمل أيضا في رئاسة البنك من السعودية وذلك بعد نقل مقر البنك من الخرطوم إلي الرياض في عام 2023 بسبب الصراع المسلح الدائر في السودان , كما أن حملة سيدي ولد التاه الانتخابية قد نجحت في تقديمه علي أنه جسر يربط بين أفريقيا والعالم العربي , مما ساهم في تأمين أصوات الدول العربية ذات العضوية في البنك لصالحه , والتي قد تكون طالبت من حلفائها الغربيين ذوي العضوية في البنك دعم مرشح موريتانيا .
كما أن العديد من دول غرب أفريقيا قد قامت هي الأخرى بدعمه , وعلي رأسها نيجيريا ذات الثقل التصويتي الأكبر رغم وجود تصريحات تفيد بدعم رئيس البنك المنتهية ولايته والذي يحمل جنسية نيجيريا لمرشح السنغال , بجانب دعم ساحل العاج له التي جرت علي أرضها الانتخابات , وقيام رئيسها الحسن واتارا بحشد الأصوات لصالحه , ويقال أيضا أن مرشح بنين كان قد انسحب لصالح دعم مرشح موريتانيا , وفيما يبدو أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا قد قامت بدعمه بعد تصاعد المنافسة بينه وبين مرشح زامبيا .
ونظرا لارتباطه بروابط دراسية مع فرنسا حيث حصل علي درجة الدكتوراه منها , بجانب عضوية بلاده موريتانيا في المنظمة الدولية للفرنكوفونية , فقد قامت فرنسا بالتصويت له ودعمه مع حشدها لأصوات الدول الأوروبية كذلك لدعمه وعلي رأسهم إسبانيا وبلجيكا الذين صوتوا لصالحه , خاصة أن مرشحي السنغال وتشاد لم يكونا مفضلين بالنسبة لفرنسا فيما يبدو , خاصة بعد إنهاء حكومات هذه الدولة لاتفاقيات التعاون العسكري مع فرنسا , ورفضهم للتواجد العسكري الفرنسي علي أراضيها , وهو ما يستبعد فكرة دعم مرشحيها , وذلك بعكس موريتانيا التي لا يوجد بينها وبين فرنسا خلافات أو توترات سياسية حاليا .
وفضلا عما سبق فإن مرشح موريتانيا يبدو أنه قد تم دعمه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بوصفه مرشح هادئ ومتزن بعكس مرشحة جنوب أفريقيا التي كان من المستبعد دعمها من الولايات المتحدة بسبب الخلاف الدبلوماسي بين البلدين .
وبالإضافة لما سبق فقد استفاد مرشح موريتانيا من علاقاته الشخصية مع الرؤساء العرب والأفارقة فهو ليس غريبا علي ساحات القصور الرئاسية بحكم عمله في البنك الإسلامي والبنك العربي للتنمية في أفريقيا , بجانب الدعم الدبلوماسي الذي قدمته له بلاده موريتانيا من خلال شبكة علاقاتها الدبلوماسية المميزة , والتي توطدت خلال تولي موريتانيا للرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي علي مدار عام 2024 , بفضل تبنيها لسياسة الحياد الإيجابي في علاقاتها الخارجية . ([21])
3- انقسام دول الجنوب الأفريقي وعدم توافقها علي مرشح واحد : حيث أن حالة الانقسام التي حدثت بين دول إقليم الجنوب الأفريقي بعد تقديم دولة زامبيا لمرشح لها , ثم قيام دولة جنوب أفريقيا هي الأخرى بتقديم مرشحة لها , مع رفض كلا الدولتين سحب واحد من مرشحيهما لمصلحة التوافق الإقليمي , كان أحد العوامل التي ساعدت مرشح موريتانيا علي الفوز بالمنصب , وذلك رغم دعم مجموعة السادك في الجنوب الأفريقي ومجموعة الكوميسا لمرشح زامبيا , بجانب دعمه من الدول الناطقة بالإنجليزية الراغبة في التصدي لهيمنة الدول الفرنكوفونية علي قيادة المؤسسات الدولية الأفريقية . ([22])
وقد كان من الممكن فوز مرشح زامبيا بالمنصب خاصة أنه كان متقدما في الجولة الأولي من الانتخابات , كما أنه تفعيلا لمبدأ التناوب الإقليمي علي المناصب القيادية داخل المؤسسات الأفريقية كان من الممكن أيضا أن يتم دعم إقليم الجنوب الأفريقي وخاصة أن الرئيس المنتهية ولايته للبنك كان من إقليم غرب أفريقيا , وفي ذات الوقت فإن تصميم جنوب أفريقيا علي الدفع بمرشحها للانتخابات مع استخدام دبلوماسيتها للحصول علي دعم دول البريكس لمرشحها , أدي إلي إضعاف مرشح زامبيا , خاصة أنه كان من المستبعد فوز مرشحة جنوب أفريقيا بسبب أن الولايات المتحدة الأمريكية التي تمتلك نسبة كبيرة من حقوق التصويت في البنك لديها أزمة دبلوماسية مع جنوب أفريقيا , وبالتالي كان من المستبعد أن تقوم بدعم مرشحة جنوب أفريقيا .
بالإضافة إلي نظرة العديد من دول القارة لمرشحة جنوب أفريقيا علي أنها بمثابة امتداد للوضع القائم داخل بنك التنمية لأنها كانت تتولي منصب نائب رئيس البنك سابقا , في الوقت الذي ترغب فيه العديد من الدول تغيير السياسات التي يتبناها قادة البنك لمواجهة التحديات المفروضة علي دول القارة , وهو ما يتلاقى مع رغبة الدول الغير إقليمية ذات العضوية في البنك والتي كانت علاقاتها متوترة مع رئيس البنك المنتهية ولايته وبالتالي كانت ترغب في اختيار مرشح منقطع الصلة بالنظام القديم , وأخيرا كان ينظر لمرشحة جنوب أفريقيا علي أنها تفتقر القدرة لجمع المساهمين غير الأفارقة بما يخدم المصالح التمويلية للبنك .
4-قدرة سيدي ولد التاه المستقبلية علي تأمين تمويل خليجي وإسلامي للبنك : حيث أن علاقات سيدي ولد التاه التي بناها خلال مسيرته المهنية مع الدول الإسلامية والعربية جعلته بمثابة الأمل المستقبلي لتوفير تمويل لبنك التنمية الأفريقي من المؤسسات المالية الإسلامية , والصناديق الخليجية , والدول الأسيوية وعلي رأسها الصين , وتعزيز الشراكات معها بما يضمن أداء أمثل للبنك خلال السنوات المقبلة , وخاصة بعد إعلان الولايات المتحدة وبعض الاقتصادات الغربية الأخرى عن رغبتها في تخفيض تمويلها للبنك , وبالتالي تم التعويل علي علاقات سيدي ولد التاه مع دول الخليج لتعويض خفض التمويل الغربي , وبالتالي تم التصويت له من قبل الدول الأفريقية , بينما مرشح زامبيا الذي كان يعمل نائبا لرئيس البنك الدولي وله علاقات وطيدة مع واشنطن تم التراجع عن دعمه فيما يبدو , خاصة بعد إعلان أمريكا عن رغبتها في خفض مساهمتها المقدمة البنك , وتشككها في البنوك متعددة الأطراف , وهو ما قلل من فرص فوزه بهذا المنصب . ([23])
خامسا : التحديات التي تنتظر رئيس بنك التنمية الأفريقي الجديد :
إن الرئيس الجديد لبنك التنمية الأفريقي سيدي ولد التاه ينتظره العديد من التحديات التي يجب عليه الاستعداد لمواجهتها , والتعامل معها بحكمة , حيث سيواجه فور استلامه لمهام عمله في سبتمبر المقبل مجموعة من التحديات والتي يمكن ذكرها فيما يلي :
1-وجود بيئة اقتصادية وجيوسياسية دولية مضطربة : وذلك بسبب القرارات التي اتخذها وسيتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب , والتي كان لها تداعيات اقتصادية سلبية علي كافة دول العالم وخاصة دول القارة الأفريقية , وبالأخص التداعيات السلبية الناجمة عن حرب ترامب التجارية التي شنها من خلال الرسوم الجمركية , حيث أن بعض هذه القرارات أثرت بشكل مباشر علي الأداء الاقتصادي لدول القارة الأفريقية نتيجة للمشهد الجيوسياسي والإقتصادي المتغير والموجه نحو الداخل , مع تصاعد المخاوف من قيام الولايات المتحدة بالانسحاب الكامل من عضوية البنك وهو ما سيكون أمر بالغ الخطورة , نظرا لفقدان مساهم مؤثر في رأس مال البنك , بجانب التأثير علي التصنيف الائتماني للبنك , مما سيصعب عملية الوصول إلي الأسواق المالية , وخاصة في الولايات المتحدة . ([24])
2-رغبة الدول الغربية في سحب وتخفيض المساهمات والمساعدات المخصصة للبنك : حيث أظهرت وثائق صادرة عن البيت الأبيض أن هناك رغبة أمريكية لسحب مساهمتها البالغة نصف مليار دولار من الأموال المخصصة لبنك التنمية الأفريقي , وصندوق التنمية الأفريقي وهو بمثابة ذراع البنك للإقراض , بحجة أن هذه المساعدات لا تتوافق مع أولويات الإدارة الأمريكية الحالية لأن هذه المساعدات الخارجية ليس لها عائد علي الشعب الأمريكي في وجهة نظرهم , غير أن هذه المساهمات كانت مخصصة لدعم الدول الأفريقية ذات الدخل المنخفض , وهو ما سيؤثر سلبا علي مشروعات التنمية المخصصة لهذه الدول .
في الوقت الذي تتراجع فيه بعض الدول الغربية عن تمويلها الميسر , ومساعداتها الإنمائية , وذلك بدعوي تلبية احتياجاتها الداخلية وخاصة زيادة إنفاقها علي الدفاع بسبب حالة عدم اليقين الدولي المتصاعدة , وزيادة حدة التوترات الدولية , والخشية من اندلاع حروب جديدة .
وتمثل توصية الادارة الأمريكية بخفض تمويل البنك جرس إنذار لرئاسة البنك , لأن الولايات المتحدة تعد هي ثالث أكبر مساهم في الصندوق من الدول الأعضاء غير الإقليمية بعد بريطانيا وألمانيا , وسيكون لخفض التمويل تأثيرا هائلا علي تنمية القارة , وهو ما سيترك فجوة تمويلية ضخمة تنتظر الرئيس الجديد للبنك , وهو ما يمثل أكبر تحدي لسيدي ولد التاه مع بدء مهام عمله في رئاسة البنك , ولهذا فهو يحتاج إلي وضع حلول سريعة ومبتكرة لمواجهة مسألة خفض التمويل , مع البحث عن مانحين جدد , حتي لا تحدث تداعيات سلبية بعيدة المدي علي النمو الاقتصادي والبنية التحتية وجهود التكيف مع التغيرات المناخية في أفريقيا , وذلك باعتبار بنك التنمية الأفريقي مصدر هام للتمويل طويل الأجل في المنطقة وخاصة للمشاريع التي غالبا ما يراها القطاع الخاص محفوفة بالمخاطر . ([25])
3-وجود العديد من المشاكل الاقتصادية التي تحتاج إلي حلول خلال الفترة المقبلة : حيث تحتاج العديد من دول القارة الأفريقية إلي الحصول علي قدر كبير من التمويل الميسر بسبب معاناتها من العديد من المشاكل الاقتصادية الداخلية , وأبرزها ارتفاع معدلات التضخم , وزيادة مستويات الديون التي تحتاج إلي إعادة هيكلتها , مع انخفاض قيمة العملات , وتصاعد التداعيات السلبية للتغيرات المناخية علي القطاعات الاقتصادية , بجانب عدم الاستقرار الاقتصادي للعديد من الدول مع حاجتها لتعزيز معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للحد من تصاعد حالة عدم الاستقرار , خاصة أن بنك التنمية الأفريقي يقدم العديد من القروض والمنح والمساعدات الفنية للحكومات الأفريقية لدعم برامج التنمية , ومواجهة مشكلاتها الاقتصادية , وهو ما يشكل تحدي ينتظر سيدي ولد التاه يحتاج التعامل معه بحكمة شديدة في ظل خفض مخصصات التمويل الغربية , مع الحاجة إلي إطلاق مفاوضات مع الدول الغربية المانحة لضمان استمرارية التمويل , وبالتالي استمرارية أداء عمل البنك بكفاءة . ([26])
4-تحدي الحفاظ علي انجازات رئيس البنك المنتهية ولايته : فرغم الانتقادات التي تعرض لها رئيس بنك التنمية الأفريقي المنتهية ولايته أكينوومي أديسينا بسبب حبه للتظاهر والشكليات حتي أطلق عليه الرجل ذو رابطة العنق , مع اتهامه بالفساد بعد تقديم مجموعة من البلاغات ضده واتهامه بسوء السلوك الأخلاقي , والإثراء الشخصي بلا سبب , والمحسوبية وتعيين أشخاص يحملون جنسية نيجيريا التي ينتمي إليها في البنك , مما أدي إلي خضوعه للتحقيق في يونيو 2020 بناء علي طلب واشنطن بعد رفضها لعملية التحقيق الداخلي التي قامت بها لجنة الأخلاقيات الداخلية للبنك التي تضم ثلاثة خبراء وأسفرت عن تبرأته لعدم كفاية الأدلة . ([27])
إلا أن سجله في إدارة البنك ينظر له علي أنه مليء بالإنجازات خاصة بعد نجاحه في رفع رأس مال البنك من 93 مليار دولار إلي 318 مليار دولار أمريكي , كما حافظ بنك التنمية الأفريقي علي تصنيفه الائتماني AAA)) وهو ما عزز من مصداقية البنك في الأسواق المالية , ويسمح له بالحفاظ علي أسعار فائدة مواتية , فضلا عن تحقيق انجازات في أجندة الأولويات الإنمائية الخمسة لأفريقيا , وكذلك نجح البنك في تحقيق أرباحه تحت إدارة أديسينا ففي عام 2024 بلغ صافي دخل البنك 248 مليون دولار أمريكي , وفي ظل هذا الإرث الثقيل مع تصاعد الطموحات الأفريقية في التوقف عن الاعتماد علي المساعدات الأجنبية , والتوجه إلي رأس المال الأفريقي والاعتماد علي الذات , يواجه سيدي ولد التاه تحدي الحفاظ علي مسيرة سلفه والسعي للتفوق عليها , وخاصة الحفاظ علي التصنيف الائتماني للبنك , مع السعي لحشد الموارد لتنفيذ المبادرات التنموية القارية وعلي رأسها أجندة الاتحاد الأفريقي للتنمية المستدامة 2063 , ومنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA), بوصفهما من أهم المشروعات الأفريقية التي تحتاج التركيز عليها خلال المرحلة المقبلة . ([28])
خاتمة : رغم حصول سيدي ولد التاه الموريتاني علي دعم إقليمي كبير في الانتخابات وفوزه بنسبة عالية إلا أن فترة ولايته الأولي للبنك ينتظرها العديد من التحديات التي ستجعله تحت أعين الرأي العام الدولي والأفريقي , الذي سيتابع مسيرته علي مدار السنوات الخمس المقبلة , بدءا من المائة يوم الأولي التي وعد سيدي ولد التاه أن يقوم خلالها بعملية تشاور واسعة النطاق مع جميع شركاء البنك بما فيهم الحكومات والشركات والمجتمع المدني والقطاع المالي بهدف تلبية توقعاتهم المستقبلية بشكل أفضل . ([29])
كما أن مسألة إعادة تحديد أولويات التمويل ونموذج التنمية القادر علي مواجهة التحديات , وتحديد المسار الذي يتجه إليه البنك بعد رحيل أكينوومي أديسينا الذي حقق نجاحات مهمة في الأولويات الإنمائية الخمس للبنك والمتمثلة في إنارة أفريقيا وتزويدها بالطاقة , وتوفير الغذاء , والتصنيع في أفريقيا , وتكامل أفريقيا , وتحسين نوعية حياة الأفارقة , ستمثل علامة فارقة في رئاسة سيدي ولد التاه للبنك , خاصة أن هذه الأولويات الإنمائية الخمس للبنك تواجه احتياجات متزايدة لتسريع تنفيذها , ولهذا تم اعتمادها مجددا في الاستراتيجية العشرية الجديدة للبنك (2024-2033) والتي سيلعب سيدي ولد التاه دورا كبيرا في الإشراف علي تنفيذها . ([30])
وأخير فسوف تكشف السياسات والقرارات التي سيتخذها سيدي ولد التاه خلال فترة ولايته عن قدراته ومهاراته الحقيقة لمواجهة التحديات المفروضة عليه , وخاصة مدي قدرته علي تغير الطرح الذي ينتقد غناء القارة الأفريقية بالموارد مع استمرار تزايد معدلات الفقر في كافة ربوعها , وفي النهاية فهل يستطع سيدي ولد التاه تغيير هذه المعادلة أم سيسير في نفس المسارات السابقة , والإجابة الحقيقية علي هذا التساؤل ستكشف عنها الأيام والسنوات المقبلة خلال الولاية الأولي لسيدي ولد التاه .
الإحالات والهوامش :
([1])-” Who be di five candidates wey wan replace Adesina as president of African Development Bank ” , at , https://www.bbc.com/pidgin/articles/cvg1lg6gzero , 21/2/2025.
([2])-“Mauritanie : Ousmane Kane en lice pour briguer la présidence de la BAD” , at , https://africa24tv.com/mauritanie-ousmane-kane-en-lice-pour-briguer-la-presidence-de-la-bad , 28/8/2024.
([3])-” Meet the Five People Vying to Lead the African Development Bank ” , at , https://www.livemint.com/companies/news/meet-the-five-people-vying-to-lead-the-african-development-bank-11748408606589.html , 28/5/2025 .
([4])-” Qui succèdera à Akinwumi Adesina à la présidence de la Banque africaine de développement ? ” , at , https://information.tv5monde.com/afrique/qui-succedera-akinwumi-adesina-la-presidence-de-la-banque-africaine-de-developpement , 29/5/2025.
([5])-Libby George ; ” Meet the people vying to lead Africa’s top development bank ” , at , https://www.reuters.com/world/africa/meet-people-vying-lead-africas-top-development-bank-2025-05-26 , 26/5/2025 .
([6])-Jeanette Chabalala ; ” Swazi Tshabalala sets eyes on Africa’s top bank job ” , at , https://www.sowetanlive.co.za/news/2025-05-05-swazi-tshabalala-sets-eyes-on-africas-top-bank-job , 5/5/2025.
([7])-Thaïs Brouck ; ” Benin: Why Romuald Wadagni is stepping aside in the AfDB race ” , at , https://www.theafricareport.com/375456/benin-why-romuald-wadagni-is-stepping-aside-in-the-afdb-race , 31/1/2025.
([8])-” Élection du prochain président du Groupe de la Banque africaine de développement ” , at , https://www.afdb.org/fr/about-us/organisational-structure/the-president/afdb-presidential-election?_gl=1*v0xqpr*_gcl_au*MjEyNDYzODUzMy4xNzQ4MzUwMzE0 , 1/6/2024.
([9])-” Foire aux Questions – Élection à la fonction de président du Groupe de la Banque ” , at , https://www.afdb.org/fr/about-us/organisational-structure/the-president/afdb-presidential-election/faq , 1/5/2025.
([10])-“The race for AfDB president: How the bank elects its leader ” , at , https://www.theeastafrican.co.ke/tea/business-tech/the-race-for-afdb-president-how-the-bank-elects-its-leader-5061238 , 29/5/2025.
([11])-” Non-Regional Member Countries ” , at , https://www.afdb.org/en/countries/non-regional-member-countries , 1/5/2025.
([12])-” Banque africaine de développement : qui sont les « faiseurs de roi » ? ” , at , https://www.jeuneafrique.com/1691259/economie-entreprises/banque-africaine-de-developpement-qui-sont-les-faiseurs-de-roi , 24/5/2025.
([13])-Ndea Yoka ; ” What is Sidi Ould Tah’s Vision for the AfDB? ” , at , https://www.africanews.com/2025/05/13/what-is-sidi-ould-tahs-vision-for-the-afdb , 13/5/2025 .
([14])-” Banque africaine de développement : qui pour succéder à Akinwumi Adesina ?” , at , https://www.lepoint.fr/afrique/banque-africaine-de-developpement-qui-pour-succeder-a-akinwumi-adesina-26-05-2025-2590508_3826.php , 26/5/2025.
([15])-Isaac Kaledzi ; ” Who will lead the African Development Bank?” , at , https://www.dw.com/en/who-will-lead-the-african-development-bank/a-72380791 , 29/4/2025.
([16])-Matthew Hill ; ” Meet the Five People Vying to Lead the African Development Bank ” , at , https://www.bloomberg.com/news/articles/2025-05-28/meet-the-five-people-vying-to-lead-the-african-development-bank , 28/5/2025.
([17])-” Five Candidates Vie for the African Development Bank Presidency ” , at , https://www.climatebusiness.africa/five-candidates-vie-for-the-african-development-bank-presidency , 28/5/2025.
([18])-” Suivez, minute par minute, l’élection du futur président de la BAD ” , at , https://www.financialafrik.com/2025/05/29/suivez-minute-par-minute-lelection-du-futur-president-de-la-bad , 29/5/2025 .
([19])-” AU Commission Chairperson Congratulates Dr. Sidi Ould Tah on Election as AfDB President ” , at , https://au.int/en/pressreleases/20250529/auc-chairperson-congratulates-dr-sidi-ould-tah-election-afdb-president , 29/5/2025 .
([20])-” Le Mauritanien Sidi Ould Tah élu président de la Banque africaine de développement ” , at , https://www.rfi.fr/fr/afrique/20250529-le-mauritanien-sidi-ould-tah-%C3%A9lu-pr%C3%A9sident-de-la-banque-africaine-de-d%C3%A9veloppement , 29/5/2025.
([21])-Moussa Diop ; ” Présidence de la BAD: chances et handicaps des 5 candidats en course ” , at , https://cridem.org/C_Info.php?article=780845 , 3/2/2025 .
([22])-” Why is South Africa challenging Zambia’s bid for the AfDB Presidency?” , at , https://www.africa-confidential.com/article/id/15182/why-is-south-africa-challenging-zambia%27s-bid-for-the-afdb-presidency , 8/10/2024.
([23])-Thaïs Brouck ; ” Sidi Ould Tah élu président de la Banque africaine de développement à une écrasante majorité ” , at , https://www.jeuneafrique.com/1692794/economie-entreprises/sidi-ould-tah-elu-president-de-la-banque-africaine-de-developpement , 29/5/2025.
([24])-Théodore Laurent ; ” Les défis de Sidi Ould Tah, nouveau président de la Banque africaine de développement ” , at , https://www.lemonde.fr/economie/article/2025/05/29/les-defis-de-sidi-ould-tah-nouveau-president-de-la-banque-africaine-de-developpement_6609116_3234.html , 29/5/2025.
([25])-Hadrien Degiorgi ; ” Le Mauritanien Sidi Ould Tah prend la tête de la Banque africaine de développement ” , at , https://www.lepoint.fr/afrique/le-mauritanien-sidi-ould-tah-prend-la-tete-de-la-banque-africaine-de-developpement-29-05-2025-2590825_3826.php , 29/5/2025.
([26])-Loucoumane Coulibaly ; ” Mauritania’s Tah elected president of AfDB, Africa’s top development bank ” , at , https://www.reuters.com/world/africa/mauritanias-tah-elected-president-afdb-africas-top-development-bank-2025-05-29 , 29/5/2025 .
([27])-“La Banque africaine de développement lance une enquête indépendante sur son president ” , at , https://www.lepoint.fr/afrique/la-banque-africaine-de-developpement-lance-une-enquete-independante-sur-son-president-05-06-2020-2378552_3826.php , 5/6/2020.
([28])-Hadrien Degiorgi ; ” Après Adesina, quel cap pour la Banque africaine de développement ? ” , at , https://www.lepoint.fr/afrique/apres-adesina-quel-cap-pour-la-banque-africaine-de-developpement-31-05-2025-2590949_3826.php , 31/5/2025.
([29])-Georges Ibrahim Tounkara ; ” Les priorités de Sidi Ould Tah, président élu de la BAD ” , at , https://www.dw.com/fr/sidi-ould-tah-bad-banque-africaine/a-72729355 , 30/5/2025.
([30])-Thaïs Brouck ; ” Sidi Ould Tah elected president of the African Development Bank with large majority ” , at , https://www.theafricareport.com/385057/sidi-ould-tah-elected-president-of-the-african-development-bank , 29/5/2025