تحولات الموقف الألماني من أزمة اللاجئين السوريين (2014-2022): قراءة في التفاعل بين الرسمي والشعبي
Shifts in the German Position on the Syrian Refugee Crisis (2014-2022): A Reading of the Interaction between the Official and the Popular
اعداد :
- علي حازم الطعاني – قسم العلوم السياسية، كلية الآداب، جامعة اليرموك، إربــد، الأردن
- أ.د. محمد كنوش الشرعة – قسم العلوم السياسية، كلية الآداب، جامعة اليرموك، إربــد، الأردن
المركز الديمقراطي العربي : –
-
مجلة العلوم السياسية والقانون : العدد الخامس والأربعون أيلول – سبتمبر 2025 – المجلد 11 – وهي مجلة دولية محكمة تصدر عن #المركز_الديمقراطي_العربي المانيا- برلين.
- تُعنى المجلة في الدراسات والبحوث والأوراق البحثية عمومًا في مجالات العلوم السياسية والعلاقات الدولية،والقانون والسياسات المقارنة، والنظم المؤسسية الوطنية أو الإقليمية والدولية.
Nationales ISSN-Zentrum für Deutschland
Journal of Political Science and Law
للأطلاع على البحث من خلال الرابط المرفق : –
| ملخص |
| هدفت الدراسة إلى توضيح تحولات الموقف الألماني من أزمة اللاجئين السوريين من خلال تتبع الموقف الألماني تجاه اللاجئين السوريين عبر البعدين الرسمي والشعبي، بالإضافة إلى معرفة الخصائص الاجتماعية للاجئين السوريين في ألمانيا، وإبراز التحديات التـي تواجه الاندماج الاجتماعي للاجئين السوريين في ألمانيا. ولتحقيق أهداف الدراسة تم الاعتماد على المنهج الوصفي التحليلي لوصف الجانب النظري المتعلق بالمتغيرات الدراسة من خلال جمع المعلومات ومعرفة الحقائق المتعلقة باللاجئين السوريين في ألمانيا، بالإضافة إلى منهج دراسة الحالة لتفسير مسألة اللجوء السوري في ألمانيا. وتوصلت الدراسة إلى أن التحولات لم تقتصر في الموقف الألماني تجاه اللاجئين السوريين في ألمانيا فحسب، بل كان لها أيضاً تأثير مباشر على سياسات الهجرة واللجوء في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك اتفاقياته. بالإضافة إلى أن الموقف الرسمي المرتبط بالحكومة والبرلمان الألماني ساهم في سياسته بترحيب اللاجئين عكس الأحزاب السياسية والرأي العام المرتبط بالموقف الشعبي الذي عارض سياسة الباب المفتوح لدخول اللاجئين مما أثر على قرارات الحكومة. وخلصت الدراسة إلى وجود علاقة ارتباطية طردية بين تزايد أعداد اللاجئين السوريين إلى ألمانيا وتغير الموقف الألماني الرسمي من أزمة اللجوء. فقد أظهرت النتائج أن تزايد أعداد اللاجئين، لا سيما بعد عام 2015، ترافق مع تحول تدريجي في الخطاب السياسي الألماني، من خطاب ترحيبي وإنساني إلى خطاب أكثر حذراً، يرتكز على اعتبارات تتعلق بالأمن القومي، وضبط الحدود، وتعزيز سياسات الاندماج.
الكلمات المفتاحية: الموقف الألماني، الحكومة الألمانية، البرلمان الألماني، الأحزاب السياسية، الرأي العام، اللاجئين السوريين، الوضع الاجتماعي، الاندماج الاجتماعي |
| Abstract |
| The study aimed to clarify the transformations of the German position on the Syrian refugee crisis by tracking the German position towards Syrian refugees through the official and popular dimensions, in addition to knowing the social characteristics of Syrian refugees in Germany, and highlighting the challenges facing the social integration of Syrian refugees in Germany. To achieve the objectives of the study, the descriptive-analytical approach was relied on to describe the theoretical aspect related to the study variables through collecting information and knowing facts related to Syrian refugees in Germany, as well as a case study approach to interpret the issue of Syrian asylum in Germany. The study found that the shifts were not limited to the German attitude towards Syrian refugees in Germany, but also had a direct impact on migration and asylum policies in the European Union, including its conventions. In addition, the official position associated with the German government and parliament contributed to its policy of welcoming refugees, in contrast to the political parties and public opinion associated with the popular position that opposed the policy of open door entry for refugees, which influenced the government’s decisions. The study concluded There is a direct correlation between the increase in the number of Syrian refugees coming to Germany and the change in the official German position on the refugee crisis. The results showed that the increase in the number of refugees, especially after 2015, was accompanied by a gradual shift in German political discourse, from a welcoming and humane discourse to a more cautious one, based on considerations related to national security, border control, and the strengthening of integration policies.
Keywords: German Position, German Government, German Parliament, Political Parties, Public Opinion, Syrian Refugees, Social Status, Social Integration |
المقدمة:
تعد قضية اللجوء من أهم القضايا الدولية، حيث ارتبط حق اللجوء في الاتفاقيات الدولية التي تؤكد على حقوق اللاجئين وتوفير الحماية لهم. وبعد اندلاع الأزمة السورية عام 2011م التي أجبرت الكثير من المواطنين السوريين إلى مغادرة دولتهم، حيث يواجهون اللاجئين السوريين التحديات والصعوبات بسبب انتماءاتهم السياسية أو الدينية أو الاجتماعية. وبدورها أصبحت ألمانيا وجهة أوروبية رئيسية للاجئين السوريين، حيث كشفت السلطات الألمانية أن السوريين يمثلون أكثر من ربع طلبات اللجوء المقدمة في ألمانيا منذ بداية العام 2022م. ونتيجة لذلك ازداد أعداد اللاجئين السوريين في جمهورية الألمانية الإتحادية مما أثر بشكل واضح على الاقتصاد الألماني. (الطعاني، 2024، ص159)
وخلال ذروة تدفق اللاجئين السوريين إلى ألمانيا في عامي 2014 و2015، اتسمت السنوات التالية بإصلاحات هيكلية في أنظمة اللجوء والاندماج. على سبيل المثال، سمحت قوانين “بند اللجوء الثاني” الصادرة عام 2016 للسلطات بمنح السوريين الحماية الفرعية بدلاً من الحماية الكاملة، مما أدى إلى تعليق حق لم الشمل لعدة سنوات، والحد من المزايا القانونية مثل الإقامة قصيرة الأجل، وإجراءات التجنيس الأكثر تعقيداً. (Ruta,2017)
كما أدت الأزمة السورية إلى ظهور حركات سياسية جديدة، أبرزها صعود حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD)، الذي اتخذ موقفاً حازماً من اللاجئين السوريين. حيث قاد هذا الحزب مناقشات حول وقف لم شمل الأسرة وإعادة النظر في قضية الهجرة، مما ساهم في تحول جذري في السياسات العامة والمواقف العامة تجاه اللاجئين. (Shuster, 2017)
وعليه، جاءت هذه الدراسة لبيان تحولات الموقف الألماني من أزمة اللاجئين السوريين من خلال تتبع الموقف الألماني تجاه اللاجئين السوريين عبر البعدين الرسمي والشعبي، ودراسة الوضع الاجتماعي للاجئين السوريين في ألمانيا.
أن تأثير اللجوء السوري يلعب دوراً مهماً في تقوية أو اضعاف الاقتصاد الألماني من خلال الآثار الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على ألمانيا من استضافة اللاجئين، حيث إن ازدياد أعداد اللاجئين السوريين في ألمانيا أدى إلى التحول في الموقف الرسمي والشعبي الألماني، من الترحيب إلى الحذر، يرتكز على اعتبارات تتعلق بالأمن القومي، وضبط الحدود، وتعزيز سياسات الاندماج.
واستناداً على ما سبق يمكن صياغة السؤال الرئيسي (المحوري) في المشكلة البحثية على النحو التالي: “كيف تَشكّل الموقف الألماني الرسمي والشعبي من قضية اللاجئين السوريين بين عامي 2014 و2022؟
ويتفرع من هذا السؤال المحوري الأسئلة الفرعية التالية:
- ما تأثير المواقف الألمانية من قضية اللاجئين السوريين؟
- ما هي الخصائص الاجتماعية للاجئين السوريين في ألمانيا؟
- ما التحديات التي تواجه الاندماج الاجتماعي للاجئين السوريين في ألمانيا؟
- ما مدى أهمية برنامج الرعاية المجتمعية للاجئين السوريين وتحقيق أهدافه؟
تسعى الدراسة إلى إلقاء الضوء على “تحولات الموقف الألماني من مسألة اللجوء السوري” من خلال تحقيق الهدف الرئيسي المتمثل في التعرف على الموقف الرسمي والشعبي من أزمة اللاجئين السوريين. ومن هذا المنطلق تقوم الدراسة على تحقيق مجموعة من الأهداف لعل أبرزها ما يلي:
- توضيح الموقف الألماني من أزمة اللاجئين السوريين.
- معرفة الخصائص الاجتماعية للاجئين السوريين في ألمانيا.
- إبراز التحديات التي تواجه الاندماج الاجتماعي للاجئين السوريين في ألمانيا.
- بيان أهمية برنامج الرعاية المجتمعية للاجئين السوريين.
أهمية الدراسة:
تأتي أهمية هذه الدراسة من حيث التعرف تحولات الموقف الألماني من أزمة اللاجئين السوريين، واستناداً على ذلك فإن أهمية هذه الدراسة تنقسم إلى بعدين أساسيين:
- الأهمية العلمية (النظرية): تأتي الأهمية العلمية لهذه الدراسة من كونها تقدم تفسيرات وتحليلات للموقف الألماني من مسألة اللاجئين السوريين، وذلك من خلال تسليط الضوء على التحول في الموقف الألماني الرسمي والشعبي تجاه اللاجئين السوريين من منظور تحليلي ونظري جديد، عبر توظيف نظرية الأمننة واستخدامها كإطار تفسيري.
- الأهمية العملية (التطبيقية): تكمن الأهمية العملية للدراسة في كونها تقدم فهماً وتحليلاً معمقاً لمسألة اللجوء السوري وتطويرها، وتزود صانع القرار بإدراك أعمق للمحركات والدوافع الكامنة حول الموقف الألماني من قضية اللاجئين السوريين، وبالتالي ما يمكنه من اتخاذ المواقف وردات الفعل الأنسب تجاهها في رصد هذه المواقف.
ومن هنا، تسعى هذه الدراسة إلى سد فجوة معرفية تتعلق بفهم آليات تغيير السياسات والمواقف من خلال تحليل عملية الأمننة، أي كيف تطور الانتقال من نهج إنساني وترحيبي في بداية الأزمة إلى نهج أمني أكثر تشدداً في السنوات اللاحقة. لذلك، فإن تسليط الضوء على هذه الديناميكية له قيمة معرفية مزدوجة: من جهة، يُقدم تفسيراً أشمل للتحول في الموقف الألماني، ومن جهة أخرى، يُثري حقل دراسات الهجرة واللجوء من خلال ربط هذه الظاهرة بخطابات الأمن والسياسة العالمية، وهو منظور لم يُؤخذ بعين الاعتبار بشكل كافٍ في الدراسات السابقة للاجئين السوريين في ألمانيا.
تقوم الدراسة على فرضية أساسية مفادها: أن هناك علاقة ارتباطية “طردية” بين تزايد أعداد اللاجئين السوريين إلى ألمانيا وتغير الموقف الألماني الرسمي من أزمة اللجوء، حيث يؤدي ارتفاع اللاجئين إلى تغير بشكل تدريجي في الخطاب السياسي والسياسات الحكومية تجاه قضية اللاجئين السوريين؛ نتيجة إلى الحفاظ على الأمن القومي والاندماج الاجتماعي.
استناداً إلى طبيعة ومشكلة الدراسة التي يسعى الباحث للإجابة عن تساؤلاتها والأهداف التي يتوقع تحقيقها والوصول إليها، فقد تم استخدام عدة مناهج في إعداد الدراسة وهي:
- منهج الوصفي التحليلي: حيث يقوم هذا المنهج على أساس دراسة الأحداث والظواهر ووصفها وصفاً دقيقاً، ومن ثم تفسيرها من خلال الأسباب التي أدت إلى تشكيلها وحدوثها، وبعد ذلك يتم الاستنباط واستخلاص النتائج. وسيتم استخدام هذا المنهج في الدراسة لوصف الجانب النظري المتعلق بالمتغيرات الدراسة من خلال جمع المعلومات ومعرفة الحقائق المتعلقة باللاجئين السوريين في ألمانيا.
- منهج دراسة الحالة: حيث يتضمن هذا المنهج جمع البيانات حول موضوع معين ثم تحليلها لحل مشكلة معينة، وتُعرف هذه العملية بإعداد تقرير دراسة الحالة التي تتضمن ملاحق كالجداول لتسهيل القراءة، وسيتم استخدام هذا المنهج في الدراسة لتفسير مسألة اللجوء السوري في ألمانيا.
أدوات جمع البيانات وآلية تحليلها:
سيتم الاعتماد على الإحصاءات الرسمية (الطلبات الأولية للجوء، وأعداد اللاجئين) والوثائق الحكومية والبرلمانية (قوانين اللجوء وخطابات الرسمية)، إضافةً إلى استطلاعات الرأي العام الألماني لتحليل التحولات في المواقف الرسمية والشعبية تجاه اللاجئين السوريين. وستُستخدم هذه البيانات من خلال التحليل الكمي والنوعي (الخطابي) لربط العوامل الكمية بالتغيرات الخطابية والسياسية.
الإطار النظري: (نظرية الأمننة)
ظهر مفهوم الأمننة لأول مرة في مدرسة كوبنهاغن، وهو يشير إلى تحويل أي مشكلة إلى قضية أمنية، حيث يعرضها الفاعلون على أنها تهديد لوجودهم، ويتقبل المجتمع ذلك. فنقطة البداية لمفهوم الأمننة هي نظرية الفعل الخطابي (مشري، 2015،ص63)، ويكمن جوهر نظرية الأمننة في التعامل مع الأمن كفعل خطابي، حيث إن وصف شيء ما بأنه قضية أمنية يجعله كذلك. وأشار واييفر إلى ذلك بقوله: “إن الأمر يصبح مشكلة أمنية عندما تعلن النخب ذلك”. (قسوم، 2018، ص115)
بمعنى آخر، يمكن تطبيق الأفعال من خلال الكلمات، حيث تُدرس الأمننة من خلال تحليل الخطاب لتقديم أمر ما كتهديد وجودي، بحيث يقبله الرأي العام ويُجيز استخدام تدابير استثنائية لمكافحته. وتشير فكرة الأمننة إلى البناء الخطابي للتهديد، وتتمثل فرضيتها المركزية في التعامل مع الأمن كفعل خطابي. بمجرد التعبير عن شيء ما كقضية أمنية، فإنه يصبح كذلك. وبمعنى آخر، فإن إعلان الفاعل أن مسألة مرجعية مهددة في وجوده يمنحه الحق في اتخاذ تدابير استثنائية لضمان بقاء ذلك الموضوع المرجعي، مما ينقل القضية من نطاق السياسة العادية إلى نطاق القضايا الطارئة، حيث يمكن حلها بسرعة، خارج قواعد الديمقراطية العادية. (Floyd, 2007, P.329)
وبالتالي، فإن الأمننة هي العملية التي يعلن بها الفاعل أن قضية أو ديناميكية معينة تشكل تهديداً وجودياً لمسألة معينة، وهو ما يقبله الجمهور. ويعتمد نجاح هذه العملية على مكانة المتحدث وقدرته على إقناع الجمهور، مما يحول الخطاب إلى حركة أمنية. (عطية، 2018، ص48)
من ناحية أخرى، يرى مؤيدون نظرية الأمننة أن الأمننة الفعالة تتطلب شرطين أساسيين: الخطاب وقبوله الاجتماعي الواسع، تُصبح أي مشكلة أمنية متى أمننت من قِبل جهة فاعلة، كالحكومة أو البرلمان أو أي سلطة سياسية أخرى، أو حتى قادة الرأي وكبار المسؤولين، شريطة أن تكون لديهم القدرة على الانخراط في هذه الأنشطة من خلال الخطاب، وأن يكونوا مقبولين من خلال مجموعة من الشروط الداعمة والسياقات المحددة، بما في ذلك شكل فعل الخطاب، وموقع الجهة الأمنية ومكانتها، والظروف التاريخية المحيطة بالتهديد (بوستي، 2018، ص67). ومن الشروط الأخرى تحديد التهديدات الفعلية واتخاذ إجراءات عاجلة كتقديم المشكلة كتهديد حقيقي، كما يقول بوزان: “إذا لم نعالج هذه المشكلة، فسيكون كل شيء آخر بلا معنى، لأننا لن نكون موجودين أو لن نتمكن من معالجتها بطريقتنا الخاصة، وتُسمى هذه الخطوة نحو الأمننة الفعالة”. (Taureck, 2006, P.3)
مستويات الأمننة:
وفي هذا الإطار تتكون مستويات الأمننة من ثلاثة مستويات، وهي: (مشري، 2015،ص64)
- الفواعل: يمكن تقسيم هذا المستوى إلى قسمين؛ يركز القسم الأول على الجهات الفاعلة، ويشمل أولئك الذين يساهمون أو يعارضون، بشكل مباشر أو غير مباشر في خلق المشاكل الأمنية وظهورها (الجهات الفاعلة في الأمننة، والمستفيدون “الجماهير”، والجهات الفاعلة الوظيفية). أما القسم الثاني يركز على المواضيع التي تشكل العلاقات التي تحدد ملامح الوضع الأمني، وهي مرتكزات القوة (العلاقات البديلة) للجهات الفاعلة، والهويات الشخصية والاجتماعية التي تكشف عن سلوكيات الجهات الفاعلة، بالإضافة إلى المرجع والشخص المعني (أي من يُهدد، وما الذي يُهدد؟).
- الفعل: يتعلق هذا المستوى بالممارسات الخطابية وغير الخطابية التي تُشكل جزءاً من عملية الأمننة، حيث تشمل النتيجة الإجمالية السياسات والأساليب التي تُنشئ الأمن. ويتكون هذا المستوى بدوره من أربعة جوانب: (نوع الفعل، الاستراتيجية، مكونات الأمننة، والسياسات الناتجة عن الأمننة).
- السياق: لا ينشأ الخطاب الأمني من فراغ، بل ينبع من سياق الأحداث والتهديدات.
كما جادل واييفر أيضاً بأنه: لا يمكن اعتبار الأمن حالةً سابقةً للخطاب، وأثبت أنه ممارسةٌ ذاتية المرجعية، أي أن شرط وجوده يُرسي من خلال الخطاب نفسه، لا من خلال أي تهديد مفروض. حيث تُعرّف أفعال الخطاب بأنها أفعالٌ تُنفَّذ من خلال الخطاب، وتشير إلى وحداتٍ صغيرة تحدث بالفعل (أمر/ وعد/ طلب) من خلال اللغة. ومع ذلك، اهتم واييفر بمفهوم الأداء الذي طوره أوستين، والذي يشير إلى أن الكلمات التعبيرية (أُعلن/ قال/ دعا/ حُكم) من بين الأشكال التعبيرية التي تُشكل الفعل. كما نظر، تماشياً مع مدرسة كوبنهاغن، إلى أفعال الخطاب كأدواتٍ يستخدمها الفاعلون لتحقيق أهدافهم. (بوستي، 2021)
عناصر الأمننة:
تتكون عناصر الأمننة من ثلاثة عناصر أساسية، وهي: (بلعربي، 2019، ص874-875)
- أمننة الفعل: وهو فعل خطابي يستخدم مصطلحات أمنية للإشارة إلى أحداث وقضايا وتطورات محددة، بحيث يتم تسليط الضوء على القضية مسبقاً كتهديد أو خطر، وتحويلها إلى حالة من عدم اليقين. حيث تُعد الأمننة وسيلة فعالة لحشد الدعم السياسي والموارد المؤسسية؛ لأن عدم اليقين يوحي بالخوف، والخوف أداة قوية للعمل السياسي.
- الفاعل: هو من يسعى إلى أمننة القضية. لذلك، يجب أن يشغل الفاعل موقع سلطة ويتمتع بشرعية سياسية لإقناع الرأي العام بالتهديد. بمعنى آخر، يجب أن تتمتع الجهات والمؤسسات التي تقوم بالأمننة بدرجة معينة من المصداقية لدى الجمهور، الذي يُعتبر متلقياً للخطاب ولديه القدرة على تمكين التنظيم الأمني من اتخاذ الإجراءات اللازمة.
- الجمهور (المجتمع): هو المتلقي للخطاب، ولديه القدرة على تمكين الأمننة من العمل. ومن الضروري أن يتشارك المجتمع التهديد الأمني الذي يُشكّله لممارسة تأثير سياسي فعّال. ولتحقيق هذا النجاح، يجب أن يكون لدى القائم بالأمننة القدرة على إدراك مشاعر الجمهور.
ومن بين المفاهيم التي تُميّز هذا المجال البحثي المستند إلى نظرية الأمننة (فكرة الأمننة الشاملة) الذي طرحه بوزان في دراسته عام 2006م بعنوان “الحرب على الإرهاب: الأمن الشامل الجديد”. يُحاكي هذا المفهوم المعنى نفسه لنظرية الأمننة، ولكنه يُطبّق على نطاق أوسع، استناداً إلى مفاهيم عالمية للتهديدات ووحدات مرجعية، مثل (التهديدات الجيواقتصادية، والإرهاب، وانتشار الأسلحة النووية). ويُرجع بوزان هذه الظاهرة إلى العولمة والإيمان بأيديولوجية عالمية، ويُجادل بأن الحرب الباردة هي أوضح مثال تاريخي على هذا النوع من الأمننة. ويعتقد أيضاً أن هذه الظاهرة لديها القدرة على تنظيم ديناميكيات الأمن السائدة بين مجتمع الدول لعقود قادمة. (قسوم، 2018، ص118)
لذا، فإن أمننة الهجرة غير الشرعية تعني تحويلها من قضية إنسانية ناجمة عن فرار الناس من ظروف اقتصادية وسياسية وأمنية صعبة، إلى قضية أمنية وتحدي يهدد الوجود الثقافي والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للدول الأوروبية. وهذا يتطلب اعتماد إجراءات رادعة وعقابية استثنائية لمواجهة هذا التحدي. وفي هذا الإطار، قد يتقاطع مفهوم الأمننة مع مفهوم آخر، وهو تجريم الهجرة غير الشرعية. وبناءً على ذلك، مرّ نهج الاتحاد الأوروبي تجاه قضية الهجرة غير الشرعية بمراحل عدة، بدأت بإدماجها في إطار التعاون بين دول البحر الأبيض المتوسط، ثم انتقلت إلى تسييس هذه القضايا وإبرازها كأهداف محددة في السياسة العامة للاتحاد الأوروبي، وتخصيص الموارد والميزانيات اللازمة لمعالجتها. وثم الوصول إلى المرحلة الأخيرة وهي أمننة هذه القضايا، التي تُجيز استخدام تدابير وإجراءات استثنائية لمعالجتها. (مشري، 2015،ص64)
بناءً على ما سبق، يرى الباحثان بأن: الأمننة يمكن استخدامها لتفسير التحول من الترحيب الإنساني الأولي مع سياسة ميركل “نحن نستطيع” إلى موقف رسمي وشعبي أكثر تشدداً في السنوات اللاحقة، وفقاً للمراحل التالية:
- (أ) المرحلة الأولى: مرحلة اللجوء وبداية الأزمة: في بداية الأزمة السورية، صُوّر اللاجئون في الخطاب السياسي والإعلامي الألماني كضحايا حرب بحاجة إلى الحماية. وفي هذه الحالة، لم تُصاغ القضية من منظور “الأمن”، بل كمسألة تتعلق بحقوق الإنسان والمسؤولية الأخلاقية. وهذا يُفسر قبول المجتمع الألماني لأعداد كبيرة من اللاجئين.
- (ب) المرحلة الثانية: مرحلة التحول (عملية الأمننة): مع صعود الخطاب اليمين الشعبوي (حزب البديل من أجل ألمانيا)، بدأ بعض السياسيين ووسائل الإعلام في تصوير اللاجئين كتهديد محتمل: (التهديد الأمني “إرهاب محتمل”، التهديد الثقافي “تهديد للهوية والقيم الألمانية”، التهديد الاقتصادي “عبء على النظام الاجتماعي”). وفي هذه الحالة، أُلقي خطابٌ حول الأمن: لم يعد اللاجئ مجرد “ضحية”، بل “تهديداً محتملاً”. حيث استجاب الجمهور (المجتمع الألماني) تدريجياً لهذا الخطاب، مانحاً الشرعية للسلطات لاتخاذ تدابير وإجراءات استثنائية.
- (ج) المرحلة الثالثة: مرحلة السياسات الأمنية: تشديد قوانين اللجوء والاندماج، وتعزيز الرقابة على الحدود الأوروبية (اتفاقية تركيا والاتحاد الأوروبي لعام 2016)، بالإضافة إلى تراجع معدلات القبول وتشديد سياسات الترحيل، وصعود الأحزاب اليمينية التي تستثمر في خطاب “الأمننة”.
لذلك، يرى الباحثان من وجهة نظرهم بأن تفسير هذاالتحول وفق نظرية الأمننة:
- يمكن تفسير التحول في الموقف الألماني على أنه انتقال في الخطاب من “إطار إنساني” إلى “إطار أمني”.
- عندما يتم “أمننة” قضية ما، يُصبح من الممكن تبرير سياسات لم تكن مقبولة سابقاً مثل (تقييد اللجوء).
- هذا يُفسر التناقض بين القبول الأولي والرفض اللاحق: فالواقع المادي للاجئين لم يتغير بقدر ما تغير الخطاب السياسي والإعلامي، الذي أعاد تشكيل التصور العام.
- القيمة المضافة لاستخدام النظرية: فهي تمنح البحث قوة تحليلية لأنها تفسر الموقف ليس فقط من حيث الضغوط الاقتصادية أو الأمنية ، ولكن أيضاً من حيث كيفية بناء الخطاب السياسي والإعلامي للتهديد.
- تربط النظرية بين الفاعل (السياسة/الإعلام)، والجمهور (الرأي العام)، والسياسات الناتجة.
- تُثبت النظرية أن السياسة ليست مجرد استجابة موضوعية، بل هي عملية اجتماعية خطابية.
وفي الختام، يمكن القول إن التحول في موقف ألمانيا الرسمي والشعبي تجاه اللاجئين السوريين لا يمكن فهمه فقط من منظور العوامل والمتغيرات الاقتصادية أو الأمنية الواقعية. ويتجلى ذلك بوضوح أكبر عند استخدام إطار الأمننة، حيث تحولت صورة اللاجئ من “إنسان بحاجة إلى حماية” إلى “تهديد محتمل”، مما أدى إلى إضفاء الشرعية على سياسات أكثر صرامة وتراجع الدعم الشعبي.
وبالتالي، يشير الباحثان إلى أن التحول في موقف ألمانيا تجاه اللاجئين السوريين، وخاصة بعد عام 2015، كان أكثر وضوحاً منه في بعض الدول الأوروبية الأخرى، مثل (السويد، وهولندا). حيث كان لعملية الأمننة دور أقل في تشكيل السياسة الرسمية. ويُعمّق هذا البُعد المقارن فهم كيفية تأثير العوامل الداخلية في ألمانيا مثل (الرأي العام، والمؤشرات، والتحديات البنيوية) على صنع السياسات بشكل مختلف عن الدول الأوروبية الأخرى، مما يزيد من القيمة التحليلية للدراسة.
- دراسة (الطعاني، 2024) بعنوان: عمليات اللجوء السوري وأثرها على الأوضاع الاقتصادية في ألمانيا (2014-2022).
هدفت هذه الدراسة إلى بيان مسألة اللجوء السوري وأثرها على الاقتصاد الألماني، وذلك من خلال التعرف على تطور الأزمة السورية وظاهرة اللجوء إلى ألمانيا، وتحليل الآثار الاقتصادية المترتبة عليها من استضافة اللاجئين وذلك من خلال تتبع وتحليل البيانات الاقتصادية التي أفصحت عنها الحكومة الألمانية خلال الفترة الممتدة من العام 2014 وحتى العام 2021. ولتحقيق هذه الأهداف اعتمد الباحث على المنهج الوصفي التحليلي لوصف الجانب النظري المتعلق بمتغيرات الدراسة من خلال جمع المعلومات ومعرفة الحقائق المتعلقة باللاجئين السوريين في ألمانيا وتحليل الآثار الاقتصادية المترتبة من استضافة اللاجئين. وقد توصلت الدراسة إلى أن استضافة اللاجئين السوريين انعكست بأثر إيجابي على الاقتصاد الألماني من ناحية معدلات البطالة والعاطلين عن العمل بالإضافة إلى الإيرادات الضريبية الحكومية.
- دراسة (معابرة، 2018) بعنوان: السياسات الألمانية تجاه اللاجئين من دول الربيع العربي.
هدفت هذه الدراسة إلى التعرف على السياسات الألمانية تجاه اللاجئين من دول الربيع العربي خلال الفترة الممتدة من عام 2011 حتى عام 2017، وذلك من خلال استعراض ظاهرة اللجوء من دول الربيع العربي بالإضافة إلى محددات السياسية الألمانية تجاه قضية اللاجئين، وبيان تفسير آثار اللجوء على جمهورية ألمانيا الاتحادية. ولتحقيق هذه الأهداف اعتمد الباحث على المنهج التحليل الاحصائي بشكل أساسي لتحليل المؤشرات والأرقام البيانية الصادرة عن المؤسسات الألمانية الرسمية لبيان الأثر الذي حدث في تغيير السياسات الألمانية تجاه اللاجئين وتحليلها. وقد توصلت الدراسة إلى أن السياسات الألمانية قد مرت بتحديات أثرت على السياسة الألمانية المتبعة تجاه اللاجئين أهمها: (تحديد هوية الأشخاص طالبين اللجوء وتحديد خلفياتهم، وبروز الأحزاب والحركات المتطرفة التي ساهمت في زيادة الاعتداءات على اللاجئين) وهذه التحديات أثرت على الأمن القومي الألماني وعليه يمكن أن تؤدي إلى تغيير السياسات.
- دراسة (عبد الله، 2016) بعنوان: السياسات الألمانية تجاه قضية اللاجئين “دراسة حالة اللاجئين السوريين 2011-2016”.
هدفت هذه الدراسة إلى التعرف على تفسير السياسة الألمانية تجاه قضية اللاجئين خلال الفترة الممتدة بين عامي “2011-2016″، وذلك من خلال استعراض الآثار المترتبة بتلك السياسات على اللاجئين داخل المجتمع الألماني بالإضافة إلى العوامل المؤثرة على السياسة الألمانية وتفسيرها، وبيان المحددات السياسة الألمانية وارتباطها في مستقبل اللاجئين السوريين قي المجتمع الألماني. ولتحقيق هذه الأهداف اعتمدت الباحثة على منهج تفسير السياسة الخارجية العامة بشكل أساسي لتفسير السياسة الخارجية الألمانية تجاه اللاجئين السوريين. وقد توصلت الدراسة لمجموعة من النتائج التي من أهمها: بأن السبب الرئيسي لإتباع ألمانيا لسياسة الباب المفتوح هو المحرك الاقتصادي وليس المحرك الإنساني بالإضافة أن الحكومة لا يمكنها أن تلعب الدور الكامل في عملية دمج اللاجئين بالمجتمع الألماني، وأيضاً ساهمت الأبعاد الثقافية للعلاقات الدولية في إعادة صياغة السياسة الألمانية تجاه اللاجئين السوريين.
- Study (Okyay, 2017) titled: Labour Market Integration of Syrian Refugees in Germany and Turkey: Challenges and Prospects.
اندماج اللاجئين السوريين في ألمانيا وتركيا في سوق العمل: التحديات والآفاق
هدفت هذه الدراسة إلى التعرف على أنماط القبول والهيكل الاجتماعي والديموغرافي للاجئين السوريين في تركيا وألمانيا بالإضافة إلى وصول اللاجئين إلى العمل الرسمي مع تكيف الإطار القانوني في الوضع الواقعي، وذلك من خلال استعراض آليات تقاسم المسؤولية والموارد والسلطة لتقديم مساعدة اللاجئين في سوق العمل من خلال إعطاءهم تصاريح العمل، وبيان تفسير المخططات القائمة والناشئة لتعزيز توظيف اللاجئين. وقد توصلت الدراسة لمجموعة من النتائج التي من أهمها: بأن عملية تعزيز إدماج اللاجئين تواجه تحديات في المجتمعات والاقتصادات والأنظمة السياسية، بالإضافة إلى تحديد الممارسات الفاعلة من خلال العمل في المستقبل القريب على الاستعداد لإقامة طويلة الأمد أو دائمة لهؤلاء اللاجئين.
ما يميز هذه الدراسة عن الدراسات السابقة:
بالرغم من وجود دراسات سابقة تناولت أزمة اللاجئين السوريين في ألمانيا، ركزت معظمها على الأبعاد الإنسانية أو المؤشرات الاقتصادية أو مؤشرات الاندماج، دون تحديد واضح للعلاقة بينها (الأعداد، والرأي العام، والتحديات البنيوية، والخطاب السياسي الرسمي). حيث كان التحليل النقدي لهذه الدراسات محدوداً لعدم مناقشته بشكل شامل للآليات التي تُعاد من خلالها إنتاج صورة اللاجئين كتهديد أمني.
على خلاف ما سبق سعت هذه الدراسة إلى التعرف على تحولات الموقف الألماني من أزمة اللاجئين السوريين، ومعرفة الوضع الاجتماعي للاجئين السوريين في ظل أزمة اللجوء السوري إلى ألمانيا من خلال تفسير البيانات والأرقام الإحصائية وتحليلها. حيث تعالج هذه الدراسة الثغرات عبر استخدام نظرية الأمننة كإطار تحليلي، وربط المتغيرات الكمية (أعداد اللاجئين، ومؤشرات الرأي العام) بالتغيرات الخطابية والسياسية، مما يوفر تفسيراً أكثر شمولاً ودقة للتغيرات في الموقف الألماني الرسمي والشعبي.
المبحث الأول: الموقف الألماني من قضية اللاجئين السوريين
اللجوء ظاهرة إنسانية ترافق الظلم والاستبداد كالحرب والصراع السياسي والعرقي وانتهاكات حقوق الإنسان والاضطهاد سواء كان من قبل الحكومة أو غيرها، فضلاً عن الظروف والعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة. ومع تنامي ظاهرة اللجوء بدأ المجتمع الدولي في المزيد من الاهتمام بقضايا اللجوء واللاجئين في إطار العلاقات الدولية. حيث تشكل الأزمة السورية إحدى الأزمات السياسية والاقتصادية التي لها تأثير كبير على المستوى الدولي في ظل التغيرات التي تشهدها الأزمة السورية.
وتعتبر ألمانيا من أكثر الدول ترحيباً باللاجئين في أوروبا، وقد تبنت سياسة الباب المفتوح في قبول اللاجئين، فهي تقبل اللاجئين وضحايا الحرب بغض النظر عن الدين واللغة والخلفية العرقية، وجاءت السياسة الألمانية من منطلق المصلحة الوطنية أو المصلحة الإنسانية والأخلاقية، ولكنها تستقبل أكبر عدد من اللاجئين في أي دولة أوروبية، وتقدم المساعدة وتقبل اللاجئين من جميع الدول التي تعاني من قصور أمني أو دول ذات الأنظمة الاستبدادية. ((Lehming, 2017
ومن خلال ذلك نميز بين موقفين ضمن مجموعة من المحددات، أحدهما: رسمي مرتبط بالحكومة والبرلمان الألماني. والأخر شعبي يتمثل بأدوار الأحزاب السياسية والرأي العام الألماني.
المطلب الأول: الموقف الرسمي من قضية اللاجئين السوريين
أولاً: الحكومة الألمانية
الحكومة الألمانية هي السلطة التنفيذية لجمهورية ألمانيا الاتحادية ومقرها في برلين، وتتكون الحكومة من 16 وزارة برئاسة المستشار، والمستشار في ألمانيا هو الاسم الذي يطلق على رئيس الحكومة. وفي بعض الدول كالمملكة المتحدة يُطلق عليه اسم رئيس الوزراء، وفي ألمانيا يُطلق عليه اسم (المستشار)، والمستشار الحالي هو “أولاف شولتس” الذي تولى المنصب منذ 8 ديسمبر 2021، وكان مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني في الانتخابات الفيدرالية لعام 2021، حيث كانت المستشارة الألمانية السابقة هي “أنغيلا ميركل” التي شغلت منصب المستشار الألماني منذ 2005 وحتى عام 2021، وشغلت منصب زعيمة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي لمدة 18 عامًا حتى عام 2018. ويتم انتخاب المستشار الاتحادي من قبل البوندستاغ، ويعتبر الفائز هو من يحصل على أغلبية من الأصوات. ومهام المستشار بموجب الدستور الألماني: يحدد المستشار الاتحادي الخط العام لسياسة الحكومة وهو مسؤول عنها، والتي بموجبها يدير كل وزير اتحادي مهامه في ضوء هذه السياسة. (Deutscher Bundestag, 65 Artikel)
وتعتبر الحكومة الألمانية لاعبًا رئيسيًا في السياسة الألمانية وعملية صنع القرار وهي أحد المحددات الرسمية داخل ألمانيا، حيث كان لقرارات التي اتخذتها “المستشارة أنغيلا ميركل” صدى داخل وخارج ألمانيا. وكان أهم موقف مختلف في السياسة الأوروبية بشكل عام والسياسة الألمانية بشكل خاص هو القرار الخاص الذي اتخذته المستشارة “أنغيلا ميركل” نيابة عن الحكومة بالترحيب والاستيعاب اللاجئين السوريين على الأراضي الألمانية في عام 2015. ودعت بقية دول الاتحاد الأوروبي إلى اتباع نفس النهج مؤكدة أنه التزام إنساني تجاه ألمانيا والدول المجاورة، وذكرت أن 1.2 مليون لاجئ سوري دخلوا الأراضي الألمانية بين عامي 2015 و2016. )الغصين، 2018، ص79)
وإذا تم استيعاب الموقف العام كمبدأ أساسي يلتف على المصلحة الوطنية، فإن الخلاف له تأثير كبير عليه حيث انتقد وزير الداخلية بشدة خطر الانفتاح غير المشروط على اللاجئين، وحذر من استمرار سياسة الباب المفتوح مشيراً إلى الإرهاب في فرنسا نهاية عام 2015، ومن الحكمة الحد من الأعداد التي يمكن قبولها، وهي محاولة من جانب المستشارة الألمانية للسيطرة على الوضع، ولكن هذا له تأثير كبير على الدولة. (يحياوي، 2020، ص319)
ثانياً: البرلمان الألماني “البوندستاغ”
هو المجلس التشريعي لجمهورية ألمانيا الاتحادية ومقره في برلين، ويتم انتخاب أعضائه كل أربع سنوات، وأساس عمله هو التشريع والرقابة على الحكومة، وتحديد الميزانية وانتخاب المستشار الاتحادي. ويعد رئيس البرلمان الألماني الاتحادي “البوندستاغ” ثاني أعلى منصب في الدولة بعد الرئيس الاتحادي، حيث يتم انتخاب أعضائه من خلال انتخابات حرة ومباشرة وسرية، ويتم منح حق التصويت لكل من يحمل الجنسية الألمانية واتم سن الثامنة عشرة عاماً، ويحق للبوندستاغ استدعاء أي عضو في الحكومة والاستماع إليه ويعين البوندستاغ لجنة مسؤولة عن شؤون الاتحاد الأوروبي. (Deutscher Bundestag, 38 & 45 Artikel)
ويعتبر البرلمان الألماني “البوندستاغ” أحد المحددات الرسمية للسياسة الألمانية، حيث تتم إحالة عملية صنع القرار في مرحلة معينة إلى البوندستاغ الألماني وبالتالي تلعب دور المؤسسة التي تساهم في صنع القرار الألماني. ومن الواضح أن البرلمان الألماني هو برلمان فاعل، حيث إنه مسؤول بشكل أساسي عن صياغة التشريعات الألمانية، وتتم مراجعة القانون وكذلك أهم القوانين المعدلة والجديدة التي تنظم وضع اللاجئ في القانون المحلي الألماني. (عبد الله، 2016)
ويمارس البوندستاغ الألماني أيضاً دوراً إشرافياً على الوزارات الحكومية وله سلطة مساءلة الوزراء، وتعرضت “ميركل” للمساءلة عن سياسة اللاجئين التي أتبعتها، حيث لا ينبغي أن تصدر القرارات من قبل الرئيس التنفيذي وحده دون عرضها على مختلف المؤسسات والرأي العام من خلال الخطابات الرسمية المختلفة. ووافق البرلمان الألماني على العديد من القوانين الجديدة، وقام على تعديل نطاق العديد من التشريعات المتعلقة بدمج اللاجئين السوريين في المجتمع الألماني وحصولهم المتكافئ على فرص العمل مع المواطنين الألمان، وكذلك القوانين التي تحمي حرية التعبير وقوانين الترحيل ولم الشمل. وهذا يوضح أهمية البوندستاغ في السياسة ورغبة أعضائه في مساعدة اللاجئين، وكما يوضح موقف ميركل داخل ألمانيا وعلى مستوى مؤسسات الدولة المختلفة، مؤكداً على أهمية الخطاب ودوره في صنع القرار وتشكيل الآراء. (عبد الله، 2016)
وأثارت أزمة اللاجئين جدلاً حاداً، فيما يتعلق بالتيارات المتطرفة كحزب البديل الألماني، إذ عبر التيار عن قلقه الشديد بشأن أسلمة أوروبا نتيجة توطين المهاجرين، حيث قفزت نسبة المدافعين عن سياسات حماية اللاجئين من 33% في عام 2015 إلى 47% في عام 2016. ومن المفارقات مع ذلك أن أحزاب المعارضة كالكتلة التمثيلية في البرلمان تعبر عن سياسات ميركل، مثل حزب الخضر الذي ثمن توجهها ورفض العنصرية والتطرف، بينما انتقدها حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب المشارك لها في الحكم لمطالبتها بتحديد عدد اللاجئين، وهو ما أكده تقرير نشرته صحيفة “فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ” الألمانية حول عدم رضى الأحزاب السياسية عن توجهات السياسة الألمانية بشأن أزمة اللجوء، وتأثير القوى المتطرفة مثل جماعة بيغيدا التي أعلنت قيادتها لحملة ضد وصول اللاجئين السوريين من خلال التظاهرات ضد مشروع الأسلمة الأوروبية في معظم المدن الألمانية. (يحياوي، 2020، ص319)
المطلب الثاني: الموقف الشعبي من قضية اللاجئين السوريين
أولاً: الأحزاب السياسية
تختلف الأحزاب السياسية الألمانية في مواقفها من سياسة المستشارة “أنغيلا ميركل” المتمثلة في فتح اتباع سياسة الباب المفتوح لدخول اللاجئين إلى الأراضي الألمانية، وقد أثر هذا الاختلاف على الرأي العام الألماني، ويؤثر أيضًا بشكل مباشر على قرارات الحكومة. ويمكن للأحزاب السياسية عرقلة أو التأثير على بعض قرارات الحكومة وفقًا للصلاحيات الممنوحة بموجب الدستور الألماني. فيما يلي نستعرض مواقف أهم الأحزاب السياسية في ألمانيا، والتي تؤثر مواقفها وآرائها على رسم السياسة الداخلية الألمانية، حيث إنها تستند إلى قاعدة شعبية واسعة وتمثل آراء وتطلعات مؤيديها:
- حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي: Christian Democratic Union Party (CDU)
تأسس عام 1945م، ويتكون من الحزبين الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) والاتحاد الاجتماعي المسيحي (CSU) ومقره في برلين ويبلغ عدد أعضاء الحزبين 544 ألف و946 عضو، ويشغل هذا الحزب أكبر عدد من المقاعد في البوندستاغ الألماني في الانتخابات السابقة عام 2017م وهو الحزب الذي تقوده المستشارة الألمانية السابقة “ميركل”. ويعارض وضع حد أقصى لعدد اللاجئين الذين يمكنهم دخول ألمانيا في كل عام، على الرغم من أن حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي حدد سقفاً يبلغ 200 ألف طلب لجوء سنوياً. مشيراً إلى أن البرنامج الانتخابي المشترك للحزبين لا يحتوي على مثل هذا الحد. (Goldenberg, 2021)
حيث كانت توجهات الحزب تجاه اللاجئين تتمثل على النحو التالي: (Bierbach, 2017)
- زيادة ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين وتشديد القواعد الخاصة بهم من خلال تمديد فترة الاحتجاز قبل الترحيل لمدة تصل إلى 10 أيام.
- وضع قانون للعمال المهرة: مطالبة المهاجرين بالعثور على عمل في ألمانيا قبل الحصول على تأشيرة لإثبات قدرتهم على دفع تكاليف العيش في ألمانيا.
- يركز الحزب على اللاجئين الذين يتعلمون اللغة الألمانية لتسهيل اندماجهم الاجتماعي.
- يعتمد الحزب على سياسات اقتصادية اجتماعية قائمة على السوق لتحقيق مرونة سوق العمل من خلال التشغيل الكامل للسكان.
- الحزب الاشتراكي الديمقراطي: (Social Democratic Party (SPD
تأسس الحزب في عام 1875م من قبل الجمعية العامة للعمال الألمان وحزب العمل الديمقراطي الاجتماعي، اللذان اندمجا في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، ويقع مقره الرئيسي في برلين ويبلغ عدد أعضائه 404 آلالف و305 عضو، ويعتبر من أقدم الأحزاب الألمانية وثاني أكبر ممثل بعد الاتحاد المسيحي، ويقود الحزب المستشار الألماني الحالي “أولاف شولتس”. DW) – العربية، 2021)
ويركز الحزب على التعايش السلمي للمجتمع وفكرة الدفاع عن المهاجرين والترحيب بهم وفتح المجالات لهم، ويدافع عن المؤهلات التعليمية للمهاجرين المكتسبة خارج ألمانيا. وكان موقف الحزب تجاه اللاجئين على النحو التالي: (Bierbach, 2017)
- تسريع إجراءات اللجوء والمزید من الدورات اللغوية لتسهيل اندماج اللاجئین.
- استقبال طالبي الحمایة في ألمانیا بطریقة إنسانیة، واعتبر الحزب أن هذه الحمایة مهمة إنسانیة لن تكون مثقلة إذا عمل المجتمع الفيدرالي والمحلي والمدني معًا.
- دعوة أعضاء المجموعة الأوروبية الى موقف واضح تجاه قضية اللاجئین، وإیجاد مسار عمل شامل لمعالجة الوضع الحالي مع تعزیز الدور الاندماج الاجتماعي لقضية اللاجئین.
- ضمان حصول اللاجئین على المأوى والرعایة الكریمة.
- حزب اليسار: Left Party
تأسس الحزب عام 2007م من قبل حزب العمل البديل والعدالة الاجتماعية (WASG) والحزب الاشتراكي الديمقراطي (PDS)، ومقره في برلين، ويبلغ عدد أعضائه 60 ألف و350 عضو. وكان موقف الحزب تجاه اللاجئين على النحو التالي: (Bierbach, 2017)
- مساعدة اللاجئين من خلال إجراءات لم شملهم وإصدار تصاريح الإقامة، وعرض آرائهم أمام المجتمع الألماني والحكومة الألمانية، ودعمهم في كفاحهم للحصول على فرصة حياة كريمة.
- حصول اللاجئين على المساعدة وتقديم الدعم لهم من خلال مؤسسات المجتمع المدني.
- يعارض الأسباب التي تدفع الناس إلى طلب اللجوء والهجرة بدلاً من تقييد اللاجئین، ویدعو إلى منح جميع اللاجئین فرصة البقاء في ألمانیا.
- حزب الخضر: Green Party
تأسس حزب الخضر في مدينة كارلسروه جنوب غرب ألمانيا عام 1980م، ويبلغ عدد أعضائه 120 ألف عضو، وتستند أيديولوجية الحزب إلى المخاوف المتعلقة بالقضايا البيئية وقضايا المناخ والحد من التلوث، وعلى المستوى الاقتصادي فإنه يركز على التوازن بين السوق والبيئة، وسياسة الحزب الحالية هي أن المستقبل أخضر من خلال تركيزه على البيئة والعدالة والديمقراطية. وفي بداية أزمة اللاجئين المتصاعدة في عام 2015م، اقترح الحزب خطة تسمى “الخطة الخضراء” لتطوير سياسات أفضل للاجئين. (Goldenberg, 2021)
حيث كانت توجهات الحزب تجاه اللاجئین تتمثل على النحو التالي: (European Greens, 2021)
- تسريع عملية منح حق اللجوء: دعا حزب الخضر المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين بتسريع المهلة الزمنية للاعتراف بحق اللجوء، وتسهيل عملية لم شمل الأسرة وتقليل عمليات الترحيل.
- توفير سكن مناسب للاجئين ومغادرة مراكز الملاجئ في أسرع وقت ممكن.
- حث الحكومة الفيدرالية على دعم العبء المالي المتزايد للولايات والبلديات لإدماج اللاجئين.
- إزالة الحواجز التي تحول دون اندماج اللاجئين والمواطنين في سوق العمل من خلال تحسين أهليتهم وتسهيل بحثهم عن عمل.
- الحزب الديموقراطي الحر: (Free Democratic Party (FDP
تأسس الحزب عام 1948م في هيبنهايم ومقره الحالي في برلين، ويبلغ عدد أعضائه 73 ألف عضو. ويركز الحزب على سياسات السوق الحرة، وتحسين ظروف العمل من خلال تحسين بيئة الاستثمار، والحد من البيروقراطية والخصخصة وإزالة قيود الاستثمار، وإنشاء نظام ضريبي ثابت يهدف لزيادة القوة الشرائية وتشجيع الاستثمار. وكان موقف الحزب تجاه اللاجئين على النحو التالي: (Goldenberg, 2021)
- الاستجابة لأزمة اللاجئین من خلال العودة إلى سيادة القانون والقواعد الواضحة.
- حصول اللاجئين على حمایة إنسانیة غیر بیروقراطیة تمكنهم من التقدم بطلب للحصول على اللجوء أو الحصول على الحمایة بموجب اتفاقیة جنیف الخاصة باللاجئین.
- منح اللاجئين الحق في الوصول الى سوق العمل.
- تسهيل الإجراءات ومنح الإقامة للعمال المهرة المدربين بعد إثبات الكفاءة اللغوية بعد عامين من الحصول على تصريح الإقامة.
- حزب البديل من أجل ألمانيا (Alternative for Germany (AfD
هو حزب يميني متطرف تأسس في برلين عام 2013م، ويبلغ عدد أعضائه 32 ألف عضو، يعارض سياسة المستشارة الألمانية “أنغيلا ميركل” تجاه اللاجئين، فمنذ إعلان سياسة الباب المفتوح عام 2015م احتج أعضاؤه على سياستها بشأن ملفات اللاجئين والمهاجرين ووجهوا إليها 1000 تهمة جنائية ضدها، حيث كانت توجهات الحزب تجاه اللاجئین تتمثل على النحو التالي: (Bierbach, 2017)
- إعادة القانون وحمایة الامن القومي وإغلاق الحدود في وجه اللاجئین، وتعزيز الرقابة على الحدود.
- حرمان اللاجئين من حق العمل ومصروف الجیب.
- الحد من عملیات لم الشمل.
- رفض كل من لا يستطيع إثبات هويته وأسباب اللجوء.
ونتيجة لذلك، فإن معظم النداءات حزب البديل من أجل ألمانيا كانت موجهة أساساً ضد اللاجئين والأحزاب والجماعات السياسية المتعاطفة مع اللاجئين.
حصلت الأحزاب السياسية في ألمانيا على مقاعد في البرلمان الألماني من خلال الانتخابات البرلمانية، حيث زادت مقاعد (البوندستاغ) من 709 إلى 736 مقعدًا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت عام 2021م (RT – العربية، 2021)، وسيتم توضيح مقارنة توزيع مقاعد الأحزاب السياسية في الانتخابات البرلمانية عام 2017م وعام 2021م من خلال الرسم البياني التالي: (Bundeszentrale für politische bildung, 2021)
الشكل (1): توزيع مقاعد الأحزاب السياسية في البوندستاغ الألماني
المصدر: اعداد الباحث بناءً على المعطيات الموجودة في (الوكالة الاتحادية للتربية المدنية)
من خلال الشكل السابق، نلاحظ بأن البوندستاغ الألماني الـ 20 يتكون من (736) نائباً، حيث حصل الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) على أكبر مجموعة من المقاعد (206) مقعد بالمقارنة مع انتخابات عام 2017م على (153) مقعد بزيادة (53) مقعداً. والاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) يعتبر ثاني أقوى قوة في حصوله من المقاعد (197) مقعد بالمقارنة مع انتخابات عام 2017م على (246) مقعد بزيادة (49) مقعداً. وثالث أقوى حزب في البوندستاغ الألماني هو حزب الخضر حيث حصل على (118) مقعداً مقارنةً بالانتخابات عام 2017م على (67) مقعد بزيادة تفوق (51) مقعداً، كما تمكن الحزب الديمقراطي الحر (FDP) باعتباره رابع أقوى قوة في حصوله على (92) مقعد بالمقارنة مع انتخابات عام 2017م على (82) مقعد بزيادة قدرها (12) مقعداً.
ومن ناحية أخرى خسر حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) بعض المقاعد في البرلمان حيث حصل على (83) مقعد أقل مما كان عليه في عام 2017م في حصوله على (94) مقعد بمفارقة قدرها (11) مقعداً، وأيضاً فقد حزب اليسار بعض المقاعد في البرلمان بحصوله على (39) مقعد أي أقل بــ (30) مقعداً مما كان عليه في عام 2017م عند حصوله على (69) مقعد.
ومن جانب أخر شاركت جمعية ناخبي جنوب شليسفيغ ((SSW في انتخابات البوندستاغ عام 2021م للمرة الأولى بحصولها على مقعد برلماني، حيث إنها تعفى كحزب من الأقليات القومية من عقبة %5 وذلك حماية لحقوق الأقليات، أي أنه يكفي حصول الحزب على عدد من الأصوات كافي حسابياً لمقعد انتخابي واحد. (Deutschland, 2021)
ثانياً: الرأي العام الألماني
الرأي العام هو أحد القوى الدافعة للسياسة الألمانية، والرأي العام نفسه لا ينشأ من فراغ بل مدفوع بالعديد من العوامل كوسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والأحزاب المعارضة والحكومة التي تنقل المعلومات للجمهور الرأي العام. )عبد الله، 2016)
وتنص المادة 20 من الدستور الألماني على أن الشعب هو مصدر جميع سلطات الدولة، ويمارس الشعب جميع السلطات من خلال الانتخابات والتصويت والهيئات الخاصة للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. (Deutscher Bundestag, 20 Artikel)
وتعتبر وسائل الإعلام من أهم العوامل المؤثرة في الرأي العام الألماني، لذلك فإن نسبة التغيير في اتجاه الرأي العام حول سياسة اللاجئين تتغير بشكل سلبي، وهنا يمكن توضيح الاستطلاع الذي أجراه معهد الأبحاث في مجلة دير شبيغل الألمانية عام 2016م حول سياسة اللاجئين في ألمانيا، ومن خلال الشكل التالي سيتم توضيح سياسة المستشارة الألمانية السابقة “أنغيلا ميركل” بشأن اللاجئين حيث رفض غالبية الألمان بنسبة (82%) وأرادوا تصحيح السياسة التي تتبعها، وبينما رأوا بعدم تغيير سياستها بشكل كامل بنسبة (18%) على النحو التالي: (Deutsche Wirtschafts Nachrichten, 2016)
الشكل (2): سياسة “أنغيلا ميركل” بشأن اللاجئين
المصدر: اعداد الباحث بناءً على المعطيات الموجودة في (اخبار الأعمال الألمانية)
من خلال الشكل السابق نلاحظ بأن (%28) رأوا أن على المستشارة الألمانية “أنغيلا ميركل” تغيير سياستها بشكل جذري، و(%54) رأوا تصحيح سياسة المستشارة بشكل جزئي، وبناءً لمجموع النسب التي شكلت (82%) رفض المجتمع الألماني سياسة “أنغيلا ميركل” بشأن اللاجئين، و(18%) الذين رأوا بعدم تغيير سياستها بشكل كامل، لذلك الرأي العام الألماني تغير بشكل كبير تجاه سياسة اللاجئين، حيث في بداية الأزمة أُعرب الرأي العام الألماني عن تعاطفه مع سياسة اللاجئين. لكن الأحداث والتغييرات في السنوات الأخيرة، والآثار الاقتصادية والأمنية، والانتهاكات التي أثرت على التغييرات في سياسة اللاجئين.
المبحث الثاني: الوضع الاجتماعي للاجئين السوريين في ألمانيا
يتناول هذا المبحث من هذه الدراسة الأوضاع الاجتماعية المتعلقة باللاجئين السوريين في ألمانيا، حيث واجه اللاجئون السوريون العديد من التحديات التي تتمثل في الاندماج الاجتماعي من خلال اكتساب الخبرة والحصول على وظيفة لتغطية الاحتياجات الأساسية وهذا قد يعزز الاقتصاد الألماني، وكذلك تترافق الحالة الاجتماعية في تحديد اتخاذ القرارات. حيث تتمثل أهمية الأوضاع الاجتماعية للاجئين السوريين في ارتباطها بالتطورات السياسية الألمانية، حيث سيتم تناول الواقع الاجتماعي للاجئين من خلال تحديد الخصائص الاجتماعية للاجئين السوريين في البيانات الاحصائية للفئات العمرية والجنس والتركيبة الدينية، وتناول أيضاً عملية الاندماج الاجتماعي، وأهداف برنامج الرعاية المجتمعية في تقديم الخدمات للاجئين.
المطلب الأول: الخصائص الاجتماعية للاجئين السوريين في ألمانيا
أولاً: توزيع الفئات العمرية حسب أعداد اللاجئين السوريين 2021م
إن فهم الفئات العمرية من خلال تصنيف اللاجئين السوريين حسب العمر، يدفعنا للتعرف على المؤشرات في حجم الاقتصاد والتكاليف، لأن وجود عدد كبير من فئة الشباب على سبيل المثال سيكون له تأثير إيجابي أو سلبي على الاقتصاد الألماني أيضًا. حيث إن كثرة الأشخاص الذين لا يستطيعون العمل مثل وجود الأطفال وكبار السن سيؤثر ذلك على مقدار المساعدة والرعاية الصحية التي تقدمها الدولة، بالإضافة إلى عدد العاطلين عن العمل، وهذا هو العامل الذي يؤثر على السياسات العامة التي تنتهجها الدولة، ولها أيضًا تأثير كبير على مختلف قطاعات الأخرى، حيث إن المجتمع الألماني يحتاج إلى القوى العاملة. ونستعرض هنا عدد اللاجئين السوريين في ألمانيا عام 2021م حسب الفئة العمرية على النحو التالي:
الجدول (1): السكان حسب الفئات العمرية للاجئين السوريين في ألمانيا عام 2021م
| من الذين تتراوح أعمارهم | العدد |
| تحت 20 سنة | 354,740 |
| من 20 – 45 سنة | 408,620 |
| من 45 – 65 سنة | 91,185 |
| 65 سنة وما فوق | 13,040 |
| متوسط العمر | 25,3 |
| المجموع | 867,585 |
المصدر: اعداد الباحث بالاعتماد على موقع: المكتب الاتحادي للإحصاء(Statistisches Bundesamt Destatis, 2022)
تشير الأرقام الواردة في الجدول أعلاه إلى عدد السكان اللاجئين السوريين في ألمانيا لعام 2021م حسب الفئات العمرية، حيث تشكل مجموع السكان (867,585) موزعين في أربعة فئات عمرية، حيث كان الارتفاع الأكبر في فئة الشباب وهي ما بين عمر 20 إلى 45 سنة بمجموع بلغ (408,620)، ثم تأتي بعدها فئة الأطفال تحت 20 سنة بمجموع (354,740) وتعتبر في المرتبة الثانية من الفئات العمرية، وثم أدى إلى الانخفاض في فئة الكهولة ما بين عمر 45 إلى 65 سنة بمجموع (91,185)، وحيث كان العدد الأقل في فئة كبار السن وهي 65 سنة وما فوق بمجموع (13,040). وبناءًا على ذلك كانت نسبة العمر ما بين الفئات العمرية (%25.3)، حيث سيتم توضيح الفئات العمرية من خلال الشكل التالي:
الشكل (3): الفئات العمرية للاجئين السوريين في ألمانيا عام 2021م
المصدر: اعداد الباحث بناءً على المعطيات الموجودة في الجدول
يتضح لنا من خلال الرسم البياني بأن الفئات العمرية للاجئين السوريين في ألمانيا ما بين (20-45) سنة هي الأكثر عدداً “فئة الشباب”، نتيجة لأنها ترفع من مستوى الاقتصاد وتوفر تشغيل الأيادي العاملة منهم، بالإضافة إلى المؤهلات العلمية والخبرات العملية التي يمتلكوها، عكس الفئات العمرية الأخرى من الأطفال وكبار السن التي تتطلب الرعاية بشكل أكبر. بالنتيجة إن مستوى أعداد الفئات العمرية بدأت بالأرتفاع في فئة الأطفال والشباب ثم انخفضت في فئات كبار السن.
ثانياً: توزيع أعداد اللاجئين السوريين حسب الجنس
يكشف توزيع عدد اللاجئين السوريين في ألمانيا حسب الجنس عن بعض النقاط الهامة حول المساواة بين الجنسين والقيم الثقافية، مما يدل على أدوار الجنسين المختلفة في ثقافتهم. ويرجع ذلك إلى حقيقة أن المرأة في تلك المجتمعات تسير جنباً إلى جنب مع الرجل ويساهمون بالقدر ذاته في الاقتصاد الألماني، وبصرف النظر عن الاختلاف في ثقافة اللاجئين السوريين عن ثقافة المجتمع الألماني من حيث النظرة للمرأة إلا أنه وبطبيعة الحال فمن المرجح أن يجد الرجال وظيفة بسهولة أكثر من النساء بسبب سوق العمل الذي يركز عليه الذكور في ألمانيا. ونستعرض هنا توضيح عدد اللاجئين السوريين حسب الجنس في ألمانيا على النحو التالي:
الجدول (2): توزيع أعداد اللاجئين السوريين حسب الجنس في ألمانيا
| السنة | الجنس | المجموع | |
| ذكر | أنثى | ||
| 2014 | 73,263 | 44,933 | 118,196 |
| 2015 | 247,327 | 119,228 | 366,555 |
| 2016 | 406,745 | 231,095 | 637,845 |
| 2017 | 428,960 | 269,990 | 698,950 |
| 2018 | 447,880 | 297,760 | 745,645 |
| 2019 | 465,820 | 323,640 | 789,465 |
| 2020 | 480,045 | 338,415 | 818,460 |
| 2021 | 505,470 | 362,115 | 867,585 |
المصدر: اعداد الباحث بالاعتماد على موقع: المكتب الاتحادي للإحصاء (Statistisches Bundesamt Destatis, 2022)
تشير الأرقام الواردة في الجدول أعلاه إلى عدد اللاجئين السوريين في ألمانيا حسب الجنس، ونلاحظ بأن عام 2021م هو العدد الأكثر للاجئين في كلا الجنسين، وبالتالي بأن الأعداد تزداد تبعاً لمجموع التراكمي في أعداد اللاجئين السوريين في ألمانيا.
حيث سيتم تمثيل أعداد اللاجئين السوريين في ألمانيا حسب الجنس من خلال الشكل التالي:
الشكل (4): أعداد اللاجئين السوريين في ألمانيا حسب الجنس
المصدر: اعداد الباحث بناءً على المعطيات الموجودة في الجدول
وبناءً على التمثيل البياني نجد بأن الأعداد اللاجئين السوريين في ألمانيا من فئة الذكور والإناث بدأت بالارتفاع التدريجي المتمثل في المجموع التراكمي من أعداد اللاجئين، لذلك فإن عدد اللاجئين من فئة الذكور هي الأعلى بسبب طبيعة العمل والحالة الاجتماعية والفئة العمرية.
لذلك ان تحقيق المساواة بين الذكور والإناث للاجئين السوريين في ألمانيا كانت على نحو المساواة بين الجنسين. ناهيك عن لم الشمل للعائلة العائد في تحقيق المساواة والنمو الاجتماعي، وتحقيق النمو الاقتصادي.
ثالثاً: توزيع التركيبة الدينية حسب الطلبات الأولية للاجئين السوريين
تؤثر التركيبة الدينية للاجئين السوريين على البنية الدينية للمجتمع الألماني، وكذلك على التغيرات الديموغرافية. ونستعرض هنا توضيح التركيبة الدينية للاجئين السوريين في ألمانيا حسب الطلبات الأولية من عام 2014م حتى عام 2021م على النحو التالي:
الجدول (3): توزيع التركيبة الدينية حسب الطلبات الأولية للاجئين السوريين في ألمانيا
| التركيبة الدينية | 2014 | 2015 | 2016 | 2017 | 2018 | 2019 | 2020 | 2021 |
| الإسلام | 32,477 | 136,743 | 243,691 | 43,620 | 37,257 | 33,163 | 30,982 | 48,699 |
| المسيحية | 1,922 | 6,198 | 6,837 | 1,141 | 786 | 655 | 518 | 772 |
| الإيزيدية | 2,052 | 3,495 | 4,107 | 1,290 | 669 | 573 | 601 | 520 |
| غير طائفية | 285 | 1,161 | 1,824 | 361 | 341 | 293 | 231 | 321 |
| الهندوسية | 1 | 3 | 3 | 0 | 0 | 0 | 2 | 2 |
| البوذية | 1 | 0 | 0 | 0 | 0 | 0 | 0 | 0 |
| ديانات أخرى | 2,594 | 11,057 | 9,788 | 2,562 | 5,114 | 4,586 | 4,099 | 4,589 |
| المجموع | 39,332 | 158,657 | 266,250 | 48,974 | 44,167 | 39,270 | 36,433 | 54,903 |
المصدر: اعداد الباحث، بالاعتماد على موقع المكتب الاتحادي للهجرة والمهاجرين
(Bundesamt für Migration und Flüchtlinge, 2015-2022, Die Seite 24-28)
وبعد أن استعرضنا في الجدول السابق توزيع التركيبة الدينية حسب الطلبات الأولية للاجئين السوريين في ألمانيا خلال سنوات الدراسة، نلاحظ بأن خلال عامين 2015 و2016 النسبة الأعلى للاجئين السوريين في التوزيع الديني هي الفئات الدينية الثلاثة (الإسلام، المسيحية، الإيزيدية) بسبب بداية الدفق للجوء بالإضافة إلى تطبيق سياسة الباب المفتوح، حيث جاءت فئة (المسلمون) بالمرتبة الأولى، ثم تأتي بعدها النسبة المتوسطة في الفئات (غير طائفية، ديانات أخرى)، وأيضاً النسبة الأقل في التوزيع جاءت في الفئات (الهندوسية، البوذية).
في المقابل تراجعت نسبة الطلبات بعد عام 2016م وذلك لأسباب تتعلق بقبول طلبات اللجوء والسياسات الألمانية الحكومية، وهذا التباين الديني للاجئين السوريين قد يؤثر في تركيبة المجتمع في ألمانيا. ولذلك من الطبيعي أن يكون اعداد اللاجئين السوريين الذين يحملون الديانة الإسلامية أعلى من الديانات الأخرى.
المطلب الثاني: الهوية والاندمـاج الاجتماعي
يعتبر الاندماج الاجتماعي من أهم الأوضاع الاجتماعية للاجئين السوريين في ألمانيا، حيث أظهر التكامل من خلال مجالات العمل الاجتماعي في التعايش والتكيف والتضامن بين جميع شرائح المجتمع للاندماج العيش المشترك.
ومن الضروري هنا تحديد مفاهيم الهوية والاندماج الاجتماعي على النحو التالي:
- الهوية: يعتمد تكوين الهوية على عملية مستمرة للتجربة الماضية والتوقعات المستقبلية، وتُعرَّف الهوية على أنها: “تنطوي على التكامل بين الماضي والمستقبل سواء بالنسبة للفرد أو للمجتمع، فهي تربط بين الواقع الماضي بمستقبل مفعم بالأمل”. (كاتبه، 2020)
- الاندماج الاجتماعي: مفهوم وضعه كل مجتمع وجماعة لتحويل الأفراد والجماعات من حالة المواجهة والصراع إلى حالة التعايش السلمي، ويمر بثلاث مراحل من التكافل الاجتماعي والتكيف الاجتماعي والاندماج الاجتماعي. )حاجي، 2020)
وتبرز أهمية هذا التكامل عندما ينتقل الأفراد من مجتمع واحد إلى مجتمع جديد، ويتبنون ثقافة المجتمع الجديد وقوانينه وأساليب حياته الجديدة. لذلك، إذا لم تكن عملية الاندماج مبينة على الاكتفاء والقبول فأنه مجبر على قبول ذلك. وهذا لا يعني أن عملية الاندماج سهلة فهي تأتي مع مشاكل مختلفة بسبب الاختلافات الثقافية بين ثقافة كل لاجئ، بحيث أثر التكيف على اللاجئين. (معابره، 2018، ص93)
والجدير بالذكر أن العديد من اللاجئين السوريين يرفضون استخدام كلمة (الاندماج) لأنه يُنظر إليها على أنها عملية أحادية الاتجاه، حيث كان لطرق التدريس المباشرة المستخدمة في دورات الاندماج، والعلاقات غير المتكافئة التي يعيشها السوريون مع الألمان في اندماج مختلف، وتعتمد علاقات العديد من السوريين مع الألمان جزئيًا على ديناميكيات التنازلية. لذلك، يفضل العديد من الأشخاص استخدام مصطلحات مختلفة مثل (التكامل) عند مناقشة أو معالجة القضايا الشمولية. (الطعاني، 2023، ص40)
وعليه، يرى الباحثان بأن النقاش حول الهوية والاندماج يرتبط بالخطاب السياسي الألماني تجاه اللاجئين السوريين، حيث شكّلت المخاوف من تهديد القيم الثقافية والاجتماعية محور أساسي في خطاب الأحزاب السياسية والسياسيين، مما أدى إلى اعتماد سياسات أكثر تشدداً تجاه اللاجئين. وباستخدام إطار نظرية الأمننة، توضح هذه الدراسة بأن القضايا الثقافية والاجتماعية لم تقتصر فقط على المستوى الشعبي فحسب، بل أصبحت أيضاً أداة لتبرير الإجراءات الرسمية، مثل (تشديد قوانين اللجوء، والحد من لمّ شمل الأسر).
أولاً: تحديات الاندماج الاجتماعي للاجئين السوريين
ترتبط تحديات الاندماج الاجتماعي التي يواجهها اللاجئون السوريون باحتياجات أساسية أهمها: (إيجاد سكن، وإيجاد فرص العمل ودراسة مناسبة، وتسجيل الأطفال في المدارس)؛ وهي أكثر ارتباطاً بتكامل المؤسسات وبناء على ذلك نذكر التحديات التالية: (الطعاني، 2023، ص58-59)
- صعوبة تعلم اللغة الألمانية، وهي عقبة رئيسية أمام فهم الإجراءات البيروقراطية والتواصل فيما يتعلق بقانون اللجوء والمساعدة الاجتماعية. وهذا يؤدي إلى تفاقم العلاقة غير المتكافئة بين اللاجئين والألمان بشكل كبير.
- هناك اختلافات في التقاليد والمعايير والقوانين الألمانية بسبب الاختلافات في البنية الاجتماعية الألمانية (الفردية مقابل المجتمع الجماعي)، والنظام السياسي (البوندستاغ مقابل الرئيس المركزي) وسيادة القانون (المهيمن مقابل الغائب) مقارنة مع بلدان المنشأ.
- من الصعب الحصول على معلومات واضحة في الحقوق والواجبات، على الرغم من وفرة المعلومات المتوفرة على الإنترنت باللغة العربية. ويبدو أن العديد من اللاجئين السوريين لا يزالون يعتمدون على مصادر غير رسمية مثل: (الكلام الشفهي، والأصدقاء، ووسائل التواصل الاجتماعي) للحصول على المعلومات.
- صعوبة إقامة علاقات دائمة مع الألمان مثل: (الصداقات)، بالإضافة إلى التحيزات لدى الجانبين (الألمان واللاجئين) وقلة الوسائل للتغلب عليها.
ثانياً: برنامج الرعاية المجتمعية للاجئين (NesT)
يعد برنامج الرعاية المجتمعية للاجئين السوريين من أهم البرامج المهمة في عملية الاندماج الاجتماعي، ويعرف برنامج الرعاية المجتمعية للاجئين “NesT” بأنه إعادة توطين اللاجئين في ألمانيا حيث تم إطلاق البرنامج قبل ثلاث سنوات في آيار عام 2019م كمشروع تجريبي بين المكتب الاتحادي الألماني للهجرة واللاجئين (BAMF) ومنظمات الرعاية الاجتماعية والدينية. ويأتي أسم البرنامج (NesT) من “Neustart im Team”، وهو ما يعني “بداية جديدة في الفريق”، ويهدف البرنامج لتزويد اللاجئين السوريين بمسكن جديد وتزويد المستفيدين من برنامج إعادة التوطين بإقامة لمدة ثلاث سنوات على الأقل قابلة للتجديد. كما يحق لهم الحصول على تصاريح عمل وفرص الرعاية بما في ذلك دورات اللغة عند وصلهم. (ضوا، وباتكه، 2022)
ويتم اختيار اللاجئين وفقاً لمعايير المفوضية، ثم يتم إرسالهم إلى ألمانيا بمساعدة من المتطوعين الألمان. بعد ذلك يتم ربط اللاجئين بفرق من المساعدين والمرشدين من أفراد ومنظمات وأعضاء المجتمع المدني الذين يوجهونهم ويدعمونهم في جميع جوانب الحياة. ومن خلال ذلك تكون أهداف برنامج الرعاية المجتمعية للاجئين على النحو التالي: (الطعاني، 2023، ص60)
- مساعدة المهاجرين في إيجاد الوظائف والدراسة، ويساعدهم في تعزيز المشاركة الاجتماعية.
- يتلقى المساعدون الدعم من خلال تدريب مجموعات المجتمع المدني كالكنيسة البروتستانتية في ألمانيا (EKD) خلال التدريب الإلزامي الذي أجرته نقطة الاتصال المدنية، ويتعرف الموجهون على التحديات التي قد يواجهونها ويتم تدريبهم على التعامل مع المواقف الخاصة ومناقشة توقعاتهم.
- يقوم أعضاء المجتمع المدني برعاية اللاجئين وإعادة توطينهم في ألمانيا، ومن خلالها يساعدون اللاجئين على الاندماج في المجتمع من خلال دفع نفقات الإيجار لمدة عامين وتقديم المشورة في مختلف المجالات المتعلقة بحياة اللاجئين.
الخاتمة:
توصلت الدراسة من خلال تحليل البيانات والمواقف السياسية والقرارات الحكومية الألمانية، إلى قبول الفرضية الأساسية التي انطلقت منها، والتي مفادها: وجود علاقة ارتباطية طردية بين تزايد أعداد اللاجئين السوريين إلى ألمانيا وتغير الموقف الألماني الرسمي من أزمة اللجوء. فقد أظهرت النتائج أن تزايد أعداد اللاجئين، لا سيما بعد عام 2015، ترافق مع تحول تدريجي في الخطاب السياسي الألماني، من خطاب ترحيبي وإنساني إلى خطاب أكثر حذراً، يرتكز على اعتبارات تتعلق بالأمن القومي، وضبط الحدود، وتعزيز سياسات الاندماج. كما انعكس هذا التحول في سلسلة من التشريعات والإجراءات التي اتخذتها الحكومة الألمانية، والتي هدفت إلى تنظيم عملية اللجوء، وتسريع إجراءات البت في الطلبات، وزيادة الرقابة على الحدود، إضافة إلى تعزيز برامج الاندماج الاجتماعي.
النتائج:
- لجأ السوريون إلى ألمانيا أكثر مما سواها من الدول الأوروبية بسبب السياسة الألمانية المرحبة باستقبال اللاجئين إليها، لذلك ازداد أعداد اللاجئين وطلباتهم الأولية وهذا شهد تأثير على السياسة الألمانية.
- لم تقتصر التحولات في الموقف الألماني تجاه اللاجئين السوريين في ألمانيا فحسب، بل كان لها أيضاً تأثير مباشر على سياسات الهجرة واللجوء في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك اتفاقياته.
- الموقف الرسمي المرتبط بالحكومة والبرلمان الألماني ساهم في سياسته بترحيب اللاجئين عكس الأحزاب السياسية والرأي العام المرتبط بالموقف الشعبي الذي عارض سياسة الباب المفتوح لدخول اللاجئين مما أثر على قرارات الحكومة.
- انعكس تشديد الخطاب الرسمي وتبني سياسات أمنية، بدورهما في صعود اليمين المتطرف (حزب البديل من أجل ألمانيا) في ألمانيا. وهذا يعكس التفاعل الديناميكي بين التغيرات الداخلية، والمواقف الشعبية، والسياسات الأوروبية.
- اللاجئين السوريين من فئة الشباب لهم تأثير إيجابي على الاقتصاد الألماني، على العكس من وجود فئة الأطفال وكبار السن التي تؤثر على مقدار المساعدات المتقدمة من قبل الحكومة وتتطلب الرعاية الصحية.
التوصيات:
- تطوير سياسات تكاملية تراعي التنوع الثقافي وتحديات الاندماج الاجتماعي، دون تعزيز خطاب الأمننة، وذلك للحد من التوترات الاجتماعية وصعود التيارات اليمينية المتطرفة.
- تحسين آليات التواصل مع الرأي العام لتوضيح أهداف سياسات اللجوء والاندماج الاجتماعي، والحد من سوء الفهم بشأن التهديدات المحتملة.
- تعزيز التعاون بين الحكومة الألمانية والاتحاد الأوروبي لضمان سياسة هجرة متماسكة ومستدامة على المستوى الإقليمي.
- توسيع نطاق الدراسات المستقبلية عبر تحليل الخطاب الإعلامي والسياسي في الزمن الحقيقي لتتبع ديناميكيات الأمننة.
- دراسة تأثير السياسة الألمانية على دول الاتحاد الأوروبي الأخرى لتقييم تأثير التجربة الألمانية على سياسة الهجرة الأوروبية بشكل عام.
قائمة المصادر والمراجع
المراجع العربية:
DW – العربية (2021). ما يجب أن تعرفه عن أبرز الأحزاب المشاركة في الانتخابات الألمانية، على الموقع الالكتروني: https://p.dw.com/p/40fwP
RT – العربية (2021). ألمانيا توزع مقاعد نواب البوندستاغ الجديد وفق نتائج الانتخابات، على الموقع الالكتروني: https://bit.ly/3DdAYHS
بلعربي، علي (2019). أمننة الهجرة غير الشرعية في سياسات الاتحاد الأوروبي: دراسة في تأثير الهجرة على الأمن الأوروبي، مجلة العلوم القانونية والسياسية، العدد 2، المجلد 10، الصفحات 870-893، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة الوادي، الجزائر
بوستي، توفيق (2018). مدرسة كوبنهاغن والتحول في مفهوم الأمن: نحو إطار جديد للأمن، المجلة الجزائرية للأمن والتنمية، العدد 13، المجلد 2، الصفحات 179-192، مخبر الأمن في منطقة المتوسط، جامعة باتنة1، الجزائر
بوستي، توفيق (2021). أمننة الهجرة غير الشرعية في سياسات الاتحاد الأوروبي، المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة، مصر، على الموقع الالكتروني: https://bitly.cx/TypuG
حاجي، محمد الهادي (2020). الاندماج الاجتماعي، مؤسسة الحوار المتمدن، العدد: 6603، تونس، على الموقع الالكتروني: https://bitly.cx/1Uh1l
ضوا، وباتكه، ريم، بنيامين (2022). “نيست”: برنامج إعادة توطين ألماني باقي لفترة طويلة، موقع مهاجر نيوز، على الموقع الالكتروني: https://bit.ly/3C3qLvJ
الطعاني، علي حازم (2023). أزمة اللجوء السوري وتأثيرها على الاقتصاد الألماني: “دراسة تحليلية للفترة 2014-2022”، ط1، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية، برلين، ألمانيا. https://www.democraticac.de/?p=93688
الطعاني، علي حازم (2023). اللجوء السوري وأثره على الاقتصاد الألماني (2014-2022)، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة اليرموك، إربد، الأردن
الطعاني، علي حازم (2024). عمليات اللجوء السوري وأثرها على الأوضاع الاقتصادية في ألمانيا (2014-2022)، المجلة الدولية للدراسات الاقتصادية، العدد 29، المجلد 8، الصفحات 158-186، المركز الديمقراطي العربي، برلين، ألمانيا. https://www.democraticac.de/?p=96865
عبد الله، ياسمين (2016). السياسات الألمانية تجاه قضية اللاجئين “دراسة حالة اللاجئين السوريين 2011-2016”، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية، برلين، ألمانيا، على الموقع الالكتروني: https://democraticac.de/?p=33804#_ftn25
عطية، إدريس (2018). النقاشات النظرية في المدارس الأمنية الأوروبية تجاه مسألتي الهجرة واللجوء، مجلة الدراسات الإستراتيجية والعسكرية، العدد 1، المجلد 1، الصفحات 43-55، المركز الديمقراطي العربي، برلين، ألمانيا. https://www.democraticac.de/?p=55968
الغصين، فاطمة (2018). السياسات الأوروبية تجاه اللاجئين السوريين “دراسة مقارنة بين اليونان وألمانيا”، رسالة ماجستير، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة الأزهر، غزة، فلسطين
قسوم، سليم (2018). الإتجاهات الجديدة في الدراسات الأمنية: دراسة في تطور مفهوم الأمن في العلاقات الدولية، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة
كاتبه، عامر (2020). اندماج اللاجئين السوريين الاجتماعي في ألمانيا: التحديات والمقاربات، ترجمة: أحمد عيشة، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، الدوحة، قطر، على الموقع الالكتروني: https://www.harmoon.org/reports
مشري، مرسي (2015). أمننة الهجرة غير الشرعية في السياسات الأوروبية: الدوافع والإنعكاسات، مجلة سياسات عربية، العدد 15، المجلد 3، الصفحات 61-72، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، قطر
معابره، عامر (2018). السياسات الألمانية تجاه اللاجئين من دول الربيع العربي، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة اليرموك، إربد، الأردن
يحياوي، هادية (2020). ألمانيا وأزمة اللجوء السوري: أمننة البعد الهوياتي، المجلة الجزائرية للأمن والتنمية، العدد 2، المجلد 9، الصفحات 315-325، جامعة باتنة 1، باتنة، الجزائر
المراجع الأجنبية:
Bierbach, Mara (2017). AfD, CDU, SPD: Where do German parties stand on refugees, asylum and immigration?, on the website: https://www.dw.com/en/afd-cdu-spd-where-do-german-parties-stand-on-refugees-asylum-and-immigration/a-40610988
Bundesamt für Migration und Flüchtlinge (2015). Das Bundesamt in Zahlen 2014, Nürnberg
Bundesamt für Migration und Flüchtlinge (2016). Das Bundesamt in Zahlen 2015, Nürnberg
Bundesamt für Migration und Flüchtlinge (2017). Das Bundesamt in Zahlen 2016, Nürnberg
Bundesamt für Migration und Flüchtlinge (2018). Das Bundesamt in Zahlen 2017, Nürnberg
Bundesamt für Migration und Flüchtlinge (2019). Das Bundesamt in Zahlen 2018, Nürnberg
Bundesamt für Migration und Flüchtlinge (2020). Das Bundesamt in Zahlen 2019, Nürnberg
Bundesamt für Migration und Flüchtlinge (2021). Das Bundesamt in Zahlen 2020, Nürnberg
Bundesamt für Migration und Flüchtlinge (2022). Das Bundesamt in Zahlen 2021, Nürnberg
Bundesamt für Migration und Flüchtlinge (2022). Das Bundesamt in Zahlen 2021, Nürnberg
Bundeszentrale für politische bildung (2021). Sitzverteilung im 20. Deutschen Bundestag, Durch Verweis auf die Website: https://www.bpb.de/kurz-knapp/zahlen-und-fakten/bundestagswahlen/340992/sitzverteilung/
Deutsche Wirtschafts Nachrichten (2016), Umfrage: 82 Prozent lehnen Merkels Flüchtlings-Politik ab, Durch Verweis auf die Website: https://deutsche-wirtschafts-nachrichten.de/2016/09/10/umfrage-82-prozent-lehnen-merkels-fluechtlings-politik-ab
Deutscher Bundestag, Grundgesetz für die Bundesrepublik Deutschland, Die Bundesregierung, 65 Artikel, Durch Verweis auf die Website: https://www.bundestag.de/gg
Deutscher Bundestag, Grundgesetz für die Bundesrepublik Deutschland, Die Bundesregierung, 38 & 45 Artikel, Durch Verweis auf die Website: https://www.bundestag.de/gg
Deutscher Bundestag, Grundgesetz für die Bundesrepublik Deutschland, Die Bundesregierung, 20 Artikel, Durch Verweis auf die Website: https://www.bundestag.de/gg
Deutschland (2021), Haben Minderheiten Eigene Parteien?, Durch Verweis auf die Website: https://www.deutschland.de/de/topic/politik/wahl-in-deutschland-fakten-zu-bundestag-und-wahlrecht
European Greens (2021). Wir schützen Flüchtlinge und machen eine Politik gegen Fluchtgründe, Durch Verweis auf die Website: https://www.gruene.de/themen/fluechtlinge
Floyd, Rita )2007(. Toward a Consequentialist Evaluation of Security: Bringing Together the Copenhagen and the Welsh Schools of Security Studies, Review of International Studies, Vol.33, N°1, Pages 327-350, Cambridge University Press, Cambridge, United Kingdom
Goldenberg, Rina (2021). Germany’s political parties – what you need to know, on the website: https://www.dw.com/en/spd-green-party-fdp-cdu-left-party-afd/a-38085900
Lehming, Malte (2017). Osteuropa und die Flüchtlingskrise, Durch Verweis auf die Website: https://www.tagesspiegel.de/politik/nur-christen-aufnehmen-dann-soll-es-so-sein-3842116.html
Ruta, Christina (2017). Germany’s revamped asylum law, one year later, DW, Berlin, Germany, on the website: https://www.dw.com/en/germanys-revamped-asylum-law-one-year-later/a-37722393
Shuster, Simon (2017). A Syrian Refugee Family Watched Their Hopes for Reunion Dim Along with Angela Merkel’s Political Future, Time, USA, on the website: https://time.com/5033475/angel-merkel-german-government-refugee-syria/
Statistisches Bundesamt Destatis (2022), Ausländer: Deutschland, Stichtag, Geschlecht, Auf der Website: https://bit.ly/3CxwaMt
Statistisches Bundesamt Destatis (2022), Migration und Integration, Ausländische Bevölkerung nach Altersgruppen und ausgewählten Staatsangehörigkeiten, Auf der Website: https://www.destatis.de/DE/Themen/Gesellschaft-Umwelt/Bevoelkerung/Migration-Integration/Tabellen/auslaendische-bevoelkerung-altersgruppen.html
Taureck, Rita (2006). Securitization theory and securitization studies, Journal of International Relations and Development, Volume 9, Pages 53-61, The Centre of International Relations, University of Ljubljana, Slovenia. https://doi.org/10.1057/palgrave.jird.1800072



