الآليات التشريعية لمكافحة المخدرات الرقمية – دراسة مقارنة
Legislative Mechanisms for Combating Digital Drugs A Comparative study

اعداد :
- هائل سعيد حميد – طالب دكتوراه/ كلية الحقوق الجامعة الأردنية
- د. عمر صالح العكور – أستاذ مشارك – الجامعة الأردنية
المركز الديمقراطي العربي : –
-
مجلة العلوم السياسية والقانون : العدد الخامس والأربعون أيلول – سبتمبر 2025 – المجلد 11 – وهي مجلة دولية محكمة تصدر عن #المركز_الديمقراطي_العربي المانيا- برلين.
- تُعنى المجلة في الدراسات والبحوث والأوراق البحثية عمومًا في مجالات العلوم السياسية والعلاقات الدولية،والقانون والسياسات المقارنة، والنظم المؤسسية الوطنية أو الإقليمية والدولية.
Nationales ISSN-Zentrum für Deutschland
Journal of Political Science and Law
للأطلاع على البحث من خلال الرابط المرفق : –
ملخص |
تتمثل مشكلة البحث في ضعف الأطر التشريعية الوطنية والقدرات الجنائية لمواجهة المخدرات الرقمية، مع غياب سياسات شاملة للتعامل مع الأبعاد النفسية والاجتماعية للإدمان، يهدف البحث إلى دراسة استخدام التكنولوجيا في الترويج والتوزيع، وتحليل الآثار النفسية والسلوكية للإدمان، مع التركيز على التشريعات الوطنية في اليمن والأردن والتحديات المرتبطة بهذه الجرائم الرقمية العابرة للحدود، باستخدام المنهج الوصفي التحليلي، أظهرت النتائج أن المخدرات الرقمية تعتمد على منصات التواصل الاجتماعي، الشبكات الخفية (Dark Web)، العملات المشفرة، وتقنيات التشفير لضمان السرية، وتؤدي إلى اعتماد نفسي وسلوكي وتفاقم اضطرابات الصحة النفسية والجسدية، مع احتمال أن تمثل مدخلاً لتجربة المخدرات التقليدية. توصي الدراسة بتطوير الإطار التشريعي الوطني عبر سن قوانين جديدة أو تعديل القوانين القائمة، بما يشمل تعريفاً دقيقاً للمخدرات الرقمية وتجريم تصنيعها وترويجها وتداولها، وتعزيز القدرات التقنية والبشرية من خلال إنشاء مختبرات جنائية رقمية متقدمة لتحليل وكشف الأدلة الرقمية.
الكلمات المفتاحية: المخدرات الرقمية، الآليات التشريعية، مكافحة الجرائم الإلكترونية، الإدمان الرقمي |
Abstract |
The research problem lies in the inadequacy of national legislative frameworks and forensic capabilities to address digital (cyber) drugs, coupled with the absence of comprehensive policies to tackle the psychological and social dimensions of the resulting addiction. This study aims to analyze the crime of digital drugs by examining the use of technology in their promotion and distribution and assessing the psychological and behavioral effects of addiction, with a focus on the national legislation of Yemen and Jordan and the challenges and capacities to confront these transboundary cybercrimes, employing a descriptive-analytical methodology. The findings indicate that digital drugs rely on social media platforms, the Dark Web, cryptocurrencies, and encryption technologies to ensure secrecy and anonymity, and they lead to psychological and behavioral dependence, exacerbate mental and physical health disorders, and may serve as an entry point to traditional drug use. Accordingly, the study recommends developing the national legislative framework through enacting new laws or amending existing ones, including a precise legal definition of digital drugs and criminalizing their manufacture, promotion, and distribution, while strengthening technical and human capacities by establishing advanced digital forensic laboratories to analyze and detect digital evidence. |
- مقدمة:
تُعد جرائم المخدرات أحد أبرز التحديات الجنائية التي شهدت تحولًا نوعيًا مع التطور السريع في التكنولوجيا وظهور الفضاء الرقمي، حيث لم تعد تقتصر على الأشكال التقليدية لتداول وترويج المواد المخدرة، بل امتدت لتشمل مظاهر جديدة تعتمد على الوسائط الرقمية، بما في ذلك الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. وقد أدى هذا التحول إلى نشوء نمط جديد يُعرف بـ “المخدرات الرقمية” أو “الإلكترونية”، وهو نمط غير تقليدي يعتمد على المؤثرات الصوتية أو البصرية التي يُزعم أنها تُحدث تغييرات في الوعي والإدراك، ما قد يؤدي إلى نوع من الإدمان السلوكي أو النفسي، رغم غياب المادة المخدرة الفعلية. وتشير بعض الدراسات الدولية إلى أن نسبة الشباب المتأثرين بالممارسات الرقمية المماثلة قد تصل إلى 15–20٪ في بعض الدول، مما يعكس اتساع حجم الظاهرة وتأثيرها الاجتماعي والنفسي .
تشكل هذه الظاهرة تهديدًا متصاعدًا للمنظومة القانونية والأمنية، خصوصًا في الدول ذات البنية التشريعية الهشة أو القدرات المحدودة في الأمن السيبراني، مثل الجمهورية اليمنية. فغياب تشريعات صريحة تُجرّم المخدرات الرقمية، إلى جانب محدودية الكوادر الفنية والمعدات التقنية، يترك فجوة قانونية يستغلها المجرمون، ما يسهم في انتشار الظاهرة عبر الحدود الوطنية. وبالمقارنة، أظهرت تجارب دول مثل الأردن والمملكة المتحدة تبني استراتيجيات تشريعية متقدمة وإنشاء مختبرات جنائية رقمية، ما قلّل من الفجوة القانونية ووفّر أدوات عملية لرصد ومكافحة الجرائم الرقمية المرتبطة بالمخدرات
وفي هذا السياق، يهدف البحث إلى دراسة الجانب القانوني والجنائي للمخدرات الرقمية، وتحليل الأطر التشريعية في القانون اليمني والأردني والقانون الدولي، مع تقييم التحديات العملية التي تواجه الجهات التشريعية والأمنية في تطبيق هذه القوانين. كما يسعى البحث إلى تقديم مقترحات عملية قابلة للتطبيق على المستويين المحلي والدولي، تأخذ في الاعتبار خصوصية السياقات الأمنية والسياسية للدول محل الدراسة، بما يضمن تحقيق توازن بين الواقع القانوني والفعالية العملية، ويسهم في دعم الجهود الدولية لمكافحة الجرائم السيبرانية المرتبطة بالمخدرات الرقمية.
1.1 أهمية البحث: تكمن أهمية هذا البحث في كونه:
- استجابة لتهديد متنامٍ: فإن جرائم المخدرات الرقمية تشكل خطرًا على الأمن الاجتماعي والصحة العامة، خاصًة بين الفئات الشابة، بسبب سهولة الحصول عليها.
- سد فجوة معرفية وتشريعية: لا تزال الأبحاث القانونية والتشريعية المختصة في المخدرات الرقمية نادرة في العديد من الدول، بما في ذلك اليمن والأردن.
- دعم جهود المكافحة: يسعى البحث إلى تقوية إمكانيات الهيئات المعنية بأعمال إنفاذ القانون والمؤسسات ذات الصلة.
- تعزيز الوقاية والتوعية: يسلط البحث الضوء على أهمية الأسرة والمرافق التعليمية ومنظمات المجتمع المدني في تعزيز مناعة المجتمع ضد هذه الظاهرة.
- تبرز أهمية هذه الدراسة من محدودية الأدبيات العربية المتعلقة بالمخدرات الرقمية، إذ تركز معظم الدراسات المحلية على المخدرات التقليدية أو الجرائم الإلكترونية بشكل عام، دون تناول الظاهرة الرقمية بشكل متكامل. ويسعى البحث إلى سد هذه الفجوة من خلال تقديم تحليل شامل يربط بين الجوانب التشريعية والقضائية والتقنية للمخدرات الرقمية، ويضع تصورًا عمليًا لإجراءات المعالجة والوقاية، مما يساهم في إثراء البحث القانوني العربي والدولي ويعزز قدرة الجهات التشريعية والأمنية على مواجهة هذه الظاهرة الناشئة.
1.2 مشكلة البحث: تتمثل إشكالية البحث في الأسئلة التالية:
- ما الأساليب التقنية والقانونية التي تستخدم في جرائم المخدرات الرقمية؟
- ما مدى كفاية الأطر التشريعية في اليمن والأردن والقانون الدولي لمواجهتها؟
- ما أبرز الصعوبات والإمكانات لدى الجهات الأمنية والقضائية في التصدي لهذه الجرائم؟
- ما التدابير الوطنية والدولية الفعّالة لتعزيز المكافحة والتعاون عبر الحدود؟
1.3 منهجية البحث وأهدافه:
يهدف هذا البحث إلى دراسة جريمة المخدرات الإلكترونية واستكشاف كيفية استخدام التكنولوجيا في ترويجها، والتعرف على الآليات التشريعية لمكافحتها. كما يسعى إلى تقييم كفاءة الإطار القانوني في اليمن والأردن وتحديد التحديات والإمكانات الوطنية لمكافحة هذه الجرائم. وفي النهاية، يطمح البحث إلى تقديم رؤية شاملة للتصدي لهذه الظاهرة (قانونية، تقنية، أمنية، اجتماعية، تربوية) وتعزيز التعاون الدولي للتعامل مع هذه الظاهرة العابرة للحدود.
وتعتمد هذه الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي القانوني، حيث يجمع المنهج الوصفي البيانات والمعلومات المتعلقة بجرائم المخدرات الرقمية، بما يشمل الدراسات السابقة، النصوص القانونية الوطنية والدولية، القرارات القضائية، والتقارير الرسمية. ويتيح ذلك عرض الواقع القانوني والجنائي بشكل موضوعي.
أما المنهج التحليلي فيتمثل في دراسة النصوص التشريعية في اليمن والأردن والقانون الدولي، وتحليل كيفية مواجهة هذه الجرائم عبر الأدوات القانونية والتقنية، مع تقييم نقاط القوة والقصور في الأطر القانونية والتطبيقية. كما يشمل التحليل مقارنة الإجراءات الوطنية مع الممارسات الدولية لاستخلاص أفضل التجارب وأوجه التحسين الممكنة.
وتركز الدراسة على ربط الجانب النظري بالواقع العملي، من خلال الإشارة إلى حجم الظاهرة، الإحصاءات المتاحة، والتحديات العملية التي تواجه الجهات القضائية والأمنية، بهدف تقديم توصيات عملية لتعزيز كفاءة مكافحة المخدرات الرقمية على الصعيدين الوطني والدولي.
- ماهية جرائم المخدرات السيبرانية
الحديث عن المخدرات الرقمية يُعتبر جزءًا من التطورات الجديدة في مجالي العلوم والتكنولوجيا، مما يفسر ندرة الكتب القانونية التي تغطي هذا الموضوع، اذ يتطلب هذا الأمر فحص طبيعة هذه المخدرات وتأثيرها على الوعي والإحساس. لذا، من الضروري التعرف على ماهيتها وعلى أوجه التشابه والاختلاف بينها وبين المخدرات التقليدية، وتوضيح طبيعة هذه التكنولوجيا الحديثة. لتسهيل هذا الأمر، يقسم المبحث إلى ثلاثة مطالب الأول يناقش المخدرات التقليدية، ومصطلح المخدرات الرقمية، والثاني يناقش الجرائم الإلكترونية في تجارة المخدرات عبر شبكات التواصل الاجتماعي. المطلب الثالث العلاقة بين الجرائم السيبرانية وتجارة المخدرات والاعتماد.
2.1 تعريف المواد المخدرة والمواد التي تؤثر على العقل
تشكل المواد المخدرة والمواد التي تؤثر على العقل فئة خاصة من المواد التي تثير اهتمام التشريع نظراً لما تترتب عليه من آثار صحية واجتماعية خطيرة. تُعرف المواد المخدرة بأنها المواد الكيميائية التي تتسبب في تغييرات في وظائف الجهاز العصبي المركزي، مما يؤدي إلى اضطرابات في الإدراك، والشعور، والسلوك. وتتضمن هذه المواد أدوية مخدرة، عقاقير غير مشروعة، وبعض المواد التي تُستخدم طبياً لكن يمكن أن تُساء استخدامها، أما المواد التي تؤثر على العقل فهي أوسع نطاقاً، وتشمل جميع المواد التي يمكن أن تغير الحالة العقلية أو المزاجية للفرد، سواء كانت قانونية أو غير قانونية، مثل الكحول، والمخدرات الطبية، والمنشطات النفسية، يهدف القانون إلى تنظيم حيازة واستخدام هذه المواد للحد من أضرارها وحماية الصحة العامة، من خلال تحديد أنواع هذه المواد وتصنيفها، وفرض القيود على تداولها، مع معاقبة المخالفين لضمان سلامة المجتمع، وعليه سوف نقوم بتقسيم هذا المطلب إلى ثلاثة فروع، ففي الفرع الأول سنتحدث عن التعريف التقليدي للمخدرات والمؤثرات العقلية، أما الفرع الثاني سنتحدث عن ظاهرة المخدرات الرقمية، والتمييز بين المخدرات التقليدية والمخدرات الرقمية في الفرع الثالث.
2.1.1 التعريف التقليدي للمخدرات والمؤثرات العقلية
تعرف المخدرات بأنها أي مادة طبيعية أو مصنعة تدخل الجسم وتؤثر على وظائفه، خاصةً الجهاز العصبي المركزي، مما يؤدي إلى تغييرات في المزاج، والإدراك، والسلوك، هذه المواد معروفة بقدرتها على إحداث الاعتماد الجسدي والنفسي، حيث يصبح المستخدم في حاجة ماسة إليها ليشعر بحالته الطبيعية، كما تظهر ظاهرة التحمل (tolerance)، مما يستلزم زيادة الكمية لتحقيق نفس النتيجة. تشمل الأدوية التقليدية المواد الأفيونية (مثل الهيروين والمورفين) والمنشطات (مثل الكوكايين والأمفيتامينات). (مسعود، 2016، ص110)
أما المواد النفسية فهي عبارة عن مصطلح أوسع يتضمن أي مادة تؤثر على الحالة النفسية، سلوك الشخص، أو إدراكه، وعلى الرغم من ارتباط المصطلح بالمخدرات، فإنه قد يشمل مواد قانونية تستخدم لأغراض طبية، مثل بعض الأدوية النفسية التي تؤثر على المزاج والإدراك دون أن تُعتبر مخدرات بالمعنى الشائع.
وتخضع المواد النفسية لرقابة دولية ومحلية نظرًا لخطورتها المحتملة في التسبب بالإدمان. (أبو زيد، 2015، ص23)
2.1.2 ظاهرة المخدرات الرقمية
المخدرات الرقمية تعد نوعًا مبتكرًا يعتمد على الترددات الصوتية، المؤثرات البصرية، برمجيات الكمبيوتر، وألعاب الفيديو، بهدف تقليد تجربة استخدام المخدرات التقليدية. ينصب التركيز الأساسي على تحفيز الدماغ نحو حالات وعي محددة مثل التركيز المكثف، الاسترخاء العميق، أو الهلوسة، يتم ذلك غالبًا بواسطة تقنية “الضربات ثنائية الأذن”” (Binaural Beats)، حيث يُعرض تردد مختلف لكل أذن، مما يدفع الدماغ إلى إنتاج تردد ثالث يُشابه موجات دماغية محددة .
تختلف أنواع المخدرات الرقمية لتشمل عدة أصناف: الترددات الصوتية (Binaural Beats) التي تعتبر الأكثر شيوعًا، حيث يقوم المستخدم بالاستماع إلى ترددين متميزين من خلال سماعات الأذن، مما يؤدي إلى إنتاج الدماغ لتردد ثالث يُعتقد أنه يُشابه الموجات الدماغية المرتبطة بحالات تناول المخدرات التقليدية.
كما قد تؤثر بعض الألعاب الإلكترونية الغامرة والمكثفة على الحالة النفسية للاعبين من خلال مؤثرات بصرية وصوتية معقدة، مما قد يؤدي إلى شعور بالانفصال عن الواقع مشابه لتأثيرات المخدرات يُضاف إلى ذلك المحتوى الصوتي والمرئي الجذاب، الذي يشمل فيديوهات موسيقية ذات إيقاعات سريعة وتأثيرات بصرية متنوعة أو أساليب تنويم مغناطيسي بغرض خلق حالة من الانفصال عن الواقع أو الاسترخاء الذاتي. (أبو زيد، 2015، ص23) (غازي، 2018، ص25)
2.1.3 التمييز بين المخدرات التقليدية والمخدرات الرقمية
توجد فوارق أساسية تميز بين المخدرات التقليدية والرقمية من عدة جوانب:
البعد | المخدرات التقليدية | المخدرات الرقمية (الثغرات التشريعية) |
الطبيعة المادية | مواد كيميائية ملموسة يسهل ضبطها وإثباتها قانونياً. | لا تمتلك شكلاً مادياً، مما يصعّب إثباتها جنائيًا لغياب الأدلة المادية التقليدية. (حراحشة، 2012، ص39) |
آلية التأثير | مثبتة علميًا بآثار كيميائية على الدماغ، مما يسهل تكييفها قانونيًا كمواد مخدرة. | تعتمد على مؤثرات سمعية/بصرية غير ملموسة، ما يثير جدلاً حول تكييفها: هل تدخل ضمن الاحتيال أم الجرائم السيبرانية؟ |
الإدمان | منصوص عليها في التشريعات كمسبب لاعتماد جسدي ونفسي، مع عقوبات محددة. | الاعتماد نفسي/سلوكي فقط، ولا يوجد نص صريح يجرّم هذا النوع من “الإدمان غير المادي”.(الصليبي، 2018، ص45) |
المخاطر الصحية | أضرار جسدية ونفسية جسيمة، مدعومة بتقارير طبية وقانونية، ما يسهل إثبات الضرر. | لا تسبب سمية جسدية مباشرة، ما يضعف إمكانية إثبات الضرر الجنائي وفق النصوص الحالية. (كامل، 2021، ص41-65) |
التأثير على الوعي | يثبت بسهولة من خلال الفحوص المخبرية والأدلة الطبية. | التأثيرات ذاتية وشخصية، مما يعيق إثباتها قضائياً كضرر جنائي ملموس. (الصليبي، 2018، ص46) |
الرقابة القانونية | مجرمة عالميًا ومحليًا، وتخضع لاتفاقيات دولية صارمة (مثل اتفاقية فيينا 1988). | غياب نصوص صريحة تُجرّمها في معظم التشريعات العربية، ما يخلق فراغًا قانونيًا تستغله الجهات الإجرامية. |
2.2 الجرائم الإلكترونية في تجارة المخدرات عبر شبكات التواصل الاجتماعي
تعتبر الشبكات الاجتماعية مجالًا غنيًا للنشاطات غير المشروعة، خصوصًا تجارة المخدرات بجميع أنواعها، بما في ذلك المخدرات الرقمية. وقد وفرت الانتشار الواسع لهذه المنصات، وطبيعتها اللامركزية، وصعوبة متابعتها فرصًا جديدة للمجرمين – ترويجا واستيرادا وتصدير وصنعا وزراعة وتعاطيا – وتجاوز الحدود التقليدية في الترويج وتوزيع المخدرات، وسنتناول ذلك في ثلاثة فروع الأول في استخدام منصات التواصل الاجتماعي في الترويج الإلكتروني للمخدرات الرقمية، والثاني في بعض الطرق المتطورة في الترويج الإلكتروني، والثالث في دور الشبكات الخفية في الترويج الإلكتروني على النحو التالي:
2.2.1 استخدام منصات التواصل الاجتماعي في الترويج الإلكتروني للمخدرات الرقمية
أصبحت الشبكات الاجتماعية منصات رئيسية لتسويق المخدرات الرقمية، مستفيدة من طبيعتها الرقمية والتفاعلية. غالبًا ما يبدأ الأمر بإنشاء حسابات مزيفة أو صفحات بأسماء غير مثيرة للريبة، مثل “نغمات الذهن الممتعة”، التي تروج لمحتوى يبدو عاديًا مثل الموسيقى الهادئة، لكنه في الحقيقة يمثل مدخلًا لتقديم “الجرعات الرقمية”. (عبد الوهاب، 2022، ص1-32)
تُسوَّق هذه المخدرات من خلال تبادل روابط لمقاطع صوتية أو مرئية على منصات مثل يوتيوب، ساوندكلاود، أو تطبيقات المراسلة مثل تليجرام وواتساب. غالبًا ما تُرافق هذه المقاطع أوصاف جذابة ومضللة تعد بتأثيرات مثل النشوة أو الاسترخاء، وهي تستهدف الشباب. وقد يُستخدم لغة مشفرة أو رموز سرية لتفادي اكتشاف أنظمة المراقبة. وتعتمد الحملات الدعائية على التفاعل عبر التعليقات والرسائل الخاصة لتقديم المزيد من المعلومات أو “الجرعات” المدفوعة، مما يخلق نوعًا من الاعتماد الاجتماعي والمصداقية. تستفيد هذه الحسابات أيضًا من ميزات البث المباشر ومقاطع الفيديو القصيرة (مثل تيك توك وإنستغرام ريلز) لتقديم “تجارب” مضللة أو إيحائية حول تأثيرات المخدرات الرقمية، مما يزيد من جاذبيتها خاصة بين الشباب. (الازدي، 2017، ص104)
2.2.2 الطرق الإبداعية لترويج وتوزيع المخدرات عبر الإنترنت
شهدت أساليب تسويق وتوزيع المخدرات، سواء كانت تقليدية أو رقمية، تطورًا ملحوظًا للاستفادة من التكنولوجيا والفضاء الافتراضي:
- أولاً: يتم استخدام التسويق الخفي والمستهدف، حيث يعتمد المسوقون على دراسة بيانات المستخدمين وتصرفاتهم لاستهداف الشرائح السكانية المحتاجة مثل الشباب الذين يبحثون عن تجارب جديدة أو الذين يواجهون تحديات نفسية، من خلال إعلانات مصممة خصيصًا أو ظهور المحتوى في موجزات الأخبار. ((الازدي، 2017، ص105)
- ثانيًا: تلعب الجماعات السرية والخاصة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات المحادثة وظيفة بارزة، حيث تُقام مجموعات مغلقة على تيليجرام، واتساب، ديسكورد، أو في منتديات خاصة، يتم فيها تبادل المعلومات المتعلقة بأنواع المخدرات، وطرق الاستخدام، وإرشادات الشراء، مما يمنح الشعور بالأمان والخصوصية ويشجع المستخدمين على المشاركة.
- ثالثًا: أصبحت العملات المشفرة (Cryptocurrencies) كوسيلة أساسية للدفع الآمن وغير القابل للتعقب. تُحصل على المخدرات الرقمية أو التقليدية عبر الإنترنت باستخدام العملات مثل البيتكوين أو المونيرو، مما يجعل تتبع المعاملات المالية شبه مستحيل.
- رابعًا: تُستخدم خدمات البريد والشحن بشكل متزايد لتوزيع المخدرات التقليدية المطلوبة عبر الإنترنت، حيث يتم إخفاؤها داخل طرود عادية لتجنب الكشف. أما المخدرات الرقمية، فتُوزع على الفور عبر الإنترنت كروابط مباشرة أو ملفات قابلة للتنزيل بعد السداد.
- خامسًا: تعتمد هذه الأساليب على مهارات رقمية متقدمة في حماية الخصوصية، مثل استخدام الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN) وبرامج التصفح السري مثل تور(Tor)، وذلك لإخفاء عناوين IP الحقيقية للمستخدمين وتشفير تواصلهم، مما يجعل من الصعب جداً متابعة خطواتهم. ( الصليبي، 2018، ص50)
2.2.3 دور الشبكات الخفية (Dark Web) في تجارة المخدرات الرقمية
تمثل الشبكة الخفية، أو “الدارك ويب” (Dark Web)، الطبقة الأكثر عمقًا وسرية من الويب، تلعب دورًا محوريًا وخطرًا في تجارة المخدرات بأنواعها المتعددة، بما في ذلك المخدرات الرقمية، لا يمكن الوصول إليها إلا عبر برامج متخصصة كمتصفح تور (Tor)، الذي يخفي هوية المستخدم وموقع IP الخاص به عن طريق إرسال الرسائل عبر شبكة من الخوادم التطوعية المنتشرة حول العالم. (مصبح، 2017، ص15)
تُعد الدارك ويب مكانًا مثاليًا لتجارة المخدرات لعدد من الأسباب الرئيسية.
- أولًا: توفر الخصوصية وعدم الإفصاح عن الهوية معدل مرتفع من الحماية للبائعين والمشترين، مما يقلل بشكل كبير من فرص الكشف والاعتقال،
- ثانيًا: تعتبر الأسواق السوداء الرقمية (Darknet Markets) منصات تجارية كبيرة تشبه المتاجر الإلكترونية العادية، لكنها تُستخدم لبيع السلع المحظورة، خاصة المخدرات. تدير هذه الأسواق كيانات غير معروفة، وتستخدم نظامًا معقدًا من التشفير والعملات الرقمية لضمان سرية المعاملات.
- ثالثًا: تعتمد جميع الصفقات في أسواق الدارك ويب على العملات المشفرة(Cryptocurrencies)، وخصوصًا البيتكوين (Bitcoin) أو المونيرو (Monero)، مما يعزز إخفاء الهوية ويجعل تتبع حركة الأموال شبه مستحيل للسلطات،
- رابعًا: هناك تنوع كبير في المنتجات والخدمات؛ فلا يقتصر البيع على المواد المخدرة التقليدية فقط، بل يتضمن أيضًا الأصول المتعلقة بالمخدرات الرقمية، مثل مجموعات ملفات “الضربات ثنائية الأذن” والبرمجيات المستخدمة في إنشاء هذه الترددات.
- خامسًا: تفتقر الشبكة المظلمة إلى الرقابة والتشريعات الحكومية التقليدية، مما يتيح تدفقًا حراً وغير مقيد للمواد المحظورة دون الخوف من النتائج القانونية المباشرة على المنصة ذاته. (مصبح، 2017، ص16)
2.3 العلاقة بين الجرائم السيبرانية وتجارة المخدرات والاعتماد
يتناول هذا المطلب العلاقة المتشابكة بين الجرائم الإلكترونية وتجارة المخدرات، مع التركيز على ظاهرة المخدرات الرقمية وآثارها المتنامية. سيتم دراسة كيفية تحول المنصات الرقمية إلى مجال مثمر في تجارة وترويج وتوزيع المخدرات، والعوامل التي ساعدت في ذلك، وذلك في الفرع الأول كما سيتم دراسة العواقب النفسية والسلوكية للإدمان الرقمي، مما يبرز تحديًا جديدًا للهيئات والمجتمعات على حد سواء وذلك في الفرع الثاني.
2.3.1 جريمة تجارة المخدرات الرقمية
تعتبر تجارة المخدرات الإلكترونية عنصرًا حديثًا ومعقدًا في الجريمة المنظمة، تستفيد من الفضاء الرقمي لتحقيق أغراضها غير المشروعة. يتيح هذا النوع من الجرائم للأفراد المشاركين القدرة على العمل بسرية وتجاوز الحدود الجغرافية.
أولاً: الأسس الأساسية لتنفيذ جرائم المخدرات عبر الشبكة العنكبوتية
تعتمد جرائم تجارة المخدرات عبر الإنترنت على مجموعة من الأسس الأساسية التي تمكّن المجرمين من العمل بكفاءة مع الحفاظ على درجة عالية من السرية والتملص من العقاب.
- التشفير (Encryption) عنصر حيوي في تأمين الاتصالات والمعلومات في هذه الأنشطة غير القانونية. يعتمد المجرمون على برامج تشفير متقدمة، مثل التشفير بين الطرفين في تطبيقات المراسلة، أو تشفير الملفات التي تحتوي على بيانات حساسة، هذا يضمن عدم تمكن أجهزة إنفاذ القانون من التصيد أو قراءة الرسائل المتبادلة. حتى إذا استطاعت السلطات الوصول إلى الأجهزة، تبقى البيانات المشفرة معقدة التفكيك، مما يحافظ على سرية هوية المشاركين وتفاصيل المعاملات. لا يقتصر هذا التشفير على الاتصالات فحسب، بل يتضمن أيضًا قواعد البيانات الخاصة بأسواق الدارك نت ومحافظ العملات الرقمية، مما يعزز من قدرتها على مقاومة الكشف.
- تُعد عدم الكشف عن الهوية (Anonymity) عنصرًا أساسيًا في هيكل تجارة المخدرات الإلكترونية. تسمح هذه القدرة للجناة بالتصرف والتواصل في البيئة الرقمية دون كشف معلوماتهم الشخصية أو مواقعهم الجغرافية الحقيقية. يتم تحقيق ذلك بعدة أساليب، منها: استخدام الشبكات الافتراضية الخاصة (VPNs) لإخفاء عنوان بروتوكول الإنترنت (IP) وتأمين الاتصالات، مما يزيد من صعوبة تتبعه. يعتبر متصفح تور (Tor Browser) الأداة الأكثر شيوعًا لضمان الخصوصية، خاصة للوصول إلى الشبكة المظلمة (Dark Web)، حيث يقوم بتوجيه اتصال المستخدم من خلال شبكة معقدة من الخوادم الطوعية الموزعة عالميًا. (مصبح، 2017، ص18)
مما يخفي المسار الأصلي ويجعل تتبّع المستخدم شبه مستحيل. كما تُستخدم العملات المشفرة (Cryptocurrencies)، خاصة تلك التي تركز على حماية الخصوصية مثل مونيرو (Monero) وزكاش (Zcash)، لإخفاء هويات الأطراف في العمليات المالية، فحتى البيتكوين، رغم أن سجلات معاملاتها متاحة للجمهور، تظل هويات مالكي المحفظة غير معروفة. أخيرًا، يعتمد المجرمون على إنشاء الحسابات والبروفايلات الوهمية على الشبكات الاجتماعية والمواقع الإلكترونية تستخدم المنتديات بيانات شخصية وهمية أو مسروقة لتجنب الربط بين الأنشطة وهوياتهم الحقيقية، تسهم هذه العوامل مجتمعة في خلق بيئة آمنة وفعالة للمجرمين لارتكاب جرائم المخدرات على الإنترنت، مما يشكل تحديًا كبيرًا للجهات الأمنية في عدة دول حول العالم. (أبو زيد، 2015، ص23)
ثانياً: الأطراف المشاركة في تجارة المخدرات الرقمية وأنماطها الإجرامية
تجارة المخدرات الرقمية هي شبكة معقدة تشمل عدة جهات رئيسية: التجار الذين يقومون ببيع المخدرات (سواء كانت تقليدية أو رقمية) عبر الإنترنت غالبًا ما يفعلون ذلك من خلال أسواق الدارك نت أو تطبيقات المراسلة المشفرة المروجون الذين يعززون الوعي بشأن المخدرات الرقمية ويستقطبون الزبائن من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والمنتديات بواسطة إعلانات خفية ومحتوى جذاب ؛ الموردون الذين يقومون بإنتاج أو تجهيز المواد، وفي حالة المخدرات الرقمية، يمكن أن يكونوا مطوري ترددات صوتية أو برمجيات وأخيرًا المشترون المتعاطون الذين يستخدمون هذه الأدوية لأسباب متنوعة، شهدت هذه التجارة ظهور أنماط إجرامية مميزة، منها: إنشاء وتشغيل أسواق الدارك نت المخفية مثل “Silk Road” و”AlphaBay”، التي تتيح تبادل المخدرات الرقمية والعادية من خلال ملفات صوتية وبرمجيات، استخدام تطبيقات الدردشة المشفرة كتيليجرام وواتساب للإعلان والتوزيع، مع الاعتماد على الروبوتات لتبسيط الإجراءات، ترويج “الجرعات الرقمية” على منصات المحتوى العام كيوتيوب وتيك توك، اللذان يعرضان مقاطع توحي بتأثيرات مخدرة، مما يشكل خداعًا وقد يؤدي بالشباب إلى تجارب ضارة ؛ عمليات الخداع والاحتيال التي تقوم بإنشاء متاجر زائفة لنهب الأموال المشفرة؛ وتطوير برمجيات وتطبيقات لإنشاء “الجرعات الرقمية””، مما يعتبر تحريضًا على سلوك يضر بالصحة العامة . هذه الأنماط تُظهر التحديات المتزايدة وتستدعي الحاجة إلى تطوير استراتيجيات متطورة للتصدي لهذه الظاهرة التي تتجاوز الحدود.(الحراحشة، والحزاري، 2012، ص39)
2.3.2 الجرائم الإلكترونية الناشئة عن الإقبال المفرط على المخدرات الرقمية
يُعد الإدمان على المخدرات الرقمية (Digital Drug Addiction) مفهوم جديد ومثير للنقاش، يختلف عن الاعتماد التقليدي على المواد الكيميائية التي تؤدي إلى تغييرات فسيولوجية مباشرة في الدماغ. فالمخدرات الرقمية، مثل الترددات الصوتية (“الضربات ثنائية الأذن”) أو البرامج والتأثيرات البصرية، لا تُدخل أي مواد كيميائية إلى الجسم، بدلاً من ذلك، يُعرف الإدمان على المخدرات الرقمية بأنها الاعتماد النفسي والسلوكي القهري على الاستمتاع بالتأثيرات التي تخلقها هذه المواد الرقمية. يتجلى ذلك في “سلوك متكرر يتصف بالاستخدام المفرط والإجباري للترددات الصوتية، أو البرامج، أو الألعاب، أو المحتوى المرئي المسموع الذي يُفترض أنه يُحاكي تأثيرات المخدرات، مما يؤدي إلى معاناة كبيرة أو تدهور وظيفي في جوانب مختلفة من حياة الشخص، مع شعور قوي بالحاجة إلى تكرار التجربة رغم العواقب السلبية”، الفكرة الأساسية هي أن الدماغ يتعرض لـ “تحفيز حسي مكثف ومتكرر” يُزعم أنه يُقلد حالات معينة من الوعي (مثل النشوة، الاسترخاء). ومع تكرار التعرض، قد يصبح الشخص معتمدًا نفسيًا على هذه التجربة كوسيلة للهروب من الواقع أو للتعامل مع الضغط. هذا الاعتماد لا يتشابه مع الأعراض الجسدية للانسحاب من المخدرات التقليدية، لكنه قد يتجلى في شكل الضيق النفسي، القلق، وتقلبات المزاج عند عدم القدرة على الوصول إلى هذه “الجرعات الرقمية”.(مصبح، 2017، ص90)
وتعمل المخدرات الرقمية على إحداث آثار نفسية وصحية متنوعة تؤثر بشكل سلبي على الفرد والمجتمع. على الصعيد النفسي، قد يلجأ البعض إليها كوسيلة للحد من القلق والاكتئاب، لكن الاعتماد عليها يمكن أن يزيد من هذه المشاعر، ويسبب توتراً وقلقاً عند التوقف عن استخدامها. الاستخدام الزائد، خصوصاً قبل النوم، يعطل أنماط النوم الطبيعية، مما يؤدي إلى الأرق أو الكوابيس . كما أن الاعتماد على المؤثرات الرقمية يضعف قدرة الدماغ الفطرية على تنظيم الانتباه، مما يؤثر سلباً على
الأداء الدراسي أو المهني، والانغماس الدائم في تجارب تُشبه تغييرات الوعي قد يُعكر صفو قدرة الفرد على التفريق بين الواقع والخيال، ويُسبب شعوراً بالانفصال، الأشخاص الذين لديهم تاريخ مع الاضطرابات النفسية (مثل الفصام) يواجهون خطراً متزايداً من تفاقم أعراضهم أو تحفيز نوبات ذهانية، ويعتبر الاعتماد الزائد على الإيحاء، الذي يمثل جزءًا كبيرًا من تأثير المخدرات الرقمية، تهديدًا نفسيًا قد يضطر الفرد للعيش في عالم وهمي ، أما على الصعيد الصحي، فتتسبب المخدرات الرقمية في مجموعة من الأعراض الجسدية المباشرة. الاستخدام المستمر لسماعات الأذن والتعرض للترددات الصوتية قد يؤدي إلى صداع ودوار وغثيان، كما يمكن أن يسبب تلف السمع على المدى البعيد، وإذا كانت المخدرات الرقمية تعتمد على التأثيرات البصرية، فإن الإفراط في استخدامها قد يؤدي إلى إرهاق العين وجفافها وصداع، في حالات نادرة، يمكن أن تثير الترددات الصوتية أو المؤثرات البصرية نوبات الصرع لدى الأشخاص المعرضين علاوة على ذلك، يساهم الانغماس في استخدام المخدرات الرقمية في تقليل النشاط البدني، مما قد يعزز من احتمال زيادة الوزن ومشكلات صحية أخرى مرتبطة بالخمول وقلة الحركة. (الازدي، 2017، ص90)
- استراتيجيات التصدي للجرائم المرتبطة بالمخدرات عبر الإنترنت
في ظل التحديات المتصاعدة الناجمة عن الجرائم الإلكترونية المتعلقة بالمخدرات، سواء في صورها التقليدية أو الرقمية، تبرز الحاجة الملحة إلى وضع استراتيجيات متكاملة وفعالة لمواجهتها. يهدف هذا المبحث إلى استعراض أهم الأساليب والجهود المبذولة على مستويات متعددة، ابتداءً من التعاون الدولي مروراً بالتنسيق بين الجهات الأمنية والقضائية، وصولاً إلى رفع مستوى الوعي المجتمعي، وذلك من أجل الحد من انتشار هذه الظاهرة وحماية الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع.وسوف نتناول ذلك في ثلاثة مطالب الأول نخصصه للحديث عن المكافحة على الصعيد اليمني والثاني نخصصه للمكافحة على الصعيد الأردني والثالث نخصصه لمكافحة الظاهرة على الصعيد الدولي ودور الهيئات الدولية في مكافحة هذه الظاهرة وذلك على النحو التالي:
3.1 مكافحة الجرائم المرتبطة بالمخدرات السيبرانية على الصعيد الوطني (اليمن)
تشكل جرائم المخدرات على الإنترنت تحديًا متناميًا على الصعيد الوطني في العديد من الدول، وتعتبر الحالة اليمنية مثالًا يبرز تعقيدات هذه القضية في ظروف استثنائية. تُعتبر مكافحة هذه الجرائم أمرًا جوهريًا يستدعي تقييمًا دقيقًا للإطار القانوني السائد، واكتشاف الثغرات القانونية، ودراسة الإمكانيات المتاحة لدى الأجهزة الأمنية والقضائية، مع التأكيد على الأهمية الأساسية لتعزيز القدرات البشرية والتقنية. (أبو دوح، 2016)
ويعتمد النظام القانوني في اليمن لمكافحة جرائم المخدرات بصورة رئيسية على القانون رقم (3) لسنة 1993، الذي يركز على المخدرات والعقاقير التقليدية الملموسة، هذا التشريع يُظهر درجة عالية من الملاءمة في تجريم الأفعال المتعلقة بالمواد الكيميائية المعينة، مثل التملك والإنتاج والتهريب، وتوضح العقوبات والإجراءات بشكل دقيق.
إلا أن الثغرة الرئيسية في هذا القانون تكمن في إغفاله التام لظاهرة المخدرات الرقمية. نظرًا لتاريخ صدوره، لم يتوقع ظهور هذه الظاهرة، وبالتالي، لا يحتوي على أي نص قانوني يجرم الترددات الصوتية أو البرامج التي تقلد تأثيرات المخدرات، بالإضافة إلى ذلك، هناك نقص في معالجة الجرائم الإلكترونية بشكل عام، حيث لا يتناول القانون الأساليب الحديثة في
الترويج والتوزيع عبر الإنترنت، مثل استعمال الدارك ويب أو وسائل التواصل الاجتماعي أو العملات الرقمية. هذه الأساليب تستلزم تعريفات قانونية دقيقة وإجراءات تحقيق متخصصة لا يقدمها التشريع الحالي. وعلى الرغم من وجود محاولات محدودة لتعديل نصوص القانون لمواجهة بعض جوانب هذه الجرائم، إلا أن هذه التعديلات غالبًا ما تكون محدودة وتواجه صعوبات كبيرة بسبب غياب التعريفات القانونية الواضحة لمصطلحات مثل “المخدرات الرقمية” أو “الجريمة الإلكترونية المرتبطة بالمخدرات”، مما يشكل تحديًا كبيرًا في إثبات عناصر الجريمة أمام المحاكم. (أبو دوح، 2016)”
يُظهر نقص الإطار القانوني الراهن وجود ثغرات تشريعية بارزة تعرقل مساعي مكافحة جرائم المخدرات الإلكترونية، وتُستغل من قِبل العصابات الإجرامية. تتمثل الفجوات التشريعية الأساسية في غياب تعريف قانوني دقيق للمخدرات الرقمية، مما يعيق الملاحقة القضائية. (عبد محمد، 2008، ص138) علاوة على ذلك، تعاني اليمن من نقص في التشريع الشامل للجرائم السيبرانية، فبالرغم من وجود نصوص متفرقة، تفتقر البلاد إلى تشريعات شاملة ومتخصصة تتعلق بالجرائم الإلكترونية التي تشمل الوصول غير المصرح به، والاحتيال عبر الإنترنت، واستغلال الشبكات المظلمة، كما تُعتبر تحديات العملات المشفرة فجوة أخرى، حيث تفتقر الأطر القانونية الواضحة إلى تناول استخدام العملات الرقمية في الجرائم أو ذكر طرق مراقبتها ومصادرها.
تتطلب الحاجة إلى نصوص قانونية محددة للتسويق الرقمي تفسيرًا واضحًا في القوانين حول طرق الترويج للمخدرات عبر الإنترنت، مع تعديل العقوبات لتتناسب مع هذه الأساليب الحديثة وفي النهاية، تحتاج الإجراءات الجنائية الرقمية إلى إجراءات للتحقيق وجمع الأدلة الرقمية المحددة. بناءً عليه، تصبح الحاجة إلى وجود تشريعات مخصصة لسد هذه الثغرات أمرًا لا مفر منه. يجب إقرار قانون لمكافحة الجرائم السيبرانية يتضمن تعريفات واضحة وأساليب للتحقيق الرقمي وسلطة قضائية، وتحديث قانون مكافحة المخدرات الساري أو إقرار قانون حديث يحدد ويعاقب على المخدرات الرقمية، كما يجب إنشاء هيكل قانوني لدعم التعاون الدولي في هذا الإطار. (عبد جري، 2021)
تتعرض المساعي لمكافحة جرائم المخدرات الرقمية في اليمن لصعوبات كبيرة. ومن بين هذه الصعوبات، قصور في المعدات التقنية والأسس التحتية المطلوبة، حيث تفتقر الجهات الرسمية إلى الأجهزة التكنولوجية المتطورة والمختبرات الجنائية الرقمية المتقدمة وأدوات تحليل البيانات الضخمة وبرامج مراقبة العملات الرقمية. يتعزز هذا الواقع بسبب ضعف الكوادر المتخصصة في التحقيقات الجنائية الرقمية وأمن المعلومات، (حجار، 1997) مما يستدعي تدريبًا شاملاً للشرطة والنيابة العامة والقضاة، كما أن هناك ضعف في التنسيق الفعال بين الهيئات الأمنية المتنوعة والنظام القانوني، مما يضعف من كفاءة المساعي. كمالا يمكن تجاهل تأثير الوضع الأمني والسياسي غير المستقر في اليمن على قدرة الحكومة على تخصيص الموارد. علاوة على ذلك، تشكل تحديات الحصول على المعلومات والتعاون الدولي عائق كبير، إذ أن صعوبة الحصول على بيانات الخوادم الدولية وقلة التعاون مع الشركات التكنولوجية الدولية والدول الأخرى تعوق التحقيقات العابرة للحدود. وأخيرًا، يساهم غياب الوعي المجتمعي حول مخاطر المخدرات الرقمية في عرقلة جهود التوعية. (مرسي، 2015)
رغم الصعوبات الكبيرة، تمتلك اليمن بعض الإمكانيات التي يمكن استغلالها لتعزيز مساعيها في محاربة المخدرات الرقمية. من ضمن هذه الإمكانيات، وجود أجهزة متخصصة لمكافحة المخدرات، التي تمتلك مهارة في التعامل مع المواد المخدرة التقليدية ويمكن تحسين كفاءة موظفيها في المجالات الإلكترونية. تُعتبر الإرادة الوطنية لمكافحة الجريمة نقطة قوة إضافية، حيث توجد إرادة سياسية لمكافحة كافة أشكال الجرائم، وأخيرًا، تُشكل شريحة الشباب المتعلم في اليمن المتخصص في التكنولوجيا قوة مهمة يمكن الاستفادة منها في تعزيز وتطوير القدرات التقنية للأمة.
كما يُعتبر تطوير القدرات البشرية والتقنية ركيزة أساسية لأي استراتيجية ناجحة لمكافحة الجرائم الرقمية، لاسيما في دولة كاليمن التي تواجه تحديات كبيرة. يتطلب بناء القدرات البشرية أولا تدريب وتأهيل المحققين الجنائيين الرقميين من ضباط الشرطة والنيابة العامة والقضاة فيما يتعلق بجمع الأدلة الرقمية وفحصها والتعامل مع التشفير والدرك ويب والعملات الرقمية. كما ينبغي أن يتم التركيز على تطوير الكفاءات في الأمن السيبراني من خلال تأهيل متخصصين قادرين على تحليل التهديدات واكتشاف الثغرات وتطوير وسائل وقائية. بالإضافة إلى ذلك أهمية تنمية الكفاءات القانونية المتخصصة التي تفهم تعقيدات الجرائم الإلكترونية والمخدرات الرقمية. ولا يغيب عن ذلك التعاون مع الخبرات الدولية للاستفادة من الدورات التدريبية والمساعدة التقنية. (مصطفى، 2015)
أما فيما يخص بناء القدرات التقنية، فيجب تأمين البنية الأساسية والمختبرات الرقمية للجرائم بتزويد مختبرات متكاملة بأحدث الأجهزة والبرمجيات لتحليل الأدلة الرقمية، يُعتبر تقديم أدوات متطورة لرصد البيانات ودراستها أمرًا حيويًا، من خلال الاستثمار في حلول تحليل البيانات الضخمة، وأدوات الذكاء الاصطناعي، وأدوات رصد وتحليل العملات الرقمية. كذلك، يلزم تأمين البنية التحتية للاتصالات وتعزيز حماية شبكات الإنترنت لمنع استخدامها في أنشطة غير قانونية. وأخيرًا، يتطلب الأمر تطوير أنظمة لمراقبة الشبكة العنكبوتية (Web Monitoring)، التي تستطيع مراقبة المحتوى على الإنترنت العادي والعميق والخفي للكشف عن الأنشطة المرتبطة بالمخدرات. (مصطفى، 2015)
3.2 مكافحة الجرائم المرتبطة بالمخدرات السيبرانية على الصعيد الوطني (الأردن)
المتتبع لنصوص قانون الجرائم الإلكترونية يجد أن المشرع وإن لم يتطرق لتعريف الجريمة الإلكترونية إلا أنه أخذ بالاتجاه الفقهي، الذي يعرف الجريمة الإلكترونية بأنها الجريمة الإلكترونية بطبيعتها التي لا ترتكب إلا بالفضاء الإلكتروني والجرائم التقليدية التي ترتكب بوسيلة إلكترونية، حيث جرم في النصوص من (3-8) أفعال الدخول غير المشروع إلى شبكة المعلومات أو أنظمة المعلومات، وأفعال الالتقاط، الاعتراض، الإعاقة، التنصت، والشطب لكل ما هو مرسل عن طريق الشبكة المعلوماتية أو نظام المعلومات، وأفعال الحصول دون تصريح على بيانات بطاقات الائتمان أو المعلومات التي تستخدم في تنفيذ المعاملات المالية أو المصرفية الإلكترونية، في حين خصص المواد من (9-11) للجرائم التقليدية التي ترتكب بطريقة تقنية كجرائم الاستغلال الجنسي وجرائم الذم والقدح والتحقير، كما أفرد نصاً بمثابة النص الاحتياطي يعاقب كل من ارتكب جريمة لم ترد في القانون ونصت عليها القوانين العقابية في حال ارتكبت بوسيلة إلكترونية بذات العقوبة المنصوص عليها في ذلك القانون، وسنقسم هذا المطلب إلى ثلاثة فروع، الفرع الأول سنتكلم فيه عن تجريم المخدرات والمؤثرات العقلية في القانون الأردني، وفي الفرع الثاني سنخصصه للحديث عن موقف قانون العقوبات الأردني من المخدرات الرقمية، وفي الفرع الثالث سنبحث عن موقف قانون الجرائم الإلكترونية الأردني من المخدرات الرقمية وذلك على النحو التالي:
3.2.1 تجريم المخدرات والمؤثرات العقلية في القانون الأردني
قام المشرع الأردني بتخصص قانون محدد لتجريم كل من المخدرات والمؤثرات العقلية والعقوبات التي تترتب على اقتراف الأفعال التي تجسد أشكال السلوكيات الجرمية وذلك في قانون المخدرات والمؤثرات الذهنية والذي تم إجراء العديد من التعديلات عليه حتى خلص إلى إصدار قانون المخدرات والمؤثرات العقلية الذي يحمل الرقم 23 لعام 2016 حيث يعتبر هذا القانون من التشريعات المكملة لقانون العقوبات حيث أن المادة 34من القانون نصت على أنه تطبق أحكام قانون العقوبات في غير الحالات المنصوص عليها في هذا القانون وعلى اعتبار أن التسمية المتداولة لظاهرة النقر المتفاوت التردد في الأذنين تتجسد ب(المخدرات الرقمية) وما لهذه التسمية بعمومها من إيحاء بالمفهوم الخاص للمادة المخدرة بحسب قانون المخدرات والمؤثرات العقلية في ظل الأبحاث التي ذكرت أن لها تأثير يشبه المخدرات العادية أو التقليدية فإن دراسة الموقف الذي اتخذه المشرع الجزائي في الأردن في قانون المخدرات والمؤثرات العقلية من المخدرات الرقمية يحتاج منا أن نُظهر مآل تجريم المخدرات والمؤثرات العقلية وبالتالي إيضاح درجة فهم ذلك القانون للمخدرات الرقمية .
ومن الملاحظ على مخطط المشرع الأردني في تعيين مفهوم المادة المخدرة أو المؤثر العقلي أنه ارتكز في التعريف على المصدر الذي جاءت منه المادة المخدرة أو المؤثر العقلي وقام بتقسيمها إلى مواد لها منشأ طبيعي وإلى مواد تنتج عن تفاعلات كيميائية على الرغم من الاتساع في مقدمة التعريف في تعيين ماذا يُقصد بالمادة المخدرة.
واتجه المشرع الأردني بالتماشي مع الموقف الذي اتخذه القانون العربي الموحد الاسترشادي للمخدرات والمؤثرات العقلية إلى الإحاطة بما يعتبر مادة مخدرة أو مؤثر عقلي لأغراض التجريم والمعاقبة بجداول تكون ملحقة بالقانون وذلك على عكس الموقف الذي اتخذته بعض التشريعات الأخرى التي ذهبت إلى تجريم المخدرات والمؤثرات العقلية وجعلت القضاء هو من يتولى السلطة التقديرية لتعيين فيما إذا كان المؤثر العقلي أو المادة المخدرة يعاقب القانون على تعاطيها أو تداولها ومن عيوب طريقة الجداول خروجها من نطاق التجريم أي وجود مادة مخدرة لم يتم إدراجها في الجدول أما من عيوب الطريقة الثانية هي أنها تركت تعيين المادة المخدرة للسلطة القضائية وهذا يؤدي إلى إطالة فترة تعيين فيما إذا كانت المادة مخدرة أو غير مخدرة ويفضي إلى انتشارها حتى الانتهاء من التعديل التشريعي من أجل إدراج أي مادة جديدة (إثبات صفتها المخدرة بحكم قضائي )إلى جانب أن الطريقة تسبب إرباك للجهاز القضائي باعتبار أن تعيين المادة المخدرة هو أمر فني مطلق.
يتضح لنا أن المشرع الأردني في قانون المخدرات والمؤثرات العقلية قام بتعيين المراد بالمادة المخدرة أو المؤثر العقلي بجعلها محصورة بالمواد التي لها وجود مادي ملموس سواء كانت طبيعية أو مركبة والموضحة في الجداول التي تُلحق بالقانون وقد جاءت هذه المواد من باب الحصر وبشكل لا تكون الجريمة قائمة في حال أن تعاطي الفرد أي مادة لها نفس تأثير المادة المخدرة ولم يتم إدراجها على الجداول التي أُلحقت بالقانون ومعنى هذا الأمر أن المشرع الأردني جعل المسؤولية في جرائم التعاطي قائمة على تواجد الركن المفترض بالقانون وهو تواجد المادة المخدرة بشكل ملموس والتي تكون تركيبتها العلمية موجودة في أحد الجداول المرفقة بالقانون. (آل خطاب، والحميدات، والطورة، 2017، ص175)
وهذا الأمر معناه أن قانون المخدرات والمؤثرات العقلية لا يتضمن المخدرات الرقمية وهذه النتيجة لا يغير منها الصلاحية التي أعطاها المشرع لمجلس الوزراء بالتعديل على الجداول المرفقة بالقانون من خلال الإضافة وذلك لكون المخدرات الرقمية لها وجود غير ملموس ووصف المادة التركيبة أو الطبيعية لا ينطبق عليها وفي حال توافقت الأبحاث الطبية والعلمية على أن المخدرات الرقمية تؤثر بشكل يشبه تأثير المخدرات العادية فلا مجال هنا لتجريمها وللمعاقبة على الأفعال المتعلقة بها بحسب قانون المخدرات والمؤثرات العقلية في الأردن على اعتبار أن نصوص التجريم غير مستوعبة لهذه الحالة المستحدثة الناتجة عن ثورة المعلومات والاتصالات والتكنولوجيا فلا يرتبط الأمر بوسيلة تعاطي المواد المخدرة الغير معتبرة حسب وجهة رأي المشرع بل في حقيقة المخدرات الرقمية نفسها والتي يكون تعريف المادة المخدرة غير منطبق عليها.
3.2.2 موقف قانون العقوبات الأردني من المخدرات الرقمية
يعتبر قانون العقوبات في الأردن والذي يحمل الرقم 16 لعام 1960 وتعديلاته التشريع الأساسي للتجريم والمعاقبة ولهذا يسمى قانون العقوبات الأم حيث أن من يتمعن بأحكام القانون يجد بأنه لم يتطرق للمخدرات الرقمية وبالتالي فلا يوجد مجال لتنفيذ قانون العقوبات على المخدرات الرقمية في حال تجريمها كجرم مستقل وذلك لعدة أسباب منها:
أولاً: لتكريس قاعدة الشرعية المنصوص عليها في المادة 3 من قانون العقوبات فلا يوجد جريمة سوى بنص ولا يتم القضاء بعقاب أو إجراء احترازي لم ينص القانون عليه عند ارتكاب الفعل الإجرامي.
ثانياً: إن مواد قانون العقوبات من المادة 390وحتى المادة 392 ليس بإمكانها استيعاب أفعال تعاطي المخدرات الرقمية وذلك لسببين إثنين:
- السبب الأول: أن هذه النصوص لم ترد لتجريم المخدرات بصورة عامة والأفعال المتعلقة بها بل كانت مقتصرة على تجريم بعض الأفعال التي تشكل تهديداً للمجتمع.
- السبب الثاني: أنه في قانون العقوبات لم يذكر المشرع الأردني تعاطي المخدرات وكان النص التشريعي مقتصراً على تجريم التواجد بوضع السكر في أحد الأماكن العامة وارتكاب أعمال شغب وإزعاج للناس وذلك في المادة (390) “من قانون العقوبات الأردني” رقم 16- 1960.
وأيضاً إعطاء المسكرات لفرد لم يكمل الثامنة عشر من عمره في المواد (391-392) من قانون العقوبات الأردني وذلك يرجع إلى أن تناول المسكرات بحد ذاته لا يعتبر جريمة في القانون الأردني في الوقت الذي يعتبر تعاطي المخدرات جريمة يعاقب عليها القانون دون الالتفاف إلى مكان اقترافها.
3.2.3 موقف قانون الجرائم الالكترونية الأردني من المخدرات الرقمية
فيما يرتبط بالمخدرات الرقمية نرى أن المشرع الأردني في قانون الجرائم الإلكترونية لم يتناول المخدرات الرقمية والأفعال المتعلقة بها ومن هنا فإن السؤال الذي يتم طرحه هل من الممكن أن نعتبر أن نص المادة 15 من قانون الجرائم الإلكترونية هو الركيزة القانونية للمعاقبة على الأفعال المتعلقة بالمخدرات الرقمية؟ وبمعنى آخر هل يمكن أن ينطبق على الأفعال المتعلقة بالمخدرات الرقمية أياً من النماذج التجريمية التي نصت قوانين العقوبات عليها؟ إن الإجابة عن هذا الاستفسار ومن منطلق التقنية التي تُبنى عليها المخدرات الرقمية يتطلب منا في البداية التمييز بين أشكال السلوك المتعلقة بها وهي تأسيس موقع إلكتروني يحتوي على ملفات صوتية ذات نغمات ثنائية (المخدرات الرقمية) بهدف المتاجرة بها والترويج والدعاية لهذه الملفات وفي النهاية تعاطي المخدرات الرقمية وتلقيها.
وفيما يرتبط بدرجة استيعاب نص المادة 15 لمن يقوم بإنشاء المواقع الإلكترونية التي تشتمل على ملفات صوتية ثنائية النغمات والمتاجرة بها فمن دون أدنى شك وفي ضوء النتيجة التي بلغناها في السابق بأن مفهوم المادة المخدرة وفق قانون المخدرات والمؤثرات العقلية لا يضم المخدرات الرقمية وبالتالي فإن تأسيس مواقع إلكترونية تقوم ببيع الملفات الصوتية والمتاجرة بها لكونها تؤثر بشكل يشبه تأثير المخدرات العادية أو التقليدية ليس من الممكن أن ينطبق عليها النموذج التجريمي لجرم صناعة المادة المخدرة بغية المتاجرة بها والنتيجة نفسها منطبقة على من يقوم بالترويج لتلك المواقع غير أنه وفي ضوء المخاطر التي تسببها هذه المواقع على الأشخاص وتحديداً المراهقين والشباب ومن أجل عدم بقائها خارج نطاق التجريم والمعاقبة فإن هذا الأمر دفع بعض الفقهاء إلى السعي لجعل هذه الأفعال خاضعة للنموذج التجريمي لجرم الاحتيال الذي يتم ارتكابه من خلال تقنية المعلومات. (مصبح، 2017، ص226 وما بعدها)
وفيما يرتبط بتعاطي المخدرات الرقمية وبالرجوع إلى قانون المخدرات والمؤثرات العقلية في الأردن لكونه الإطار التشريعي الذي ينظم جرائم المخدرات والمؤثرات العقلية ومن ضمنها جريمة التعاطي فإن قانون المخدرات والمؤثرات العقلية قد تطرق إلى صورتين من صور الجرائم فيما يرتبط بالتعاطي.
وهما صورة جرم التعاطي المجردة للمواد المخدرة والمؤثرات العقلية أما الصورة الثانية فهي الجرائم المتعلقة بجرم التعاطي، وفيما يرتبط بجرم التعاطي لكونها الصورة الرئيسية للتجريم نرى أن المشرع قد أنشأ فرضاً قانونياً ليس من الممكن تأكيد خلافه وحتى يقوم جرم التعاطي ينبغي على الجاني أن يتناول أي مادة من المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية الني تم إدراجها في الجداول المرفقة بالقانون([1]) وذلك دون الالتفاف إلى النتيجة وهذا لكون جرم تعاطي المخدرات يعتبر من الجرائم السلوكية التي لا ترتبط بالنتيجة (جرائم الخطر ) ومنه فإن نص المادة 15 من قانون الجرائم الإلكترونية ليس من الممكن أن يعتبر هو الأساس من أجل معاقبة المتعاطي الإلكتروني وذلك لتباين المادة الافتراضية بين المادة المخدرة أو المؤثر العقلي وفق قانون المخدرات والمؤثرات العقلية والتي هي في واقعها مواد ملموسة سواء كانت طبيعية أو تركيبية وبين النغمات الموسيقية أو النونات في التعاطي الإلكتروني والتي تعتبر مادة ليست ملموسة وليست موجودة سوى في الفضاء الإلكتروني إلى جانب أن
المشرع الأردني لم يقم بإدراج تلك الذبذبات في الجداول المرفقة بالقانون وبالتالي لم يعتبرها أحد المواد المخدرة(آل خطاب، والحميدات، والطورة، 2017، ص177-178)
جدول مقارنة بين القانون اليمني والقانون الأردني في مكافحة جرائم المخدرات السيبرانية
العنصر | اليمن | الأردن |
الإطار القانوني الأساسي | القانون رقم (3) لسنة 1993 بشأن مكافحة المخدرات، مع غياب قانون شامل للجرائم السيبرانية. | قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 23 لسنة 2016 + قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 + قانون الجرائم الإلكترونية. |
نطاق التجريم | يجرم المخدرات التقليدية (الإنتاج، التهريب، الحيازة)، دون تناول الوسائط الرقمية أو الإنترنت. | يجرم المخدرات التقليدية وفق جداول محددة، ويجرم أفعالاً إلكترونية (الولوج غير المشروع، الاحتيال…) لكن لا يذكر المخدرات الرقمية صراحة. |
الموقف من المخدرات الرقمية | غياب تام لأي نصوص تتناول المخدرات الرقمية أو الذبذبات الصوتية أو الترويج عبر الإنترنت. | لا تُعتبر ضمن “المواد المخدرة” لأنها غير ملموسة، وبالتالي لا تدخل في نطاق التجريم سواء بقانون المخدرات أو العقوبات أو الجرائم الإلكترونية. |
الثغرات القانونية | غياب تعريف للمخدرات الرقمية – عدم وجود تشريع متخصص بالجرائم الإلكترونية – عدم معالجة الترويج عبر الدارك ويب أو العملات الرقمية. | حصر المواد المخدرة في الجداول المرفقة بالقانون – عدم إدراج المواد غير الملموسة – غياب نصوص خاصة بتجريم الترويج أو التعاطي الرقمي. |
التحديات العملية | نقص المعدات التقنية والبنية التحتية – ضعف الكوادر المتخصصة – الوضع الأمني والسياسي غير المستقر – ضعف التعاون الدولي. | صعوبة إثبات التعاطي الرقمي لغياب نصوص قانونية – إشكالية قاعدة الشرعية – غياب إدراج الذبذبات الرقمية في الجداول – الاعتماد على اجتهادات فقهية لتكييفها كاحتيال إلكتروني. |
الإمكانيات المتاحة | إرادة سياسية وطنية – وجود أجهزة متخصصة بالمخدرات التقليدية – شريحة شبابية متعلمة يمكن تأهيلها. | وجود منظومة تشريعية متقدمة نسبيًا في الجرائم الإلكترونية – إمكانية تعديل الجداول بقرار من مجلس الوزراء – خبرات قضائية وأمنية تراكمية. |
التكييف القانوني للمخدرات الرقمية في التشريعات الحالية:
يثير موضوع المخدرات الرقمية إشكالية حقيقية في مجال التكييف القانوني، نظرًا لحداثته وعدم وجود نصوص صريحة تتناوله في القوانين السارية في اليمن والأردن. فالمشرّع في كلا البلدين قد حصر تعريف “المخدرات” في المواد ذات الطبيعة المادية، سواء كانت طبيعية أو كيميائية، مما يخرج المخدرات الرقمية – باعتبارها ذبذبات أو ملفات صوتية – عن نطاق النصوص التقليدية.
في القانون اليمني، يقتصر قانون المخدرات رقم (3) لسنة 1993 على المواد المخدرة الملموسة، وهو ما يجعل المخدرات الرقمية خارج نطاق التجريم المباشر. غير أن إمكانية التكييف قائمة بصورة غير مباشرة، إذ يمكن النظر إلى الترويج لهذه المواد على أنه شكل من أشكال الاحتيال الإلكتروني، خصوصًا إذا ارتبط ببيع ملفات أو خدمات وهمية تحت مسمى “مخدرات رقمية”. كما يمكن التفكير في تكييفها ضمن الجرائم السيبرانية إذا أُقرّ تشريع شامل للجرائم الإلكترونية مستقبلاً، إلا أن الوضع الحالي يعكس فراغًا تشريعيًا واضحًا.
أما في الأردن، فإن قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (23) لسنة 2016 لا يتسع لتعريف الذبذبات أو المؤثرات غير المادية كمخدرات، وهو ما يجعل تجريم التعاطي غير ممكن في ضوء قاعدة الشرعية التي تحظر القياس أو التوسع في التفسير الجنائي. ومع ذلك، فإن الترويج للمخدرات الرقمية عبر المنصات الإلكترونية يمكن أن يدخل تحت مظلة قانون الجرائم الإلكترونية، من خلال تجريم إنشاء المحتوى الضار أو ارتكاب الاحتيال عبر الوسائل التقنية. وبالتالي يظل المروّج عرضة للمساءلة، بينما يبقى المتعاطي بمنأى عن العقاب لغياب النص التشريعي.
ويذهب جانب فقهي إلى محاولة إدخال هذه الظاهرة ضمن الجرائم الواقعة على السلامة العامة بالنظر إلى أخطارها المحتملة على الصحة، غير أن هذا الاتجاه يصطدم بمبدأ الشرعية الذي يعد أساسًا للقانون الجنائي، حيث لا يجوز معاقبة الأفراد إلا استنادًا إلى نص واضح وصريح. ومن ثمّ، فإن الحل التشريعي الأمثل يتمثل في تعديل قوانين المخدرات والمؤثرات العقلية لتشمل المؤثرات الرقمية أو إدراج نصوص خاصة بها ضمن تشريعات الجرائم الإلكترونية، بما يحقق الانسجام مع الواقع الرقمي ويغلق الباب أمام الفراغ القانوني القائم.
3.3 التصدي للجرائم المتعلقة بالمخدرات على الإنترنت على الصعيد الدولي
تُعد الجرائم المتعلقة بالمخدرات عبر الشبكة العنكبوتية تحديًا عالميًا لا تستطيع أي دولة مواجهته بمفردها. إن تعقيدات الفضاء الرقمي وقدرة المجرمين على الإخفاء واستخدام التكنولوجيا المتقدمة تتطلب استجابة دولية منسقة وشاملة، لذلك سنقسم هذا المطلب إلى ثلاثة فروع سنتناول في الفرع الأول أهمية الشراكة الدولية في مواجهة المخدرات الرقمية ، والثاني في دور الاتفاقات الدولية والمؤسسات في مواجهة الظاهرة، والثالث في الوسائل الإجتماعية والتعليمية في مواجهة المخدرات الرقمية على النحو التالي:
3.3.1 أهمية الشراكة الدولية في مواجهة المخدرات الرقمية
يعتبر التعاون الدولي الركيزة الأساسية لمكافحة الجرائم المرتبطة بالمخدرات الإلكترونية بفعالية، وذلك لعدة أسباب رئيسية:
- أولًا: تتميز هذه الجرائم بطبيعتها العابرة للحدود؛ فالمخدرات الرقمية لا تتقيد بأية حدود جغرافية، وقد تشمل أنشطتها دولًا متعددة في مجالات التسويق والدفع والاستضافة والاستلام .
- ثانياً: يقوم المجرمون بإستخدام أساليب متطورة لإخفاء الهوية والتشفير والتي عادةً ما تتجاوز قدرة دولة واحدة على اكتشافها أو مراقبتها، مما يجعل التعاون الدولي يوفر الموارد والمعرفة اللازمة لفك هذه الشبكات المعقدة. (لهداس، 2018، ص220)
- ثالثًا: تواجه الدول تحديات في الاختصاص القضائي عند تنفيذ القانون على الجرائم التي تحدث خارج نطاقه، يمكن للتعاون الدولي من خلال آليات المساعدة القانونية وتسليم المجرمين أن يغلق هذه الفجوة.
- رابعًا: هناك تفاوت في القدرات الوطنية بين الدول فيما يتعلق بمكافحة الجرائم الإلكترونية، ويسهم التعاون الدولي في دعم قدرات الدول الأقل تطورًا عبر تبادل المعلومات والتدريب.
- خامسًا: تُعتبر التجارة الإلكترونية للمخدرات في كثير من الأحيان جزءًا من عمليات إجرامية منظمة تمتد على عدة دول، ويتطلب تحلل هذه الشبكات تنسيقًا وتبادل معلومات بين جهات إنفاذ القانون في دول متعددة. (لهداس، 2018، ص222)
3.3.2 الاتفاقيات والمؤسسات الدولية لمكافحة الجرائم الرقمية والمخدرات
توجد مجموعة من الوثائق القانونية والمنظمات الدولية التي تشكل أساساً للتعاون في التصدي لهذه الجرائم. تُعد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التجارة غير القانونية في المخدرات والمواد النفسية لعام 1988 (اتفاقية فيينا)أساسًا جوهريًا لمكافحة المخدرات على مستوى العالم، ورغم أنها لا تتناول بشكل مباشر المخدرات الرقمية، إلا أنها تقدم إطارًا عامًا للتعاون وتبادل المعلومات والدعم القانوني يمكن تعديله ليشمل الجوانب الرقمية، كما تُوفر اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لعام 2000 (اتفاقية باليرمو) إطارًا متكاملاً لمواجهة الجريمة المنظمة عبر الحدود، وهي تتصل بشكل مباشر بمحاربة الجرائم المرتبطة بالمخدرات الرقمية .
تُعد اتفاقية مجلس أوروبا بشأن الجرائم الإلكترونية (اتفاقية بودابست) لعام 2001الوثيقة الدولية الأكثر تفصيلاً في ميدان مكافحة الجرائم الرقمية. تقدم تعريفات موحدة للجرائم الرقمية وتحدد السلطات المتعلقة بالإجراءات الجنائية، كما توفر آليات فعالة للتعاون الدولي في التحقيقات الرقمية، وتُعتبر بنودها حيوية في مكافحة الجرائم السيبرانية التي تُستخدم لتعزيز تجارة المخدرات، تقوم المنظمات الدولية بدور أساسي في دعم مساعي الدول. يوفر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) الخبرة في صياغة التشريعات النموذجية، وتطوير البرامج التدريبية لرجال القضاء والشرطة، وتوفير الدعم الفني للدول النامية، أما المنظمة الدولية للشرطة الجنائية الإنتربول – INTERPOL، فتعمل على تسهيل تبادل المعلومات الاستخباراتية بين أجهزة الشرطة، وتنسق العمليات الدولية المشتركة، وتوفر الدعم التشغيلي والتحليلي لوكالات إنفاذ القانون. ويعتبر اليوروبول (Europol) نموذج للتعاون الإقليمي الفعّال في مواجهة الجريمة المنظمة والجرائم الإلكترونية، حيث يقدم تحليلات استخباراتية وينظم العمليات المشتركة. (مهيوب، وجغدم، 2018، ص102)
3.3.3 الوسائل الاجتماعية والتعليمية في مواجهة جرائم المخدرات الإلكترونية
تعتبر مواجهة جرائم المخدرات الإلكترونية تحديًا يتجاوز الجوانب القانونية والأمنية ليشمل جوانب اجتماعية وتعليمية عميقة. فتعزيز الوعي وبناء مناعة مجتمعية يُعتبران خط الدفاع الأول والأكثر استدامة ضد هذه الظاهرة، خصوصًا أنها تستهدف بشكل كبير الفئات الشبابية من خلال المنصات الرقمية.
أولاً: دور العائلة والمؤسسات التعليمية في توعية المجتمع بمخاطر المخدرات الرقمية
يعتبر كل من الأسرة والمؤسسات التعليمية عنصرين أساسيين في تعزيز الوعي وحماية الأجيال الشابة من مخاطر المخدرات الرقمية. من جهة الأسرة، ينبغي للآباء والأمهات العمل على تطوير مهاراتهم في مراقبة الأنشطة الرقمية لأبنائهم بوعي، ليس بهدف التجسس، بل لفهم اهتماماتهم الرقمية والكشف عن أي سلوكيات غير عادية. والأهم من ذلك هو فتح قنوات للحوار الصريح والمفتوح مع الأبناء حول مخاطر الإنترنت، وأهمية الخصوصية والأمان الرقمي، وتأثير المخدرات بأنواعها، بما في ذلك المخدرات الرقمية. (عمارة، 2016، ص105) يجب أن يشعر الأبناء بالراحة عند مناقشة أي تجارب أو ضغوط قد يواجهونها على الإنترنت. يُعتبر الآباء قدوة لأبنائهم في كيفية استخدام التكنولوجيا، لذا ينبغي عليهم أن يظهروا سلوكيات مسؤولة في تصفح الإنترنت، وأن يقللوا من الوقت الذي يمضونه أمام الشاشات، وأن يتم تشجيعهم على الانخراط في أنشطة بديلة لا تعتمد على التقنية. كما أن وجود بيئة أسرية مستقرة وداعمة يساعد في تعزيز الصحة النفسية للأبناء، مما يقل من فرص لجوئهم الى المخدرات الرقمية كوسيلة للهروب من المشكلات أو التعامل مع الضغوط. (الحراحشة، والجزاري، 2012، ص119)
أما فيما يتعلق بدور المؤسسات التعليمية (كالمدارس والجامعات)، فمن الضروري تضمين مفاهيم التربية الرقمية والأمن السيبراني ومخاطر المخدرات الرقمية في المناهج الدراسية لكافة المراحل التعليمية. ينبغي أن يركز التعليم على تعزيز التفكير النقدي لدى الطلاب، ليمكنهم من تقييم المحتوى الرقمي، والقدرة على التمييز بين المعلومات المؤكدة والمزيفة، وفهم أساليب تأثير المخدرات الرقمية. (الحراحشة، والجزاري، 2012، ص119) تعتبر ورش العمل والندوات وحلقات النقاش التي تُنظم في المدارس والجامعات، بالتعاون مع مختصين في الأمن السيبراني ومكافحة الإدمان، أساسية لتوعية الطلاب والموظفين بالمخاطر وتزويدهم بالمعلومات الضرورية. علاوة على ذلك، يجب تأهيل المعلمين والمرشدين التربويين لكيفية التعامل مع القضايا التي تتعلق بالمخدرات الرقمية، وكيفية التعرف على علامات الإدمان الرقمي لدى الطلاب، وإرشادهم نحو الدعم المتخصص. وينبغي تحفيز المدارس والجامعات على الأنشطة اللامنهجية التي تُعزز المهارات الاجتماعية، وتنمي المواهب، وتقدم بدائل صحية لتمضية الوقت، مما يقلل من الانجذاب نحو السلوكيات الرقمية الضارة.
ثانياً: الحملات التوعوية المجتمعية من خلال وسائل الإعلام والمنصات الرقمية
تعتبر الحملات الإعلامية المجتمعية الواسعة ضرورة لتعزيز الوعي العام بمخاطر المخدرات الرقمية ومكافحة انتشارها. يجب أن تستثمر هذه الحملات في الوسائل الأكثر فاعلية وانتشارًا بين الجمهور المستهدف. بالنسبة لوسائل الإعلام التقليدية (التلفزيون، الإذاعة، الصحافة)، ينبغي إنتاج برامج وثائقية ونقاشية تبرز قصص حقيقية لضحايا الإدمان الرقمي والمخدرات الإلكترونية، وتقدم تحليلات من مختصين في مجال الأمن السيبراني. كما يجب توجيه رسائل توعوية قصيرة ومؤثرة أثناء أوقات الذروة، مع التركيز على مخاطر “الجرعات الرقمية” والتحذير من الحسابات والروابط المشبوهة، أما بالنسبة للمنصات الرقمية (وسائل التواصل الاجتماعي، المواقع الإلكترونية، المؤثرون)، فمن الضروري إنشاء محتوى توعوي جذاب ومبتكر يتماشى مع طبيعة هذه المنصات، مثل الفيديوهات القصيرة (تيك توك، ريلز)، والتصميمات الجرافيكية، والرسوم المتحركة. ينبغي استخدام لغة تتواصل مع الشباب والمراهقين مباشرة وتلامس اهتماماتهم. كما يُفضل التعاون مع المؤثرين
وصناع المحتوى المعروفين بين الفئات الشبابية لنشر رسائل التوعية بشكل طبيعي ومقبول لديهم، بعيدًا عن الأسلوب التقليدي ويجب إنشاء بوابات إلكترونية ومواقع ويب موثوقة تقدم معلومات شاملة حول المخدرات الرقمية، ومخاطرها، وعلامات الإدمان، وطرق الحصول على المساعدة. من الضروري أيضاً إطلاق حملات تفاعلية تشجع على طرح الأسئلة وتبادل التجارب، وتوفر إجابات كافية للمخاوف والاستفسارات، مع التأكيد على الخصوصية والأمان. وأخيراً، ينبغي تخصيص حملات توعية لكل منصة بمفردها وفقاً لطبيعة جمهورها وطرق استخدامها (مثل إنستغرام للصور، يوتيوب للفيديوهات الطويلة، تيك توك للمقاطع القصيرة). (الراجح، 2019، ص117)
ثالثاً: دور منظمات المجتمع المدني في الحماية وتوفير المساعدة للمتضررين
تعتبر منظمات المجتمع المدني شريكًا أساسيًا في التصدي لجرائم المخدرات السيبرانية، بسبب قربها من المجتمعات وقدرتها على الوصول إلى الفئات المستهدفة بشكل مباشر ومرن. في مجال الوقاية والتوعية، بإمكانها تنظيم ورش عمل وفعاليات توعية ميدانية في المجتمعات المحلية، خاصة في المناطق الأكثر عرضة للخطر. كما يمكنها إعداد مواد توعية مُفصلة، من خلال إنتاج مطبوعات، وملصقات، ومواد رقمية توعوية بمختلف اللغات واللهجات، مضمنة التنوع الثقافي للمجتمع. ويُمكنها أيضاً إقامة شبكات للمتطوعين، عبر تدريب وتأهيل شباب وأفراد ناشطين في المجتمع لنشر الوعي حول مخاطر المخدرات الرقمية في أوساطهم ومجتمعاتهم..
أما بالنسبة لتقديم المساعدة للمتأثرين، فمن الممكن أن تنشئ خطوط دعم ساخنة أو منصات استشارية عبر الإنترنت تقدم مساعدة سرية للمدمنين على المخدرات الرقمية وأسرهم، وتوجههم نحو العلاج المتخصص. ومن الضروري أيضاً تنظيم مجموعات للدعم النفسي للمتأثرين، حيث يمكنهم تبادل الخبرات والحصول على الدعم من نظرائهم ومن متخصصين نفسيين. كما يمكنها تطوير برامج لإعادة التأهيل متخصصة تُعنى بالجوانب النفسية والسلوكية للإدمان الرقمي، وتساعد الأفراد على تطوير مهارات التأقلم وإيجاد بدائل صحية. وأخيراً، تُسهم في التأهيل المهني والاجتماعي، من خلال تقديم الدعم للمتعافين ليعيدوا اندماجهم في المجتمع وسوق العمل، وتوفير المساعدة اللازمة لهم لتفادي الانتكاس. (أبو زيد، 2015، ص113)
- خاتمة: النتائج والتوصيات
4.1 النتائج:
استنادًا إلى التحليل المفصل الذي تم عرضه في ثنايا البحث، يمكن استنتاج مجموعة من النتائج الرئيسية:
- أظهر البحث أن جرائم المخدرات الرقمية تستفيد من التكنولوجيا بشكل متزايد ومعقد، بدءًا من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والشبكات الخفية (الدارك ويب) للدعاية والبيع، وصولًا إلى الاعتماد على العملات الرقمية وأساليب التشفير المتطورة لضمان الخصوصية.
- أظهر البحث أن المخدرات الرقمية، على الرغم من اختلاف أسلوب تأثيرها عن المخدرات التقليدية، تخلق اعتمادًا نفسيًا وسلوكيًا يمكن أن يؤدي إلى آثار سلبية على الصحة العقلية والجسدية، ويزيد من حدة الاضطرابات الموجودة، وتعتبر مدخلًا لتجربة المخدرات التقليدية..
- كشف البحث عن نقص واضح في الإطار القانوني السائد في اليمن والأردن في التصدي للمخدرات الرقمية بشكل خاص والجرائم الإلكترونية المرتبطة بها بصفة عامة، وذلك بسبب غياب تعريفات قانونية دقيقة أو نصوص قضائية واضحة لهذه الظاهرة الجديدة.
4.2 التوصيات:
بناءً على النتائج المستخلصة، يوصي البحث بما يلي:
- ضرورة سن تشريعات جديدة في اليمن والأردن أو تعديل القوانين القائمة (مثل قانون مكافحة المخدرات وقانون الجرائم السيبرانية) لإدراج تعريف واضح للمخدرات الرقمية وتجريم تصنيعها وترويجها وتداولها، وقد يُستفاد من التجربة الإماراتية التي عدّلت قانون مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية سنة 2016 لتشمل العقاقير التخليقية الحديثة، ما يفتح المجال لتوسيع النصوص لتشمل المخدرات الرقمية. كما يمكن النظر إلى التوجه الأوروبي عبر “مرصد المخدرات والإدمان الأوروبي” الذي يصدر تقارير دورية حول المخدرات المستحدثة ويقدم توصيات تشريعية متخصصة.
- الاستثمار في إنشاء مختبرات جنائية رقمية متطورة في اليمن والأردن، وتزويدها بالأدوات اللازمة لتحليل الأدلة الرقمية وكشف المخدرات الرقمية، يمكن الاسترشاد بتجربة المركز الوطني للجرائم الإلكترونية في الأردن وتجربة الإمارات في إنشاء مختبرات متخصصة للأدلة الرقمية المرتبطة بالجرائم السيبرانية، والتي أثبتت فعاليتها في دعم الأجهزة الأمنية والقضائية.
- انضمام اليمن والأردن إلى الاتفاقيات الدولية الخاصة بالجرائم الإلكترونية والمخدرات، مثل اتفاقية بودابست، والاستفادة من آليات التعاون القضائي والمساعدة القانونية المتبادلة. على سبيل المثال، تعتمد دول الاتحاد الأوروبي على شبكة تبادل معلومات سريعة (EMCDDA–Europol) لمتابعة المخدرات المستحدثة بما فيها الرقمية.
- إطلاق حملات توعية في اليمن والأردن تستهدف الشباب والأسر، عبر الإعلام التقليدي والمنصات الرقمية، للتعريف بمخاطر المخدرات الرقمية. يمكن الاستفادة من حملات وزارة الداخلية الإماراتية التي استخدمت تقنيات الواقع الافتراضي لعرض آثار المخدرات أمام طلبة المدارس والجامعات، وهو أسلوب أثبت فعالية أكبر من التوعية التقليدية.
قائمة المصادر والمراجع
الاتفاقيات والقوانين:
- اتفاقية مجلس أوروبا بشأن الجرائم الإلكترونية (اتفاقية بودابست) لعام 2001م
- اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التجارة غير القانونية في المخدرات والمواد النفسية لعام 1988م (اتفاقية فيينا)
- القانون رقم (3) لسنة 1993م اليمني لمكافحة الاتجار والاستعمال غير المشروعين للمخدرات والمؤثرات العقلية
- قانون العقوبات الأردني رقم 16- 1960
- قانون المخدرات والمؤثرات العقلية الأردني والقرار تم نشره في الجريدة الرسمية عدد5238 بتاريخ 1\9\2013ص 4110.
- قانون العقاقير الخطرة رقم 10 لسنة م1955م.
الكتب:
- حسام أ، المخدرات أنواعها وتأثيرها على الإنسان والمجتمع. ط1. دار وائل للنشر والتوزيع، عمان، 2015.
- الحراجشة، أ، الحزاري، ج إدمان المخدرات والكحوليات وأساليب العلاج. ط1. دار الحامد للنشر والتوزيع، عمان، 2012.
- محمد، ف، جريمة تعاطي المخدرات. ط1. دار النشر العربي للدراسات القانونية والأمنية، الرياض، 2008.
الرسائل العلمية:
- الراجح، م. المخدرات الرقمية نحو سياسة تجريمية في الأردن. رسالة ماجستير. جامعة جرش، الأردن، 2019.
- الصليبي، س. دور تربوي مقترح للمدارس الثانوية الحكومية الأردنية في التوعية بظاهرة المخدرات الرقمية. أطروحة دكتوراه. الجامعة الأردنية، عمان، 2018.
الأبحاث المنشورة:
- أبو دوح، خ. “المخدرات الرقمية: مقاربة للفهم”. الندوة العلمية “المخدرات وتأثيرها على الشباب العربي -16 2016/2/18”. جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، السعودية، 2016.
- آل خطاب، خ؛ الحميدات، ع، الطورة، ج، (2021) التكييف القانوني للمخدرات الرقمية وأثره على قيام المسؤولية الجزائية في التشريع الأردني، مجلة جامعة الحسين بن طلال للبحوث، 2(7)، ص153-186
- عبد الوهاب، أ “مدى كفاية التشريع الجنائي الحالي لتجريم المخدرات الرقمية.” مجلة الدراسات القانونية والاقتصادية، المجلد 8، العدد الخاص، سبتمبر 2022م.
- عمارة، م. “التحدي الإلكتروني وخطر الإدمان الإلكتروني”. بحث منشور. المجلة المصرية للدراسات القانونية والاقتصادية، العدد 8، الجزء الأول، 2016م.
- كامل، م، المخدرات الموسيقية الرقمية: نموذج إلكتروني مستحدث بين المشروعية والتجريم. المجلة العصرية للدراسات القانونية، العدد (6)، 2021م، ص 41–65.
- لطفي، م. “المخدرات الرقمية “تبويبة على النت””. مقال منشور، جريدة الصباح، العدد 03، 2015م.
- لهياس، خ، “استغلال وسائل تقنية المعلومات في ارتكاب جرائم المخدرات وخاصة الرقمية: في ضوء قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الإماراتي”، بحث منشور، مجلة العلوم الاقتصادية والإدارية والقانونية، المجلة العربية للعلوم ونشر الأبحاث، 2(9)، 2018.
- الأزدي، ل، القصور التشريعي في مواجهة المخدرات الرقمية، دراسة في ظل قانون المخدرات والمؤثرات العقلية العراقي رقم 50 لسنة 2017″. مجلة كلية القانون، جامعة النهرين، 2017م.
- حجار، م، العلاج المبرمج في الإدمان على المخدرات والمؤثرات العقلية من المنظور النظري إلى الممارسة العملية”. المجلة العربية للعلوم الأمنية، 9(1)، 1997.
- عبد جري، م، “دور المكتبات الجامعية في الحد من انتشار المخدرات الرقمية”. محاضرة ألقيت في برنامج، 2021.
- مرسي، م “إدمان المخدرات الرقمية عبر الإنترنت وتأثيرها على الشباب العربي”. بحث مقدم إلى ندوة المخدرات الرقمية وتأثيرها على الشباب العربي، جامعة نايف للعلوم الأمنية، 2015م.
- مصبح، ع. “الإشكالات الجزائية في تكييف المخدرات الرقمية”. مجلة القانون والمجتمع، جامعة أدرار، العدد 9، 2017مم.
- مهيوب، ع، وبن ذهيبة، ج، “ورقة بحثية مقدمة ضمن أعمال الملتقى الوطني حول المخدرات الرقمية: المفهوم، المخاطر، سبل المكافحة”، 2018م.
([1]) تعتبر مادة الجوكر من المواد المخدرة التي درج استعمالها لفترة لم تكن مدرجة في الجداول الملحقة حتى صدور قرار مجلس الوزراء المستند للمادة 30 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية الأردني والقرار تم نشره في الجريدة الرسمية عدد5238 بتاريخ 1\9\2013ص 4110.