الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

الرياضولوجيا : مفتاحاً أساسياً لفهم تعقيدات السعودية تيمنًا بتكهنات “الكرملينولوجيا”

-المركز الديمقراطي العربي

لا يضع قانون الخلافة السعودي نظاماً صارماً لحق البكورية – بل ينص فقط على انتقال الحكم إلى أبناء وأحفاد مؤسس البلاد، عبد العزيز (ابن سعود). ويسمح هذا المرسوم الفضفاض بانتقال الخلافة من شقيق إلى شقيقه، مما يولّد مشكلةً لم تنفك تكبر مع كل عملية انتقال – وقد كان أبناء ابن سعود يعتلون العرش في أعمار متقدمة ويعيشون لمدة أطول وهم في سدة الحكم، وفي نهاية المطاف يستنزفون قدراتهم الجسدية والعقلية في القيادة.

في حزيران/يونيو الماضي، منح العاهل السعودي الملك سلمان، أحد أكبر رؤساء دول الخليج العربي سناً، ابنه المفضل محمد بن سلمان لقب ولي العهد. وكان الأمير، البالغ من العمر 32 عاماً، الشخص الثالث من العائلة المالكة الذي يحصل على هذا اللقب منذ اعتلاء الملك سلمان العرش في عام 2015، لكنه يُعتبر على نطاق واسع خيار والده الحقيقي ليكون الملك التالي.

وقد يكون لموعد وظروف حصول ذلك تبعات مهمة بالنسبة للسعودية، والعالم الإسلامي الأوسع، وسوق النفط الدولي.

ويُعتقد أن الملك سلمان يرى الأمير محمد بن سلمان بمثابة إبن سعود المعاصر، أي يُحتمل أن يكون قائد عظيم لا حدود لطموحه، وبأنه يَعِد بأمور أفضل بكثير من أي شخص آخر، ولديه إمكانيات كبيرة تتخطى كبار المنافسين المحتملين على العرش.

في عهد الاتحاد السوفيتي، كان المحلّلون الأجانب يولون اهتماماً كبيراً لاصطفاف القيادة الشيوعية على ضريح لينين في موسكو في المناسبات المهمة.

  • فمن كان يحضر؟
  • وأين تم اصطفافهم بالنسبة للأمين العام للحزب؟

كان يُطلق على هكذا تكهنات اسم “الكرملينولوجيا”.

وطوال سنوات، اعتمد كاتب هذه السطور مقاربةً مماثلة لمحاولة فهم العائلة المالكة السعودية، منْكبّاً على دراسة التقارير الإخبارية والصور الجديدة التي تنشرها “وكالة الأنباء السعودية” للحصول على أسماء الأشخاص الذين يسافرون مع الملك، أو لمعرفة من يقف في صفوف الاستقبال للترحيب به أو من يودّعه عندما يسافر بحسب “سايمون هندرسون”.

وأطلقتُ على هذه الدراسة اسم “الرياضولوجيا”، وبدلاً من أن يكون هذا تخصصاً أكاديمياً مقتصراً على فئة معّينة، أعتقد أنّه من الضروري فهم ما يجري في المملكة العربية السعودية.

يقول “سايمون هندرسون” هو زميل “بيكر” ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن في مقال نشرته “ذي هيل” من خلال درسٌ سريع في “الرياضولوجيا” لفهم تعقيدات السعودية:

من المهم فهم تاريخ العائلة المالكة السعودية، التي تُعرف أيضاً باسم آل سعود. إذ يتخطّى الأمر مجرّد “بن فلان” و”بن علّان”. وعلى الرغم من أن العائلة تتبع تاريخها إلى عام 1745 عندما وفّر الزعيم القبلي محمد بن سعود مأوىً للواعظ الإسلامي محمد بن عبد الوهاب، إلّا أن التاريخ الأكثر أهميةً هو تأسيس الدولة الحالية عام 1932.

ففي ذلك العام، أعلن عبد العزيز آل سعود، حفيد حفيد حفيد حفيد محمد بن سعود، نفسه ملكاً، وانتقل العرش بعد وفاته عام 1953 إلى أولياء عهده. (وقد أنجب 44 ولداً من 22 زوجة على الرغم من أنه، وفقاً للتقاليد الإسلامية، كان لديه أربع زوجات فقط في أي وقت من الأوقات).

والملك سلمان، العاهل السعودي الحالي، هو أحد أبناء الملك عبد العزيز (المعروف غالباً باسمه التاريخي، ابن سعود). وولي العهد الأمير محمد بن سلمان هو أحد أبناء الملك سلمان. وقد أصبح سلمان ملكا لأنه، من حيث العمر والخبرة، كان أفضل أمير مؤهل في ترتيب ولاية العرش عندما توفي أخاه غير الشقيق الملك عبد الله في كانون الثاني/يناير 2015.

ولكن هنا تصبح الأمور أكثر إثارةً للاهتمام، فالأمير محمد بن سلمان حصل على منصبه لأنّه الابن المفضّل لدى أبيه. فعندما أصبح والده ملكاً، كان محمد بن سلمان بالكاد في التاسعة والعشرين من عمره، أي نصف عمر بعض من أخوته غير الأشقاء. (وهو الإبن الأكبر لزوجة سلمان الثالثة).

اليوم، وإلى جانب كونه ولياً للعهد، يتولّى بن سلمان أيضاً منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس هيئتَين رئيسيتين لصنع القرار في السعودية هما “مجلس الشؤون السياسية والأمنية” و”مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية”، وهو بأمر الواقع حاكم المملكة العربية السعودية. وكونه لم يتمتّع بخبرة قبل ثلاث سنوات، إلّاّ أنّ  بطاقة أدائه تشمل حتّى اليوم الحرب في اليمن، والخصام مع قطر، ومحاولته إعادة تنظيم الشؤون السياسية اللبنانية، والتحوّل الاقتصادي في المملكة المتمثّل بـ «رؤية السعودية 2030».

وبطبيعة الحال، فإن اعتبار [هذه التطورات] بمثابة إنجازات يبقى أمراً قابلاً للنقاش. وربما يكون مصطلح “أعمال جارية ومستمرة” أكثر ملائمة.

  • فهل سيصبح محمد بن سلمان ملكاً عندما يتوفّى والده الذي سيبلغ من العمر 82 عاماً هذا العام؟
  • أم سيتنحّى الملك سلمان طوعاً عن العرش لصالح ابنه محمد بن سلمان؟
  • أم سيُجبر على التخلّي عن العرش لأسباب صحّية؟

ويعاني الملك من ذاكرة ضعيفة قصيرة الأمد، لذلك غالباً ما يبدو حائراً ويتّكل على علامات تظهر على شاشات “آي پاد” بشكل متحفظ. ومن الناحية النظرية، يتمتّع محمد بن سلمان بالفعل بالتأييد المسبق لمجلس البيعة لكبار أمراء آل سعود، لكن من يدري ما الذي سيحدث. فأسلوب محمد بن سلمان الصارخ المتهور قد أزعج عدداً كبيراً من الأمراء من أبناء أعمامه ومن أعمامه المتبقين.

كما أنّ دفعه نحو الحداثة المتمثّل بافتتاح دور السينما، والسماح للمرأة بالقيادة، ربما يتعارض مع المؤسسة الدينية السعودية المحافظة، التي سيتعيّن عليها إعلانه قائداً إسلامياً وحاملاً ملائماً للقب “خادم الحرمين الشريفَين” ( مكة والمدينة المنورة).

ويشير البعض إلى أنّ “الملك المستقبلي” محمد بن سلمان قد يقلّص أعداد آل سعود من خلال تجاهله أولاد أعمامه من حيث ولاية العهد، وحتّى أخوته، لصالح أولاده الذين لا يبلغون اليوم سوى بضع سنوات من العمر. (وإذا فعل ذلك، ستصبح شجرة عائلة آل سعود التي أَعْتَبِرُها إحدى ممتلكاتي الثمينة والتي يتعدّى طولها الـ13  قدماً أثراً تاريخياً).

إلّا أنّ محمد بن سلمان يواجه معضلةً اليوم. فسواء كان ولي العهد أو الملك، لا يزال بحاجة إلى دعم العائلة المالكة الأوسع التي يُقدّر عددها بآلاف الأشخاص وفق تقديرات متفاوتة، ليمنح مركزه الخاص الشرعية اللازمة. كما يحتاج أمراء ليكونوا حكّام محافظات ولينتشروا في الجيش لردع أي محاولات انقلاب ممكنة.

وفيما يتعلق بذلك، وجد أحد عشر أميراً ثانوياً أنفسهم في السجن خلال عطلة نهاية الأسبوع المنصرم، بعد احتجاجهم على اضطرارهم فجأةً إلى دفع فواتير الكهرباء الخاصة بهم.

وباسم التقشّف، قد يغامر محمد بن سلمان في خفض مخصصات الأمراء أيضاً – فحتّى أصغر فرد من العائلة المالكة يتقاضى راتباً من عائدات المملكة النفطية، وذلك استناداً إلى صيغة معقدة مرتبطة بحجم الأسرة ومدى قرابتها من خط خلافة العرش- إلّا أنّ إصلاح هذا الترتيب، الذي تُقدّر تكلفته بعدة مليارات من الدولارات سنوياً، قد يكون له عواقب سياسية وخيمة.

وعلى الرغم من الإدعاء بأنها حملة لمكافحة الفساد، إلا أنه يُنظر على نطاق واسع إلى الإقامات الجبرية التي تم فرضها مؤخراً في فندق “الريتز كارلتون” في الرياض، والتي شملت وفقاً لبعض التقارير أكثر من 200 من الأمراء ورجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين الآخرين، على أنها استيلاء على السلطة من خلال تهميش خصوم محمد بن سلمان وأولئك الذين عارضوه في الماضي.

ويريد الملك سلمان أن يكون نجله محمد بن سلمان ملكاً. ويريد ولي العهد نفسه أن يكون ملكاً. لكن من الصعب تخيّل كيفية انتقال السعودية من هنا إلى هناك، وما إذا سيكون حكم محمد بن سلمان مستقراً. وستبقى “الرياضولوجيا” مفتاحاً أساسياً لفهم ما يحصل.

من الواضح أنّ الأمير محمد بن سلمان يرى نفسه الملك القادم للمملكة العربية السعودية، وهذه نظرة والده أيضاً. وتقول الشائعات الأخيرة أن التغيير قد يحدث قريباً. وتقليدياً، يعتمد نجاح عملية الانتقال على قبول وتأييد الأسرة المالكة على نطاق واسع. ولكن نفاد صبر الأمير محمد بن سلمان وطموحه يشيران إلى أن ذلك لن يكون خياراً.

وفي السياق نفسه، هناك مجموعة أخرى قد تكون حاسمة وهي مجموعة الأمراء المنضمّين إلى صفوف الجيش. ويصعب تحديدهم، وهم أساساً في مناصبهم لوقف أي عملية انقلاب. وفي هذا الصدد، تعطي برقية نشرتها ويكيليكس وصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية عام 1985، وإن كانت قديمة نوعاً ما، لمحةً عامةً وصحيحةً عن الوضع القائم، إذ تخلص إلى التالي: “إن مجرد وجود الأمراء في القوات المسلحة يوفّر قدراً من الاستقرار لنظام آل سعود“.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى