روسيا تسعي إلي حيازة قاعدة في بورسودان
اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر
عقد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول محمد حمدان دقلو حميدتي مؤتمرا صحفيا في 5 سبتمبر 2022 بمطار الخرطوم بعد زيارته لروسيا التي استمرت ثمانية أيام لعاصمتها موسكو , وأشار إلي أنه ناقش التعاون مع المسؤولين الروس قضايا تتعلق بالأمن القومي والأمورالسياسية , وأن لقاءات عُقدت مع العديد من المسؤولين في روسيا ناقشوا فيها جميع القضايا بين البلدين لا سيما السياسية والاقتصادية وأنها كانت لقاءات مثمرة وأنه بحث مع نائب رئيس الوزراء الروسي Alexander Novak قضايا الاقتصاد والتعاون بين البلدين , وأشارإلى أنه التقى أيضا بأمين مجلس الأمن الروسي Nikolay Patrushev ، وناقشا قضية الأمن القومي في روسيا والسودان في مجال تبادل الخبرات والتعاون المشترك ومكافحة الإرهاب والتعليم , وتأتي إشارته الأهم عندما أشار حميدتي إلي القاعدة البحرية التي تريد روسيا إقامتها في مدينة بورتسودان بالبحر الأحمروقال: “موضوع القاعدة العسكرية الروسية هو موضوع وزير الدفاع السوداني وهناك حديث كثير حول هذه القاعدة وهناك قواعد روسية في دول مختلفة في أفريقيا ولا أستطيع أن أفهم المصلحة من وراء إنشاء هذه القاعدة , إذا كان الأمر كذلك فإن إنشاء قاعدة عسكرية في السودان من مصلحة البلاد ولا يهدد أمنها القومي ولا حرج في التوافق معهم (أي الروس) أو مع أي شخص آخر , أما بالنسبة للقاعدة البحرية المخطط لها في مدينة بورتسودان الإستراتيجية ، فقال “إن الروس بحاجة للوصول إلى موانئ المياه الدافئة والبحر الأحمر جزء لا يتجزأ من هذا الطموح”, وقال : “إن القاعدة ليست على جدول الأعمال في موسكو لكن السودان مستعد للتعاون مع أي دولة شريطة أن يكون ذلك في مصلحتنا وألا يهدد أمننا القومي” , وكلام حميدتي يجب وصله بالمعلومات الآتية :
– قدم أفراد مجموعة شركة توريد المرتزقة “فاجنر” مجموعة من المساعدات السياسية والعسكرية لنظام البشير وفقًا لـ ECFR .
– حصلت شركة التعدين الروسية إم إنفست في عام 2017على وصول تفضيلي إلى احتياطيات الذهب في السودان ، وذلك وفقًا لمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي .
– فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الأوليجارشي الروسي يفجيني بريجوزين الذي له صلات بـ M Invest ويعتقد أنه يمتلك شركة Wagner بسبب : “استغلال موارد السودان الطبيعية لتحقيق مكاسب شخصية ونشر النفوذ الخبيث في جميع أنحاء العالم” .
– قال المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن أفراد فاجنر تم نشرهم في السودان “في مواقع التنقيب عن التعدين” بعد اجتماع عام 2017 بين البشير والرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، الذي اتفق على صفقات تعدين الذهب وتفاوض على بناء قاعدة بحرية روسية على البحر الأحمر بالسودان .
– قال مركز ECFR إن فاجنر شكّل “مثلث النفوذ الروسي يربط السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا” مما يعكس “اهتمام موسكو الاستراتيجي بتوسيع تواجدها في إفريقيا” .
– شاركت قوات الدعم السريع التابعة لحميدتي في الصراعات في ليبيا واليمن .
واضح مما سبق الإشارة إليه من كلام حميتي في موضوع خطير بالنسبة للمتنافسين الدوليين كلهم ومنهم الولايات المتحدة أن به قدراً واضحاً من العبث وربما عدم الإحاطة الكاملة وهو أمر سبق وأن مارسه الرئيس المخلوع عمر البشير , فالكلام فيه قدر من التضارب والإستخفاف , فالكل يعلم أن وزير دفاع السودان لا يملك من أمر الدفاع عن السودان شيئاً , فالدفاع عن السودان يأتي من بوابة الدفاع عن السيادة وهي في خطر طالما كان منح القواعد للأمريكان أو الروس أو الصينيين الذين لم يكن في تواجدهم الكثيف إبان عهد البشير بالسودان ما يمنع من فصل الجنوب ولا حتي إبقاء النظام قوياً إقتصادياً فهم أول من ربحوا من السودان موحداً ومُنفصلاً (يقومون حالياً بمشروع ميناء Lamu بكينيا ومشروع طريق يصل بينه وبين جنوب السودان وإثيوبيا لنقل البترول المُنتج بجنوب السودان والسلع للإستغناء عن ميناء بورسودان) هكذا كما يقولون :”علي عينك يا تاجر” , فكلهم سواء لا يسعون للتمركز في قواعد في أراضي هذه النظم اليتيمة التي ينكرها شعبها وتاريخها لوجه الله تعالي بل كجزء من لعبة التنافس الدولي , والسودان أي النظام في السودان كما كان نظام البشير ضعيفاً ويزداد ضعفاً لكنه بقي لــ 30 عاماً (قال دبلوماسي غربي لوكالة فرانس برس طالبا عدم الكشف عن هويته :”نحن نعرض السودان على الروس على طبق من فضة”.
فلقد حافظ الجنرالات على أنفسهم في ظل الحظر المفروض على عهد البشير ، ولهذا السبب لا تهم التهديدات بالعزلة كثيرًا اليوم ولا تهم الآم الشعب) رغم هذا الضعف المُتنامي والنظام الحالي ماهو إلا إمتداد ممزق لنظام البشير البائد ليس في وارد أن يكون نظاماً قوياً طالما عرض سيادته في أسواق النخاسة وطالما إعتمد علي أفاقي العصر والأوان في الكيان الصهيوني ليحمي ظهره , ومما يدل علي العبث إن إتفاق القاعدة الروسية في بورسودان وقعها البشير ومنذ ذلك الحين وهي بين أخذ ورد وعبث يساومون بها الأمريكان بنفس طريقة نظام البشير الذي يثق الأمريكيين في كذبه وإدعاءه , ومع ذلك فنظام البرهان لا يجيد إلا ألعاب نظام البشر ويحفظها الأمريكيين عن ظهر قلب.
أشار حميدتي إلى أنه زار والوفد المرافق له مصر والتقى رئيس المخابرات المصرية عباس كامل ، وزعم أنه تمت مناقشة الوضع السياسي في السودان خلال الاجتماع وأن الجانب المصري دعا لحل الأزمة في السودان من خلال الحوار , وفي هذا الصددعا نائب رئيس مجلس السيادة السوداني الأطراف إلى التوصل إلى توافق سياسي لتذليل الصعوبات والدخول في حوار في البلاد .
يُذكر أنه خلال زيارة الرئيس السوداني الأسبق عمر البشير الذي أطاح به انقلاب عسكري عام 2019 إلى موسكو في نوفمبر 2017وقع البلدان اتفاقيات تعاون في مجال التدريب العسكري وتبادل الخبرات ودخول السفن الحربية إلى موانئ الجمهورية البلدين , وبحسب موقع روسيا اليوم فقد وافق الرئيس الروسي Vladimir Putin على إنشاء قاعدة روسية في السودان في 16 نوفمبر 2020 قاعدة تكون قادرة على استيعاب السفن بوحدات الطاقة النووية , ولكن رئيس أركان السودان محمد عثمان الحسين في بيان صدر في 19 نوفمبر 2020 : “حتى الآن لا يوجد اتفاق كامل مع روسيا على إنشاء قاعدة بحرية في البحر الأحمر لكن تعاوننا العسكري قد امتد , لكننشرت الجريدة الرسمية الروسية نشرت في 9 ديسمبر 2020 نص الاتفاق بين روسيا والسودان بشأن إنشاء قاعدة إمداد وصيانة للبحرية الروسية في البحر الأحمر لدعم السلام والأمن في المنطقة ” .
وصل جون جودفري – المسؤول السابق عن الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية – إلى السودان في أغسطس 2022 ليكون أول سفير لبلاده هناك لدعم عملية التحول الديمقراطي بعد 25 عامًا من العلاقات الدبلوماسية الباردة بين البلدين , وكان وصوله مُتزامناً مع خطوات متسارعة اتخذتها روسيا تجاه إفريقيا بحيث ضغطت على إدارة بايدن وجعلتها تغير سياساتها تجاه السودان , فتعيين سفير أمريكي في الخرطوم منعطف رئيسي في سياسات إدارة بايدن وذلك لأن إدارة بايدن أخرت إرسال سفيرها هناك لفترة طويلة حتى أصبحت المسألة موضع انتقادات من الكثيرين في الكونجرس ووسائل الإعلام كذلك فعلى سبيل المثال في يناير2022 انتقد السناتور الجمهوري جيم ريش تأخر الإدارة الأمريكية في تعيين سفير لها في السودان وقال في تصريحات لوسائل الإعلام إن التأخير “يشير بوضوح إلى غياب الأولويات التي أعطيت لتسمية هذا المنصب منذ ذلك الحين” , لكني أعتقد أن إدارة الرئيس بايدن ضبطت توقيت تعيين سفيرها لدي السودان ليتزامن مع ضغط الجماهيير في الشارع من أجل التحول الديموقراطي , حتي أعلن وزير الخارجية السابق مايك بومبيو عن تبادل السفراء مع السودان في ديسمبر 2019 , في تناغم لطيف مع لقاء البرهان في أوغندا مع رئيس وزراء الصهاينة بنيامين تنتياهو , وكما كتب كاميرون هدسون ، المسؤول السابق في إدارة الرئيس باراك أوباما بشأن السودان والخبير الحالي في المجلس الأطلسي تقريرًا للمجلس الأطلنطي الأمريكي قبل عدة أشهر ينتقد فيه عدم وجود رؤية من قبل إدارة بايدن تجاه السودان مؤكداً أن إن خطوة إيفاد سفير إلى السودان ضرورية للتعامل مع قضاياها , لكن السفارة الأمريكية في الخرطوم وبها عناصر من المؤسسات الأمنية ومن وزارة الخارجية تعرف عملها جيداً ومُطلعة وهي كفيلة بتحديد الأولويات , وقال بومبيو في بيان نُشر على حسابه على تويتر: “ترحب وزارة الخارجية بحرارة برئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك في زيارته الأولى لواشنطن ويسعدنا اليوم أن نعلن أن الولايات المتحدة والسودان قررا بدء عملية تبادل السفراء بعد انقطاع دام 23 عاما ” , ثم وفي أكتوبر 2020 أيضًا أعلنت وزارة العدل السودانية أن السودان والولايات المتحدة وقعا اتفاقية تاريخية بشأن استعادة الحصانة السياسية للسودان وذكرت الوزارة أنه تم الاتفاق في مقر وزارة الخارجية الأمريكية على تسوية القضايا المرفوعة ضد السودان في المحاكم الأمريكية والتي تشمل تفجير السفارتين في نيروبي ودار السلام , وبموجب الاتفاق وافق السودان على دفع 335 مليون دولار ليتم إيداعها في حساب ضمان مشترك حتى تفي الولايات المتحدة بالتزاماتها لاستكمال إجراءات حصول السودان على حصانته السيادية بعد شطبها من قائمة الدول الراعية للإرهاب , وأكدت الوزارة أنه بموجب هذا الاتفاق سيتم إسقاط الأحكام القضائية ضد السودان التي تتجاوز قيمتها 10 مليارات دولار لتعويض الضحايا في هذه القضايا وسيتم منع الدعاوى القضائية المستقبلية ضد السودان وسيتم تأكيد حصانته السيادية وبالتالي وضعه القانوني ستكون مثل جميع الدول التي لا تقع في قائمة الدول الراعية للإرهاب.
السبب الحقيقي وراء ردة فعل إدارة بايدن في رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي في السودان هو أن السودان ببساطة ليس ذا أهمية جيواستراتيجية عالية للولايات المتحدة الأهم منه الصومال فإثيوبيا , وبالمثل فإن الجالية السودانية داخل الولايات المتحدة ليست لها أهمية انتخابية أو وزن اقتصادي ومالي كبير ليهتم بها صناع القرار في واشنطن , وعليه ، فإن الاهتمام المفاجئ بالعلاقات الأمريكية السودانية في هذا الوقت بالذات لا يمكن فهمه بمعزل عن التقارب الروسي السوداني الذي بدأ يثير مخاوف الولايات المتحدة خاصة بعد توجهات روسيا الواضحة تجاه دول القارة التي أكدتها الجولة الأفريقية الأخيرة لوزير الخارجية سيرجي لافروف , هذا بالإضافة إلى التصريحات التي أدلى بها وزير الدفاع السوداني ياسين إبراهيم ياسين في مؤتمر موسكو للأمن الدولي الذي عقد قبل أسابيع قليلة حيث شدد على ضرورة المشاركة في هذا المؤتمر “للعلاقات المميزة جدًا التي تربطنا بروسيا ” وكذلك – وكما أشرت – زيارة محمد حمدان دقلو نائب رئيس مجلس السيادة السوداني الذي يرأسه البرهان في 23 فيراير 2022- على رأس وفد رفيع المستوى إلى موسكو عشية بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا في 24 فبراير 2022 , وقال الباحث أحمد حسين إن دقلو ناقش على الأرجح في موسكو الترتيبات بين قواته و “الأجهزة (الأمنية) الروسية التي لها صلات في السودان وإفريقيا ، وخاصة مجموعة فاجنر” , ويندرج هذا التقارب في إطار هذا التقارب الذي يخدم المصالح الروسية بحسب الخبراء ويساهم في توسيع النفوذ الروسي في إفريقيا ( انضم السودان إلى 35 دولة في الامتناع عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا)
في سياق مُتصل قال وزير الدفاع الأمريكي Lloyd Austin في حفل تغيير القيادة في القيادة الأمريكية في إفريقيا AFRICOM)) في ثكناتKelley فيStuttgart بألمانيا إن روسيا تسعى لتوسيع وجودها في القارة الأفريقية , وأوضح أن “روسيا تبيع أسلحة رخيصة وتدعم قوات المرتزقة وهذا تذكير آخر باستعداد موسكو لنشر الفوضى وتهديد النظام الدولي القائم على القواعد – ويتجاوز ذلك بكثير غزو بوتين المتهور لأوكرانيا ” , كما أضاف قوله أن لدي الصين أيضاً رغبة في التوسع في إفريقيا ، إنهما يريدان بناء قواعد في إفريقيا وتقويض علاقات الولايات المتحدة مع الشعوب والحكومات والجيوش الأفريقية” , لكن Austinأكد أن الولايات المتحدة ملتزمة بضمان تمتع إفريقيا بحماية القواعد والمعايير الدولية التي تعزز سلامتنا وازدهارنا” ، وأشار إلي أن وزير الخارجية الأمريكي Antony Blinken كان في جنوب إفريقيا لإطلاق استراتيجية الولايات المتحدة الجديدة “لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى” , وقد توجه Austin إلى لاتفيا في وقت لاحق بينما يتجه Blinken إلى جمهورية الكونجو الديمقراطية حيث سيلتقي بالرئيس Felix Tshisekedi ووزير الخارجية Christophe Lutundula .
في 8 أغسطس 2022 وفي بريتوريا تحديداً بجنوب إفريقيا قدم Blinken عرضاً للشراكة بين الولايات المتحدة والدول الأفريقية حيث زار ثلاث في الفترة من 7 إلي12 أغسطس2022، وصرحت مساعدة وزيرة الخارجية لشؤون إفريقيا مولي بأن “وزير الخارجية[سوف] يلقي خطابًا يعلن ويصف استراتيجية الولايات المتحدة تجاه إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى” , صرح وزير الخارجية أثناء الزيارة قائلاً إنهم (يقصد الأفارقة) لا يستطيعون تحقيق أي من “أولوياتهم المشتركة” ما لم يعملوا معًا كشركاء متساوين , وتُعد جولة Blinkenالأفريقية جهد دبلوماسي أمريكي هام لمتابعة جهد روسي سبقها مُباشرة بُذل في القارة الأفريقية تضمن زيارة كل من مصر و الكونجو الديموقراطية وأوغندا وإثيوبيا بدات في 27 يوليو 2022 وتمت وسط جهود أمريكية لعزل روسيا عن أوروبا بسبب الحرب في أوكرانيا , وأستهدفت سعي روسيا لتعزيز علاقاتها مع البلدان الأفريقية وسط عقوبات وعزلة دولية تعيشها موسكو نتيجة غزوها لأوكرانيا , وبدأ وزير الخارجية الأمريكي في 10 أغسطس 2022 بتوقف في رواندا وشملت زيارته كل من كينيا ونيجيريا والسنغال , وزيارة وزير خارجية الولايات في نظر مراقبين هامة لأن :
أولاً : من تقاليد معظم الإدارات الأمريكية أن تؤسس مواقف سياسية تجاه إفريقيا سواء كانت جيدة التنظيم وتفصيلية أو مجرد مخصصة وغير منظمة وتكمن أهمية هذه السياسات في أنها تشكل العلاقات عبر التجارة والاستثمارات ، والمشاركة السياسية والدبلوماسية والمساعدة من خلال مختلف الوكالات والمبادرات الخيرية والعلاقات العسكرية وبالنسبة للحكومات الأفريقية والمجتمع المدني والشركات والأفراد يمكن قراءة السياسة الأمريكية بين السطورفهي على سبيل المثال توفر نقطة انطلاق حول المكان الذي من المحتمل أن تتدفق فيه الدولارات الأمريكية .
ثانيًا : من الواضح أن إدارة دونالد ترامب (2016-2020) تميزت بتراجع إفريقيا في حسابات أمريكا العالمية ومن المؤكد أن إدارة ترامب لم تهمل إفريقيا بالكامل , إلا أنه كانت إحدى النقاط المضيئة في تعامل إدارة ترامب مع إفريقيا هي إطلاق Prosper Africa في عام 2018وهو كيان مشترك بين الوكالات يوفر آلية تنسيق لبرامج التجارة والاستثمار , لكن مما يُظهر استمرار ازدهار إفريقيا خلال عهد بايدن أن شيئًا جيدًا لأفريقيا جاء من إدارة ترامب ومع ذلك لم تصمم إدارة ترامب استراتيجية شاملة بصرف النظرعن التصريحات العشوائية للمسؤولين آنذاك – مثل المستشار الوطني السابق جون بولتون – وغالبًا ما استندت إلى حاجة الولايات المتحدة لمواجهة الصين وروسيا في إفريقيا – على النقيض من ذلك فمن المرجح أن يتم بناء إطار عمل إدارة بايدن المتوقع حول مجموعة من الأولويات المدروسة بحكمة .
ثالثًا : وفيما يتعلق بالنقطة السابقة تم وضع آخر استراتيجية أمريكية شاملة تجاه إفريقيا قبل عقد من الزمن في عام 2012 من قبل إدارة باراك أوباما وأعطت تلك السياسة الأولوية لتقوية المؤسسات الديمقراطية وتحفيز النمو الاقتصادي والتجارة والاستثمار وتعزيز السلام والأمن وتعزيز الفرص والتنمية من خلال المبادرات في مجالات الصحة والأمن الغذائي وتغير المناخ وغيرها ، وبينما تظل هذه القضايا ذات صلة بالعلاقات بين إفريقيا والولايات المتحدة في عام 2022 فإنه لا جدال في أن الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية والجيوسياسية قد تغيرت بشكل كبير في الولايات المتحدة وأفريقيا وحول العالم .
رابعاً : حول أهمية السياسة الجديدة حول الاهتمام غير المسبوق بأفريقيا خلال الحملات الانتخابية الأمريكية لعام 2020 والانتخاب النهائي لجو بايدن كرئيس للولايات المتحدة رقم 46 فهناك ثمةعلاقات أفضل مع الإدارة الجديدة وهناك بعض التفاؤل دعمه تعيين شخصيات متعاطفة مع القضايا والمصالح الأفريقية وهناك مئات المسؤولين في إدارة بايدن لهم سجل حافل في نشر المصالح الأفريقية ومع ذلك يمكن التكهن بأن أيادي أفريقيا القديمة مثل جود ديفيرمونت كبير مديري مجلس الأمن القومي لأفريقيا وليندا توماس جرينفيلد سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ، ومولي فاي مساعدة وزيرة الخارجية لشؤون أفريقيا من بين آخرين كثيرين كانوا منشغلين في العمل للمساهمة في صياغة السياسة ومن المحتمل أيضًا أن الدعم السياسي لصياغة السياسة كان سيحصل على دفعة من القادة الذين لديهم سجل في تعزيز المصالح الأفريقية مثل عضو الكونجرس في نيويورك جريجوري ميكس رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب وممثلة الولايات المتحدة من ولاية كاليفورنيا كارين باس رئيسة اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية في مجلس النواب بشأن أفريقيا وسناتور ديلاوير كريس كونز , والنقطة الأكبر هي أن السياسة الأمريكية تجاه إفريقيا لا يمكن أن تظهر في فراغ ولكن يجب أن يكون لها خطوط من المسؤولين والسياسيين العازمين على تصميم واحد وما تبقى الآن هو الوصول إلى السياسة وتحليلها بمجرد إتاحتها للجمهور وربما أثناء زيارة Blinken الأخيرة لأفريقيا التي أهدافها العامة هي وفقًا لمسؤولين ودبلوماسيين تم إطلاعهم على الإستراتيجية الأفريقية للولات المتحدة هي : (1)تعزيز الديمقراطية والحكم والأمن (2) التعافي من الجائحة والفرص الاقتصادية (3) معالجة أزمة المناخ (4) الانتقال “العادل” للطاقة في القارة (5) تعزيز المجتمعات (6) تعزيز التركيز والتمويل على الدبلوماسية والتنمية كمحاولة للابتعاد عن المشاركة العسكرية أولاً في أجزاء من إفريقيا ولا سيما في منطقة الساحل التي هيمنت علي السياسة الأمريكية على مدى العقدين الماضيين عندما كان التركيز الأساسي في السياسة الخارجية لواشنطن على مكافحة الإرهاب , وبصفة عامة فإن إدارة بايدن في استراتيجيتها الجديدة بشأن إفريقيا تهدف إلى إحياء المشاركة الأمريكية في جميع أنحاء القارة والتنافس مع المنافسين الجيوسياسيين مثل الصين وروسيا على النفوذ وذلك وفقًا للعديد من المسؤولين الحاليين والسابقين المطلعين على الأمر بالولايات المُتحدة .
في نفس السياق التنافسي الذي يعيد أجواء الحرب الباردة (1945 – 1991) فقد قال Jens Stoltenberg الأمين العام لحلف NATO : “إن روسيا تمثل تحديًا استراتيجيًا لحلف شمال الأطلسي في القطب الشمالي وأن قدرات روسيا في الشمال تمثل تحديا استراتيجيا لحلف شمال الأطلسي” ، ورحب بالاستثمارات الكندية المعلنة مؤخرا في أنظمة الدفاع بأمريكا الشمالية بعد قيامه بأول زيارة له للمنطقة القطبية الكندية وقال Jens Stoltenberg :”إن روسيا أعادت فتح مئات المواقع العسكرية التي تعود إلى الحقبة السوفيتية في القطب الشمالي مستخدمة المنطقة لاختبار أنظمة أسلحة جديدة ” وحذر من أن روسيا والصين تشكلان شراكة قطبية إستراتيجية تتحدى قيم ومصالح الــNATO , يُذكر أن كندا تعرضت لانتقادات بسبب إنفاقها القليل جدًا على قدراتها العسكرية كعضو في الــNATO , لكن بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير2022 قالت كندا في يونيو2022 إنها ستستثمر 4.9 مليار دولار كندي (3.8 مليار دولار) على مدى السنوات الست المقبلة لتحديث منظمة الدفاع الأمريكية الكندية المشتركة في أمريكا الشمالية NORAD وقال رئيس وزراء كندا Justin Trudeau : ” لقد تغير الوضع الجيوسياسي خلال الأشهر الماضية وهذا هو السبب في أن فهم أن روسيا مصدر قلق متزايد لنا جميعًا يجعل الوقت مناسبًا لنا لمشاركة الأمين العام ومع NATO كل الأشياء التي تقوم بها كندا من خلالNORAD ” , وقد زارفي 25 أغسطس2022 كل من Trudeau و Stoltenberg خليج Cambridge Bay, Nunavut (قرية صغيرة فوق الدائرة القطبية الشمالية حيث توجد قاعدة رادار للدفاع الجوي وهيجزء من نظام الإنذار الشمالي في NORAD) ويقول الخبراء إن هذا النظام مُتقادم وبحاجة ماسة إلى ترقية فعمره يزيد عن ستة عقود التهديدات الأمنية لأمريكا الشمالية ويعود رادار الإنذار المبكر للمنطقة القطبية إلى أواخر الثمانينيات , وقد اتفق كل من Trudeau و Stoltenbergعلى أن تغير المناخ يجعل القطب الشمالي أكثر سهولة للأنشطة الاقتصادية والعسكرية مما يزيد من المخاوف الأمنية , ويعد Cambridge Bay أحد المحطات الرئيسية للسفن التي تعبر الممر الشمالي الغربي للمحيط المتجمد الشمالي بين المحيطين الأطلسي والهادئ وقد تحدت الولايات المتحدة سيادة كندا على الممر لعقود زاعمة إنه ممر مائي دولي , وردا على سؤال حول قضية السيادة علي الممر قال Trudeau : “الممر الشمالي الغربي مياه كندية” .
هناك صلة جيوإستراتيجية موضوعية بمخطط روسيا لتثبيت أقدامها في القرن الأفريقي وفي بورسودان لا قدم واحدة في سوريا علي البحر المتوسط في شرقه قرياً من مضيقي البوسفور والدردنيل حيث البحر الأسود والسطرة علي الشواطء الأوكرانية علي وعلي بحرأزوف المتفرع من البحر الأسود في جزئه الشمالي , فالسطرة علي البحر الأسود خاصة في إطلالته الأوكرانية يتم بكماشة طرفاها قاعدة طرطوس في سوريا وقاعدة واحدة علي الأقل في البحر الأحمر , ولذلك فروسيا تضع بورسودان في نصب عينيها فهي أيضاً تقع علي الشاطئ الذي الواقع تقريباً في منتصف الضفة المُواجهة للمملكة السعودية المنافس القوي جداً في إنتاج البترول والغاز وتضع كذلك عينيهاعلي صوماليلاند , والواقع أن من يتولي أمر السودان لضعف مكانته الشعبية أغري الروس بمواصلة الضغط عليهم لحيازة قاعدة بحرية – كما أراد الأتراك سابقاً وفشلوا نظراً للضغوط علي مُتخذ القرار السوداني – علهم ينجحون خاصة مع إستخدام بعض نتائج الحرب في أوكرانيا التي أتت في صالح الروس , ولذلك نجد وزير دفاع السودان مثلاً يؤكد في يوليو 2021 أنه سيراجع اتفاق القاعدة البحرية العام الماضي مع روسيا بعد تكهنات في أبريل 2021 باحتمال حماية الاتفاق ووفقًا لرئيس الأركان محمد عثمان الحسين الذي أدلى بهذا الإعلان أثناء حديثه إلى قناة النيل الأزرق فإنه من المفترض أن “بعض بنود الوثيقة تنطوي على ضرر معين للسودان”, كما ذكّر الجميع بأن الصفقة لم تتم الموافقة عليها بعد من قبل الهيئة التشريعية للبلاد ، لذلك لم تكن ملزمة قانونًا في البداية , كما نفى المسؤول العسكري أن يكون لقرار السودان علاقة بالضغط الأمريكي وهذا أمر مُستبعد تصديقه حيث أن الولايات المتحدة وسعت نفوذها إلى حد كبير في السودان بعد إزالتها مؤخرًا للبلاد من قائمة وزارة الخارجية للدول الراعية للإرهاب , وجاءت هذه الخطوة في أعقاب الانقلاب على الرئيس السابق عمر البشير الذي كان يُنظر إليه سابقًا على أنه قريب من روسيا ولكن انتهى به الأمر إلى الدخول في تقارب مع مجلس التعاون الخليجي في السنوات التي سبقت جيشه والإطاحة المدعومة من الولايات المُتحدة أدت إلي إعادة توجيه السياسة هذه وإلى إرسال السودان بعض من قواته لمساعدة حرب دول مجلس التعاون الخليجي في اليمن ويُعتقد أن ذلك كان بمثابة وسيلة لإصلاح العلاقات تدريجياً مع الولايات المتحدة , وعلى أي حال فإن حالة عدم اليقين التي تحيط بالقاعدة البحرية السودانية الروسية المخطط لها قد تضر بمصالح موسكو الإقليمية وشرحت الخطوط العريضة الاستراتيجية لهذه الخطوة فيما يتعلق بالمشاركة الأوسع لروسيا مع السودان , وكذلك نوقشت في السودان أهميتها الاقتصادية بالنظر إلى موقع القاعدة المخطط لها في بورتسودان وهي النقطة النهائية لمشروع طريق الحرير الصيني الواعد والذي تمتد لاجقاً عبر منطقة الساحل , وإذا تم إفشال هذه الخطط سواء بسبب الضغط الأمريكي أو الأسباب سودانية سيادية ربما , ففي أي من الحالتين يجب على روسيا أن تفكر في استبدال إقليمي في أقرب وقت ممكن , ويمكن أن يكون أحد هذه السيناريوهات استكشاف إيجابيات وسلبيات بناء مرفق مماثل في المنطقة الصومالية الانفصالية في أرض الصومال أو صوماليلاند وقد تم تداول تقارير غير مؤكدة في أوائل عام 2018 تتكهن بأن روسيا تخطط لإنشاء مثل هذه القاعدة في مدينة زيلع المتاخمة لجيبوتي , فمن المسلم به أن مثل هذا القرار سيكون محفوفًا بالمخاطر إلى حد ما بالنسبة للقوة الناعمة لروسيا نظرًا لأن موسكو ستقدم دعمًا فعليًا لمطالبات المنطقة الانفصالية بالسيادة وقد تتعارض هذه الملاحظة مع دعم روسيا المبدئي للقانون الدولي الذي يعترف بأرض الصومال كجزء لا يتجزأ من جمهورية الصومال الفيدرالية فضلاً عن زرع بذور عدم الثقة بين موسكو ومقديشو في الوقت نفسه لا ينبغي أن ننسى أن الإمارات كانت تمتلك قاعدة عسكرية في بربرة بأرض الصومال التي تم تحويلها مؤخرًا إلى منشأة مدنية , وقد اعتمدت الإمارات في السابق على هذه القاعدة للمساعدة في حربها في اليمن ، ولكن كما أشار الباحث بجامعة أكسفورد الدكتور صموئيل راماني في مقالته لموقع المونيتور كتب يقول :”تعيد الإمارات توجيه استراتيجيتها في البحر الأحمر بعيدًا عن التدخل العسكري المباشر وبتوليفة من العوامل الاقتصادية كالاستثمار أو بعبارة أخرى مكنت المشاركة العسكرية الإقليمية لدولة الإمارات بنجاح سياسة الدولة بالتطور في الاتجاه الاقتصادي بعد فتح الأبواب اللازمة لتحقيق ذلك مع قيادة أرض الصومال , ويمكن لروسيا من حيث المبدأ أن تحذو حذو الإمارات العربية المتحدة على الرغم من أن الأهم من ذلك هو عدم استخدام قاعدتها المقترحة هناك لأي أغراض عسكرية نشطة مثلما فعلت أبو ظبي مع اليمن والأفضل من ذلك أنه ينبغي لروسيا أن تفكر بجدية في إبرام شراكة إقليمية شاملة مع الإمارات العربية المتحدة لتعزيز موقعها في منطقة القرن الأفريقي بأكملها أي التقدم بطريق غير مُباشر, ومثل هذا الاقتراح سيكون الخطوة الطبيعية التالية في شراكتهما الناشئة في السنوات القليلة الماضية والتي شهدت تنسيقهما بشكل أوثق في سوريا بالإضافة إلى توسيع التعاون العسكري بينهما , وهذا لا يخفي علي الأمركيين بالطبع .
تؤكد هذه التطورات بشكل متزايد السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة التي تتناقض مع جهود حليفها الأمريكي لاحتواء روسيا في كل منعطف , وهذا يدل على التقاء المصالح المثير بينهما وغاية الإمارات منه توسيع مجال المناورة لكن هلي تستطيع ذلك لمدة طويلة ؟ من الجدير بالذكر أن دولة الإمارات العربية المتحدة تلعب دورًا رئيسيًا كذلك في إثيوبيا وهي ثاني أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان وتستضيف عاصمتها الاتحاد الأفريقي , وقد خططت الإمارات لبناء ممر رابط بين إثيوبيا وأرض الصومال المنتهية في بربرة يمكن أن تستغلها روسيا نظريًا لتوسيع التجارة مع إثيوبيا , وقد شهدت إثيوبيا بعضًا من أسرع معدلات النمو الاقتصادي في العالم قبل ظهور جائحة COVID-19 ، لذا فمن المفيد لروسيا أن تفكر في توسيع العلاقات مع هذه الدولة غير الساحلية عبر كيانات العبور ، مثل أرض الصومال واتصالها الذي أنشأته الإمارات العربية المتحدة “الرواق” حتى إذا وافق السودان على احترام اتفاقه غير الملزم لاستضافة قاعدة روسية على البحر الأحمر فقد لا يعمل هذا البلد كبوابة موسكو لإثيوبيا كما كان متوقعًا سابقًا بعد إعادة اندلاع الصراع الحدودي في 2020 في خضم الصراع المستمر في أديس أبابا والتدخل العسكري في إقليم تيجراي ومن هنا تأتي أهمية البحث النشط عن بدائل , ففي هذه المنطقة دائمة الإضطراب لابد من البحث بإستمرار عن بدائل .
ربما كانت جيبوتي هي أول من يتبادر إلى أذهان صانعي القرار الروس لكنها تستضيف بالفعل عددًا غير قليل من القواعد العسكرية الأجنبية ، لذا فإن الوضع هناك مزدحم للغاية وفي البداية قد لا تشعر موسكو بالراحة لكونها “واحدة من بين العديد” , لكنها لحد الآن لا تستطيع حتي المُزاحمة في جيبوتي التي توجد بها قاعدة صينية منذ 2010 (بتنسيق مفترض مع الأمريكيين الذين مارسوا Veto علي إقامتهم قاعدة لهم في غينيا الإستوائية وجزر Solomon في المحيط الهادئ ونجحوا بضوطهم حتي الآن ) , فروسيا ستظل تريد أن تكون لهم قاعدة في موقع ما تختاره البحرية الروسية يكون بمثابة نقطة انطلاق لتوسيع علاقاتها بشكل شامل ووفقًا للمصلحة الاستراتيجية في القيام بذلك مع أرض الصومال , وربما تمثل إريتريا أيضًا خيارًا لروسيا لكنها تفتقر إلى الاتصال الاقتصادي الموثوق به مع إثيوبيا لا سيما بالنظر إلى الصراع العسكري المستمر في مقاطعة تيجراي المجاورة , والعداء الكامن مع إثيوبيا رغم الهدوء الظاهري فهو عداء يمتد بجذوره إلي أرضية تاريخية , لهذه الأسباب يمكن القول إن أرض الصومال هي أفضل بديل لخطط القاعدة البحرية الروسية المضطربة , فالسودان مازال مُضطرباً وهو لا يقوي علي مدافعة الضغوط الأمريكية المُحتملة وهي ضغوط تتجاوز المدي الذي يمكن للصهاينة أن يعينوا قائد متواضع القوة كالبرهان , والعقبة الوحيدة لهذا البديل هو الإعتراف بالسيادة لأرض الصومال , لكن الإمارات العربية سبق لها أن تجاوزتها بالفعل منذ عدة سنوات دون أي عواقب ملموسة على الرغم من أن تركيا المنافسة لديها قاعدة عسكرية في الصومال , لذلك من غير المحتمل أن تعاني العلاقات الروسية التركية الوثيقة مؤخرًا من مثل هذه الخطوة أيضًا , لكن من وجهة مخالفة أخري قد لا تختار روسيا بناء قاعدة عسكرية جديدة تمامًا في أرض الصومال ويقع رهانها علي استكشاف إمكانية التوصل إلى اتفاق لوجستي مع ميناء بربرة في أرض الصومال بدلاً من ذلك على الرغم من أن هذا يعني أيضًا بعض القبول بسيادة هرجيسا كحالة ميناء زيلع ، إلا أنه سيتجنب ظهور أي التزامات عسكرية تجاه المنطقة الانفصالية ويمكن تبريره على أساس براجماتي , فإذا اضطررت إلى هذا الاختيار فسيكون من الأفضل لروسيا أن تغتنم فرصها مع أرض الصومال في السعي لتحسين الاتصال مع إثيوبيا بدلاً من تجنب الإساءة إلى الصومال نفسها وتفقد فرصة الاتصال الواعدة هذه .
قد يكون علي روسيا النظر في البدائل الممكنة لخطط قاعدتها البحرية السودانية المضطربة على الرغم من أن اقتراح أرض الصومال كبديل يحمل في طياته مخاطر على القوة الناعمة لروسيا والعلاقات الثنائية مع الصومال ، إلا أن هذه التكاليف المحتملة قد تستحق العناء إذا أدت إلى توسيع العلاقات مع كل من الإمارات العربية المتحدة وإثيوبيا ، وهما شريكان أكثر جاذبية على المدى الطويل لموسكو , ولن يكون هناك شيء مميز بشأن فتح قاعدة في جيبوتي المزدحمة إذا سُمح لروسيا بذلك ، كما أن إريتريا لا توفر إمكانية اتصال قابلة للتطبيق مع إثيوبيا .
في أبريل2021 إنتشرت أنباء مفادها أن المسؤولين السودانيين ألغوا اتفاقية لاستضافة مركز لوجستي للبحرية الروسية في بورتسودان وعلى الرغم من أن وزارة الخارجية الروسية رفضت الخبر فإن صحيفة سودان تريبيون المحلية أعادت تأكيد هذه المزاعم في 2 مايو2021 وفي 2 يونيو 2021 صرح قائد الجيش السوداني أن السودان لا يزال يراجع الصفقة , لكن موسكو تطمح في لعب دور أكثر أهمية في البحر الأحمر ، ولهذا فإن الإلغاء المحتمل لاتفاق بورتسودان سيدفع روسيا للبحث عن موانئ في شمال إفريقيا أو القرن الأفريقي وإذا فشلت الصفقة مع السودان يمكن لروسيا أن تقدم مبادرات لمصر أو ليبيا في شمال إفريقيا أو جنوبًا ويمكن أن تتواصل موسكو مع أرض الصومال أو إريتريا إذا قررت موسكو اختيار الخيار الأكثر ملاءمة للميناء فقد تختار ليبيا – إذا ظل دورها في الصراع بها محورياً وإذا إستمر الأمريكيين في مقاعد المُتفرجين – فإذا كانت روسيا تريد موقعًا استراتيجيًا على البحر الأحمر ، فقد تتطلع إلى القرن الأفريقي , ومع ذلك فإن كل موقع سيهدد المصالح الأمريكية في البحر الأحمر وفي سيناء وقناة السويس , وإشكالية موسكو هي أن كلا من مصر والجزائر لا تسمحان بوجود قواعد أجنبية على أراضيهما ومع ذلك يمكن لروسيا التفاوض على اتفاقية وصول بحري مع مصر كما كان الوضع قبل طرد الخبراء الروس قبل حرب 1973, كما حاولت موسكو مع الجزائر عام 2010 دون جدوى, وتحافظ روسيا ومصر على العلاقات التاريخية التي أصبحت أوثق كثيرًا في السنوات الأخيرة , ففي عام 2019 وقعت القاهرة وموسكو اتفاقية لإنشاء منطقة صناعية في مصر تنذر باستثمارات روسية ضخمة بما في ذلك في المجال النووي المدني وعلى مدار العشرين عامًا الماضية صدرت روسيا أيضًا بحوالي 4 مليارات دولار من الأسلحة إلى مصر وقد أجرت مؤخرا مناورات بحرية مع مصر , ووجدت الدولتان مصلحة مشتركة في دعم خليفة حفتر الليبي وتقييد الطموحات التركية في البحر المتوسط , وبسبب هذا الاصطفاف الناشئ يمكن أن تتجه موسكو إلى القاهرة إذا أثرت السودان في تطلعاتها في البحر الأحمر , لكن هذا ممكن نظرياً فمصر ترفض إقامة قاعدة روسية أصلاً رفي بور سودان فكيف تقبل بها علي أراضيها ؟ والجزائر مثل مصر تحظر إقامة قواعد عسكرية على أراضيها , في هذا السياق يمكن لروسيا أن تقترح اتفاقية وصول مع الجزائر مثل تلك التي حاولتها روسيا مع مصر ولا يُعتقد أنها وُقعت بصفة نهائية فقد كان إتفاقاً بالأحرف الأولي فقط أحبطه الأمريكان بوصول وزير الدفاع الأمريكي بعد التوقيع الأولي بيوم واحد ويبدو أنه نجح في إحباطه , عموماً فالجزائرلن تمنح روسيا قاعدة بحرية , ثم أن قاعدة طرطوس والوجود العسكري السهل لروسيا في سوريا كاف كتغطية لشرق المتوسط الذي يعني البحرية الروسية المُتطلعة لحماية وصولها وحريته في الوصول لمضيقي البسفور والدردنيل والبحر الأسود , والجزائر بعيدة بما يكفي لإستبعاد فكرة إقامة قاعدة بحرية بها , فما يلزم البحرية الروسية خاصة والصراع مازال مُستعراً مع أوكرانيا أن تقتنص فرصة إقامة قاعدة بحرية لها في البحر الأحمر يُفضل أن تكون في بورسودان .
ليبيا هي الهدف الأكثر ترجيحًا لقاعدة بحرية روسية في شمال إفريقيا مستقبلية ، لكنها ليست جذابة لموقع مثل مصر بسبب عدم الاستقرار وعدم موثوقية عميل روسيا في ليبيا سواء أكان حفترأو غيره في شرق ليبيا , ولقد دعمت موسكو أمير الحرب الليبي حفتر منذ عام 2015 بشكل مباشر وغير مباشروكان العامل المحفز لهذا الدعم هو الوعد الذي تردد عن حفتر بإنشاء قاعدة روسية في ميناء في بنغازي وبحسب ما تواتر فقد قدمت موسكو مبادرات لحفتر بشأن هذا الالتزام لكن تغيير الظروف في ليبيا قلب هذه المبادرات رأساً على عقب , وجدير بالذكر أن وقف إطلاق النار في ليبيا في أكتوبر 2020 الذي أقره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وضع Putin في موقف حرج فقد تعاملت روسيا مع حفتر بكثافة مع مجموعة فاجنر ، لكن لا يمكن اعتبار روسيا منخرطة بشكل مباشر على الأرض في ليبيا علاوة على ذلك إعتمد حفتر بشكل كبير على الدعم الخارجي وخاصة من الإمارات وقد ألمح إلى نهج أقل عسكرة بالنظر إلى التغيير في الإدارات في واشنطن , لذلك أصبح موقف حفتر أكثر صعوبة( في يناير 2022 تُشر في باريس أن 300 من هؤلاء المًرتزقة غادروا شرق ليبيا) ومع ذلك فعلى الرغم من ضعف حفتر المُتزايد فإن ليبيا قد تكون خياراً ثانوياً لإقامة قاعدة في المتوسط لوسا ثانوية لأنها في كل الأحوال لن تكون بديلاً عن قاعدة روسية في البحر الأحمر الذي لا تواجد روسي للآن علي شواطئه وهو دليل فشل جهود دبلوماسية وإستخباراتية روسية مازالت تُبذل للآن .
واضح مما تقدم الأجواء التنافسية بين الولايات المتحدة ومعها حلف NATO وروسيا في العالم ككل حتي القارة القطبية الشمالية , وفي البحار الدافئة في البحر الأحمر يمتد الصراع بينهما ليصل إليه , فالروس يطمحون في تطبيق ما ورد بالوثيقة التي وقعها الرئيس بوتين عن العقيدة البحرية يوم 31 يوليو 2022 يوم البحرية الروسية والتي تشير إلي المناطق البحرية ذات الأهمية الحيوية لروسيا , وتنص العقيدة على أن مسار الولايات المتحدة للهيمنة في المحيطات هو التحدي الرئيسي للأمن القومي للاتحاد الروسي , وتحدد هذه العقيدة مناطق “المصالح الحيوية” حيث يمكن استخدام الأساليب العسكرية عندما لا تعود الوسائل الدبلوماسية مفيدة فهذه المناطق “مرتبطة بشكل مباشر بتطوير الدولة الروسية وحماية سيادتها ووحدة أراضيها وتعزيز الدفاع وتؤثر بشكل حاسم على التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد” , وتشمل العقيدة البحرية كذلك المياه البحرية الداخلية والبحر الإقليمي للاتحاد الروسي ، والمنطقة الاقتصادية الخالصة للبلاد وجرفها القاري كالتالي وفقاً لما اُعلن عنه :
حوض القطب الشمالي بما في ذلك المنطقة المائية لطريق البحر الشمالي (NSR) /بحرOkhotsk / القطاع الروسي من بحر قزوين / وبناءً على أولويات القطب الشمالي تنص العقيدة على توسيع الأنشطة الروسية في Svalbard , Franz Josef Land , Novaya Zemlya, جزيرة Wrangel .
تحدد العقيدة البحرية الروسية الجديدة الدول ذات الأولوية للتعاون البحري .
تشير العقيدة إلى عدم وجود عدد كافٍ من القواعد البحرية خارج الاتحاد الروسي وهو ما يمثل خطرًا على أمن روسيا وتقترح إنشاء نقاط دعم لوجستي للبحرية الروسية , أولاً في آسيا والمحيط الهادئ وفي”عدد من بلدان منطقة البحر الأبيض المتوسط” ، وفي البحر الأحمروالمحيط الهندي .
كما تخطط روسيا لتوسيع التعاون مع إيران والعراق والمملكة العربية السعودية وتطوير التعاون البحري مع الهند , تمتنع جميع الدول المذكورة أعلاه عن اتهام الاتحاد الروسي فيما يتعلق بالعملية الخاصة في أوكرانيا , والهند هي الشريك الرئيسي لروسيا , وهي الدولة الأكثر فائدة وإفادة للتعاون البحري والعسكري بسبب عضويتها في البريكس ومنظمة شانجهاي للتعاون ومصالحها في القطب الشمالي .
بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير 2022، أصبحت الهند شريكأ جيوسياسيأ لروسيا و يتقارب البلدان على الصعيدين السياسي والاقتصادي , وطبقا للإحصاءات الهندية بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 6.4 مليار دولار أمريكي في الفترة من يناير إلى أبريل 2022 أي ضعف ما كان عليه في نفس الفترة من العام الماضي و تشتري الهند المواد الهيدروكربونية الروسية الخاضعة للعقوبات والشركات التي تركتها الشركات الغربية , في أواخر عام 2021 وفي قمة نيودلهي تم التوقيع على اتفاقيات عسكرية بما في ذلك توريد أنظمة إس -400 بالإضافة إلى ذلك تجري روسيا والهند مناورات عسكرية مشتركة , وتم منذ فترة طويلة تطوير اتفاقية التبادل الرئيسي للوجستيات (RELOS) ومن المقرر توقيعها قريبًا , ووفقًا لهذه الوثيقة ، يجوز لروسيا والهند استخدام المرافق اللوجستية العسكرية أثناء زيارة الموانئ والقواعد والمنشآت العسكرية لكل منهما , ودعت الهند صراحة لدعم الرؤية الروسية لتطوير نظام إنتاج المواد وهي مهتمة بتطوير القطب الشمالي , نمت مصالح الهند في منطقة القطب الشمالي مؤخرًا وذلك جزئيًا لموازنة طموح الصين في المستقبل القريب وتعتزم نيودلهي الاستثمار على وجه الخصوص في التنقيب عن النفط والغاز الروسيين والمعادن الأرضية النادرة الأخرى إن دعم الاتحاد الروسي في مجال الأمن الاستراتيجي مطلوب لحماية الهند , وفي الوقت الحالي لا يوجد لدى الهند مرافق موانئ ولا قواعد بحرية في القطب الشمالي واتفاقية مثل RELOS ستمكن البحرية الهندية من الحصول على تغطية عملياتية أكبر في هذه المنطقة وستكون روسيا قادرة على توسيع نفوذها في المحيط الهندي – منطقة المصالح الأمريكية المباشرة , لكن علي الجانب الآخر يُفضل النظر أيضاً إلي أن هناك تعاون وثيق بين الهند والولايات المتحدة في المجال العسكري , فالهند تشارك بانتظام في تدريبات بحرية مشتركة مع الولايات المتحدة واليابان في خليج البنجال تعرف باسم Malabar , وقال Rosenإنه يجب على واشنطن أن تدعو البحرية الهندية إلى الرسو في Diego Garcia بل وفتح مكتب لوجستيات على الفور هناك ، فنيودلهي تفهم أن جزيرة Diego Garcia المرجانية حاسمة في الدفاع عن منطقة جنوب آسيا وأن دعمها لهذا المجهود ليس مرغوباً فيه فحسب بل إنه جوهري , فقبل ثمانية عشر شهراً كشفت صحيفة Hindustan Times الهندية أن بريطانيا والولايات المتحدة طلبتا المساعدة من Narendra Modi رئيس وزراءالهند فيما يتعلق بقضية Chagos , ولكن علي الجانب الآخر هناك قوى أخرى داخل الحكومة الهندية وربما داخل البرلمان تحث علي إتباع نهج أكثر تقييدًا في هذا الأمر خاصة مع استمرار تدفق الأموال الصينية إلى جنوب آسيا لأن لدي الصين إتجاه واضح لعسكرة بحر الصين الجنوبي , وبالفعل وجد طرح السيد Mike E. Rosen سبيله إلي التطبيق الفعلي فقد وقعت الولايات المتحدة مع الهند في 29 أغسطس 2016 على مذكرة اتفاق التبادل اللوجستي (LEMOA) وهي اتفاقية لوجستية عسكرية بموجبها يُسمح لكلتا الدولتين باستخدام القواعد الجوية والبحرية والأرضية لكل منهما بغرض الإصلاح أو التجديد , وبموجبها أيضاً تلتزم الولايات المتحدة برفع مستوى الهند إلى نفس مرتبة حلفائها الأقرب في نقل التكنولوجيا والتجارة العسكرية , مما سيسهل التدريبات والعمليات المشتركة , وهو علي أي مقياس تطور إستراتيجي في العلاقات الهندية / الأأمريكية وإنقلاب نسبي لموازين القوي في آسيا ومع الصين بصفة خاصة , ومع ذلك لم يرد بهذه المذكرة ما ينص علي تمركز قوات أمريكية في الأراضي الهندية أو قيادة تحالف عسكري بين البلدين إذ أن الهند عارضت في ذلك وفقاً لسياستها التقليدية . * (asialyst.com . بتاريخ 30 أغسطس 2016) ومن الواضح أن الولايات المتحدة تفهمت ذلك ولم تقف أمام هذا القيد كثيراً إذ كان وسيظل الهدف الأمريكي إقامة حائط بين الهند والصين وأسبابه الأخري متوفرة وفي نفس الوقت مواجهة العلاقة الصينية / الباكستانية المُتنامية , وقد أثار توقيع الهند علي هذه المذكرة مع الأمريكيين الكثير من النقد والمخاوف , لكن وزير الددفاع الهندي دافع عن وجهة نظر حكومته في هذا الشأن بأن قال عن الإتفاق مع الولايات المتحدة بأنه ” مجرد مسألة لوجستية تتعلق بإمدادات الوقود وتزويد العديد من الأشياء الأخرى المطلوبة للعمليات المشتركة والمساعدة الإنسانية والعديد من عمليات الإغاثة الأخرى .” * ( موقع qz.com/india بتاريخ 12 سبتمبر 2016) .
أما السعودية فكانت تتحرك أكثر فأكثر بعيدًا عن نفوذ الولايات المتحدة ففي 29 يوليو2022منحت المملكة العربية السعودية وضع الشريك في منظمة شنجهاي للتعاون (SCO) وذلك وفقًا لتقارير غير مؤكدة وتريد المملكة العربية السعودية الانضمام إلى البريكس أيضًا , ويستعد أعضاء منظمة شنجهاي للتعاون – الصين وروسيا وكازاخستان وأوزبكستان والهند وباكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان للتخلي عن الدولار الأمريكي كوسيلة للدفع , وفي سبتمبر 2021 وقعت روسيا والسعودية اتفاقية في موسكو لتطوير التعاون العسكري – لم يتم الكشف عن التفاصيل – المملكة العربية السعودية لديها منفذ إلى كل من الخليج الفارسي (العربي) والبحر الأحمر.
خلال قمة منظمة شنجهاي للتعاون في سمرقند في سبتمبر 2022ستصبح إيران العضو التاسع الكامل في الاتحاد كما تقدمت طهران بطلب إلى دول البريكس أيضًا , وأظهرت زيارة Putin إلى طهران في يوليو2022 أن علاقات روسيا مع الجمهورية الإسلامية وصلت إلى مستوى استراتيجي جديد , ولا يمكن لطهران أن تترك روسيا تخسر الحرب بالوكالة في أوكرانيا مع الغرب , لذا ستواصل إيران تطوير التعاون العسكري والفني مع الاتحاد الروسي ولا يُستبعد أن توفر طهران أيضًا موانئها في الخليج العربي لنقاط الدعم اللوجستي , أما العراق فبدوره شكر روسيا على إدانتها للتدخل الأمريكي عام 2003 ويمر العراق الآن بأزمة سياسية أخرى لكنها أزمة قديمة .
ومن الواضح من تتبع الإستراتيجية الروسية في أفريقيا أنها لا تعتمد كما كانت في العهد السوفيتي علي التنمية والتصنيع والمساعدات المالية , إنها تعتمد في المقام الأول علي صد رياح الديموقراطية والثورات والهبات الشعبية التي تخلع القادة الكرتونيين من مقاعدهم التي يلتصقون بها وبالتالي فأهم ذراع لروسيا في أفريقيا هي مجموعة فاجنر للمرتزقة ولا يقولن أحدهم أن الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيين هم من يأتون ببركات الديموقراطية فهم يُساندون هم أيضاً ولكن بأساليب غير مباشرة الديكتاتوريات خاصة في الشرق الأوسط , غاية ما هناك إختلاف اللغة والأزياء أحياناً ,لكن في المحصلة أن روسيا تحصد أحياناً ثمار أخطاء الولايات المتحدة وحلفاؤها في ساستهم الأفريقية مثلاً في أفريقيا الوسطي ومالي التي وصلها مرتزقة روس وتحديداً لبلدةMenaka في مالي في 15 يونيو2022بعد أيام فقط من انسحاب الجيش الفرنسي من الموقع بحسب ما أفادت مصادر مطلعة على الأمر لوكالة فرانس برس , وقدأعادت فرنسا القاعدة العسكرية في شمال شرق مالي في 13 يونيو2022كجزء من انسحابها من مالي بعد ما يقرب من عقد من الزمان قادت قوةعملية Barkhane العسكرية في شمالي مالي والمناهضة للتمرد ضد الجهاديين , وقال الجيش الفرنسي قبل مغادرته إنه سيكون “متيقظًا للغاية لهجمات المعلومات” التي قد تشمل تنظيم مظاهرات مناهضة لفرنسا أو دفن جثث لجعل الأمر يبدو وكأن فرنسا نفذت فظائع , وقالت مصادر مطلعة على الوضع لوكالة فرانس برس طلبت عدم الكشف عن هويتها إن “عشرات” المرتزقة الروس التابعين لشركة واجنر جروب العسكرية الخاصة وصلوا فعلاً في 15 يونيو في حين قال مصدر محلي إنهم شاهدوا “عشرات” الروس , وقد تراجعت العلاقات بين باماكو وباريس باطراد بسبب ظاهري هو مقاومة المجلس العسكري لتحديد موعد مبكر لاستعادة الحكم المدني واتهامات باماكو بأن فرنسا كانت تحرض المنطقة على اتخاذ موقف متشدد ضدها ( فرنسا تاريخياًدعمت بقاء الأنظمة الدموية الفاسدة الخائنة في أفريقيا) , وفي عام 2021نسج المجلس العسكري في مالي علاقات أوثق مع موسكو وجلب “مدربين عسكريين” أدانتهم فرنسا وحلفاؤها باعتبارهم مرتزقة مُستأجرين من مجموعة فاجنر الموالية للكرملين .
تعمد السياسة الأمريكية إلي معاملة الفريق العسكري في السودان معاملة مُختلفة عن دول قريبة من السودان كجنوب السودان مثلاً التي يترأسها متمرد سابق هو Salva Kiir Mayardit ودول أخري شرق أوسطية بحيث تضغط علي الفريق العسكري القابض علي السلطة لتسليم السلطة للمدنيين لأسباب ثلاث رئيسية هم :
(1) أن الشارع السوداني خاصة الشباب مازال رقم يُحسب حسابه وعامل ضاغط ومُؤثر , مع الكتل الحية النابضة في الشارع وأهمها كتلة قوى إعلان الحرية والتغيير والسودانيين في الخارج خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية , كل هذه المصفوفة دفعت الإدارة الديموقراطية إلي موالاة التغيير الديموقراطي في السودان ومناصرة القوي المدنية به .
(2) أن العسكرين القابضين علي السلطة غيلة في السودان إمتداد أو طبعة رديئة لنظام عمر البشير الذي دخل في علاقات كثيفة مع الصين الذين إنفردوا مع بتروناس الماليزية للبحث عن وإستغلال البترول السوداني حتي تصديره من ميناء بشاير قريباً من ميناء بورسودان , ورغم سعي نظام البشير لتحسين علاقاته مع الولايات المتحدة لكن من قناة تسوية الصراع والحرب مع متمردي جنوب السودان بقيادة جون جارانج وأخفق في مد تحسين العلاقات في مساحة أكبر للعلاقات الثتنائية وكلفته مراوغة الأمريكان توقيع إتفاقية السلام الشامل مع الجنوبيين في عام 2005 وفصل وإستقلال جنوب السودان وإعلانها دولة لكن ممزقة في 9 يوليو 2011 , فعدم رغبة الولايات المتحدة في إستغلال الشارع السوداني للإطاحة بفريق البرهان سببه أنه إمتداد لفريق الشير الذي أدخل الصينيين من بوابة السودان وكرر المعصية فبحث مع Putin عام 2017 وأعلنت روسيا في ديسمبر 2020 توقيع اتفاق مع السودان لبناء القاعدة التي فإلي جانب أنها تمس أحاسيس المواطن السوداني بالسيادة فهي تعرضت للإحباط أيضاً بسبب خلافات البرهان وحميدتي المُتعامل الرئيسي في المجلس العسكري السوداني مع الإمارات التي كانت تطمح في حيازة بورسودان مع حزمة أطماعها في موانئ الصومال واليمن وأرتريا , طبعاً بالإضافة إلي معارضة مصر وخشيتها من إقتراب الروس عسكرياً من قناة السويس وسيناء .
(3) رغبة إثيوبيا الحليف التاريخي للكيان الصهيوني والولايات المتحدة في إبعاد العسكريين السودانيين عن السلطة لأنهم سيأتون بالروس معهم , وللروس صلات قوية تاريخياً ومتنامية مع الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي وهي كما هو معروف عنها مجموعة قومية إثنية شبه عسكرية يسارية ، كما أن للروس أيضاً علاقات قوية جداً بخصم إثيوبيا التاريخي / أرتريا (بغض النظر عن دعم أفورقي رئيس أرتريا لأبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا في حربه ضد التيجراي لأسباب تاريخية تعود لمعاداته إمتداد التجرانيين في أرتريا وحربهم ضده وضد إثيوبيا التي مازالت مُستعرة ليومنا هذا) وتدليلاً – من بين أدلة أخري سابقة وعديدة – علي قوة علاقات أرتريا بروسيا يُذكر أن إريتريا هي الدولة الأفريقية الوحيدة التي صوّتت ضدّ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يطالب روسيا بسحب قواتها العسكرية من أوكرانيا وهو ما يعتبر تصريح قوى لدعم روسيا , ويُذكر كذلك أن علاقات إثيوبيا مع الحكومات المدنية القليلة في السودان كانت طيبة رغم تناقض موقف إثيوبيا في شأن مياه النيل ولهم تجربة حسنة مع حكومة عبد الله خليل بك (المدني) , والإثيوبيين لا يغفرون أن الفريق عبود هو الزعيم الوحيد من بين دول حوض النيل الذي أبرم مع مصر إتفاقية الإنتفاع الكامل بمياه النيل في 8 نوفمبر 1959 بالقاهرة وهي الإتفاقية الثنائية الوحيدة في شأن مياه النيل .
لكن قضية حيازة روسيا لقاعدة بحرية لها في بورسودان علي البحر الأحمر ليس أمراً مُتعلقاً فقط بالعلاقات الأمريكية / السودانية فهو أيضاً أمر مُتعلق وبقوة بالوضع السائد في شرق السودان وهو مضطرب منذ فترة طويلة وتحديداً في بورسودان نفسها , فلجنة أمن الدولة بالبحر الأحمر أعلنت في 31 أغسطس 2022 أنها ستطبق مواد قانون العقوبات السوداني التي تحظر على المدنيين تنظيم أنفسهم في نظام عسكري وحمل السلاح وترفض جماعة الشيبة ضرار المعارضة القرار , وذكرت اللجنة الأمنية في بيان صادر عن المكتب الإعلامي لمحافظ البحر الأحمر أن “ظاهرة انتحال المدنيين لسمات القوات العسكرية والأمنية من خلال ارتداء الزي العسكري واستخدام بطاقات الهوية والرتب العسكرية وحمل السلاح يعد خرقا لقانون الجزاء والقانون المنظم للقوى الحكومية المختلفة وأن كل من يخالف القانون يجب أن يحاكم ويعاقب” , ونفت اللجنة وجود “ترتيبات أمنية تهدف إلى إعادة دمج أي قوات داخل حدود الدولة” .
أوضح الصحفي أمين سنادا لراديو دبنقا من بورتسودان أن قرار لجنة أمن ولاية البحر الأحمر يستهدف على وجه الخصوص قوات المتمردين المسلحة بشرق السودان مثل تمازج الجبهة الثالثة وقوات شيبة ضرار , وقال إن “ولاية البحر الأحمر تشهد حاليا أعلى مستوى من الفوضى على الإطلاق” ، معربا عن أمله في أن اللجنة الأمنية “لن تكتفي بالبيانات فقط ، بل ستتخذ إجراءات عملية لتنفيذ القرارات واحتواء العنف. في المنطقة”.
قالت شيبة ضرار قائد قوات تحالف أحزاب وحركات شرق السودان لراديو دبنقا “لسنا معنيين بقرارات اللجنة الأمنية فنحن لا نتعرف عليهم ونطالبهم بتنفيذ القرارات ”.
إن ضرار أحمد ضرار المعروف بلقبه شيبة ضرار كان نائب رئيس كتلة مؤتمر البجا السياسي حتى عام 2021 وكان قائد الجبهة الشرقية وتحالف الأسود الحرة ومؤتمر البجا وحزب الشرق الديمقراطي , وقد وقعت الجبهة الشرقية اتفاقية سلام شرق السودان مع حكومة عمر البشير في أكتوبر 2006 لكن مقاتليها السابقين لم ينضموا إلى برنامج إعادة التأهيل المتفق عليه وبعد التوقيع على الاتفاق اشتبك ضرار مع زعيم جماعة الجبهة الشرقية موسى محمد أحمد عندما اختلفت حركة البجا المسلحة حول المناصب الحكومية الجديدة المنصوص عليها في الاتفاق , وفي منشور على فيسبوك في مارس 2021 أطلق عليه لقب “أغرب شخصية يمكن أن تقابلها في المشهد السياسي بشرق السودان فهو “رجل من جميع العصور والأنظمة “، كما يبدو أنه سعى لتحالفات مع الجماعات المتمردة في دارفور مع زعيم مجلس السيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان ومع الجنرال محمد حميدتي دقلو قائد لقوات الدعم السريع شبه العسكرية وذلك في مناسبات مختلفة.
صرح ضرار لموقع الرائد الإخباري في يونيو أن “شرق السودان عانى كثيرا من التهميش ، ولا نريد أن تتخذ الحكومة المركزية قرارا بشأننا بعد الآن ، وأن تبني بنايات وفيلات كبيرة على حسابنا”. [..] لذلك ستستمر ثورة البجا ” وقال: “يجب تمثيل بجا شرق السودان في أي مكان في الوسط” فنحن نريد الوحدة والاستقرار للسودان وأن يكون السودان للجميع .
هذا هو الوضع في شرق السودان الذي يأمل الروس في التموقع في حاضرته / بورسودان وليس للروس إلا خبرة ضئيلة بشرق السودان هذا بالإضافة إلي إعتزاز البجا بإسلامهم وللحزب الإتحادي والختمية إمتداد بالشرق وهي عوامل من بين عوامل أخري مانعة لإستقرار روسي عسكري الطابع فيه , إضافة إلي أن أهل شرق السودان وغالبتهم من البجا والبني عامر والهدندوة والبشارية والعبابدة و يعلمون بدرجة تكون واحدة أن قاعدة بحرية لروسيا في بورسودان هي مشروع لخدمة سلطة العسكريين السودانيين في الحساب الختامي للأمر وليس للسودان , ثم أن شعاراً سيُرفع في وقت ما مفاده : نحن أهل الشرق لم نُستشر كالعادة في أمر القاعدة فكيف نستضيفها ؟
قضية حيازة قاعدة بحرية روسية في بورسودان ليست قضية يسيرة , بل هي قضية شائكة لعلاقاتها الآن ومستقبلاً بالأمور التالية :
(1) إستقبال الولايات المتحدة وخاصة القادة العسكريين بالقيادة العسكرية الأمريكيةAFRICOM لخطة الروس للتمركز البحري العسكري في بورسودان . (في خطة الروس إستقدام 4 سفن نووية)
(2) لو نجحت الدبلوماسية والمخابرات الأمريكية في إحداث تحول ديموقراطي وإجبار العسكريين السودانيين علي تسليم السلطة للمدنيين يكون مخطط الروس في حيازة قاعدة بخرية لهم (وربما للصين لاحقاً إن نجد الروس) قد فشلت فشلاً ذريعاً , وربما يكون الأمريكي المبذول حتي الآن لتغيير خريطة السلطة في السودان وراءه هذا السبب ألا وهو قطع الطريق علي عسكريين السودان في إستقدامهم الروس لداخل البيت السوداني , خاصة وأن الأمريكان يدركون أن من خان ثوابت السودان ومن أهمها قاطبة عدم الإعتراف بالكيان الصهيوني يجرؤ ويستطيع إستقدام الروس ليس فقط في بورسودان بل في أم درمان نفسها .
(3) سيرتبط تمركز الروس في بورسودان خشية أمريكية من إمكانية تمدد العسكرية الروسية (وربما الصينية لاحقاً بإعتبار روسيا مقدمة إستطلاع) في جنوب السودان فهم والصينيون ساندوا ودعموا الرئيس Salva Kiir Mayardit في موجة الحرب الأهلية بجنوب السودان (ديسمبر2012 حتي 2018) في مواجهة خصمه Riek Machar , ولنتذكر أن إتفاقية أديس أبابا لم تؤد إلي إحلال السلام وإنهاء هذه الحرب وليس من الواضح أنها ستؤدي إلي ذلك , خاصة وأن الحرب إستمرت والإتفاقية شارفت علي التحلل لدرجة أن أحتاجت القوي الدولية في مجلس الأمن لإستصدار قرار بدعم أو بالأحري لحماية قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب السلامUNMIS من خلال دعم القوة القائمة بنحو 4,000رجل لحمايتها ومشروع قرار آخر أخفقت الولايات المتحدة في نوفمبر 2016 في إستصداره يدعو إلي حظر السلاح عن أطراف الحرب الأهلية بجنوب السودان والذي مازالت الصين وروسيا تعارضانه ومعهما دول أخري غير دائمة العضوية بمجلس الأمن منها مصر وأنجولا وفينزويلا, مما أدي إلي إقتراح السفير Lyman إدارة الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي لجنوب السودان أي وضع جنوب السودان تحت الوصاية الدولية ولو أنه يعتبر إقتراح أو حل ثوري من وجهة نظر معارضيه لتجاوزه ثوابت في القانون الدولي منها ميثاق الأمم المتحدة نفسه , لكنه علي أي الأحوال كان مُقترحاً قادت إليه ضراوة الحرب موجة الأهلية الثانية في جنوب السودان , وعلي كل حال فقدعرض لأول مرةعلي الملأ من خلال موقع معهد الولايات المتحدة للسلام United States Institute of Peaceوصحيفة Financial Time في نفس اليوم أي في 20 يوليو 2016 , وهذا يعني أنه يمكن للروس أن يتقدموا خطوة بإتحاه جنوب السودان إن نجحوا في التمركز في بورسودان وتخطي العقبات المحتملة في هذا السبيل .
(4) سيؤدي حيازة الروس لقاعدة بحرية في بورسودان إلي عدد من النتائج الفرعية منها مثلاً إرتفاع وتيرة الخشية المصرية من الإقتراب العسكري الروسي من حدودها الجنوبية وسيؤدي إلي فك رابطة التنسيق المُشترك في الملف الليبي بالتبعية والإقتراب من تمركز AFRICOMفي جيبوتي في Camp Lemonnier بالإضافة لقواعد أخري لفرنسا و قاعدة دعم جيش التحرير الشعبي الصيني وقاعدة قوات الدفاع الذاتي اليابانية , وسيكون أي أقتراب عسكري روسي في جيبوتي والقرن الأفريقي بصفة أعم معناه بصفة أولية تغيير في خطط تحرك الـ AFRICOM وبداية مرحلة مختلفة في التخطيط العسكري الأمريكي .
(5) مد شبكة تغطية روسيا لأسطولها البحري بدءاً من البحر الأسود قبالة شبه جزيرة القرم وطرطوس في شرق المتوسط وبورسودان جنوب قناة السويس وربما لاخقاً في زيلع فيما يُسمي بجمهورية أرض الصومال , وبذلك تكسر روسيا للمرة الثانية طوق حرية التحرك والثبات في المياه الدافئة وهذا مُتغير جديد للعسكرية الأمريكية والصينية فالصين وبدرجة أقل من الولايات المتحدة الأمريكية لا تتمني أن يكون لدي روسيا قواعد بحرية تتيح لها حرية الحركة والثبات البحري لأسطولها المرعب .
(6) سيضيف تمركز الروس في قاعدة بحرية ثابتة في بورسودان قوة نسبية وغير مباشرة للعسكرية السودانية وهو ما لا ترغبه أرتريا وإثيوبيا معاً وبدرجة تكاد وأن تكون واحدة وإن أختلفت الأسباب لكنها أسباب عدائية , لكن هذه القاعدة إن حازتها روسيا فستتغير الخريطة الجيوسياية في البحر الأحمر كثيراً ولمصلحة روسيا وستؤثر بالإيجاب علي قدر النفوذ الذي لروسيا في ملف الصراع الدولي في اليمن بل وعلي نظم وآليات عمل شركة التأمينات البحرية Lloyd’s , وسيكون في هذا التطور إن حدث تأثير إيجابي علي قدرة إيران علي النفاذ في اليمن وفي شرق أفريقيا .
يتبقي أن أشير إلي أن روسيا قد تقترح علي العسكريين السودانيين – إن إستمروا في سدة الحكم – الإستعاضة عن القاعدة البحرية في بور سودان لتكون في ميناء ثانوي يُدعي أوسيف جنوب حلايب وقديما كان ميناء تستخدمه شركةيوغسلافية لتصدير الفوسفات , هذا إن كان للروس شبق في ضرورة حيازة ميناء لهم في فضاء البحر الأحمر والحقيقة أنهم لديهم هذا الشبق وربما تستيقظ مصر واسعودية وتجد الروس أمامهم يطرقون أبوابهم في الصباح الباكر بعسكريين يودون إعتلاء كرسي السلطة وتبدأ موجة إنقلابات وإنقلابات مُضادة في المنطقة بما فيها السودان نفسه.
الــــســـفـــيــــر بـــــلال الــمــصـــري – المركز الديمقراطي العربي – الــــقــــاهــــرة تحريراً في 7/9/2022