المسؤولية الدولية الناتجة عن الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الصحفيين في عدوانها على غزة
اعداد : تغريد صفي الدين عزيز الدين الحداد – ماجستير علوم السياسية – إشراف : د. هشام بشير – كلية السياسة والاقتصاد – جامعة بني سويف – مصر
- المركز الديمقراطي العربي
مقدمة:
الصحافة هي أحد السلطات ذات الطابع الشعبي التي تمارس عملها بحرية، وتساهم في تهيئة البيئة الملائمة للارتقاء بالمجتمع من خلال المعرفة المستنيرة، وطرح أفضل الحلول المقترحة على نحو يدعم مصالح الوطن والمواطنين بالتعبير عن اتجاهات الرأي المتباينة والمساهمة في تكوين الآراء من خلال حرية التعبير وحرية النقد ونشر الأخبار، وذلك كله يتم في إطار المقومات المهة للمجتمع والقانون السائد فيه.
وللصحفيين حقوق متعرف عليها مثل حق الصحفي في الحصول على المعلومات؛ حيث أن هذا هو جوهر عمله، وكنتيجة للتطور الذي يمر به العالم اليوم بفضل العولمة وتطور وسائل الاتصال تطور عمل الصحفي ليحصل على المعلومة من مصادرها الصحيحة في كافة الظروف في الحرب والسلام.
عل الرغم من أن وظيفة الصحفي في أوقات الحروب تكون أكثر حساسية وصعوبة، فإن الآلات المستخدمة في الحرب لا تفرق بين المدنيين ولا بين صغير وكبير ولا بين رجل وامرأة، وصار المدنيون يشكلون العدد الأكبر من ضحايا الحروب، ويستمر التأكيد على عدم مشروعية استهداف الصحفيين بالاستناد على الحماية المقررة في القانون الدولي.
ومن الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيين في النزاعات المسلحة المساس به بأي شكل من الأشكال؛ واء المساسا بجسده أو كرامته مثل تعرضه للاغتيال والضرب والتعذيب والاغتصاب، فضلاً عن الانتهاكات ذات الطابع المعنوي مثل التهديد بارتكاب أياً من الانتهاكات المادية بشأنه، والانتهاك الأكبر في حقه هو منعه من مزاولة عمله الصحفي ومصادرة معداته.
إشكالية البحث:
إن القانون الدولي قد كفل حقوق الصحفيين انطلاقاً من الإيمان بجهودهم في تغطية الأحداث خاصة في فترات النزاعات المسلحة، وهذا ما تم انتهاكه في العدوان الإسرائيلي على غزة، ومن هنا يُثار تساؤل هام ورئيسي مؤداه: ” ما هي المسؤولية الدولية الناتجة عن الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الصحفيين في عدوانها على غزة؟”
خطة البحث:
يتم تقسيم البحث لعدد من المباحث والتي تُصنف بدورها لعدد من المطالب كالتالي:
- المبحث الأول: حماية حقوق الصحفيين طبقاً للقانون الدولي.
- المبحث الثاني: الانتهاكات الواقعة على الصحفيين خلال النزاعات المسلحة.
- المبحث الثالث: المسؤولية الدولية عن انتهاك حقوق الصحفيين في غزة.
المبحث الأول
حماية حقوق الصحفيين طبقاً للقانون الدولي
تُعرف “الصحافة” في الفقه القانوني على أنها “كل مطبوع يتم صدوره باسم موحد بشكل دوري وفي مواعيد محددة ومنظمة وقد تكون بطريقة غير منظمة طالما وُجدت صفة الدورية، ويتم التعبير بطريقة الكتابة أو الإلقاء الصوتي والصورة.[1]
وتم تعريف الصحفي بأنه كل مخبر أو مراسل أو مصور أو محقق والمساعدين الفنيين في الراديو والتلفزيون والصحف، والذين يمارسون هذا النشاط كوظيفة أساسية.
والقاعدة العامة في حماية حقوقو الصحفيين هي حمايتهم كأفراد مدنيين، وقد خصهم القانون بتلك الحماية في العديد من البروتوكولات والاتفاقيات على الصعيد الدولي مثل النص على حمايتهم في اتفاقيتي جنيف ولاهاي كالتالي:[2]
- اتفاقية لاهاي 1899
هي عبارة عن عدد من الاتفاقيات التي أقرتها مؤتمرات السلام، فقد انبثق عن مؤتمر لاهاي 1899 (3) اتفاقيات دولية، تختص الأولى بحل النزاعت بشكل سلمي، والثانية تهتم ببيان قوانين ومبادئ الحرب البرية، أما الاتفاقية الثالثة فتختص ببيان قوانين الحرب البرية بالإضافة إلى لائحة تشتمل على (60) مادة وهي “لائحة الحرب البرية.[3]
وقد كرست اتفاية لاهاي لحماية الصحفي الذي يصاحب القوات المسلحة على شرط أن تعطيه الهيئة المسلحة في الجيش تصريح بذلك، ولهذا السبب نصت المادة رقم (13) من اللائحة الخاصة بقوانين ومبادئ الحرب البرية على منح الصحفي الذي يرافق القوات المسلحة دون أن يكون في الواقع جزء منها أن تتم معاملتهم كأسرى حرب.[4]
المبحث الثاني
الانتهاكات الواقعة على الصحفيين خلال النزاعات المسلحة
النزاع المسلح هو أي نزاع يكون أطرافه دول، أو دولة واحدة ضد حركات التحرر الوطني المعترف بها، وذلك كما أشارت المادة رقم (1) من البروتوكول الأول المضاف لاتفاقية جنيف لعام 1949.[5]
تبرز على الساحة الدولية نزاعات وحروب بشكل شبه مستمر ويصاحب تلك الحروب والنزاعات دمار وخوف وموت، وقد تم طرح العديد من التساؤلات التي دارت حول مدى وجود ضوابط محددة تحكم سلوك الأطراف الداخلة في النزاع؛ بالرغم من كون تلك الضوابط شيء مؤكد بالفعل، فقد تم النص عليها في القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة؛ فضلاً عن قانون الحرب الذي اهتم بوضع ضوابط وحدود تحكم سلوك الأطراف المتنازعة أو المتحاربة.[6]
إلا أن تلك الضوابط يتم انتهاكها خلال الحرب، ومنها حقوق الصحفيين التي يتم انتهاكها أثناء النزاعات والتعدي عليهم بأبشع الطرق، ومن الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيين:[7]
- انتهاكات ذات طابع معنوي
وهي الانتهاكات التي تمس الصحفيين بصورة مباشرة فلا ينتج عنها أضرار مادية ملموسة، ولكن يتمثل ذلك في الأضرار النفسية ذات الطابع المعنوي مثل:
- التهديد: ويشتمل التهديد على التوعد بارتكاب اعتداءات مادية مثل الاختطاف والقتل والتعذيب… إلخ، أيضاً التهديد بالحبس والاعتقال ومصادرة معداتهم ومنعهم من تغطية الأحداث وملاحقتهم مما ينشر الخوف والرعب بين الصحفيين ويؤثر بالسلب على عملهم خلال النزاعات والذي يتسم بالخطورة الشديدة.
- انتهاكات ذات طابع مادي
وهي الانهاكات التي تقع على جسد الصحفي والتي تمثل انتهاك لحرمة جسده وقد يؤدي هذا التعدي إلى إنهاء حياته، والانتهاكات المادية تكون كالآتي:
- انتهاكات بإنهاء الحياة: لقد إزدادت مؤخراً نسبة الصحفيين الذين لقوا حتفهم خلال القيام بعملهم الصحفي مثل مقتل الصحفية “شيرين أبو عاقلة” أثناء تأدية عملها، وهذا ما يدل على زيادة العنف المتعمد ضد الصحفيين من ناحية وفشل المبادرات والقوانين التي كفلت حقوق الصحفيين وحمايتهم.
- انتهاكات بالتعدي على حرمة الجسد: وهذا ما يتمثل في الانتهاكات الجسمانية مثل الضرب والجرح والاغتصاب.
- انتهاكات بالتعدي على الحريات وتقييد العمل الصحفي: فإن الصحفيين من أكثر الفئات المدنية المُعرضة للاعتداء أثناء النزاعات المسلحة، حيث أن طبيعة عمله تفرض عليه الاقتراب من مناطق النزاع لتغطية الأحداث في ساحات القتال، ومن الانتهاكات هنا “القبض على الصحفيين بدون أسباب منطقية.
المبحث الثالث
المسؤولية الدولية عن انتهاك حقوق الصحفيين في غزة
لقد تعرض الصحفيين في العدوان على غزة للعديد من الاعتداءات، ولم تكتفي إسرائيل بذلك ولكنها اتجهت للتحريض على الصحفيين في دعوة لاستهدافهم وقتلهم هم وأسرهم منذ “طوفان الأقصى” فعلى سبيل المثال ما حدث مع الصحفي “مثنى النجار” الذي يعد من أوائل الصحفيين الذي تم التحريض ضدهم ولم يتوقف الأمر عند ذلك ولكن تم استهداف منزله ومنزل عائلة زوجته في الأسبوع الأول من الحرب.[8]
ولم تكف إسرائيل عن انتهاك حرية الصحافة في غزة وقد تم إدانة إسرائيل من قِبل العديد من الجهات الدولية وتناولت العديد من التقارير قصص التعدي على الصحفيين في قطاع غزة مثل “وائل الدحدوح” الذي فقد عائلته أثناء القصف وتعرض لهجوم من طائرة بدون طيار تم على أثره اغتيال زميله، ووفقاً لتقرير تم نشره من لجنة حماية الصحفيين في يناير 2024 أنه قد تم اغتيال 83 صحفياً منذ 7 أكتوبر 2023 حتى 2 مايو 2024، وأكد المعهد الدولي للصحافة أن أغلب حالات القتل هذه كانت مقصودة متعمدة، فضلاً عما يتجاوز 350 صحفي في السجون الإسرائيلية وهذا ما يعد انتهاك لقوانين الحرب.[9]
فقد جاءت نصوص القانون الدولي مُشيرة بشكل صريح إلى تجريم الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيين، حيث نصت على ذلك اتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1949 والبروتوكولين الإضافيين لسنة 1977 على اعتبار تلك الانتهاكات بمثابة جرائم حرب.[10]
كما يعرف النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية جرائم الحرب على أنها “الانتهاكات الخطيرة للأعراف والقوانين التي تسري على النزاعات الدولية المسلحة، والانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي وللقواعد السارية على النزاعات المسلحة ذات الطابع غير الدولي”.[11]
وانطلاقاً من كون الصحفيين أشخاص مدنيين لهم الحماية المقررة للمدنيين، وخاصة بكون وظيفتهم تجعلهم أكثر عرضة للاعتداء، فقد أكد البروتوكول الأول الذي تم إلحاقه باتفاقيات جنيف الأربع في المادة رقم (85) وتحديداً في الفقرة الخامسة التي أشارت إلى أن أي اعتداء موجه ضد الصحفيين على اعتبار أنهم مدنيين أو اعتداء موجه ضد مقرات الصحافة على اعتبارها أعيان مدنية يدخل في نطاق جرائم الحرب.[12]
وهذا ما يستوجب قيام المسؤولية الدولية عن تلك الاعتداءات التي تعتبر جرائم حرب ومحاكمة مرتكبي هذه الانتهاكات والذي يعتبر ضرورة لا يمكن التنصل منها بأي شكل، وهو ما ينطبق بالفعل على الانتهاكات الجسيمة التي تعرض لها الصحفيين في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة من اختطاف وتعذيب وقتل وتهديد وجرائم بشعة.
خاتمة:
لقد ركزنا في هذه الدراسة المختصرة على مسألة حماية حقوق الصحفيين خلال النزاعات المسلحة في ظل ما أقره القانون الدولي، وهذا بإلقاء الضوء على انتهاك حقوق الصحفيين في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وبيان المسؤولية الدولية الناتجة عن تلك الانتهاكات.
المراجع:
- السيد عتيق، المندوب الصحفي البرلماني: دراسة جنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 2002.
- مفيد عبد الجليل الصلاحي، حماية الصحفيين أثناء النزاعات المسلحة في ضوء القانون الدولي الإنساني، المؤتمر العلمي الرابع للإعلام والقانون، كلية الحقوق، جامعة طنطا، 23- 24 أبريل 2017.
- عمر سعد الله، تطور تدوين القانون الدولي الإنساني، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، 1997.
- رائد موسى، لم تكتف باستهدافهم وعائلاتهم .. إسرائيل تحرض عالمياً ضد صحفيي غزة، الجزيرة نت، 11 نوفمبر 2023، متاح على الرابط التالي https://www.ajnet.me
- إليني بوليمينوبولو، تكميم الأفواه في فلسطين تهديد لحرية الإعلام، كلية القانون، جامعة حمد بن خليفة، 2 مايو 2024، متاح على الرابط التالي https://www.hbku.edu.qa
[1] السيد عتيق، المندوب الصحفي البرلماني: دراسة جنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 2002، ص40.
[2] مفيد عبد الجليل الصلاحي، حماية الصحفيين أثناء النزاعات المسلحة في ضوء القانون الدولي الإنساني، المؤتمر العلمي الرابع للإعلام والقانون، كلية الحقوق، جامعة طنطا، 23- 24 أبريل 2017، ص 13.
[3] عمر سعد الله، تطور تدوين القانون الدولي الإنساني، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، 1997، ص 41.
[4] مفيد عبد الجليل الصلاحي، حماية الصحفيين أثناء النزاعات المسلحة في ضوء القانون الدولي الإنساني، مرجع سابق، ص 14.
[5] مفيد عبد الجليل الصلاحي، المرجع السابق، ص 20.
[6] مفيد عبد الجليل الصلاحي، المرجع السابق، ص 22.
[7] مفيد عبد الجليل الصلاحي، المرجع السابق، ص 23.
[8] رائد موسى، لم تكتف باستهدافهم وعائلاتهم .. إسرائيل تحرض عالمياً ضد صحفيي غزة، الجزيرة نت، 11 نوفمبر 2023، متاح على الرابط التالي https://www.ajnet.me
[9] إليني بوليمينوبولو، تكميم الأفواه في فلسطين تهديد لحرية الإعلام، كلية القانون، جامعة حمد بن خليفة، 2 مايو 2024، متاح على الرابط التالي https://www.hbku.edu.qa
[10] مفيد عبد الجليل الصلاحي، المرجع السابق، ص 30.
[11] مفيد عبد الجليل الصلاحي، المرجع السابق، ص 31.
[12] مفيد عبد الجليل الصلاحي، المرجع السابق، ص 31- 32.