الدراسات البحثيةالمتخصصة

العلمانية في الفكر العربي دراسة مقارنة بين عابد الجابري و عبد الوهاب المسيري

إعداد : مادونا جرجس شكرالله يعقوب   –   إشراف : د. علياء سرايا –جامعة القاهرة – كلية الاقتصاد و العلوم السياسية – قسم العلوم السياسية
  • المركز الديمقراطي العربي

قائمة المحتويات

الموضوع رقم الصفحة
المقدمة 1-15
المشكلة البحثية 2
مراجعة الادبيات السابقة 3-8
الاطار النظري 8-11
الاطار المفاهيمي 12-13
المنهج 13-15
تقسيم الدراسة 15
الفصل الاول

السياق الذي عاش به كل مفكر و ظروفه الشخصية

16-27
المبحث الاول

نشأة محمد عابد الجابري:العوامل المؤثرة في مشروعه الفكري

18-22
المبحث الثاني

نشأة عبد الوهاب الميسري:العوامل المؤثرة في مشروعه الفكري

23-27
الفصل الثاني

تعريف العلمانية

28-42
المبحث الاول

تعريف العلمانية عند محمد عابد الجابري و عبد الوهاب المسيري

30-37
المبحث الثاني

مفاهيم مرتبطة بالعلمانية عند محمد عابد الجابري و عبد الوهاب المسيري

38-42

 

الفصل الثالث

تطبيق العلمانية في الواقع العربي عند محمد عابد الجابري و عبد الوهاب المسيري

43-48
الخاتمة 49-50
قائمة المراجع 51-56

المقدمة:

تعتبر العلمانية من أكثر المصطلحات المثيرة للجدل في الفكر السياسي عامة و الفكر العربي خاصة, و اتخذ المفهوم حيزا واسعا من الاهتمام منذ أن تمت معالجته في الفكر الغربي بعد انتهاء الحروب الدينية أبان عصر النهضة الأوروبي, و نادت العلمانية آنذاك بفصل الدين و السلطة الدينية عن الدولة و السلطة السياسية مما عانته تلك الدول من حروب و تدخلات للسلطة الدينية في الحياة السياسية .

ثم انتقل المفهوم للفكر العربي و انتشرت الكتابات حوله بشكل ملحوظ و غير مسبوق في ثمانينيات القرن العشرين, و باتت تناقش في الفكر العربي بين مؤيد و معارض و اختلف المفكرون حولها بل و أيضا في تسميتها فأحيانا يخوض الفكر فيها باسم الديمقراطية و أحيانا بالعقلانية و أحيانا بمدنية الدولة, و بالرغم من كون المفكرون العرب ينتمون إلي نفس المناخ الفكري إلا أنهم اختلفوا في تناولهم لمفهوم العلمانية و من بين هؤلاء المفكرون دكتور محمد عابد الجابري و دكتور عبد الوهاب المسيري و الذين ستركز تلك الدراسة علي إيضاح تناولهم لهذا المفهوم, فكلا منهما له رؤية خاصة للعلمانية, كما يعد دكتور محمد عابد الجابري مفكر مغربي المنشأ و أحد المفكرون المعارضون للفكر العلماني  و تطبيق العلمانية في العالم العربي و له ما يقرب من 30 مؤلفا في قضايا الفكر المعاصر و حاصل علي دبلوم الدراسات العليا في الفلسفه عام 1967 و  دكتوراة الدولة في لفلسفه عام 1970 [1], بينما ولد دكتور عبد الوهاب المسيري و عاش في مصر و هو من ابرز المفكرون المصريون بل و العرب الذين تناول مفهوم العلمانية,  و له ما يقرب من 141 مؤلف و حصل علي الدكتوراة من جامعة رَتْجَرز عام 1969[2] , و سوف تركز الدراسة علي العديد من الكتابات الخاصة بكل مفكر منهما, فمن كتابات دكتور محمد عابد الجابري- التي سوف تركز عليهم الدراسة لايضاح افكاره حول مناهضة العلمانية و الفكر العلماني- كتاب “قضايا في الفكر المعاصر”  و الصادر في يونيو 1997 و ايضا كتاب “بنية العقل العربي دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية” الصادر في نوفمبر 1985 و كتاب “الدين و الدولة و تطبيق الشريعة” الصادر في فبراير 1996, و كذلك كتاب “الخطاب العربي المعاصر دراسة تحليلية نقدية” الصادر في يناير 1982 , و من كتابات دكتور عبد الوهاب المسيري التي تبرز آرائه تجاه الفكر العلماني و ستعني الدراسة بهما كتاب “العلمانية الجزئية و العلمانية الشاملة” الصادر في نوفمبر 2002 و ايضا كتاب “العلمانية و الحداثة و العولمة” الصادر في عام 2009 .

المشكلة البحثية :

شهد التاريخ الأوروبي فترتين تاريخيتين متضادتين فيما عرفوا بعصر الظلومات و عصر التنوير و كان الفاصل بين هاتين الفترتين ظهور مصطلح العلمانية,  و بالرغم من وضوح المصطلح في الفكر الغربي, إلا انه يشتمل علي الكثير من الغموض و الالتباس و التناقضات في الفكر العربي, حتى يخشي العديد من المفكرين العرب استخدام هذا المصطلح و يلجئون إلى استبداله بغيره من المصطلحات فاحيانا يتم استخدام مصطلح الدولة المدنية للاشارة الي الدولة العلمانية في دساتير الدول العربية أو الخطابات السياسية خشية من استخدام مصطلح العلمانية و ردود الافعال حوله و كأنه يشير الي شئ غير مشروع.

و أصبحت العلمانية إشكالية قائمة بذاتها بسبب ارتباطها بالدين الإسلامي, و قد ظهر في تلك الصدد العديد من المفكرين العرب الذين حاولوا تعريف العلمانية و إعطاء دلالات مختلفة للمصطلح حيث اختلف المفكرون بين مؤيد و معارض للمفهوم, فان دراسة مفهوم العلمانية في المجتمعات العربية ليس بالأمر الهين او اليسير, و من هنا تنطلق الإشكالية الأساسية للدراسة و التي تدور حول مفهوم العلمانية عند بعض المفكرين المختلفون في الوطن العربي  بالتركيز علي نظرة محمد عابد الجابري للعلمانية و رفضه لتطبيقها في العالم العربي و أطروحة عبد الوهاب المسيري و تفسيره لها .

و يمكننا الإجابة علي هذا السؤال الرئيسي من خلال الإجابة علي عدة تساؤلات فرعية

التساؤلات الفرعية للدراسة:

  1. هل تعد العلمانية نتاج مشكلات المجتمع الغربي فقط ؟
  2. هل استطاع الفكر العربي تقويم مفهوم العلمانية علي نفس مستوي الفكر الغربي؟
  3. ما هو السياق الذي نشأ به كل مفكر و كيف أثر علي تبنيهم لافكار معينه؟
  4. ما رؤية عابد الجابري للعلمانية ؟
  5. لماذا لا يمكن تطبيق العلمانية في المجتمعات الإسلامية من وجهة نظر الجابري؟
  6. ما هي أهم ملامح النموذج الفكري للمسيري؟
  7. كيف فسر المسيري إشكالية العلمانية ؟
  8. ما هي العلمانية الشاملة و العلمانية الجزئية عند المسيري؟
  9. إلي أي مدي يختلف النموذجان الذين طرحهما الجابري و المسيري؟

مراجعة الأدبيات السابقة :

أصبح من الأمور شديدة الوضوح أن العلمانية ليست أمر متفق عليه كحال العديد من الموضوعات التي تنتمي للعلوم الاجتماعية و من هنا يجب الإشارة إلي انه في اغلب الأدبيات السابقة التي تناولت مفهوم العلمانية اختلفت في طريقة تناولها لهذا المفهوم بشكل واضح , فكما هو واضح فان تناول المفهوم في الدراسات الغربية بشكل خاص والثقافة الغربية بشكل عام مستقر بدرجة كبيرة علي عكس تناول الفكر العربي لنفس المصطلح, فكثير من الدراسات العربية تختلف فيما بينها في تناول تلك المفهوم و عليه فسوف يتم تقسيم مراجعة الأدبيات السابقة إلي أربعة فئات رئيسية يمكن من خلالهما تتبع الفكر العربي تجاه تلك القضية.

  • الفئة الأولي و التي تتضمن الدراسات التي ترفض العلمانية و الحداثة الغربية.
  • الفئة الثانية و التي تتضمن الاتجاه المؤيد للعلمانية.
  • الفئة الثالثة و التي تتضمن الدراسات التي تناولت اهم اطروحات محمد عابد الجابري العلمية .
  • الفئة الرابعة و التي تضمنت الدراسات التي تناولت اهم اطروحات عبد الوهاب المسيري العلمية .

الفئة الأولي و التي تتضمن دراسات الاتجاه الإسلامي الرافض للعلمانية و الحداثة الغربية.

تبني أصحاب تلك الاتجاه رفضا واضحا للعلمانية أو تحول الدول العربية الإسلامية إلي دول علمانية و كانوا يصورون العلمانية علي إنها الخطر الأكبر علي الإسلام و العالم الإسلامي و كأن العلمانية دعوة للتبشير, و جميع الدراسات الرافضة للتيار العلماني كانوا يؤكدون علي أن العلمانية كفكر و كتيار جاء نتيجة المشكلات التي حدثت في الغرب و كنتيجة لممارسات الكنيسة في الدول الأوروبية و بالتالي هي لا تتماشي مع مشكلات المجتمع الإسلامي أو تتماشي مع قيمه و تراثه

و هناك دراسات تناولت إيضاح مفهوم العلمانية و كيف نشأ و تطور و كيف انتقل إلي عالمنا العربي , و تناولوا أسباب ظهور العلمانية المادية في أوروبا و قارنوا بين تلك الأسباب و الأسباب التي أدت إلي ظهور نفس المصطلح في عالمنا العربي, و لماذا لا تتماشي العلمانية مع الحضارة العربية ؟ و توصلت الدراسة الي إن الاتجاه العلماني المادي في أوروبا كان معبرا عن موجه عاطفية و لم يكن نتيجة عمق في الاختيار أو الدراسة , و أخير توصلت تلك الدراسة إلي أن العزوف عن الدين في المجتمع الأوروبي لم يكن بسبب المشكلات التي حدثت بالكنيسة بل كانت رغبة في تحقيق أهداف شخصية أخري[3]. و هناك بعض الدراسات التي حاولت الابتعاد عن السياسية قدر المستطاع حتى تتطرق إلي الجانب العلمي و إيضاح نشأة و تطور المفهوم و وجهة النظر الإسلامية لها و إيضاح وجهة نظر العلماء المسلمون للمفهوم رغم صعوبة تلك الأمر[4]. و علي النقيض هناك دراسات لم تهتم بالجانب العلمي لقضية العلمانية بل و أعلن أصحاب تلك الدراسات في مقدمات كتاباتهم جهرا أنهم لا يتبعون النهج المحايد أو الموضوعي و إن انتمائهم الأول و الأخير للأمة الإسلامية و لنصرة الإسلام و كأن الدراسات المخالفة لتلك النهج أو التي تتبع الأسلوب الموضوعي هي كتابات مناهضة للإسلام و بالطبع هي بدع ابتدعها أصحاب التيار العلماني و وصفوا العلمانيين بأنهم مزيفون للواقع و الحوادث التاريخية[5].

و هناك دراسات تعلقت برصد و تناول قضايا الحكم في المجتمع الإسلامي و تناولت أهم المشكلات القائمة و صورت العلمانية كأحد المخاطر التي تواجه الدول الإسلامية من وجهة نظر الكاتب و التي يجب رفضها كلية[6]. و هناك من حاولوا التصدي لأفكار مفكرون علمانيون بعينهم فجاءت كتاباتهم ردا علي كتابات معينه أو مفكرون معينون فكانت دراساتهم شديدة الدقة و ترفض العلمانية من منظور معين و مؤكده علي دور الدين في حياة الأمة الإسلامية محققا بذلك نظام الحكم المثالي[7] .

و مما سبق يمكننا ملاحظة إلي أي مدي كانت الدراسات داخل تلك الفئة تتشابه فيما بينها حيث تبنت جميعها أفكارا مناهضة للتيار العلماني و مدي خطورته علي الحضارة العربية و عدم تماشيه مع نظم الحكم العربية و تمسك الشعوب العربية بالتراث العربي الثقافي و الديني ففي تاريخ العرب أمجادهم التي لا يمكنهم التخلي عنها علي عكس الشعوب الغربية و علاقتهم بتاريخهم , فلهذا السبب جاء رفضهم لتمسك التيار العلماني بالغرب و التجربة الغربية , كما يمكن الاستفادة من تلك الدراسة في التعرف علي تطور مفهوم العلمانية من وجهة النظر الأصولية و يمكن أن يقدم نقدا لما قد يبدو منحاز من تلك الدراسات لإيضاح الفكرة الخاصة بهم و مناقشتها بشكل واضح و تصوير العلمانية و أنصارها بالكفر و معاداة الدين .

الفئة الثانية و التي تتضمن الاتجاه المؤيد للعلمانية:

تبنت تلك الدراسات الاتجاه العلماني بشكل عام الداعي إلي فصل المجال المدني عن المجال الديني و عدم التداخل بين كلا المجالين , و إن الدين يعلو و يسمو عن أن يتدخل في الحياة السياسية , بل أنهم وجدوا في العلمانية حلا لمشكلات المجتمع الإسلامي و لا شك أن جميع رواد و أصحاب تلك الاتجاه تأثروا بالفكر الغربي المؤيد للعلمانية المطبقة في اغلب الدول الأوروبية, و هناك دراسات كانت تهاجم كتابات المفكرين الإسلاميين الداعيين بان حاكم الدول الإسلامية هو الله و القائمين بالإعمال هم نواب عنه (خليفة) بل أنه في النهاية هو حكم بشري صرف و بالتالي بطلان دعواهم بل و أن الدول الدينية بعدية كل البعد عن قيم الحرية و العدل و المساواة [8].

و هناك دراسات تبنت وجهت النظر القائلة بأن الإسلام دينا وليس دولة , فلا شك أو خلاف حول الإسلام كدين في القلوب و العقول و لكنهم يحتجون و يتناقشون في فكرة اعتبار الإسلام دين و دولة و الدعوة لإنشاء الدولة الإسلامية و تطبيق الشريعة الإسلامية واعتبار حاكمها معصوما من الخطأ لا يمكن مسائلته[9].

كما توجد دراسات علي عكس زعم مفكرو التيار الأصولي تدعي وجود العلمانية في التراث القبطي الذي يحمل بذور التراث العربي الإسلامي أي أنها ليست مجرد ترجمة لما جاءت به الحضارة الغربية و حسب بل إن بذور العلمانية توجد في تراثنا الإسلامي و يرجع ذلك لكتابات الأسقف ساويروس بن المقفع في عام 915 م و الذي أعطي تعريفا للعَلمانية بفتح العين لمن ليسوا رهبانا أي لمن ينتمون للعالم و ليسوا من رجال الدين [10].

الفئة الثالثة و التي الدراسات التي تناولت اهم اطروحات محمد عابد الجابري العلمية .

تجمع تلك الفئة الدراسات التي تتناول و تحلل دراسات محمد عابد الجابري و التي تناهض بشكل جلي الفكر العلماني فالكثيرون يعتبرون محمد عابد الجابري مفكر اسلامي لما تبرزه كتاباته  و من اهم تلك الكتابات دراسات ركزت علي تناول مفهوم العلمانية عند الجابري و كيف فسر تلك المفهوم من وجهة نظره و رفضه و اعتبره زائفا بل لم يقتصر الجابري علي رفضه العلمانية لهذا السبب فقط بل ايضا لمنافتها للغلبة الدينية[11] , و هناك دراسات نظرت للرؤية الجابرية للعلمانية  علي انها ساسا لمشروعه الفكري و كانها الركيزة الاساسية التي كان من الضروري الوقوف عندها حتي يكتمل مشروعه الفكري و رات تلك الدراسة ان هناك تناقضا في تناول مفهوم للعلمانية و باقية مشروعه الفكري حتي ان جورج طرابيشي بدأ يناقض فكر الجابري من تلك المنطلق, لم تستصيغ تلك الدراسة رؤية الجابري للعقلانية و رفضه للعلمانية الذي يتعارض مع تلك الرؤية[12] , وهناك دراسات تناولت مفهوم العقلانية الذي وضعه الجابري بديلا للعلمانية علي غرار عدم قبوله لمفهوم العلمانية عربيا و راي انه غير واقعي للفسير الواقع العربي و الاسلامي فلا كنيسة في الاسلام ولا مؤسسة روحية مستقله عن الدولة حتي نفصلها عنها[13] .

الفئة الرابعة و الدراسات التي تناولت اهم اطروحات عبد الوهاب المسيري العلمية .

تركز تلك الفئة من مراجعة الادبيات علي ابراز  الدراسات التي تناولت كتابات الدكتور عبد الوهاب المسيري و اطروحاته العلمية تجاه العلمانية , و هناك دراسات تناولت فكر عبد الوهاب المسيري و تحليله و محاولت ايجاد الرابط بين اطروحات عبد الوهاب المسيري و مفاهيم الحداثة الغربية و معرفة ملامح الخطاب العربي الاسلامي الجديد في وسط اطروحاته العلمية [14], و هناك دراسة اخري اعلت من دراسة عبد الوهاب المسيري لتضعه علي قمة البناء المعرفي العلماني العربي و التي تنتقل بالعلمانية من الجانب الجزئي الكلاسيكي الي العلمانية الكلية و الما بعد حداثية و حاولت الدراسة بيان تناول عبد الاوهاب المسيري للمفهوم و تقاطعاته مع مفاهيم اخري , و تحاول الاجابة علي سؤال كيفية الانتقال من العلمانية الجزئية للعلمانية الشاملة و كيف يمكن معرفة العلاقة بين الابستمولوجي و الانطولوجي في مسار المتتالية بين العلمانيتين؟ [15] و هناك دراسات ركزت علي الرؤية المعرفية لعبد الوهاب المسيري حول العلمانية من وجهة النظر الانسانية ففرقوا بين تعريفه للعلمانية الجزئية علي انها انسانية و يمكن التعامل معها و العلمانية الشاملة كونها غير اخلاقية و غير انسانية و لا يمكن التعايش معها[16] .

الإطار النظري:

هناك انقسامات واضحة في المجتمعات العربية الإسلامية حول إشكالية العلمانية و تختلف الرؤى و الاتجاهات حول تلك القضية التي باتت مستقرة في الدول الغربية و واضحة المعالم إلا أنها لا تزال قيد الدراسة و البحث في المجتمع العربي بل و لا تزال تختلف الرؤى نحوها , فهناك اتجاهين بارزين علي تلك النحو, هناك اتجاه علماني و تيار أخر ديني (أصولي) رافضا للعلمانية و تطبيقها في المجتمعات الإسلامية , و كلا الاتجاهين يحاول إبراز وجهة نظره و إيضاح ايجابيات منهجه بالإضافة إلي ربط وجهة النظر الذي يتبعها بشواهد من الواقع و يحاول إثبات صحة ادعاءاته و فيما سيلي سيتم عرض كل اتجاه علي حدي.

أولا اتجاه الأصولية الإسلامية:

يشتق لفظ أصولية لغويا من (أصول) و في اللغة الانجليزية من (FUNDATTIONALISM) بمعني أساس, فأصل الشئ أي أساسه الذي أتي منه, و الأصوليين هم الذي يرجعوا إلي الأصل , وهناك أصولية مسيحية و أصولية إسلامية و أصولية يهودية و في تلك الدراسة سوف يتم التركيز علي الأصولية الإسلامية في مواجهة العلمانية, فان أصحاب الخطاب الإسلامي الأصولي يطرحون النموذج الإسلامي المؤسس علي الله كبديل عن الأيديولوجيات , فان اغلب الحركات الإسلامية تتبني شعارات “الدولة الإسلامية” و “الثورة الإسلامية” , فالنظرية الأصولية نشأت لسد الفراغ الأيديولوجي الناتج عن سقوط النماذج المستوردة من الغرب , فالفكر الإسلامي الأصولي هو إثبات هوية الفرد و المجتمع في الأمة الإسلامية, وهناك مفكرون مسلمون محدثون استوردوا تعريف الأصولية من الغرب علي أنها الإرهاب و التعصب للدين و رفض الحداثة و بالتالي يدعون للعلمانية باعتبارها الحل, و هناك معنيين للأصولية المعني الكلاسيكي الذي يقصد به تنقية المجتمع مما لا يتفق مع القران الكريم و الأحاديث النبوية و المعني الجديد المقصود به تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع المجالات الحياة الإنسانية,  و الأصولية هي مدرسة فكرية ثرية بالمعايير و القيم و هي الضامن للتاريخ العربي الإسلامي. و فيما يلي سيتم التركيز علي كبار الفكر الأصولي الإسلامي و هم أبو الأعلى المودودي و سيد قطب و خميني[17].

يعتبر مودودي هو منظر الأصولية الإسلامية و من أهم مؤلفاته في تلك القضية “الحكومة الإسلامية”  و في تناوله لتلك الحكومة تصور أن الحاكم فيها هو الله تعالي و تقتصر السلطة داخل تلك الحكومة عليه و ليس لأحد غيره الحق في التشريع أو في تعديل تلك التشريعات أو إصدار أية تشريعات, إذن فالدولة حسب تعبير المودودي هي ثيؤقراطية ديمقراطية أي أنها ديمقراطية مقيده بسلطان الله , فهي علي عكس العلمانية الغربية لا وجود بها للكهنة أو المشرعون بل أن القائمون علي الحكم هم مندوبون عن الحاكم فهم “خلافة “عن الحاكم الأعلى , بالإضافة إلي انه عرف العلمانية علي أنها انفصال الأخلاق عن الدولة و اعتبره مفهوم خاص بالحضارة الغربية فقط.[18]

كما جاءت الدولة في وجهة نظر سيد قطب تنقسم إلي نوعين, النوع الأول و هي الدول الجاهلية و التي من جهة نظرة الدول التي يعبد فيها الناس بعضهم البعض فالناس بها جميعا عبيد و يشمل تلك النوع من الدول جميع الدول سواء الوثنية أو حتى اليهودية و المسيحية التي يعتبرها “في وجهة نظره الخاصة” جعلت مع الله ألها أخر تعبده, و النوع الثاني و هي الدول الإسلامية التي يعبد فيها الناس الله وحده و هو الحاكم الأعلى للدولة , و لن تتوقف وجهة نظر سيد قطب علي مستوي الفكر فقط بل انه دعي إلي ضرورة إيصال فكرته تلك واقعيا ماديا و إرجاع الدول من يد مغتصبون سلطة الله في الأرض .[19]

كما جسد خميني الفكر الأصولي الإيراني بتأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية 1979 و يدور كتابه “الحكومة الإسلامية” لعام 1970 حول قضايا ثلاثة و هم : أولا ربط السلطة السياسية بالأهداف الإسلامية وثانيا ولاية الفقيه وثالثا برنامج تأسيس الدولة الإسلامية , فكل ذلك يؤكد محورية الأمر الإلهي علي البشرية و تأسيس نظام إسلامي عادل .[20]

كما أن أنصار الاتجاه الإسلامي الأصولي يتناولوا الطرح العلماني لمفهوم العلمانية  مع الانتقاد الواضح للفكر العلماني و محاولات تطبيقه في الدول الاسلامية بعدة طرق فهناك من العلمانيون الذين تبنوا الطريقة الكلاسيكية و هي الجهر بفكرة فصل الدين عن الدولة و من منظورا تلك الفئة هم فرح أنطوان و شبلي الشميل و منهم من كانوا يخشوا الجهر بتلك الأفكار العلمانية في المجتمعات الإسلامية فكانوا يحاولون خداع الجمهور بالتنظير لفكرة أن العلمانية و الفكر العلماني غير مناهض للدين و للإسلام محاولة منهم في الخداع و لا ينم ذلك عما كانوا يضمروه في أفكارهم بالفعل .[21]

ثانيا الاتجاه العلماني العربي :

تعني العلمانية في الأصل اللغوي(secularism)  و هي مشتقة من الأصل اللاتيني (ciculum) و صيغ من هذا المفهوم العديد من المفاهيم الأخرى مثل المدنية مما يبعد عنها شبهة معاداة الدين , و بسبب سوء الترجمات استخدمت كمصطلح مرادف للاييكية , إذن فهي مفهوم سياسي يعني فصل المجال الديني عن المجال المدني أي حيادية الدولة إزاء كافة الأديان بالدولة و عدم تدخل المؤسسة الدينية في الحياة السياسية .[22]

لم يتوقف الخلاف في الوطن العربي إزاء تعريف العلمانية فحسب بل أن هناك خلاف أيضا إزاء ذيوع و انتشار الأفكار العلمانية فهناك من يرجعها إلي الحملة الفرنسة علي مصر و ذهول المجتمعات العربية بما كانوا يعيشونه من فترات تخلف شديدة [23]. و هناك من يرجعوا انتشار الفكر العلماني في العالم العربي إلي ردة الفعل إزاء هزيمة 1967 و كنتيجة انبهار بعض المثقفون العرب بالفكر الغربي و تصورا أن العلمانية هي أفضل أسلوب لمعالجة مشكلات المجتمع العربي الإسلامي و كان بلا شك صدي للتيار (اللائيكي) الذي يميز تطور الفكر الغربي .[24]

و من هنا طرحت عدة مشاريع مختلفة لرسم أسس النهضة العربية , منها من دعي للأخذ بالنموذج الغربي و إقصاء الدين عن الحياة السياسية و من أنصار تلك االتيار العلماني الليبرالي شبلي الشميل و سلامة موسي و جاءت أيضا محاولات من زعماء سياسيون إلي علمنة دولهم مثل مصطفي كمال أتاتورك الذي الغي نظام الخلافة في تركيا و الحبيب بورقيبة الذي جعل من دور المؤسسة الدينية عملا مستقلا لا تتدخل فيه الدولة و بالتالي جعل من الممارسة السياسية أمرا مستقلا لا تتدخل فيه أية رقابة دينية في تونس, و بالإضافة إلي هذا التيار كان هناك تيار علماني اشتراكي نشأ بتأسيس الاتحاد السوفيتي و انتشر في بلدان العالم الثالث , إلا أن كلا التيارين فشلا في تأسيس دولة علمانية كاملة الأركان, و تُرجع بعض الدراسات فشل التيارات العلمانية بسبب إنها لم تكن تمتلك مشروعا واضحا قادرة علي أن يحشد الشعوب العربية تجاه تلك المشروع , بالإضافة إلي أنها لم تهتم بالجوانب الثقافية للشعوب العربية التي هي بحاجه إليها فالمجتمع العربي يختلف عن المجتمع الغربي الذي بحاجة إلي زيادة الوعي و الثقافة بسبب زيادة الأمية و الجهل فهو بحاجه إلي مزيد من التوضيح, كما أن التيارات العلمانية لم تكترث للتراث العربي و البناء عليه و توظيفه بل أهملوا كتابات تراثية كان يتم استغلالها من جانب التيار المحافظ مثل (محمد عبده و عبد الرحمن الكواكبي و طه حسين)[25].

يجدر الإشارة أن كلا الاتجاهين الأصولي و العلماني ينسب بعض الانجازات التي حدثت في الواقع إليه و يربطها بأهم الأفكار التي ينسبوها إلي تيارهم مثل قضايا التحرر من الاستعمار و غيرها, و لكن بالنظر إلي تلك القضايا فسوف نجد أنها قضايا إنسانية عامة لا ترتبط بتيار فكري معين و يجب بلورة أن الخلاف بين كلا الطرفين هو خلاف فكري محض و لا يجب إلحاق القضايا الإنسانية إليهما [26].

الإطار المفاهيمي :

و فيما يلي سيتم ايضاح المفهوم الرئيسي للدراسة و هو مفهوم العلمانية , يعد مصطلح العلمانية من أكثر المصطلحات غموضا و إثارة للجدل و هو يعني (secularism)  و مشتقه من الأصل اللاتيني (ciculum) أي العالم كما أن للمصطلح معني عربي أيضا, و يقرأ المصطلح بصيغتين أولهما (عِلمانية) بكسر العين نسبة إلي العلم و يعتبر الكثير من المفكرين إن تلك القراءة خاطئة لان مفاد المصطلح يبعد عن العلم , و من هنا تشير القراءة الأخرى للمصطلح (عَلمانية) بفتح العين إلي العالم و هو الاستخدام الأكثر شيوعا, هو مصطلح نشأ في الغرب يرجع إلي القرون الوسطي إبان الحروب الدينية و الحاجة إلي مصطلح جديد ينظم العلاقة بين الدولة و الكنيسة نتيجة لما عانته المجتمعات الأوروبية خلال تلك الحقبة و الحاجة إلي أن يرجع دور الكنيسة لتنظيم علاقة الفرد بربه و تقتصر علي ذلك , فنادي مصطلح العلمانية بالفصل بين المجال الديني و المجال الدنيوي و النظر للممارسة السياسية علي أنها ممارسة اجتماعية لا حاجة لتدخل السلطة الدينية في تنظيمها دون أن تنكر العلمانية الإيمان الديني أو الإلحاد , و رافق ذلك التعريف رفضا للدولة الثيؤقراطية .[27]

و مع الوقت عرفت كثير من الدول نفسها بأنها علمانية الفكر و التوجه و لكن يأتي السؤال أي نهج من العلمانية تتبع فكل الدول تعرف نفسها علي أنها دولا ديمقراطية و لكن يختلف تعريف الديمقراطية من دولة إلي أخري بل من مفكر لأخر و هو نفس الأمر الذي يسري علي العلمانية فالمصطلح يختلف حوله المفكرون بشكل كبير , و أطلقت دائرة المعارف البريطانية تعريفا للعلمانية علي أنها صرف اهتمام الناس عن الأمور الدينية و التمسك بكل ما يتعلق بالعالم و الدنيا و يرجع ذلك إلي التحول الفكري بين العصور الوسطي و عصر النهضة حيث كان التفكير الديني هو السائد في تلك المرحلة الفكرية و كانت الآخرة هي محطة أفكار الجميع و بالانتقال الفكري الحادث في عصر النهضة التفت الإنسان إلي الثقافة البشرية و الحضارة الإنسانية و من هنا جاء الفكر المعادي للدين و عصور الظلام و ربط الدين بتلك الحقبة فأصبح التفكير في العلمانية كنتيجة لذلك .[28]

و انتقل المصطلح إلي الفكر العربي و تداخلت المذاهب الليبرالية و الاشتراكية حول العلمانية عند المفكرين العرب و اسموا تلك الاتجاه بالاتجاه الليبرالي العلماني الراديكالي الاشتراكي , كمحاولة لكسر قيود الفكر الإنساني و تحقيق المساواة في المجتمع بغض النظر عن اختلاف الأديان و الأعراق و فصل الدين عن الدولة بعد أن حمل الدين مسئولية التخلف علي جسد الأمة, و اختلف تفسيرهم لمفهوم العلمانية فعرف فرج فودة العلمانية علي أنها إعلاء صوت العقل علي أي صوت أخر حتى و إن كان صوت الدين و تحرير الإنسان من قيد الغيبيات و الإيمان كما نادي العلم الحديث , و علي النقيض اتجه آخرون لبيان خطر العلمانية علي المجتمع الإسلامي مثل محمد عمارة و أكد أنها تتنافي و تتناقض مع كل ما هو ديني و مقدس[29].

و تتبني الدراسة وجهة النظر التي تري العلماني تنقسم إلي شقين , الشق الإنساني الذي يعني استبعاد الحس الديني عن العلاقات الاجتماعية للإنسان و سلوكياته و حصرها علي علاقته بربه , و الشق السياسي الذي يعني عدم الإيمان بقيم سياسية معينة كالطاعة و الخضوع التي تقوم علي ثوابت دينية لا يمكن نقدها و لا يمكن التقاعس عنها , و بالتالي فالعلمانية بهذا المعني تعني أن إرادة الفرد هي أساس الممارسة السياسية[30].

المنهج :

تعتمد هذه الدراسة علي المنهج المقارن حيث أن هدف تلك الدراسة المقارنة بين تناول مفكري المجتمع العربي المعاصر لفكرة العلمانية بالتركيز علي اثنين من أهم المفكرين العرب الذين تناولا تلك الفكرة و هما محمد عابد الجابري و عبد الوهاب المسيري و المقارنة بينهما, فان  المنهج المقارن يرجع في نشأته إلي أرسطو و في تطويره إلي دوركايم, و هو أحد مناهج البحث العلمي ويستخدم في المقارنة بين شيئين أو أكثر و يبرز أوجه الشبه و الاختلاف بينهم فمعني المقارنة هو الوقوف علي أوجه الاختلاف أو الاتفاق بين الظواهر، ويهدف أيضاً للتوصل إلى نتائج حول الظواهر أو المشكلات أو وجهات النظر المدروسة, و تعد المقارنة هي هدف بعض الدارسين من البحث العلمي، وهو يستخدم أساساً في مجال علم الاجتماع ، ولكنه انتقل بعد ذلك لعلوم أخرى وأصبح يطبق فيها على نطاق واسع ، ومنها : القانون ، والسياسة ، وعلم النفس.

و حتى يصل التحليل المقارن إلي الهدف الذي أصيغ من أجله تتم المقارنة بين ظواهر متشابهة أو مختلفة بالكلية و يتم ذلك من خلال أطر محددة , وكان ماكس فيبر من ابرز من استخدموا هذا المنهج في دراساته ليكشف من خلاله عن وجود اتجاه محدد يسود في مجتمع معين أو في مجموعة مجتمعات تشترك معا في قواسم معينة ، كما استخدمه أيضا في دراساته عن البيروقراطية و في دراساته عن الأخلاق و البروتستانتية وروح الرأسمالية .

و تم تحديد عدة خطوات يتبعها الباحث لكي يقوم بهذا المنهج بطريقة صحيحة و هي :

أولا : تحديد موضوع المقارنة : علي الباحث تحديد ما هو الموضوع الذي سيلقي عليه الضوء من خلال تحديد المشكلة البحثية الخاصة بموضوع دراسته.

ثانيا : وضع متغيرات للمقارنة من خلال تحديد العناصر و الموضوعات الفرعية التي تتصل بموضوع دراسته.

ثالثا : صياغة الفروض: من خلال المعلومات التي جمعها الباحث خلال دراسته و اطلاعه علي تلك الموضوع  .

رابعا : معرفة السمات التي تميز هذا الموضوع علي أن تكون تلك السمات واضحة و يتم دراستها في حالتها النقية .

خامسا: التحقيق الإمبريقي من خلال تحديد الحالات المثالية بأبعادها[31].

ويمكن تطبيق المنهج المقارن في هذه الدراسة من خلال استعراض النظم الفكرية التي سادت في المجتمعات العربية و الاطلاع علي العديد من وجهات النظر السائدة التي أصلت لفكرة العلمانية في المجتمع العربي و إلي أي مدي اتفقت أو اختلفت تلك الوجهات , ثم يتم التركيز علي مفكرين عربيين من أهم المفكرين العرب المعاصرين الذين ربطتهما بالعلمانية العديد من المؤلفات و لهم اطوحات فكرية مستقلة و متمايزة يجب القاء الضوء عليهما و بالتالي يمكننا النظر إلي مدي الاتفاق و الاختلاف بين حالتي الدراسة و معرفة سبب وراء ذلك للوصول إلي نتائج الدراسة.

تقسيم الدراسة:

تنقسم تلك الدراسة الي ثلاثة فصول اساسية يتناول الفصل الاول السياق الذي عاش به  كل    مفكر و كيف اثر ذلك علي اطروحاته الفكرية و ينقسم هذا الفصل الي مبحثين يتناول المبحث  الاول السياق الذي عاش به محمد عابد الجابري و يتناول المبحث الثاني السياق الذي عاش به عبد الوهاب المسيري, بينما يتناول الفصل الثاني تفسير كل مفكر لمفهوم العلمانية و التركيز   علي ما قدمه محمد عابد الجابري نحو تلك المفهوم و مقارنته باطروحة عبد الوهاب المسيري و  يتناول المبحث الثاني المفاهيم التي ترتبط بالعلمانية عند محمد عابد الجابري و عند عبد       الوهاب المسيري, و اخيرا يتناول المبحث الثالث رؤية كلا منهما نحو تطبيق العلمانية في العالم العربي و هل يمكن ان يتم ذلك ام لا.

الفصل الاول – السياق الذي عاش به كل مفكر و ظروفه الشخصية

الفصل الاول:

يعتبر الفكر السياسي نتاج للظروف و السياق الذي عاش به المفكر السياسي بل انها تعبر عن انعكاس لتفاعل عقل المفكر مع المجتمع الذي يعيش به فالفكر السياسي لا ينشأ من فراغ ولا بمعزل عن مجموعة من المؤثرات الاجتماعية و السياسية التي تحيط بالمفكر السياسي, كما ان الافكار السياسية تمثل حاضر و مستقبل المجتمع الذي تنشأ منه, فما يميز الفكر السياسي عن النظرية السياسية هو تشخيص الافكار السياسية و ربطها بمفكرها لا بشكل عام مجرد كما يحدث في النظرية السياسية من تعميم[32] , انطلاقا من هذا المبدأ سوف ينقسم تلك الفصل الي مبحثين رئيسيين ليتناول المبحث الاول السياق الفكري و السياسي و الظروف الشخصية التي عاش بها المفكر محمد عابد الجابري و  يتناول المبحث الثاني السياق الفكري و السياسي و الظروف الشخصية التي عاش بها المفكر عبد الوهاب المسيري و كيف اثر ذلك علي افكاره السياسية.

المبحث الاول: نشأة محمد عابد الجابري:العوامل المؤثرة في مشروعه الفكري

لا يمكن فهم المشروع الفكري للمفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري دون ربطه بعدة علامات فارقة رافقته طوال مساره الفكري الحافل و الادوار التي قام بها علي مدار اربعة عقود سواء في الميدان التربوي او السياسي او انشغاله بالعمل الفكري الي ان اصبح صاحب مشروع فكري و اطرحة علمية نحو التراث العربي.

عاش المفكر العربي المغربي محمد عابد الجابري في ظروف شخصية مميزه و مجتمع صحراوي عربي بسيط كان له اثر كبير علي تكوين شخصيته الفريده و التي ظهرت في كتاباته و اثرت علي  تفضيلاته و التي ادت لتكوين ارائه النقدية بشكل اساسي, فما يحدث من ظروف شخصية في حياة المفكر يؤثر علي مجمل افكاره و تحليلاته بداية من مجتمعه الصغير (اسرته) وصولا الي المجتمع السياسي او المناخ السياسي الذي عاصره و في هذا المبحث سيتم التركيز علي سيرة محمد عابد الجابري و مساره  الفكري و العملي سواء بالاعتماد علي النصوص الاصلية التي وثق فيها الجابري لسيرته الذاتيه “حفريات في الذاكرة من بعيد” و التي توضح لنا اطوار تنشئته الاولي الي شبابه-و من الجدير بالذكر ان لاختيار عنوان الكتاب دلاله واضحة يحاول الكاتب ايصالها فهو في تلك الكتاب يقوم بدور عالم الاثار المنقب عن الحفريات و تحويلها الي معرفة تاريخية مستخدما الة الحفر و العقل معا , فهو ينقب في ذاكرته و يستدعي بعض المواقف بكل انفعلاته الذاتيه و يحكي كيف كانت حياته القروية البسيطة بوعيه الحاضر- او بالاعتماد علي كتاباته و معاركه الفكرية  وذلك لعدم تكملة باقي اجزاء الحفريات كما وعد الكاتب[33].

  • سنوات التكوين الأولي:

ولد محمد عابد الجابري عام 1936في مدينة فكيك الصحراوية التي تقع بالقرب من الحدود بين المغرب و الجزائر و التي كان لها دور اقتصادي و سياسي كبير فترة الاستعمار الفرنسي علي المغرب , و عاش مع امه في سنوات حياته الاولي بسبب انفصال والدية قبل ولادته ثم انتقل لمدينة بوعفرة ليعيش مع والده  وبعد ذلك انتقل الي مدينة وجدة التي تعرف فيها لاول مره عن وسائل الترفيه واخيرا  انتقل الي دمشق ليتلقي تعليمة الجامعي[34] .

حاول محمد عابد الجابري جعل مرحلته التعليمية حجر الزاوية في كتاب الحفريات لما يريد ايصاله من اهمية تلك المرحله و اثرها عليه, بداية تلقي تعليم منزلي من جده لامه فكان يحفظه بعض السور القرانية و الادعية و القراءة و الكتابة مما يسر عليه الانتقال الي المسيد – وهو الاسم الذي يطلقه المغاربه علي الكتاب القراني – و حفظ به القران الكريم علي يد الفقيه كحال الاطفال المغاربه في تلك الفترة فكان ذلك امرا معتادا, ثم التحق بمدرسة فرنسية عصرية تابعه للاحتلال الفرنسي بناء علي رغبة عمه رغم رفضه لذلك فكان يرغب الالتحاق بمدرسة عربية و ظل بها حتي عام 1946 و تلقي بها تعليم مختلف بالكلية عما تلقاه بالمسيد التقليدي, و لكن شخصيتة المناضله المقاومة منذ الصغر لم تسمح له بالاستمرار في تلك المدرسة اكثر من عامين و انتقل الي مدرسة النهضة المحمدية الحرة في فجيج و هي احد المدارس التي انشئتها الحركة الوطنية المغربية لمناهضة مدارس الاحتلال الفرنسي و أتم بها الجابري سنوات دراستة الابتدائية عام 1949, و يمكننا استخلاص من تلك المرحلة العمرية الصغيره تكوين شخصية مقاومة منذ الصغر حيث رفض الانضمام لمدرسة فرنسية رغما عنه ثم التحق بمدرسة تابعه للحركة الوطنية لما له دلاله واضحة عن ذلك, كما ذكر الجابري في كتاب الحفريات ان لمعلميه دور هام في ايصال روح الحركة الوطنية اليهم فكان معلموه من مؤسسين الحركة الوطنية المغربية ضد الاحتلال الفرنسي و منهم الحاج محمد فرج الذي كان قاض و امام و معلم في فكيك[35] .

و بالنسبة للمدرسة الاعداديه فتلقي السنه الاولي في مدرسة التهذيب العربية في وجدة, ثم انتقل و التحق بمدرسة عبد الكريم لحلو المعربه بالدار البيضاء العاصمة الاقتصادية للمغرب , و كان مدرسوا المواد الابيه في المدرسة ايضا من الحركة الوطنية, و في تلك السنة التي عاشها في الدار البيضاء بدأت سمات شخصيته تتبلور تترتب عليها زيادة في وعيه العام و حدث تحولات علي عدة مستويات سواء النفسية او الاجتماعية .

  • مرحلة التعليم الثانوي و الجامعي:

تعتبر مرحلة التعليم الثانوي نقله في حياة الجابري و تكوين شخصيته العصامية المناضله فعمل بالخياطة في الدار البيضاء, ثم نفي الملك محمد الخامس عام 1953 واغلقت المدرسة بعد الاعتقالات المتكررة لمعلمين المدرسة لكونهم اعضاء بالحركة الوطنية , فاستمر بعمل الخياطة كمساعد لعمه و رفضت المدارس طلبه بالالتحاق و اضطر الاعتماد علي التعلم الذاتي و تقدم للامتحانات كمرشح حر, حصل علي الشهادة الثانوية عام 1955 و حصل علي الدبلوم الاول في الترجمه في نفس العام, و عين معلما في القسم التحضيري في المدرسة الابتدائية, و اجتاز امتحان البكالوريا عام 1957 , ثم عمل صحفي في جريدة العلم التي كانت اللسان الناطقة بأسم حزب الاستقلال و الحركة الوطنية لذلك تعين عليه الانتقال لمدينة الرباط .

لم تكن شخصية محمد عابد الجابري شخصية راضخة للوضع الامن و الثبات عليه بل ان شخصيته الطموحه دفعته للانتقال لسوريا للالتحاق بجامعة العامرة , وشجعه علي ذلك نظام التعليم في سوريا و الذي يشبه النظام المغربي الذي تعود عليه فالاثنين تابعين للاحتلال الفرنسي , لكن  عندما وصل هناك وجد ان نظام التعليم في سوريا مختلف عما الفه في المغرب فسرعان ما عاد الي المغرب و سجل في قسم الفلسفة و حسم بذلك اختياره الجامعي و المهني[36] .

  • مستخلص مرحلته التعليمية:

تبين لنا المرحلة التعليمية التي خضاها المفكر بالاصرار و الصمود الذي تتمتع به شخصيته و التي أثرت علي فكره بشكل كبير, حيث انه تلقي تعليمة في نظام تعليمي موروث عن عهد الحماية الذي يأمل بخلق روح اليأس لدي الطلاب حتي يتوقفوا عن الدراسة, كما هيأت له السنوات الاولي للاستقلال فرصة جيدة ليشهد تحولات في البنية التعليمية المغربية مثل نشؤ المدرسة المغربية العصرية لتكون امتداد للمسيد التقليدي برعاية نظام الحماية الفرنسي و اطلاق قسم الفلسفة في مطلع ستينيات القرن العشرين لتخريج طلبه من الجامعة المغربية من هذا القسم , كما ساهم الجابري في تعريب منهج الفلسفة للمرحلة الثانوية و عمل مشرفا علي مدرسي الفلسفة في تلك الفترة , كذلك ارتباط الجابري بالحركة الوطنية طوال مرحلته التعليمية لوجود تلك المؤسسات خلال فترة دراسته لمواجهة الاستعمار.

كل ذلك يجعل من قراءة و دراسة المسار التعليمي لمحمد عابد الجابري من الامور الهامة في قراءة مشروعه الفكري لما تبرزه تلك المرحلة من تكوينات في شخصيته و تفضيلاته مما يؤثر علي مشوعه الفكري بشكل جلي. حتي ان عمله كصحفي لم يفصله عن عمله كتربوي فكان يكتب بعض المقالات التي تعكس اهتمامه بالمجال التربوي و عمله بمجال التعليم  في نفس الوقت , ثم انصرف الجابري الي التراث ليبدأ مشروعه الفكري و مرحله جديدة من معاركه الفكرية .

  • جبهات عمله :

واجه محمد عابد الجابري العديد من المواقف و المعارك التي خاضها طوال مساره مما ادي الي انتاجه لاعمال فكرية معينه فلذلك تعد تلك المواقف و الجبهات احد اهم المؤثرات التي اثرت علي مشروعه الفكري سواء بشكل مباشر او غير مباشر, و يمكننا التوقف عند ثلاث جبهات في حياة الجابري العملية التي لها اثر واضح و هي جبهة تدريسه للفلسفة و جبهة التراث و ما انتجه من نقد للعقل العربي و جبهة العمل السياسي التي لم تنقطع عن مشروعه الفكري, و رغم اختلاف الجبهات و القضايا الا ان الرؤية واحدة و هو ما سيتم تناوله.

فاولا عند الحديث عن اول جبهة و هي تدريسه للفلسفه ففي تلك المرحله واجه و ظل يواجه لسنوات عدة نقاش حول اوضاع تعليم الفلسفه في المغرب, و كتب كتاب “ دروس في الفلسفة” و الذي شكل نوعا من التحول المنهجي في تدريس الفلسفه في المغرب علي مدار ما يقرب من عشرة سنوات, واجه خصوما ممن هم متمسكون بالتقليد والطرق التقليدية في التدريس الي ان عمل استاذا بالجامعة عام 1967 و لم يتوقف خلال تلك السنوات عن البذل في المجال الفلسفي بل ان الكثيرون ينسبون له الفضل في ان تصبح للفلسفة وضع داخل النظام التعليمي الثانوي او الجامعي.

ثانيا جبهة التراث التي شكلت عنايتة بالمظاهر الفكرية و التي كانت مدخل اعماله الفكريه , فكان يحاول ايجاد مخرج لهيمنة القراءات التراثية علي التراث العربي و كانت تلك الجبهة مليئة بالمعارك الفكرية, كما بدأ في مشروع اعادة قراءة التراث ببحوث اقترب فيها من نصوص الفارابي و الغازالي و ابن رشد و ابن خلدون , وكتب “ نحن و التراث “ عام 1980 و اصبح بهذا المؤلف مالكا لرؤية جديدة للتراث,  ثم انتج رباعية نقد العقل العربي , بهدف التحرر مما هو متحجر في التراث الثقافي العربي و تجاوز التقابل الحاد بين الحداثة و التراث .

ثالثا و اخيرا جبهة العمل السياسي , مارس الجابري في السياسة ادوار المثقفين فهو مزج بين السياسة و الفكر و الاخلاق معا في فترة نشؤ المؤسسات السياسية فكان لدوره اهمية كبري اتسم بالاستقامة, و لكن لان الجمع بين السياسة و الاخلاق ليس بالامر اليسير قرر الابتعاد عن العمل السياسي المباشر لكن دون التوقف عن الاسهام به فانسحب من مكتب العمل السياسي للحزب الاشتراكي عام1981 , لكنه ظل يساهم في العمل السياسي من المنظور الثقافي فكانت اعماله الثقافية و الفكرية سياسية بالاساس, فحاول في بعض كتاباته رسم الحياه السياسية المغربية[37] .

ان الالمام بالنصوص و الكتابات التي انتجها الجابري تقدم صورة عن انتاجه الفكري و لكنها لا تكفي للاحاطة بتلك التجربة مكتمله لذلك وجب النظر الي السياق الذي عاش به الجابري و نشئته , ولا يعني هذا المبحث انه لا يمكن قراءة نصوص الجابري دون قرائته لكنه مطلب في حالة الحاجة للقراءة الجيدة لتلك النصوص و استيعابها و عدم اغفال للادوار التي قام بها و المعارك الفكرية التي خاضها و اضافة الكثير علي سمات انتاجه الفكري و المعرفي .

المبحث الثاني: نشأة عبد الوهاب الميسري:العوامل المؤثرة في مشروعه الفكري

رأي عبد الوهاب المسيري انه من المهم وضع بين ايدي القراء بعض خبراته الفكرية و كيفية الترابط بين جذور حياته و بذورها بثمرها في عمل مستقل اطلق علي هذا الكتاب ” رحلتي الفكرية – في البذور و الجذور و الثمر”,  وثق عبد الوهاب المسيري في تلك الكتاب تحولات فردية في حالاته الفكرية, كما اكد انه ليس لاحداث حياته اهمية في حد ذاتها الا لمدي ما احدثته من تغير و تشكيل لرؤيته الفكرية, فهو اختص بالذكر المواقف البارذه التي ادت الي تحولات فكرية ضخمه في مساره الفكري, كما انه يتناول احداث حياته تبعا لرؤيته و قرائته لها و ليس تبعا للتسلسل الزمني لها حيث لا يتقيد بالترتيب الزمني بل يتبع منطق بنية الفصل.

كما انه وفقا لما ورد في كتاب سيرة عبد الوهاب المسيري فهي سيرة غير ذاتيه و غير موضوعية فهو حاول ان يربط العام بالخاص, يحاول الا يخوض في عراك مع تفاصيل العام المجرد بل  يربطه باثر ذلك العام علي تشكيل وعيه و رؤيته الفكرية حتي انه يذكر في تلك الكتاب بعض الاقتباسات التي توضح مدي تأثره ببعض الاحداث الهامه, فهذا الكتاب يعد بمثابة عناصر تكوين النموذج[38].

بناء علي ما سبق سيتم في تلك المبحث التركيز علي بعض العوامل و المؤثرات في حياة عبد الوهاب المسيري و بيان كيف كونت تلك النموذج الفكري اعتمادا بشكل اساسي علي النص الاصلي الذي وثق فيه المسيري لسيرته الغير ذاتيه و الغير موضوعيه كحد تعبيره.

  • سنوات التكوين الأولي:

ولد عبد الوهاب المسيري في دمنهور عام 1936 , و قضي معظم ايام طفولته بها و التحق بمدرسة اولية قبل المدرسة الابتدائية و تعلم بها بعض الامور الخاصة بالقراءة و الكتابه ثم التحق بمدرسة دمنهور الابتدائية عام 1944, و كانت اسرته تنتمي الي البرجوازية الريفية فهي برجوازية المعيشة و الدخل ولكنها لم تكن تعيش بالقاهرة او الاسكندرية لذا اسماها بالبرجوازية الريفية, و كانت اسرته تعمل بالتجارة اما بالنسبة للتوجه السياسي فلم يكن لوالده نفس التوجه السياسي لاصحاب تلك الفئة حيث كان معظمهم اعضاء في حزب الوفد بل كان هو من انصار حزب السعدي و هو الحزب الذي انشق عن الوفد بعد ان اصبح تحت قيادة مصطفي النحاس .

كما كان لعبد الوهاب المسيري “مواقف” سياسية منذ الصغر تنم عما بداخله من انتماء لتلك المجال منذ تلك المرحلة, فكان و هو لم يتجاوز السابعه يفكر في مسألة تحرير مصر من الاحتلال الانجليزي, حتي الالعاب البسيطة التي كان يلعبها مع اصدقائة كانت تأخذ شكل سياسي وطني و كانهم في حرب ضد الانجليز.

كانت لدمنهور المدينة التي عاش بها معظم طفولته تأثير واضح عليه فهي مدينه/قرية و حديثة تمتزج بالعراقة, نشأ في مجتمع زراعي تجاري به أطر صارمة للقيم و الشعائر الدينية و العرفية , كما ان المجتمع التقليدي الذي عايشه في دمنهور يلغي الشخصية الفردية للمرء ليجعله ينتمي للجماعة الاكبر بكافة اشكالها, مما جعله يتأثر بالعديد من الشخصيات في حياته متجاوزا بذلك تأثره بوالده فقط الذي يحدث في المجتمعات الحديثة, فبالاضافه لتأثرة بوالده و عمله بالتجارة, تأثر عبد الوهاب المسيري بخاله الذي كان يعمل رئيس حزب الوفد بدمنهور فكان شخصية سياسية هامه من مؤسسي حزب الوفد و كان يكرس حياته و مطبعته للحزب لطبع منشوراته , بالاضافه الي تأثره بزوج اخته فكان استاذ لغة عربية و كان يفتح له افاق واسعه جديده بعيدة عن المهنة التي يمنتهنها اغلب افراد اسرته و هي التجارة, بل انه كان يشجعه علي القراءة في الفكر و الادب[39] . كما ان تلك المجتمع التقليدي سمح له باتعرف علي بعض المؤسات من الصغر التي كان يديرها اناس عاديين و هي تشبه اليوم ما يسمي بمؤسسات المجتمع المدني.

كما انه ادرك منذ صغره رغبته الشديدة في الانفصال عن مهنة والده فلم يرغب في ان يصبح تاجرا بل انه اكتشف حبه الشديد للقراءة و من هنا بدأ يقرأ في التاريخ , كما كشفت له سمات شحصيته حبه العميق للتفلسف و ايجاد تفسرا لكل شئ حوله و عدم قبول اي شئ علي علته دون تفسير مما عمق من فكرة انفصاله عن محيطه.

  • مرحلة التعليم الثانوي و الجامعي:

التحق عبد الوهاب المسيري بمدرسة دمنهور الثانوية و تأثر بالعديد من المعلمين في تلك المرحلة الدراسية بل ان من اكثر المعلمين تشجيعا له كان الاستاذ روفائيل الذي ظل يشجعه علي الكتابه و البحث رغم ذكر المسيري انه لم يكن من الطلبه الناغين بالمدرسة و كان يرسب في بعض السنوات الا ان ظل استاذ روفائيل يشجعه و يثني علي كتاباته و يقرأها علي زملائه بالصف, كما وصف المسيري استاذ اميل جورج بانه بداية حياته الفكرية الحقيقية فكان استاذ الفلسفة الذي تعلم علي يده كيف يفكر و يقرأ و يصل الي الاعماق, و كان اول منشور له و هو في الصف الاول الثانوي في مجلة دمنهور الثانوية, وصفه احد الاساتذة  بالانتماء للشيوعية لانه اوضح رفضه للمجتمع في ذلك السن المبكر.

و كان يقرأ صحيفة حزب مصر الفتاه في الخمسينيات و التحق بالحزب لبضعت ايام ثم انتقل الي حزب الاخوان المسلمون و اكتشف ان معظم الشيوعيين في دمنهور هم من الاخوان المسلمين ثم بعد ان قامت ثورة 1952 انضم الي الجيش الوطني و حركة التحرير ثم انضم للحزب الشيوعي و ظل عضوا به حتي عام 1959 .

ثم انتقل الي الاسكندرية ليلتحق  بجامعة الاسكندرية  عام 1955 و كان لذلك اثر و تحول كبير في حياته فوجد نفسه بمدية مصرية غربية العادات فوجد ان اغلب سكان الاسكندرية من اليونانيين و الايطاليين و الجميع يتحدث الفرنسية او اليونانية او الانجليزية و لم يكن هو  ذو خلفية تمكنه للتعامل مع كل هذا التغير, لكن شخصية المسيري المثابرة ظهرت في تلك المرحلة من حياته حيث لم يرد التراجع او العودة الي دمنهور بل واجه تلك المتغيرات و حاول سعيا اجادة اللغه الانجليزية و قراء في التاريخ و الادب و الفلسفة الانجليزية حتي يكن لديه خلفية جيدة تمكنه من التعامل مع تلك الامر.

و حصل علي ماجستير بجامعة كولومبيا عام 1964 في الادب الانجليزي المقارن و حصل علي الدكتوراه عام 1969 من جامعة جامعة رتجرز في الادب الانجليزي و الامريكي المقارن.

تلك هي المرحلة التي اطلق عليها المسيري بفترة الجذور بعد ان اسمي مرحلة تكوينة الاول بمرحلة البذور ليوضح كم كانت مراحل حياته المتعاقبه نتاج لتكون مشروعه الفكري الذي اطلق عليه الثمر.

  • حياته العملية:

تولي عبد الوهاب المسيري رئاسة وحدة الفكر الصهيوني بمركز الدراسات السياسية  الاستراتيجية بالاهرام لبعض سنوات ( 1970-1975) , و عمل مستشار ثقافي للوفد الدائم لجامعة الدول العربية بنيو يورك (1975-1979) , و عمل ايضا استاذا بالجامعة في العديد من الجامعات سواء المصرية او العربية حتي عام 2008, و كان المستشار الاكاديمي للمعهد العالمي للفكر الاسلامي بواشنطن, و عن مساره الفكري عني المسيري بالموضوع اليهودي الصهيوني فكانت اول مؤلفاته نهاية التاريخ: مقدمة لدراسة بنية الفكر الصهيوني (1972)ثم نشر له العديد من المؤلفات التي عنيت بنفس القضية, بل ان دراساته تخطت تلك القضية و كتب عدة مؤلفات منها إشكالية التحيز: رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد (1993) ، والعالم من منظور غربي (2001)  ، والفلسفة المادية وتفكيك الإنسان (2002) ، والحداثة وما بعد الحداثة (2003)  ،والعلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة (2002) ،ورؤية معرفية في الحداثة الغربية  (2006) . بل ان له ايضا كتابات ادبية عديدة [40].

بعد ان تناول تلك الفصل اهم المراحل الفاصلة في حياة كل مفكر يمكن ملاحظة الي اي مدي تشابهة مراحل حياتهما فكلا المفكرين نشئا في نفس العام 1936 , و واجهوا ظروف حياتيه متشابهه, كلاهما اهتم في سيرته الذاتية بعرض مراحل تكوينه الاولي و ربطها باهم الاحداث بحياته و تأثيرها علي كتاباته.

كلا المفكرين نشئا في ظروف سياسية جعلتهم مهتمين بالمجال السياسي و كلاهما كان منضم للحركة الوطنية منذ الصغر, بالاضافة الي بروز شخصيتهم السياسية و انتمائتهم منذ المرحلة الثانوية. كما ان كلا المفكرين عني بالفلسفة و حب الاطلاع منذ الصغر مما دفعهم للقراءة و التفكير بعمق و الخروج الينا بكل تلك المنجازات الفكرية التي تستحق الدراسة.

الفصل الثاني – تعريف العلمانية

الفصل الثاني:

تعد اشكالية تعريف العلمانية في الفكر العربي من اهم الاشكاليات الفكرية التي تحاول العديد من الدراسات تناولها, و هي بالاساس اشكالية اختيار بين نموذجين, فهناك دراسات و مفكرون يعرفوا في العديد من الدراسات بالمجددين يحاولون اخذ التجربة الغربية في عين الاعتبار و يفضلون اختيار النموذج الغربي و تبنيه, و علي النقيض هناك مفكرون اخرون يفضلون تبني النموذج العربي الاسلامي التراثي, و بين هذان الاتجاهان يوجد الاتجاه الوسطي الذي يدعو الي الاخذ بأفضل ما في النموذجين العربي و الغربي دون الانحياز لاحداهما و محاولة ايجاد صيغة وسطيةتجمع بين الحداثة و التراث .

في هذا الفصل سوف يتم تناول تعريف العلمانية عند محمد عابد الجابري وعبد الوهاب المسيري و الوقوف عند نقاط الاتفاق و الاختلاف بينهما, و كذفلك دراسة المفاهيم التي ترتبط بالعلمانية  في رؤية كلا منهما .

المبحث الاول – تعريف العلمانية عند محمد عابد الجابري و عبد الوهاب المسيري

حاول كلا من محمد عابد الجابري و عبد الوهاب المسيري وضع رؤية نقدية حول العديد من    المفاهيم و القضايا التي تعد قضايا اساسية في الفكر العربي و من اهم تلك القضايا هي قضية  العلمانية , حيث حاول كلا منهما تكوين رؤية حول الموضوع و تحليلة.

و في هذا المبحث سوف يتم عرض رؤيتهما حول مفهوم العلمانية و هل هي  مجرد المعني    الشائع “ فصل الدين عن الدولة” ام ان لها دلاله مختلفة , و الوقوف عند بعض النقاط التي قد  يختلف او يفق المفكرين حولهما .

حاول محمد عابد الجابري ايجاد حلولا لاهم القضايا السياسة فحاول ايجاد حلولا لاشكالية الحداثة و التراث, حيث اهتم ان يجد فكر سياسي وسطي يجمع بين الماضي و الحاضر, عني فكر محمد عابد الجابري  بأهم ثلاثة قضايا في الحداثة السياسية ممثلين في اهتمامه بدراسة الديمقراطية  و محاولة ايجاد تعريفا لها, كما انه حاول صياغة تعريف للحرية و ربطها بالعديد من العوامل الاخري, و كان صاحب رؤية خاصة بالعلمانية تستحق الدراسة و المناقشة[41].

لا يري الجابري ان مصطلح العلمانية يتناسب مع ترجمة المصطلح الفرنسي (لايكية) لان اصل الكلمة بلاتينية يعني كل ما هو لا ينتمي للكهنوت بمعني انه كل ما لا يرتبط برجال الدين المسيحي و ليس للكلمة اية علاقة بكلمة (علم) -بكسر العين- و عندما انتقل المفهوم الي فرنسا كان تعلايم الدين من اختصاص الكنيسة و التعليم الذي قدمته الدولة يختلف عما تقدمه الكنيسة و من هنا ارتبط المفهوم بالتعليم  فجاء المصطلح ليميز بين مؤسسة الكنيسة التي تتقاسم مع الدولة السلطة علي الناس, فمن هنا يري الجابري ان وضعية مفهوم العلمانية الذي نشأ في الغرب تختلف كلية عن المجتمع العربي .

لذلك اعتبر محمد عابد الجابري العلمانية قضية مزيفة ولا تلاءم المجتمع الاسلامي فهي اشكالية غير واقعية منقوله من الغرب الي الفكر العربي المعاصر تعبر عن حاجات بمضمين مختلفة عن تلك الحاجات, و كان يري انه بدلا من الاهتمام بالعلمانية و الانشغال بها و باشكالتها فعلي المجتمعات العربية الاهتمام بالديمقراطية و العقلانيه فهما الحاجات العربية الحقيقية. ففي وجهة نظر الجابري الحديث عن العلمانية امر غير واقعي  و غير استراتيجي في غياب الاكليروس ففي اعتقاده هي قضية تخص المجتمع الغربي حصرا فلا وجود في الاسلام لمؤسسة معينه  ينصرف اليها الخطاب العلماني, كما ان محمد عابد الجابري لا يرفض العلمانية فقط بسبب عدم وجود المؤسسة الكنسية في الاسلام بل هو يرفضها ايضا لحضور الاسلام كعقيدة و تراث و ثقافة في الحضارة العربية و يجب مراعة ذلك , فالاسلام كحد تعبير الجابري روح العرب و مقوما اساسيا للوجود العربي  فهو يمثل الجانب الروحي للمسلمين العرب و يمثل جانب حضاري للعرب اجمعين .[42]

تحدث محمد عابد الجابري عن المطالب الغير مشروعه او التي تفقد مشروعيتها و هي تلك المطالب التي حين يتم التعبير عنها يحدث التباس بينها و بين مفاهيم اخري, فهو يري انه من غير الواقعي ان يتم التعبير عن الاستقلاليه او الديمقراطية  و ربطهما كحاجات مشروعه بالعلمانية لانهما في ذلك يفقدان مشروعيتهما وفقا لاعتقاده.

كما يري الجابري ان طرح اشكالية العلمانية جاءت في فترة غلبة فيها الطموحات النهضوية لدي المفكرون العرب و خاصة مسيحيون الشام اقتداءا بالنموذج الاوروبي في فصل الدين عن الدولة , كما كان اول ظهور لها كان في لبنان للحصول علي الاستقلال عن الدولة العثمانية و تكوين دولة عربية موحده لذلك ارتبط الثلاثة مصطلحات ببعضهم البعض . فالعلمانية التي نشأت في الدول العربية انذاك نشأت في دول كتعبير عن حقوق الاقليات خشية من تكوين دولة عربية يكون الاغلبية بها مسلمون و تضيع بها الاقليات .

فيدعو محمد عابد الجابري الي التجديد من الداخل ففي اعتقاده ان الحديث عن العلمنه يثير الحساسية و الجدل و لا حاجه لذلك في المجتمع العربي بل اننا في حاجه للعقلنه و الدمقرطة. حيث اكد انه في الاسلام هناك دين و هناك جماهير المسلمون ولا وجود لوسيط يتخلل العلاقة بينهما دون السياسة فالطرف الذي يجب ان يتهم في تلك القضية هو السياسة و البديل هو العقلانية و الديمقراطية و الذي ستتحقق بهما الحرية و حقوق الانسان و حقوق المرأة و حرية الاعتقاد و غيرها من القضايا  .[43]

كما يدعو الي عقلانية عربية مستمدة من الداخل العربي و ليست مستوردة من الغرب ليست مستنسخة عن عقل خارج عن العقل العربي و يختلف في مشكلاته فكما ان الهدف النهائي لكلا المفهومين مختلفين كذلك السبيل او الوسائل المؤدية لكليهما مختلفه كلية .[44]

انطلق فكر محمد عابد الجابري من منطلق ان الاسلام دين و دولة كما كان منذ زمن الرسول و الصحابة فكان الدين عماد الدولة لذلك هو يرفض مقولة ان الاسلام دين وليس دولة من الاساس و يعتبرها تغفل حقيقة التاريخ, كما رفض الجابري مصطلح ان اسلام دين علماني -الذي اقرحه حسن حنفي- و يري انه لا يختلف عن مصطلح ان الاسلام دين غير علماني لكنه يري ان    الاسلام لم يشرع لمسألة شكل الدولة بل انه ترك ذلك وفقا لما يقتضيه العصر و حسب ما تمليه المنفعه و المصلحة [45].

علي عكس الجابري رفض عبد الوهاب المسيري الحجة القائلة بان العلمانية مرتبطة بالدين المسيحي فقط و تعد ظاهرة غربية لا يمكن ان تنتقل للعالم العربي , فهو يعتبر ذلك اختزالا للعديد من الامور فليس من الممكن حصر المسيحية في عبارة ” ما لقيصر لقيصر و ما لله لله” فالامر اكثر تعقيدا من ذلك و  يرتبط بتحولات جذرية عميقة في عالم الاقتصاد و السياسة , و كل المجتمعات ليست بمنأي عن تلك التحولات .

بدأ عبد الوهاب المسيري حديثه عن العلمانية بكونها مصطلح خلافي للغاية و يعوق تحديده عدة اشكاليات , فهي ليست مصطلح محدد المعاني و الابعاد , فمن الاشكليات الواضحة التي حاول المسيري دراستها حتي يتمكن من وضع تعريف للعلمانية كونها تمتلك تاريخ و حلقات متتالية لا يمكن اغفالها فهي ليست عملية ثابته يمكن دراستها في لحظة معينة و اغفال باقي حلقات المتتالية, كما انه من ضمن تلك الاشكاليات التي تناولها المسيري هي الا يمكن دراسة العلمانية بحصرها في عبارة “ فصل الدين عن الدولة “, و اخيرا تحدث عن المحاولات الجديدة لفهم المصطلح التي زادت من المفهوم ابهاما [46].

فالعلمانية عند المسيري تنقسم الي مستويين, فهو يري ان تعريف العلمانية مركب للغاية فلا يمكن ان يكون تعريفا مبسط لا يعكس واقعها سواء في الشرق او في الغرب, فالتعريف  بالعلمانية يجب ان يكون به شئ من التعقيد الذي يحيط بالظاهرة و يعطيها دلالتها, و من هنا اعتبر المسيري ان الاشكاليات المرتبطة بتعريف العلمانية يمكن حلها من خلال الفصل بين مستويين من العلمانية و هما العلمانية الجزئية و العلمانية الشاملة, فيتشابه دلالات كلا المستويين فيما بينهما و يتعاقدون و يتصارعون فهما دائرتان متداخلتان لكن يمكننا الفصل بينهما.

فالعلمانية الجزئية وفقا لتحليل المسيري هي رؤية جزئية للواقع لا تنطبق علي كل ابعاده الكلية , ولا تتسم بالعمومية و الشمول و لا يمكن فهمها بمعزل عن المحيط الاشمل و الاعم الذي يحوي المنظور المعرفي و الاخلاقي الشامل, و هي اقرب لما يوصف بفصل الدين عن الدولة

(separation of church and state) و هو المفهوم الاكثر انتشارا عن العلمانية, فهي   تعني فصل الدين عن الحياة السياسية و ربما الاقتصادية فقط, كما انها لا تنكر وجود اخلاقيات مطلقة او انسانية او دين كما اطلق عليها العلمانية الاخلاقية و العلمانية الانسانية, فهي لا تلزم الانسان بامور اخري في حياته العامه او جوانب حياته الاخري بل انها تتركه يتصرف كيفما    يشاء فهي مجرد الاجراءات التي تعتبر تجليا للدائرة الاشمل[47].

اذن فالعلمانية الجزئية وفقا لتك المفهوم هي العلمانية المحدودة التي سادت المجتمع الحديث و  فصلت بين المؤسسة الدينية او الكنيسة  و بين مؤسسة الدولة و لم تتحدث عن اي جانب من   الجوانب الاخلاقية او السلكوية الانسانية المطلقة.

و يري المسيري ان تلك الفصل المؤسسي بين المؤسسة الدينية  و الدولة حتمي في المجتمعات  الحديثة المركبه فليس من الممكن ان تتحد المؤسستان الدينية و الدولة في اطار مؤسسة واحده  كما لا يمكن ان تتحد مؤسسة الشرطة المسئولة عن الامن الداخلي بمؤسسة الجيش المسؤل عن حماية الحدود الخارجية[48], ولكن تلك المستوي من العلمانية يغيب عن مجتمع القبيله الذي قد يعد فيها رئيس القبيلة هو الكاهن/الشيخ في ان واحد,  كما انه يري ان العلمانية كامنة في كل      المجتمعات فهي ليست افكارا مستورده . فهي لا تعني علمنه حياة الانسان  بل انها محددة للغاية فتجعله هو المسيطر علي حياته و تؤمن بذلك و بالتالي فهي لا تتناقض مع الدين[49].

فالدولة وفقا لتلك المفهوم لا تعني سوي الاجراءات السياسية و الاقتصادية التي يغلب عليها      الطابع الفني الذي لا يعرفه سوي الفنيين المتخصصين و يصعب علي رجال الدين ادراكه, فمن وجهة نظر المسيري سيعد تلك التعريف مقبولا من قبل اعداء العلمانية فهو يعني فقط ابعاد     رجال الدين عن مراكز اتخاذ القرار السياسي و لا يرتبط بالقيم الحاكمة للمجتمع ولا المرجعية    النهائية له .

فالعلمانية الجزئية كما اوضح المسيري هي العلمانية في مراحلها الاولي ولكن بمرور الوقت      تلاشت تلك العلمانية لتحل محلها العلمانية الشاملة التي لا تقتصر فقط عن فصل الدين عن   الدولة و تجاوزت المجال السياسي و الاقتصادي و الايديولوجي , فلم تعد هناك اية مجال خاص ينفصل عن المجال العام فالدولة العلمانية وصلت الي وجدان الفرد و قودت الاخلاقيات وانتقلت الي مرحلة السيولة[50].

اما العلمانية الشاملة عند المسيري فهي رؤية شاملة تحدد علاقات الدين و الاخلاق و كل شئ, تنزع القداسة عن العالم, فالعالم وفقا لتلك الرؤية مكون من مادة واحدة تغيب عنها القداسة, ففي حالة حركة دائمه بلا هدف, تلك الرؤية تؤكد ان الواقع المادي هو مصدر المعرفة و ان التاريخ يتبع مسار واحد و ان الانسان جزء من الطبيعة ليس بمستقل عنها و ليس له حدود او وعي اخلاقي .

اذن فالعلمانية الشاملة  بهذا المعني تتجاوز فكرة فصل الدين عن الدولة بل انها تعني فصل كل الجوانب الاخلاقية و الدينية عن كافة مجالات الحياه, حتي يصبح العالم مادة نسبية لا قداسة لها يستطيع الاقوي ان يجعلها تعمل لصالحه – احدي مقارباته قال ان حتي افلام الاطفال المعروفة ب”tom& jerry” و التي تجعلنا جميعا نعجب بحيل الفأر لانه الاذكي و نحتقر القط فهو الاغبي في تلك اللعبة, تعتبر احدي ممارسات العلمانية الشاملة فالمرجعية لتلك الفيلم ليست اخلاقيه فالقيم الاخلاقية تجعلنا نقوم المستضعفين وليس الاكثر ذكاءا مما اعتبرها المسيري احدي المحاولات التي تبث مبادئ العلمانية و تحيد القيم الاخلاقية  جانبا – و من هنا قال المسيري ان العلمانية الشاملة هي اشبه بالامبريالية التي وظفها الانسان الغربي الاقوي لصالحه, فالعلمانية تنزع كافة المطلقات و الثوابت و الاخلاقيات و الدين كما تنزع عن الانسان مركزيته فالدولة العلمانية وفقا لرؤية المسيري في تلك الاطار هي “الدولة التنين” كما وصفها هوبز.

اوضح المسيري ان الفرق بين العلمانية الجزئية و العلمانية الشاملة هو فارق مرحلي فقط ففي بداية مراحل العلمانية تكون علمانية جزئية عندما يكون هناك نوع من المطلقات و عندما لا تتمكن الدولة من الدخول الي كل مجالات حياة الانسان, ثم تتطور خلال النموذج التاريخي لتصبح علمانية شاملة لايحدها شئ تنقل الانسان الي عالم الاشياء و تجعل منه  شئ [51].

كما اوضحت الدراسة محاولات محمد عابد الجابري و عبد الوهاب المسيري في تكوين رؤية حول مفهوم العلمانية و موقف كلا منهما حولها, فالجابري يعتبرها فصل الدين عن الدولة و يعتبر   الحديث عنها في المجتمع العربي الاسلامي غير منطقي ولا يناسب اشكاليات المجتمع الاسلامي من الاساس فهي اشكالية غربية تقتصر علي الكنيسة   و لا للاسلام علاقة بها ولا به مؤسسة معينه يمكن ان يوجه له الخطاب العلماني.

بل جاءت رؤية عبد الوهاب المسيري اعم واشمل لتتجاوز فكرة فصل الدين عن الدولة فالمسيري من مؤيدي تلك الفصل فهو لا يري ان للمؤسسة الدينية قدرة علي اتخاذ القرار السياسي الذي لا يقدر عليه سوي الفنيين السياسيين, بل ان له رؤية خاصة حول العلمانية  كما  قسمها   الي     مستويين كما اوضحنا و هما العلمانية الجزئية” الاخلاقية” او “ الانسانية” و هي التي تعني    العلمانية  في مراحلها الاولي و هي تقف عند فصل الدين عن الدولة, و النوع الثاني و هو      العلمانية  الشاملة والتي يعتبرها العلمانية الغير اخلاقية او التي تعد العلمانية في مراحلها       الاخيرة و التي لا تضع حدودا بين العام و الخاص و تعبر عنها دولة التنين عند هوبز.

ولكن كلا المفكرين يرفضان العلمانية و ان جاءت رؤية كلا منهما مختلفة عن الاخر و حتي ان اختلفوا في تفسيرها.

المبحث الثاني – مفاهيم مرتبطة بالعلمانية عند محمد عابد الجابري و عبد الوهاب المسيري

بعد ان استعرضنا في المبحث السابق مفهوم العلمانية عند محمد عابد الجابري و عبد الوهاب المسيري و اطلعنا علي نقاط الاتفاق و الاختلاف حول المفهوم بينهما, في تلك المبحث سوف نركز علي المفاهيم التي اعتبرها كل مفكر مرتبطة بالعلمانية, و انطلاقا من ان رؤية كل مفكر حول العلمانية جاءت مختلفه عن الاخري فان المفاهيم التي توقف عندها كل مفكر ايضا جاءت مختلفه عن الاخري.

“في رأيي انه من الواجب استبعاد شعار العلمانية من قاموس الفكر القومي العربي و تتعويضه بشعاري الديمقراطية و العقلانية, فهما اللذان يعبران تعبيرا مطابقا مع حاجات المجتمع العربي“[52]  يري الجابري كما سبق الاشاره ان مفهوم العلمانية لا يعبر تعبيرا يتطابق مع حاجات المجتمع العربي  بل انه يري ان الحاجات العربية الحقيقية تكمن في العقلانية و الديمقراطية و هما اللذان يجب التركيز عليهما و ان يحلا محل العلمانية في الدراسات العربية و ان يلقي الاهتمام بدلا من هذا المفهوم المزيف كحد قوله.

انطلقت تلك الرؤية لدي الجابري من خلال عودته لبداية ظهور مفهوم العلمانية في العالم العربي حيث يرجع ذلك الي المفكرين المسيحين في الشام الذين كانوا يطالبون بالاستقلال عن الدولة العثمانية و بالتالي تكوين الدولة العربية الموحدة و خوفا من ان يصبحوا اقلية مستضعفة في تلك الدولة التي يصبح للمسلمون الاغلبية بها فبدأ الحديث عن العلمانية, و في وجهة نظره انها مطالب لا ترتبط بالحاجات بل حماية حقوق الاقليات او الانسان او المرأة كلها غايات يمكن الوصول اليها بالدمقرطة و العقلنة بدلا من الحديث عن العلمانية (الزائفة) فالعالم العربي بحاجه ماسة الي مراجعة بعض مفاهيمه .

فالديمقراطية في فكر الجابري تعني حفظ الحقوق سواء كانت حقوق الاقليات او الجماعات, و العقلانية لديه تعني احكام العقل في الممارسات السياسية كافة دون الهوي و التعصب او التحيز, و المفهومين عنده بعيدين عن فكرة اقصاء الدين عن الحياة العامة او عن الدولة او معاداة الاسلام, بل انه يري ان الاسلام يجب ان يحظي بالمكانة التي يستحقها سواء علي مستوي النظرية او الممارسة[53].

تعبر كتابات الجابري عن تحيزا واضح للديمقراطية باعتبارها ارث الانسانية كافة, فهو يري انها ضرورة ملحة لتحقيق الوحدة العربية بالرغم من كافة العيوب التي تنتج عن الديمقراطية, كما اوضح الجابري ان هناك عدة قراءات عربية حول الديمقراطية, قراءة سلفية دينية و اخري مستشرقة ليبرالية.

فرواد الفكر السلفي دعوا للديمقراطية و قبلوها باعتبارها تترادف مع مبدأ الشوري الاسلامي , فهم لا يرون ان الديمقراطية امر جديد في الاسلام بل انه يعد من مبادئ الاسلام الاساسية, و في الخطاب السلفي الديمقراطية تعني غياب الاستبداد المطلق الذي هو تصرف الواحد بمطلق ارادته عن الكل و هو ممنوع شرعا, علي عكس الاستبداد المقيد المباح شرعا و الذي يعني الاخذ بالمشروة لكن اتباع الحاكم التدابير التي يري انها ضرورية, فالمشروي لا تعني ضرورة الاخذ بالرأي , و بالتالي فلا مانع وفقا لتلك الاتجاه باقامة مجلس شوري.

كما يوجد فريق اخر يسمي بالسلافيون الاصلاحيون والذين حاولوا المذج بين مفهوم الشوري في الاسلام و بين الديمقراطية الاوروبية , و هي في وجهة نظر الجابري حيلة دبلوماسية اتبعها انصار تلك الفريق حتي لا يعارضهم المتشددون من رجال الدين و حتي لا يبطش بهم الحاكم فهم لا يبتدعون مفهوما جديدا بل انه واحد من اهم المبادئ الاسلامية, و من رواد تلك الفريق عبد الرحمن الكواكبي و محمد عبده, فافكار تلك الفريق تقوم علي احياء التراث و بناء المستقبل علي الماضي و هدفهم هو الارتقاء بمستوي الثقافة العربية لتتماشي مع متطلبات العصر دون الذوبان في الغرب .

و اخيرا طرح الجابري تيار اخر متأثرا بالليبرالية الغربية و تشكل وععيهم الحضاري, و لا تربطهم علاقة عضوية مع مجتمعهم و في وجهة نظرة هذه هي اكبر الاشكاليات التي تواجه تلك التيار , كما ان ارائهم في وجهة نظرة منافية للواقع العربي فهو لا يري ان الديمقراطية يمكن ان تطرح في وقت قصير كما ادعوا, بالاضافه الي انه اكد ضرورة الاستفادة من التجربة الاوروبية و يجب علينا ان نلحق بالركب الحضاري لكن كمنتجين و ليس كمنفعلين مستهلكين.

فالجابري متحيزا للديمقراطية فهو يؤكد ضرورة الوصول للديمقراطية حتي يتمكن العالم العربي من التقدم لكن مع ضرورة اخذ الواقع العربي في الاعتبار, كما اكد ان الاشكالية الاساسية ليست بالنظر لمدي نجاح ديمقراطية اثينا ولا بمحاولة ربط الديمقراطية بالشوري بل ان الاشكالية في تطبيق الديمقراطية في الواقع العربي باوضاعه و نخبه, فقال انه علينا التحرر من التيارين معا.

و قال انه مهما فشلت محاولات التحول الديمقراطي فعلينا مضاعفة جهودنا و ليس التوقف عن المحاولة, و ان افضل الطرق للوصول للديمقراطية هو التدرج و بالرغم من انه يستغرق وقت طويل حذر من الاستعانة بقوي خارجية لان الديمقراطية ليست سلعة يمكن استيرادها ولاننا سوف نتحول من نظام استبدادي الي احتلال[54].

و علي عكس الجابري فعبد الوهاب المسيري لم يحاول استبدال مفهوم العلمانية بغيرها من المفاهيم بل انه حاول ان يحصر مجموعة من المفاهيم التي باتت تستخدم لوصف ظواهر معينة في المجتمع الغربي و التي تتقارب مع مفهوم العلمانية ليحاول التعرف علي العلمانية كونها مفهوما شاملا, و قام بتقسيم تلك المصطلحات الي مصطلحات وصفية تستخدم لوصف ظاهرة معينة و اخري نقدية تحتاج الي تقويما يضيف بعدا سلبيا للظاهرة.

ومن اهم تلك المفاهيم و اكثرها ارتباطا بالعلمانية مفهوم “ التسلع COMMODIFICATION” و الذي يعني ان تصبح السلع و عملية تبادل السلع نموذج لرؤية الانسان لذاته و لمجتمعه و لعلاقاته داخل المجتمع اي ان يتحول العالم لسوق, و من كون السلعة شئ انتقل المسيري الي الحديث عن “ التشؤ  REIFICATION” و اعتبر ان التسلع و التشيؤ لهما نفس المعني الدلالي  فيتحول الانسان لشئ و تتحول علاقات البشر ايضا الي اشياء و يصبح الانسان مفعولا به و ليس فاعل فلا يستطيع ان يتجاوز عالم الاشياء, فاحد التعريفات التي اقترحها المسيري للعلمانية هو ان العلمانية تبدأ بان ينتزع كل الاشياء من حياة الانسان الي عالم الاشياء ثم يتم نقل الانسان الي عالم الاشياء ليصبح شئ ولجميع الاشياء قانون واحد يحكمها.

كما اعتبر المسيري ان كلا المصطلحين السابقين مرادفان لمصطلح “التوثن   FETISSHISM” فالوثن هو الشئ الذي يعتقد الانسان ان له قوي غامضة سحرية يمكنه التأثير عليه سواء بالنفع او الضرر, و هو نفس ما يحدث للسلع في الدولة العلمانية في رأي المسيري فهو لا يعتبرها شئ مادي انتجه بل يري انه شئ مستقل بذاته و يصبح محور حياته, و تتحكم فيه السلع و ليس العكس, ويعتبر المسيري ان كل تلك الامور تجعل الانسان يتنازل عن انسانيته و قيمه الاخلاقيه في دولة العلمانية[55].

تناول تلك المبحث  الاختلاف حول ما قدمة محمد عابد الجابري و عبد الوهاب  المسيري  من   مفاهيم ترتبط بالعلمانية, فالجابري حاول ايجاد مفهوم اخر بديل لمفهوم العلمانية  يمكنه  حل    مشكلات المجتمع العربي كما اوضحت الدراسة فهو لا يعتبر العلمانية مفهوم ملاءم للمجتمع    الاسلامي , فاستبدل المفهوم بالديمقراطية و حاول تفسير الاتجاهات المختلفة  حولها و  وضع مفهومه الخاص .

بينما المسيري حاول ان يوضح بعض المفاهيم التي من  وجهة نظره   ترتبط   بالعلمانية   فه  مجموعة ظواهر غربية تظهر في المجتمع العلماني و تم مناقشة ثلاثة مفاهيم اهتم بهم المسيري و هم التسلع و التشيؤ و التوثن و ربطهم ببعضهم البعض.

الفصل الثالث – تطبيق العلمانية في الواقع العربي

المقدمة:

بعد ان تم عرض مفهوم كل مفكر حول العلمانية و النموذج الفكري الخاص بكلا منهما و تناول بعض المفاهيم المرتبطة بالعلمانية او البديلة لها عند كل مفكر, يجب  الا  نقف  عند الجوانب  النظرية , ففي تلك الفصل سيتم تناول رؤية كل مفكر فيما يخص تطبيق العلمانية في العالم العربي و التي بالاساس سوف ترتبط بتعريف كل مفكر للعلمانية و تستمد تلك الرؤية منها و هذا امر منطقي فكما اختلف مفهوم العلمانية عند الجابري عن مفهوم العلمانية عند المسيري سوف تختلف كيفية تطبيقها من عدمه في واقعنا العربي .

فعن تطبيق العلمانية عرض الجابري وجهتي نظر متعارضتين و قارن بينهما و هما التيار الاسلامي و التيار الليبرالي و اكد تعارضهما الي اقصي حد في تلك القضية محل الخلاف , فالتيار الليبرالي و الذي اطلق عليه الجابري “الليبراليون العرب او المستشرقون االغربيون” يرون في تطبيق العلمانية هدف لحل كل المشكلات التي تواجه العالم العربي, و قدم الجابري طرح احد المفكرون الليبراليون الذي قدم تعبيرا اوليا عرف بعد ذلك بمفهوم العلمانية و فصل الدين عن الدولة و الذي اكد علي ضرورة فصل المؤسستين -الروحية و الزمنية- عن بعضهما البعض كشرط من شروط التمدن و الذي يستحيل تحقيق التمدن بدونه, و هنا تسائل الجابري مستنكرا هل توجد مؤسسة روحية في الاسلام؟ و هل هناك مذج بين المؤسستين الزمنية و الروحية في الدول العربية حقا؟ كما ان المفكر الليبرالي يري ان الدعوة السلفية تتناقض مع النهضة لذا يجب تجاوزها كي تتحقق النهضة.

كما اشار الجابري معلقا ان الفكر الليبرالي انتشر فترة الحكم العثماني و الذي كان يمارس الاستبداد علي المسلين و المسيحين باسم الدين لذلك جاءت كل الافكار النهضوية لتدعو الي فصل الدين عن الدولة كاساس للتقدم لانها اولا تعبر عن النموذج الاوروبي الذي يفكرون به و ثانيا لان الاستبداد العثماني كان يمارس باسم الاسلام و هم يعتبروا تلك الفترة من اهم اسباب التخلف و التأخر التي احاطت بالعالم العربي, و يرفض الجابري تلك الربط الحتمي بين ثنائية الفصل بين المؤسستين و النهضة, فالنهضة في وجهة نظره متعددة الشروط و يختلف مفهومها من فترة لاخري كما ان الوطن العربي ليس بلدا واحدة يمكن حل جميع مشكلاته بحل واحد مستورد معمم يصلح للجميع.

و عن التيار السلفي , فان رائد السلفية الذي عرض الجابري اطروحته يرفض ما طرحه المفكر الليبرالي و يستنكر تلك الضرورة الحتمية التي فرضها لتحقيق النهضة و علي النقيض تماما فهو يري ان الامة الاسلامية لن تتقدم الا اذا قام ذلك علي الدين, كما يري ان التقدم بمعني الرقي الذي عرضه المفكر الليبرالي ما هو الا انحطاط للامة فهي في ذلك مجرد ناقلة و مقلدة للامم الاوروبية, و يطرح مفهوم التمدن الاسلامي بدلا من تلك الذي اقترحه الليبرالي, فهو يري ان عظمة الدولة الاسلامية كانت بسبب اتخاذها من الدين الاسلامي اساس لها كما انه ارجع سبب انحلال الدولة لقنوع الخلفاء العباسيون علي رتبة الخلافة دون ان يتفقهوا في الدين و بالتالي فهو ربط نهوض الامة مرة اخري بالرجوع للدين و التمسك به.

كما انه اوضح الفرق بين التيؤقراطية و حكم السلطان الالهي في اوروبا و بين الحكم في الاسلام, فالحاكم في الدولة الاسلامية يقتصر دوره علي الدور التنفيذي فقط للاحكام و الفصل في المنازعات و اقامة العدل فالحاكم ليس معصوما من الخطأ او منزل الوحي او يستأثر تفسير القران و السنة علي عكس الحكم في اوروبا و الذي ارتبط بالايمان و طاعة الحاكم .

ففي الاسلام لا وجود للسلطة الدينية سوي سلطة الموعظة الحسنة و الدعوة للخير و المعروف و النهي عن المنكر, و هنا تسائل الجابري الا يوجد في الاسلام سوي سلطة الموعظة الحسنة حقا؟ او هل ان السلطة التي مورست تاريخيا كانت دخيلة علي الاسلام ؟[56]

و عن تطبق الشريعة فقال الجابري ان الشريعة الاسلامية لم تطبق كاملة قط, و هو لا يري حرج في قوله ذلك و له ما يبرر وجهة نظره, حيث برهن حجته علي النحو التالي, ففي عهد الرسول لم تطبق الشريعة كاملة لان اخر ما نزل من القران هو موضع خلاف و هو اول مصادر الشريعة و ثانيا لان المصدر الثاني للشريعة لم يكن قد اكتمل فلم يكن الرسول انتقل الي الرفيق الاعلي, و في عهد الخلفاء الراشدين لم يكن المصدرين الثالث و الرابع ايضا اكتملا و هما الاجتهاد و الاجماع بسبب مستجدات كل عصر, كما ان الشريعة تضم ايضا مصادر اخري كما يقرره الفقهاء في كل العصور و بالتالي فلا معني لقول ان الشريعة طبقت كاملة بل الافضل قول انها تكتمل باستمرار[57].

لا يري الجابري ان مفهوم العلمانية -فصل الدين عن الدولة- يمكن تطبيقه في الدول العربية الاسلامية, فهذا المفهوم في وجهة نظره يحتاج لوجود مؤسسة دينية تنازع سلطة الدولة و تتصادم معها و من هنا تاتي الحاجه الي فصلهما و تحديد اختصاصات كلا منهما و الذي يري الجابري انه بعيدا عن الاسلام بحكم الدين نفسه الذي يرتبط فيه الفرد بربه في علاقة مباشر لا يتخللها وسيط(مؤسسة) .

لكنه يري ضرورة فصل الدين عن السياسة و هو يري ان تلك التعبير هو الادق في وصف الواقع العربي و الذي يعني عدم توظيف الدين كاداة لنيل اغراضا سياسية, فالدين اساسه التوحيد بينما السياسة اقرب لان تكون فن ادارة الاختلاف ومن هنا تاتي محاولات الربط بينهما, كما اكد علي حتمية العلاقة بين الاختلاف في الدين ذو الاصل السياسي و نشوب الحروب الاهلية, لذلك نبه مفكروا الاتجاه الاسلامي الي المسئولية الملقاه علي عاتقهم فتحول الدعوة الاسلامية الي اداة تفريق امر غاية في السهوله[58].

و علي عكس ما طرحه الجابري علي تلك النحو, قال المسيري في احدي حواراته انه كمفكر اسلامي لا يري في فصل الدين عن الدولة اية اشكالية بل انه يقبل ذلك لكنه لا يري ان تلك هي العلمانية المقصودة و التي فسرها من خلال الفصل بين العلمانية الجزئية و العلمانية الشاملة , فالمسيري لا يري في العلمانيين العرب انهم علمانيون من الاساس فهم “علمانيون جزئيون” , كما انه يري ان العلمانية ليست حلا للطائفية و العنصرية المنتشره في العالم العربي بل ان حل تلك النزاعات هو المواطنه و البحث عن الامور المشتركة لادارة المجتمع, فالمسيري اطلع علي نفسه بهذا المعني انه “علماني جزئي” اي انه يقبل الفصل في مجال السياسة و بعض جوانب الاقتصاد لكنه لا يقبله في التشريع[59].

كما ان المسيري رفض ربط تطبيق العلمانية بقيم التسامح و التعددية و قبول الاخر المختلف بشكل حتمي, فهناك دول تطبق العلمانية ولا وجود للتسامح و الحرية بها و العكس صحيح, و من هنا تحدث عن النموذج الايراني و التركي, ففي ايران قبلت الادارة التقليدية الحاكمة ارادة الشعب في اختيار حاكم من خارج المؤسسة الدينية, و علي العكس فتركيا العلمانية رفضت ارادة الشعب في اختيار ممثلوا الحزب الاسلامي , كما اشار ايضا للعديد من الامثلة بداية من روسيا و كذلك حركة الاستكشافات التي تحولت للحركة الامبريالية التي شكلتها دول اوروبا اساس العلمانية[60].

و من خلال عرض تلك الفكرة يتبين الخلاف الواقع بين كلا المفكرين حول تطبيق العلمانية و الذي ينبع من اختلاف تفسير كلا منهما للمفهوم بالاساس فالجابري يرفض فكرة تطبيق العلمانية في الدول العربية و بالتالي هو يرفض فصل الدين عن الدولة فكلا المفهومين عنده مترادفين, بينما يرفض المسيري تطبيق العلمانية في الدول العربية و يقبل فصل الدين عن الدولة و هو بالالساس ليس بالعلمانية التي يرفضها بل انها هي التعريف الجزئي للمفهوم فبالتالي هو مفكر اسلامي علماني جزئي كحد وصفه لذاته.

الخاتمة:

قدمت تلك الدراسة رؤية متعمقة لاطروحة محمد عابد الجابري  و  عبد الوهاب  المسيري   حول العلمانية, حيث بدأت الدراسة بتناول السياق الفكري الذي نشأ به كل مفكر ايمانا بتأثير عوامل البيئة المحيطة و السياق الذي عاش به المفكر في الانتاج الفكري الخاص به, فعند التحليل  و الدراسة نجد ان الظروف الحياتية لكلا منهما كانت متشابهه لدرجة كبيرة سواء في الظروف التي نشئوا بها و حبهم للمعرفة و الاطلاع و الكتابة  و ظروف الاحتلال سواء في مصر او المغرب و التحرر منه و حتي المهن التي امتهناها كلا منهما جاءت متشابهه .

ثم تناولت الدراسة مفهوم العلمانية عند كل مفكر و بالرغم من انهما ينتميان الي نفس المدرسة  الفكرية فهما مفكران اسلاميان الا انهما اختلفا في تفسير مفهوم  العلمانية,   فالجابري   اعتبر العلمانية مرادفه لمفهوم فصل الدين عن الدولة و هو المفهوم الاكثر انتشارا لها , بينما اعتبر المسيري تلك المفهوم تسطيح للعلمانية فقسمها الي علمانية جزئية و علمانية شاملة , فالعلمانية الجزئية تترادف مع ما قدمه الجابري بينما الشاملة اعمق و اشمل من مجرد فصل الدين  عن  الدولة و لكنها فصل لكل المبادئ الاخلاقية و الانسانية عن الحياة العامة , و من ناحية اخري تناولت الدراسة المفاهيم التي قد تترابط مع مفهوم العلمانية عند المفكرين كما قدم المسيري عدة   مفاهيم من بينهم التسلع و التشيؤ و التوثن بينما قدم الجابري مفاهيم لابد و ان  تحل  محل العلمانية و هما  العقلانية و الديمقراطية و الذان يراهما اكثر واقعية و تلائما مع الواقع العربي .

و اخيرا تناولت الدراسة رؤية كل مفكر حول تطبيق العلمانية في العالم العربي و الذي انطلق من تفسير كلا منهما للعلمانية,  فرفض محمد عابد الجابري تطبيق العلمانية في العالم   العربي  اي رفض مبدأ فصل الدين عن الدولة بينما قبله المسيري حيث وصف نفسه بانها مفكر  اسلامي علماني جزئي اي انه يقبل فصل الدين عن الدولة في العالم العربي فهة لا يري في تلك المفهوم  اية اشكالية بل انه لا يعتبرها العلمانية الغربية التي يريد الغرب نشرها في العالم العربي و يرفض  العلمانية الشاملة كلية ولا يري انه من الممكن التعايش معها .

و توصلت الدراسة الي انه بالرغم من التشابه في السياق الذي نشأ به كل  مفكر و  بالرغم  من  انتمائتهم الفكرية المتشابهه الا ان طبيعة تفسيرهما للمفهوم اختلفت وفقا لما سبق ذكره و دراسته و هذا يبرز احد اهم مشكلات العلمانية في العالم العربي فالتعارض ليس فقط بين التيارين العلماني و الاسلامي بل انه بداخل كل تيار و اتجاه سنجد العديد من التناقضات  و  الاختلافات  التي  تعرقل المضي قدما ,  و تعارض وجهات النظر عربيا امر محمود  و ضروري ان يحدث حتي نصل الي ما يمكن تطبيقة من عدمه و لكن تظل عدم وجود اراء موحدة او لها الغلبه في الواقع العربي يدخل بنا في نقاشات لا اخر لها و خصوصا في بعض الامور الجوهرية لذلكة توصي الدراسة بمحاولة الوصول و لو لبعض من الاتفاق حول المفهوم و من ثمة تحليل امكانية تطبيقه من عدمه .

قائمة المراجع :

اولا مراجع باللغة العربية:

الكتب:

  1. أسامة حميد, موجز تاريخ مصر في الحقبة العلمانية , القاهرة ,1986 .
  2. باروخ سبينوزا, رسالة في اللاهوت و السياسة, حسن حنفي(مترجم),مؤسسة هنداوي, 2020.
  3. حسن بحراوي و اخرون, محمد عابد الجابري : المواءمة بين التراث و الحداثة (بيروت,المركز العربي للابحاث و دراسة السياسات,2016)
  4. حسن حنفي و محمد عابد الجابري, حوار المشرق و المغرب, عمان, دار الفارس, 1990.
  5. حورية توفيق مجاهد, الفكر السياسي من افلاطون الي محمد عبده, (القاهرة, مكتبة الانجلوالمصرية, 2017)
  6. سوزان حرفي, حوارات مع الدكتور محمد عابد الجابري:العلمانية و الحداثة و العولمة, القاهرة , دار الفكر, 2013.
  7. سيد قطب , معالم في الطريق, القاهرة , دار الشروق, 1979.
  8. عبد الغفار رشاد ، مناهج البحث في علم السياسة، ( القاهرة : مكتبة الآداب ، 2004 )
  9. عبد الوهاب المسيري, العلمانية الجزئية و العلمانية الشاملة, القاهرة, دار الشروق , 2002.
  10. عبد الوهاب المسيري , عزيز العظمة, العلمانية تحت المجهر ( بيروت, دار الفكر المعاصر,2000)
  11. عبد الوهاب المسيري , رحلتي الفكريةفي البذور و الجذور و الثمر(القاهرة , الامل للطباعه و النشر , 2000)
  12. عزيز العظمة, العلمانية من منظور مختلف, بيرون ,مركز دراسات الوحدة العربية, 1992.
  13. فرج فودة, حوار حول العلمانية, القاهرة, دار توبقال , 1987.
  14. فؤاد زكريا, الحقيقة و الوهم في الحركة الإسلامية المعاصرة, (القاهرة ,مؤسسة هنداوي, 2017)
  15. محمد أركون , العلمنة و الدين .., بيروت , دار الساقي, 1996.
  16. محمد إبراهيم مبروك, العلمانية العدو الأكبر للإسلام من البداية إلي النهاية , الجيزة , مركز الحضارة العربية, 2007.
  17. محمد البهي, الفكر الإسلامي و المجتمع المعاصر مشكلات الحكم و التوجيه,بيروت , دار الكتاب اللبناني , 1982.
  18. محمد عابد الجابري, الخطاب العربي المعاصر دراسة تحليلية نقدية, بيروت, دار الطليعة, 1994 .
  19. محمد عابد الجابري, الدين و الدولة و تطبيق الشريعة, بيروت,مركز دراسات الوحدة العربية, 1996.
  20. محمد عابد الجابري, بنية العقل العربي دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية ,مركز دراسات الوحدة العربية, 2009.
  21. محمد عابد الجابري, قضايا في الفكر المعاصر, بيروت, ,مركز دراسات الوحدة العربية, 1997.
  22. مراد وهبة , الأصولية و العلمانية , القاهرة, دار الثقافة , 2008.
  23. نادية العلي, الحركة النسائية المصرية : العلمانية و النوع و الدولة في الشرق الأوسط, القاهرة, المجلس الأعلى للثقافة,2004.
  24. يوسف القرضاوي, الإسلام و العلمانية وجها لوجه: ردا علي د. فؤاد زكريا و جماعة العلمانيين , ( القاهرة , دار الصحوة, 1987)
  • الرسائل العلمية :
  1. الأحول زهرة, العلمانية في الفكر العربي المعاصر عبد الوهاب المسيري نموذجا ,(رسالة ماجستير, جامعة عبد الحميد بن باديس , كلية علوم الاجتماعية, 2019-2020).
  2. رجب السيد الدسوقي السيد, النزعة الانسانية في فكر عبد الوهاب اللمسيري دراسه مفاهيمية,(رسالة ماجستير,جامعة القاهرة ,كلية الاقتصاد و العلوم السياسية ,2015(
  3. سارة حسن السيد, العلمانية و الأحزاب السياسية الإسلامية في تركيا:دراسة حالة حزب العدالة و التنمية2001-2007, ( رسالة ماجستير, جامعة القاهرة , كلية الاقتصاد و العلوم السياسية, 2012)
  4. فاطمة الزهراء ثعلوب, العلمانية في الفكر العربي المعاصر ناصيف نصار نموذجا,  ( رسالة ماجستير, جامعة محمد بو ضياف, كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية,2015-2016)
  5. مي سمير عبده متولي , مفهوم العلمانية في الفكر العربي المعاصر : دراسة لأطروحات عبد الوهاب المسيري, ( رسالة ماجستير, جامعة القاهرة , كلية الاقتصاد و العلوم السياسية, 2012)
  6. ياسمين زين, المسلمون في فرنسا:دراسة في الاتجاهات الفكرية السياسية حول إشكالية الهوية1990-2006, (رسالة ماجستير , جامعة القاهرة , كلية الاقتصاد و العلوم السياسية,2011)

الدوريات العلمية:

الطیب عبد السلام, محمد عابد الجابري و العلمانیة العربية ,مركز الدراسات والابحاث العلمانیة في العالم العربي, 2017, https://www.ssrcaw.org/ar/print.art.asp?aid=543248&ac=2

المقالات :

  1. أحمد سعدي و صادق كاظم عباس الساعدى, ” العلمانية مفهومها و نشأتها” , آفاق الحضارة الإسلامية , أكاديمية العلوم الإنسانية و الدراسات الثقافية ,2016 .
  2. ربوح البشير,سؤال العلمنة من المسار الابيستومولوجي الي الحدث الانطولوجي في فكر عبد الوهاب المسيري,ااسلامية المعرفة,عدد76 , 2014.
  3. زياد جهاد حمد, الفكر السياسي عند المفكر محمد عابد الجابري, كلية القانون و العلوم السياسية الجامعة العراقية, 2019.
  4. سعيد الكحل,العلمانية في الوطن العربي , الحوار المتمدن, عدد1182, 2005, https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=36350
  5. عبد الاله صباح, محمد عابد الجابري و مسألة العلمانية , الحوار المتمدن , عدد 3227, 2010
  6. فهد سليمان الشقيران ,الجابري و العقلانية البديلة للعلمانية, الشرق الاوسط, عدد14331 , 2018.
  7. محمد عابد الجابري , في قضايا الفكر و الدين, مقدمات المغربية, http://www.aljabriabed.net/n09_01jabri.htm
  8. هادي اركون, الجابري و العلمانية,الحوار المتمدن,عدد5007, 2015.
  9. يوسف عباس نعمة , العلمانية بين إشكالية المصطلح و خطورة المضمون , مجلة مركز بابل للدراسات الإنسانية, 2019, مجلد 9, عدد2.
  10. يونس عباس نعمة, العلمانية , بين إشكالية المصطلح و خطورة المضمون, مركز بابل للدراسات الإنسانية, مجلد 9 عدد2 ,2019.

المؤتمرات:

ملخصات أوراق المؤتمر السنوي الثاني في موضوع الإسلاميون و نظام الحكم الديمقراطي و مسائل المواطنة و الدولة و الأمة, المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات

الانترنت:

  1. جمال سلطان “تجديد الفكر الديني بين الصحوة الإسلامية والعمانية”بتصرف- أرشيف ملتقى أهل التفسير – أساليب الطرح العلماني من الطرح الملتبس – المكتبة الشاملة الحديثة

https://al-maktaba.org/book/31871/35581#p14

  1. حسين عبد الزهرة الشيخ, العلمانية في الخطاب العربي المعاصر :جورج طرابيشي نموذجا, جامعة بغداد ,كلية الآداب, https://www.researchgate.net/publication/332321048_allmanyt_fy_alkhtab_alrby_almasr_jwrj_trabyshy_anmwdhja
  2. سيرة ذاتية وعلمية, الدكتور عبد الوهاب المسيري, http://www.elmessiri.com/cv.php
  3. صبحي غندور, عن أي علمانية نتحدث,البيان, 2019, https://www.albayan.ae/opinions/articles/2019-03-06-1.3505021
  4. محمد عابد الجابري, اخراج: عز العرب العلوي ( 2015, المغرب , 2020)  https://youtu.be/bNU5-qFGFSo
  5. مناظرة د سيد القمني و دددعبد الوهاب المسيري , الجزيرة , https://www.youtube.com/watch?v=7ss1wq7DjoQ

ثانيا مراجع باللغة الانجليزية :

Articles :

  1. AL-AZMEH, AZIZ. Secularism in the Arab World: Contexts, Ideas and Consequences. Edinburgh: Edinburgh University Press, 2019. Accessed April 20, 2021. http://www.jstor.org/stable/10.3366/j.ctv10kmdtw.
  1. Bingbing Wu,Secularism and Secularization in the Arab World,Journal of Middle Eastern and Islamic Studies (in Asia) Vol. 1, No. 1, 2007

http://mideast.shisu.edu.cn/_upload/article/71/b3/ccd4052f4454a6687322b31603b4/84ffa16b-5b99-4af7-b343-ce4be4ce7e24.pdf

  1. Daniel, Norman. “RELIGION AND SECULARISM IN THE ARAB WORLD.” Blackfriars40, no. 469 (1959): 171-81. Accessed April 20, 2021.http://www.jstor.org/stable/43815802
  2. le Priol, Mélinée . Secularism is not very popular in the Middle East, La croix International,

https://international.la-croix.com/news/religion/secularism-is-not-very-popular-in-the-middle-east/12939

5.     Philpott, Daniel& Samuel Shah,Timothy.  The Dangers of Secularism in the Middle East , Belfer center , https://www.belfercenter.org/publication/dangers-secularism-middle-east .August 11, 2011

  1. Rock-Singer,Aaron Religion and Secularism in the Middle East, foreign policy research institute

https://www.fpri.org/article/2015/11/religion-and-secularism-in-the-middle-east-a-primer/ November 25,2015

 

  1. July 30,2020 – Salem, Paul . The Rise and Fall of Secularism in the Arab World, Middle east policy council , vol 5

https://mepc.org/journal/rise-and-fall-secularism-arab-world .March 1996

[1] في ذكري عابد الجابري , https://www.albawabhnews.com/4224162

[2] نبذة عن المسيري , http://www.elmessiri.com/showpage.php?page_id=1?i=1&selected_item_id=2

[3] أحمد سعدي و صادق كاظم عباس الساعدى, “العلمانية مفهومها و نشأتها” , آفاق الحضارة الإسلامية , أكاديمية العلوم الإنسانية و الدراسات الثقافية ,2016 , ص 47-78.

[4] محمد إبراهيم مبروك , العلمانية العدو الأكبر للإسلام من البداية إلي النهاية, الجيزة, مركز الحضارة العربية , 2007.

[5] أسامة حميد, موجز تاريخ مصر في الحقبة العلمانية , القاهرة ,1986 .

[6] محمد البهي, الفكر الإسلامي و المجتمع المعاصر مشكلات الحكم و التوجيه,بيروت , دار الكتاب اللبناني , 1982.

[7] يوسف القرضاوي, الإسلام و العلمانية وجها لوجه: ردا علي د. فؤاد زكريا و جماعة العلمانيين , ( القاهرة , دار الصحوة, 1987)

[8] فؤاد زكريا, الحقيقة و الوهم في الحركة الإسلامية المعاصرة, (القاهرة ,مؤسسة هنداوي, 2017)

[9] فرج فودة, حوار حول العلمانية, (القاهرة ,دار توبقال ,  1987)

[10] حسين عبد الزهرة الشيخ, العلمانية في الخطاب العربي المعاصر :جورج طرابيشي نموذجا, جامعة بغداد ,كلية الآداب, https://www.researchgate.net/publication/332321048_allmanyt_fy_alkhtab_alrby_almasr_jwrj_trabyshy_anmwdhja

[11] هادي اركون, الجابري و العلمانية,الحوار المتمدن,عدد5007, 2015.   https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=495936

[12] عبد الاله صباح, محمد عابد الجابري و مسألة العلمانية , الحوار المتمدن , عدد 3227, 2010.

[13] فهد سليمان الشقيران ,الجابري و العقلانية البديلة للعلمانية, الشرق الاوسط, عدد14331 , 2018.

[14] الأحول زهرة, العلمانية في  الفكر العربي المعاصر عبد الوهاب المسيري نموذجا ,(رسالة ماجستير, جامعة عبد الحميد بن باديس , كلية علوم الاجتماعية, 2019-2020(

[15] ربوح البشير,سؤال العلمنة  من المسار الابيستومولوجي الي الحدث الانطولوجي في فكر عبد الوهاب المسيري,ااسلامية المعرفة,عدد76 , 2014.

[16] رجب السيد الدسوقي السيد, النزعة الانسانية في فكر عبد الوهاب اللمسيري دراسه مفاهيمية,(رسالة ماجستير,جامعة القاهرة ,كلية الاقتصاد و العلوم السياسية ,2015(

[17] مراد وهبة , الأصولية و العلمانية , القاهرة, دار الثقافة , 2008,ص59-64.

[18]  المرجع السابق, ص 34-35 .

[19] سيد قطب , معالم في الطريق, القاهرة , دار الشروق, 1979,ص 59-62.

[20] مراد وهبه, مرجع سبق ذكره, ص 36-37.

[21]  جمال سلطان “تجديد الفكر الديني بين الصحوة الإسلامية والعمانية”بتصرف- أرشيف ملتقى أهل التفسير – أساليب الطرح العلماني من الطرح الملتبس – المكتبة الشاملة الحديثة

https://al-maktaba.org/book/31871/35581#p14

[22] سعيد الكحل,العلمانية في الوطن العربي , الحوار المتمدن, عدد1182, 2005, https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=36350

[23] المرجع السابق.

[24] مراد وهبه, مرجع سبق ذكره, ص 65

[25] سعيد الكحل, مرجع سبق ذكره.

[26] صبحي غندور, عن أي علمانية نتحدث,البيان, 2019, https://www.albayan.ae/opinions/articles/2019-03-06-1.3505021

[27] يونس عباس نعمة, العلمانية , بين إشكالية المصطلح و خطورة المضمون, مركز بابل للدراسات الإنسانية, مجلد 9 عدد2 ,2019.

[28] فاطمة الزهراء ثعلوب, العلمانية في الفكر العربي المعاصر نصيف نصار نموذجا, (رسالة ماجستير, جامعة محمد بو ضياف, كلية العلوم الإنسانية و الاجتماعية,2015-2016) ص 20.

[29] يونس عباس نعمة,مرجع سبق ذكره , ص252.

[30] مي سمير عبده متولي, مفهوم العلمانية في الفكر العربي المعاصر دراسة لأطروحات عبد الوهاب المسيري ,(رسالة ماجستير, جامعة القاهرة, كلية الاقتصاد و العلوم السياسية, 2012)ص8.

[31]عبد الغفار رشاد ، مناهج البحث في علم السياسة ( القاهرة : مكتبة الآداب ، 2004 ) ، ص 241 – 242

[32]حورية توفيق مجاهد, الفكر السياسي من افلاطون الي محمد عبده (القاهرة, مكتبة الانجلوالمصرية, 2017)  ص11,12 .

[33] حسن بحراوي و اخرون, محمد عابد الجابري : المواءمة بين التراث و الحداثة (بيروت,المركز العربي للابحاث و دراسة السياسات,2016) ص21-24.

[34] محمد عابد الجابري, اخراج: عز العرب العلوي ( 2015, المغرب , 2020)  https://youtu.be/bNU5-qFGFSo

[35] حسن بحراوي, مرجع سبق ذكره,  ص 25-26.

[36] حسن بحراوي, مرجع سبق ذكره,  ص 27-30.

[37] حسن بحراوي, مرجع سبق ذكره,  ص34-44.

[38] عبد الوهاب المسيري , رحلتي الفكرية- في البذور و الجذور و الثمر(القاهرة , الامل للطباعه و النشر , 2000) ص5-10.

[39] المرجع السابق , ص 13-29.

[40] سيرة ذاتية وعلمية, الدكتور عبد الوهاب المسيري, http://www.elmessiri.com/cv.php

[41] زياد جهاد حمد, الفكر السياسي عند المفكر محمد عابد الجابري, كلية القانون و العلوم السياسية الجامعة العراقية, 2019.ص 3

[42] هادي اركون, الجابري و العلمانية,مرجع سبق ذكره  .

[43] محمد عابد الجابري , في قضايا الفكر و الدين, مقدمات المغربية, http://www.aljabriabed.net/n09_01jabri.htm

[44]   الطیب عبد السلام, محمد عابد الجابري و العلمانیة العربية ,مركز الدراسات والابحاث العلمانیة في العالم العربي, 2017, https://www.ssrcaw.org/ar/print.art.asp?aid=543248&ac=2

[45] حسن حنفي و محمد عابد الجابري, حوار المشرق و المغرب, عمان, دار الفارس, 1990.ص 39-44.

46 عبد الوهاب المسيري, العلمانية الجزئية و العلمانية الشاملة, القاهرة, دار الشروق , 2002. ص 15–16

[47] المرجع السابق, ص220

[48] المرجع نفسه, ص 17-18 .

[49] الأحول زهرة, العلمانية في  الفكر العربي المعاصر عبد الوهاب المسيري نموذجا ,مرجع سبق ذكره, ص141-143

  50عبد الوهاب المسيري, العلمانية الجزئية و العلمانية الشاملة, مرجع سبق ذكره, ص 20.

[51] المرجع السابق, ص 220-222

[52] محمد عابد الجابري, الدين و الدولة و تطبيق الشريعه ( بيروت , مركز دراسات الوحدة العربية, 1996) ص 108 .

[53] المرجع السابق , ص113-114 .

[54] زياد جهاد حمد, مرجع سبق ذكره ص6-15.

[55] عبد الوهاب المسيري, العلمانية الجزئية و العلمانية الشاملة, مرجع سبق ذكره, ص139-141.

[56] محمد عابد الجابري, الخطاب العربي المعاصر دراسة تحليلية نقدية, بيروت, دار الطليعة, 1994 , ص65 -83.

[57]محمد عابد الجابري, الدين و الدولة و تطبيق الشريعة, مرجع سبق ذكره ,ص201-209.

[58] المرجع السابق, ص 115-122.

[59] مناظرة د سيد القمني و دددعبد الوهاب المسيري , الجزيرة , https://www.youtube.com/watch?v=7ss1wq7DjoQ

[60] عبد الوهاب المسيري , عزيز العظمة, العلمانية تحت المجهر ) بيروت, دار الفكر المعاصر,2000) ص 141-144.

3.5/5 - (4 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى