الدراسات البحثيةالمتخصصة

دمج القبائل في النظام الدستوري في افريقيا – سبيلٌ نحو ديمقراطية مبتكرة:دراسات حالة من السودان وناميبيا وبوتسوانا

اعداد : د. سامي عبد الحليم سعيد، خبير دستوري سوداني، ومحاضر في القانون العام

  • المركز الديمقراطي العربي

 

الملخص

تستكشف هذه الدراسة كيف يُمكن لدمج القبائل في الأطر الدستورية الأفريقية أن يُعزز ديمقراطية مبتكرة ومُخصصة للسياقات الوطنية. وبالاستناد إلى حالات مُقارنة من السودان وناميبيا وبوتسوانا، يُؤكد البحث أن السلطات التقليدية، التي همّشتها النماذج القانونية لما بعد الاستعمارية، لا تزال تُشكّل عنصرًا أساسيًا في التماسك الاجتماعي في العديد من المجتمعات. فكثيرًا ما استعانت الإدارات الاستعمارية بزعماء القبائل لتطبيق نظام الحكم غير المباشر، و إضفاء مشروعية للسياسات التي تصدرها الادارات الاستعمارية. وكثيرًا ما استنسخت دساتير ما بعد الاستقلال نماذج غربية غير مُلائمة لمجتمعات أفريقيا المُتنوعة، مُفاقمةً الصراعات القائمة على الهوية، ومُخفقةً في بناء أنظمة سياسية مستقرة و شاملة.

في حين أن المؤسسات القبلية قادرة على توفير الاستقرار والتوسط في النزاعات المحلية، إلا أنها تُشكّل تحديات واضحة أمام التحول الديمقراطي. فكثيرًا ما تُقصي هياكلها و بنيتها الداخلية النساء والشباب، وتفتقر إلى المُساءلة، وتعمل خارج نطاق مبادئ التمثيل عبر الانتخاب الحر. ومع ذلك، فإن صمودها وشرعيتها المُستمرة في المناطق الريفية يُشيران إلى أن تجاهلها يُقوّض جهود السلام و الاستقرار السياسي، والمشاركة الديمقراطية. تستعرض هذه الدراسة الترتيبات القانونية، بدءًا من قانون الإدارة الأهلية في السودان وقانون السلطات التقليدية في ناميبيا، وصولًا إلى مجلس الأعيان في بوتسوانا، والتي تُجسّد مناهج مختلفة لإضفاء الطابع الرسمي على الأدوار القبلية في إطار الحكم الحديث.

إن إعادة تصور النظام الدستوري، مستلهمًا من السياق الاجتماعي والتاريخي الفريد لأفريقيا، أمرٌ أساسي. تقترح هذه الورقة أن النماذج الديمقراطية ينبغي أن تُوائم المؤسسات التقليدية والحديثة، مُوازنةً بين احترام الهوية المجتمعية وضمانات المساواة والمساءلة. في نهاية المطاف، يُمكن لإشراك القبائل بشكل بنّاء أن يُوسّع التمثيل، ويُعزز بناء السلام، ويُنشئ هياكل دولة أكثر شرعية وفعالية. يُشدد التحليل على أن أي تحوّل ديمقراطي مستدام في أفريقيا يجب أن يُواجه التحديات المعقدة التي يفرضها السياق الاجتماعي الافريقي، و ضمن ذلك تأثيرات القبيلة على إستقرار الحكم و بناء السلام المستدام.

  • المقدمة:
  • الخلفية السياقية

وجدت الحكومات في أفريقيا ما بعد الاستعمار أنها مضطرة للتعايش جنبًا إلى جنب مع المؤسسات المحلية والتقليدية، بما في ذلك القبائل والمجتمعات الأصلية. وغالبًا ما تتعايش المؤسسات الحديثة والنخب الحضرية الحديثة على المستوى الوطني مع الهياكل التقليدية على المستوى المحلي. وفي كثير من الحالات، نجت الهياكل التقليدية من الحقبة الاستعمارية وظلت جزءًا أساسيًا منها، أو حتى مرجعية مركزية، بوصفها ممثل لشرائح عريضة من السكان (El-Battahani  & Gadkarim, 2017). ودون مراعاة الهياكل الاجتماعية التقليدية في افريقيا، فإن أي ترتيبات دستورية لما بعد الاستعمار، والتي تنطوي على هندسة اجتماعية وسياسية، من المرجح أن تفشل على المستوى الوطني.

استخدمت القوى الاستعمارية الزعماء والمسؤولين التقليديين للحفاظ على سيطرتها على المجتمعات المحلية، وبالتالي على السكان الأصليين. ومن ضمن ذلك ، تلاعبت حكومة جنوب أفريقيا العنصرية بالنظام القبلي ليتناسب مع أيديولوجيتها القائمة على الفصل العنصري. طُبِّق هذا النهج الاستعماري بطرق مختلفة في بعض المستعمرات البريطانية، مثل السودان (Bekker, 1993). لقد إدركت الادارة الاستعمارية منذ وقت مبكر أهمية القبيلة في التركيبة الاجتماعية و السياسية في إفريقيا، و بالتالي عمل على توظيف تلك المؤسسات في إدارة الدولة في تلك الحقبة.

إن إدراك أهمية المؤسسات والقادة والمنظمات المجتمعية التقليدية، يجعل من الضروري مراجعة الوثائق الدستورية الأفريقية الحالية لتقييم إمكانية استيعاب تلك المؤسسات التقليدية في نظام الحكم (Bekker, 1993) . لقد اثبتت العديد من المبادرات المتصلة بالاصلاح السياسي أهمية فهم وضعية القبيلة في السياق الوطني، و كانت الوساطة الافريقية التي قادها كوفي عنان خلال الأزمة السياسية في كينيا ٢٠٠٧-٢٠٠٨ قد أثبتت بصورة واضحة الحاجة المُلِحّة لإصلاح سياسي شامل لتعزيز التماسك الوطني من خلال إدماج القبيلة في اي اصلاحات متوقعة (Nyong’o & Karugu, 2023).

إن أي فصل بين السلطات التقليدية، ككيانات غير سياسية وغير تابعة للدولة، والدولة الحديثة هو نهج مُضلِّل. فالسلطات التقليدية التي تستمد شرعيتها حصريًا من المجتمع المحلي تُشكِّل جزءًا لا يتجزأ من الشبكات الاجتماعية والسياسية للدول الأفريقية الحديثة. و لكن من المهم تأسيس إطار شرعي للقبيلة ينسجم مع منظومة الدولة الحديثة و يضفي الشرعية العملية للسلطات التقليدية من خلال اعتراف الدولة بها (Chlouba, 2019).

لا تزال قيمة السلطات التقليدية، على الأقل فيما يتعلق باللامركزية الديمقراطية، غير واضحة (Nyati-Ramahobo, 2008). وقد أكدت Nyati-Ramahobo أن للقبائل أدوارًا أساسية كقوى مؤثرة بين المجتمعات المحلية على أرض الواقع (٢٠٠٨). ومع ذلك، يظل التطبيق الديمقراطي للسلطات التقليدية في المجتمعات النامية موضع شك، إذ يصعب تتبع النمو الديمقراطي فيها (Nyati-Ramahobo, 2008). عادةً ما تستبعد مؤسسات السلطة التقليدية النساء والشباب، وأحيانًا الفقراء. ولا يخضع اختيارهم للاقتراع العام للبالغين، كما أن مدة ولايتهم غير محدودة. وهذا يُشكل تحديات ملحوظة أمام إرساء نظام ديمقراطي حديث. فبينما ينبغي أن يتمتع جميع المواطنين بحقوق متساوية، فإن الخاضعين للسلطات التقليدية والقانون العرفي ، لا يستطيعون مساءلة ممثليهم، على عكس أولئك الذين ينتخبون ممثليهم بانتظام (Flaherty, 2016).

تتجسد الديمقراطية والفيدرالية واللامركزية في الوثائق الدستورية حين تُمنح المجتمعات في المستويات الأدنى سلطة اتخاذ القرارات، و تلزمها باتباع السياسات التي تنتجها المؤسسات النيابية، و أن تعمل ضمن استراتيجية قومية شاملة (El-Battahani  & Gadkarim, 2017). لا يمكن بناء نظام دستوري ديمقراطي في أفريقيا، تُمثَّل فيه المؤسسات المجتمعية تمثيلاً عادلاً، دون إيجاد توليفة تُدمج القبائل كإحدى أبرز المؤسسات المجتمعية في أفريقيا.

  • الأهداف

تهدف هذه الدراسة إلى رسم صورة للوضع الاجتماعي والسياسي للسلطات التقليدية في ظلّ الترتيبات الدستورية الأفريقية الحديثة، وتقييم الدور المُتوخّى لها في الدساتير وقوانين الحكم المحلي، وذلك من خلال منهج مقارن، مع التركيز بشكل خاص على التجربة السودانية.

تستند هذه الدراسة إلى الأسئلة البحثية التالية:

هل الإدارة القبلية ضرورية لتوفير حدّ أدنى من الاستقرار والنظام الاجتماعي والسياسي؟

هل تُعيق القبائل الأفريقية تطور الديمقراطية وهياكل الدولة الحديثة؟

هل يُمكن لدمج السلطات التقليدية في بنية الحكم أن يُمهّد الطريق لديمقراطية مبتكرة وفعّالة في سياق اجتماعي وسياسي مُحدّد؟

إذا كان دمج المؤسسات التقليدية في نظام الحكم يُساعد على النمو الديمقراطي للبلد، فكيف يُمكن تطبيق ذلك على الدستور على أفضل وجه؟

  • الإطار الأساسي للتحليل

في هذه الدراسة، يُعرّف مصطلح “القبيلة” بأنه مؤسسة اجتماعية تقليدية تعكس هويات الأفراد، لا سيما في السياق الأفريقي. يُعدّ مقترح دستورية النظام القبلي في أفريقيا نموذجًا لتوسيع المشاركة السياسية، حيث لا تُطبّق القيم الديمقراطية فحسب، بل تُعزّز، وتُؤخذ التقاليد الأفريقية في الاعتبار عند إدارة السلام والأمن والاستقرار السياسي والاجتماعي.

يُبيّن هذا البحث كيف أن الدراسة التحليلية للوضع الأفريقي والوعي بالصراع السياسي والاجتماعي يُلزمان إرساء منهجية دستورية مناسبة لأفريقيا. ويُركّز على الديناميكيات الفريدة للعلاقات الاجتماعية بين المجتمعات في أفريقيا، والتي تُعدّ عاملًا رئيسيًا في عدم توافق النموذج الغربي. تُسلّط هذه الديناميكيات، إلى جانب التفاعلات بين الأفراد والمؤسسات الاجتماعية، بالإضافة إلى التنمية الاقتصادية وتداعياتها على التقدم الاجتماعي والسياسي، الضوء على تعقيد وثراء السياق الأفريقي.

  • هيكل البحث

يبدأ البحث بالخلفية السياقية، ويتناول مشاركة القبائل في الإدارة الحديثة في أفريقيا (القسم 1). ويُلقي نظرة شاملة على الأطر الدستورية والقانونية للسلطات القبلية (القسم 2). ثم يقدم لمحة موجزة عن التجربة الاستعمارية في إدارة السلطات المجتمعية التقليدية في حقبة ما قبل الاستقلال (القسم 3). ويحلل البحث بدقة المؤسسات القبلية في السياق الأفريقي، متطرقًا إلى الإطار القانوني والسياسي، ودور القبائل في الحرب والسلام في أفريقيا، وتطبيق الإدارة الأهلية وغيرها من الأساليب في النظام القانوني الأفريقي (القسم 4). كما يتضمن البحث أمثلة ملموسة من دول أفريقية أخرى، وسيحللها ويناقش أفضل الممارسات فيها (القسم 5). ويختتم البحث في الفصل 6، ويعتمد حصريًا على مراجعة الأدبيات.

  • القبائل في القانوني الدولي:

يتضمن الإطار القانوني الدولي لتنظيم دور القبائل في النظام القانوني المحلي إعلان الحق في التنمية، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان (Universal Declaration, 1948) والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (ICESCR, 1966)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR, 1966). وقد رفعت المجموعة الدولية لحقوق الأقليات (MRG) دعوى قضائية أمام اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، مستشهدةً بانتهاكات الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، استنادًا إلى حكم وايي (MRG, 2008). وتشمل هذه الانتهاكات الحق في المشاركة بحرية في الحكم (Article 13)، والحق في المشاركة بحرية في الحياة الثقافية للمجتمع (Article 17)والحق في المساواة (Article 19).

بلغ التزام منظمة العمل الدولية الدائم بمحنة الشعوب الأصلية والقبلية ذروته في حدث تاريخي في عام 1957 – اعتماد أول صك دولي على الإطلاق مخصص حصريًا لحقوق الشعوب الأصلية والقبلية. وقد أدت هذه المناسبة الهامة إلى ميلاد اتفاقية السكان الأصليين والقبليين (Convention No. 107, 1957). وفي الثمانينيات، خضعت هذه الاتفاقية لعملية تحول وظهرت في صورة جديدة في عام 1989 باسم اتفاقية الشعوب الأصلية والقبلية (الاتفاقية رقم 169، 1989). إن مبادئ المشاركة والتشاور، المنصوص عليها في الاتفاقية، هي أساس وجودها. ولا يقل أهمية عن ذلك دور إعلان الأمم المتحدة بشأن الأقليات لعام 1992، الذي يعرف الأقليات على أنها مجموعات محددة بخصائص وطنية أو عرقية وثقافية ودينية ولغوية. وينص هذا الإعلان على أن الدول يجب أن تضمن بقاء هذه المجموعات. في حين أن هناك تفسيرات عديدة لما يشكل أقلية، إلا أن السمات الأساسية عبر هذه التفسيرات تظل دون تغيير إلى حد كبير.

تؤكد المادة 8-2 من إعلان الحق في التنمية لعام 1986 (DRTD، 1986) على الدور المحوري للدول في تعزيز المشاركة واسعة النطاق في جميع القطاعات. إن المشاركة النشطة للسكان ليست مجرد عنصر أساسي في التنمية، بل هي أيضًا جانب أساسي في الإعمال الشامل لجميع حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق الشعوب الأصلية والقبلية.

لم تقبل معظم الدول الأفريقية اتفاقية الشعوب الأصلية والقبلية في البلدان المستقلة. وقد صادقت كل من بوتسوانا وناميبيا على الاتفاقية. وأيدت ناميبيا اعتماد إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية. لم توقع ناميبيا على اتفاقية منظمة العمل الدولية لعام 1989 (الاتفاقية رقم 169، 1989) بشأن الشعوب الأصلية والقبلية في البلدان المستقلة، على الرغم من أن الحكومة تفكر في التصديق على هذه الوثيقة. لقد صادقت بوتسوانا على إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية والقبلية في البلدان المستقلة، ولكنها لم توقع على اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن الشعوب الأصلية والقبلية في البلدان المستقلة(Convention No. 169, 1989).

  • القبائل والدساتيرالاستعمارية في أفريقيا:

يبحث ياش غاي Yash Ghai ، وهو باحث دستوري كيني بارز، في الاختلافات بين خلفيات بناء الدولة الغربية والأفريقية  (Ghai, 1993). ويؤكد غاي بشكل رئيسي أن الدساتير الغربية، القائمة على أوضاع سياسية واقتصادية مستقرة وإجماع واسع النطاق على المعايير الاجتماعية، لا تُمثل بدقة واقع الجمهوريات الأفريقية الناشئة (Ghai, 1993). في الأساس، وُضعت الدساتير الغربية لمجتمع متجانس يغلب عليه السلام والأمن والاستقرار. وعند انتقالها إلى العديد من الدول الأفريقية، لم تكن هذه الدساتير النموذجية الأوروبية كافية لمعالجة إدارة التنوع وتعزيز السلام بين الفصائل المتصارعة. بل إنها غالبًا ما فاقمت صراعات الهوية القائمة مسبقًا (Ghai, 1993) . ونتيجة لذلك، في أفريقيا ما بعد الاستقلال، جسّدت الدستورية عادةً هيمنة جماعات وطبقات معينة، وهي انتصارات غالبًا ما تحققت عن طريق سفك الدماء والاستغلال والقمع. لا ينبغي تفسير هذا على أنه يعني أن أوروبا ظلت متجانسة على الدوام أو خالية من الأزمات والعنف الذي يؤثر حاليًا على الدول النامية. في المقابل، يمكن القول إن مدى العنف الذي اتسم به تاريخ تشكيل الدولة وبناء الأمة في أوروبا كان أكثر وضوحًا مما شهدته أفريقيا. لا يؤكد غاي أن صعوبات الهوية الكامنة وراء الصراعات الأفريقية مستعصية على الحل. بل يفترض أن تطبيق مبادئ الشمول والتسامح تجاه الاختلافات يمكن أن يخفف من حدة هذه الأزمات بفعالية (Ghai, 1993). قد يُقال إن الإجراءات الاستعمارية عطلت العمليات الطبيعية الأصيلة لتوحيد الهوية.

ولتخفيف الآثار السلبية للسياسة الاستعمارية، يجب على الدستورية في الحكومات الأفريقية المستقلة مواجهة التحديات التي تفرضها التعددية المتأصلة في الدولة الأفريقية. ووفقًا لغاي (Ghai, 1993) ، كان من المتوقع أن تتحمل دساتير الدول النامية مسؤوليات جسيمة: إذ يتعين عليها تعزيز قومية جديدة، وتشكيل وحدة وطنية بين مختلف الجماعات العرقية والقبلية والدينية، وتجنب الاضطهاد، وتشجيع التنمية العادلة، وغرس ممارسات التسامح والديمقراطية، وضمان القدرة الإدارية. يشير الأداء التاريخي للحكم الأفريقي إلى فشل في الالتزام بالمعايير المعيارية للثقافات الأصلية، في حين أهملت العديد من الحكومات الأفريقية أيضًا الروح والمبادئ الأساسية للدساتير الموروثة من الدول الغربية. لا تنبع الإخفاقات التاريخية من عدم القدرة على تحديد نموذج دستوري مناسب للجسم السياسي، ولكن من قضايا اجتماعية أساسية، مما يشير إلى نقص العناصر الحيوية للدستورية. يؤكد فرانسيس م. دينج (Deng, 2008) أن العديد من الدساتير الأفريقية غير ذات أهمية إلى حد كبير؛ فهي تفشل في تجسيد أهداف أو مبادئ تشغيلية لأي جماعات مصالح كبيرة بشكل أصيل، وتُعتبر غير ذات صلة بالأطر الدستورية، لأنها موجودة لمجرد أنه يُنظر إليها على أنها، على غرار الأناشيد الوطنية وشعارات النبالة والأعلام، تؤدي الدساتير وخطط التنمية وظيفة رمزية احتفالية ورسمية ملزمة للدول بالحفاظ عليها.

  • الاختلافات السياقية بين أوروبا وأفريقيا:

في كتابه “الهوية والتنوع والدستورية في أفريقيا”، أكد فرانسيس دينغ على ضرورة توفير إطار دستوري متميرلأفريقيا و يستوعب تاريخها و احتياجاتها المستقبلية. وجادل بأن عدم القدرة على فهم التباينات السياقية بين أوروبا وأفريقيا أثّر بشكل كبير على التطور الدستوري في أفريقيا (Deng, 2008). وتؤكد وجهة نظر دينغ أن الدستور في أوروبا وُضع وتطور من خلال عملية سياسية مطولة، بلغت ذروتها في القرن السادس عشر. وبالتالي، يجب أن تُراعي عملية وضع الدساتير في أفريقيا بعد الاستعمار المتطلبات المتميزة للقارة. يكشف التحليل الشامل للسياق الأفريقي عن رؤى ثاقبة تُعالج التحديات بفعالية وتُقدم حلولاً تُساعد الأفارقة على بناء نظامهم السياسي بطريقة تُسهم في التنمية القارية، بدلاً من الالتزام بالنموذج الأوروبي (Deng, 2008) . ويُؤكد دينغ أن النموذج الأوروبي لا يُراعي السياق الأفريقي، ويُهمل إدارة التنوع والمنهجية المناسبة للتمثيل السياسي في صياغة العملية الديمقراطية. كما أنها لم تُراعِ الصراعات على السلطة والموارد بين الفئات الاجتماعية الأفريقية. وقد فشلت الدساتير الأفريقية في جانبين: أولًا، لم تُدمج الروح الأفريقية في أطر ما بعد الاستعمار، وثانيًا، لم تُطبّق القيم الدستورية بصيغتها الغربية بشكل كافٍ داخل البيئة السياسية الأفريقية (Deng, 2008). لم يكن الخلل في تحديد إطار دستوري مناسب للحكم، بل في الفشل في تحقيق الحل الدستوري الأمثل الذي يُعالج الهموم الأفريقية.

  • مسارات الحكم المحلي خلال الفترة الاستعمارية:

عندما وصل الاستعمار البريطاني إلى السودان في نهاية القرن التاسع عشر، وجده موزعًا اجتماعيًا وإداريًا على مناطق نفوذ قبلي. وكان قبل ذلك الاستعمار التركي قد بدأ بتنظيم علاقات شيوخ القبائل مع مؤسسات الحكم التركي بإسناد مهام إدارية وقضائية ومالية إليهم في مناطق نفوذهم. وبدأ الاستعمار البريطاني يستفيد من شيوخ القبائل وانتشارهم الجغرافي، بإعطائهم دورًا في المجال القضائي، فصدر قانون المحاكم لعام ١٩٣٢، الذي بموجبه تولى شيوخ القبائل مهام قضائية واسعة، وطبقت هذه المحاكم الأعراف المحلية ومبادئ العدل والفضيلة (Eleiw, 2015). وكما يذكر محمد عيسى عليو في كتابه عن الإدارة الأهلية في السودان (Eleiw, 2015) ، فإن هذا القانون كان تطويرًا لقانون صلاحيات الشيوخ لعام ١٩٢٨، الذي أُلغي بصدور قانون ١٩٣٢. في تطور لاحق، نظمت الإدارة الاستعمارية دور زعماء القبائل في الإدارات المحلية لأول مرة بإصدار قانون البلديات والمدن والمناطق الريفية في عام 1937، كخطوة أولى نحو إرساء قانون الحكم المحلي في السودان (Lienhardt,1982). كان هذا القانون فرصة جيدة لتمثيل زعماء القبائل والإدارة الأهلية في نظام الحكم المحلي. بعد ذلك، أصدر المستعمرون البريطانيون قانون عام 1951، الذي قلص فيه صلاحيات الإدارة الأهلية قليلاً، كخطوة تمهيدية نحو نقل السلطة إلى السودانيين قبل مغادرة البريطانيين للسودان (El-Battahani & Gadkarim, 2017). تم وضع قانون 1951 لإفساح المجال للمثقفين والخريجين والأحزاب السياسية للمشاركة في مجال الحكم والإدارة إلى جانب الإدارة الأهلية (Eleiw, 2015) . عندما بدأت الأحزاب السياسية بالتشكل في أوائل عام 1948، سارع زعماء القبائل إلى تشكيل الحزب الجمهوري الاشتراكي بعد الاستقلال لضمان وجودهم في الساحة السياسية بعد رحيل المستعمر.

كانت فكرة توسيع الحكومة المحلية من خلال توسيع مشاركة الزعماء التقليديين في المؤسسات الحكومية نتيجة مناقشات سياسية وقانونية داخل مكتب المستعمرات البريطاني في عامي 1947 و 1948 (Lienhardt,1982). يتفق جودفري لينهارت في مقالته الصحفية، على أنه في ضوء هذه المناقشات أشار تقرير مارشال الاستعماري البريطاني لعام 1949 إلى مزايا وعيوب الإدارة الأهلية بناءً على تجربتها منذ إنشائها. ومن بين المزايا التي ذكرها عن الإدارة الأهلية أنها مؤسسة محلية تقوم على قدرات زعماء القبائل وتأثيرهم الاجتماعي. وهي مرتبطة بالمواطنين وتتمتع بتقديرهم واحترامهم. ويتمتع المواطنون داخل المجتمع القبلي بشعور من التضامن والانتماء القوي والمخلص للقبيلة وقيادتها. ومن بين السلبيات التي حددها تقرير الدكتور مارشال عن نظام الإدارة الأهلية أنها مؤسسة يعتمد نجاحها على القدرات الإدارية والسياسية والقانونية لزعماء القبائل (Badal,1977). كانت قدرات بعض هؤلاء القادة ضعيفة للغاية، بينما أظهر بعضهم قدرات ممتازة، ولذلك لم تُرصد هذه النجاحات والإخفاقات سابقًا. ونتيجةً لذلك، كانت مؤسسةً تفتقر إلى الخبرة الفنية في جميع جوانب الإدارة (Badal,1977) . إن اعتماد الإدارة على تطبيق العادات والتقاليد القبلية والمحلية جعلها غير مرنة وغير قادرة على الاستجابة بسهولة للتغيرات والتطورات في مجال الحكم والإدارة وتطبيق سيادة القانون. وأخيرًا، من بين العيوب ضعف مبدأ المساءلة (Eleiw, 2015).

4-  القبائل والسياسة في السياق الأفريقي:

  • القبائل والسياسة في افريقيا:

يتناول التاريخ السياسي الأفريقي التأثير الكبير والمتعدد الجوانب للهويات العرقية والقبلية على المشهد السياسي في أفريقيا. وخير مثال على ذلك مشاركة الزولو (Zulu) في صراع السلطة في جنوب أفريقيا عام ١٩٩٤. كان الزولو ممثلين بصورة مؤثرة في الحزبين السياسيين الكبيرين للمجتمع الأسود في جنوب إفريقيا، وهما حزب المؤتمر الوطني الأفريقي (African National Congress, ANC)، و حزب إنكاثا للحرية (Inkatha Freedom Party, IFP)  و الذي ظل منافساً قوياً لحزب المؤتمر الافريقي، وكان يجد الدعم من البيض بسبب موقفه المناهض لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي (Choi, 2008). ومن الأمثلة الحديثة الأخرى هو دور القبائل في جنوب السودان في رسم المشهد العام للسياسة في الدولة.  فهناك دور ملحوظ لقبيلة الدينكا في تأسيس الحركة/الجيش الشعبي لتحرير السودان، ثم في قيادة الحكومة الجديدة في جنوب السودان بعد الاستقلال عام ٢٠١١ (Pinaud, 2021). ويؤكد التاريخ أن هذه الهويات غالبًا ما تُشكل حواجز أمام الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي. في حين أن الانتماءات القبلية يمكن أن توفر شعورًا بالانتماء والمجتمع بين الأفراد، إلا أنها غالبًا ما تؤدي إلى الاستقطاب والصراع داخل السياق السياسي الأوسع. جادل أوموومي أوديسومي (Omowumi Odesomi) في مقال له نشر في عام 2023 بأن التجربة الأفريقية توضح كيف يمكن للديناميكيات السياسية التي تشكلها هذه الهويات أن تساهم في ترسيخ النظام القبلي، وهي قوة لا تعيق العمليات الديمقراطية فحسب، بل تؤدي أيضًا إلى تفاقم التفاوتات المجتمعية (Juma, 2012). يجب أن يثير هذا الإدراك القلق والوعي بشأن الحاجة إلى نهج تحويلي يؤكد على الشمولية والتنوع لتعزيز جهود بناء الأمة (Odesomi, 2023)، إلا انه، كما سنرى لاحقاً في هذه الورقة، أن بعض التجارب الحديثة نجحت بقدر معقول في إدراج المؤسسات التقليدية في مؤسسات الحكم من خلال تدابير دستورية إنتقالية مبتكرة. و لكينيا تجربة بارزة في تداخل العلاقات بين المؤسسات القبلية والسياسة و الحكم. و يمكن وصف تأثير القبائل على المجتمع الكيني بأنها متجذرة و قديمة، و تحظى القبيلة باحترام كبير (Nyong’o & Karugu, 2023). و يتلخص الصراع السياسي في كينيا، بصورة من الصور، بانه صراع القبائل من أجل السلطة، بعد ان ظهر بشكل واضح تأثير القبائل في رسم المشهد السياسي في العصر الحديث، و دورها في الانقسامات العرقية التي تفاقمت بعد انتهاء الحكم الاستعماري وكانت من ابرز تحديات بناء الأمة الموحدة بعد الاستقلال (Nyong’o & Karugu, 2023). هذا السياق التاريخي أمر بالغ الأهمية لفهم الوضع الحالي في ذلك القطر. على سبيل المثال، صراع عامي 2007 و2008، عندما لعبت كل من قبيلة الكيكويو Kikuyus ، وهي القبيلة العرقية للرئيس كيباكي، وقبيلة اللوس Luos ، وهي قبيلة زعيم المعارضة أودينغا وحلفاؤها، دورًا عميقًا في تهديد الاستقرار السياسي في كينيا (Nyong’o & Karugu, 2023). ناقش القادة الكينيون أطرًا نظرية مختلفة لمعالجة القبائل، بما في ذلك الديمقراطية التوافقية والتعددية، مع التأكيد على التفاعل بين الهياكل المؤسسية والمواقف المجتمعية في تعزيز الوحدة أو إعاقتها (Nyong’o & Karugu, 2023).

وإدراكاً منه أن النظام القبلي غير منظم مؤسسياً و لا دستورياً ضمن الإطار القانوني للدول في إفريقيا، كتب البروفسير كالستوس جوما Calestous Juma  و هو أكاديمي كيني يدرس في جامعة هارفارد، كتب في تقريره إلى بي بي سي أنه يمكننا بسهولة إدراك أن النظام القبلي يقوض الديمقراطية في أفريقيا (Juma, 2012). وسلط الضوء بشكل خاص على عنف الانتخابات في كينيا بعد عام 2007 باعتباره مظهرًا من مظاهر التوترات العرقية التي تنعكس في السياسية و في ممارسة الحكم في البلدان الافريقية (Juma, 2012)  . إن التحدي الحقيقي الذي تواجهة التطبيقات الديمقراطية في إفريقيا لا يقتصر على إرث الحكم الاستبدادي الطويل، و ضعف الممارسات الديمقراطية، بل يشمل أيضًا التلاعب غير المسوؤل بالولاءات القبلية و العشائرية لتحقيق مكاسب سياسية في مجتمع مازال في خطواته الاولى لممارسة الحكم الدستوري الديمقراطي. ويُعدّ تطبيق نظام تمثيل ديمقراطي فعال، بجانب إنشاء أحزاب سياسية حقيقية قائمة على أفكار إستراتيجية تنموية بدلًا من إستغلال الانتماءات القبلية بصورة إنتهازية، أمرًا بالغ الأهمية لمواجهة التأثير السلبي للقبائل على الديمقراطية الناشئة في افريقيا (Juma, 2012). و لان القبائل أمر واقعي، و جزء من تركيبة المجتمع الافريقي، و تتمتع بتأثير عالي على السياسية و الاستقرار، بل تنافس الاحزاب السياسية في بعض الدول من أجل الوصول للحكم او الموارد، فمن المهم المواصلة في البحث عن أساليب لبناء الديمقراطية في تلك المجتمعات التي يكون للقبائل تأثير على ممارسة الحكم لا يمكن تغافله او إنكاره.

  • القبائل والحروب و الحكم الديمقراطي:

في بعض التجارب السياسية الأفريقية، لاحظنا أن القبائل المحلية انخرطت في العمل السياسي في مناسبات عديدة. ويشمل ذلك، بشكلٍ ملحوظ، النضال ضد النظام الاستعماري، مثل تجارب الزولو في جنوب أفريقيا ضد نظام الفصل العنصري قبل عام ١٩٩٤ بوقت طويل. ومن الأمثلة الأخرى تأسيس حركة تمرد ضد الحكومة المركزية الاستبدادية، مثل تجربة جنوب السودان منذ عام ١٩٦٣، عندما اندلعت حركة أنيانيا. واستمر هذا النضال حتى استقلال جنوب السودان عام ٢٠١١ (Rolandsen, 2011). وكانت تجربة تأسيس حركات سياسية مسلحة من القبائل في اقليم دارفور في السودان،  و كذلك الحركات القبلية المسلحة في إثيوبيا ضد الحكومة المركزية، كلها مؤشرات على علاقة القبائل بالعمل السياسي المسلح في القارة الافريقية. ففي التجربة السودانية، نجد أن بعض الاشخاص الذين ينتمون الى القبائل الكبيرة في دارفور قد اسست حركات مسلحة، و أعلنت تمردها ضد الحكومة المركزية في عهد الرئيس عمر البشير منذ عام ٢٠٠٣، مطالبةً بالتمثيل العادل في الحكم والمساواة في اقتسام الموارد. و في الآونة الأخيرة، في عام 2021 و ما بعد ذلك، خاضت جبهة تحرير شعب تيغراي (Tigray People’s Liberation Front)، التي تتألف أساسًا من أفراد من قبيلة تيغراي، معارك ضد الحكومة المركزية في إثيوبيا مطالبة بالمشاركة العادلة في الحكم. و تلك عبارة عن أمثلة من مجموعى لا تحصى الامثلة عن علاقة القبائل بالحروب الاهلية في افريقيا. كان الحكم القبلي هو السائد في أفريقيا ما قبل الاستعمار، كانت القبائل ممالك مركزية متوسطة الحجم ومشيخات متناثرة على نطاق واسع (Taylor, 2018).

من هذه التجارب، نتعلم أن لأفريقيا تاريخًا طويلًا، من قبل الأنظمة الاستعمارية وبعد الاستقلال، مع الحروب و النزاعات المتصلة بقضايا المشاركة في الحكم وقضايا السلام والأمن في القارة (Taylor, 2018) . و بقراءة سريعة لتاريخ الحروب و النزاعات المسلحة في دول القارة، نجد أن القبائل كانت الفاعل الأساسي، او ضمن الفاعلين الاساسين في معظم الحروب الأهلية من خلال كونها كانت جزءًا من حركة التحرير، أو تولي زعمائها زمام المبادرة في النضال ضد الحكومات المركزية من أجل المطالبة بالحقوق السياسية (Venter, 2015).

من الأهمية بمكان أن ينظر الفقهاء الأفارقة إلى النظام القبلي من منظور الديمقراطية وبناء السلام. و اضعين في الاعتبار أن القبائل، كانت و ما زالت، جزءًا لا يتجزأ من معظم النزاعات المسلحة التي تمظهرت في صورتها الحديثة في المطالبة بالمشاركة السياسية و الإقتسام العادل للثروة. و بالتالي أصبحت القبائل جزء من عملية الصراع السياسي و التنافس من أجل الوصول للحكم في إفريقيا (Juma, 2012). لذا يتطلب الانتقال السياسي السلس نحو السلام والديمقراطية في القارة تحليلًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا معمقًا. قد يُسهم إشراك القبائل في الدستور ونظام الحكم في تعزيز السلام والديمقراطية في أفريقيا من خلال إبتكار نظام يسهم في توسيع نطاق تمثيل الشعب، وهو ما أطلق عليه إيمانويل كانط “الجمهورية” (Koch & Nag, 2023). أشار كوش وناغ (2023) إلى أن توماس باين Thomas Paine وإيمانويل كانط Immanuel Kant استكشفا مفاهيم فلسفية مثيرة للاهتمام حول الديمقراطية والسلام والحكم. يدعو كانط إلى الجمهورية والقانون كطريقين لتحقيق السلام الدائم، بينما يُشدد باين على الحكومة التمثيلية وحماية الحقوق الطبيعية (Koch & Nag, 2023). من خلال التأمل في أفكارهما حول دور القبائل في الاستقرار السياسي والاجتماعي، يُشدد كلا المفكرين على أهمية المبادئ الأخلاقية في النظم السياسية، و تشمل المبادئ الاخلاقية ضمن مسائل عديدة، أن يكون تمثيل الشعب في مؤسسات الحكم حقيقياً و يعكس طبيعة التركيبة الاجتماعية للحكم، و يرى باين ان تطبيق المبادئ الاخلاقية هي المدخل للسلام العالمي. إن هذا التركيز على المبادئ الأخلاقية ينبغي أن يلهمنا في سعينا إلى إقامة نظام حكم سلمي في أفريقيا، ويرشدنا ونحن نعيد تقييم رؤى باين في سياق المناقشات المعاصرة حول السلام والإصلاحات الاقتصادية والسياسية الضرورية لتحقيقه.

5- الترتيبات القانونية لمشاركة القبلية في مؤسسات الحكم:

  • جدل القبلية والحكم الديمقراطي:

تُعد القبائل حجر الزاوية التاريخي للمجتمعات الأفريقية، ولا تزال تُمارس تأثيرًا كبيرًا على السياسة في مرحلة ما بعد الاستعمار في الدول الأفريقية (Nabudere, n.d.). ورغم أنها لا تحمل رؤى أيدلوجية تتعارض مع الديمقراطية، إلا أن تركيبتها المؤسسية و الاطار الاجتماعي الموروث، بجانب الولاءات القبلية الصارمة، و التي غالبًا ما تكون لها الأسبقية على الولاءات الوطنية، كلها تترافق لتعيق فعالية الممارسة السياسة (Lloyd, 2019) . إن الولاء القوي للقبائل، الذي لا يتزعزع حتى في مواجهة الهياكل الحكومية الحديثة، يُؤكد على قوة هذه الولاءات الراسخة في المشهد السياسي الأفريقي (Lloyd, 2019)، مما يجبر الحكومات للتعامل معها بصورة إنتقالية في إطار حفظ التوازن الاجتماعي و السياسي في الدولة، و كذلك تضطر بعض الاحزاب السياسية الى الاستنجاد بزعماء القبائل لاستغلال الولاءات القبلية في التسابق من أجل الفوز في الانتخابات الرئاسية او البرلمانية.

السياق التاريخي الذي تطور فيه الحكم التقليدي في المجتمعات القبلية، جنبًا إلى جنب مع الهياكل السياسية الاستعمارية المستعارة من الفضاءات الاوربية، و جنبًا إلى جنب مع مؤسسات الحكم الوطني في فترة ما بعد الاستقلال من الاستعمار، يؤكد على التفاعل الحيوي بين النظم السياسية التقليدية والحديثة في أفريقيا في افريقيا ما بعد الاستعمار (Nabudere, n.d.). يجتهد هذا البحث في إلقاء الضوء على الديناميكيات المُعقّدة لكيفية قمع المؤسسات التقليدية أو استقطابها من قِبَل السلطات الاستعمارية، مما أدى إلى عودة ظهور هذه المؤسسات في السنوات اللآحقة للإستقلال كرد فعل على إخفاقات الدولة الوطنية و مناهضتها لتركيبة الدولة الوطنية في صورتها المستعارة من النظام الدستوري الغربي (Nabudere, n.d.). و بالتالي تستحث الدراسة الفقه الدستوري الحديث في إفريقيا، إلى إعادة تحليل ممارسة الحكم في القارة الافريقية في مرحلة ما بعد نشوء الدولة الوطنية المستقلة، و الشروع في وضع تصورات جديدة للحكم، منحررة من سطوة الخيارات الموروثة. و في ذات الصدد، من المهم إدراك تحديات وجود القبائل في الفضاء السياسي، و بالتالي إبتداع صيغ للحكم تُدمج الأشكال السياسية التقليدية لمعالجة الانقسامات العرقية وبناء ديمقراطيات أكثر شمولاً واستدامة (Lloyd, 2019).

تُعدّ إمكانية مساهمة القبائل الأفريقية في المؤسسات الديمقراطية قضيةً مثار نقاش متعدد الأوجه و تتجاذبه وجهات نظر مُتنوّعة. يُجادل البعض من الفقهاء الافارقة بأن مسألة إشراك القبيلة في مؤسسات الحكم  ستفيد المسار الديمقراطي في مرحلة النشؤ، و يركز المُؤيّدين لهذا الرأي على مسألة التمثيل و المشاركة المجتمعية كجوهر للديمقراطية، و بالتالي يرون أنه – وفقاُ للسياق الافريقي – يُمكن أن تُشكّل القبيلة أساسًا متينًا للحكم الديمقراطي في إفريقيا اذا تم استيعابها بصورة مبدعة(Nabudere, n.d.). يُنشئ مثل هذا المنظور شعورًا بالأمل والتفاؤل بشأن مُستقبل الحكم الديمقراطي. من ناحية أخرى، هناك من يعتقد أنّ هذه الهياكل الموروثة و الجاهزة، و التي تعتمد في أغلب الاحوال على سطوة العائلة، وهو  نظام غالبًا ما يعتمد على التسلسل الهرمي وحصر القيادة على عائلة او طبقة معينة، يُمكن أن تُعيق تطوير مؤسسات ديمقراطية شاملة (Nabudere, n.d.).

يُعدّ نجاح التحوّلات الديمقراطية في أفريقيا قضيةً مُعقّدة ومُتعدّدة الأوجه. و لا تكون الممارسات القبلية هي وحدها العائق امام تتطور الممارسات الديمقراطية. من المشهود، أن بعض الدول تمكنت من إرساء ديمقراطيات مستقرة نسبياً، بينما لا تزال دول أخرى تعاني من عدم الاستقرار السياسي والاستبداد بالحكم. من المهم أن نفهم أن عوامل مثل التنمية الاقتصادية والإرادة السياسية والتماسك الاجتماعي تلعب جميعها دورًا حاسمًا في تحديد نجاح أو فشل الإصلاحات الديمقراطية (Lloyd, 2019). سيساعد هذا التركيز في فهم أن التحولات الديمقراطية لا تتم بعملية واحدة، و إنما هي دائماً تتضمن سلسلة من الترتيبات، و يسهل مثل هذا الانتقال المعرفة والوعي بالتعقيدات التي تنطوي عليها عمليات التحول الديمقراطي نفسها (Nabudere, n.d.).

من المتفق عليه على نطاق واسع أن المؤسسات المحلية التقليدية لا تزال تتمتع بدعم المجتمع في المناطق الريفية وتلعب دورًا مهمًا في حياة المجتمعات القبلية (Abdeljalil, 1985). مع أخذ ذلك في الاعتبار، يمكن للمرء أن يقترح ترتيبات دستورية مناسبة للدور المستقبلي لزعماء القبائل وغيرهم من قادة المجتمع المحلي. في التطبيقات الدستورية الحديثة، صُمم نظام الدستور الفيدرالي في السياق الأفريقي بالقدر الذي يستوعب الممارسات القبلية في نطاقها الجغرافي (Constitution of Ethiopian, 1995).

نص قانون الإدارة الأهلية لعام 2002 في منطقة دارفور على ثلاث ولايات قضائية لزعماء القبائل: القضاء، والإدارة، والتنمية. وبالتالي، من التجارب الدستورية الأفريقية، فإن الترتيبات التالية هي الأكثر استخدامًا لإشراك القبائل في السلطات العامة ونظام الحكم:

  • الإدارة الأهلية في السودان:

طبق الاستعمار البريطاني نظام الإدارة الأهلية في بعض مستعمرااته، فطبق البريطانيون الادارة الاهلية في مستعمراتها في جنوب أفريقيا والسودان. بدأ تطبيق هذا النظام في الحكم المحلي في السودان من خلال تقرير بعثة ميلنر لعام ١٩٢٠ Milner Mission Report of 1920  (Raphael, 1977)، وتم تطبيقه قبل ذلك، في جنوب أفريقيا من خلال قانون الإدارة الأهلية لعام ١٩٢٧؛ الذي أُعيدت تسميته لاحقًا بقانون إدارة البانتو Bantu Administration Act  لعام ١٩٢٧ وقانون إدارة السود لعام ١٩٢٧ (Bekker, 1991). إن استخدام الادارة البريطانية للزعماء والسلطات القبلية كأجهزة إدارية، قُصد منه الاستفادة من القدرات القيادية و الادارية التي تتمتع بها المؤسسات المجتمعية المحلية، على أن يتم تزويدها بالبنية التحتية والتنظيم والموظفين والموارد المالية اللازمة، حتى تؤدي الوظائف الإدارية بفعالية (Bekker, 1991). ويتطلب الأمر إطارًا قانونيًا مناسبًا ومبتكرًا لتطبيق الترتيبات الانتقالية الدستورية والحفاظ على السلام والاستقرار في مجتمعات ما بعد الاستعمار.

و في ظل الحكم الوطني، كانت التجربة السودانية في عام ١٩٧١، في ظل حكومة الرئيس جعفر نميري ، الذي أصدر قانون الحكم الشعبي المحلي، و الذي بموجبه تم تقسّيم اقاليم السودان إلى مجالس إقليمية ومجالس محلية. حلّت هذه الإدارة المحلية الجديدة محل الإدارة الأهلية، وألغت اختصاص زعماء القبائل وسلطاتهم الإدارية. تشير بعض الدراسات إلى أن هذا التعديل  و حرمان الزعامات القبلية من ممارسة الحكم  كان المحفز الرئيسي للصراعات القبلية واسعة النطاق في دارفور (Abdu- Jalil, et al, 2007). على سبيل المثال، في ولاية جنوب دارفور وحدها، نشأت ستة عشر نزاعًا حدوديًا منفصلاً بين المجالس الريفية بعد فترة وجيزة من سن هذا التشريع. سمح هذا الإجراء لقبيلة واحدة بالهيمنة على مناطق كانت تابعة لقبائل أخرى، مما عزز المنافسة بين القبائل و تسبب في النزاعات القبلية (Abdu- Jalil, et al, 2007). يكمن الخلل الأساسي في تحديث الإدارة المحلية في السودان في أنها حولت التركيز من وظيفتها القضائية السابقة المتمثلة في الحفاظ على القانون والنظام العام إلى وظيفتها الادارية الحكومية المعاصرة، التي تضمنت مؤخرًا التعبئة السياسية. علاوة على ذلك، كان من أبرز عيوب الإطار الإداري الجديد إنشاء مراكز شرطة ريفية، بدلاً عن سلطات الادارة الاهلية، و لكن دون توفير الموارد الأساسية لتشغيلها بفعالية من أسهم في انفلات الاوضاع الامنية في المناطق النائية التي يصعب على الشرطة الوصول اليها (Abdu- Jalil, et al, 2007). و لكن خارج النظام القانوني الجديد، و التحديثات التي أدخلتها السلطة المركزية في نظام الادارة المحلية، ظلت القبيلة كمؤسسة إجتماعية تؤكد حضورها ووجودها في الممارسة العملية، وعلى الرغم من غياب الإطار القانوني، احتفظ زعماء القبائل بوضعهم الاجتماعي، و ظلت القبيلة تدعم أعضائها لشغل مواقع سياسية في المجالس المحلية او داخل الحزب الحاكم (Perham,1936)، وكذلك في الجمعيات الإقليمية والوطنية. وقد تم تعزيز النفوذ السياسي للقبائل المحلية بشكل كبير في ظل نظام الإدارة المحلية الجديد في السودان. قبل إلغاء نظام الادارة الاهلية، كانت حكومة نميري قد حلت جميع الأحزاب السياسية في السودان. وقد ملأ هذا الفراغ قوة اجتماعية وسياسية مزدهرة، حيث كان الاتحاد الاشتراكي السوداني الحزب السياسي الوحيد المعترف به الذي يقود المشهد السياسي. وقد هيمنت النخبة الريفية المتعلمة على كل من الحزب السياسي وهياكل الحكومة المحلية المنشأة حديثًا، مما أدى إلى ظهور قيادة جديدة في المناطق. و لم ينجح قانون الحكم الإقليمي الذي تمت إجازته في عام 1980، إذ تم تكليف القيادة المعينة حديثًا بمهام الخدمات الإقليمية دون تمويل كافٍ من الحكومة المركزية مما جعلها عاجزة عن تقديم الخدمات الاساسية للمواطنين (Abdu- Jalil, et al, 2007).

في أعقاب الانتفاضة الشعبية في أبريل 1995 وخلال الفترة الديمقراطية، أعادت الحكومة المنتخبة نظام الإدارة الأهلية في عام 1987؛ ومع ذلك، قبل تنظيم وهيكلة النظام اللامركزي الجديد، نفذت قيادات من داخل الجيش منسوبة لحزب الجبهة الإسلامية القومية إنقلاباً على الحكومة في يونيو 1989. ومنذ ذلك الوقت، خضعت الإدارة الأهلية لتعديلات هيكلية وإلزامية لتتماشى مع الأيديولوجية الإسلامية للدولة. في عام 1995، تم تعديل وظيفة الإداريين المحليين ليكونوا بمثابة قادة دينيين لكل مجموعة إثنية، و صارت لهم مهام للتعبيئة الدينية و السياسية و حشد و إعداد الشباب للجهاد (Abdu- Jalil, et al, 2007).

لقد طبق السودان، أكثر من العديد من الدول الأفريقية، العديد من أشكال الحكم المحلي. وترتبط هذه الظاهرة في الغالب بميل الحكومة المركزية للتلاعب بالنظام لتحقيق أهداف سياسية، بدلاً من نية صادقة لتلبية احتياجات السكان المحليين و تحقيق التنمية المستدامة و السلام الشامل.

عقب توقيع اتفاقية جوبا للسلام في السودان في أكتوبر 2020، اتفق الاطراف على إنشاء إقليم خاصة لدارفور، ضمن النظام الفيدرالي. و بعد تعيينه مباشرةً، أعاد حاكم إقليم دارفور تأسيس الإدارة الأهلية كجزء من هيكل الحكم الإقليمي، وأصدر قانون الإدارة الأهلية في عام 2022. تنص المادة 8 من قانون الإدارة الأهلية في إقليم دارفور لعام 2022 على اختصاصات الإداريين المحليين في نطاق اختصاصهم الجغرافي (NALDR, 2022) .

السلطات التشريعية للإدارة الأهلية:

يُعدّ النظام الفيدرالي أفضل نهج دستوري لاستيعاب المؤسسات التقليدية وزعماء القبائل وممثلي المجتمع المحلي في نظام الحكم. يوفر النظام الفيدرالي مستويات للحكم المحلي تكون القيادة فيه و التشغيل للكوادر المحلية. و التصميم الدستوري المبدع من شأنه ان يجعل من النظام الفيدرالي منهج ديمقراطي يضمن مشاركة واسعة لزعماء القبائل في المجالس و الهيئات التشريعية على مستويات الحكم الفيدرالي.

في البداية، أنشأت الحكومة الاستعمارية مجالس استشارية ومجالس محلية في السودان عام 1944، لتنظيم شؤون المناطق. وكان للإدارة الأهلية اليد العليا في رئاسة هذه المجالس وشغل معظم مقاعدها (El-Battahani & Gadkarim, 2017). قصد من هذه خطوة تحقيق العديد من الاهداف السياسية و الادارية، و من بين تلك الاهداف السياسية كان إشراك السودانيين في حكم بلادهم و تخفيف التوتر بين المواطنين و القوى الاستعمارية. وتزامن تشكيل المجلس التشريعي الاول في عام 1948 مع ظهور الأحزاب السياسية وإنتشارها في الساحة السياسية. و قبل المجلس التشريعي، كان الادارة البريطانية قد كونت المجلس الاستشاري و الذي كانت للزعامات القبلية الحظوة الاكبر في التمثيل داخل المجلس الاستشاري، ثم جاءت فكرة المجلس التشريعي لتوسيع نطاق مشاركة السودانين في رسم السياسات العامة. و ملخص التجربتين أن الادارات الاهلية كانت تحظى بتمثيل قوى داخل تلك المؤسسات الاستشارية في ظل حكومة الاستعمار (El-Battahani & Gadkarim, 2017). ومن الاضافات التي جاء بها تشكيل المجلس التشريعي في عام 1948 إنه ساهم في إفساح المجال للخريجين الجدد والمتعلمين من خارج قيادة الإدارة الأهلية ليكونوا جزءًا من مؤسسات الحكم في الدولة. وكان تشكيل المجلس التشريعي أول مؤسسة لصياغة السياسات العامة في الدولة بقيادة شخصيات سودانية بالكامل. وكان المجلس أول تعبير عن الاستقلال الوطني للسودان وكان مؤشرًا على استقلال السودان عن مصر. وبالتالي، كان المجلس التشريعي ملتقى الحكام والسياسيين السودانيين ورمزًا لسيادتهم الناشئة. في عام 1950، كان لدى المجلس التشريعي 90 عضوًا، وشكلت مقاعد زعماء القبائل 20 من إجمالي مقاعد المجلس التشريعي (Eleiw, 2015).

السلطات القضائية – المحاكم الشعبية:

تُعدّ أثينا القديمة من أبرز التجارب العالمية في دمج القضاء التقليدي والعرفي، وتوظيف زعماء القبائل للفصل في القضايا بين الأفراد أو بين الجماعات المحلية (Abdul-Jalil,1985). وقد أنشأت أثينا نظامًا للمحاكم الشعبية، و إعتنت بها، حيث بدت هذه المحاكم أكثر ميلًا إلى مراعاة مصالح المواطنين العاديين و تفهماً لمشاكلهم. ويُجادل البعض بأن مفهوم المحاكم الشعبية مرتبط بالديمقراطية الأثينية و التي في ظلها تتخذ وظيفة القاضي مفهوماً سياسياً، و ذلك لتعزيز المشاركة الشعبية و تعميق الديمقراطية في البلاد (Cammack, 2022).

تنص المادة ٦٨ من قانون الإجراءات الجنائية السوداني لعام ١٩٩١ على صلاحيات أعضاء الإدارة الأهلية. وتتمتع الإدارة الأهلية في هذه المادة، بنفس صلاحيات الشرطة، بما في ذلك اعتقال المشتبه بهم، دون أمر من المدعي العام. ويُعدّ هذا اختصاصًا خطيرًا ينطوي على مخاطر واضحة على حقوق الأفراد. ينص القانون على صلاحيات عضو الإدارة الأهلية لإجراء التحقيقات الجنائية في قضايا القتل أو في حالة العثور على جثة شخص وفي حالات الاشتباه في الانتحار (المادة 52). وعلى الرغم من نص المادة، إلا أننا نلاحظ في الممارسة العملية أن عضو الإدارة الأهلية لا يجري تحقيقات جنائية في المناطق الحضرية (El Nur, n.d.).

في السودان، حددت لائحة المحاكم الحضرية والريفية لعام 2004 الصادرة عن السلطة القضائية في عام 2004 المحاكم الريفية بأنها تلك التي تُنشأ في المناطق الريفية أو المناطق السكنية المحلية الأخرى التي تقع أطراف المدن (El Nur, n.d.). وتشمل شروط أعضاء المحاكم الريفية أن يكون الشخص حسن السيرة والسلوك، ومتعلمًا للقراءة والكتابة، ومقيمًا في المنطقة المعنية، ومؤثرًا في سكان المنطقة الريفية، وملماً بعادات وتقاليد السكان (المادة 5). ومع ذلك، لم تنص شروط تعيين أعضاء المحاكم الريفية على أي كفاءات أو مؤهلات فنية أو أكاديمية أو خبرة تتعلق بالمحاكم والعدالة (المادتان 5 و6). هذا النقص في المؤهلات اللازمة لأعضاء المحاكم الريفية يؤكد الحاجة إلى معايير مهنية في النظام القانوني (Abdul-Jalil,1985). ينص النظام على اختصاص واسع للمحاكم الريفية، والذي يشمل تطبيق القانون الجنائي، باستثناء القضايا المستثناة بموجب القانون، وكذلك تطبيق القانون المدني وأي قانون آخر (المادة 13) – مما يعين هذه المحاكم الأهلية على النظر في القضايا الجنائية وإصدار قرارات السجن لمدة ثلاث سنوات. كان من الأفضل استبعاد القضايا الجنائية من اختصاص المحاكم الشعبية في السودان وإسنادها فقط إلى بعض قضايا الأسرة ونزاعات الأراضي وإجراءات المصالحة قبل التقاضي (Abdul-Jalil,1985).

تم تطبيق نظام الإدارة الأهلية في العديد من البلدان الأفريقية في السياقات الوطنية في فترة ما بعد الاستعمار. و في هذا الاطار، ناقشت مارغري بيرهام Margery Perham، المؤرخة البريطانية والكاتبة في الشؤون الأفريقية، إحدى هذه التجارب بعمق، حيث تناولت في مقالها “الإدارة المحلية في نيجيريا” دور القادة التقليديين في الحكم غير المباشر في نيجيريا بعد الاستعمار، مُسلِّطةً الضوء على نقاط قوته ومزاياه وعيوبه. وأكدت على أهمية فهم المؤسسات المحلية، وتعزيز الحكم الذاتي المحلي المسؤول، وتحقيق التوازن بين التوجيه الأوروبي واستقلالية السكان الأصليين لتطوير هيكل سياسي متماسك وتقدمي (Perham,1936).

و في إطار الاعتراف بالمؤسسات المحلية، و أهمية وضع سياق قانوني لها في إطار تنظيم مؤسسات الحكم، تُؤيد الكاتبة الامريكية، و الباحثة في حقوق الشعوب الاصلية، بروفسير أنجيلا ريلي Angela R. Riley مسألة إدماج المؤسسات القبلية في النظام القانوني لمؤسسات الحكم (Riley, 2007). و تُحلل بروفسير أنجيلا وضعية بعض قبائل الهنود الحمر في النظام القانوني الامريكي، و وجدت بأن الصراعات بين السلطات الحكومية و زعماء تلك القبائل، كان مبعثه في الاساس الرغبة في الاستقلال لدى زعماء القبائل و بينما كانوا يصطدمون بسطوة النظام الدستوري الذي يحكم الدولة، و ركزت في تحليلها بشكل خاص على الحق في المشاركة في الحكم و الحقوق المتصلة باستغلال الموارد، والسلطة القضائية، والحفاظ على التراث الثقافي و إعتبرت تلك الحقوق مدخل لاستدامة السلام في الدولة (Riley, 2007). بناءً على تحليلها إقترحت في دراستها المنشورة في مجلة القانون في جامعة كولمبيا، إلى إعادة التفكير في بناء تصور جديد للمؤسسات الديمقراطية  يقوم على دمج ممارسات المجموعات القبلية في ممارسة الحكم الديمقراطي، باعتماد مستوى افقي لنظام الحكم يعتمد بناء التوافق والإدارة المجتمعية، كبدائل لنماذج الدولة الهرمية. بالإضافة إلى ذلك، تشير في مقالها، إلى نهج جديدد، يشبه نظام الادارة الاهلية في السودان، إذ تدعو إلى الاعتراف الدستوري بأنظمة و إدارات الحكم الموازية، الموجودة اصلاً في البيئآت المحلية، و تحظى بقبول و احترام محلي، و ابلاغ مثال لها المحاكم القبلية التي تعالج موضوعات قانونية معينة، و التي تجد إعتراف و إحترام، بجانب المحاكم الرسمية التي تتبع للسلطة القضائية (Riley, 2007) .

  • قانون السلطات التقليدية في ناميبيا:

تتمتع جمهورية ناميبيا بنظام حكم ديمقراطي مستقر بموجب دستور ناميبيا لعام ١٩٩٠ (المُعدّل عام ٢٠١٤) (Constitution of Namibia, 1990)؛ إلا أن إشراك الجماعات القبلية الأصلية في نظام الحكم الوطني شكّل تحديًا نظرًا لقلة عدد سكانها. وكما ورد في تقرير المقرر الخاص المعني بحقوق الشعوب الأصلية، جيمس أنايا James Anaya، فإن المشهد السياسي في ناميبيا يهيمن عليه حزب منظمة شعب جنوب غرب أفريقيا، الذي يُنظر إليه على أنه حزب يمثل جماعة “أوامبو””Owambo”  العرقية، التي تُشكّل جزءًا كبيرًا من السكان.

أنشأ المشرعون الناميبيون إطارًا قانونيًا هامًا لتنظيم الجماعات القبلية والأصلية من خلال قانون الهيئآت التقليدية لسنة 2000 “Traditional Authorities Act, 2000 ” (القانون رقم ٢٥ لعام ٢٠٠٠). يُمكّن هذا القانون المجتمعات القبلية من السعي للحصول على اعتراف الدولة بقيادتها التقليدية، مما يُضفي طابعًا رسميًا على دورها في نظام الحكم الوطني. تُعرَّف “المجتمعات التقليدية” بأنها مجموعات تشترك في أصول ولغة وثقافة مشتركة وتسكن نفس المنطقة (Chlouba, 2019). وبموجب قانون الهيئآت التقليدية، تعترف الدولة بالقبائل كسلطات تقليدية، مسؤولة عن إدارة مجتمعاتها وأقاليمها، وتطبيق القوانين العرفية، وتلتقي التمويل الحكومي (Chlouba, 2019) . ويخضع قادة هذه الهيئآت للمساءلة أمام وزير الحكم الإقليمي والمحلي، الذي يتمتع بسلطة تقديرية كبيرة في رصد أنشطتهم وتقييمها. وقد أثار هذا التقدير الواسع تساؤلات حول شرعية القادة المعترف بهم، وخاصة أولئك المتحالفين مع الحزب السياسي الحاكم (Chlouba, 2019).

وعلى الرغم من عدم انضمام ناميبيا إلى اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن الشعوب الأصلية والقبلية في البلدان المستقلة، فقد صوَّتت على اعتماد إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية. في تقريره، ذكر المقرر الخاص المعني بحقوق الشعوب الأصلية، جيمس أنايا، أن دراسة الحكومة للتصديق على هذه المعاهدة تُبرز التزامها بدعم حقوق الشعوب الأصلية والقبلية (Rights of Indigenous and Tribal Peoples, 2013).

  • مجلس الأعيان في بوتسوانا:

يكفل دستور بوتسوانا لعام 1966 (المُراجع عام 2016) (Botswana  Constitution, 1966)، نظام ديمقراطي يكون فيه لجميع المواطنين البتسوانيين، بغض النظر عن انتمائهم القبلي، الحق في التصويت والمشاركة في العمليات السياسية. ومع ذلك، فإن العوامل الاجتماعية والاقتصادية والتهميش التاريخي، المتجذر في ماضي البلاد، يحول دون مشاركة الجماعات الأصلية غير المهيمنة في إدارة المقاطعات (Flaherty, 2016).

ينص دستور بوتسوانا على مجلس الأعيان  House of Chiefs ، وهو هيئة تُقدم المشورة للجمعية الوطنية والسلطات التنفيذية بشأن القضايا المتعلقة بقبائل بوتسوانا. يلعب مجلس الاعيان دورًا هامًا في إدارة شؤون البلاد (Lydia, 2008)، لا سيما في المسائل المتعلقة بالقبائل المختلفة وأنظمتها التقليدية (Flaherty, 2016). تنص المواد 77-79 من دستور عام 1966 على حقوق دستورية لمختلف القبائل العرقية في بوتسوانا، مشددةً على أنه في حين يضمن الدستور الحقوق الفردية، إلا أنه يُفضل بشكل غير متناسب القبائل الثماني الناطقة بالستسوانا Setswana-speaking tribes. يُمنح شعب السان San (البوشمن Bushmen)، إلى جانب مجموعات الأقليات الأخرى، تمثيلًا محدودًا، وتُفرض قيود فريدة على حركتهم بهدف حماية رفاهيتهم. تهدف الجهود الأخيرة لتعديل الدستور إلى معالجة هذه التفاوتات من خلال اقتراح إطار قبلي أكثر حيادية (Lydia, 2008). اعتمدت بوتسوانا إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية. بوتسوانا ليست طرفاً في اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن الشعوب الأصلية والقبلية في البلدان المستقلة، 1989 (رقم 169) (Flaherty, 2016).

6-  الاستنتاجات:

أظهرت الأنظمة القبلية في مختلف الدول الأفريقية مرونةً ملحوظة، و إستطاعت تتعايش مع كل التطورات في أنظمة الحكم، منذ الحكم الاستعماري و الى الحكم الوطني. و قد تم تكليفها في معظم التجارب الافريقية بحل النزاعات البسيطة وحماية الثقافة و التراث المحلي، إلا أن وضعها الدستوري، لم يتم تأسيسه ليكون ضمن منظومة الحكم. زعماء القبائل ضروريون ويجب الاعتراف بهم ، لانهم يتمتعون بالاعتراف الشعبي. يلعب زعماء القبائل التقليديون دورًا حاسمًا في المجتمعات الريفية من خلال تعزيز التنمية المجتمعية وتشجيع المشاركة في مبادرات السلام و التعايش المشترك. لذا كان من الضروري الاعتراف بالمؤسسات التقليدية في الدستور على غرار السلطات المحلية، مما يعزز التعاون بين مؤسسات المجتمع ونظام الحكم المحلي مع منع تضارب الالتزامات، ويخدم في نهاية المطاف مصالح المجتمع.

و من خلال رصد التطور التاريخي للقبائل في إفريقيا، يتميز دور دورها بالديناميكية والتطور، لا سيما خلال الفترات الاستعمارية وما بعدها. في التجارب الأفريقية التي تناولتها هذه الدراسة، لا تزال السلطة التقليدية قائمة كمصدر شرعي للتنظيم في المناطق الريفية، حيث تكيف وظائفها مع السياسات الحكومية المتباينة لمختلف البلدان. كانت الإدارة الأهلية محاولةً لتحديث دور المؤسسات التقليدية في نظام الحكم ما بعد الاستعمار. مع الاعتراف بإنجازات الادارة الاهلية، يحذر علماء مثل مارجري بيرهام من الإفراط في التنظيم والإدارة السطحية والتنمية غير المتكافئة للنخب المتعلمة، مؤكدة على الحاجة إلى رؤية طويلة المدى وسياسة حذرة تركز على تطور الإنسان و استقراره و تخطط للتقدم الديمقراطي (بيرهام، 1936).

يُعد زعماء القبائل التقليديون ضروريين في المجتمعات الأفريقية. وكما أكد البروف عطا البطحاني  و جاد كريم ، فإن اللامركزية في السلطة، كما تظهر في النصوص الدستورية، تُمكّن المجتمعات القاعدية من اتخاذ القرارات والالتزام باللوائح. تتعلق هذه العملية بالمشاركة النشطة لمختلف المؤسسات وممثلي المجتمع. لزعماء القبائل دور حاسم في ضمان أن تكون عملية اللامركزية فعالة ومفيدة للجميع. لذلك، لا يمكن تحقيق إطار دستوري ديمقراطي في أفريقيا، مع تمثيل عادل للمؤسسات المجتمعية، دون مشاركتهم النشطة.

شاركت القبائل بشكل مباشر أو غير مباشر في معظم الحروب الأهلية في أفريقيا. يتطلب الانتقال السياسي المستقبلي السلس نحو السلام والديمقراطية في القارة تحليلاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً معمقاً. ويُعدّ إشراك القبائل في النظام الدستوري الديمقراطي ضرورياً لتعزيز السلام والاستقرار السياسي في أفريقيا من خلال توسيع نطاق تمثيل الشعب.

أكد فرانسيس دينغ (2008) أن الدراسة الشاملة للوضع الأفريقي تكشف عن أفكار تُعالج الصعوبات بكفاءة وتُقدّم حلولاً للأفارقة في تطوير نظامهم السياسي بما يُسهم في تقدم القارة، بدلاً من التوافق مع النموذج الأوروبي. ويُجادل دينغ بأن النموذج الأوروبي لا يُعالج البيئة الأفريقية بشكل كافٍ، ويتجاهل إدارة التنوع والأساليب المناسبة للتمثيل السياسي في تطوير العملية الديمقراطية.

المراجع:

Abdul-Jalil, M. A., Mohammed, A. A., & Yousuf, A. (2007). Native administration and local          governance in Darfur: Past and future. In A. De Waal (Ed.), War in Sudan and search      for         peace (pp. 39 – 67). Global Equity Initiative, Harvard University.

Abdul-Jalil, Musa Adam. (1985) “From Native Courts to People’s Local  Courts: The Politics      of           Judicial              Administration in Sudan”. Verfassung Und  Recht in Ubersee        (Law and Politics in    Africa, Asia      and Latin America)  18/2 : 139 – 152.

Act of the Native Administration in Darfur Region 2022.

Bekker, J.C. (1991) Tribal government at the crossroads, Africa Insight, Journal Article, volume 21,        pages 126-132.

Bekker, J.C. (1993). The Role of Chiefs in a Future South African Constitutional               Dispensation. Africa insight, 23, 200-204.

Cammack, Daniela, The Popular Courts in Athenian Democracy (June 9, 2022). Journal of         Politics,             Available at SSRN: https://ssrn.com/abstract=3587081 (or)               http://dx.doi.org/10.2139/ssrn.3587081

Chlouba, Vladimir (2019) “Traditional authority and state legitimacy: Evidence from     Namibia”          Working Paper No. 183. AFRO Barometer.               https://www.afrobarometer.org/publications/?field_publication&current-page=105

Choi, J. (2008). The Political Origins of Zulu Violence during the 1994 Democratic Transition         of South            Africa. Journal of International and Area Studies, 15(2), 41–54.  http://www.jstor.org/stable/43107173

Chothia, Farouk (2021), “Ethiopia’s Tigray conflict: How the TPLF has outflanked the army”         Report:              BBC News, 17 November 202. https://www.bbc.com/news/world africa-59288744

Constitution of the Federal Democratic Republic of Ethiopian 1995, Article 47.                              https://www.constituteproject.org/constitution/Ethiopia_1994

Convention No. 107, the Indigenous and Tribal Populations Convention, 1957 (Convention    No. 107)            https://normlex.ilo.org/dyn/nrmlx_en/f?p=NORMLEXPUB:12100:0::NO::P12100_IL             COD    C107

Convention No. 169, Indigenous and Tribal Peoples Convention, 1989 (Convention No. 169)              https://www.ilo.org/resource/convention-169-and-international-day-worlds       indigenous      people

DRTD: Declaration on the Right to Development, New York, 4 December 1986.               https://www.ohchr.org/en/instruments-mechanisms/instruments/declaration-right            development

Deng, Francis (2008) “Identity, Diversity, and Constitutionalism in Africa”, United States  Institute of       Peace Press. Washington, D.C.

El Nur, M. I. The Role of the Native Courts: in the Administration of Justice in the Sudan on          JSTOR. Sudan Notes and Records, 78. https://doi.org/41716955.

El-Battahani, A. El-Hassan & Gadkarim, A. Hassan,(2017). Governance and Fiscal  Federalism in Sudan, 1989–2015: Exploring Political and Intergovernmental Fiscal       Relations in an             Unstable Polity. Bergen: Chr. Michelsen Institute (Sudan Report  SR 2017:1)

Eleiw, M. Eisa (2015) Native Administration from Cradle to Grave: A Study of Native Administration              and its Development from 1922-1970. Sudan Currency Printing        Press.

Flaherty, A. F. (2016). Indigenous Land Rights and Self-Determination in Botswana.       Indigenous      Policy Journal, 27(1), 1-13. Available at:               https://scholarworks.merrimack.edu/pol_facpub/17

Ghai, Yash, “The Theory of State in the Third World and Problematics of Constitutionalism,”   in,          “Constitutionalism and Democracy: Transitions in the Contemporary World,”    edited by          Douglas Greenberg, Stanley N. Katz, Steven C. Wheatley, Melanie              Beth Oliviero. New York,         Oxford University Press, 1993.

Human Rights Watch (Report) “Darfur Destroyed: Ethnic Cleansing by Government and         Militia  Forces in Western Sudan”, May6, 2004.                https://www.hrw.org/report/2004/05/06/darfur-destroyed/ethnic-cleansing         government    and-militia-forces-western-sudan

ICCPR: International Covenant on Civil and Political Rights, New York, 16 December 1966,         United Nations.            https://www.ohchr.org/en/instruments               mechanisms/instruments/international-covenant             civil-and-political-rights

ICESCR: International Covenant on Economic, Social and Cultural Rights, New York, 16             December 1966,         United Nations.https://www.ohchr.org/en/instruments               mechanisms/instruments/international-covenant-economic-social-and-cultural              rights

Juma, Calestous “How tribalism stunts African democracy”. BBC (Viewpoint),Published: 27     November 2012. https://www.bbc.com/news/world-africa-20465752

Koch, Bettina & Nag, Eva‐Maria (2023) Debating Conflict, war and revolution: Introduction    to the   special section, Global Policy, 10.1111/1758-5899.13304, 14, 5, (742-745).             https://doi.org/10.1111/1758-5899.13198

Lienhardt, G. (1982). The Sudan: Aspects of the South Government among Some of the   Nilotic Peoples, 1947-52. Bulletin (British Society for Middle Eastern Studies), 9(1), 22–34. http://www.jstor.org/stable/194656

Lloyd, Cyrus, (2019). “The Effect of Tribalism on Political Parties” Independent Study Project  (ISP)     Collection. 3154. https://digitalcollections.sit.edu/isp_collection/3154

MRGI: Minority Rights Group International, State of the World’s Minorities 2008 – Botswana,       11March 2008,               https://www.refworld.org/reference/annualreport/mrgi/2008/en/60764               [accessed 11 December 2024]

Nabudere, Dani (n.d.) traditional and modern political systems in contemporary               governance in Africa. Electoral Institute for Sustainable Democracy in Africa. https://www.eisa.org/pdf/JAE3.1Nabudere.pdf

Native Administration Law in the Darfur region, 2022.               https://www.darfur24.com/en/2022/07/28/darfur      govt-approves-the-native            administration-act-in-the        region/#:~:text=Darfur%20Govt%20approves%20the%20Native%20Administration%2        Act,cit %20approved%20today%2C%20Thursday%2C%20the%20civil%20administration

Nyati-Ramahobo, Lydia (2008) Minority Tribes in Botswana: the Politics of Recognition.   Minority             tribes in Botswana: the politics of               recognition.  www.minorityrights.org

Odesomi, Omowumi (2023), Ethnic and tribal dynamics in African politics: Effects on         National            Harmony – African Leadership Magazine.               https://www.africanleadershipmagazine.co.uk/ethnic-and-tribal-dynamics-in   african               politics-effects-on-national-harmony/

Perham, M. (1936). Native administration in Nigeria. Oxford University Press.

Peter Anyang’ Nyong’o , & Karugu, C. (2023). CODESRIA Bulletin Online, No. 5, April 2023        Tribe and          Tribalism in Kenya’s Politics. CODESRIA Bulletin. Retrieved from             https://journals.codesria.org/index.php/codesriabulletin/article/view/4720

Pinaud, C. (2021). War and Genocide in South Sudan. Cornell University Press.               http://www.jstor.org/stable/10.7591/j.ctv310vknw

Raphael Koba Badal (1977) British Administration in Southern Sudan, 1900 – 1956, A study in           Colonial Neglect. Thesis Submitted for Degree of Doctor of Philosophy in the        University of    London, 1977. https://doi.org/10.25501/SOAS.00029707

Regulations of Urban and Rural Courts in Sudan, 2004. https://reliefweb.int/report/sudan/120 rural-court      judges-trained-techniques-mediation-disputes-darfur

Report of the Special Rapporteur on the Rights of Indigenous Peoples, James Anaya, about  Indigenous Peoples in Namibia. United Nations | General Assembly, 25 June 2013,  A/HRC/24/41/Add.1, Human Rights Council Twenty-fourth session.           https://uhri.ohchr.org/en/document/f8d7fa7d-a630-4d67-9f64-606e6b62463c

Report of the Special Rapporteur on the Situation of Human Rights and Fundamental Freedoms of   Indigenous People, James Anaya, 2 June 2010               https://www.ohchr.org/en/press       releases/2010/02/diversity-participation-and        redress-historical-wrongs-key-issues           botswanas

Riley, A. R. (2007). Good (Native) Governance. Columbia Law Review, 107(5), 1049–1125.     http://www.jstor.org/stable/40041744

Rolandsen, Øystein H. (2011) The Making of the Anya-Nya Insurgency in the Southern          Sudan, 1961   64, Journal of Eastern African Studies 5 (2): 211–232.

Taylor, Ian, ‘Pre-colonial political systems and colonialism’, African Politics: A Very Short        Introduction, Very Short Introductions (Oxford, 2018; online edn, Oxford Academic,           27 Sept.          2018), https://doi.org/10.1093/actrade/9780198806578.003.0002, accessed 5 Dec. 2024.

The Constitution of the Republic of Botswana 1966 (rev. 2016).               https://www.constituteproject.org/countries/Africa/Botswana.

The Constitution of The Republic of Namibia 1990 (rev. 2014).         https://www.constituteproject.org/constitution/Namibia_2014#:~:text=The%20Re    ublic% 0of%20Namibia%20is,democratic%20institutions%20of%20the%20State.

Act No. 25 of 2000: Traditional Authorities Act in Namibia, 2000.               https://ictpolicyafrica.org/en/document/sfchaxjj8rg?searchTerm=right&page=1   Universal Declaration of      Human Rights, Paris, 10 December 1948. https://www.ohchr.org/en/universal-declaration-of      human-rights

Venter, A.L.J. (2015). Biafra’s War 1967-1970: Tribal Conflict in Nigeria That Left a Million Dead.  Helion and Company Limited, England. https://www.helion.co.uk/military   history books/biafra-the-nigerian-civil-war-1967-1970-2.php.

عن المؤلف:

الدكتور سامي عبد الحليم سعيد، خبير دستوري سوداني، ومحاضر في القانون العام، ومؤلف، يتمتع بخبرة واسعة في مجاله. يُدرّس سامي حاليًا حقوق الإنسان ضمن برنامج الماجستير في المعهد الإقليمي للنوع الاجتماعي والتنوع والسلام والحقوق بجامعة الأحفاد للبنات (السودان). يشغل الدكتور سعيد منصب نائب رئيس الشبكة الأفريقية للمحامين الدستوريين. عمل الدكتور سامي مع الأمم المتحدة في إدارة عمليات حفظ السلام (UN-DPKO) كمستشار قانوني في مكتب الممثل الخاص للأمين العام لمدة 15 عامًا، ومديرًا قطريًا للمعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية (IDEA) في السودان لمدة 4 سنوات. للدكتور سعيد دورٌ فاعل في بناء الدستور في البيئات الانتقالية. نُشرت أعماله الاكاديمية في منصات دولية مرموقة و أجرى أبحاثًا حول قضايا متنوعة تتعلق بالدستورية في المراحل الانتقالية، وبناء الديمقراطية في بيئات ما بعد الصراع، ومشاركة المرأة في بناء الدستور، ودور المؤسسات العسكرية في التحول الديمقراطي.

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطي العربي

مؤسسة بحثية مستقلة تعمل فى إطار البحث العلمي الأكاديمي، وتعنى بنشر البحوث والدراسات في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية والعلوم التطبيقية، وذلك من خلال منافذ رصينة كالمجلات المحكمة والمؤتمرات العلمية ومشاريع الكتب الجماعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى