الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

ما بين التوازن و التنافس التحالفات العراقية الى اين ؟ قراءة تحليلية

بقلم : مصطفى السراي – باحث من العراق

  • المركز الديمقراطي العربي

 

بعد اعلان نتائج الانتخابات شهدت معادلة العملية السياسية تغير جذري عما كان عليه قبل الانتخابات فالعملية السياسية البرلمانية العراقية تقوم على قاعدة “الكتلة الاكبر” المحددة في الدستور والانظمة واللوائح الداخلية القانونية المنظمة للعملية السياسية ،رغم الاختلاف على مفهوم “الكتلة الاكبر”  حيث جاء الدستور بالمادة (76) غير واضح المعالم في تعريف الكتلة الاكبر والنص يقول  “تقدم الكتلة الاكبر عددا مرشحها” وبالتالي الخلاف يكمن في جانبين الاكبر عدداً من حيث عدد الفائزين بالانتخابات ام من حيث عدد المقاعد النيابية ، الا ان قرار المحكمة الانتخابية الصادر بتاريخ 25/3/2010 العدد (25/ اتحادية/ 2010) والذي أكدته بموجب قرارها الصادر بتاريخ 11/8/2014 بالعدد (45/ ت. ق/ 2014) التي تؤكد على ان الكتلة الاكبر هي ممن تتشكل بعد الانتخابات ويؤيد اعضاءها اليمين الدستوري في الجلسة الاولى لمجلس النواب، وبهذا قد اوضحت المحكمة الاتحادية الامر.  افرزت انتخابات 2018 تحالفات سياسية وكتل سياسية متقاربة بالأصوات جدا ولم يعد هناك بين كتل كبيرة او صغيرة الا بفوارق صغيرة وهذه الافرازات تنطبق على جميع القوى السياسية واصبح من الضروري على هذه الكتل العمل على خطة بديلة من اجل اعلان الكتلة الاكبر التي يحق لها تقديم رئيس الوزراء جرت العادة في السنوات السابقة العمل على انشاء الكتلة الاكبر بصفة تميل الى الهوية العرقية فالقوى الشيعية هي صاحبت النصيب الاكبر من عدد الاصوات و مقاعد مجلس النواب في كونها مجتمعة الا ان هذا الامر صعب المنال بسبب الانقسامات داخل ما يسمى ( البيت الشيعي ) لأسباب عديدة اهمها من هو الزعيم السياسي الاول لهذا البيت ويدور صراع الزعامة ما بين الرجال الاربعة، لذا فان المعادلة التي يتم حل الخلافات بها بين القوى السياسية هي معادلة (المحاصصة) اوما يطلق عليه التوازن (المصطلح التجميلي) ما بين القوى الشيعية و السنية والكردية، فالقوى السنية رغم الاختلافات ما بينها وتعددها الا انها تحاول الحصول على ما هو مقرر الى ما يسمى (المكون السني) على الجانب الاقتصادي و السياسي و العسكري والاداري ، ولا تختلف القوى الكردية عن ذلك التي هي ممكن ان تنسجم مع أي شخصية تكون فقط في حال ضمان مكاسبها ونسبتها السياسية والاقتصادية والحفاظ على مميزات الاقليم ، الا ان القوى الشيعية لها راي الاخر في ذلك بسبب صراع الزعامة لا تبالي الى الصفة العامة وانما تحاول كل جهة منها ان تلعب الدور وتصبح الاكبر لتقوم بمقام الاخ الاكبر الذي يتمتع بميزة تقديم رئيس الوزراء وايضا تعمل مع القوى الاخر الشيعية على قاعدة ( التوازن ) في تركيب دعامات هذا البيت، ولعصوبة الاجتماع بتحالف موحد يضم القوى الشيعية جميعاً و لكي لا يتم نفي معادلة (التوازن) فقد عمد كل طرف من الاطراف الشيعية الى اعلان تشكيل تحالف جديد ولكن هذه المرة التحالف ليس فقط لشيعة وانما ايضا لقوى اخرى سنية و اقليات و السبب في ذلك النتائج المتقاربة للقوى السنية ايضا و انتقال دعوة صراع الزعامة الى (البيت السني  وبمساء يوم الاحد ، 30 \ تموز 2018 ، اعلنت قوى سياسية شيعية عن تشكيل (تحالف الاصلاح) من قبل زعيم تحالف سائرون (السيد مقتدى الصدر) وبعد ساعات قليلة اعلن عن تشكيل تحالف اخر وهو ( تحالف البناء ) من قبل زعيم تحالف الفتح (هادي العامري) ليتحول الامر من توزان الى تنافس ما بين الاثنين حول من هي الان الكتلة الاكبر عدداً وجولات انتخاب واختيار الرئاسات الثلاث والحكومة كان الاختبار الحقيقي لهذه التحالفات.

وبعد مرور سنة تقريبا على عمر تشكيل الحكومة التوافقية مابين التحالفين نرى ان تحالف الاصلاح لم يكمل المشوار وقد تفكك نتيجة الاختلافات الداخلية مابين الكتل والاحزاب المنطوية داخل التحالف والطريقة التي تم تشكيل بها الحكومة لم تكن راضية لبعض اطراف هذا التحالف وتحالف البناء ايضا لم يستطيع ان يبني حجراً واحداً وكان اشبه بالميت سريرياً الى ان نفارق الحياة مؤخراً فهو تحالف بلا نظام داخلي ولا هيكلية واضحة وبلا سياسة ورؤية محددة يعمل من خلال ليتفكك من ذات نفسه وانفراد تحالف ( الفتح ) فقط باتخأذ القرارات دون النظر الى الشركاء او الاخذ بارائهم، لذا فان الاحتجاجات الشعبية ابرزت بشكل جلي الانقسامات داخل التحالفات السياسية وانعكس واضحاً على اداء مجلس النواب.

من توافقية التوازن الى توافق المصالح (تشكيل حكومة الكاظمي)

استقالة ( السيد عادل عبدالمهدي ) ولدت صورة ضبابية لدى اغلب القوى السياسية العراقية بجميع تشكيلاتها و دخول البلد بمرحلة السبات الدستوري وكذلك بعض القوانين التي اقرت من قبل مجلس النواب كل هذه العوامل وغيرها من احداث اهمها مقتل نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي (ابو مهدي المهندس) ورئيس فيلق القدس الجنرال (قاسم سليماني)  بغارة جوية امريكية في طريق مطار بغداد الدولي المصادف 3/1/2020، كل هذه العوامل دفعت القوى السياسية التفكير بمعادلة توافق المصالح أي بمعنى مع من تتوافق مصالحنا واي الحلول المطروحة يتوافق مع ما تريده هذه القوى لتستغرق عملية توافق المصالح قرابة ستة اشهر تم طرح الكثير من الاسماء سواء في الاوساط الاعلامية او المطابخ السياسية اثنان منهم فقط تم تكليفهم رسمياً من قبل رئيس الجمهورية الاول (محمد توفيق علاوي) الذي اعتبره البعض انه مرشح “تحالف سائرون” تم تكليفه دون رضا الاوساط السياسية الاخرى واهمها اجزاء من “تحالف الفتح” و”ائتلاف دولة القانون” و “ائتلاف الوطنية” برئاسة السياسي ورئيس الوزراء الاسبق ” د.اياد علاوي ” وفي نهاية ليلة الثلاثين وهي الفترة المحددة للمكلف بإكمال كابينة الوزارية خرج المكلف (محمد علاوي واعتذر عن التكليف) وتم الرجوع الى المربع الاول،لم يتم البحث عن البديل المناسب وكانت الطرق مابين التحالفين وعرة جداً ليأتي المقترح بتشكيل لجنة مكونة من الطرفين وقوى سياسية اخرى محايدة لبحث والتشاور بالاسماء المطروحة وعرضها للتصويت من قبل اللجنة ومن يحظى باغلبية الاصوات هو من يقدم الى التكليف، في هذه الاثناء كلف رئيس الجمهورية عضو مجلس النواب والسياسي المعروف ( عدنان الزرفي) بتشكيل الحكومة الامر الذي اثار امتعاض الكثير من الاوساط السياسية كونها اعتبرت الامر خارج عن رغبتها والسيد رئيس الجمهورية قام بتصرف فردي الامر الذي دفعهم  الى الاسراع بالتفكير والبحث عن البديل قبل اكمال الفترة الدستورية للمكلف وهي ( ثلاثون يوم) ليعتذر الزرفي في ساعات الصباح من يوم 9/4/2020 بعد ساعات قليلة جداً اعلن رئيس الجمهورية قبول الاعتذار وتكليف السيد (مصطفى الكاظمي) بتشكيل الحكومة الجديدة  برضا سياسي شيعي – سني – كردي.

تشكلت حكومة السيد ( مصطفى الكاظمي ) وفق مبدأ توافق المصالح حكومة من غير تحالفات سياسية على الساحة الكل يعمل وفق كتل برلمانية و اصبح القرار متشتت بسبب طبيعة التوازنات التي خلقتها الانتخابات الامر اصبح بدائرة ضيقة ما بين كتلة سائرون و الفتح دون مراعاة وجود البقية في ظل اعلان ائتلاف دولة القانون انها معارضة لحكومة الكاظمي اصبح الامر مابين الاثنين كما هو الحال بمقولة ( لنا مثل مالكم ) ونتيجة التشرذم السياسي الحاصل وغياب ارادة الاطراف الاخرى من الكتل والقوى السياسية الاخرى المتوسطة والصغيرة اعلان في بداية شهر تموز 2020 ، عن “تحالف عراقيون” برئاسة زعيم تيار الحكمة السيد “عمار الحكيم” وايضا حركة ارادة برئاسة ” د.حنان الفتلاوي” وحزب الفضيلة برئاسة “د.عبدالحسين الموسوي” فضلا عن قوى صغيرة اخرى ومجموعة نواب مستلقين ليكون تحالف سياسي – برلماني ، يضم عدد نواب وصل الى (45) نائب داخل لمجلس.

وضع عراقيون اهداف رئيسية لعمله اهمها :

  • اعادة هيبة الدولة والثقة بالنظام السياسي العراقي
  • تلبية مطالب المتظاهرين الحقة و المشروعة
  • دعم الاعمار في محافظات العراق جمعياً وبالأخص في الوسط والجنوب و حل قضية النازحين
  • تحقيق عملية الاصلاح الفعلي من خلال تبني نهج اصلاحي وواقعي وحقيقي.

وكأن التحالف يقول اننا سنغير المعادلة السياسية العراقية بالأخص في البيت الشيعي حيث سيصبح العمل ثلاثي في ظل وجود عراقيون وليس ثنائي مابين الفتح و سائرون ، وسنغير عملية التوازن الرقمي داخل مجلس النواب حيث اننا نمتلك الى الان ( 45 ) نائب وممكن العدد يصل الى ( 50) وربما يرتفع الى اكثر من ذلك وبهذا نكون منافسين لسائرون صاحبة ( 57) نائب و الفتح صاحب ( 46 ) نائب تقريبا ، فتحالف عراقيون هو اول تحالف سياسي تشكل بعد احداث صيف ( 2019) والذي يحاول ان يؤسس الى مرحلة عمل جديدة بخطوات فعلية حيث اقر نظام داخلي له و عين رئيس كتلته البرلمانية و المتحدث الرسمي له و في طور اعداد اللجان و الهيكلية الداخلية الاخرى ، حيث يعتبر ذلك خطوة فعلية للعمل على عكس تحالف الاصلاح و تحالف البناء التي لم تباشر بالعمل على ترتيب هذه الامور.

في ذات الوقت هناك من اعتبر ان هذا التحالف هو لدعم حكومة الكاظمي و ان يكون لهذه الحكومة تحالف سياسي يدعم قراراته داخل مجلس النواب وان لا يتكرر خطأ رئيس الوزراء الذي سلفه وهو العمل دون وجود تحالف سياسي – برلماني يدعم ما تقوم به و يقف ضد محاولات الفشل ، في هذا السياق لم يعلن شيء من قبل تحالف عراقيون على ما يثبت صدق هذا الكلام.

وقد اطلق عراقيون شرارة تكوين التحالفات جديدة او توارد الفكرة الى الاذهان فهناك راي يلوح بالأفق الى الان لم يثبت صدقه ان كل من تحالف الفتح وائتلاف دولة القانون قد يعلنون تبينهم نهج ( المعارضة ) لحكومة الكاظمي ، وفي هذا الامر هناك من يشكل عليهم بهذا والاشكالية هي في كيف بمن يكلف ويحضر مراسيم التكليف و يدعم تشكيل الحكومة ويصوت عليها يلعن فيما بعد معارضته لها؟

رغم الحديث قد يطول ولا يقصر عن التحالفات السياسية بالعراق في كل دورة انتخابية تقريباً الا ان هذه التحالفات هي لم تخرج عن المألوف وانما قد اسست هذا المألوف وتفاعلت معه و اقرته وطبيعة التحالفات السياسية بالعراق تكون وفقاً لما تقتضي المصلحة و المرحلة فقد تشهد اعلان عشرات التحالفات ولكن سرعان ما تذوب ولا تعلم الى اين تبخرت وكيف انتهت، فبعض التحالفات اصبحت مثل الراكبين في عجلة نقل الكل يريد ان يصل الى مكان ما وعندما يصل الى محطته تتوقف العجلة و ينزل الراكب وعند تغير مسار العجلة ينزل الباقين من الركاب الذي لا يخدمهم الطريق الجديد ، وحتى التحالفات الجديدة في هذا الوقت فأنها تحالفات سياسية فقط قد تستمر الى الانتخابات القادمة او لا هذا يعتمد على قانون الانتخابات الجديد بعد تعديله واكماله بشكل نهائي والتصويت عليه.

وبهذا نستنتج عدة امور وهي :

  • ان مفهوم التحالفات هو مفهوم ضبابي غير واضح المعالم لدى القوى السياسية العراقية فكل واحدة تحاول تفسير هذا المفهوم وفق ما يتطابق مع مصالحها ورؤيتها لأدارة العلمية السياسية او السلطة السياسية بالمعنى الادق.
  • التحالفات السياسية في العراق تنشأ لغرض محدد وهو تشكيل الحكومة لذا نرى ان اغلب التحالفات السياسية تتفكك وتنتهي بمجرد تشكيل الحكومة.
  • ان ما يحدث في العراق ليس تحالف بالمعنى الدقيق له وانما هو اشبه بالتجمعات المتفقة لغرض معين ، كون التحالفات تحتاج الى رؤى و خطط عملية و سياسية موحدة وقانون يحكم القوى المنطوية داخل التحالف و نظام داخلي ينظم عمل التحالف وهيكلية واضحة لعملية صنع القرار واتخاذ القرار وهذا ما لم يحدث.
  • غياب مفهوم المعارضة الحقيقي بالمعنى الدقيق له جميع القوى السياسية تشترك بالتحالفات السياسية التي ترتب الى تشكيل الحكومة ومهمتها تسهيل عملية التوازن ما بين القوى من اجل اتمام اركان ادارة السلطة وعند الاختلاف او عدم الاقتناع يتم الاتجاه الى المعارضة من قبل القوى التي كانت تتفاوض وتعمل داخل التحالف.
  • غياب الرؤية السياسية لدى القوى السياسية العراقية في عملية ادارة الدولة يجعل منها كثير التقلب والتغير لذلك لا يمكن ان يكون تحالف طويل الامد وحقيقي بشكل فعال وله دور وحضور على الساحة السياسية بجميع اركانها في ظل صراع الزعامات وفرض الارادات والدليل واضح قبل عام 2014 فيما يسمى “التحالف الوطني العراقي” الذي كان اشبه بالميت سريرياً.
5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى