الدراسات البحثيةالمتخصصة

فاشيات حمى الضنك في ولاية الخرطوم في الفترة الزمنية 2024_2025: التوصيات والنتائج

اعداد:

  • 1_د. صيدلي التجاني صلاح عبدالله المبارك . مدير الجودة والتطوير الإداري. صندوق الدواء الدائري. ولاية الخرطوم.
  • 2_ د. صيدلي عفاف حسن محمد احمد. مدير الادارة العامة للموارد المالية والبشرية. صندوق الدواء الدائري. ولاية الخرطوم.
  • 3_ د. صيدلي محمد خالد حاج مدني. مدير اشراف المراكز الصحية الحكومية. صندوق الدواء الدائري. ولاية الخرطوم.
  • 4_عبدالرحمن كلمجة اوبيل. محاسب. صندوق الدواء الدائري. ولاية الخرطوم.
  • 5_امل يوسف محمد. سكرتيرة المدير العام لصندوق الدواء الدائري. ولاية الخرطوم.

 

ملخص:

شهد السودان في الفترة الاخيرة ظواهر مناخية متطرفة، تمثلت في ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة مصحوبا بهطول امطار غزيرة هذا العام2025، وقد تزامنت هذه التغيرات البيئية مع تعافي البلاد من الآثار المدمرة للهجمات والاضطرابات التي تسببت بها ميليشيات الدعم السريع الإرهابية والمتمردة، والتي أطلقت تمردًا مسلحًا ضد القوات المسلحة السودانية، مما أدى إلى واحدة من أكبر المواجهات العسكرية في تاريخ السودان الحديث، وقد تضمنت الدراسة عن فاشيات حمى الضنك في ولاية الخرطوم في الفترة الزمنية 2024_2025  الحديث في اكثر من منظور، باستخدام المنهج الوصفي التحليلي، مثل تعريف حمى الضنك وحمى الضنك الوخيمة، وآلية عمل الفيروس داخل الجسم ((Pathogenesisوالأعراض السريرية للمرض، وخطوط العلاج لحمى الضنك، ومضاعفات مرض حمى الضنك، ولقاح حمى الضنك، وطرق الوقاية من المرض،كما تسلط الدراسة الضوء على الأهمية البالغة للتخطيط العمراني وتطوير البنية التحتية في ولاية الخرطوم، ولا سيما الحاجة إلى أنظمة فعالة لتصريف مياه الأمطار، للحد من تكوُّن البرك الراكدة، التي تمثل بيئة مثالية لتكاثر نواقل الأمراض مثل البعوض. وتُعد مثل هذه الحلول البنيوية من الركائز الأساسية لأي استراتيجية صحية مستدامة،  وتحدثت الدراسة عن دور الصيادلة في السيطرة على المرض وانتشاره، مع إبراز مساهماتهم في رفع الوعي الصحي، والكشف المبكر، وإدارة صرف الأدوية، إضافة إلى ذلك، تستعرض الدراسة المهام المنوطة بوزارتي الصحة الاتحادية والولائية، ووالي الخرطوم في مواجهة تفشي المرض وتطبيق خطط شاملة لمكافحة الوباء، واختتمت الدراسة بالتوصيات والنتائج التي توصلت إليها.

Abstract

Sudan has recently experienced extreme climatic variability, marked by a rise in ambient temperatures and unusually heavy rainfall in 2025. These environmental changes occurred alongside the country’s recovery from the devastating repercussions of the armed insurgency launched by the Rapid Support Forces (RSF) against the Sudanese Armed Forces—one of the largest military confrontations in Sudan’s modern history. Against this complex backdrop, dengue fever outbreaks emerged across several states, with Khartoum, the political capital, being most severely affected.

This study investigates dengue fever outbreaks in Khartoum State during 2024–2025 through a descriptive-analytical methodology. It examines the disease from multiple perspectives, including the definition and classification of dengue and severe dengue, viral pathogenesis, clinical manifestations, treatment approaches, complications, vaccines, and preventive measures. Particular emphasis is placed on the critical role of urban planning and infrastructure development—most notably the establishment of efficient rainwater drainage systems—to limit the formation of stagnant water pools that serve as breeding sites for mosquito vectors.

Additionally, the study highlights the contributions of pharmacists in public health awareness, early detection, and rational medication management, while outlining the responsibilities of federal and state health authorities in implementing comprehensive epidemic-control strategies. The analysis concludes with key findings and recommendations to strengthen sustainable public health preparedness and response in Sudan.

الملخص المفاهيمي:

تعتمد هذه الدراسة على مجموعة من المفاهيم المترابطة التي تفسر ديناميكية فاشيات حمى الضنك في ولاية الخرطوم هذا العام 2025.من هذه المفاهيم هو ان الفاشيات، باعتبارها حدثاً وبائياً يتسم بزيادة غير اعتيادية في عدد الحالات،  يرتبط بوجود عوامل بيئية أو اجتماعية محركة للانتشار.

كما يعتبر مفهوم المتغيرات المناخية مثل هطول الأمطار الغزيرة، من العوامل التي تؤثر مباشرة في دورة حياة البعوض الناقل، وبالتالي تحدد نمط وحدّة التفشي، ويتقاطع مع هذه المفاهيم مفهوم الاستجابة الصحية المتوقعة، التي تشمل الترصد، التشخيص، التوعية، والمكافحة البيئية.

إن جمع هذه المفاهيم ضمن إطار واحد يساعد على بناء تصور متكامل لطبيعة المشكلة، ويتيح للدراسة اختبار الفرضية القائلة بأن التغيرات المناخية غير المتوقعة، وضعف الاستجابة الصحية، يسهمان في زيادة فاشيات حمى الضنك وخطورة مضاعفاتها في ولاية الخرطوم.

  1. 1. الاطار العام

1.1المقدمة:

شهد السودان في الفترة الاخيرة ظواهر مناخية متطرفة، تمثلت في ارتفاع درجات الحرارة مصحوبا بهطول امطار غزيرة هذا العام2025 والذي صادف تعافي البلاد من هجمات وتفلتات ميليشيات الدعم السريع الارهابية المتمردة،التي رفعت التمرد في وجه القوات المسلحة السودانية، وبادرت في الدخول في اكبر مواجهة عسكرية يشهدها السودان في تاريخه الحديث، ولا يمكن هنا لكاتب الدراسة ان يغفل عن ذكر هذه المواجهة بين قوات الجيش السوداني وميليشيات الدعم السريع الارهابية، وان ينحي هذه الحرب وآثارها المآساوية عن دراسته ل-حمى الضنك، وحمى الضنك الوخيمة التي إنتشرت بصورة وبائية في بعض ولايات السودان، وعلى رأسها ولاية الخرطوم العاصمة السياسية السودانية، وسيظهر في ثنايا هذه الدراسة كيف كان أثر هذه المواجهة الكبيرة على منظومة القطاع الصحي في ولايات السودان وعلى ولاية الخرطوم موضع الدراسة بصفة خاصة.

حمّى الضنك مرض فيروسي منتشر عالميًا، ويُعد من أكبر التحديات الصحية العامة في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، وقد حدثت فاشيات (انتشار الوباء) في شرق أفريقيا، قد تكون العدوى الأولية عديمة الأعراض (لا عرضية) أو تظهر كحمى ضنك بسيطة، وتزيد إصابات العدوى اللاحقة من خطورة حدوث حمى الضنك الشديدة.[1]

ويشير أحد التقديرات المتعلقة بوضع النماذج إلى وقوع 390 مليون حالة عدوى بفيروس حُمّى الضنك سنوياً، منها 96 مليون حالة مصحوبة بأعراض سريرية واضحة، وتشير دراسة أخرى في تقديراتها عن معدلات انتشار حُمّى الضنك إلى وجود 3,9 مليار شخص معرّضين لخطر الإصابة بعدوى فيروسات حُمّى الضنك، وقد أصبح المرض الآن متوطناً في أكثر من 100 بلد من البلدان الواقعة في كل من الإقليم الأفريقي وإقليم الأمريكيتين وإقليم شرق المتوسط وإقليم جنوب شرق آسيا وإقليم غرب المحيط الهادئ التابعة للمنظمة، علماً بأن أقاليم كل من الأمريكتين وجنوب شرق آسيا وغرب المحيط الهادئ هي الأكثر تأثراً بالمرض، حيث ترزح آسيا تحت وطأة نسبة 70% من عبئه العالمي.[2]

لقد ازدادت بشدّة معدلات الإصابة بحُمّى الضنك في أنحاء العالم بأسره خلال العقود الأخيرة، وارتفع عدد حالاتها من 505 430 حالات في عام 2000 إلى 5,2 مليون حالة في عام 2019. ومعظم حالات الإصابة بالحُمّى غير مصحوبة بأعراض أو خفيفة ومدبرة العلاج ذاتياً، ويقلّ بالتالي معدل الإبلاغ عن الأعداد الفعلية لحالات الإصابة بها. كما يُخطأ في تشخيص الكثير من حالاتها بوصفها من الاعتلالات الحموية الأخرى .

وشهد عام 2023 تسجيل أكبر عدد من حالات حُمّى الضنك التي أثرت على أكثر من 80 بلداً تقع في أقاليم المنظمة كلها. ومنذ بداية عام 2023، أدى انتقال العدوى المستمر جنباً إلى جنب مع الارتفاع المفاجئ وغير المتوقع في حالات الإصابة بحُمّى الضنك، إلى زيادة تاريخية في الحالات بعد أن تجاوز عددها 6,5 مليون حالة، وأُبلغ عن أكثر من 7300 وفاة ناجمة عن حُمّى الضنك.[3]

وفي السودان أعلنت وزارة الصحة الاتحادية، في تقرير صادر عن مركز عمليات الطوارئ، عن ارتفاع ملحوظ في حالات الإصابة بحمى الضنك،  ويأتي هذا الارتفاع وسط ضعف الإمكانات، ونقص حاد في أدوات الرصد والاستجابة.

من جهته، أقر وزير الصحة الاتحادية ، د “هيثم محمد إبراهيم،” بوجود “احتياج ضخم في كل الجوانب”، مشيرًا إلى التحديات التي تواجه الاستجابة للطوارئ الصحية، في ظل استمرار النزوح وعودة بعض السكان إلى مناطقهم المدمرة، وأشاد بجهود وزارات الصحة في الولايات، مؤكدًا على أهمية تعزيز الدعم من الوزارة الاتحادية، لا سيما مع اقتراب موسم الخريف الذي عادة ما يصاحب بارتفاع في معدلات الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه.

ويواجه السودان منذ اندلاع الحرب في نيسان/أبريل 2023، وضعًا إنسانيًا بالغ التعقيد، حيث انهار جزء كبير من النظام الصحي نتيجة استهداف البنية التحتية للمستشفيات والمراكز الصحية، وغياب الكوادر الطبية، ونقص الإمدادات الدوائية، وتزداد التحذيرات من موجات جديدة من الكوليرا والحميات النزفية، مع اقتراب موسم الأمطار وضعف إجراءات الوقاية والاستجابة.

وتدعو منظمات محلية ودولية إلى تحرك عاجل لاحتواء الأزمة الصحية المتفاقمة، وتوفير الحد الأدنى من الخدمات الصحية للنازحين والمجتمعات المضيفة،  مع التركيز على دعم جهود الترصد، والاستجابة السريعة للأوبئة.[4]

لقد كان لهطول الامطار الغزيرة في ولاية الخرطوم الاثر الكبير في انتشار وباء حمى الضنك، في بلد بدأ اخيرا في التعافي من الحرب الظالمة التي بدأتها ميليشيات الدعم السريع الارهابية المتمردة، بمعاونة قوى الشر والظلام، ومرتزقة إفريقيا وكولمبيا، وكل اوباش الارض، للنيل من وحدة السودان، وأمنه، ونهب خيراته الطبيعية التي حباه الله بها، والتي آن للسودانيين أن يشرعوا في لملمة اطرافهم والنهوض من كبوتهم ، وأن يستلموا مكانة متميزة في قيادة العالم.

كان لهطول الامطارالغزيرة الاثر الكبير في أسواء تفشي لحمى الضنك منذ عقود، كما تصفه وزارة الصحة السودانية، فقد خلفت الامطار بركا كبيرة من المياه الراكدة في ساحات وميادين الولاية، لتشهد توالد وتكاثر اعدادا كبيرة من البعوض المسبب لهذا المرض، الزاعجة المصرية.

2.1المشكلة البحثية وتساؤلاتها:

شهدت ولاية الخرطوم في هذا العام 2025 زيادة ملحوظة في حالات الإصابة بحمى الضنك، وحمى الضنك الوخيمة، مع تسجيل فاشيات متكررة،وهي من ثم تمثل تحدياً كبيراً للقطاع الصحي نتيجة لمحدودية إمكانيات التشخيص المبكر، وضعف أنظمة الترصد الوبائي، وقصور كبير في برامج المكافحة البيئية والوقائية.

ورغم خطورة المرض وتأثيره الصحي والاقتصادي والاجتماعي، لا تزال المعلومات حول العوامل المسببة لتكرار الفاشيات، وفعالية الاستجابة الصحية الفورية غير مكتملة.

لذلك تبرز المشكلة البحثية في الحاجة إلى دراسة شاملة لفاشيات حمى الضنك،وحمى الضنك الوخيمة في ولاية الخرطوم 2025 لفهم ديناميكيتها، والعوامل المسببة لها وتحديد التحديات والفرص لتحسين السيطرة والوقاية.

من هنا يمكن صياغة تساؤلات البحث على النحو الاتي:

1 _ما هو الوضع الوبائي الحالي لحمى الضنك في ولاية الخرطوم خلال عام 2025؟

2_ماهي العوامل المساعدة في تفشي وازدياد معدلات الاصابة وتكرار الفاشيات ؟

3_ ماهو أثر الكثافة السكانية غير الحضرية في انتشار المرض؟

4_ما مدى كفاءة استجابة النظام الصحي لفاشيات حمى الضنك في الخرطوم 2025؟

3.1أهدااف الدراسة:

تقدير عبء حمّى الضنك وعوامل الخطر في ولاية الخرطوم خلال العام 2024–2025، ووضع حزمة تدخلات وتوصيات موجهة حكوميا ومجتمعيًا وبيئيًا للحد من الانتقال.

4.1أهمية الدراسة:

تكتسب هذه الدراسة أهميتها من دورها في توثيق الوضع الوبائي لحمى الضنك وحمى الضنك الوخيمة، بولاية الخرطوم عام 2025، والكشف عن العوامل المساهمة في انتشار الفاشيات وتكرارها، بما يساعد في تحسين استجابة النظام الصحي، وتطوير إستراتيجيات فعّالة للوقاية والمكافحة، وتوفير مرجع علمي يساعد الباحثين وصانعي القرار في التخطيط لمواجهات مستقبلية أكثر نجاعة.

 5.1حدود الدراسة:

الحدود الزمنية:

  • الفترة من 2024 إلى 2025، وهي الفترة التي شهدت تفشيًا واسعًا للمرض في ولاية الخرطوم.
  •  الحدود المكانية:
  • تركّزت الدراسة على ولاية الخرطوم، نظرًا لأنها من أكثر الولايات تأثرًا بالوباء، وكونها العاصمة السياسية والإدارية.
  •  الحدود الموضوعية:
  • تتناول الدراسة انتشار حمى الضنك، آثاره الصحية والاجتماعية، آليات الوقاية، الاستجابة الصحية، ودور الصيادلة والمؤسسات الصحية في السيطرة على المرض.

6.1منهجية الدراسة:

اعتمدت هذه الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي (Descriptive Analytical Method)، وذلك لملاءمته لطبيعة الموضوع، حيث يُستخدم هذا المنهج في دراسة الظواهر الصحية والوبائية من خلال جمع البيانات الواقعية الميدانية المتعلقة بانتشار مرض حمى الضنك، ثم تحليلها بهدف الوصول إلى فهم شامل لأبعاد الظاهرة.

7.1الدراسات السابقة:

ولتكون فائدة هذه الدراسة عن حمى الضنك وحمى الضنك الوخيمة، في ولاية الخرطوم في 2024_2025  فائدة كبيرة وعظيمة ، فقد بحثت عن دراسات سابقة تناولت ذات الموضوع، وقدمت فيها المعلومات الغنية المفيدة، والاقتراحات والتوصيات الثمينة، فلم أظفر ببغيتي، ورجعت خائبا، صفر اليدين، إلى أن امدتني الدكتورة ” عفاف حسن محمد احمد” مدير الادارة العامة للموارد المالية والبشرية في صندوق الدواء الدائري ولاية الخرطوم، بدراسة وحيدة يتيمة، عن حمى الضنك: دعوة لتدخلات عاجلة للتصدي لمرض  مستجد  سريع التوسع، صادرة عن منظمة الصحة العالمية، المكتب الاقليمي لشرق المتوسط في آب/اغسطس 2011 فوجدتها شديدة الاهمية، ثرة المعلومات، وشكرت د. “عفاف ” على حسن صنيعها، فلم تخيب ظني، ولم تقطع أملي، وتجدد نشاطي لهذه الدراسة الهامة.

وقد جاءت الدراسة التي عثرت عليها من المكتب الاقليمي لشرق المتوسط عن حمى الضنك، محتوية على مقدمة، وتحليل للوضع الراهن: الوضع العالمي والوضع الإقليمي، والعوامل المؤثرة في انتشار حمى الضنك في الإقليم،والاستراتيجية العالمية لمكافحة المرض، وارساء التنسيق بين القطاعات على المستويات الوطنية والاقليمية،والتوجهات الإستراتيجية، ونظم الترصد، والشراكات، والتأهب والمواجهة، والتثقيف الصحي والبحوث، ثم اختتمت الورقة بتوصيات الى الدول الاعضاء.

وفي مقدمة الدراسة تم تعريف مرض حمى الضنك الفيروسي واعراضها المتمثلة في اصابة الفرد بحمى وآلام عضلية ومفصلية شديدة، مما يبرر اسمها الشائع حمى تكسير العظام، ولكنها احيانا تؤدي الى تظاهرات نزفية مميتة (يطلق عليها حمى الضنك النزفية) وقد تحدث احيانا بعض المضاعفات المميتة (متلازمة الصدمة الضنكية)، وتنتقل فيروسات الضنك من شخص لاخر بواسطة بعوض الزواعج Aedes  من جنيس السقفاوات Stegomyia التي تعد من اهم نواقل الوباء، اما البعوض جميعها من الزواعج باستثناء الزاعجة المصرية اقل قدرة على نقل الوباء، ومع ان حمى الضنك لا تسبب الموت إلا في حالات نادرة فان معدلات الاماتة الناتجة عن حمى الضنك النزفية قد تصل إلى 20% واذا طبقت المعالجة الداعمة المكثفة الحديثة، فيمكن خفض هذه المعدلات إلى اقل من 1% اما معدل الاماتة الناجم عن متلازمة الصدمة الضنكية، فيختلف من بلد لآخر متراوحا بين 12%إلى 44%  .

وفي تحليل الوضع العالمي الراهن وقت اعداد الورقة عام 2011، فقد ذكرت الدراسة ان 50 مليونا من حالات العدوى بحمى الضنك تحدث كل عام مستوى العالم، الى جانب 500.000 من حالات حمى الضنك النزفية يعقبها حدوث 12.000 الى 24.000 حالة وفاة معظمها وسط الاطفال دون الخامسة عشر.

وقبل عام 1970 كانت حمى الضنك النزفية الوبائية حصرا في تسعة دول، اما الان فالمرض متوطن في اكثر من مائة دولة حول العالم من الاقاليم الإفريقية والامريكية وشرق المتوسط وجنوب شرق اسيا وغرب المحيط الهادئ، وقد حدثت فاشيات ذات شأن مؤخرا في خمسة من الاقاليم الستة لمنظمة الصحة العالمية، باستثناء الاقليم الأوروبي، ولو انه قد تم الابلاغ عن حالات حمى الضنك وافدة من أوروبا، وقد عزي ازدياد هجمة المرض وشدته الى عدة عوامل، مثل التغير المناخي والتحضر، والازدياد العشوائي للسكان في المدن وارباضها، كل ذلك  ادى إلى توالد وتكاثر الزاعجات المصريات.

وفي الوضع الاقليمي، فان حمى الضنك تعتبر من الأمراض المستجدة في اقليم شرق المتوسط، وقطعت الدراسة ان منظمة الامم المتحدة لم تتلقى اي تقارير تفيد بحدوث فاشيات مؤكدة على مدى عقدين من الزمان، وبشكل عام، تم التبليغ عن حالات للمرض فى الدول الواقعة على شاطيء البحر الأحمر وبحر العرب، مثل اليمن والسودان وباكستان، وجيبوتي والصومال والمملكة السعودية وعمان.

وتطرقت الدراسة الى العوامل المؤثرة في انتشار حمى الضنك في الإقليم مثل الازدياد السكاني والنزوح البشري حول العالم، وغياب الترصد الفعال بما ينطوي على وجود النقص في معدلات التشخيص، والتبليغ الناقص والمتأخر والالتزام السياسي غير الكافي، وعدم كفاية الاموال المخصصة على الصعيد الوطني، ووجود النقص في اعداد المهنيين الصحيين المدربين وسرعة تنقلهم.

وفي الإستراتيجية العالمية لمكافحة حمى الضنك، تؤكد الإستراتيجية على تعزيز  الترصد الفعال للمرض وتعزيز  نظم المعلومات الصحية المرتبطة به، واعدد خطط للتأهب والمواجهة، وتنفيذ مكافحة انتقائية متكاملة للبعوض، يشارك فيها المجتمع بقطاعاته المختلفة وتعزيز بناء القدرات والتدريب في مجالات العلاج السريري، وتقوية مكافحة النواقل، وتعزيز البحوث لمكافحتها، وتعزيز وتحسين الإستراتيجيات الوطنية، وتعزيز  البحوث حول الضنك، وحشد الموارد الخارجية لمكافحة المرض باعتبار ذلك من الاولويات.

وفي ارساء التنسيق بين القطاعات على المستويات الوطنية والاقليمية، تحدثت دراسة المكتب الاقليمي لشرق المتوسط  عن الفرصة الممتازة للتنسيق بين مختلف شركاء المحنة، لتدبير وتنفيذ الاغراض المتوخاة لمكافحة المرض، وعلى راسها تحديد الاولويات، واعداد الإستراتيجية الوطنية، وتعزيز الإجراءات المشتركة التعاونية غير التنافسية بين مختلف الشركاء، واعداد خطط عمل تفصيلية للترصد ولاجراءت المكافحة بما يكون محصلته ومردوده العظيم متمثلا في توفر معلومات فائقة الجودة ومنتظمة وفي وقتها المناسب،  والتنبوء بالاوبئة في وقت باكر، والتقييم الموضوعي للتدخلات وقت نزول الوباء، وتبادل المعلومات بين مختلف الدول،  هو امر بالغ الأهمية لتلافي حدوث الهلع والجزع.

وفي التوجهات الإستراتيجية لمكافحة مرض حمى الضنك، فإن خفض معدلات المراضة، وخفض الوفيات الناجمة، يعتبر من الأهداف الاساسية، وتفترض الدراسة توفر اربعة عناصر ضمن الخطط الوطنية الإستراتيجية مثل:

  • 1_ إنشاء نظم فعالة لترصد المرض ونواقل المرض، مبنية على نظم المعلومات الصحية والمختبرات الموثوقة.
  • 2_تعزيز الشراكات وضمان المكافحة المتكاملة للنواقل، مع مساهمة مجتمعية ومتعددة القطاعات.
  • 3_ترسيخ قدرات التاهب للطوارئ،  بغية الوقاية من الفاشيات ومكافحتها، وفق خطة طوارئ ملائمة لمكافحة النواقل، والتدبير العلاجي للحالات والتثقيف والإمداد.
  •  4_ تعزيز القدرات والتدريب والتثقيف الصحي والبحوث في مجال الترصد ومكافحة النواقل، والتدبير العلاجي للحالات.

واختتمت الورقة بتوصيات إلى الدول الاعضاء جاء فيها:

  • 1_ ضمان مستوى رفيع من الالتزام السياسي، الذي يوفر موارد بشرية واقتصادية كافية لإعداد استراتيجية وطنية مسندة بالبيانات وخطة عمل، للوقاية من حمى الضنك ولمجابهة فاشياتها.
  • 2_ تعزيز النظم الصحية الوطنية لتحسين تشخيص حالات حمى الضنك وحمى الضنك النزفية، وتدبيرها تدبيرا ملائما.
  • 3_ إنشاء نظم فعالة لترصد المرض وترصد النواقل، استناداًإلى نظمٍ موثوقة للمعلومات الصحية وللمختبرات.
  •  4_ تعزيز الشراكات، وضمان المكافحة المتكاملة لنواقل المرض، مع مساهمة مجتمعية ومتعددة القطاعات.
  • . 5_انشاء قدرات للتأهب للطوارئ بغية الوقاية من الفاشيات ومكافحتها، مع خطط ملائمة للطوارئ تتعلق بمكافحة نواقل المرض،  وتدبير حالاته والتثقيف والامداد اللوجستي.
  • 6_تعزيز القدرات والتدريب والتثقيف الصحي والبحوث، حول الترصد وحول مكافحة نواقل المرض وتدبير حالاته.
  •   7_ إنشاء لجان وطنية متعددة القطاعات معنية بحمى الضنك، بغية دعم وتنفيذ التعاون بين البرامج وبين الوكالات، وبين القطاعات وبين الدول، من اجل مجابهة الفاشيات، الى جانب زيادة الاسهام المجتمعي والتثقيف حول خفض مصادر العدوى، والتعرف الباكر على مضاعفات المرض على مستوى السكان، مع احالة الحالات المصابة بالمضاعفات في الوقت المناسب.
  1. 2. الاطار النظري

تعريف حمى الضنك وحمى الضنك الوخيمة:

حمّى الضنك (Dengue Fever) مرض فيروسي حاد تسببه فيروسات الضنك (DENV) التابعة لعائلة المصفرات Flaviviridae، وله أربعة أنماط مصلية (DENV-1، DENV-2، DENV-3، DENV-4). يسبب حمى وضنك، وكأن العظم يتكسّر (لذا يُعرف بـ “break-bone fever”) . يمكن أن تظهر بأشكال منعدمة الأعراض إلى أشكال مرضية شديدة مثل حمى الضنك النزفية (DHF) ومتلازمة الصدمة، ينتقل المرض إلى الإنسان أساسًا عن طريق لدغات بعوضة الزاعجة المصرية (Aedes aegypti)، وأحيانًا بعوضة الزاعجة البيضاء (Aedes albopictus).

من الواجب الاشتباه بالاصابة بحمى الضنك، عندما تترافق الحمى الشديدة 40)درجة مئوية 104 فهرنهايت)  باثنين من الاعراض التالية: الصداع الحاد، وألم خلف العيون، وآلام العضلات والمفاصل، والغثيان والقئ، وانتفاخ الغدد، والطفح، وعادة ما تدوم الاعراض بين 2 إلى 7 أيام وذلك في اعقاب فترة حضانة بين 4 إلى 10 أيام بعد اللسع من بعوضة مصابة.

اما حمى الضنك الوخيمة فهي من المضاعفات المميتة المحتملة ، بسبب تسرب البلازما او تراكم الوسائل،  أو ضيق التنفس، أو النزف الوخيم، أو قصور الاعضاء، وتظهر العلامات التحذيرية بعد ثلاثة الى سبعة أيام من الأعراض الأولى، بالترافق مع انخفاض في  درجة الحرارة (دون 38 درجة مئوية 100 فهرنهايت) وتشمل الم معدي شديد وقيء متواصل، وسرعة تنفس، ونزف اللثة، واجهاد وتململ، وجود دم في القيء، وقد تكون الساعات 24_48 من المراحل الخطرة وقاتلة وتدعو الحاجة الى رعاية طبية مناسبة لتفادي المضاعفات وخطر الوفاة.[5]

نصف سكان العالم تقريباً معرّضون الآن لخطر الإصابة بحُمّى الضنك، وتشير التقديرات إلى حدوث حالات عدوى تتراوح بين 100 و400 مليون حالة سنوياً.

تظهر حُمّى الضنك (الحُمّى المؤلمة للعظام) في المناخات المدارية وشبه المدارية في العالم، ولا سيما في المناطق الحضرية وشبه الحضرية، وهي عدوى فيروسية ينقلها البعوض إلى البشر، وهي أكثر شيوعاً في المناخات الاستوائية وشبه الاستوائية.ومعظم الأشخاص الذين يصابون بحُمّى الضنك لا تظهر عليهم أعراضها، ولكن تتمثل أعراضها الأكثر شيوعاً لدى من تظهر عليهم أعراضها في الإصابة بالحُمّى الشديدة والصداع، وآلام الجسم والغثيان والطفح الجلدي، وتتحسّن الحالة الصحية لمعظم هؤلاء المرضى في غضون فترة تتراوح بين أسبوع واحد وأسبوعين.

ورغم أن الكثير من حالات العدوى بحُمّى الضنك غير مصحوبة بأعراض أو لا تسبّب إلا اعتلالات خفيفة، فإن فيروس المرض يمكن أن يسبّب أحياناً حالات أكثر وخامة، بل وحتى الوفاة.

تعتمد الوقاية من حُمّى الضنك ومكافحتها على مكافحة نواقلها. ولا يوجد علاج مُحدّد لحُمّى الضنك/ حُمّى الضنك الوخيمة، غير أن الكشف المبكر عن عدواها وإتاحة الرعاية الطبية اللازمة يقلّلان إلى حد كبير من معدلات الإماتة الناجمة عن حُمّى الضنك الوخيمة.[6]

آلية عمل الفيروس داخل الجسم (Pathogenesis):

ينتقل فيروس حُمّى الضنك إلى الإنسان بواسطة قرص إناث البعوض الحاملة لعدواه، وهي أساساً من نوع الزاعجة المصرية. وثمة أنواع أخرى من البعوض الزاعج بإمكانها أيضاً أن تقوم مقام نواقل للمرض، بيد أن إسهامها في نقله يعد ثانوياً مقارنة بالزاعجة المصرية. ولكن شهدت أوروبا في عام 2023 زيادة مفاجئة في معدلات انتقال حُمّى الضنك محلياً بواسطة البعوض من نوع الزاعجة المُنقّطة بالأبيض.

وبعد أن تتغذى البعوضة على دم شخص مصاب بعدوى المرض، يتكاثر الفيروس في معدتها الوسطى قبل أن ينتشر في أنسجتها الثانوية، بما فيها الغدد اللعابية. ويُسمى الوقت الذي تستغرقه البعوضة انطلاقاً من تناولها للفيروس وحتى نقلها له فعلياً إلى مضيف جديد بفترة الحضانة الخارجية. وتستغرق هذه الفترة ما بين 8 أيام و12 يوماً تقريباً عندما تتراوح درجة حرارة المحيط بين 25 و28 درجة مئوية. ولا تتأثر الاختلافات في فترة الحضانة الخارجية بدرجة حرارة المحيط فحسب؛ بل يوجد عوامل عديدة تتأثر بها، مثل حجم التقلبات الطارئة على درجات الحرارة يومياً، والنمط الجيني للفيروس، وتركيزات الفيروس الأولية التي يمكن أن تغير أيضاً الوقت الذي تستغرقه البعوضة في نقله. وبمجرد أن تصبح البعوضة معدية، فإن بإماكانها أن تنقل الفيروس طوال الفترة المتبقية من حياتها.[7]

ينتقل الفيروس إلى الإنسان عبر لدغة بعوضة Aedes، ثم يبدأ بالتكاثر في موضع الحقن، ثم ينتقل إلى مجرى الدم وينتشر في الجسم .

تحدث حمى الضنك الحادة عندما تتلف الأوعية الدموية ويتسرب منها الدم. وينخفض عدد الخلايا التي تكوّن الجلطة (الصفائح الدموية) في مجرى الدم. ويمكن أن يُسبب ذلك حدوث صدمة ونزيف داخلي وفشل الأعضاء وحتى الموت.  

يمكن أن يصاب البعوض بعدوى مرض حُمّى الضنك عن طريق الأشخاص الذين يحملون فيروسه في دمهم. ويمكن أن يكون هؤلاء أشخاصاً مصابين بعدوى حُمّى الضنك المصحوبة بأعراض، أو لم تظهر عليهم بعدُ أعراض الإصابة بها، أو أشخاصاً آخرين لا يبدون أية علامات تدل على إصابتهم بالاعتلال (المصابون بعدوى غير مصحوبة بأعراض).ويمكن أن تُنقل العدوى من الإنسان إلى البعوض قبل مدة تصل إلى يومين من ظهور أعراض الاعتلال على الشخص، وبعد مدة تصل إلى يومين من زوال الحُمّى عنه.

ويزيد احتمال إصابة البعوضة بعدوى المرض مع زيادة وجود الفيروسات في دم المريض وارتفاع درجة حرارة جسمه؛ وبخلاف ذلك، فإن ارتفاع مستويات الأجسام المضادة لفيروس حُمّى الضنك تحديداً في الدم يرتبط بانخفاض احتمال إصابة البعوضة بعدوى المرض. ويبقى الفيروس في دم معظم الناس لمدة تتراوح بين 4 و5 أيام، ولكن بقاءه قد يستمر إلى 12 يوماً.[8]

المستودع/الخازن الرئيسي للفيروس: (Reservoir)

يعتبر الإنسان هو المصدر الأساسي للعدوى وتشير بعض الدراسات في إفريقيا وآسيا إلى وجود العدوى وسط القرود، ويكون الانسان معدي للبعوض خلال فترة الحمى وتكون البعوضة قابلة  لنقل العدوى خلال  8 الى 12 يوم بعد ذلك.

الأعراض السريرية( Symptoms) :

تظهر عادة بعد فترة حضانة تتراوح بين أربعة أيام و 10 أيام من التعرض للدغة بعوضة مُعدية.

وتنقسم إلى:اولا الشكل التقليدي (Classic Dengue):

وتكون الأعراض فيها على النحو الآتي:

  • 1_حدوث حُمّى شديدة تبلغ 104 درجات فهرنهايت (40 درجة مئوية).
  • 2_الصداع الوخيم.
  • 3_آلام في المفاصل والعضلات (“حمّى تكسير العظام”).
  • 4_طفح جلدي يشبه الحصبة.
  • 5_غثيان، قيء، فقدان الشهية.
  • 6_ألم خلف محجري العينين.

ثانيا: الشكل الشديد (Severe Dengue):

  • 1_نزيف من الأنف واللثة أو تحت الجلد.
  • 2_هبوط حاد في الصفائح الدموية.
  • 3_تسرب سوائل يؤدي إلى تورم، صعوبة تنفس.
  • 4_صدمة قد تنتهي بالوفاة إن لم يُعالج المريض بسرعة.

يتعافى معظم الأشخاص خلال أسبوع أو نحو ذلك. وتزداد الأعراض سوءًا في بعض الحالات وقد تصبح مهددة للحياة. ويعرف ذلك بحمى الضنك الحادة أو حمى الضنك النزفية أو متلازمة صدمة الضنك.

 المؤشرات التحذيرية لحمى الضنك الحادة:

إن المؤشرات التحذيرية لحمى الضنك الحادة، التي تمثل حالة طارئة مهددة للحياة، يمكن أن تتطور بسرعة، وتبدأ المؤشرات التحذيرية عادة في اليوم الأول أو خلال يومين بعد زوال الحمى، وقد تتضمن ما يلي:

  • 1_النزيف تحت الجلد الذي قد يشبه الكدمات.
  • 2_الألم الشديد في البطن.
  • 3_التقيؤ المستمر.
  • 4_صعوبة أو سرعة في التنفس.
  • 5_نزيف اللثة أو الأنف.
  • 6_الإرهاق.
  • 7_سهولة الاستثارة أو التململ.
  • 8_وجود دم في القيء أو البول أو البراز.
  • 9_الشعور بالعطش الشديد.
  • 10_شحوب الجلد وبرودته.
  • 11_الشعور بالوهن.

وينبغي أن يسعى الأشخاص الذين يبدون هذه الأعراض الوخيمة إلى الحصول على الرعاية فوراً، والأفراد المصابون بعدوى المرض للمرة الثانية أكثر عرضة من غيرهم لخطر الإصابة بحُمّى الضنك الوخيمة.وقد يشعر المصابون بحُمّى الضنك بالتعب لعدة أسابيع عقب تعافيهم من المرض.[9]

5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطي العربي

مؤسسة بحثية مستقلة تعمل فى إطار البحث العلمي الأكاديمي، وتعنى بنشر البحوث والدراسات في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية والعلوم التطبيقية، وذلك من خلال منافذ رصينة كالمجلات المحكمة والمؤتمرات العلمية ومشاريع الكتب الجماعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى