احدث الاخبار

القفل الفولاذي: الأمن مقابل الغذاء

اعداد : أبوالقاسم المشاي – خبير استراتيجي

 

تتجه الازمة في ليبيا الى مزيد من الانهيارات خاصة فيما يتعلق بالاوضاع الانسانية والتي تزايدت حدة قسوتها مع عام 2015 حيث بلغ عدد النازحين الى أكثر من نصف مليون في الداخل، كما ادت الانهيارات في القطاع الصحي الى تعقد الاوضاع وتسهيل الخدمات الطبية ووصولها الى المناطق النائية والحدودية والتي تشهد هلي الاخرى اوضاعا متردية – يمكن وصفها بأنها خارج امكانية معرفة الظروف ومؤشراتها على اوضاع الناس خاصة مع توقف شبه تام لحركة المواصلات وسهولة عبور المواطنين او سهولة وصول الاغاثة والمساعدات، ومع الصراع المحموم على السلطة والنفوذ بين حكومتين .. منذ أكثر من عام ومع الاختناقات المتتالية والاخفاقات من اجل تشكيل حكومة وحدة وطنية .. ومع التنامي المتسارع ” لتنظيم الدولة ” وسيطرته على المناطق النفطية وقدرته المتسارعة على التمدد ليغطي مساحات واسعة على الساحل الليبي ويتجه الى عمق الجنوب مشكلا بذلك منطقة او دويلة بين الشرق والغرب وتطل على تخوم الصحراء، عبر فتح ممرات لتدفق المتطوعين والمرتزقة الذين يتدفقون عبر العديد من النقاط على طول الخط الجنوبي او على الساحل الذي تصعب مراقبته في ظل تفكك وانهيار المنظومة الامنية وعدم قدرتها على التحرك لأسباب عديدة اقلها عدم وجود قيادة مركزية للامن .. بل تحولت الى مصدر للاموال عبر الهجرة غير الشرعية وتجارة السلاح وما في محتواها من عمليات فوق دولية ” استخبارتية وحروب بالوكالة” كان قد توصل اليها تقرير خبراء مجلس الامن !

  • انهيار المؤسسات والفساد المالي شكّل المحرك والدافع للحكومات المتعاقبة والمتتالية وعبر اغطية اقليمية لتحويل ليبيا الى ساحة وحلبة للصراعات وتصفية الحسابات ونهب ثروات ليبيا عبر السطو عليها تحت وعبر اساليب متنوعة.. ويعتقد العديد من الخبراء والمتابعين للشأن الليبي ان اغلب المتنفذين والذين كان لهم دور حيوي في لعبة الفساد وتشكيل الجماعات المسلحة وشراء السلاح وعمليات غسيل الاموال التي شملت الكثير من المؤسسات الحكومية ولعل لجنة العقوبات الخاصة بليبيا اشارات في تقاريرها الدورية الى ذلك بكل وضوح كما لوحت بالعقوبات في اكثر من تصريح سوى ما عبرتّ عنه المفوضية الاوربية او ما ذهب اليه مجلس الامن في قراراته المتعددة !!
  • وفي ذات الاتجاه تنحدر الاوضاع الاقتصادية للبلاد الى كاررثة اقتصادية حقيقية من جهة توقف انتاج النفط وتدني اسعاره العالمية (المصدر الاقتصادي الوحيد) مع السياسات التي اتجهت طيلة السنوات الماضية الى الافراط والتبذير الغير محدود مع نهب المال العام بشكل واسع وفي مختلف ادارات ومؤسسات الدولة.. وتتجه التقديرات ان ان اكثر من 800 مليار دولار حجم الاستنزاف الذي تعرضت له ثروات البلاد !!
  • الصراع المعلن على الاموال السيادة ( محافظ ليبيا الاستثمارية) والتي لم تسلم من النهب والفساد حسب التقارير الدولية.
  • زيادة اعداد المهاجرين غير الشرعيين وبوتيرة مرتفعة خلال 2013-2014 وتحولت الى تجارة بشرية عابرة للحدود مع ما يرافقها من عمليات تهريب متعددة.
  • الضغوط الدولية التي تتعرض لها البلاد والصراع على ثرواتها واموالها من عدد من الدول والتي انتجت لها تحالفت جديدة داخل البلاد تسيطر على مفاصل الدولة، وتساهم في زيادة حدة الصراعات من اجل تغذية نفوذها ومن اجل مكاسب الحرب التي استطاعت ان تمارسها عبر شبكات دولية واقليمة من تجارة الاسلحة وعمليات غسيل الاموال والعقود المالية الوهمية حيث تقدر بعشرات المليارات من الاموال التي تم سرقتها بعقود وعمليات مصرفية وهمية !

الى جانب الصراعات الداخلية التي يمكن قراءتها بأكثر من صيغة (عقائدية، قبلية، جهوية…) يضاف الى ذلك تغيرات السياسة الدولية والتقدم المتسارع للتنظيمات الارهابية العابرة للحدود.. وتنامي شبكات التهريب والعصابات التي تجد مجالها لتغذية الحروب على اكثر من خط وفي اكثر من مساحة.. مع عدم الالتزام من كثير من الاطراف بالقرارات والتوصيات الدولية التي اصدرها مجلس الامن او تلك اصدرتها المجموعة الاوربية.. فهي بدلا من ان تخفف او تساهم في وضع حلول لكل تلك الازمات التي تعانيها البلاد وتهدد حياة المدنيين كما تهدد الامن والسلم الدولي والاقليمي وتنذر بكارثة جيو – امنية في المنطقة والمتوسط بشكل اكثر وضوحا .. حيث تقدر اعداد المفقودين والغرقى في قاع البحر بالالاف من المهاجرين !

وما بين المشروع الاوربي الامنى الذي اعتمدته المجموعة الاوربية وصادق عليه البرلمان الاوربي في جلسته الاخيرة 2016 على جملة من الاجراءات المرتبطة بالهجرة والارهاب والتداعيات الامنية ..فأن النظرة الاستعمارية الاوربية لم تغب عن المشهد وعن مختلف التصريحات التي تحدثت بها – الاطراف السياسية – ولعل الفشل الاورلابي هو المسؤول عن هذا الانهيار الذي تم في مرحلة ما بعد سقوط نظام القذافي حيث تخلت المجوعة الاوربية عن عهودها والتزاماتها التي كان ” حلف الناتو” قد رسمها لسقوط القذافي وهزيمته واعادة المساهمة في بناء الدولة !

  • التغير في مشروع الامن القومي الامريكي 2015 يلقي بضلاله على اعادة منهجية لخرائط الاستعمار القديم – وسياسات القرن التاسع عشر، وهذا يساهم في تخبط وضبابية المواقف الاوربية على مستوياتها القطرية او على مستوى المجموعة الاوربية !
  • التغير الديموغرافي – او ما يمكن وصفه ” بموت الديموغرافيا ” واعادة بناء نظام عالمي جديد يشكل ويصوغ مجمل ” الخيال الاستراتيجي ” لمرحلة ما بعد 2020 على اقل تقدير !
  • هل ستكون عملية او خطة مارشال” القفل الفولاذي” وتطويق البلاد نموذجا جديدا للسيطرة على الشعوب وثرواتها.. وعبر دول الجوار ولعل الجدار الالكتروني على طول 200 كم بين تونس – ليبيا يشكل بداية اللمسات للقفل الفولاذي الذي رسمه البنتاغون وعبر مجموعة من الاليات ” يوبام – فرونتكس- يونيفورمد – ..”، كما تساهم القاعد الفرنسية على الحدود الليبية النيجرية في دعم هذا المسار الامني، كما اعلنت الجزائر منذ مدة عن ترتيباتها العسكرية وتحشيد قواتها على طول الخط من غدامس الى ايسين وبطول 900 كم من المراقبة المتواصلة مع “أهبة الاستعداد ” !
  • منذ سنتين بدأت استراتيجيات السيطرة في اسعار النفط والتحكم عن بعد في شؤون الدولة عبر اشكال مختلفة من السيطرة ” زراعة الارهاب والتطرف، السيطرة على الموارد الاقتصادية، اعادة صياغة شروط الديموغرافيات والهويات العرقية والطائفية، …” واعادة بناء التبعية المطلقة كشرط للنظام العالمي الجديد عبر لمسات فنية وخطابات الديمقراطية وحقوق الانسان وحماية المدنيين !
  • ومن اجل صياغة ذلك بشكل اكثر تحكما عبرادارة شؤون الحياة ذاتها ” ومع الفشل الذي انتجه مارشاتل ” النفط ماقابل الغذاء” والفضائح الدولية التي طالته وطالت كبار المسؤولين في الامم المتحدة وعدد من رؤساء العالم وابنائهم .. تلك الصورة التي تحاول ” اللوبيات العالمية” تحييدها او تناسيها من الذاكرة ومسح ارشيفها عبر اعادة شروط ” ابيكيوس” جيدة ستكون هذه المرة ” الأمن مقابل الغذاء”، كناّ قد اشرنا الى محتواها عبر عدد من الحوارات التلفزيونية وفي أكثر من لقاء، ولكننا اليوم نصطدم بشاشتها وكأن موت المشاهد هو بداية النهاية لولادة الامبرطورية الجديدة !!
5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى