الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

الرابحون والخاسرون من مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي

اعداد : محمد عادل عثمان – باحث في الشأن الافريقي 

  • المركز الديمقراطي العربي

 

وصل الرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي، إلى السلطة في عام 1990 عندما أطاحت قواته بالرئيس التشادي آنذاك حسين حبري، وعمل على قيادة الدولة بعد ذلك بقبضة أمنية قوبة وتمكن من النجا من عدة محاولات سابقة للانقلاب علية والتصدي للثورات المسلحة ([i]( وظل في الحكم قرابة الثلاثين عام إلى أن نجحت مجموعة تطلق على نفسها “جبهة التغير والوفاق”([ii]) في اغتياله بعد أن قامت بشق طريقها من ليبيا في اتجاه تشاد وهاجمت نقطة أمنية على الحدود الشمالية ودخلت إلى البلاد ودعت إلى ضرورة انهاء رئاسة ديبي.

وعمل ديبي على أن يجعل من تشاد محور هام في منظومة الامن الافريقي وبخاصة في منطقة الساحل والصحراء هو ما يجعل مقتله يضع سيناريوهات متعددة أمام الدول التي تعمل على مكافحة الجريمة المنظمة والارهاب في إفريقيا، وخلقت هذه السياسة أصدقاء واعداء لإدريس ديبي وسياسته سواء داخليًا أو خارجيًا، ولذلك تتناول هذه الورقة الاهمية الاستراتيجية لتشاد بالإضافة إلى الرابحون والخاسرون من الرئيس التشادي ” إدريس ديبي”.

  • الأهمية الاستراتيجية لتشاد
  • الرابحون والخاسرون من مقتل إدريس ديبي

اولًا: الأهمية الاستراتيجية لتشاد

تكمن الاهمية الإستراتيجية لدولة تشاد في إفريقيا بالنسبة للمجتمع الدولي في كونها تقع على الجانب من منطقة الساحل والقرن الأفريقي، وقد اعتبرتها القوى الغربية إلى حد كبير دولة حاسمة في محاربة الارهاب في الساحل بالإضافة إلى دورها في الحفاظ على الوضع الامني في السودان بإقليم دارفور ودورها في حفظ الحدود الشمالية مع الجنوب الليبي حيث تدفق المهاجرين غير الشرعيين والعناصر الارهابية من وإلى منطقة الساحل، ويمكن الإشارة إلى الأهمية الاستراتيجية لتشاد ولإدريس ديبي على وجه الخصوص من خلال النقاط التالية:

1.ورقة الجوكر:       

نجح الرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي في أن يقيم علاقات قوية مع واشنطن وباريس وهو ما استفاد منه في التغاضي عن سجل حقوق الإنسان في البلاد([iii](، ولذلك وبسبب اكتساب ديبي لسمعة قوية في التكتيكات والخطط العسكرية نتيجة لمشاركته في الحرب الليبية التشادية التي وقعت في الثمانينيات من القرن الماضي، دعمت فرنسا والولايات المتحدة ادريس ديبي في أن يلعب دور قوي في معالجة القضايا الامنية في منطقة الساحل والصحراء وفي الملفات لأخري التي تهم الدولتين وفي خلق استقرار ولو نسبي في بعض الملفات والقضايا، فعلي سبيل المثال دعمت القوى الغربية ديبي في استضافة أكثر من مليون لاجئ من دارفور لأكثر من عقد من الزمان بل أنه سهل ومول الكثير من عمليات الإغاثة هناك وسمح للمنظمات الإنسانية الغربية ومراقبي حقوق الإنسان والصحفيين بالوصول بسهولة إلى بلاده للتحقيق في الجرائم داخل معسكرات اللاجئين  هناك([iv]( .

  1. الحرب على الارهاب:

تعتبر تشاد أحدي الدول التي مثلت في الفترة الاخيرة ركيزة في التصدي للجماعات الارهابية بمنطقة الساحل والصحراء حيث لعب الجيش التشادي دور قوي بالتعاون مع القوات الفرنسية في قتال الجماعات المتشددة والعصابات الإرهابية الأخرى وهو ما جعله وأحد من الجيوش التي تعتبر ذات خبرة في حروب العصابات.

وكعادة سياسة فرنسا بعد الاستعمار الرامية في اتجاه الحفاظ على مستعمراتها عملت على استخدام تشاد كمشارك قوي في سياستها في منطقة الساحل بل أن تشاد في عام 2013 قدمت كتيبة مكونة من (2000) جندي لدعم عملية (سيرفال) في شمال مالي ([v]( ولم يقتصر ذلك الاهتمام عند هذا الحد عملت فرنسا ومنذ آب/ اغسطس 2014 على جعل تشاد مقر القيادة والتواجد لعملية برخان وكانت تشاد تستضيف (200) عربة مدرعة و (6) طائرات مقاتلة و (3000) جندي فرنسي متمركزين بشكل دائم.

استطاعت تشاد داخليًا أن تسوق نفسها كلاعب أساسي مع فرنسا في الحرب على الارهاب في وسط افريقيا ومنطقة الساحل ففي يوليو 2015 تبني البرلمان التشادي قانون لمكافحة الارهاب واعاد تطبيق عقوبة الإعدام بل أن الجيش التشادي يعتبر الأقوى بين جيوش وسط إفريقيا([vi]( فقد شهدت قواته تصاعد في العدد من (17000) جندي عام 1990 وصولًا إلى (25350) ويمثل الانفاق العسكري 6.6% من الناتج المحلي الاجمالي وهي تحتل المرتبة 90 عالميا طبقا للتنصيف الاخير من موقع جلوبال فاير باور([vii]).

ثانيًا: الرابحون والخاسرون من مقتل ديبي  

من المؤكد أن مقتل إدريس ديبي له تداعيات إيجابية للبعض وسلبية للبعض الأخر فهناك من سيحقق استفادة من غيابة عن المشهد بالإضافة إلى أن هناك أطراف أخرى ستكون خاسرة وهو ما سيتم الإشارة إلية في هذه النقاط التالية:

1.الرابحون:

  • الجماعات الإرهابية: عقب الإعلان عن مقتل ديبي أعلن الجيش التشادي اغلاق للحدود البرية مع دول الجوار تحسبًا لاي تطورات أو اندلاع أعمال إرهابية أو عنف داخل البلاد وذلك يرجع إلى الارتباط الواسع بين تشاد والبلاد المجاورة لها فمن الشمال يوجد الجنوب الليبي ومن الشرق السودان ومن الغرب النيجر ونيجيريا وهي مناطق غير مستقرة أمنيًا الأمر الذي قد يتيح المجال أمام الجماعات الارهابية المتواجدة هناك إلى التفكير في الإقدام على أي عمل إرهابي قادمًا من هذه الحدود.

ففي شمال النيجر ونيجريا الحدوديتين مع تشاد هناك تحرك وأسع لعناصر تنظيم داعش وبوكو حرام وهو ما يعنى أن هذه الجماعات قد تفكر مستقبلًا في شن عمليات إرهابية داخل البلاد مستغلة حالة التخبط الذي قد تنتج عن عملية الاغتيال التي وقعت ([viii])، فالهشاشة الامنية من الجنوب الليبي إلى تشاد والنيجر تمثل خطرًا أمنى كبير على السلم والامن الإقليمي.

  • المعارضة المسلحة: من أبرز المستفيدين من مقتل ديبي عناصر المعارضة المسلحة التشادية حيث قد تتجه هذه المعارضة إلى إشعال صراع داخلي مع مؤيدي ديبي داخليًا، فهناك ما يقارب الـ (100) مركبة تابعة للمعارضة نجحت في عبور تشاد تحمل أكثر من (500) شخص من المتمردين والمناهضين للحكومة بل أن هذه الاطراف أعلنت أنها سيطرت على مستودع للأسلحة التابعة للجيش واعلنت سيطرتها على منطقة كانم بأكملها والتي تقع عند نقطة قريبة من العاصمة إنجامينا وتبعد عنها بحوالي 150 كلم فقط ([ix])

2.الخاسرون:

يمكن الإشارة إلى أبرز الأطراف التي قد تتأثر من مقتل إدريس ديبي من خلال النقاط التالية:

  • الشركاء الغربيون: كما سبق الإشارة أن فرنسا والولايات المتحدة تدخلان في شراكة قوية من الناحية الأمنية مع إدريس ديبي وبخاصة فرنسا عبر مبادرة دول الساحل الخمس متعددة الجنسيات والتي تعد واشنطن وباريس مشاركين اساسيين فيها لذلك فأن رحيل ديبي عن المشهد طبقا لما سبق الاشارة إلية من قد يدفع بـ تكثيف باريس لقواتها العسكرية في منطقة الساحل هذا على الرغم من أن الأهمية الأمنية لإدريس ديبي كانت قد اختلت قبل مقتله نتيجة للحدود المفتوحة وهو ما دفع النخب الفرنسية نحو الحديث عن جدوى هذا الدعم الذي تقدمه باريس وبأن الحل العسكري في منطقة الساحل والصحراء لن يكون هو الحل الأمثل في القضاء على الأزمات الأمنية والسياسية في ظل ديمقراطيات هشة تدعمها فرنسا([x]) وبدأ الحديث يتصاعد حول ضرورة التركيز على المساعدات الانمائية وتقوية المؤسسات ، وتقديم الخدمات ، ومشاركة المجتمع المدني للحكم.
  • دول الجوار: قد ينتج عن مقتل الرئيس التشادي حالة من عدم الاستقرار الامني التي قد تؤثر وبشكل كبير على الداخل التشادي حيث قد تشهد البلاد أعمال عنف بين مؤيدي الرئيس ومعارضيه والمجلس العسكري الذي تولى زمام الأمور مما قد يخلق أزمة لجوء إنساني خاصة أنه إلى الان لا يوجد أي سيناريو حول طريقة إدارة الدولة تحت قيادة المجلس العسكري و محمد ادريس ديبي نجل الرئيس.

ويستدل على تلك الحالة من عدم الاستقرار أنه لم يكن هناك تقدير قوي لتسليح وعدد عناصر المعارضة التي اغتالت ديبي مما يعني أن الهجوم كان أكثر مباغته بالرغم من أن القتال لم يكن بالقرب من العاصمة وكان ديبي بعيدًا عن مرمي الهجوم بشكل مباشر ([xi])، وينذر هذا بإمكانية أن تندلع أعمال عنف في البلاد نظرًا لقدرة المعارضة المسلحة على التوغل داخليًا.

كما أن البرلمان الليبي عقب مقتل ديبي طلب بتعزيزات عسكرية على الحدود الجنوبية مع تشاد([xii]) وهو ما يعني وجود قلق ليبي من التأثيرات الأمنية لمقتله، خاصة أن الجماعات التي قتلته أتت من الأراضي الليبية وهو ما قد يدفع الأطراف المؤيدة للرئيس إلى شن هجمات انتقامية على الأراضي الليبية لملاحقة المعارضة التشادية هناك.

وختامًا، يمكن القول إن الرئيس التشادي نجح في إخماد الكثير من النيران داخل الأراضي التشادية على مدار 30 عام لحكمه إلا أنه كان ضريبة ذلك تراجع اقتصادي كبير في البلاد فهي تحتل المرتبة (187) من أصل (189) في مؤشر التنمية البشرية، والأن قد تشهد الأيام القادمة في تشاد حالة من الارتباك خاصة أن طريقة وطبيعة الحكم التي اتبعها ديبي خلقت الكثير من حواضن الغضب داخليًا وخارجيًا، ولذلك فأن المجلس العسكري أمام تحديديات كبيرة أهمها بسط الأمن والسيطرة على الحدود، والجانب الإيجابي في تحرك المؤسسة العسكرية هو أنها تمتاز بجانب من التماسك الداخلي على العكس من طبيعة الجيوش الافريقية الأخرى في دول جنوب الصحراء.

المراجع:

[i] Chad president Idriss Deby Itno, longtime leader of the African nation, killed on battlefield fighting rebels, military says, CBS news, APRIL 20, 2021,at: https://cbsn.ws/3atF9jF

[ii] جبهة الوفاق والتغيير التشادية، منظمة سياسية عسكرية أنشأها محمد مهدي علي في مارس 2016 في تانوا شمالي تشاد أعلنت على استعدادها لعمليات عسكرية ضد الرئيس

[iii] Cameron Hudson, Will events in Chad force a reset of Sahel strategy?, Atlantic Council, APR 19, 2021,at: https://bit.ly/3tDou4T

[iv] Ibid.

[v] Delphine Lecoutre, Le Tchad, puissance de circonstance, Le Monde diplomatique, juin 2016, à: https://bit.ly/3ngwuGJ

[vi] Ibid.

[vii] 2021 Chad Military Strength, global fire power, at: https://bit.ly/3elDbCX.

[viii] مقتل إدريس ديبي ينذر ليبيا بتداعيات وخيمة، قناة سكاي نيوز عربية،  20 أبريل 2021، متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/3v9d1dM

[ix] Cameron Hudson, op.cit.

[x] Tchad : la France vole au secours d’Idriss Déby en bombardant des rebelles, Le Monde, février 2019, à: https://bit.ly/3sBZoC3

[xi] حسين جمو، إدريس ديبي.. الرئيس الذي أنقذته فرنسا مرّتين، صحيفة البيان، 20 أبريل 2021، متاح على الرابط: https://bit.ly/3dyVB4e

[xii]تبعات “ديبي”.. النواب الليبي يطلب استعدادات عسكرية على حدود تشاد، موقع العين الإخبارية، 20 ابريل 2021 متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/3auHf2L

4.3/5 - (6 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى