مقالات
نماذج في سلوك ازدواجية المعايير في العلاقات الدولية وسط غياب اثر قواعد القانون الدولي

بقلم : د. هاني الحديثي – المركز الديمقراطي العربي
لم تعد نصوص وقواعد القانون الدولي تفسر وفق أسس العدالة التي وضعت لاجلها في مؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945, انما وفق التفسير المصلحي للقوى المتصارعة.
القضية الفلسطينية شهدت عشرات القرارات من الامم المتحدة لم تنفذ على الإطلاق كون اسرائيل التي تحتمي بالدعم الغربي ترفض تطبيقها .
1991 تم اعتماد قواعد القانون الدولي بحرفية مطلقة ومتطرفة وبدون تدرجية في فرض العقوبات على العراق باعتباره دولة معتدية ومحتلة للكويت بدفع أمريكي ونتيجة اجماع دولي على الغزو للكويت بعد تراجع الاتحاد السوفيتي عن تنفيذ اتفاقياته مع العراق وتواطئه مع الإدارة الأمريكية .
2003 تم احتلال العراق خارج نطاق الشرعية الدولية انطلاقا من اجتهاد أمريكي مدعوم من إدارة توني بلير في بريطانيا ثبت زيفه بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل تهدد السلم والامن الدوليين .
في الغزو الروسي لأوكرانيا 24 فبراير 2022 زعمت روسيا في غزوها الأراضي الاوكرانية أنها استخدمت حق الدفاع المشروع عن النفس بسبب توجه أوكرانيا للانظمام الى حلف الأطلسي وتهديد الأمن القومي الروسي ، والان هي تناور مع الإدارة الأمريكية من اجل الحفاظ على جزيرة القرم والمناطق التي احتلتها في أوكرانيا في حربها خارج نطاق القانون الدولي والشرعية الدولية مقابل تنازلات تمنحها للولايات المتحدة في مناطق حيوية منها الشرق الأوسط وربما ايران (بيع الأصدقاء).
في حرب غزة اعتمد نتنياهو ذريعة هجمات السابع من اكتوبر ألزعم بحق الدفاع الشرعي عن النفس ، ولكنه ارتكب جرا ئم حرب في غزة بموجب قرارات المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية دون ان تجد هذه القرارات تاثير ما في السلوك الاجرامي للكيان اتجاه غزة ، او المسؤولين عن ارتكابها من اركان الكيان الاسرائيلي.
وفي الإعتداء الاسرائيلي الأخير على ايران زعمت اسرائيل حقها في الدفاع عن النفس لخطورة حصول ايران على القدرات النووية على امنها القومي والتي تخضع منشآتها لرقابة المنظمة الدولية للطاقة رغم أن اسرائيل هي الطرف الوحيد الذي يملك القدرات النووية في الشرق الأوسط وترفض التوقيع على معاهدة حضر الانتشار النووي بل وترفض الانضمام الى إجراءات الرقابة الدولية من المنظمة الدولية للطاقة النووية خلافا لميثاق الامم المتحدة .
ايران اعتمدت بموجب القانون الدولي على حقها في تطوير برامجها النووية للاستخدام السلمي الخاضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة النووية لكن ذلك لم يمنع من استمرار العدوان عليها ، وربما خطئها الكبير يكمن في تعنتها بالمفاوضات مع الإدارة الأمريكية من جهة ،و وتحريضها الاطراف التي تخضع لنفوذها في البلدان التي أخضعتها تحت نفوذها ، وذلك ناتج عن تدخلها واسع النطاق في بلدان محيطها الاقليمي العربي وأشاعتها الحروب المحلية ذات الصبغة الطائفية ،وتدميرها لمقومات وقدرات الدول فيها بشكل حقق تخادما فعليا مع الكيان الاسرائيلي عن قصد او بدونه ، وهو تدخل مرفوض من شعوب المنطقة العربية جعل من ايران طرفا منبوذا اقليميا ودوليا
.
إدارة ترامب مؤخرا اتخذت من العناد الإيراني ذريعة لتدمير ثلاث منشآت نووية إيرانية متذرعة بانها تهدد السلم والامن الدوليين .
ومن المتوقع ان تعاود تدمير منشآت أخرى إذا استمرّت ايران في عنادها على معالجة الموقف اتجاه برامجها النووية ونظام الصواريخ الباليستية المتطورة لديها .
في ضوء ذلك فان الوضع الدولي ينبىء بانتهاء قيمة القانون الدولي في العلاقات الدولية وإمكانية تطبيقه بأسلوب مهني،
وان العلاقات الدولية يعاد صياغتها وفق مبدأي المصلحة والقوة وهو المبدأ ذاته الذي بني عليه النظام الدولي في القرن التاسع عشر اثر اتفاقية فينا لعام 1814/1815 بمعنى نظام توازن القوى الذي استمر العمل به لغاية 1945 مع متغير مهم يتعلق بالهيمنة الأمريكية على مجمل النظام الدولي منذ انتهاء الحرب الباردة 1991 ثم عودة ظهور القطب الروسي وتصاعد الدور الصيني .
على بلدان العالم والأنظمة السياسية ان تدرك ان المبادىء والأخلاق والحقوق التاريخية وحق تقرير المصير لم يعد لها مكان في واقع ومستقبل النظام الدولي إلا في حالة تطلب الأمر وتوافقه مع القوى المهيمنة على النظام الدولي ،
وان مبدأي المصلحة و القوة هما من يحدد الان وصاعدا طبيعة العلاقات بين الدول .
بلدان العالم النامية ومنها بلدان العالم العربي معنية بإعادة النظر في الأولويات، وان المصلحة تقتضي منها اعادة تشكيل نفسها وفق قدراتها وفرصها في تحقيق أقصى قدر من التنسيق والتعاون ،وبدون ذلك فإنها ستجد نفسها مرغمة للقبول والانخراط بنظام شرق أوسطي يفرض عليها فرضا تدفع مقابل رفضه انهارا من دماء شعوبها .