الشرق الأوسطعاجل

سكوت الصواريخ : مابعد الحرب بين إيران و (اسرائيل) وتوازنات الشرق الاوسط الجديد

بقلم الإستاذ التدريسي : أحمد عبد السلام هورامي  – العراق – الجامعة المستنصرية / كلية العلوم السياسية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

بعد عقود من التصعيد السياسي والامني ، اندلعت الحرب المباشرة بين إيران و (اسرائيل) واضعة حد لحالة الصراع البارد بين الطرفين الممتدة من الثورة الايرانية الاسلامية عام 1979 ، حيث لم تكن هذه الحرب مفاجئة بقدر ما كانت حتمية بسبب تراكم الضغوط و إزياد نشاطات ايران الاقليمية مما جعل ( اسرائيل ) تكثف من عملياته الامنية والعسكرية على الاذرع الايرانية المسلحة في سوريا ولبنان ، وقد اسهمت حالة الاحتقان والتنافس الاقليمي بين الطرفين أضافة الى برنامج ايران النووي ، اسهم في إشتعال المواجهة الكبرى .

وقد شهدت الحرب ضربات صاروخية واسعة النطاق ردا على الهجمات الجوية التي قامت بها ( اسرائيل ) والتي ضربت منشأت عسكرية و نووية حساسة إضافة الى اغتيال العديد من قادة الصف الاول من السلك العسكري وتنفيذ إغتيالات على علماء نووين في العمق الايراني ، بينما واجهت ( اسرائيل ) ردا صاروخيا مفاجئا من الجانب الايراني تسبب في دمار واسع في بنيتها التحتية ( المدنية ) إضافة الى منشأت عسكرية ومطارات ، وعلى الرغم من الضربات المتبادلة بين الطرفين غير ان كلا منهما لم يتمكن من تحقيق حسم عسكري حيث كانت حرب الــــــ 12 يوما اشبه ما تكون بـــــ ( توازن رعب ) دون وجود حسم ميداني على الارض رغم التفوق الجوي (الاسرائيلي) و التفوق الصاروخي بعيد المدى لإيران .

تحولات في التحالفات

     دفعت الحرب دول الخليج العربي الى إعادة الحسابات حيث سعت عواصم الخليج الى النأي بالنفس من القصف الجوي ( الاسرائيلي ) بل و أدانت القصف على الاراضي الايرانية ببيانات رسمية ، بينما حاولت تركيا وقطر لعب دور الوسيط في إيقاف الحرب وتجنيب المنطقة عواقب غير محسوبة ، فيما بقت روسيا منشغلة بمصالحها في سوريا وإنشغالها على خطوط الجبهة الاوكرانية مع إدانة خجولة للحرب التي كانت قائمة متجنبة بذلك التورط المباشر في الصراع رغم وجود أنباء عن قيامها بنقل اليورانيوم الايراني الى داخل أراضيها . و اكتفى الاتحاد الاوربي بالتنديد حول الصراع و دعوة الاطراف الى التهدئة وتجنب الحلول العسكرية مع إنقسام داخلي حول دعم اي طرف .

القدرات العسكرية في الميزان

    دخلت ( اسرائيل ) الحرب مع تفوق نوعي في التنكلوجيا والقدرات العسكرية مع ضمانها ان لديها قدرات إعتراضية صاروخية فعالة مثل منظومة القبة الحديد وثاد وصورايخ آرو ( Arrow  ) وسلاح جوي متفوق فرض سيطرته على الاجواء الايرانية منذ الساعات الاولى من الهجمة الإستباقية . ورغم تصدي ( اسرائيل ) لغالبية الصورايخ الايرانية غير ان المدن المحتلة مثل حيفا وتل ابيب وبئر السبع قد تعرضت لخسائر مادية جسيمة وغير متوقعة كذلك اغلقت المطارات والمؤاني البحرية واضطر مئات الالاف من المستوطنين للجوء الى الملاجئ او الى مانطق آمنة.

وفيما يخص الجانب الايراني فقد ادى الهجوم الجوي المكثف الى تعرض المنشآت النووية الى ضرر جسيم يمكن ان يؤجل المشروع النووي الايراني لعشرات السنين حسب تقارير إستخباراتية خصوصا بعد القص الامريكي لتلك المنشآت ، إضافة الى تعرض العديد من القواعد العسكرية للحرس الثوري الايراني لدمار كلي او جزئي مع تعرض المدن الايرانية الكبرى لغارات مكثقة اسفرت عن سقوط ضحايا مدنيين مع تدمير شبه تام للدفاعات الجوية الايرانية وتحييد قدرة القوة الجوية الايرانية . وبخلاصة عسكرية فأن الحرب لم تحقق نصرا حاسما لإي من الطرفين حيث اثبتت ايران انها قادرة على ضرب العمق ( الاسرائيلي ) بصورايخ نوعية ومتطورة ، بينما اظهرت (اسرائيل) قدرتها على الحاق الضرر بالبنية التحتية العسكرية الايرانية .

الهدنة الهشة

    جاء وقف إطلاق النار برعاية تعددة الاطراف سعت الى انهاء الحرب وتجنيب المنطقة ما لايحمد عقباه لعل اهم طرف في تلك المفاوضات كان الجانب الامريكي والرئيس ترمب الذي ضغط على الجانب ( الاسرائيلي ) لوقف الهجمات خصوصا بعد ضرب المفاعلات النووية التي استلزمت تدخل امريكي مباشر ، غير ان الهدنة ما زالت لم تشمل على اتفاق ملزم يخص البرنامج النووي لطهران او حتى اي مبادرة لنزع سلاح الجماعات المسلحة المدعومة من إيران ، وقد تبدو الهدنة في الوقت الحالي متماسكة غير انها في الواقع لاتزال هشة خصوصا ان الجانب (الاسرائيلي) لا يتلزم بإي مواثيق تأريخيا .

السيناريوهات المقبلة

  • تصعيد عسكري محدود قد ينتج عن ضربات محدودة من كلا الطرفين او هجمات سيبرانية متبادلة دون الدخول الى حرب شاملة .
  • مفاوضات مشروطة حيث سوف تحاول طهران إعادة التفاوض من جديد حول البرنامج النووي مقابل تخفيق العقوبات عليها .
  • ترتيب الاولويات في الداخل الايراني و ( الاسرائيلي ) .
  • قد تكون هناك عودة للحرب بالوكالة بدلا من الاشتباك العسكري المباشر اذا ما لم يتم الاتفاق على مفاوضات جديدة حول الملف النووي الإيراني.
  • إنكفاء إيران عن لعب دور محوري إقليمي في المنطقة والتركيز على الداخل الايراني مع تطوير إقتصادها والتركيز على القضايا الداخلية .

وفي الختام فإن الحرب بين ايران و ( اسرائيل ) لم تنتهي بعد بل ان الصراع نقل الى مستوى اخر من التعقيد ، حيث سيحاول الطرفان في الوقت الحالي إعادة ترتيب الاوراق ولملمة الجراح حيث ان المنطقة الان تقف على مفترق طرق مع إستمرار الحرب على غزة وصراعات متقطعة و الحديث عن دخول جديدة في إتفاقية ابراهام للتطبيع او ما يسمى بــــ ( السلام ) ، ورغم الخسائر المتبادلة بين الطرفين الا ان هذه الحرب قد قدمت درس مهم انه لايمكن لإي طرف مهما بلغ من قوة ان يحسم مستقبل المنطقة بمفرده بل يجب ان تكون هناك توزانات مستدامة عبر الحوار السياسي او النار التي تحت الرماد سوف تعود الى الاشتعال مرة ثانية في حال لم يتم التوصل الى اتفاق نووي جديد يرضي الاطراف ودول المنطقة  خصوصا ان ( اسرائيل ) تسعى الى ان تكون القوة المهيمنة على ما تسميه بــــ ( الشرق الاوسط الجديد ) دون ان يكون لديها اي منافس عسكري وسياسي في المنطقة.

5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى