الاعلاميةالدراسات البحثية

وسائل الإعلام وصنع السياسية الأمريكية

اعداد :  شيماء الهواري – دكتورة في القانون العام و العلوم السياسية

جامعة الحسن الثاني الدارالبيضاء كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية المحمدية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

من المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك الإعلام العالمي من خلال مؤسسات إعلامية ضخمة، وهذا يخدم مصالح السياسة الخارجية الامريكية عندما تحاول تمرير أي قرار دولي ضمن منظومة الأمم المتحدة، فهذه المؤسسات تقوم بدعمه عن طريق إستمالة الرأي العام الدولي.

كما أن الإعلام يخدم المصالح السيادية خاصة في توجيه الرأي العام الداخلي الأمريكي. لكن المؤسسات الإعلامية ليست فقط أداة توجيه وإستمالة بل هي كيانات لها دور فعال وقوي في السياسة الأمريكية والدولية بصفة عامة. ففي الولايات المتحدة يلعب الإعلام دور السيد في الإنتخابات الرئاسية وإبان الأزمات الداخلية خاصة في فترات تحرك مجتمع السود الأمريكيين ضد الإضطهاد الممارس عليهم، والعنف والعنصرية الممارسة ضد المهاجرين اللاتينيين والعرب، وأيضا خلال الكوارث الطبيعية التي تضرب مناطق كثيرة من الولايات المتحدة. وله دور قوي في تعبئة الرأي العام إبان الحروب. فللإعلام دور كبير في دعم السياسات وإفشالها.

الفقرة الأولى: صناعة الإعلام

تعد الولايات المتحدة الامريكية الصانعة الأولى للإعلام في العالم. فهي تتوفر على أضخم المؤسسات والشركات الإعلامية على المستوى الدولي، وتتحكم في أغلبية الأخبار عبر العالم من خلال أقمارها الصناعية وشبكاتها الإخبارية… كما أن صناعة الإعلام تعد رافدا إقتصاديا مهما وأداة سياسية قوية تعتمدها بشكل ذكي للسيطرة على مسار الأحداث عبر العالم وخلقها إن استدعت مصلحتها ذلك.

وتعتبر الحكومة الأمريكية والأحزاب والجماعات السياسية المحلية والأسر النافذة المصدر السياسي لتمويل وإمتلاك البنيات التحتية الإعلامية. لكن الشركات التجارية والصناعية والمؤسسات الخاصة والعامة تشكل في الحقيقة مركز الثقل الفعلي في هذا المجال من خلال امتلاكها لأغلبية الأسهم في المجالس الإدارية لكبريات المؤسسات الإعلامية، وتحكمها في أدوات عملها المتمثلة في التجهيزات الالكترونية والتقنية العالية وشبكات التوزيع والتسويق للإعلانات والصحف.

وتكتسي الصناعة الإعلامية أبعادا متعددة: سياسية وعسكرية واقتصادية ومعرفية. ويرى البروفيسور المهدي المنجرة «أن إنشاء نظم الفضاء الحديثة كان لاعتبارات سياسية واقتصادية وعسكرية وثقافية، وفي أولويتها الأبعاد العسكرية، كغزو الفضاء والاستطلاع (التجسس) والسيطرة على الإعلام. إضافة لأبعاد التقنية والتطبيقية في الحقل العلمي».

وتقيم شركات الصناعات الحربية ومؤسسات التجارة وشركات صناعة تجهيزات الاتصال والكمبيوتر الحديثة من خلال مجالس إدارة المؤسسات الإعلامية شبكة للعلاقات مع الأوساط السياسية النافدة في البيت الأبيض والبنتاغون ووزارة الخارجية والوكالات التنفيذية (وكالة الطاقة مثلا) والشخصيات السياسة التي تنتمي لأسر معروفة كأسرة روكفلر وروزفلت وكينيدي…

وتتميز العلاقة بخاصيتين أولهما: التحكم الإستراتيجي في المؤسسات الإعلامية وامتلاك أدوات توجيهها بما يخدم مصالح الشركات أو الجهات المالكة. ثانيهما: فسح المجال لحرية عمل الصحفيين بكيفية تضمن مصداقية مهنية ومردودية توزيعية أكبر، طالما أن السوق هو معيار في توجيه السياسة الإعلامية.

إن الإعلام الأمريكي يصوغ المواقف والاتجاهات. وقد أكد العديد من الباحثين على حجم تأثير وسائل الإعلام على الرأي العام وعلى رأسهم عالم السياسة هارولد لازويل الذي وضع على عاتقه دراسة هذا التأثير وقوته وحجمه من خلال أسئلة المنهجية التي أصبحت أساسا لدراسة وسائل الإعلام عامة.

إن أطروحات وأبحاث أساتذة مثل لازارسفيلد وكاتر وكلابر وآخرين، ساهمت بشكل قوي إلى جانب مؤسسات الفكر الإستراتيجي THINK TANK والمؤسسات المالية والشركات العملاقة إضافة الى الحكومة في بلورة بوتقة ينصهرون فيها مفرزين صناعة أخرى ألا وهي صناعة الوعي وقيادة الرأي العام نحو سياسات مخطط لها بإحكام. ففي هذه البوتقة أنيط بالإعلام مهمة صناعة النماذج في الحياة وإرشاد العقول المسلوبة إلى نمط معين في التفكير والحاجيات والثقافة. كل ما سبق ساعد على إيجاد تربة خصبة داخل المجتمع الأمريكي صالحة لتكريس صناعة القبول والرضا والمحاكاة. ويقول روزنبرغ أن «الثقافة الجماهيرية في أسوأ مستوياتها، تهدد ليس فقط بتسميم ذوقنا، بل بتعطيل حواسنا في سعيها إلى التمهيد للاستبداد، حيث ثبت أن الراديو والفيلم والتلفزيون أكثر فاعلية من الإرهاب في توليد الإذعان».

كما أكد لازويل في مقالة كتبهاعام 1941 تحث عنوان” الدولة الحصن” أنه «في وقت تكون الديمقراطية الأصلية معطلة، فإن وسائل الإعلام ستستمر بلا شك في نشر رموز للديمقراطية الغامضة».

ومنذ بداية القرن العشرين بدأت التطبيقات العملية من أجل قيادة الرأي العام الأمريكي؛ حيث قال ليبمان عميد الصحفيين الأمريكين آنذاك «الثورة في فن الديمقراطية يمكن تطويعها لخدمة تصنيع الإجماع» بمعنى جعل الرأي العام يوافق على أمور لا يرغبها بالأساس عن طريق إستخدام وسائل دعائية، حيث أن المصالح العامة كفيلة تماما بخداع الرأي العام، ويمكن فهمها وإدارتها فقط بواسطة طبقة متخصصة من الرجال المسؤولين الذين يتمتعون بدرجة من الذكاء تتيح لهم فهم وإدراك الأمور؛ أي أن نخبة صغيرة فقط بإمكانها فهم وإدراك ماهية المصالح العامة.

وإستنتج ليبمان أنه توجد وظيفتان في النظم الديمقراطية: الأولى منوط بالطبقة المتخصصة التي تهتم بالتفكير وفهم التخطيط للمصالح العامة والذين تعهد لهم هذه المهمة هم الرجال المسؤولين. أما الوظيفة الثانية فيهتم بها أصحاب الطبقة الثانية من المجتمع هي طبقة القطيع الثانية وهم الغالبية من السكان. ويرى تشومسكي أن عامة الجمهور على درجة من الغباء لا تمكنهم من فهم الأشياء حسب نظرية ليبمان، وبالتالي على الطبقة المتخصصة أن تروض القطيع الحائر وألا تسمح له بالتمرد. ويؤكد تشومسكي على أن الطبقة المتخصصة من الرجال المسؤولين يستعينون من أجل ترويض القطيع التائه كما أسماه بفن الديمقراطية أو تصنيع الإجماع والقبول، وذلك عبر وسائل الإعلام والمدرسة ووسائل الثقافة الشعبية، ذلك بغية تحويل إنتباهه لأمور أخرى وجعله خارج نطاق دائرة المشاكل، والتأكد من أنه سيحتفظ بمكانه في مقاعد المشاهدين بالفعل.

ويؤكد تشومسكي على أن الإعلام أصبح واسطة بين السادة وبقية المجتمع الذي يجب حرمانه من أي شكل من أشكال التنظيم، حيث يجب أن يخضعوا للرسالة الإعلامية التي مفادها أن القيمة الأساسية في الحياة هي أن تتوفر لديك أكبر كمية من السلع، وأن تعيش مثل الطبقة الغنية المتوسطة التي تشاهدها، وأن تتبنى قيما لطيفة مثل الإنسجام والهوية الأمريكية. كما عليها أن تجعلهم خائفين طوال الوقت لأنهم إذا لم تتم إخافتهم من كل أنواع الشياطين مثل: الشيوعية، الإسلام، النازية، الإرهاب… فربما يبدؤون بالتفكير وهذا ما لا تريده الطبقة والسادة. ومن أجل التمهيد لتوغل الإعلام وسيطرته عمدت الحكومة الأمريكية إلى إشاعة خمسة أساطير تؤسس المضمون:

  • الفردية والإختيار الشخصي

يعد أعظم انتصار أحرزه الإعلام التضليلي هوالإيهام بحرية الإختيار. وهو ما يجعل غالبية الأمريكين سريعي التأثير بالتضليلي الإعلامي، ولهذا فإن أكثرية الأمريكيين يؤمنون أن بلدهم يمتلك صحافة حرة وأنه ينشر الحرية وحقوق الإنسان في سائر العالم.

  • أسطورة الحياد

لكي يؤدي التضليل الإعلامي دوره بفعالية لابد أن يخفي شواهد وجوده أي أن التضليل يكون ناجحا عندما يشعر المضللون بأن الأشياء هي على ما هي عليه من الوجهة الطبيعية والحتمية، والمقصود هنا أن التضليل الإعلامي يقتضي واقعا زائفا هو الإنكار المستمر لوجوده أصلا، وعليه يجب أن يؤمن الشعب بحياد مؤسساته الإجتماعية والرئيسية وأي خلل ناتج عن عدم الإنصاف والموضوعية وجد في التحقيقات الصحفية فهو نتيجة للخطأ الإنساني لا يمكن أن تفسر على أنها عيوب جوهرية في نظم نشر المعلومات السليمة بصفة أساسية، أما حقيقة أن وسائل الإعلام هي مشروعات تجارية فمن الواضح أنها لا تثير أي مشكلة بالنسبة لهؤلاء الذين يدافعون عن موضوعية ونزاهة الهيئات العاملة في حقل الإعلام.

  • أسطورة الطبيعة الإنسانية الثابتة

تحضى هذه النظرية استحسانا وقبولا في الولايات المتحدة، لذا تم نشرها على نطاق واسع من خلال وسائل الإعلام، ومن هنا يطل علينا المسيطرون على وسائل الإعلام من خلال ما تحفل به البرامج التلفزية من جرائم وقتل والقول أنهم يحاولن بذلك أن يقدموا للناس ما يحبونه ثم يخبروننا أن الطبيعة البشرية تتطلب ثماني عشر ساعة يوميا من الإيذاء والقتل.

  • أسطورة غياب الصراع الإجتماعي

ينكر المتحكمون في الوعي عند تصويرهم لواقع الساحة الداخلية وجود صراع إجتماعي وقد يبدو ذلك مهمة مستحيلة التحقيق، فالعنف “أمريكي، مثله مثل فطيرة التفاح” وهذا ما تجسده الأفلام السينمائية، والتلفزيون، والبرامج الإذاعية… فكيف يتفق هذا التنوع من العنف والصراع مع الهدف الأساسي لمديري وسائل الإعلام والمتمثل في تقديم صورة للانسجام والتآلف الاجتماعي؟ هذا التناقض يتم حله بسهولة من خلال تصويره من قبل الأجهزة القومية لصنع الأفكار والتوجهات العامة أنه مسألة فردية سواء في تجلياته أو في أصوله؛ حيث أنه لا وجود أصلا للجذور الإجتماعية للصراع في رأي مديري أجهزة الثقافة والإعلام.

  • أسطورة التعددية الإعلامية

إن الخلط بين وفرة الكم الإعلامي وبين تنوع مضمونه يسهل على المرء الإعتقاد بوجود آلاف المحطات الإذاعية والتلفزية والصحف والمجالات إلا أن الحقيقة أن معظم الأمريكين محصورون أساسا داخل نظام مرسوم من الإعلام لا إختيار فيه، فالتنوع لا وجود له في المادة الإعلامية وهو ما ينتج أساسا من التطابق الكامن للمصالح لأصحاب الملكية ومن الطابع الإحتكاري لصناعة وسائل الاتصال بوجه عام.

الفقرة الثانية: التأثير بالتدفق الإعلامي ووسائل الإعلام على القرار السياسي

يعتبر الرأي العام مكونا من مكونات المجال السياسي الأمريكي مثله مثل المؤسسات السياسية. وينظر للرأي العام في سياق صناعة القرار السياسي كعامل محدد في إتخاذ القرارات. وتعد الإنتخابات والإقتراع شكلا من الأشكال التي يتحقق بها الرأي العام في العملية السياسية.

ويلعب الإعلام والإتصال دورا محوريا في تنوير الرأي العام وتوجيهه، وفي إقامة جسور التخاطب وتبادل المعلومات والتواصل بين صناع القرار السياسي والرأي العام. وكان لروبرت داهل الفضل في التمييز بين التأثير والسلطة من خلال إقتراح نموذج الاتصالات لدراسة حجم تدفق المعلومات ومحتوى الرسائل ووسائل الاتصالات واستجابات البنى المعلوماتية. وينظر للعملية التواصلية بصورة عامة من منطلق التأثير في الرأي العام واتجاهات سياسة القرارات.

ولقد إهتم الأمريكيون منذ تأسيس الدولة الفيدرالية بدور وسائل الإعلام في توجيه الحياة السياسية، فقد شكلت الصحافة عشية وضع الدستور الفيدرالي منبرا رئيسيا للحوار والجدل السياسي وتنوير الرأي العام بالأفكار.فتحتم على السلطات الأمريكية العمل على إيجاد وسائل للتحكم بهذه الأداة القوية التي تخضع الشعوب بقوة الكلمة والصورة، لذلك تم التحكم في البنيات الإستراتيجية لوسائل الإعلام عبر القدرة على توظيفها وفق الحجم الكمي والنوعي والزمني والمجال البشري الذي يرغب صاحب الرسالة في تبليغها وفقه. ومن المعلوم أن التطور العددي والنوعي لوسائل الإعلام يجعل من المادة الإعلامية التي تبثها عنصرا بالغ الأهمية ويتطلب قدرا من السرعة في الحصول على المعلومات وتوجيهها لمجالات البث المرغوبة بعد أن يتم انتقاؤها أو التحقق منها أو إعادة صياغتها.

إن إتساع حجم التدفقات المعلوماتية الجديدة جعلت العملية الإعلامية بيد الأكثر قدرة على التحكم في مصادرها، وأهم من ذلك فإن أثار التحكم في المعلومات وتدفقاتها على العملية السياسية داخليا وخارجيا أصبحت على درجة كبيرة من التعقيد والخطورة.

إن قوة امتلاك المعلومة وسلطة إخضاع الإعلام تجعل التأثير في الرأي العام عملية سهلة وهذا هو الأسلوب الذي تعتمد السياسة الأمريكية في تسيير القضايا الإستراتيجية كالحروب نتيجة تمركز المعلومات لدى المصادر العسكرية أو السياسية. وهو ما أشار إليه دوغلاس كيلنر في كتابه حول “حرب الخليج” الذي عالج فيه سلوك المؤسسات الإعلامية قبل الحرب ضد العراق وأثناءها وبعدها وركز على أداء أربع من كبريات القنوات التلفزية ABC/ NBC/ CBS/ CNN؛ حيث قال «أن الصحافة والقنوات التلفزيونية كانت محتكرة من قبل نخبة السلطة فكانت بمثابة حلقة في سلسلة العملية السياسية، ولم تكن مستقلة أبدا»، كما أكد تيدي تيرنر مدير قناة CNN التي كانت لها سبق بث وقائع حرب الخليج بالقول «إن دور شبكة تلفزيون CNN لم يكن يقتصر على نقلها لأهم الأخبار وأكثرها إثارة ولكن لتأثيرها على عملية صناعة القرار، فقد تمكن من بث تغطية كاملة وشاملة لحرب الخليج، والانقلاب السوفيتي الفاشل، وجلسات التصديق في الكونغرس على تعيين القاضي الأسود كلارنس توماس، ومحاكمة وليام سميث كينيدي ابن شقيقة الرئيس الامريكي جون كينيدي، والسيناتور ادوارد كينيدي الذي اتهم في جريمة اغتصاب وبرأته المحكمة، ومكن النقل المباشر عبر هذه القناة الرأي العام من متابعة الوقائع الحية لما يجري داخل جلسة مجلس الشيوخ أو قاعة المحكمة قبل النطق بالحكم». ويرى تيرنر أن دور التلفزيون هو كسر الحواجز الطبيعية والحواجز السياسية التي يضعها صناع القرار لممارسة العملية السياسية في الكواليس، لكن الرئيس نيكسون يخالف هذا الرأي معتبرا أنه «ينبغي على صناع القرار توخي القنوات الخلفية بعيدا عن أضواء وسائل الإعلام المقتحمة». ويرى نيكسون أن السبب الرئيسي لفشل المفاوضات مع الإتحاد السوفيتي هي الإعتبارات الدعائية والنفسية التي يروجها الإعلام.

وهناك مستوى أخر للتأثير بالتدفق الإعلامي ووسائل الإعلام على القرار السياسي يتعلق بالسرعة والإستشارة والمسؤولية، إذ يلاحظ ماك برسون أن السرعة التي يتخذ بها القرارات السياسية الحديثة تؤدي إلى تقليص استشارة السلطات للرأي العام وحتى لدائرة المسؤولين أنفسهم، بينهما يظهر أن نتائج سرعة القرارات على عنصر المسؤولية أقل تأثيرا وهي تبقى خاضعة للرسائل والإمكانيات التي يستخدمها صناع القرار لإتاحة المجال والفرصة للرأي العام.

ويظل الرأي العام خاضعا لمدى توظيف وسائل الإعلام والاتصال بصورة متوازنة داخل المجال السياسية كي تكون العملية السياسية أي القرار السياسي قد مر في شروط ملائمة للمعايير الديمقراطية؛ كالشفافية وحرية الرأي المخالف والاستشارة.

الفقرة الثالثة: الإستثمار الإعلامي في القضايا السياسية

ترتكز العملية الإعلامية من طرف الصحافة ووسائل الإعلام الحديثة في الولايات المتحدة على مفهوم “الخبر NEWS” كمنطلق يحدد الأولوية في الاهتمامات المتعددة التي يفرزها التدفق الإعلامي الضخم وتعدد قنوات ووسائل الإعلام. وهذا المفهوم يخضع لشبكة من المعايير القيمية والمصلحية والسلطوية بحسب المجال السياسي والإجتماعي الذي تمارس فيه بكيفية تجعل العملية الإعلامية تؤدي وظائف مختلفة.

ويحاول صناع القرار لإستثمار المادة الإعلامية إلى أقصى الحدود. ومن أهم مظاهر هذا الاستثمار:

  • الحصول على المعلومات المفيدة لصناعة القرار ومعرفة الآراء والمستجدات؛
  • تركيز الاهتمام وخلق مناخ مناسب لتلقي القرار؛
  • إعلان القرار ومتابعته.

يتجلى المظهر الأول لاستثمار صناعة القرار للمادة الإعلامية من خلال تلقي المعلومات والمعطيات والأخبار من خلال مصادر متعددة: كالمؤسسات الإعلامية الرسمية سواءالمرتبطة إداريا بالمؤسسة السياسية كما هو الشأن بالنسبة لوكالة الإعلام والاتصال التابعة للرئاسة، أو أقسام الإعلام والصحافة في وزارات الدفاع والخارجية والملحقين الإعلاميين والبرلمانيين، أو الصحف والوكالات والقنوات التي تعمل باستقلالية في جهاز الدولة رغم ارتباطها من الناحية القانونية.

ويعد الاعلام الحر من أهم المصادر الاساسية لصناعة، حيث يتابع أعمال الكونغرس 400 صحفي معتمد رسميا، فأن أعضاء الكونغرس يهتمون بالصحافة المحلية الأمريكية لكونها مرتبطة بمصالح السكان الذين يمثلونهم. وتعتبر من أفضل الوسائل التي تساعدصناع القرار على تلقي الاراء والانطباعات والمعلومات عن أحوال المواطنين بصورة دقيقة عبر ربط صلات شخصية مع كبار المحررين والصحفيين وكتاب الافتتاحيات والمقالات الرئيسية ومديري الصحف والقنوات التلفزيونية والإذاعية. وتتولى هيئات إعلامية متخصصة تابعة للمؤسسات السياسية أو مرتبطة شخصيا بمكاتب المسؤولين عملية اضافة المعلومات المستقاة من وسائل الإعلام وتقديمها في إطار تحليلي أو في شكل تقارير إخبارية، وهي عملية تخضع في الحقيقة لنوع من الانتقاء تحدده طبيعة الهيئة الإعلامية والدوائر الضاغطة.

وتعتبر المعلومات المستقاة من وسائل الإعلام الأجنبية أو المحلية مصدرا هاما لصناع القرار للتعرف على الأوضاع الدولية والمحلية أكثر وتلقي الرسائل التي تريد مختلف الأطراف تبليغها عبر التصريحات أو التحقيقات الصحفية. وتكون في الأغلب هذه الرسائل عبارة عن مطالب سياسية أو ضغوط تحث السلطات لاتخاذ قرار معين أو العدول عنه أو تعديله، أو مشاكل عامة للمواطنين التي لم يتوصل بها صاحب القرار عبر القنوات المختصة.

والمظهر الثاني لاستثمار صناع القرار للمعلومات فيتجلى في عملية حشد الإمكانيات والموارد الإعلامية التي تتوفر عليها المؤسسة السياسية لتركيز إهتمام الرأي العام أو الجزء المعني منه بالقرار على الأقل حول القضايا التي يرغب صاحب القرار في إثارتها، نظرا لما يراه فيها من أهمية في تشكيل الآراء أو بإقناعها أو تهدئة المخالفين أو دفع الحماس والتعبئة في حالات معينة. لتحقيق هذا الهدف يتوخى التركيز على جوانب معينة للقضية مناط القرار السياسي، وبحسب الظروف والشروط التي تحف عملية اتخاذ القرار فإنه يتم مد وسائل الإعلام بسيل من الأخبار والمعطيات الإعلامية التي ترغب في بثها، وتشمل ردودا على الآراء المخالفة وكشفا لخلفياتها أو لجوانب معينة من القرار أو أهدافه أو نتائجه أو دواعيه ـ كما يتم التركيز على المشاهد الشخصية كالقائد أو القيادات السياسية والعسكرية العليا في القرارات الحربية. غير أن أخطر أشكال الأسلحة الإعلامية التي يمكن إستخدامها هي المسربة من قبل دوائر معينة داخل أجهزة القرار نفسها تكون لها مصلحة في إحباط أهداف القرار أو تعديله.

أما المظهر الثالث من إستثمار صناع القرار للمادة الإعلامية في مستويات إعلان القرار ومتابعته، فعندما يقرر صاحب القرار الإعلان عنه جهرا، يكون بناءا على دراسة دقيقة للآثار التي يمكن أن تتمخض عنه، ولا تقل هذه العملية في تعقيدها عن دراسة القرار نفسه.

وتتيح وسائل الإعلام الحديثة كالقنوات التلفزية إمكانات ضخمة يستغلها صاحب القرار لمتابعة ردود الفعل بل كيفية تنفيذ القرار أحيانا كما حدث إبان حرب الخليج فقد كان الرئيس بوش وفريق الأزمة الذي شكله يتابعون باستمرار العمليات العسكرية التي كانت تقوم بها قوات سلاح الجو ضد الأهداف العراقية، من خلال التغطية التلفزية لقناة CNN.

الفقرة الرابعة: وسائل الإعلام والسياسة الإنتخابية

لا تقتصر نزاهة وتنافسية العملية الانتخابية على سلامة صناديق الاقتراع أو إجراءات التصويت ولكن يلعب الإعلام دورا مهما في مجمل مراحل العملية الانتخابية، ويحدد نزاهة هذا الدور مستوى تنوع وتوازن التغطية الإعلامية للأطراف المتنافسة في الانتخابات، وحتى الناخبين في الإلمام بأفكار وبرامج المرشحين دون تدخل أو احتكار يفسد تنوع وتعددية الرسالة الإعلامية.

لا يوجد ما هو ملزم في إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان بشأن الإجراءات التي يجب إتباعها لتنظيم دور الإعلام في الانتخابات، ولكن هناك ممارسات ومعايير تم استخلاصها من مبادئ قانونية ملزمة، هذه الممارسات والمعايير تطورت من خلال الممارسات الدولية والإقليمية.

إن دور الإعلام في الانتخابات محكوم بمبدأين في قانون حقوق الإنسان:

  • مبدأ الانتخابات الحرة والمشاركة السياسية؛
  • مبدأ حرية الرأي والتعبير.

هذان المبدأن من المبادئ الأساسية في جميع الوثائق والاتفاقيات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان. ومن واقع مختلف المعايير والممارسات الدولية والإقليمية للإعلام والانتخابات فهناك مجموعة من المحددات الأساسية لدور الإعلام في تغطية الانتخابات يأتي في مقدمتها ضمان الحرية والتعددية الإعلامية، والتي تعني حماية الإعلام من تدخل وتعسف السلطة وكفالة الحق في إصدار وتملك وإدارة المؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة، وتوافر مقومات إستقلال المؤسسات الإعلامية المملوكة ملكية خاصة من حيث إستقلال الإدارة والسياسات التحريرية وتمثيل هذه المؤسسات للمجتمع بكل تياراته السياسية والفكرية والدينية والعرقية. كما أن الإعلام الخاص مطالب بالالتزام بالمهنية والموضوعية واحترام حق الجمهور في المعرفة، وذلك من واقع المسؤولية الإجتماعية والأخلاقية مع وجود الحد الأدنى من الالتزامات القانونية وخاصة في مجال الإعلام المرئي والمسموع.

وتقوم محددات دور الإعلام في الانتخابات على احترام مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع المرشحين، والتزام وسائل الإعلام بتثقيف وتوعية الناخبين بمختلف مراحل وإجراءات العملية الانتخابية، وأن يشكل الإعلام فرصة للحوار العام الديمقراطي في المجتمع، وتوافر آليات مستقلة لمراقبة ومتابعة الأداء الإعلامي أثناء تغطية الانتخابات يكون لديها صلاحية تلقي الشكاوي من المرشحين، وتصحيح أي خلل أو انحرافات قد تنشأ في مدة الحملات الانتخابية. وتتوزع المسؤولية في هذا الإطار على اللجان الانتخابية والأجهزة المشرفة على الإعلام والقضاء والنقابات من خلال تطوير العمل بمواثيق الشرف الصحفي. إن افتقاد هذه المحددات يؤثر بالطبع على فعالية التغطية الإعلامية للانتخابات وينتقص من دورها في تنوير الناخبين بالعملية الانتخابية والمرشحين.

ومن أهم القواعد التي تحكم التغطية الإعلامية: التوصيات الصادرة عن اللجنة الوزارية لمجلس أوروبا التي أوصت الحكومات بدراسة السبل الكفيلة لضمان احترام مبادئ النزاهة والتوازن والحياد في تغطية الإعلام للحملات الانتخابية، وتبني تدابير لتطبيق هذه المبادئ في القوانين والممارسات الداخلية آينما تقتضي الحاجة وبما يتفق مع القانون الدستوري.

كما صدر عن نفس اللجنة إعلان بشأن حرية الحوار السياسي في رسائل الإعلام. ووضعت اللجنة مجموعة من النقاط المحورية كـ:

  • حرية التعبير والإعلام من خلال وسائل الإعلام سواء بآراء سلبية ومعلومات إنتقادية تتعلق بشخصيات سياسية…؛
  • حرية انتقاد الدولة أو المؤسسات العامة؛
  • حرية الرسوم الساخرة؛
  • سبل مقاضاة انتهاكات وسائل الإعلام…

أما ميثاق الشرف حول الإعلام والإنتخابات الصادر عن المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات “ايديا”، والذي يهدف إلى معالجة المجالات التي تتداخل مجموعات المعايير الأخلاقية الثلاثة فيها. فوسائل الإعلام تلعب دورا حيويا وحاسما في بعض الأحيان في العملية الانتخابية وتساعد على اتخاذ خيار حر مبني على معلومات. كما أن الإعلان الدولي حول المبادئ التي تحكم عمل الصحفيين الصادر عن الاتحاد الدولي للصحفيين يعتبر معيارا مهنيا لعمل الصحفي الذي يجمع وينقل ويوزع الأنباء والمعلومات المتعلقة بأحداث ويعلقون عليها.

يعتقد بعض الباحثين أن عصر التلفزيون قد إغتال العمل السياسي بأساليبه المعروفة منذ بدأت عهود الديمقراطية بعد الثورة الأمريكية والثورة الفرنسية أوائل القرن التاسع عشر، وراح الكثيرون يردون أن التلفزيون أصبح صانعا للسياسة ويؤثر على فرص الاختيار الحرّ وعلى الحقيقة والوعي الجماعي.

كان الزعيم السوفيتي السابق لينين يقول «إن واجب السياسة أن تذهب إلى مواقع تجمع الجماهير لكي تظل على اتصال بها، مؤثرة على فكرها، متوصلة إلى تعبئتها». أما في الوقت الراهن فإن الجماهير لا تتجمع إلا نادرا في مكان ما، وأغلب الوقت تكون مشدودة إلى الشاشات؛ حيث لا اتصال ولا حوار وإنما مشاهدة تتوالى ويحل فيها الانطباع بديلا عن الإقناع.

وهنا تكون السياسة قد سقطت ضحية للتلفزيون لأسباب متعددة منها:

  • إن التلفزيون بغلبة الصورة على الفكرة، وأسبقية الانطباع على الإقناع، ونقل السياسة إلى عالم المسرح، ومعنى ذلك أن الرسالة السياسية أصبحت مصنوعة حسب مواصفات، يهمها أكبر قدر من التأثير وليس أكبر قدر من الحقيقة.
  • ونتيجة لذلك فإن السياسة ومعها العملية الانتخابية على كافة المستويات الرئاسية أو السياسية أو التنفيذية، بل وحتى انتخابات هيئات المجتمع المدني وفيها الكونغرس وشيوخ ونواب وحكام الولايات وأعضاء المجالس المحلية التشريعية والنقابات المهنية والعمالية وحتى الأندية الرياضية، تحولت إلى عملية مكلفة تحتاج إلى تمويل كثيف يكفي لشراء وقت كاف لوضع الرسالة السياسية على الشاشة الأوسع انتشارا وبالتالي الأغلى. ويقدر على توفير الخبراء الأقدر بين المنتجين والمخرجين وخبراء الصورة والصوت إلى جانب الإنفاق على جيش جرار من مؤلفي القصص إلى كتاب السيناريوهات إلى المديرين إلى المخرجين إلى مهندسي المناظر وخبراء التجميل.

هذه الأجواء جعلت العملية السياسية متلهفة باستمرار للمزيد من المال وذلك يدفعها إلى حيث توجد مصادره وهناك يكون عليها أن تبيع أو ترهن قرارها عند المنبع.

تشهد الولايات المتحدة الامريكية إبان الحملات الانتخابية صراعا محموما بين وسائل الاعلام على إمتلاك أكبر قدر من المعلومات حول المرشحين وأخر الأخبارعنهم، وعن تحركاتهم وزياراتهم وأرائهم، والأكثر أهمية عن حياتهم الخاصة وماضيهم، وخاصة النقط السوداء فيه فهيتعد سبقا صحفي يجلب نسب مشاهدة عالية. وهذا ما رأيناه في الانتخابات الأمريكية لسنة 2008 عندما نشر الإعلام خبر حمل إبنة المرشحة عن حزب الجمهوري لمنصب نائبة رئيس الجمهورية السيدة سارة بالين والذي ساهم كثيرا في تراجع الجمهورعن التصويت لهاخاصة أن ابنتها مازالت مراهقة،وهو ما استهجنه المجتمع الامريكي عامة والمحافظون منهمالذينيشكلون أغلبية أعضاء الحزب الجمهوري الداعم لها. الحال نفسه في حادثة بيل كلينتون ومونيكا لوينسكي وبولا جونز التي اتهم فيها الرئيس بقيامه بعلاقة غير شرعية مع متدربتيه في البيت الأبيض، وقد ساعد الإعلام في تضخيم الموضوع وتعويمه مما أضر بمصداقية الرئيس كلينتون أمام الشعب الأمريكي.

أما في انتخابات 2016 فكان أكثر مرشح للرئاسةمثاراللجدل نجد الرئيس الامريكي الحالي دونالد ترامب، الذي عرف بتصريحاته الغريبة والعنصرية والتي لا تمت للدبلوماسية وعلم السياسة من أي قبيل. هذه التصريحات المتطرفة وجدتها وسائل الاعلام وجبة دسمة تغذي بها برامجها الحوارية، مما رفع من نسب مشاهدته على التلفزيون الامريكي وعلى الاعلام الالكتروني. فزدادت شعبيته إبان الانتخابات الرئاسية خاصة أمام هيلاري كلينتون المرشحة عن الحزب الديمقراطي المعروف عنها أسلوبها الحواري والسياسي الحيادي. لقد استغل ترامب ضعف الإعلام نحو نشر الفضائح والآراء الغريبة واستعمل هذه النقطة لحشد المؤيدين اثناء الإنتخابات الرئاسية مما ضمن انتخابه لرئاسة أقوى دولة في العالم. وهذا هو حال الإعلام الأمريكي إبان الانتخابات يتسابق نحو التركيز على الفضائح ويهمل الاهتمام بالمصالح العامة للبلاد.

وبخصوص المؤتمرات القومية فلم تعد أمرًا هاما كما كانت في السابق؛ حيث كانت تعد حدثا سياسيا مهما يجتمع فيها زعماء الأحزاب مع بعضهم ويعقدون الإتفاقيات ويعدلون البرنامج السياسية ويسمون المرشحين ويغادرون بحزب موحد مهيأ لمحاربة المعارضة. أما الآن فقد انخفضت التغطية الإعلامية لها ـ وتعامل الأحزاب المؤتمرات كدعايات تجارية متلفزة ضخمة للاستفادة من وقتهم المقلص على الشاشة، وتعرض الأحزاب مرشحيها آملة أن تحقق خطوة في الاستطلاعات قبل المؤتمر، ولكن إذا كان الحزب مقسما أو عناصر الحزب غير شعبية فإن التغطية الإعلامية تكون نتائجها سلبية على الحزب وستتسبب في هبوط المرشح في الاستطلاعات الشعبية ـ

أما المناظرات الرئاسية فتعد إحدى النقاط الحاسمة في الحملات الرئاسية المعاصرة، وهي مناظرة بين المرشحين للرئاسة سواء اثنان أم ثلاث مرشحين. وتعد نسبة مشاهدة المناظرات عالية بين الأمريكيين رغم أنهم في الأغلب لا يصوتون. تم عقد أول مناظرات متلفزة خلال حملة 1960 بين المرشحين ريتشارد نيكسون وجون كينيدي. وإحدى نتائج البحث المفاجئة في الدراسات عن المناظرات كانت أن الأشخاص الذين استمعوا إليها على المذياع قيموا أداءنيكسون بشكل إيجابي أكثر من الأشخاص الذين شاهدوها على التلفاز، وهذه دلالة على أن الصور المرئية كان لها تأثيرات مختلفة عن الكلمات التي كانت مرافقة لها. وتظهر الدراسات أن الأداء في المناظرات يمكن أن يؤدي إلى استمالة الناخب المتردد.

وتعمد وسائل الإعلام على تضخيم الصراع والتركيز عليه بين المرشحين، فهو يعد من أساسيات العمل الصحفي إبان الانتخابات الأمريكية. ففي كل مرة يدلي السياسيون بتعليق خلافي فإنهم يكونون واثقين من تغطية إعلامية لذلك. وفي الواقع فإن السياسيين الذين يميلون أكثر إلى التصريح بذلك النوع من الملاحظات المثيرة للجدل (مثل ترامب) يتوقعوا اهتماما إعلاميا مستمرا.

الفقرة الخامسة: وسائل الإعلام الامريكية والسياسة الخارجية

إن صياغة السياسة الأمريكية الخارجية تتم من خلال عملية معقدة يشارك فيها العديد من الأجهزة الحكومية والأعداد الكبيرة من القوى ذات المصالح والأهداف المتباينة، كما تتصف تلك السياسة أيضا بكونها تصاغ أمام أجهزة الإعلام وبمشاركة الكونغرس والرأي العام وجماعات الضغط الخاصة. فالرئيس الامريكي هو المحرك الأول لعملية اتخاذ القرار السياسي والمشرف على إدارة السياسة الخارجية، بينما يعتبر الكونغرس الجهاز المسؤول عن تحديد الإطار العام لسياسة الولايات المتحدة الامريكية الخارجية والجهة التي تقوم بتوفير المال اللازم لتنفيذها. ونتيجة لتزايد اهتمام الرأي العام بشؤون الدولة وتراجع مصداقية الرئيس والكونغرس واتجاه المعارضة في كل الحالات تقريبا إلى استغلال إمكانيات وسائل الإعلام لعرض وجهة نظرها، لم يعد بإمكان الرئيس تبني سياسة محددة وممارستها لفترة طويلة دون استحواذ تلك السياسة على رضا الأغلبية الشعبية، لذلك يلجؤ إلى الاستعانة بوسائل الإعلام لتوصيل أجندته السياسية والاقتصادية والعسكرية إلى الرأي العام سواء كانت هذه الأجندة تخدم المصالح السياسية الخارجية أو الداخلية. فالآلة الإعلامية قوة هائلة في التأثير على الرأي العام وفي توجيه قرارات الإدارة الأمريكية وتصويبها فيما يتعلق بالسياسات المختلفة بما فيها السياسة الخارجية.لكن ما يحد من ذلك الطبيعة الاحتكارية لوسائل الإعلام من حيث ملكيتها المتمركزة في أيدي مجموعة قليلة من الشركات والتي هي شركات تجارية.

وتمثل وسائل الإعلام روابط طبيعية بين الجماهير والقادة، فكتاب التقارير يقومون بشرح المواقف السياسة للرئيس أمام الشعب، كما يقومون دوريا بإجراء مسح لرد فعل الجماهير إزاء هذه المواقف، ومن هنا يعطي الرؤساء اهتماما كبيرا لهذه التقارير الإعلامية. كما يستخدم المسؤولين السياسيين الآخرين كثيرا وسائل الإعلام لاقتراح برامج جديدة أو تبرير قراراتهم للمواطنين.

والملاحظ أنه كلما أرادت الحكومات الأمريكية القيام بأي خطوات كبيرة على الساحة الدولية تبدأ أولا بقياس نبض الشارع الأمريكي واستمالة الرأي العام الداخلي والخارجي من خلال تقارير إخبارية وبرامج وثائقية وسياسية حول ما ستقدم عليه. وبعدما تطمئن إلى استقرار الأمر لها تقدم على اتخاذ قرارها سواء كان سياسيا أو عسكريا أو اقتصاديا أو استراتيجي… فالإعلام بوسائله أضحى عنصرا لا غنى عنه في مجال السياسة الخارجية، فباقي العناصر الأخرى التي تعتمد عليها عملية صنع القرار وتنفيذه لا نقول أنها باتت متجاوزة بل تزداد فعاليتها بوجود إعلام قوي قادر على خلق الأجواء الملائمة لصياغة السياسة الخارجية، ومن تم تهيء أنسب الظروف بغية تنفيذ تلك السياسة نفسها، بل إن ما يتعلق بالقرارالسياسي الخارجيأصبح متأثرابالسرعة التي يتخذ فيها ذلك القرار في زمن العولمة.

ولقد ساند الإعلام الأمريكي كافة الخطوات والخطط التي تبنتها الحكومات الأمريكية خاصة سياساتها الخارجية، ودعمتها بالتأثير الإيجابي على الرأي العام الداخلي والدولي لكي يأيدها ويتبناها. ونظرا لوعي السياسة الأمريكية لتأثيرات الإعلام قامت بإنشاء وكالة الإعلام الأمريكية U.S. Information Agency.

أولا: وكالة الإعلام الأمريكية:

اختلفت الأهداف التي تحاول الوكالة تحقيقها بين إرساء دعائم السلام عن طريق خلق تفاهم أفضل بالنسبة للولايات المتحدة وشعبها وغاياتها ونشاطاتها إلى محاولة كسب الأصدقاء والنفوذ للولايات المتحدة الأمريكية في الخارج بإعطاء صورة مشرقة عنها للشعوب الأخرى… وامتدت هذه الأهداف كذلك إلى التركيز بصفة أساسية على شرح وتفسير سياسات الولايات المتحدة، وبيان توافق أو تطابق هذه السياسات مع مصالح الدول الأخرى ولتقديم الاستشارة للرئيس الأمريكي بشأن ردود فعل الشعوب في الخارج. وأخيرا تشمل هذه الأهداف محاولة التصدي للدعاية الشيوعية الروسية وغيرها من ألوان الاتصال الدولي العدائي للولايات المتحدة.

تركز الوكالة في الوقت الحاضر على إعداد خطط دعائية لكل دولة؛ أي أنها تستهدف بدعايتها كل دولة على حدى، وتستبعد بذلك أشكال الدعايات التي لا تطبق على دولة معينة… ثم تحاول الوصول إلى قطاعات معينة ومؤثرة على الجمهور في كل بلد كالعسكريين أو قادة الأحزاب أو قادة العمال… أو غيرهم.

وتقوم هذه الوكالة شأنها شأن أي وكالة أنباء عالمية ببث الأخبار ولكن عن طريق اختيار بعضها والتركيز عليها ومعالجتها وعرضها بطريقة تعكس وتخدم المصالح والأهداف الأمريكية؛ أي أن هذه الوكالة لا تقوم بتجميع الأخبار واختيارها وتقديمها ونشرها بغرض الربح أوالإعلام والتثقيف وإبراز الحقائق المجردة، ولكنها تقوم بهذا العمل بغرض خدمة السياسة الخارجية وأهدافها. أما بالنسبة للأوساط الرئيسية التي تستخدمها الوكالة فهي الصحافة والمطبوعات والسينما والإذاعة والتلفزيون ومراكز الاستعلامات.

الخاتمة:

أصبحت وسائل الإعلام تؤثر في سياسة أكبر قوة اقتصادية وعسكرية موجودة حاليا على المسرح الدولي وهي الولايات المتحدة الأمريكية وتحقق لها أهدافها الاسترتيجية المسطرة.

ويندرج دور الإعلام الأمريكي في تسويق السياسات والإستراتيجيات الأمريكية المختلفة وخاصة الخارجية منها. لذا تشير إستطلاعات الرأي إلى هيمنة الإعلام الأمريكي عالميا بإمكانياته الهائلة وخصوصا هيمنته على الإعلام العربي المستهلك لكل ما تسوقه هذه المنظومة الإعلامية.

كما أشارت أحدث دراسة إلى أن المواطن الأمريكي يشاهد العالم ويتابع قضايا ثقافية وإعلامية عبر التلفاز والإذاعة والمسرح والسينما، وبالتالي يولد لديه تصور عن المواقف والقضايا من خلال ما تطرحه تلك الوكالات من مواد إعلامية خبرية أو تغطية أحداث عالمية مما يجعله خاضعا ومؤمنا فقط بالمعلومات التي تبثها تلك المصادر ولا يقتنع بالرأي الاخر إلا بصعوبة. وهذا ما يسمى بفن الإجماع أو كما سبق وقدمناه بصناعة الإجماع الشعبي عبر استعمال القوة الناعمة.

تحريرا في 19-10-2017

 

3.7/5 - (3 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى