مقالات

جدلية الردع بين المقاومة و”إسرائيل”

بقلم : د. محمد خليل مصلح – المركز الديمقراطي العربي

 

مقدمة :

حتى نفهم حقيقة الردع في الصراع الدائر بين المقاومة او الثورة الفلسطينية والكيان الاسرائيلي يجب نطلع على النتائج الميدانية؛ المادية العسكرية وتطور الموقف الميداني والمواقف السياسية لكلا الطرفين، وفي البداية النفسية، لان الردع في حقيقته عامل نفسي قبل ان يكون عامل مادي.

لا شك ان الردع مصطلح ذو طابع عسكري لكن في الحقيقة هو ابعد من ذلك او اكثر شمولية، هو في جوهرة تهديد يتدرج من التهديد بالرسائل الى استخدام القوة؛ حتى يرتدع العدو من التفكير باستخدام القوة والمغامرة وعدم اختبار قوته مع الطرف المستهدف  لتحقيق مصالحة،

وهذا الافق وهذه الشمولية  تكسب مصطلح الردع المرونة باستخدام وسائل ردعية  غير عسكرية تندرج تحت وسائل الترغيب وليست الترهيب العقابية لإقناع العدو بعدم اللجوء الى القوة .

استراتيجية الردع

يهوشفاط هركابي في كتابه ” الحرب والإستراتيجية ”  ان جوهر مفهوم الردع هو التهديد من جانب واضح او ضمني بإلحاق ضرر جسيم بخصمه اذا اتخذ خطوة عدائية اتجاهه سيكون التهديد بالردع فعالا اذا اعتقد الخصم ان الشخص الذي يهدده يمتلك الادوات والقدرة والتصميم على تنفيذ تهديده “.

فنظرية الردع” هي إحدى نظريات إدارة الصراع التي تستند أساساً على الأدوات العسكرية، لذلك كثيراً ما يقرن البعض مصطلح الاستراتيجية بمصطلح الردع، لذا بات مصطلح “إستراتيجية الردع” من المصطلحات شائعة الاستخدام سواء في مجال التخطيط العسكري أو العلاقات الدولية” . ويكبيديا

اذن “يمكن تعريف مفهوم الردع بأنه استخدام تهديدات أحد الأطراف من أجل إقناع طرف آخر بالامتناع عن الشروع في بعض الإجراءات، و يعتبر التهديد بمثابة رادع إلى الحد الذي يقنع به هدفه بعدم تنفيذ الإجراء المقصود بسبب التكاليف والخسائر التي سيتكبدها هذا الهدف” .

الردع في نظرية الحرب اللامتماثلة

الحرب اللامتماثلة التي يصعب فيها هزيمة مقاتلي الحرية بسبب التعبئة العقائدية  الثورية حيث تسقط فكرة الثمن الباهظ وميزان القوة والتكافؤ لان الارض لا تقدر بثمن بنظر الثوار؛ خسارة الوطن لا يعادلها ثمن، وهذا يسقط فكرة الترهيب والترغيب او العقاب والثواب؛ بمعنى اخر تسقط فلسفة العصا  والجزرة في معارك التحرير ضد المحتل والمستعمر.

فالردع اسلوب يحتاج الى مهارة وقدرة وخبرة تفاوضية مباشرة او غير مباشر تكون بالرسائل المكتوبة او الشفوية، انه عملية اقناع الطرف الاخر الخصم او العدو خاصة الحروب غير المتماثلة بين القوى المتحاربة كحروب ومعارك التحرير ضد المحتل والمستعمر .

اسرائيل تنظر الى حماس وهي تمارس نظرية الحرب اللامتماثلة ضدها انها تهديد وجودي يجب القضاء عليه اذا لم تستطيع احتواءه وتحييده كما فعلت مع منظمة التحرير خاصة فتح باتفاقيات تخدم الامن الاسرائيلي مقابل اعترافها بالمنظمة ممثل للشعب الفلسطيني دون الاعتراف بحق الشعب التاريخي بفلسطين.

فائض القوة او القوة المعطلة

عدم القدرة على استخدام كل الامكانيات والسلاح على سبيل المثال في الصراع بين جيش المحتل الاسرائيلي والثورة الفلسطينية او المقاومة لا يستطيع المحتل استخدام كل اسلحته وهذا يفقده  قدرة الردع التأثيرية على قيادة الثورة الفلسطينية، حيث مفهوم الثمن الذي سوف تدفعه اسرائيل في استخدام القوة المفرطة والتي تتجاوز الواعد الدولية في الصراع باهظ جدا يفقدها الكثير من التأييد والحماية في مجلس الامن بالإضافة  تضرر صورتها كدولة ديمقراطية، وهذا مع عدم التيقن من تحقيق الهدف من الحرب والقضاء على حماس، كان آخرها حرب ما سمته اسرائيل معركة حامي الاسوار، حيث فقدت الكثير من دعم الرأي العام حتى في قلب اقوى حليف استراتيجي الولايات المتحدة، حدث ما لم يتوقع تغير حاد في فهم حقيقة اسرائيل كمحتل عنصري والتعبير عنه في استطلاعات الرأي وداخل حزب الديمقراطيين.

 حرب بدون اهداف سياسية

في السنوات الاخيرة حقبة نتنياهو كانت الحروب بلا اهداف محددة ولم تكن مفهومة للجيش غير اننا يجب ان نحافظ على قوة الردع الاسرائيلية وإضعاف قوة حماس او نظرية قص العشب او المعركة بين الحروب والتي في كل مرة تتراجع فيها قدرات الردع وتزداد قوة المقاومة العسكرية والسياسية حتى تنادي المستشارة الالمانية بالتفاوض المباشر مع حماس حتى تستقر منطقة الشرق الاوسط. وهذا ما لا يتحقق وتنشب النقاشات بين المستويات السياسية والأمنية فيمن يتحمل المسؤولية و التقصير السياسي والأمني في حماية او  تطبيق الردع ضد الخصم او العدو المقاومة.

فقدان هامش المناورة وفي حالة كالاحتلال الاسرائيلي ترفض ان تعترف بحق الفلسطينيين السياسي بدولة فلسطينية حسب قرار مجلس الامن بقرار التقسيم، وهذا يقلل من فرص الردع والتراجع للثورة والمقاومة الفلسطينية، ان ما تقدمه من اغراءات لا قيمة له امام انكار الحق الفلسطيني في ارضه.

كوابح استراتيجية الردع

في تطور مفاجئ بعد المعركة الاخيرة التي يسميها حامي الاسوار ظهرت العيوب الكثيرة على كل الجبهات وعدم قدرة الكيان على السيطرة على المتغيرات السياسية والأمنية التالية:

السياسية :

  1. اولويات الحكومة عقبة امام تحقيق الردع مع المقاومة في غزة والضفة، حكومة بينت تبنت استراتيجية نتنياهو اولوية ملف ايران النووي و التموضع في سوريا وخطورة جبهة حزب الله على شمال الكيان رغم فشله في التأثير على قرار الادارة الامريكية والرئيس بايدن بعدم السماح للتدخل المباشر في الخطة الامريكية ورفض خطة الدفاع الاسرائيلية؛ رغم الوعد بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي.
  2. ضعف الائتلاف الحاكم، وتهديد البعض بإسقاط الحكومة في حالة القيام بحرب ضد قطاع غزة.
  3. الصحوة القومية الدينية لعرب الاراضي المحتلة 1948 الذي ظهر في حرب ما سميت “حامي الاسوار” الاخيرة الخاصرة الرخوة و المظاهرات داخل المدن من المواطنين العرب، والاصطدام مع قوى الامن، والذي تسبب بحالة من الردع الداخلي لليهود.
  4. اختلال في الدعم الدولي في المحافل الدولية، وتغيير في موقف الراي العام؛ الاوروبي و الولايات المتحدة.

الامنية:

  1. فقدان السيطرة على المناطق ( الضفة الغربية وظاهرة السلاح في جنين ونابلس والمظاهرات الشعبية في القدس).
  2. القلق من تعدد الجبهات، دخول جبهة الجنوب سواء من خلال خلايا لحماس او من حزب الله .
  3. تطور سلاح المقاومة القوة الصاروخية كان واضح جدا في الحرب الاخيرة التي ضربت العمق، وبقوة تفجيرية اكبر من القوة التفجيرية في المعارك السابقة.

التطرف الديني وعدم عقلانية الفكر الصهيوني المتطرف، واستغلال الدين والجماعات والتوسع بدون مراعاة للعبء الامني، والعودة لفكرة اسرائيل الكبرى

حدود الردع الزمنية والمكانية

الجيش الاسرائيلي بدأ يستوعب إخفاقات الحرب الأخيرة. صحيفة معاريف العبرية

كان واضحا جدا ان الردع الموضعي المؤقت بزمن الحرب ردع مخادع وهذا ما اثبتته كل المعارك وباعتراف خبراء عسكريين وسياسيين ومحللين اسرائيليين، الادعاء بتحقيق الردع اكاذيب في كل مرة تعود حماس لتفرض علينا خوض معركة لاعادة ترميم صورة الردع التي هي في الاساس غير موجودة بشقيها العسكري والنفسي، حتى اسلوب الردع بالرفض الذي تمارسه قيادة الاحتلال بوضع كل الصعوبات المادية واستراتيجية الحصار لم تمنع المقاومة من تطوير ذاتها والتحدي وخلق ظروف امنية صعبة تشكل تهديد مثل الارباك الليلي على الاسلاك والجدران الفاصلة مع قطاع غزة، الردع المؤقت الاتي تتكلم عنه في كل مرة  حكومة الكيان المحتل هي مؤقتة في الزمان والمكان “الرسالة من طرف حمـاس لم تتغير، طالما أن غزة لا تحصل على ما تريد وتستحق، فإن “إسرائيل” لن تنعم بالهدوء”.جاكي حوجي-معاريف:

تعدد الجبهات والعمق الاستراتيجي الجغرافيا المحال الحيوي

في اللقاء الاخير صدر من رئيس حكومة الكيان الاسرائيلي بينيت للرئيس بايدن: نحن في الحي الأصعب في المنطقة، الكل يريد قتل الإسرائيليين، لذلك يجب أن تكون إسرائيل قوية بشكل غير عادي من كل مكان حولها. كان العبرية

لا يمكن ان يكون في هذا الكلام تعبير عن قوة الردع بل الخوف والقلق من المنطقة والتهديد المحيط بالكيان حتى وان فسه البعض لكسب تعاطف الادارة الامريكية والرئيس الا ان حقيقة الحديث لا ينم عن قوة ردع وسيطرة على الوضع الاقليمي والتطورات او المتغيرات الامنية والسياسة خاصة التي لها علاقة بمحور المقاومة، وحماس حاضرة في المعادلة، الرئيس السابق لـ شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” – اللواء احتياط عاموس يادلين: الردع “الإسرائيلي” موجود بسبب حقيقة أن حمـاس لا تطلق الصواريخ هنا بشكل متكرر، لكن حسب تقديري الاستراتيجي، فإننا في الطريق نحو مواجهة أخرى مع حمـاس”  وهذا اكبر دليل على فقدان الردع والجدلية القائمة بين الطرفين تحقق ام لم يتحقق، والعنصر الاخر المفقود في استراتيجية الردع الاسرائيلية  انها تعتمد على عناصر خارجية بمعني ان الردع غير ذاتي بحديث قائد فرقة غزة ” قطر ومصر سيمنعان أي تصعيد قادم … حيث أكد قائد فرقة غزة في الجيش الإسرائيلي، أن بإمكاننا أن نقول هناك مصر وقطر وبالتأكيد سيتوسطون لمنع أي تصعيد، لكن مما نراه بأم أعيننا في الميدان أننا في طريقنا إلى تصعيد ولو ليوم واحد”.

ما كان لن يكون الصيغة الردعية الذي جاول غانتس وزير جيش الكيان الاسرائيلي تحقيقها لم تتحقق وتراجع عن كل الاشتراطات وكان من المقاومة ان فرضت صيغة اخرى سيكون افضل مما كان وان كان بالتدريج وبضغط المقاومة الشعبية، والتطور المنتظر في الوسائل المستخدمة الان مرهون بفشل الوسيط المصري وليس بسبب استراتيجية الردع الاسرائيلية .

الخلاصة

ان الردع الاسرائيلي قوته محدودة زمنيا ومكانيا، ولا يمكن ان يحقق تأثيرها ذاتيا وتأثيرها المعنوي مفقود على الشعب الفلسطيني وقيادة المقاومة؛ الا بتدخل وسطاء لكبح جماح المقاومة الفلسطينية، والضغط عليها من طرفها بإغلاق المعبر واستغلال حاجة الفلسطينيين المدنيين.

الناصر.الناصر, [27.08.21 14:11]

داني زاكين – جلوبس :

مشاكل حمـاس تشعل غزة والضفة أيضا وتقربنا من جولة أخرى من القتال مع غزة، يثبت التوتر في القطاع أن الحكومة “الإسرائيلية” بقيادة بينيت لم تجد بعد صيغة كاملة لتحويل الأموال القطرية إلى غزة وأن عبارات “ما كان ليس ما سيكون” ليس لها غطاء.

حمـاس بقيادة السنـوار تبني على السياسة “الإسرائيلية” وهشاشة ائتلاف حكومة بينيت.

“كل شيء في الحرب بسيط للغاية. لكن أبسط شيء يعتبر صعبًا.”

كارل فون كلاوزفيتز

الناصر.الناصر, [28.08.21 09:38]

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى