الدراسات البحثيةالمتخصصة

مقاربة (مفاهيمية ـــــ تاريخية ـــ تحليلية) للتنظير الجيوبوليتيكي التقليدي

Conceptual, Historical, and Analytical  Approach to Traditional Geopolitical Theory

اعداد : عادل محمد علي بوغرسة –  محاضر في جامعة درنة كلية الاقتصاد فرع القبة، ليبيا

المركز الديمقراطي العربي : –

  • مجلة الدراسات الاستراتيجية للكوارث وإدارة الفرص : العدد السادس والعشرون حزيران – يونيو 2025 – المجلد  7 – وهي مجلة دولية محكمة تصدر عن المركز الديمقراطي العربي المانيا- برلين.
  • تعنى المجلة مجال الدراسات التخصصية في مجال إدارة المخاطر والطوارئ والكوارث ،قضايا التخطيط الاستراتيجي للتنمية،  الجيوبولتيك، الجيواستراتيجية، الأمن الإقليمي والدولي، السياسات الدفاعية، الأمن الطاقوي والغذائي، وتحولات النظام الدولي، والتنافس بين القوى الكبرى، إضافة إلى قضايا التنمية، العولمة، الحوكمة، التكامل الأقتصادي ، إعداد وتهيئة المجال والحكامة الترابية , إضافة إلى البحوث في العلوم الإنسانية والاجتماعية.
Nationales ISSN-Zentrum für Deutschland
ISSN 2629-2572
Journal of Strategic Studies for disasters and Opportunity Management

 

للأطلاع على البحث من خلال الرابط المرفق : –

 

ملخص :

جاءت هذه الدراسة محاولة من الباحث الاقتراب من مصطلح الجيوبوليتيك أو الجيوسياسية، وذلك ضمن مقاربة مفاهيمية للتعريف بالمصطلح ورصد تطوراته، مع معرفة الخطوط الفاصلة التي تميزه عن غيره من المصطلحات المقاربة، وكذلك مقاربة تاريخية وتحليلية ركزت على التنظير الجيوبوليتيكي التقليدي، من خلال تتبع تطوره وعرض رواده ومساهماتهم العلمية، والوقوف على دورهم التنظيري في هذا المجال، وذلك لغرض تحليل المشكلة البحثية واختبار الفرض الذي انطلقت منه الدراسة، التي حاولت من خلال استخدام بعض الأدوات الذهنية كمداخل للتحليل وفهم مدى علاقة التطور الذي شهده العصر، بالتقليل من أهمية التنظير الجيوبوليتيكي التقليدي، حيث أثبتت الدراسة عدم وجود قطيعة بستمولوجية بين المعرفة التي بنيت على أساسها أفكار وافتراضات التنظير الجيوبوليتيكي التقليدي، وبين التنظير الجيوبوليتيكي المعاصر، كما توصلت الدراسة أيضاً إلى أن التنظير الجيوبوليتيكي التقليدي لا يزال له تأثير في صياغة الإستراتيجيات وهندسة السياسات الخارجية للدول، وفهم وتحليل الكثير من الظواهر الدولية، رغم تأثر قدرته كأداة تفسيرية بفعل التطور ومفرزات العولمة، مما يؤكد صحة الفرض الذي انطلقت منه الدراسة.

Abstract

 This study came as an attempt by the researcher to approach the term geopolitics or geopolitics, within a conceptual approach to define the term and monitor its developments, with knowledge of the dividing lines that distinguish it from other similar terms, as well as a historical and analytical approach that focused on traditional geopolitical theorizing, by tracing its development and presenting its pioneers and scientific contributions, and standing on their theoretical role in this field, for the purpose of analyzing the research problem and testing the hypothesis from which the study was launched, which attempted, through the use of some mental tools as approaches to analysis and understanding the extent of the relationship between the development witnessed by the era, to reduce the importance of traditional geopolitical theorizing, as the study proved that there is no epistemological break between the knowledge on which the ideas and assumptions of traditional geopolitical theorizing were built, and contemporary geopolitical theorizing. The study also concluded that traditional geopolitical theorizing still has an impact on formulating strategies and engineering foreign policies of countries, and understanding and analyzing many international phenomena, despite the impact of its ability as an explanatory tool due to development and the outcomes of globalization, which confirms the validity of the hypothesis from which it was launched. the study.

مـقـــدمـــة

  بعد انتهاء الحرب الباردة وظهور موجة العولمة لوحظ وجود ضعف في التحليلات الجيوبوليتكية للأحداث الدولية القائمة على التفسير الجيوبوليتيكي  التقليدي، حتى إن البعض أعتقد بتلاشي دور الجغرافية في تغير الأحداث باعتبار أن العلاقات الدولية أصبحت تحدد بشكل متزايد بالأسواق العالمية والاتصالات الإلكترونية، والتجارة الحرة، وتحريك رؤوس الأموال، وتلاشي دور الحدود بين الدول، لذلك نادى بعض المتشائمين بزوال المسافات ونهاية الجغرافيا.

  ولكن هذا قد يكون أمراً مبالغاً فيه بعض الشيء، حيث أن فهم طبيعة السياسة الدولية في القرن الحادي والعشرين، لا يمكن أن يتجاهل دراسة مبادئ البنية الإقليمية للفضاء الجيوسياسي و الجيوستراتيجي لكامل أوراسيا، ناهيك عن أن القوة الصلبة (البرية، البحرية) لا تزال لها تأثير ودور في الساحة الدولية، فالشرق الأوسط كإقليم جيوبوليتكي مركب وغير منسجم، بقى رغم كل التغيرات التي طرأت في السياسة الدولية، يتمتع بموقعه الجغرافي الخطير، لا لكونه يمنح اتصالات بحرية وطرق تجارة هامة، أو لوقوعه ضمن مناطق نفوذ القوى العظمى، بل لقيمته الإستراتيجية التي ازدهرت بسبب وجود ثروته البترولية واحتياطها الهائل في عالم أصبح يعتمد في اقتصاده وعسكرته على هذا المورد الإستراتيجي الهام، حيث إن دراسة النظريات التقليدية مثل الدولة كائن عضوي لـ(راتزل)، تلك الفكرة التي طورها تلميذه(كيلين)، فيما بعد من خلال دراساته وأبحاثه، وقلب العالم لـ(ماكندر)، والقوى البحرية لـ(ماهان) والهلال الخارجي لـ(سبيكمان)، فأفكار رواد المدرسة الجيوسياسية ـــ الأنجلو أمريكية لن توضح التميز بين الجغرافيا السياسية، والجيوبوليتيكية فحسب، بل توضح أيضاً لماذا كانت الجغرافيا السياسية التقليدية (التنظير الجيوبوليتيكي التقليدي)، بمثابة مقدمة للعلاقات الدولية الحديثة، حيث تمكن الباحثون والمحللون من فهم الديناميكيات التاريخية والجيوسياسية وتطبيقها على الواقع المعاصر، فالتنظير الجيوبوليتيكي يساعد في تحليل أسباب الصراعات الدولية، وتفسير توزيع القوة العالمية، مما يعد بذلك أداة فعالة لفهم الماضي وتحليل الحاضر والمستقبل.

  ومن جانب آخر نجد هناك من يدعي بأن تغير طبيعة النظام الدولي بعد عام 1991، والتطور التكنولوجي الذي أفرزته العولمة، قد قلل من أهمية التنظير الجيوبوليتيكي التقليدي، إلى الحد الذي دفع البعض بالقول باندثاره وأنه لم يعد أداة تفسيرية للظواهر السياسية الدولية المعاصرة، حيث يخبرنا (أندرو باستفتيش) بأنه بفعل الثورة التكنولوجية انهارت المسافات وبات العالم يصبح أصغر فأصغر، وكادت المسافات تفقد معناها التقليدي في عصر المعلومات، حيث إن فكرة كون المحيط يشكل حماية هي فكرة أثرية مثل الخندق المائي الذي يحيط بالقلعة، وقد أشار الجغرافيون السياسيون قبل أكثر من نصف قرن، بأن الجغرافيا السياسية لهذا اليوم هي الجغرافية التاريخية ليوم الغد، وعليه كما يقول(سول برنارد كوهين) أن كل حدث تاريخي يشكل وصفاً جيوبوليتيكياً لزمانه[1]، وفي هذا السياق انتقد (كريستوفر فيتوس)، دراسات وأعمال كل من(نيكول، كوهين) التي تؤكد على أهمية وصول الولايات المتحدة الأمريكية إلى موارد الطاقة في آسيا الوسطى، حيث يزعم(كريستوفر) أن حجة (كوهين)ä ليست عقلانية على الإطلاق، إذ كان من الواجب تبرير البيئة المعاصرة للسياسة الدولية، وهو يبرر ذلك بأن السياسة المعاصرة خالية من صراعات القوى العظمى، لذا لا توجد حاجة إلى التوازن بين الشرق والغرب في النظام الدولي، وبالتالي فإن وجهة النظر الجيوسياسية لـ(ماكندر)، قد عفا عليها الزمن ولم تعد صالحة لتفسير السياسة الدولية المعاصرة.

  وبناء عليه يجب على المحلل الجيوبوليتيكي في كتابة تحليلاته الجيوبوليتكية أن يضع أمام عينه أن سقوط جدار برلين عام 1989، أدى إلى سقوط كل الفرضيات الجيوبوليتكية القديمة وحولها إلى جغرافية تاريخية .

  • مشكلة الدراسة

   ومن هنا تنطلق مشكلة الدراسة لمحاولة معرفة إلى أي مدى يمكن الادعاء بوجود حاجة للتنظير الجيوبوليتيكي التقليدي لفهم طبيعة السياسة الدولية، وأن التنظير الجيوبوليتيكي المعاصر ما هو إلا امتداد للنظريات الجيوبوليتيكي التقليدية، في فهم طبيعة السياسة الدولية، وتفسير الظواهر السياسية الدولية.

ولهذا يتمخض عن إشكالية الدراسة الأسئلة التالية: ـــ

  • ماذا يقصد بمصطلح الجيوبوليتيك؟.
  • ما هو أصل مصطلح الجيوبوليتيك من الناحية الابستمولوجية والايتيمولوجية؟.
  • ما هي علاقة هذا المصطلح بالمفاهيم المقاربة؟.  
  • من هم أبرز رواد الفكر الجيوبوليتيكي التقليدي؟ وما هي أبرز نظرياته ومدارسه؟.
  • هل التنظير الجيوبوليتيك المعاصر امتداد للتنظير التقليدي ؟.
  • ألي أي مدى يمكن الادعاء باندثار التنظير الجيوبوليتيك التقليدي بفعل التطور ومفرزات العولمة؟.
  • فرضية الدراسة

  تنطلق الدراسة من فرضية مفادها: التغيرات السريعة والمتتالية بفعل الثورة التكنولوجية، والتحول جذري في طبيعة النظام الدولي، أدي إلى التقليل من أهمية التنظير الجيوبوليتيكي التقليدي كأداة لتفسير الظواهر السياسية الدولية.

  • منهجية الدراسة

  لقد تم استخدام العديد من الأدوات الذهنية من أجل اختبار الفرض الذي انطلقت منه الدراسة، وكذلك للإجابة على العديد من التساؤلات التي تمخضت عن المشكلة البحثية، حيث تم استخدام المنهج الوصفي التحليلي، لوصف وتحليل مصطلح الجيوبوليتيكا محل الدراسة، ومعرفة علاقته بالمفاهيم المقاربة، كذلك تم الاستعانة في هذه الدراسة بالنهج التاريخي، لغرض رصد وتتبع التطور مفهوم الجيوبوليتيكا فكراً وتنظيراً، فضلاً عن استخدام التحليل الجيوبوليتيكي للاقتراب من فهم أعمق للتنظير الجيوبوليتيكي التقليدي كأداة تفسيرية للظواهر السياسية الدولية.

  • أهمية الدراسة

  يكتسب الموضوع أهميته العلمية من حيث كونه مقاربة مفاهيمية لمصطلح الجيوبوليتيكا والوقوف على جذوره التاريخية من الناحية الابستمولوجية والايتيمولوجية، مع تسليط الضوء على تطور الجيوبوليتيكا كعلم وكمدخل للدراسة وتحليل الظواهر السياسية الدولية، وكذلك معرفة علاقة الجيوبوليتيكا بالمفاهيم المقاربة، مع وضع خطوط عريضة فاصلة تلافياً لأي لبس أو غموض في هذا الجانب، والتعرف على رواد الفكر الجيوبوليتيكي التقليدي، وكما ترجع أهمية هذه الدراسة أيضاً لمحاولتها إجراء مقاربة تحليلية للتنظير الجيوبوليتيكي التقليدي، من خلال عرض نظرياته ومدارسة الفكرية، والبحث عن مدى وجود علاقة بين تطورات العصر وقدرته التفسيرية، ودوره وتأثير في التنظير الجيوبوليتيك المعاصر.

  • أهداف الدراسة

  يتضح من ثنايا ما تقدم أن هذه الدراسة تستهدف الإجابة على التساؤلات التي طرحتها المشكلة البحثية، وبناء عليه يمكن توجيه البحث في هذا الموضوع نحو الأهداف الآتية:

  • اختبار فرضية الدراسة وقياسها منهجياً، وفق المتوفر من المادة العلمية.
  • الوقوف على جذور وأصل مصطلح الجيوبوليتيكا، وتعريفاته المتعددة.
  • محاولة رصد علاقة الجيوبوليتيكا بغيرها من المفاهيم المقاربة.
  • التعرف على التنظير الجيوبوليتيك التقليدي، ودورة كأداة تفسيرية للظواهر السياسية الدولية.
  • تقسيمات الدراسة

تقسم الدراسة إلى ثلاثة محاور على النحو الآتي :ـــ

لمحور الأول : مقاربة مفاهيمية لعلم الجيوبوليتيك

تخبرنا الأدبيات بأن الجيوبوليتيكا قد ظهرت في بداية القرن العشرين، عندما اهتم الجغرافيون السياسيون بعلاقة الجغرافيا السياسية بقوة الدولة، فتمخض عن ذلك (علم الجيوبوليتيكا) الذي يرتكز على مبدأ أن لكل حيز أرض محدودة المعالم أهمية نسبية في تحدي وإبراز مغزى النظام السياسي العالمي، حيث تدرس الجيوبوليتيكا العلاقة ما بين الأرض والحيز الجغرافي، أو رقعة الدولة الأرضية التي تقوم عليها أو ما تطمع سلطاتها السياسية والعسكرية عليها من أرضٍ مجاورة لها، وبين الاتجاهات السياسية التي رسمتها لنفسها، لقناعاتها بأنها تصبح دولة قوية من خلال فهم للعوامل الجغرافية في هذه الأراضي، مما يعني أن الجغرافيا السياسية هي منطلق نشوء برعم جديد منها إلا وهو الجيوبوليتيكا[1]، ولكن القول بحداثة هذا الفرع من الدراسة لا ينفي حقيقة أن الجغرافيا قد تعاملوا مع فكرة لها جذورها القديمة، لأن دراسة الدولة وبيئتها الطبيعية كانت تعد أحد الموضوعات الفلسفية التي اهتم بها الطلاب في السياسة والتاريخ والجغرافيا، حيث يعد كل من (أرسطو، أفلاطون، ابن خلدون) من أقدم الجغرافيين السياسيين، فقد طرحوا العديد من الأفكار حول التفاعل بين سكان الدولة وإقليمها، وإن المدينة الدولة هي الشكل المناسب للسكان، وإن الأوطان كثيرة القبائل أقل من أن تستحكم فيها الدولة[2].

لذا فإن الاقتراب من فهم ومعرفة هذا البرعم الجديد، يتطلب منا الرجوع إلى تكوينية المصطلح الذي يعطي للباحث حق تبني نقد بناء وفعال، فالمصطلحات هي مفاتيح العلوم وثمارها القصوى، وهي مجمع حقائقها المعرفية، وعنوان ما به يميز كل واحد منه عما سواه، وليس من مسلك يتوسل به الإنسان إلى منطق العلم غير ألفاظه الاصطلاحية، حتى لكأنها تقوم من كل علم مقام جهاز من الدوال[3]، وبالتالي يجب الوقوف على أصل المصطلح بستمولوجيا وإيتيمولوجيا، ومن ثم معرفة علاقته بغيره من المفاهيم المقاربة، وذلك من خلال وضع خطوط عريضة وفاصلة بينه وبين تلك المفاهيم، وذلك لتلافي اللبس أو الغموض الذي قد يقع فيه البعض باستخدام الجيوبوليتيكا كمرادف لبعض تلك المفاهيم المقاربة، أو عدم معرفة طبيعة تلك العلاقة، مما يفقد معه نبراس هام جداً، ومدخل من المداخل المستقرة في علم العلاقات الدولية، التي تحاول نظرياته التي تلتقي معظمها حول محور أساسي واحد يتعلق بالضغوط التي تولدها ظروف المكان الطبيعي على عملية الصراع من أجل البقاء والنمو، وتفسير ظاهرة الصراع الدولي[4].

أولا: أصل مصطلح الجيوبوليتيك وتعريفاته المتعددة

عند البحث في أصل مفهوم الجيوبوليتك نجد أنها كلمة ترتبط باليونانيين القدامى، حيث تشير كلمة(Geia) إلى إلهة الأرض، وكلمة (Polis) إلى دولة المدينة، وعليه (Geiapolis) عند اليونانيين تعني استكشاف الأراضي للمجال والأرض ومراقبتها وتنظيمها بواسطة الجنس البشري، أما المصطلح العلمي للكلمة يتضح من خلال تركيبة المفهوم التي ترشدنا إلى مفهومين، إحداهما(Geo) تعني الأرض[5]، وثانيهما (politics) وتعني السياسة، والجمع بينهما (Geopolitics) يعني مصطلح سياسة الأرض والمقصود هنا هو دراسة الواقع الأرضي بكل مكوناته وما قد يفرزه من متغيرات تؤدي إلى تطور وتوسع في سياسة الدولة أو إلى انكماشها، وهذا يوحي لنا بوجود علاقة بين الأرض أو الجغرافيا مع السياسة، ومنه فالجيوسياسية أو الجيوبوليتيك هي علم دراسة تأثير الأرض على السياسة في مقابل مسعى السياسة للاستفادة من هذه المميزات وفق منظور مستقبلي أي (علاقة التأثير والتأثر)، وهناك من يصفها بعلم سياسة الأرض، بمعنى العلم الذي يعنى بدراسة تأثير السلوك السياسي في تغيير الأبعاد الجغرافية للدولة، مما يستحضر في أذهاننا أن هناك فاعل يمارس علاقة قوة في إطار جغرافي معين[6]، فالصلة هنا واضحة بين المكان أو البيئة الطبيعية والسياسة، حيث إنه عند مراجعة تاريخ الأمم والإمبراطوريات، فإننا سنعثر على كتابات عالجت المكان والسياسة من حيث قوة الإمبراطورية ونظامها وطباع سكانها وقابليتها على الحرب وفنها في الحرب، كما فسرت السلوك بالمناخ والتأثيرات السطحية للأقاليم، وأعطت للمكان والمناخ أهمية في بناء الحضارة والعمران، فكان الكتاب والفلاسفة الإغريق والرومان والعرب يشددون على دور المكان في حياة الشعوب وفي تاريخ دولها حتى كادت أن تصبح الصلة بين المكان والسياسة صلة حتمية[7].

وقبل الولوج في تعريف هذا العلم نشير إلى المكانة المرموقة التي كان يحظى بها في مصاف العلوم، حيث صعدت الجيوبوليتك إلى مصاف العلوم الكبرى خلال الحرب العالمية الثانية، حتى كتبت هزيمة ألمانيا نهاية لهذه المكانة، حيث صار مفهوم الجيوبولتيك بعد الحرب العالمية الثانية قرين التوظيف السيئ للجغرافيا السياسية، وهو ما أضر بتطوير الجيوبولتيك والجغرافيا السياسية، حتى وصل الأمر في بعض الدول إلى منع تدريس الجغرافيا السياسية والجيوبولتيك في جامعاتها؛ باعتبارهما علمين مشبوهين يسعيان إلى زرع العداء ويكرسان الأطماع القومية[8].

أما من حيث تعريف المصطلح نجد أن الجيوبوليتيك شأنها شأن المفاهيم الأخرى في العلوم الاجتماعية، حيث لا يوجد تعريف واحد متفق عليه في الأوساط الأكاديمية لهذا المفهوم، حيث تعددت تعريفاته وتباينت، ويمكن إرجاع ذلك التعدد والاختلاف إلى تعدد الاتجاهات الفكرية، واختلاف الفترات الزمنية والأحداث الدولية،  وقد ظهر في هذا الصدد اتجاهان، (الاتجاه الأول) اتجاه تقليدي عرف الجيوبوليتك في إطار المنظور الوضعي الوستفالي الذي يركز على الدولة كفاعل وحيد يمتلك القوة المتمثلة في الجغرافيا فقط، فالجيوبوليتك عندهم عبارة عن سم ذهني بحيث من يعتنق الجيوبوليتيك أو يخطط من منطلق جيوبوليتيكي يكون ذا نزعة عدوانية ويجد الحل دائما في الجغرافيا، أما (الاتجاه الثاني) وهو الذي يركز في تعريف الجيوبولتيك على منطلقات المنظور ما بعد الوضعي الذي لم يتخذ الدولة كفاعل وحيد بل هناك فواعل أخرى على غرار الدول.

وفي سياق متصل يعتبر من أبرز رواد الاتجاه الأول (رودولف كيلين) الذي يعرف الجيوبولتيك بأنها دراسة البيئة الطبيعية للدولة، وأن أهم ما تعنى به الدولة هو القوة، كما أن حياة الدولة تعتمد على التربية والثقافة والاقتصاد، والحكم وقوة السلطان، وعلى نفس المنوال يعرف (كارل هاوسهوفر) الجيوبولتيك على أنه العلم القومي الجديد للدولة وهي عقيدة تقوم على حتمية المجال الحيوي بالنسبة لكل العمليات السياسية، وفي السياق نفسه يعرف (ماري كلاوس) الجيوبولتيك على أنه دراسة العلاقات الموجودة بين قيادة القوة على المستوى العالمي والإطار الجغرافي الذي تقاس فيه.

  في حين نجد أنصار اتجاه المنظور ما بعد الوضعي ومن بينهم (لاكوست، بارتس شابمن) يعرفون الجيوبولتيك بشكل مغاير للاتجاه الأول وللبراديغمä الواقعي التقليدي، حيث يعتبر (لاكوست) أن الجيوبولتيك هي دراسة لمختلف أشكال صراع السلطة على الأرض، والقدرة تقاس بالموارد التي يحتويها الإقليم وبالقدرة على التخطيط خارج الإقليم، ونفس الشيء نجد (بارتس شابمن) يعرف الجيوبولتيك من منطلق العلم الذي يعكس الواقع الدولي ومجموعة القوى العالمية المنبثقة عن تفاعل الجغرافيا من جهة، والتكنولوجيا والتنمية والاقتصاد من جهة أخرى، ويتسم بالطابع الديناميكي لا الثابت[9]، فضلاً عن ذلك نجد أن (نيكولاس سبيكمان) صاحب نظرية الريملاند يعرف الجيوبولتيك على أنه تخطيط لسياسة أمن البلد بتوظيف العوامل الجغرافية، كما يعد من التعريفات المهمة لمصطلح الجيوبوليتيك عند الغربيين، إنها عبارة عن الاحتياجات السياسية التي تتطلبها الدولة لتنمو حتى ولو كان نموها يمتد إلى ما وراء حدودها[10]، أي إنه العلم الذي يهتم بدراسة المطالب المكانية للدولة أي بمجالها الحيوي أو بما يهم الدولة خارج حدودها السياسية[11]، كما ورد تعريف للجيوبوليتيك في مجلة العلوم السياسية التي كان يرأس تحريرها (كارل هاوسهوفر) بأنها العلم الذي يبحث عن العلاقة بين الأحداث السياسية والأرض، فهو يربط السياسة بالأرض، فهي تعتمد بذلك على الأسس الجغرافية، وخاصة الجغرافية السياسية، فالجيوبوليتيك تمهد للعمل السياسي، وتعطي الأسس اللازمة للحياة السياسية، الجيوبوليتيك يجب أن تكون الضمير الجغرافي للدولة[12]، كما نجد للجيوبوليتيك تعريفاً في القاموس الفرنسي (روبير) بأنه دراسة العلاقة بين المعطيات الجغرافية وسياسة الدولة، في حين يشير هذا المفهوم وفقاً لما جاء في موسوعة (المعارف البريطانية) بأنه استخدام الجغرافيا من قبل حكومات الدول التي تمارس سياسة النفوذ[13].

ومن خلال التمعن في التعريفات السابقة سواء كانت التعريفات التقليدية التي تعزز وجهة نظر المنظور الواقعي في العلاقات الدولية، أو المنظور ما بعد الوضعي، أو التعريفات التي ساقها لنا الباحثون والمتخصصون، نرى أن أدق تعريف لمصطلح الجيوبوليتيك، هو ما ذهب إليه بعض الرواد في هذا المجال، بأن الجيوبوليتيك عبارة عن معرفة علمية تتضمن مجموعة من المفاهيم والتي تنطلق من المعطيات الطبيعية والبشرية الصادرة عن الفواعل السياسية، وتهدف للسيطرة على مجال جغرافي معين، حيث ترجع الدقة في هذا التعريف في كونه تعريفاً عاماً، يفيد أن علم الجيوبوليتك هو دراسة كيفية استخدام الجغرافية من قبل الفواعل الدولية كمصدر قوة للتعبير عن المواقف السياسية، من خلال هندسة سياسات خارجية، ورسم خطط استراتيجية لما يجب أن تكون عليه الوحدة الدولية مستقبلاً.

غير أن الجيوبولتيك أو الجيوسياسية، بهذا المعنى قد نجدها تصل إلى حد التماثل مع الجغرافيا السياسية، لكونها تدرس في البيئة الجغرافية للدولة هذا من ناحية، ومن جانب آخر نجد أن الفواعل الدولية تضع في استراتيجيات من منطلق معطيات الجيوسياسية، مما يعني بوجود علاقة بين الإستراتيجية والجيوبوليتك، الأمر الذي يتطلب معه معرفة الفرق الجوهري بين الجغرافيا السياسية والجيوبوليتك، مع رصد طبيعة علاقة الجيوبوليتك بالإستراتيجية، تلك العلاقة التي تمخض عنها مفهوم الجيواستراتيجية، والذي يتطلب منا هو الآخر وضع خطوط فاصلة وواضحة تكفل التمييز بينه وبين الجيوبوليتك (الجيوسياسية).

ثانيا: جدالية العلاقة بين الجيوبوليتيكا والمفاهيم المقاربة

أن الجيوبوليتك هو فرع من الجغرافيا السياسية، أي أن الجغرافيا السياسية هي الأصل الذي تفرع عنه الجيوبوليتك، وكما يقول (هاوسهوفر) أن الجيوبولتيكا وليدة الجغرافيا السياسية لأنها المحرك لما يتناوله هذا العلم من حقائق فتجعل منها مادة يستعين بها القائد السياسي[14]، لذلك قد يجد بعض الدارسين أن الفوارق ضئيلة بين الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك، ومنهم من يراهما مفهوماً واحداً، كالجغرافي الأمريكي (ويتسلي) يستعمل (Geopolitics) كاختصار للفظ الجغرافيا السياسية (Political Geoagraphyولكن هذا لا يعني عدم وجود اختلاف ما بين الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك، حيث ظهر هذا الاختلاف على إثر اجتهاد المفكر الألماني (رودولف كيلن)، الذي وضع مصطلح الجيوبوليتيك ليفرق هذا المفهوم عن الجغرافيا السياسية، إذ ذكر أن الجيوبوليتيك هو التطبيق العملي للجغرافيا السياسية في تحليل القوة القومية، كما أوضح (كيلن) وجهة نظره في السياسة، واعتبر وجود خمسة أقسام فرعية للسياسة أطلق على إحداهما الجيوبوليتيكا، وعلى المنوال نفسه يجادل(كارل هاوسهوفر)، حيث يفرق بين الجيوبوليتيك والسياسة، فيقول أن السياسة تبحث في الدولة من وجهة نظر المجال، بينما الجيوبوليتيك يبحث في المجال من وجهة نظر الدولة.

وفي هذا السياق نجادل، بأن الجيوبوليتيك تهتم برسم تصورات مستقبلية للدولة، حيث تعد الابن الشرعي للجغرافيا السياسية، فبينما تعنى الجغرافيا السياسية بتقويم الدولة على أساس ما فيها من مقومات (طبيعية وسكانية واقتصادية وسياسية وإدارية)، نجد أن الجيوبوليتك تهتم بالتنبؤ بمستقبل الدولة على أساس تلك المقومات، مما يدعو للاعتقاد بوجود خط فاصل أساسي بينهما، يتمثل في كون الجغرافيا السياسية تهتم بدراسة الدولة كما هي كائنة، في حين يسعى الجيوبوليتك إلى تصورها كما يجب أن تكون في ضوء المعطيات الجغرافية، كما يجادل (لاديس كريستوف) إن الفرق الوحيد بين الجغرافيا السياسية والجيوبولتيك هي بؤرة الاهتمام التي يركز عليها الباحثون في كل فرع، فالجغرافيا السياسية تجعل بؤرة اهتمامها الظاهرة الجغرافية، بينما تركز الجيوبولتيك على الظاهرة السياسية، كما نجد أن هناك من يرجع الفرق بين الجغرافيا السياسية والجيوبولتيك، في إن الجيوبولتيك أكثر صعوبة من الجغرافيا السياسية، لأنها تقوم برسم تصورات سياسية مستقبلية على ضوء تفاعلات البشر والجغرافيا، ففي الوقت الذي تجيب فيه الجغرافيا السياسية عن سؤال أين نحن الآن، نجد إن الجيوبولتيك تجيب عن سؤال المستقبل وكيفية الوصول إليه، فهي تتعامل مع الدولة ككائن حي له طموحه وأهدافه التي تسعى إلى تحقيقها، مما يجعلها مفتاح السياسات القومية للدول ولا غنى عنها لأي مخطط استراتيجي أو متخذ قرار أو مهتم بالشأن العام.

وفي الوقت الذي نؤكد فيه حقيقة أن الجيوبولتيك هي أكثر متعة من الجغرافيا السياسية الصماء لكونها تتعامل مع الدولة ككائن حي، يمكن لنا أن نضع بعض الخطوط العريضة والفاصلة التي تكفل التمييز الواضح ما بين الجغرافيا السياسية والجيوبولتيك، حيث نجادل بأن الجغرافيا السياسة تنظر للدولة كوحدة إستاتيكية، في حين نجد أن الجيوبوليتك يعتبرها كائناً عضوياً في حركة متطورة، فضلاً عن أن الجغرافيا السياسية ترى أن الجغرافيا صورة الدولة، بينما نجد أن الجيوبوليتك يجعل الجغرافيا في خدمة الدولة، بالإضافة إلى أن الجغرافيا السياسية تهتم بالواقع، في حين نجد أن الجيوبوليتك تكرس أهدافها للمستقبل، كما أن الجغرافيا السياسية تدرس الدولة بغرض تحليل القوة، أما الجيوبوليتيك يدرس الدولة بغرض تعزيز القوة، ومن هذه الخطوط العريضة الفاصلة بين الجغرافيا السياسية والجيوبولتيك، يرى الباحث أن الجغرافيا السياسية تأخذ بعين الاعتبار الدولة، وتعنى بتحليل بيئتها الجغرافية تحليلاً موضوعياً، في حين نجد أن الجيوبولتيكا تقوم على دراسة الوضع الطبيعي للدولة من ناحية مطالبها في مجال السياسة الدولية واستشراف مستقبلها ضمن الوجود الدولي وتحديد وزنها السياسي في العالم، وهذا يدفعنا إلى القول بأن الجيوبوليتيك إذ ما فهمت الفهم الصحيح، ودرست على منهج متعقل، فيمكن أن تعتبر بجدارة امتدادا وتطبيقاً للجغرافيا السياسية على العلاقات الجغرافية الخارجية للدول، ولن تكون وهم وتظليل واعتذار كما قال عنها(بومان)[15].

وفي سياق متصل نجادل حول العلاقة الوثيقة بين الإستراتيجية الجيوبوليتيك، حيث ارتبطت الأخيرة منذ نشأتها بالعلوم العسكرية والإستراتيجية، وبالتالي تعد الجيوبوليتيك من وسائل الجذب في المخيلةä الاستراتيجية وتعمل الجيوبوليتيك كإطار موجه بتعديل للرؤية الاستراتيجية في بيئة التحول التي تشهدها بيئة العلاقات الدولية، كون ما يميزها عن غيرها من المفاهيم التخصصية في الدراسات السياسية إنها تزود الاستراتيجية بخيارات الجذب في ظل صراع الأفكار وتواردها في ذهنية الاستراتيجي لأفضل مجالات تحرك الدولة في فضاءات الجغرافيا العالمية من جهة، ومن جانب آخر لا تقتصر فقط بتحديد حركة الدولة في بيئتها الاستراتيجية، وإنما تقدم أيضاً أفضل أدوات تحقيق أهدافها تجاه مجالات الجذب المكانية التي يبحث عنها المفكر الاستراتيجي في مخيلته[16].

فالجيوبوليتيك تعالج الدولة في بيئتها المستقبلية، وهذا الموقف يقرب الجيوبلتكس من الإستراتيجية رغماً عن أن الأخيرة هي خطط للمستقبل كما يتبدى الواقع من منظور مستقبلي، ولكن لا تتقيد حركة الدولة ـــ وهي كائن ينمو في عرف الجيوبلتيكيين ـــ لا مفر من إدراك حالة المستقبل في ضوء دراسة المعطيات الراهنة، ليس لغرض المعرفة والفهم فحسب، وإنما ليضع الجيوبلتيكيون بين يدي صناع القرار توقعات واستنتاجات تعينهم على الأخذ بصواب الخيارات لمواجهة البيئة الدولية، فالتحليلات الإستراتيجية الراهنة سواء على الصعيد الإستراتيجي الوطني أو الإقليمي أو الكوني لا تسقط من تقديراتها وتخطيطاتها الاعتبارات الجيوبوليتيكية، مما يجعل الافتراضات الجيوبلتيكية والتوصيفات ركائز مهمة لا يمكن الاستغناء عنها في التفكير الإستراتيجي[17]، فضلاً عن أن عناصر القدرة الإستراتيجية التي تشارك في تحديد قدرة الدولة تتحدد بالدرجة الأولى في العنصر الإستراتيجي الجيوبوليتيكي[18].

ومع توسيع دائرة اهتمامات الجغرافيا السياسية، وبروز الجيوبوليتيك، وعلاقته بالسياسة الدولية في السلم والحرب، ظهر مصطلح الجيوستراتيجيا الذي يعني دراسة الموقع الإستراتيجي للدولة أو المنطقة الإقليمية، ومدى تأثير هذا الموقع في العلاقات السلمية أو الحربية، فهي معنية بدراسة البيئة الطبيعية لتحليل أو فهم المسائل السياسية والاقتصادية ذات الاعتبارات الدولية، كموقع الدولة وصولاً لتحديد مركزها الإستراتيجي سواء في الحرب أو في السلم[19]، مما يجعل هناك علاقة ترابط واضحة بين مفهومي الجيواستراتيجية والجيوبوليتيك (الجيوسياسية)، إلى الحد الذي قد يدفع البعض باستخدامهما كمترادفات، ويرجع ذلك لوجود ضبابية في رؤية الحدود الفاصلة التي يمكن أن تكفل التمييز بين المفهومين، لذا يحتم الواجب الأكاديمي في هذا السياق أيضاً أن نحدد الفرق بين مفهومي الجيواستراتيجية والجيوسياسية.

فنجادل بأن الجيواستراتيجية هي العلم الذي يسعى إلى جمع وتحليل ودراسة وتفسير الجغرافية الأساسية للدولة لاستخدامها في إعداد الخطط الاستشرافية المستقبلية (الاستراتيجية) في مختلف المجالات وبخاصة المتعلقة بالحرب، أما بالنسبة للجيوسياسية فهي وفق معجم (روبير) دراسة العلاقات بين المعطيات الطبيعية للجغرافيا وسياسة الدولة، بمعنى إن المعطيات الجغرافية المختلفة (موارد، موقع، تضاريس) باعتبارها من عوامل قوة الدولة وتلعب دوراً حتمياً في توجيه سياسة الدولة الخارجية[20]، ولهذا نجد أن النظريات الجيواستراتيجية تنطلق من الإقليم الذي تتواجد فيه الدولة والذي يؤثر في حركتها السياسية، أما النظريات الجيوسياسية تنطلق من الإقليم الذي يؤثر في القوى العالمية ويكون موضع استقطاب وجذب لهذه الحركة، بما ينطوي عليه من خصائص ومزايا تطلعاً نحو السيطرة العالمية، وكذلك من الناحية البنيوية تشكل الدولة وحدة التحليل الأساسي في النظرية الجيوبوليتيكية، في حين يشكل الإقليم محور البناء الفكري للنظرية الجيواستراتيجية، أما من الناحية الوظيفية، نجد أن النظرية الجيوبوليتيكية تركز على وظيفة الدولة كوحدة متحركة بسبب من قابليتها الذاتية في انطلاقها نحو السيطرة العالمية، مبتلعة أقاليم ومجالات حيوية تتميز بخصائصها الاستراتيجية، بينما تركز النظرية الجيواستراتيجية على وظيفة الإقليم بسبب من مزاياه وخصائصه الاستراتيجية، وأثر ذلك على حركة القوى في السيطرة عليه لإتمام سيطرتها العالمية، كما نجادل أيضاً حول العلاقة التبادلية القوية بين التغيرات الجيوسياسية والجيوستراتيجية، فالتغيرات الجيوسياسية لها تأثير مباشر وغير مباشر على المجال الجيوستراتيجي، وقد تدفع باتجاه إحداث تغيرات جيوستراتيجية، ومن جهة أخرى فالتغيرات الجيوستراتيجية لها تأثير مباشر على القضايا الجيوسياسية، وقد تمهد الطريق لتغيرات داخلية جوهرية في مكونات الدول، وبالتالي فإن عدم الإدراك الجيد للتغيرات الجيوستراتيجية أو التقليل من شأنها أو الاستهانة بها قد يؤدي إلى عواقب مفاجئة وغير متوقعة؛ ومما يجدر الانتباه له أن القوى العالمية تراقب وتتفحص وتمسح بشكل مستمر الأحداث والتغيرات الجيوسياسية في مختلف مناطق العالم أو الأقاليم الفرعية من العالم، وذلك لتتكيف مع هذه التغيرات ولتتعامل معها بطريقة مناسبة قبل أن تؤثر على مصالحهاä.

وفي الوقت الذي نؤكد فيه التميز بين الجيوبوليتيك والمفاهيم المقاربة له كمفهوم، نتحرج عن وجود قطيعة بين تلك المفاهيم في الواقع العملي والتطبيقي، وفي هذا الصدد نجادل بأن الجيوبوليتيك هو التطبيق العملي للجغرافيا السياسية في تحليل القوة القومية، كما أن الإستراتيجيات التي ترسمها الدول في هندسة سياساتها الخارجية، لا تسقط من تقديراتها وتخطيطاتها الاعتبارات الجيوبوليتيكية، ناهيك عن أن الجيواستراتيجية والجيوسياسية هي بمثابة وسائل استبصار، وتحليل للبيئة الإستراتيجية التي يعمل من خلالها صانع القرار والمخطط الإستراتيجي عند صياغة الإستراتيجية القومية العليا للدولة، فقد يختلف الأكاديميون حول تسمية الجيوبوليتيك، وهل يجب تسميتها بالجيوستراتيجية أم لا، ولكنهم لن يختلفوا على أنها العنصر الأساسي في رؤية العالم اليوم وأنها تفعل فعلها في تشكيل العالم شئنا أم أبينا، فهي ثقافة سياسية متأثرة بالجغرافيا، ونظرة لعلاقة الجغرافيا بقوة الدولة أو ضعفها، وهي هندسة سياسة الدول الخارجية، ومفسر لتحركات الدول ونشاطاتها[21].

وفي سياق متصل نؤكد أيضاً بأن إجراء مقاربة مفاهيمية بالرجوع إلى معرفة تكوينية مصطلح الجيوبوليتيك، ورصد علاقته بالمفاهيم المقاربة، قد لا تغني عن إمكانية إجراء مقاربات من زاوية أخرى  لهذا المصطلح، حيث تخبرنا الأدبيات بأن المصطلح قد عرف في رحلته عدة أطوار فكراً وتنظيراً ، من الجيوبوليتيك التقليدي إلى المعاصر وصولاً إلى الجيوبوليتيك النقدي.

وانطلاقاً من مبعث اهتمام هذه الدراسة الذي تكرس من أجل  سبر أغوار التنظير الجيوبوليتيك التقليدي، وتتبع تطوره ورصد أفكاره، ومعرفة نظرياته وأبرز رواده، مما يتطلب معه محاولة إجراء مقاربة تاريخية وتحليلية للجيوبوليتيك التقليدي، من خلال تتبع إرهاصات تطوره، والتعرف على مساهماته فكراً وتنظيراً، من خلال استعراض سيرة أبرز رواده ومساهماتهم الفكرية والتنظيرية في هذا المجال، وهو ما يمكن أن تخبرنا به المقاربة التاريخية والتحليلية لهذا التنظير.

المحور الثاني : مقاربة تاريخية للجيوبوليتيك التقليدي .  

أولا: الفكر الجيوبوليتيك التقليدي وتطوره

إن أفكار الجيوبوليتيكا قديمة قدم البشرية، حيث أخذت المجتمعات البشرية تتجه نحو إقامة الدولة، حينها بدأ اهتمام المفكرين بدراسة تأثير البيئة الجغرافية على الشؤون السياسية[22]، حيث يعتبر (هيرودوت) أقدم مؤرخ جغرافي بعد (صن تزو) الصيني، فقد ولد المؤرخ اليوناني حوالي 485 ق.م، وعلى الرغم من أن عمله يعطي أهمية أساسية للمؤامرات البشرية، إلا أنها تتطور في إطار الجغرافيا[23]، حيث وجد أن سياسة الدولة تعتمد على جغرافيتها، وأعتبر أن حياة المصريين رهينة مياه النيل فقال (مصر هبة النيل)، كما أكد على تأثير المناخ على نفوس البشر وذلك في معرض دراسته لتأثير الجغرافيا في حياة الدول، حيث أشار إلى أن ملك الفرس (كورش) رفض قيادة شعبه للسيطرة على مزيد من الأراضي الخصبة وذلك خوفاً من تأثير لين المناخ في نفوس رجاله ودفعهم نحو الضعف والتراجع[24].

وفي سياق متصل يمكن لنا إرجاع الفكر الجيوبوليتيكي إلى كل من (أرسطو، سترابو، بودان، مونتسكيو، كانط، هيجل)، حيث كتب المفكر اليوناني (أرسطو) عن علاقة السياسة بالجغرافيا في مؤلفه (السياسة) وتناول العلاقة بين المناخ والحرية، من خلال استخدام العوامل الجغرافية لشرح سبب قدرة دولة المدينة المينوية على أن تصبح دولة مهيمنة (( تهيمن كريت على البحر، والمناطق الساحلية للجزيرة بأكملها مغطاة بكثافة بالمدن التي زرعها المينويون في المنطقة ))[25]، ولكي يبرز (أرسطو) دور العوامل الجغرافية أدعى أنه لكي تنمو وتتطور أي دولة، يجب أن تكون محمية بالتلال والجبال من الهجمات الخارجية المحتملة، ويجب أن يكون قريباً منها ميناء جيد للاستفادة من التجارة الخارجية إلى أقصى حد[26]، كما يؤكد (أرسطو) على أن موقع اليونان الجغرافي في الإقليم المعتدل المناخي، قد أهل الإغريق إلى السيادة العالمية على شعوب الشمال البارد والجنوب الحار، وقد بنى سياسته على تقسيمات (بارمينيدس) للعالم إلى خمسة أقسام : إقليم شديد الحرارة، وإقليمان شديدا البرودة، وإقليمان معتدلان، وأكد أن الإقليم المعتدل الذي يسكنه الإغريق هو الإقليم الذي يحمل في طياته بذور القوة، ومن المعروف أن خريطة (هيكاتيوس) اليوناني قد قسمت العالم إلى إقليمين مناخيين هما إقليم بارد يشتمل على أوروبا وشمال آسيا، وإقليم حار أو دافئ يشتمل على آسيا وأفريقيا.

وفي السياق نفسه، تخبرنا حضارة وادي النيل أن المصريين قد اتبعوا سياسة جيوبوليتيكية قوامها أن الدفاع عن مصر يبدأ من أرض بعيدة عنها، أي من منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط وقد اكتشفوا هذه القاعدة من خلال صراعهم المستمر مع الحثيين القادمين من المشرق، كما تخبرنا الحضارة الرومانية أن الجغرافي (سترابو) قد اعتبر أن القوى العالمية مركزة في الأقاليم كبيرة المساحة، وليس في الهوامش البحرية، وأن أوروبا هي مركز هذه القوى العالمية، كما رأى الجغرافي الروماني (بليني) أن حدود الإمبراطورية الرومانية تنتهي في أطرافها، حيث تنتهي طرق المواصلات إلى عوائق طبيعية نهرية أو بحرية[27]، كما تخبرنا الحضارة العربية الإسلامية أن جذور علم الجيوبوليتيك يمكن أن نجدها لدى المفكر العربي (عبدالرحمن بن محمد بن خلدون) التي ذكرها في كتابه (مقدمة ابن خلدون) الذي تناول فيه مفهوم تطور الأمم والشعوب ونشوء الدولة وأسباب انهيارها[28].

وفي الغرب يعتبر أبرز ما نقله المفكرون الغربيون فيما بعد فكان بلورة لصياغة عملية حول قيام وسقوط الدول والإمبراطوريات، فقد شهدت فرنسا في بداية القرن الثامن عشر ظهور أفكار تتعلق بالجغرافيا السياسية التي صاغها (مونتسكيو) إذ قرنت السلوك السياسي للدولة بالعوامل الجغرافية، أما من حيث أول من  استخدام هذا المصطلح فيمكن لنا إرجاعها للمفكر السويدي (رودولف كيلين) (1864ـــ 1922) أستاذ التاريخ والعلوم السياسية الذي لم يكن جغرافيا، لكنه اهتم بدراسة الجيوبوليتيك، حيث أصدر كتابين إحداهما (الدولة كمظهر من مظاهر الحياة) نشره في عام 1916، والثاني (الأسس اللازمة لقيام نظام سياسي) نشره عام 1920، وفيهما يستخدم خلفية كبيرة من الفلسفة العضوية، فلسفة (هيجل) والعديد من الآراء التي تظهر في كتابات ودراسات الألماني (راتزل)[29]، الذي قام بصياغة دراسة علمية وفنية ووضعها في كتابه الموسوم (الجغرافيا السياسية) الذي صدر عام (1897)، حيث تجدر الإشارة إلى أن (راتزل) لم يكن من مؤسسي علم الجيوبوليتك، إلا أنه أسهم بشكل كبير في تطويره، لأن أغلب علماء الجيوبوليتيك قد استندوا إلى بعض تحليلاته وأفكاره في صياغة أساسيات علم الجيوبوليتك، ومن أهم أفكار (راتزل) أن الدولة كائن حي، وعلى ما يبدو أن هذه الفكرة قد أقتبسها من نظرية داروين الخاصة بعلم الأحياء، حيث يشير أن الدولة كائن حي ولديها القدرة على التوسع، لذا ليس من المستغرب، أن يعتقد بعض المفكرين أن الألمان اهتموا بعلم الجيوبوليتك، في الوقت الذي كانت فيه ألمانيا النازية تسعى إلى الحصول على مستعمرات جديدة من أجل توسيع نفوذها العسكري، إذ أن النظرة الجيوبوليتيكية تتعلق بقدرة الدولة على أن تكون فاعلاً مؤثراً في أوسع مساحة ممكنة من الكرة الأرضية، وقد شاع استخدام هذا المصطلح في النصف الثاني من القرن العشرين.

ثانيا: أبرز رواد الفكر الجيوبوليتيك التقليدي

1.فريدريش راتزل(1844 ـــ 1904)

في 30 أغسطس من عام 1844، ولد (راتزل) في كارلسروه في دوقية بان الكبرى، حيث عاصر وهو شاب في سن المراهقة عملية توحيد ألمانيا، وقد تدرب على مهنة الصيدلة، حيث خضع لامتحانات ليصبح مساعد صيدلي في عام 1862، وقد بدأ في هذه المهنة ولكنه في الوقت نفسه تعهد بدراسة اليونانية واللاتينية، وفي عام 1866، تخلى عن وظيفة الصيدلة، حيث التحق بمعهد كارلسروه للتكنولوجيا، حيث حضر دورة في علم الحفريات والجيولوجيا، وكان هذا أول لقاء حقيقي له مع علم الأحياء والتطور، والذي كان له تأثير على عمله فيما بعد، ثم التحق بعد ذلك بجامعة هايدلبرغ، حيث تتلمذ على يد البروفيسور (ايرنست هيكل) الذي كان أول من استخدم مصطلح علم البيئة، وقد بنيت الرؤية الفكرية لـ(راتزل) على التطورية والداروينية، وأصبغت باهتمامها المعبر عنه بوضوح نحو علم الحياة[30]، وتخرج بأطروحة عن الديدان قليلة الإشعار، وفي عام 1869 نشر أول كتاب له (طبيعة وتطور العالم العضوي)، حيث يمكن لنا أن نلمس حماساً كبيراً لأفكار داروين على الرغم من أن فكره في هذا العمل الأول لم ينضج تماماً وكان لا يزال بعيداً عن مجال الجغرافيا.

وفي هذه الفترة وبمناسبة العمل الميداني في البحر الأبيض المتوسط، بدأ (راتزل) الشاب في كتابة مقالات عن أراضي وشعوب البحر الأبيض المتوسط لمجلة كولنيش تسايتونج، وفي بداية عام 1870 ومع بداية الحرب الفرنسية البروسية انضم إلى فوج المشاة الخامس في بادن، وبعد بضعة أشهر أصيب بجروح خطيرة في أذنه أثناء القتال فقد سمعه في جانب واحد، وفي عام 1871 أصبح قريباً جداً من (موريتز فاجنر) عالم الحيوان الدارويني الذي كان له تأثير دائم عليه، وخاصة من خلال وجهة نظره العضوية للدول والأمم، وفي إطار عمله في صحيفة كولنيش تسايتونج قام (راتزل) برحلة طويلة في الأمريكيتين مر خلالها بالولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك وكوبا، وقد تركت الولايات المتحدة انطباعاً كبيراً عليه حيث كرس عدد من المقالات لهذا الموضوع.

وفي عام 1876، وهو في الثانية والثلاثين من عمر أصبح (راتزل) أستاذاً مساعداً، وفي عام 1880 أستاذاً،  في وقت أصبحت فيه الجغرافيا مؤسسة كتخصص جامعي في ألمانيا، ولا شك أن تعيينه أستاذ للجغرافيا هو الذي مكنه من إنتاج أكثر أعماله كثافة وإقناعاً، فمنذ سبعينات القرن التاسع عشر ركز عمله بشكل أساسي على الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن إنتاجه الكتابي تطور بشكل كبير منذ عام 1880، حيث يعود المجلد الأول من كتابه (الجغرافيا البشرية) إلى عام 1882، أما المجلد الثاني فيعود إلى عام 1891، وفي هذا العمل يستكشف (راتزل) تأثير الظروف البيئية على تطور المجتمعات، ويحاول في المجلد الثاني استنباط قوانين تتوافق في هذا الصدد مع بعض المبادئ الوضعية.

وبين عامي (1881 -1885) نشر (راتزل) عملاً آخر بالغ الأهمية وهو الجغرافيا البشرية، وفي عام 1897 أصدر عملاً مهماً وهو (الجغرافيا السياسية) والذي كان بمثابة نقطة تحول في عمله، ففي شكل أكثر منهجية يطبق (راتزل) المفاهيم البيولوجية على دراسة السلوك السياسي للشعوب، وبالتالي يفتح مجالاً للتأمل الذي تطور بشكل كامل في عمله حول المساحات المعيشية وتوسع الدول، وهذا العمل هو أكثر أهمية من نواحي كثيرة، وربما كان العمل الذي كان له التأثير الأكبر على الجغرافيا في عصره، حيث يتضمن الكتاب ثلاثة مفاهيم أساسية تنظم فكرته، وهي (الفضاء، الحدود، الموقع)، وهي المعايير التي يسميها (راتزل) التنظيم السياسي للأرض، حيث يرتبط مفهوم المساحة أو الفضاء بتصور (راتزل) نظرية الدولة العضويةä التي تتطلب المساحة والفضاء الذي تنمو فيه وبالتالي تصبح الحدود غير ذات أهمية، حيث شبه الدولة إلى حد بعيد بالكائن الحي في مسار حياته، وبالتالي من المرجح أن تتطلب الدولة القوية ضم الأراضي التي تسيطر عليها دول أخرى أقل قوة، فهي تتمتع بتقديرات سكانية واقتصادية وثقافية تتخطى الحدود الإقليمية[31]، حيث يعتبر(راتزل) هو الشخصية المركزية في تطور الفكر الجغرافي في أواخر القرن التاسع عشر، على الرغم من أن عمله المبكر ركز على الولايات المتحدة الأمريكية، غير أن مفهومه للحدود كمنطقة انتقالية وجهاز محيطي بدلاً من خط حدودي محدد بشكل صارم تم تطبيقه على أوروبا أيضاً، حيث يعد مفهوم المساحة أو المجال الحيوي هي مساهمة (راتزل) والذي يشمل بشكل مباشر قانونه للتوسع، حيث يؤكد لنا أن الحياة عبارة عن حركة لا نهائية يتم تقييدها بحدود الفضاء الثابت، وإن الأفراد والمجموعات المهيمنة هي تلك التي تنجح في توسيع مساحة حياتها من خلال دمج مساحة حياة الأفراد أو المجموعات أو الأنواع المهزومة، وبذلك كان يشير دائماً إلى التوسع الألماني والتفوق البروسي، حيث كانت مساهماته كبيرة وكان عمله واسع النطاق وينسب إليه الفضل باعتباره أحد الآباء المؤسسين للجغرافيا السياسية، وكان له تأثير كبير في تشكيل النظرية اللاحقة في هذا المجال، حيث يزعم (كاهنمان) إن الخبرة التي اكتسبها (راتزل) أثناء سفره في جميع أنحاء أمريكا قدمت الحافز الأول لعمله العملي، حيث إن المدارس الألمانية الرائدة في الجغرافيا التي اندمجت بعد (راتزل) مستمدة من عمله ومتأثرة به، لذا؛ لا ينبغي لنا أن نقلل من نفوذه في هذا المجال[32].

2.يوهان رودلف كيلين (1864ــ 1922)

 في 13 يونيو من عام 1864، ولد الجغرافي والأكاديمي والسياسي السويدي (كيلين) في مدينة أوبسالا (سالا العليا) السويدية، وقد كانت مسيرته العلمية حافلة، حيث أنهى تعليمه الأساسي في مدينة سكارا في عام 1880، ومن ثم التحق بجامعة أوبسالا في نفس العام، وقد درس بها في تخصص الجغرافيا والعلوم السياسية، وقد كانت ثمرة مسيرته الأكاديمية أن تحصل على الشهادة الدكتوراه من جامعة أوبسالا في عام 1891، وقد ظل محاضراً في تلك الجامعة من عام 1890 إلى عام 1893، كما كان قائماً بالتدريس في نفس الفترة في جامعة جوتنبرج من عام 1891، وكان أيضاً أستاذاً للعلوم السياسية والإحصاء من عام 1901، حتى حصل على درجة الأستاذية المرموقة (أستاذية القوس) في البلاغة والسياسة من جامعة أوبسالا في عام 1916.

 أما من حيث حياته السياسية وتجربته في هذا الميدان، كان (كيلين) سياسياً محافظاً، وقد شغل منصب عضو في المجلس البرلمان السويدي، في المجلس الأدنى بين عام 1905 حتى عام 1908، وفي المجلس الأعلى بين عام 1911 إلى عام 1917 ، وعلى الرغم من صعوبة الفصل بين تجربته السياسية ومساهماته العلمية في ميدان الجغرافيا السياسية، التي تثير جدلاً واسعاً بسبب ارتباطها بالنزاعات القومية التوسعية، حيث كان لأفكاره تأثير كبير على صانعي القرار السياسي وخاصة في ألمانيا، فقد استخدم (كيلين) الجغرافيا السياسية لتبرير التوسع الألماني.

ولكن هذا لا يدفعني إلى التقليل من مكانته العلمية، فهو كان شخصية بارزة في تاريخ الجغرافيا السياسية، حيث يعد أحد مؤسسي هذا العلم وتطوير مفاهيمه الأساسية، كما أقترح (كيلين) مصطلحات جديدة، كان عليها في رأيه، أن تشكل الأجزاء المكونة للعلم السياسي وهي الإيكوبوليتكا التي تعني دراسة الدولة كقوة اقتصادية، والديموبوليتكا التي تعني دراسة الدوافع الديناميكية التي ترفد بها الدولة من قبل الشعب، والوسوسيوبولتيكا وهي دراسة الجانب الاجتماعي للدولة، والكراتوبوليتيكا وهي دراسة صنع الحكم والسلطة في علاقاتهم مع قضايا الحقوق والعوامل الاجتماعية والاقتصادية، غير أن هذه المصطلحات لم تحقق الاعتراف الواسع على غرار ما حققته مصطلح الجيوبولتيك[33].

وفي السياق نفسه نؤكد على دور أفكار (كيلين) في فهم أسباب الصراعات الدولية، حيث وضح كيف أن التنافس على الموارد الطبيعية والسيطرة على المناطق الجغرافية الاستراتيجية يمكن أن يؤدي إلى صراع، حيث قدم أدوات تحليلية جديدة لفهم العلاقات الدولية كالعوامل الجغرافية كمتغير مهم في تحليل سلوك الدول، كما ساهمت أفكاره أيضاً في تقييم القوة الوطنية للدول، فالعوامل الجغرافية حسب أسلوب (ري كلاين) لقياس قوة الدولة، تلعب دوراً مهماً في تحديد قوة الدولة وقدرتها على التأثير في محيطها، فضلاً على أن الدول استخدمت أفكاره لتطوير استراتيجياتها الجيوسياسية، حيث أن فهم العوامل الجغرافية يساعد في اتخاذ قرارات أفضل بشأن السياسة الخارجية.

ولهذا يعد (كيلين) شخصية مثيرة للاهتمام في تاريخ الفكر الجغرافي والسياسي، حيث ترك الأستاذ الجامعي والجغرافي والسياسي بصمة في فهمنا للعلاقات بين الجغرافيا والسياسة، كما ترك إرثاً غنياً من الأفكار والمفاهيم التي لا تزال محل الدراسة والتحليل حتى اليوم، ومع ذلك فإن فهم إسهاماته يتطلب تقييماً نقدياً لأفكاره في سياقها التاريخي والثقافي.

3.السير هالفورد جون ماكندر (1861 ـــ 1947)

في 15 فبراير من عام 1861، ولد الجغرافي والأكاديمي والسياسي (ماكندر) الذي يعتبر أحد آباء علم الجيوبولتيك، حيث كان لامعاً في مسيرته العلمية ففي الرابعة والثلاثين من عمره ألف محاضرته الشهيرة، والتي على أثرها تم إرساله إلى كلية إبسوم في عام 1874، من قبل أبوه الذي كان طبيباً ريفياً في تلك الفترة، ومنها إلى جامعة أكسفورد، حيث كان سجل دراسته حافلاً بالألمعية، ثم عين بعدها محاضراً متجولاً لجامعة أكسفورد في علم الجغرافيا لمدة سنتين، ثم عين معيداً للجغرافيا في أكسفورد حيث جذب إليه مئات الطلاب بطريقة تعليمه الحركية، وكان لإلحاحه على الجمعية الجغرافية الملكية أكبر الأثر في تمويل هذه الجمعية لأول مدرسة بريطانية في علم الجغرافيا بأكسفورد عام 1899، حيث أصبح ماكندر مديراً لتلك المدرسة، كما وجد متسعاً من الوقت في تلك السنوات ليحظى بشهرة في تسلق الجبال، فقام بأول مغامرة صعود إلى جبل كنيا بشرق أفريقيا، ومع استمراره في منصبه بأكسفورد عمل معيداً للجغرافيا الاقتصادية في جامعة لندن، ذلك المنصب الذي أدى إلى تعيينه مديراً لمدرسة الاقتصاد في لندن في عام 1903، إذ أولع دائماً بعلوم الاقتصاد، أما من حيث تجربته السياسية فقد انتخب لعدة مرات في البرلمان من سنة (1910- 1922)، حيث كان عضواً في حزب المحافظين البريطاني وشغل عدة مناصب سياسية، منها عضو برلمان المملكة المتحدة في دورته التاسعة والعشرين والثلاثين والحادي والثلاثين، ومع ذلك كانت حياته العلمية كلها، أولاً وقبل كل شيء في الدوائر الأكاديمية، فكرس نفسه لتقدم الدراسة العلمية للجغرافيا وخصوصاً الجغرافيا السياسية من حيث وجهة النظر الإنسانية.

وقد قدم (ماكندر) في كتابه (المحور الجغرافي للتاريخ) الذي قدر له مثل رد الفعل الواسع ذاك، حيث قدم أولا نظريته عن الفضاء المقفل وهي فكرة اشتهرت بعد ذلك بأربعين سنة بواسطة (وندل ويلكي) في مقال (عالم واحد)، اعتقد ماكندر أن الحقبة الكولومبية وهي حقبة أربعة قرون من الاكتشافات وتوسع الجغرافيين قد انتهت عند بداية القرن العشرين، فكتب يقول تمت حدود خريطة العالم في أربعمائة سنة بدقة تقريبيةä[34].

 لقد أثبتت نظرية (ماكندر) 1904، التي تناولت المحور السياسي للجغرافيا أهمية الجغرافيا في إدارة الدولة، ورغم كونه من أتباع السياسة الامبريالية، غير أنه كان يدرك أن الحدود الجغرافية كانت عرضة للتغيير أو التغير، وأن خريطة العالم يعاد رسمها باستمرار كنتيجة للامبريالية، فالجغرافيا السياسية بحد ذاتها تعتبر تخصص محوري، لأن فهم وظائفها فقط هو الذي كان يسمع للفاعلين السياسيين وخاصة الذين ينتمون للقوى العظمى في أوروبا، بفهم العالم الذي يعيشون فيه، وفي هذا الصدد يزعم (فيتويس) أن (ماكندر) هو الذي جلب دراسة الجغرافيا والسياسة الدولية إلى الاهتمام العام.

وفي سياق متصل نشير إلى أن أشهر مساهمات (ماكندر) في مجال الجغرافيا السياسية هي مناقشته لقلب أوراسيا، حيث يصف(فيتويس) هذه النظرية على أنها تفترض أن هذه المنطقة المثالية المهمة في العالم من منظور إستراتيجي هي قلب أوراسيا، فمن حيث الحجم كانت المنطقة مساوية تقريباً لتلك التي أحتلها الاتحاد السوفيتي السابق، حيث افترض (ماكندر) أن من يسيطر على قلب أوراسيا يسيطر على العالم، فهذا القلب يمثل أعظم حصن طبيعي على وجه الأرض، وبالتالي يصبح قلب أوراسيا موقعاً رئيسياً في ساحة معركة جزيرة العالم، ويبدو أنه في الأساس امتداد للتكتيكات العسكرية إلى المستوى الإستراتيجي الكبير، وقد لعبت روسيا موقعاً رئيسياً في قلب أوراسيا لأنها كانت تقع في موقع مركزي بين أوروبا وآسيا، كما أنها كانت تسيطر أيضاً على جزء كبير من كتلة اليابسة الأوراسية المحمية من القوة البحرية البريطانية، حيث يرى(ماكندر) أن بريطانيا العظمى ودول أوروبا الغربية الأخرى يجب أن تخشى التحالف الألماني مع روسيا أو الصين الذي تنظمه اليابان، حيث تعكس هذه المعتقدات كراهية عميقة الجذور للقوة العظمى لفكرة الشرق المهيمن.

والجدير بالذكر أن مساهمة (ماكندر) قد أصبغت سمتين على الجغرافية السياسية التقليدية، السمة الأولى أنه استخدم نظرية تاريخية محدودة ومشكوك فيها تركز على الغرب، ليزعم وجود أساس فكري موضوعي ومحايد ومستنير، وهي في الواقع وجهة نظر متحيزة للغاية تهدف إلى الدفاع عن سياسة دولة بعينها وتبريرها، أما السمة الثانية هي أن مسيرته كانت واحدة من العديد من الأمثلة على التداخل بين الجغرافيا السياسية الأكاديمية والسياسة الحكومية أو الجغرافيا السياسية العملية[35]، وقد كانت لأفكاره ومفاهيمه تأثير كبير على عدد من المنظرين للاحقين بما في ذلك (جورج كينان، ونيكولاس سبيكمان)، كما لعب (ماكندر) دوراً فعالاً في تشكيل أراء الأدميرال(الفرد ماهان) الذي أكد على أن السيطرة على الممرات البحرية من شأنها أن تكون قادرة على منع أي تحالف أوراسي من تولي الهيمنة على العالم.

4.الأدميرال الفرد ثاير ماهان(1840ــ1914)

في 27 سبتمبر عام 1840، ولد (ماهان) بمدينة ويست بوينت في ولاية نيويورك، حيث كان ولده (دينيس هارت ماهان) معلماً بالأكاديمية العسكرية الأمريكية، وقد كان والده يدَرس نظريات أنطوان هنري جوفي لطلبة الأكاديمية الذين تولوا قيادة طرفي الحرب الأهلية الأمريكية فيما بعد.

حيث اختار (ماهان) تخصصاً مخالفاً لحياة الجندي المقاتل التي احترفها والده، وتقدم بطلب إلى الأكاديمية البحرية الأمريكية وتم قبوله، وكان ترتيبه الثاني على دفعته التي تخرجت عام 1859، وفي عام 1861 تم ترفيعه إلى رتبة ملازم أول بحري بعد فترة خدمة في سرية اسمها سرية البرازيل، حيث كانت أول تجربة قتالية له خلال الحرب الأهلية بمعركة بورت ريال ساوند بولاية كارولينا الجنوبية، كما شارك خلال مرحلة لاحقة في مهمة حصار مع سرايا جنوب الأطلس والخليج الغربي، وقد تدرج في الرتب العسكرية حتى رتبة عقيد بحري، غير أن الفترة التي قضاها في الخدمة العسكرية لم يحقق خلالها إنجازات بارزة، كما حققها في المجال العلمي والأكاديمي، ولكن يمكن لنا اعتبار تلك الفترة مرحلة تمهيدية لكي يكون لامعاً في المجال العلمي[36].

فباعتباره كان ضابطاً بحرياً أمريكياً أكد على أهمية القوة البحرية باعتبارها عاملاً رئيسياً في الجغرافيا السياسية، وقد أبتعد في عدة طرق رئيسية عن منظري عصره الآخرين بما في ذلك (تيرنر) فيما يتعلق بمفهوم الحدود، وكذلك (ماكندر) فيما بتعلق بالزوال المحتمل للقوة البحرية واستبدالها بقوة النقل البري، حيث كان مقتنعاً بأن الدولة القومية التي حققت مكانة القوى العظمى منذ عصر الاستكشاف، كانت بسبب إبقائها للقوة البحرية، كما زعم أن إتقان الأنشطة التجارية التي تعتمد على النقل البحري كان أمراً بالغ الأهمية ليس فقط في أوقات الحرب، ولكن أيضاً في أوقات السلم، وقد استند (ماهان) في تكوين آرائه وأفكاره على تحليل الصراعات التي اندلعت منذ القرن السابع عشر وحتى القرن الثامن عشر، وخاصة فيما يتعلق ببريطانيا العظمى وفرنسا.

وحول أفكار وآراء (ماهان) يجادل (اولمان) الذي يزعم أن الافتراض الأساسي لـ(ماهان) فيما يتصل بأهمية غسيل الأموال عبر البحار هو الاعتقاد بأن المنافسات الاقتصادية هي في صميم التنافس بين الدول، وينبغي لنا أن نتذكر أنه عندما قدم (ماهان) أفكاره كانت هناك طرق محدودة للتواصل ونقل الأفكار وكذلك السلع من جزء من العالم إلى آخر، وفي السياق نفسه يزعم (اولمان) أن التاريخ قد غير افتراضات (ماهان) فالمنافسة الاقتصادية لم تعد تؤدي إلى صراع بين القوى العظمى من أجل الوصول إلى الأسواق الخارجية، كما أن المنافسات التي كانت تميز مثل هذه العلاقات حتى القرن التاسع عشر لم تعد قائمة، حيث أزالت التكنولوجيا أي فكرة عن الحدود الجغرافية والسيطرة للوصول إلى الأسواق الخارجية.

ومن وجهة نظر(ماهان) كان التوسع التجاري ضرورياً، وعلى النقيض من (تيرنر) لم ينظر (ماهان) إلى الحدود باعتبارها حدوداً ثابتة تتغير ببطء، وتمثل أقصى مدى لنفوذ بلد ما أو وجوده، وباعتباره ضابطاً بحرياً اعتبر أن القوى البحرية ضرورية ليس فقط لتحقيق النجاح العسكري، بل كوسيلة لتقاسم النجاح الاقتصادي، لذا؛ كان لاقتراحه القائل بأن تستخدم البلدان مواردها عندما تكون في حالة حرب لبناء جهاز بحري قادر على تعزيز الأنشطة التجارية فضلاً عن الأنشطة العسكرية فريد من نوعه في ذلك العصر، وإيماناً منه بأن القوة البحرية كانت مركزية وليست هامشية في تاريخ العالم في القرنين والنصف السابقين، أكد (ماهان) على جانب الطريق السريع للبحر وجادل بأن أي بلد يعتمد على الاقتصاد العالمي يحتاج إلى أن يكون قادراً على تأمين الوصول إلى العالم ولا يمكن القيام بذلك، إلا إذا لم يهيمن العدو على البحار.

حيث يجادل (فريدمان) حول أفكار ونظريات (ماهان) فيقول إن ماهان كان مؤثراً على العديد من صناع القرار في الحكومة الأمريكية خلال حياته، ومن بينهم (بنيامين ف تريسي) الذي شغل منصب وزير البحرية في إدارة (هاريسون)، حيث استخدم (تريسي) وجهة نظر (ماهان) لتبرير تطوير أسطول بحري ضخم قادر على القيام بأنشطة عسكرية وتجارية لصالح البلاد، حيث يقول (فريدمان) أن الحرب الإسبانية الأمريكية أعطت مصداقية للعديد من نظريات (ماهان) ورسخت مكانته كشخصية قوية في مجال صنع السياسات الجيوسياسية.

وفي سياق متصل نشير إلى أن تأثير (ماهان) على تطوير الأسطول البحري الأمريكي الواسع النطاق يشكل إحدى مساهماته الرئيسية، غير أن رفض (ماهان) لأطروحة (تيرنر) بشأن تأثير الحدود على الشخصية الأمريكية لم تلقَ اهتماماً كافياً من جانب النقاد، حيث يتفق (ماهان) مع (ماكندر) في اعتقاده بأن الأرض الداخلية موجودة بالفعل وإن حدود هذه الأراضي الداخلية غالباً ما تكون ديناميكية إلى حد كبير، وهي الفكرة التي شاركها مع (راتزل)، أما ما يميز (ماهان) عن غيره من المفكرين فهو ثبات موقفه فيما يتصل بالأهمية الشاملة للقوة البحرية، حيث شعر بأنه من المقدر أن يظل النمط السائد للتفاعل الدولي حتى في وقت كانت فيه أنظمة السكك الحديدية والنقل البري تتوسع بمعدلات هائلة.

5.نيكولاس سبيكمان(1893 ـــ 1943)

في 13 أكتوبر عام 1893 ولد سبيكمان الجيواستراتيجي الهولندي الأمريكي في مدينة أمستردام بهولندا، حيث درس في جامعة كاليفورنيا وحصل على درجة الدكتوراه، وقد عمل أستاذاً للعلاقات الدولية في معهد الدراسات الدولية بجامعة ييل، حيث ساهم في تطوير الفكر السياسي لأوروبا الشرقية، حيث يجادل(جورج كينان) في وصفه بالأب الروحي لسياسة الاحتواء، حيث كان عالماً سياسياً أسس المدرسة الواقعية الكلاسيكية، كما رسم مفاهيم جغرافية قوية لتحديد الطرق التي يتم بها هيكلة التفاعلات الجيوسياسية وتطورها، وقد قدم العديد من المفاهيم الرئيسية الجديرة بالملاحظة، ومن بين هذه المفاهيم فهمه للأرض الداخلية، والأرض الخارجية، والقارات البحرية، وديناميكيات أوراسيا، وجهوده الرامية إلى تقديم المراجعات لبعض المفاهيم التي طرحها (ماكندر) الذي كان له تأثير على عمله.

حيث أسس مفهوم قلب الأرض كجزء لا يتجزأ من فهم العالم، وقد استعان بنظرية (ماكندر) لتعزيز فكرة وجود قلب الأرض والتي يمكن توحيدها، على الرغم من رفضه لاعتقاد (ماكندر) بأن قلب الأرض كان قابلاً للتوحيد من خلال أنظمة النقل البري، حيث كان لدى محتل قلب الأرض من وجهة نظره موقف دفاعي فريد ومهم، ولكن المزايا العظيمة للغاية التي ينسبها (ماكندر) إلى قلب الأرض لم يتم رؤيتها كما هي حاضرة في نظرية (سبيكمان)، حيث درس بكل اهتمام أعمال (ماكندر) وتقدم بصياغة لمخطط جيوبوليتيكي أساسي يختلف عن نموذج (ماكندر)، حيث يرى (سبيكمان) أن (ماكندر) قد بالغ في تقييم الأهمية الجيوسياسية للهارتلاند[37]، ويؤكد (سبيكمان) أن الريملاند وليس الهيرلاند هي مفتاح السيطرة العالمية، حيث ينظر إلى محيط أوراسيا وليس إلى جزئها باعتباره المفتاح إلى القوة العالمية، ويعرف هذا المحيط من وجهة نظره باسم أريزونا، ومن المرجح أن تصبح دول ريملاند مثل اليابان قوة عظمى بمرور الوقت، لأن دول ريملاند كانت على اتصال أكبر بالعالم الخارجي أو الدول التي لم تكن جزءاً من قلب الأرض نفسها، فقد تلقت المزيد من الابتكار مقارنة بدول قلب الأرض، حيث امتلكت دول حوض البحر الأبيض المتوسط ثروة من الموارد الطبيعية، ورغم اتفاقه مع (ماكندر) على هذا المفهوم على وجه الخصوص، إلا أنه أعطى مصداقية أكبر لقدرة دول حوض البحر الأبيض المتوسط على الاستفادة من مزاياها الطبيعية ومواردها أكثر مما فعل (ماكندر)، وعلى نفس المنوال كان يعتقد أيضاً أن ما يسمى بالقارات البحرية في أفريقيا واسترالياä سوف تلعب دوراً أكثر أهمية في تشكيل الجغرافيا السياسية مما كان يعتقده (ماكندر) أنه ممكن.

لقد كرس (سبيكمان) جزء كبير من حياته المهنية لتحدي المفاهيم التي أتينا على ذكرها في وقت سابق عند الحديث عن (ماكندر)، حيث شعر بأن السيطرة على قلب الأرض سوف تكون في نهاية المطاف أقل أهمية من السيطرة على أرضه، كما كان يعتقد أن السيطرة على أوراسيا سوف تسمح لدولة أو تحالف من دول بالسيطرة على مصائر العالم، فقد كان على بصيرة عندما تنبأ بأن بريطانيا العظمى وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية سوف تكون الجهات الفاعلة المهيمنة فيما يتصل بقلب أوراسيا، بالإضافة إلى ذلك كان لدى (سبيكمان) دور مهم للولايات المتحدة الأمريكية في المستقبل، حيث كان مقتنعاً أن الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي أمر لا مفر منه، لأن كل الدولتين كان لديها طموحات عظيمة في الساحة الجيوسياسية، وبالتالي كان يعتقد أنه من الضروري على الولايات المتحدة الأمريكية أن تظل قوية ومصممة على بذل أي جهد لمواجهة العدوان المحتمل من جانب الاتحاد السوفيتي.

المحور الثالث : مقاربة تحليلية للتنظير الجيوبوليتيك التقليدي.

 قبل التطرق لفكر ونظريات الجيوبوليتيك التقليدي، يكون من المفيد أن نشير إلى أن النظرية الجيوبوليتيكية (الجيوسياسية) هي التي تقوم على فرضية مفادها أن ثمة علاقة بين قوة الدولة وجغرافيتها، فالعامل الجغرافي يلعب دوراً كبيراً في بناء قوة الدولة وزيادة أسباب ومصادر قوتها، ويعد العامل الجيوبوليتيكي من أهم عناصر قوة الدولة، حيث يقصد به الحيز الجغرافي المكاني الذي تشغله الدولة وتتواجد فيه ضمن رقعة من الأرض، وهو يتمثل بنوعية وطبيعة مواردها وحجم إقليمها من حيث ضيقة أو اتساعه، وكذلك موقعها وعدد السكان فيها، كل هذه العوامل تعد مكوناً أصيلاً في بناء الحياة السياسية والاجتماعية للدولة، كما تلعب دوراً مهماً في صياغة إستراتيجياتها وخططها الأمنية والعسكرية[38]، فعلم الجيوبوليتيك يهتم برسم تصورات سياسية مستقبلية استناداً إلى الثروات الطبيعية والبشرية والعسكرية، ولهذا يبرز مصطلح القوة البرية والبحرية والموقع الجغرافي، وكل هذه المقومات التي تحدد مكانة الدولة من خريطة القوى العالمية والمكاسب التي تستطيع الحصول عليها.

فالجيوبوليتيك هي في جوهرها دراسة للإقليم عبر دورة تاريخية كاملة لرسم معالم شخصيته آخذة في الاعتبار العلاقات البيئية للجغرافيا والتاريخ والسياسة والاقتصاد وكيفية تفاعلها، حيث أبدع الباحثون في صياغة قوالب نظرية ذات قدرة تفسيرية هائلة لمسألة الفراغ الدولي، تحلل وتشرح الأسباب الكامنة وراء اندفاع الدول إلى التوسع والانغماس في نزاعات حادة مع غيرها، وفي هذا السياق تحاول الدراسة عرض أهم النظريات الجيوبولتيك التقليدي المؤثرة في الفكر السياسي حتى الآن، وتسليط الضوء على المساهمات التنظيرية  لرواد تلك النظريات التي أتت الدراسة على عرض سيرتهم وأفكارهم فيما سبق، وعلى الرغم من انتشار الفكر والتنظير الجيوبوليتيكي في بيئات جغرافية مختلفة، تتمثل في المدرسة الألمانية، والمدرسة الأمريكية، والمدرسة الفرنسية، والتي تعتبر سبباً في تباين المفهوم وتعدد واختلاف تعريفاته، غير أن الدراسة كرست مقاربتها لهذا التنظير في تتبع أفكار ونظريات التي صاغها رواد المدرسة الألمانية والأمريكية، والتي كان لها دور كبير في تحليل وتفسير الكثير من الظواهر السياسية الدولية.

أولا: أفكار وتنظير المدرسة الألمانية

قبل ابتكار لفظ الجيوبوليتيك، ظهر العديد من المفكرين الجغرافيين السياسيين، الذين ينتمون للمدرسة الألماني، الذين عالجوا مواضيع متعددة في الجغرافية السياسية، ومن أبرزهم (فريدرك ليست، كارل ريتر)، ولهذا تعد المدرسة الفكرية الألمانية من أهم المدارس الفكرية الجيوسياسية؛ لذا ليس من قبيل الصدفة أن توصف بأنها الأرضية الفكرية لعلم الجيوبوليتيك، حيث لاحظنا من خلال تتبع سيرة أبرز روادها بأنها كانت لها مساهمات فكرية، أصبحت فيما بعد الوعاء الذي ينهل منه المنظرون المعاصرون في هذا المجال، رغم الانتقادات الموجه لهذا التنظير، إلى الحد الذي أعتقد البعض باندثاره، إلا أن الجيوبوليتيك الانتقادي لا يستطيع أن يبطل كل ما جاءت به الجيوبوليتيكا التقليدية، لان التراث الجيوبوليتيكا التقليدي جزء هام من الثقافة والمعرفة الجيوبوليتيكية[39]، ونحاول في هذه الدراسة التعرف على الجانب التنظيري للمدرسة الألمانية، من خلال عرض نظرية كل من (فريدريك راتزل، يوهان رودلف كيلين)، التي كانت من أبرز مساهمات التنظير الجيوبوليتيك التقليدي.

  1. نظرية راتزل (1844ــ 1904) (الدولة كائن عضوي)

في كتابه الجغرافيا السياسية الذي ظهر عام 1897 قدم (راتزل) فكرته الكبرى، بأن الدولة كائن يكبر وتزداد احتياجاته باستمرار، وأن الحدود هي أشبه بجلد الكائن العضوي، والذي يجب أن يمتد باستمرار مع نموه[40]، وبما أن الكائن الحي ينمو ويكبر فتضيق ملابسه فيضطر لتوسيعها كذلك الدولة، ستضطر إلى توسيع حدودها السياسية وزحزحتها كلما زاد عدد سكانها وتعاظمت طموحاتها، فحدود الدولة حدود زنبقية قابلة للتوسع والانكماش، ويجب على الدولة دائماً أن تحافظ على رغبتها في التوسع، لأن أي تراجع أو انكماش يجعلها عرضة للالتهام من قبل دول أخرى أقوى[41]، ولم يكن راتزل يتحدث من فراغ فقد كانت ألمانيا حينها تموج بالنشاط الصناعي وهي بحاجة إلى المواد الخام والأسواق، وبالتالي قدم (راتزل) نظريته لتكون في خدمة ألمانيا، فالنظرية أعطت مبرراً للحراك النازي الكبير لاجتياح أوروبا، ورغم أن العالم استقر بعد الحرب العالمية الثانية نظرياً على ثبات الحدود وضرورة احترامها، ولكن عملياً بقيت الحدود سيالة ولا زالت التغيرات الحدودية جارية في العالم، حيث أصبحت حدود الدول ممتدة إلى حيث تقف مصالحها، وبالتالي فوجود الدول على أرض دول أخرى بالترغيب أو بالترهيب، وفرض سياساتها وتحكمها في ملفات دول تبدو مستقلة بالشكل، حيث تظل الدول نظرياً كاملة السيادة ومستقلة، وهو بات أمراً مألوفاً لننظر مثلاً إلى الحضور الأمريكي في ملف الجنوب السوداني، وكذلك مناقشة الكونغرس الأمريكي لحقوق الإنسان والمرأة في بعض الدول، والكيان الإسرائيلي وأفكاره التوسعية، التي كان آخرها قمة الشيخ السورية، لنعرف معنى الحدود الشفافة[42].

وفي سياق سبر أغوار هذه النظرية نجد أن (راتزل) قد حدد لنا سبعة قوانين لكي تنمو الدولة وتتطور، وأطلق عليها (قوانين تطور الدول)ä وقد توسع (راتزل) في القانون السابع حيث تم إجراء تعديل عليه، ويجادل بأن هذا الكوكب الصغير (الأرض) لا يتسع إلا لدولة عظيمة واحدة، حيث ذكر أن استغلال المساحات الكبيرة ستكون ظاهرة سياسية في القرن العشرين وأكد على أن تاريخ العالم ستتحكم فيه الدول كبيرة المساحة كروسيا في أوراسيا والولايات المتحدة في أمريكا الشمالية[43].

حيث إن وجود دولة كبيرة على حدود دولة صغيرة يؤدي حتما إلى ضمها، ويدور مفهوم الموقع عند (راتزل) حول مفهومين، حيث يميز في نظريته بين المعنى الواسع والمعنى الصارم للموقع، ففي المعنى الواسع يفهم الموقع باعتباره رابطاً ثابتاً مع التربة أو الانتماء إلى جزء معين من سطح الأرض، والتي من الممكن أن تستنتج منها موقعاً طبيعياً، في حين يشير المعنى الدقيق للكلمة باعتبار الموقع هو الجوار السياسي، أي أنه يشمل كل علاقات النفوذ والقوة بين الدول التي يمكن استخلاصها من موقعها الجغرافي الخاص.

وفي سياق متصل نشير إلى أن الأفكار المتعلقة بتطور الدول باعتبارها كائنات حية منتشرة في أعمال (راتزل)، على الرغم من صعوبة التمييز بين الاستعارة المجردة والاختزال البيولوجي الصريح، ويرى العديد من الأكاديميين في هذا الصدد تأثيراً مباشراً لأفكار (داروين وهياكل وسبنسر)، وقبل كل شي (فاغنر) وخاصة مفهومه عن المجال الحيوي، الذي يدعم مفهوم المجال الحيوي المثير للجدل الذي طوره (راتزل) في عام 1902.

ولكن على الرغم من النظرة البيولوجية البحتة للدولة التي تظهر واضحة في نظريته، فهو يعد مؤسس الجغرافيا السياسية بجدارة، كما أن قوانينه السبعة كانت أساساً قوانين خاصة بالمكان والموقع، ولعل أهم ما أعطاه لنا (راتزل) من تراث هو تلك الرابطة بين المساحات القارية الكبيرة، وبين القوة السياسية، لذا؛ يكون من المفيد ونحن في نهاية الحديث عن نظرية (راتزل)، أن نشير بأن نظرياته تشكل نقطة التقاء لمجموعة كاملة من التأثيرات، ومن الممكن بالفعل أن نميز في نظريته عن الدولة التي ينظر إليها باعتبارها النموذج النهائي لتنظيم المجتمعات، تأثير الفلسفة السياسية لـ(هيجل)، وعلى الأقل كما ينظر إليها في نهاية القرن التاسع عشر، كما أنه ومن خلال تحليل الأفكار التي جاء بها (راتزل) في هذه النظرية، يمكن لنا وصفها على أنها الأرضية الفكرية التي بررت الأطماع التوسعية والحروب التي  شهدتها أوروبا والعالم بذريعة الحاجة للتوسع خارج الحدود، لهذا تم انتقاد أفكاره وخصوصاً من قبل البريطانيين والأمريكيين خلال الحرب، ويمكن أن يرجع هذا الانتقاد بسبب أنه كان ألمانياً، علاوة على أن استخدام لفظ (قانون) في تفسيره لنموذج النمو المساحي للدولة، فهذه القوانين حسب اعتقادهم ليست ضرورية، كما لا يمكن مقارنة الدول بالكائنات الحية ما دام لا توجد علاقة تطابقية بينهما، بل توجد علاقة تبادلية بين الأفراد والأرض التي يحصلون منها على قوتهم.

2.نظرية يوهان رودلف كيلين (1864ــ 1922) (نظرية الدولة )

 شهدت الفترة ما بعد (راتزل) ميلاد أحد أهم الدارسين لنظرية الدولة ككائن حي، ألا وهو العلم السويدي الجغرافي (رودولف كيلين)، الذي يعد من خلال اهتمامه بدراسة الدولة أول من استخدم لفظ الجيوبولتيك الذي يعني به (البيئة الطبيعية للدولة)، كما يعد أيضاً أول من نادى بقوة على جعل الدراسة موجهة نحو خدمة الدولة، حيث نشر كتابان الأول عام 1917 بعنوان (الدولة مظهراً من مظاهر الحياة) والثاني عام 1920 بعنوان (الأسس اللازمة لقيام نظام سياسي) ويرتكز هذان الكتابان على خلفية تمتد أصولها إلى الفلسفة العضوية.

وباعتبار أفكار (كيلين) في جانب منها هي امتداد لأفكار (راتزل)، لذا؛ نجده قد اهتم بالدراسة العلمية التي انطلق منها (راتزل)، والتي من خلالها تتحول قطعة الأرض من منطقة جغرافية بسيطة إلى مناطق حضارية وسياسية لكل منها غريزتها في البقاء والحفاظ على الذات ثم الانتشار والتوسع، من خلال الاستعمار أو الاندماج أو الغزو بمختلف أنواعه، غير أنه اختلف مع (راتزل) في طريقة تحقيق ذلك بإضافة عاملي الحضارة والتقدم، فادعى بأن الأرض التي تعيش عليها الدولة هي الجسد، وتكون العاصمة القلب والرئتين، وتكون الطرق والأنهار الأوردة والشرايين، ومناطق التعدين والإنتاج الزراعي هي بمثابة الأطراف، وإن أهم ما تعنى به الدولة هو القوة وأن حياة الدولة تعتمد على الاقتصاد وقوة الحكم والسلطان وثقافة الشعب، حيث يرى أن الجغرافيا يجب أن تسخر في خدمة الدولة التي هي الغرض الأسمى للدراسة[44].

ولهذا تمخض عن الدراسات والأبحاث التي طورها (كيلين) ما يعرف بنظرية الدولة، التي اتفق مع (راتزل) على أن الهدف النهائي لنمو الدولة هو تحقيق القوة، حيث قسم الدراسات المرتبطة بالدولة إلى خمس دراسات هي (الجيوبولتيك، الديموغرافيا السياسية، الاقتصاد السياسي، علم الاجتماع السياسي، الحكومة السياسية)[45]، وبالتالي سعى(كيلين) إلى بناء نظرية الدولة من خلال منهج دراسة متكامل يتعرض للدولة من عدة زوايا، فمن الناحية الأولى، اعتقد أنه يجب دراسة الدولة جيوبلتيكيا أي كشف العلاقة تفصيلاً بين الدولة والعوامل الجغرافية، وثانيا، شدد على أهمية البحث المعمق في العلاقة بين السكان والدولة، ثالثا، دراسة العلاقة بين الحالة الاقتصادية والدولة، رابعا، دراسة العلاقة بين البيئة الاجتماعية والدولة، وأخيراً بحث النظام السياسي للدولة، وفي هذه الدراسات يفرض حتمية النمو البيولوجي للدولة، هذا النمو الذي يؤدي بها إلى النزاع الذي لا ينتهي إلا بمعادلة صفرية تؤدي إلى أفول الدولة الأضعف لصالح الدولة الأقوى[46]، وبالتالي رأى (كيلين) أن الدولة ليست كيانات شرعية، ولكنها قوة متنافسة في صراع دائم يهدف للحصول على السيادة، والهدف المطلق لتطور القوة السياسية للدولة هو الحصول على حدود طبيعية جديدة خارجياً ووحدة متجانسة داخلياً، وهنا يعني في سعي الدولة إلى سلطة يجب أن لا تتبع القوانين العضوية البسيطة في التوسع أو التمدد المساحي فقط من أجل الوصول إلى غاياتها المرجوة.

والجدير بالذكر أن هذه الدراسات الخمس كانت تحمل عدة أفكار ومفاهيم، حيث كان أحد هذه المفاهيم الدولة (الرايخ) الذي تم تحليله من ناحية الموقع الجغرافي الداخلي والخارجي، وهنالك ثلاث فئات ثانوية تحدد هوية الجيو مكانية، هي موقع الدولة وشكله وتضاريسه وأراضيه، حيث يجادل (توناندر) أن مفهوم (الرايخ) استند إلى فكرة تعريف (راتزل) وتم تأكيده فيما بعد كمبرر للتوسع الألماني في عهد النازية، كما أن مفهوم الشعب (الأمة) الذي تبناه (كيلين) مشتقاً أيضاً، حيث يشير إلى البناء العنصري للدولة باعتبارها تدور حول مجموعة عرقية محددة، كما أن فكرة الدولة القومية بالنسبة لـ(كيلين) كانت مشبعة بالقومية، وبالتالي فإن تعزيز مصالح الدولة القومية يتطلب تعزيز مصالح شعب معين أو مجموعة عرقية محددة، ورأى أن الجغرافيا السياسية والسياسة العرقية تشكلان أنشطة تكميلية يتعين على الدولة أن تشارك فيها من أجل البقاء والازدهار وتوسيع نطاق نفوذها، أما مفهوم التنظيم كان يشير إلى نظام حكومي يجمع بين بيروقراطية قوية مركزية وجيش قوي ومن خلال هذين الجانبين من الدولة يمكن التحكم في سلوك المواطنين وضمان السلام والوئام.

ومن الواضح كما واضح (توناندر) إن (كيلين) كان يدعو إلى دولة أرثوذكسية أو استبدادية إلى حد كبير، حيث توكل كل سلطة إلى حكومة مركزية ولا يتم التسامح مع المعارضة الداخلية أو السماح لها بتعطيل النظام، وأن هذه الدولة المنظمة على هذا النحو ستكون بطبيعتها مكتفية ذاتياً، ولكن (كيلين) استخدم هذا المصطلح للإشارة إلى السياسات السياسية وليس إلى السياسات الاقتصادية.

ومن الجدير بالملاحظة أنه عندما كان (كيلين) يطور نظريته بشأن الشكل الأكثر ملائمة للدولة القومية وآليات حكمها، كانت أوروبا نفسها في حالة من عدم اليقين، وبالتالي فقد رأى أن (الرايخ) القوي ضروري، وشعر أن أوروبا يجب أن تبحث عن النموذج المثالي لمثل هذه الدولة في ألمانيا، ومن المؤكد أن هذه النظرة الخاصة سهلت تقديرهم لأهمية القلب الأوروبي الذي من شأنه أن يمثل أفضل ما في الثقافة الأوروبية، حيث كانت هذه على أي حال كما يشير (توناندر) وجهة نظر عرقية مركزية استبدادية في نهاية المطاف للتفويضات التي من المفترض أنها منحت لألمانيا بشكل عام وبروسيا بشكل خاص، وبالتالي يتضح لدينا أن نظريات (كيلين) تتفق إلى حد كبير مع نظريات (راتزل) ولكنها تذهب بفكرته إلى أبعد من ذلك في تأكيدها على التفوق الجرماني[47]، حيث يرجع تبني هذه الفكرة عن نظرية (كيلين) إلى المفاهيم التي وردة بالنظرية والتي نجدها تشير مباشرة إلى السياسة الواقعية الألمانية، مما دفع البعض يذهب إلى القول أنه مع تقدم القرن العشرين سوف تتجمع مجموعة من القوى لإجبار أوروبا الوسطى، على إنشاء كتلة من الدول تحت حماية ألمانيا القوية.

من خلال ما تمخض عن التنظير الجيوبوليتيك الألماني من أفكار ونظريات، يرى الباحث أن النظرة البيولوجية البحتة للدولة من قبل هذا التنظير، والذي يجعل البقاء للدولة الأقوى، يتطابق تماما مع افتراضات المدرسة الواقعية الجديدة(البنيوية) في العلاقات الدولية، التي تقوم افتراضاتها على الطبيعة الفوضوية في بنية النظام الدولة، حيث يجادل (ماريشايمر) حول ما هو مقدار القوة الذي يعد كافيا للدولة، حيث تجيب الواقعية البنيوية منطلقة من المعضلة الأمنية التي تتطلب من كل دولة أن تسعى إلى تحقيق أقصى قدر من القوة الخاص بها، لتحقيق الهيمنة والسيطرة الذي يفترض وجود عدة عوامل أبرزها العوامل الجيوبوليتيكية (الجغرافية)[48]، وهذا نراه واضح للعيان في التنافس الجيوسياسي للقوى العظمى على مناطق النفوذ، مما يعني انعكاس الأفكار الجيوبوليتيكية التقليدية على استراتيجيات تلك الدول، وتأثيرها في هندسة سياساتها الخارجية .

ثانيا: أفكار وتنظير المدرسة الأمريكية

  1. نظرية ماكندر (1904) ( نظرية قلب العالم)

يقدم لنا (ماكندر) نظرية (قلب العالم) أو منطقة الارتكاز من خلال وصف جغرافي لتلك المنطقة، استنطاق الجغرافية عبر بوابة التاريخ، ومن ثم يصوغ نظريته، حيث يبدأ بوصف جغرافي لآسيا وأوروبا وأفريقيا باعتبارها قطعة أرض عملاقة متصلة تحيط بها المياه من كل جانب، ويطلق عليها (الجزيرة العالمية) التي تحيط بها مياه المحيط المتجمد الجنوبي والشمالي، والمحيط الأطلسي والمحيط الهادي، ثم يستخدم المدخل التاريخي لاستنطاق الجغرافية عبر بوابة التاريخ، لغرض البحث عن أكثر المناطق حصانه عبر التاريخ، حيث يخبره هذا الاستنطاق بأن المنطقة الأكثر حصانة هي منطقة الاستبس القاري الممتدة عبر روسيا إلى حدود الصين وأوروبا الشرقية، أي تمتد من شرق سيبريا إلى نهر الفولفا غرباً، ومن جبال الهملايا جنوباً إلى بحر القطب الشمالي، وهي منطقة عصية على الهجوم من قوى البحر[49]، لهذا يطلق عليها (منطقة الارتكاز الجغرافي للتاريخ) التي يحيط بها هلال داخلي، ويتبعه هلال خارجي، حيث يطلق على منطقة الارتكاز لفظ (قلب العالم)، وهذه المنطقة لها مواصفات خاصة جعلت (ماكندر) يطلق عليها هذه التسمية، حيث يأتي في صدارة تلك المواصفات، أنها منطقة لها القدرة على إنشاء إمبراطورية عظيمة، فهي لا تعتمد على السواحل، وتتميز بقربها من كل مصادر القوة الموجودة في الجزيرة العالمية، فضلاً عن أنها منطقة عميقة ومحصنة من الناحية العسكرية والإستراتيجية، وهي تشمل أوكرانيا، وروسيا الغربية، ووسط أوروبا، فهذه المنطقة بسيطرتها على القلب العالمي، تكون قادرة على السيطرة على الهلال الداخلي، المتمثل في شرق أوروبا وجنوب وشرق آسيا، مما يجعلها تتحكم في الجزيرة العالمية التي هي أغنى مناطق العالم، وبالتالي ينهار الهلال الخارجي المتمثل في الأمريكيتان والجزء الجنوبي من أفريقيا وأستراليا، ويسقط تحت سيطرة منطقة قلب العالم.

 وبناء على الوصف الجغرافي واستنطاقها عبر بوابة التاريخ، يقدم لنا (ماكندر) نظريته بالقول: (من يسيطر على أوروبا الشرقية يستطيع السيطرة على قلب العالم، ومن يسيطر على قلب العالم يسيطر على جزيرة العالم، ومن يسيطر على جزيرة العالم يسيطر على العالم)ä.

حيث تخبرنا العلاقات الدولية عن الصراع الذي دار على منطقة (قلب العالم) خلال الحرب العالمية الأولى والثانية، بين الهلال الداخلي المتمثل في قوى البر روسيا وألمانيا، والهلال الخارجي المتمثل في قوى البحر أمريكيا وبريطانيا واليابان، وهكذا صارت الأمور في الساحة الدولية، بتقدم ألمانيا شرقاً لمحاولة الوصول إلى قلب العالم، ومن بعدها تحرك الاتحاد السوفيتي وسيطر على أوروبا الشرقية، وتدخلت القوى الغربية(الهلال الخارجي)، لوقف تمدد (الهلال الداخلي)، ولا زالت عملية المد والجزر بين تلك القوى المتنافسة حتى يومنا هذا[50].

غير أن التطور التكنولوجي في مجال الأسلحة التي شهدها العالم بفعل ثورة العولمة جعلت منطقة القلب رخوة أمام هذه التطوراتä، مما دفع البعض إلى الاعتقاد  بأن نظرية (ماكندر) قد تهاوت وعفا عليها الزمن، ولكن الحقيقة أن مفاهيمها الكبرى ما زالت قائمة حتى يومنا هذا، فجوهر الصراع الجغرافي ما زال يدور وفي عميقة حول فكرة تطويق روسيا، والصراع على الجزيرة العالمية هو أساس تحرك قوى البحر وخوفها من قوى البر القائمة والقادمة، حيث تؤكد التحليلات العملية المختلفة على هذه الحقيقة، وبأن  روسيا تتبنى تحالفات إقليمية مع إيران والصين، لكي تثبت هيمنتها وتمنع النفوذ الخارجي من الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن أهمية هذه النظرية للقوى العظمى نجدها واضحة في مقال نشر في مجلة النفط والغاز الأمريكية الذي يشير إلى أن الصراع السياسي بعد الحرب الباردة بين روسيا والغرب، قد يتحدد من خلال من يسيطر على احتياطات النفط في أوراسيا، وعلى نفس المنوال، ومن وجهة النظر السياسية، فإن البيان التصريحي لإدارة (بوش الأب)، بأن الولايات المتحدة الأمريكية اعتبرت أن من مصلحتها الحيوية منع أي قوة أو مجموعة قوى من الهيمنة على الكتلة الأرضية لأوراسية، كما أشار مسؤول روسي إلى مخاوف مماثلة بقوله، إن السياسة الغربية تحدياً للهيمنة الإقليمية الروسية، وبالتالي اهتمام كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بآسيا الوسطى من شأنه أن يدحض الادعاء بعدم أهمية نظرية (ماكندر)، فعلى سبيل المثال تصريح نائب الرئيس الأمريكي (ريتشارد تشيني) الذي قال لا أستطيع أن أفكر في وقت شهدنا ظهور منطقة فجأة لتصبح ذات أهمية استراتيجية مثل بحر قزوين، كما أن خطابات السياسة الخارجية لكلا الدولتين تتعامل بشكل كبير مع فلسفة (ماكندر)، مما يعني أن نظرية قلب الأرض لا تزال مؤثرة في نظرة السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية وروسيا في آسيا الوسطى[51]، كما أن افتراضات (ماكندر) وأن لم تكن شرطاً ملزماً للمنظر الجيوبوليتيكي، فلا يمنع أن تكون منطلق فكرياً تساعده في بناء وفهم النظريات الجيوبوليتيكي المعاصر.

2.نظرية ماهان (1914ـــ 1940) (قوى البحر هي التي تتغلب دائماً على قوى البر)

 تنطلق نظرية(ماهان) من تفوق القوى البحرية ، حيث يجادل بأن القوى البحرية في التاريخ تتفوق دائما على قوى البر، فهي أكثر حصانة لإحاطة المياه بها من كل جانب، وهي تتحكم في حركة التجارة البحرية أثناء السلام والحرب، وهذه المقولة تعاكس ما ذهب إليه (ماكندر)، الذي يعتقد أن الغلبة في الصراع بين قوى البحر وقوى البر ستحسم لصالح قوى البر.

وقد دعا (ماهان) في نظريته على التركيز على القوى البحرية، حيث يؤكد على أن تاريخ الدول يرتبط دائما بالسواحل التي تطل عليها، وكذلك المواني والأسطول البحري الذي يسمح للدولة بالتحكم في مصير القوى البرية[52]، كما يؤكد على أن زيادة القوة البحرية هي أفضل طريقة لتوفير القوة والأمن للدولة، ويشير إلى أن قيام قوة بحرية في أية دولة يتطلب قيام وتوفر بعض العوامل، التي يأتي في صدارتها الموقع الجغرافي للدولة أو ميزة التموضع الجغرافي، فضلاً عن طبيعة سواحل الدولة التي يجب أن تكون بها شواطئ مناسبة للمواني وموارد كبيرة ومناخ مناسب، كذلك من العوامل التي يحددها (ماهان) لقيام قوة بحرية هي صفات ظهير الساحلä، بمعنى وجود مساحة كبيرة من الأرض تتمتع بثروات طبيعية وفيرة، تكفي لسد حاجات سكان الدولة، كذلك من العوامل أيضاً، مساحة الدولة وعدد سكانها، أي وجود كتلة سكانية قادرة على الدفاع عن الدولة، كما أن الخصائص القومية لسكان الدولة تلعب دوراً كبيراً في قيام القوة البحرية، وذلك في حالة وجود مجتمع مولع بالبحر والتجارة، ناهيك عن توجه السلطة الحاكمة التي يجب أن تكون لديها رغبة بالهيمنة على البحار، تلك الهيمنة التي تعد سمة بارزة للولايات المتحدة الأمريكية في الهيمنة على البحار، حيث يشير(ماهان) بأن نظريته تنطبق بشكل دقيق على الولايات المتحدة الأمريكية، لأنها تطل على المحيطين الأطلنطي والهادي، وكذلك سيطرتها على جزر الفلبين وغيرها من جزر المحيط الهادي، يجعل وجود القوة البحرية أمراً حيوياً لضمان استمرار السيطرة على تلك الجزر، لذا؛ نجد من أنصار هذه النظرية في الولايات المتحدة الأمريكية رجال الدولة في الإدارة الأمريكية ورجال البحرية الأمريكية، حيث تبنى هذه النظرية الرئيس (روزفلت) الرئيس الثاني والثلاثون لأمريكا، وقد ظهر ذلك واضحاً في مظاهر التوسع الإقليمي، حيث يخبرنا تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية أنها استولت في نطاق المحيط الهادي على(Midway) عام 1851، واشترت ألاسكا من روسيا عام 1867، وضمت إليها جزر هاواي عام 1898، بقرار من الكونجرس، لكي تضمن مفتاح الدفاع عن القطاع الشرقي لهذا المحيط، كما استولت في نفس العام على جزيرة بورتريكو أثر حربها مع اسبانيا، وإيجاد منطقة جوانتانامو جنوب شرق كوبا عام 1903، لمدة (90) عاماً، وفي عام 1977، اشترت من الدنمارك جزيرة فرجين، وجزيرتي كورت الكبرى والصغرى، وأن جميع هذه المواقع كان الغرض منها حماية موقع قناة بنما[53]، التي نجدها حاضرة بقوة في دائرة اهتمام الإدارة الأمريكية الجديدة منذ يومها الأول بتاريخ 21. 1. 2025، عندما صرح الرئيس الأمريكي (ترمب) بأن السيطرة على قناة بنما أمراً ضرورياً ولو باستخدام القوة، مما يؤكد لنا المكانة التي تلعبها القوى البحرية في تحقيق المصالح الحيوية والإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت متأثرة إلى حد كبير بأفكار المنظر الجيوبوليتك التقليدي (ماهان).

  1. نظرية سبيكمان (1940) (ضبط نظام العالم)

لقد تابع (سبيكمان) ما بدأه (ماهان) في نقد نظرية (ماكندر)، حيث اعتبر أن الجيوبولتيك هي تخطيط لسياسة أمن الدولة في حدود عواملها الجغرافية، وهو بذلك قد ربط أمن الدولة بالجيوبولتيك، وما يستتبع ذلك من تخطيط استراتيجي، خصوصاً وأنه دعا إلى دراسة موقع الدولة بالنسبة للعالم لتفهم سياستها الخارجية.

وفي انتقاده لـ(نظرية ماكندر) يجادل (سبيكمان) بأن قلب العالم روسيا لا تتمتع بالصفات الطبيعية للأزمة التي تؤهلها لقيادة العالم، كونها تطل على المياه المتجمدة شمالاً، وأن القوة الحقيقية تقع في الجزء الأوروبي الغربي(إقليم الحافة)، حيث أوضح أن القوى الهامشية كـ(اليابان وبريطانيا) هي الأقوى والأكثر تمكن من السيطرة على قلب القارة الأوراسية، حيث إن السيطرة على إقليم شمال الأطلنطي ربما لا تؤدي إلى السيطرة على العالم، نتيجة قسوة المناخ فيه، وطبيعته الزراعية، وافتقاره إلى الموارد الطبيعية.

حيث طرح (سبيكمان) نظريته التي تدور بها السياسة الدولية وهي تقوم على أن بالإمكان ضبط حركة العالم عبر مسارين هما: (صنع نظام عام لتوازن القوى كالأمم المتحدة، وكذلك من يسيطر على الهلال الداخلي (الإطار الأرضي) في الجزيرة العالمية يسيطر على العالم)، وبالتالي وضع نظريته التي تقول إن الهلال الداخلي أهم من قلب العالم، وإن من يسيطر على الهلال الداخلي يسيطر على الجزيرة العالمية، ومن يسيطر على الجزيرة العالمية يسيطر على العالم، حيث يوضح لنا (سبيكمان) سبب اختياره للهلال الداخلي (الإطار الأرضي) كأساس للسيطرة على العالم، مبرر ذلك بالكثافة السكانية والموارد التي لا توجد كلها إلا في الهلال الداخلي[54].

حيث أن قراءة (سبيكمان) لتاريخ العلاقات الحربية أو المواجهة في أوروبا قادته إلى استنتاج لا يتطابق مع ما توصل إليه (ماكندر) من قبله، فعلى الرغم من أن (سبيكمان) يسير على خطى (ماكندر) بشأن المواجهة بين القوة البحرية والقوة البرية، إلا أنه يخلص إلى رأي فيه تعديل لرأي (ماكندر)، أن المواجهة في رأي (سبيكمان) كانت بصيغة تحالف ما بين دول الهلال الداخلي وروسيا من جهة، ضد قوة الهلال الخارجي، الأكثر من هذا، مع إن (ماكندر) كان على بينة من المواجهة، إلا أنه قد أعطاها مغزى غير الذي شخصه (سبيكمان)، فقد شدد (ماكندر) على أن المواجهة هي من أجل القلب الذي هو مفتاح الهيمنة، بينما أشار (سبيكمان) إلى أن المواجهة كانت من أجل بسط الهيمنة على الهلال الداخلي (الإطار الأرضي)، أما من حيث الموقع الجغرافي فإن الإطار الأرضيä عند (سبيكمان) يتقارب مع الهلال الداخلي كما حدده (ماكندر)[55]، أما بالنسبة للصراع التاريخي حسب رأي (سبيكمان) كان يتم بين الهلال الداخلي وقوى البحر، وبالتالي قال من يسيطر على أوروبا وآسيا يسيطر على العالم، حيث يقصد بذلك حسب معادلته الإستراتيجية من يتحكم في أوراسيا يسيطر على العالم، ولعل هذه المعادلة تعكس فكرة الحصار الذي يمارسه حلف الأطلسي على روسيا، وإقامة قواعد عسكرية في العديد من دول العالم المحيطة بمنطقة قلب الأرض كما هو الحال في دول الخليج العربي[56]، وعندما نجادل حول الفلسفة الجيوسياسية الأمريكية المتأثرة بهذه النظرية، نجد إن الولايات المتحدة الأمريكية كقوة بحر في مقابل قوى البر المتمركزة في أوراسيا، فإن تحالفها مع بريطانيا واليابان وهي أيضاً قوى بحر تحالف استراتيجي، وبما أن قوى البحر تريد أن تسيطر على الجزيرة العالمية فعليها أن تتمركز في الهلال الداخلي، وبالتالي تطوق قوى البر وتمنعها من الاستحواذ على الجزيرة العالمية وخيراتها، كما يجب عليها أن تسيطر على البحار الداخلية والمحيطات العالمية وكذلك على كل وسائل التفوق في الجو وفي الفضاء الالكتروني.

وفي نهاية هذه المقاربة المفاهيمية التاريخية التحليلية يصح لنا القول، بأن الاجتهادات النظرية الجديدة التي جاءت بعد التنظير الجيوبوليتيك التقليدي، تكاد تكون لا تفترق عنه كثيراً في كثير من السمات، فالدولة لا تزال هي المحور الرئيسي والقوة هي الأداة، ولكن الجدل في أية قوة ستكون الأداة والمكان هو نفسه، والغاية هي الهيمنة أو معالجة الانهيار، وعلى الرغم من نقد الجيوبوليتيك التقليدي بأنه يجنح إلى الحتمية والتفسير بقانون أقرب إلى ثبات وتكرارية القانون الطبيعي سواء في تحديد طبيعة ومسار بزوغ القوة أو انهيارها، فإن المحاولات الفكرية الجديدة وإن كانت يبدو عليها الموقف التحليلي النقدي البناء، إلا أنها هي الأخرى تبحث في مسألة الحرب والسلم من ذات الأفق المشوب بالحتمية، مما لا يدع مجالاً للشك بأن التنظير الجيوبوليتيك المعاصر هو امتداد للتنظير الجيوبوليتيك التقليدي.

الخاتمة

من خلال المقاربة المفاهيمية والتاريخية والتحليلية للجيوبوليتيكا، في سياقها التقليدي، مفهوماً وفكراً وتنظيراً، وبعد الاقتراب من فهم المصطلح بستمولوجيا وإيتيمولوجيا، والمجادلة لمعرفة علاقته بالمصطلحات المقاربة، والوقوف على مكانته ودوره في فهم وتحليل الكثير من الظواهر الدولية، ورصد علاقته التأثيرية في التنظير الجيوبوليتيكي المعاصر، يرى الباحث أن تعدد وتباين تعريفات الجيوبوليتيكا، وعدم الاتفاق على تعريف جامع مانع للمصطلح، يرجع بالدرجة الأولى إلى تعدد المدارس الفكرية، واختلاف الفترات الزمنية، فلكل فترة زمنية براديغم، يختلف كلياً أو جزئياً عن غيره في فهم وتعريف هذا المصطلح، كما نشير أيضاً إلى أن اختلاف الجيوبوليتيكا عن غيرها من المصطلحات المقاربة كمفهوم، لا يعني وجود قطيعة بينها على المستوى العملي والتطبيقي، فالجيوبوليتيك هو التطبيق العملي للجغرافيا السياسية، كما أن الإستراتيجية تصاغ بناء على مبادئ جيوبوليتيكية، وتشترك الجيوبوليتيكا مع الجيوستراتيجيا في استبصار البيئة الإستراتيجية، ومن جانب آخر، تخبرنا المقاربة التحليلية أن الادعاء بأن افترضات الجيوبوليتيك التقليدي، أصبحت بفعل التطور الذي شهده العالم جغرافية تاريخية، هذا الادعاء قد يكون مبالغ فيه بعض الشيء، وذلك لسببين، (السبب الأول) يتمثل في أن أفكار وتنظير الجيوبوليتيك المعاصر تعد امتداد لأفكار ونظريات التنظير التقليدي، أما (السبب الثاني) أن كل من التنظير الجيوبوليتيك التقليدي والمعاصر، ينطلق من تحليل العلاقة التأثيرية للبيئة الجغرافية على السياسة الدولية، فالبيئة الجغرافية رغم التطور التكنولوجي لا يزال لها تأثير على السياسة الدولية، حيث أن الموقع والتضاريس ومساحة الدولة وشكلها ومناخها، تؤخذ بعين الاعتبار عند قياس قوة الدولة، كما أن مشاكل الجغرافية السياسية، الطبيعية والاقتصادية البشرية والحدود السياسية ومعضلة الموقع الإستراتيجي، نجدها حاضرة بقوة اليوم في الساحة الدولية، مما يؤكد أن العامل الجغرافي لا يزال يلعب دوراً حاسماً في رسم وهندسة السلوك السياسي الخارجي للدول[57]، فالتنافس الجيوسياسي بين القوى العظمي على مناطق النفوذ في أوراسيا خير دليل على أن أفكار التنظير الجيوبوليتيك التقليدي لا يزال لها تأثير في البيئة الدولية، حيث يرى الباحث في نهاية هذه المقاربة للموضوع محل الدراسة، أن أفكار وافتراضات النظريات الجيوبوليتيك التقليدي لا يزال لها مساهمة وتأثير في بناء النظريات السياسية المعاصرة، وصياغة استراتجيات الدول، فعندما توخى (ماكندر) تعيين العناصر الأساسية في السياسة، وانبرى إلى وضعها وتحليلها، كان مدركاً للثورة الصناعية وتطور العلوم ومذاهب البحث والاستنتاج، فالماكندرية المركبة التي تعد امتداد للماكندرية التقليدية، تقترب من مرادات المدرسة الاقتحامية في التفكير الإستراتيجي الأمريكي الراهن في الوطن العربي، فالتنافس الجيوسياسي للقوي الدولية على مناطق النفوذ اليوم، ما هو إلا استراتيجية ماكندرية جديدة، التي تتطلب إفراد رافد دراسي جديد آخر لها أكثر عمقاً وتحليلاً…

قائمة المراجع

)[1]( saou Bernard Cohn, (Geopolitics: the Geography of International Relations), Rawman & Littlefield publishers, new York, usa, 2009, P: 11.

ä توضح دراسة كوهين قلقه إزاء إمكانية التعاون الصيني الروسي الذي يحمل في طياته إمكانية زيادة نفوذهما داخل منطقة آسيا الوسطى، وهذا من شأنه أن يؤثر نهاية المطاف في على وجود الولايات المتحدة الأمريكية في تلك المنطقة بالذات.

[1])) علي عبدالله الجباوي، الجغرافيا السياسية (الجيوغراسيا)، مطبعة جامعة دمشق، سوريا، 1990، ص: 60.

[2])) محمد عبدالسلام، علي يونس، الجغرافيا السياسية (دراسة نظرية وتطبيقات عالمية)، دار الوفاء للنشر والتوزيع، ط2، القاهرة، مصر، 2021، ص: 6.

[3])) عبدالسلام المسدي، قاموس اللسانيات، الدار العربية للكتاب، تونس، 1984، ص: 11.

([4]) إسماعيل صبري مقلد، العلاقات السياسية الدولية (دراسة في الأصول والنظريات)، المكتبة الأكاديمية، القاهرة، مصر، 1991، ص: 234.

([5]) Oxford advanced learner’s Dictionary, 7th edition, Oxford university press, 2006, p: 647.

([6]) محمد عبدالسلام، الجيوبوليتيكا علم هندسة السياسة الخارجية للدول، دار الكتب، القاهرة، مصر، 2019، ص: 16.

[7])) كاظم هاشم نعمة، الوجيز في الاستراتيجية، أكاديمية الدراسات العليا والبحوث الاقتصادية، طرابلس، ليبيا، 2000: ص: 15.

([8]) محمد عبدالسلام، الجيوبوليتيكا علم هندسة السياسة الخارجية للدول، مرجع سابق، ص: 46.

ä البراديغم هو أشمل في مدلوله من النظرية، إذ يرمز إلى مجموع القناعات التي تجمع بين أفراد مجموعة علمية في ميدان معين وفي حقبة معينة، وهو بهذا المعنى قد يظهر في فترة معينة ثم يظهر أمامه براديغم جديد مناوئ له فيحل محله كلياً أو جزئياً بعدما تحدث بينهما مواجهة ، مثال على ذلك البراديغم المثالي الذي ساد من أوائل العشرينيات إلى أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين، حيث ظهر البراديغم الواقعي المناوئ له كلياً والذي نسف كل قناعات وأفكار البراديغم المثالي. للمزيد ارجع إلى كتاب زايد عبيدالله مصباح، السياسة الخارجية، فاليتا، مالطا، 1994، ص: 20.

[9]))  محمد عبدالسلام، علي يونس، الجغرافيا السياسية (دراسة نظرية وتطبيقات عالمية)، مرجع سابق، ص: 624.

([10]) يازا جنكنياني، صراع القوى الدولية في ضوء النظام العالمي الجديد، ترجمة: علي المرتضي سعيد، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2011، ص: 11.

[11])) محمد أحمد عقلة المؤمني، الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا في القرن الواحد والعشرين، دار الكتاب الثقافي، إربد، الأردن، 2004، ص: 23.

[12])) محمد عبد الغني سعودي، الجغرافيا السياسية المعاصرة (دراسة الجغرافيا والعلاقات السياسية الدولية)، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، مصر، 2010، ص: 13

[13])) معين حداد، الجيوبوليتيكا: قضايا الهوية والانتماء بين الجغرافية والسياسة، دار الكتاب الثقافي، بيروت، لبنان، 2005، ص: 23.

([14]). صبري فارس الهيتي، الجغرافيا السياسية (مع تطبيقات جيوبوليتيكية استشرافية عن الوطن العربي)، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، لبنان، 2000، ص: 9.

([15]) محمد عبد الغني سعودي، الجغرافيا السياسية المعاصرة، مرجع سابق، ص: 14 .  

ä التخيل هو تمثيل الأشياء دون أن تكون ماثلة أمامك كما هو في الواقع، في التو، وبذاتها ويمكن للمرء استخدام التخيل لتمثيل الإمكانات المحتملة لا الواقعية، ولتمثيل الأزمان الأخرى لا الحاضر، ولتمثيل وجهات النظر غير الخاصة به، وبخلاف الإدراك والاعتقاد، فإن التخيل شيء ما لا يتطلب أن يكون ذلك الشيء حقيقياً.

[16])) فراس عباس هاشم، الجيوبوليتيكا وإدارة الصراع بتمظهرات الجغرافيا في المخيلة الاستراتيجية، مركز حمورابي للبحوث والدراسات، العراق، 2023، ص: 5.

(([17] كاظم هاشم نعمة، الوجيز في الاستراتيجية، مرجع سابق، ص: 20 .

[18])) عادل محمد علي بوغرسة، الإستراتيجية القومية العليا للأمن القومي: دراسة في الصياغة والتفكير الإستراتيجي القومي، مجلة العلوم السياسية والفانون، المركز الديمقراطي العربي، برلين، ألمانيا، 2024، ص: 282.

[19])) أمين محمود عبد الله، دراسات في الجغرافيا السياسية للعالم المعاصر، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، مصر، 1968، ص: 19.

[20])) حسين ظاهر، معجم مصطلحات السياسة الدولية، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 2011، ص: 125.

ä وهذا يدل على أن العولمة والتطور التكنولوجي لم تهدئ من المخاوف الجيوستراتيجية بل على العكس زادت منها، فعلى سبيل المثال  يتم تأمين (90)% من إمدادات الطاقة لليابان عبر بحر الصين الغربي، و(40)% من تجارة أمريكيا يتم نقلها عبر طرق الملاحة البحرية.

([21]) جاسم سلطان، جيوبولتيك (عندما تتحدث الجغرافيا)، تمكين للأبحاث والنشر، بيروت، لبنان، 2013، ص: 57.

[22])) محمد عبدالسلام، الجيوبوليتيكا علم هندسة السياسة الخارجية للدول، مرجع سابق، ص: 83.

([23]) Jose Luis Calderon ,Strategy And Geography, The Iberian American journal of Philosophy, Politics, Humanities, And International Relations, Vol 44, 2020, p: 404.

([24]) الموسوعة السياسية الجزء الثاني، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، 1981، ص: 70.

([25] (RK Bo, Tion And Reflection of Geopolitical Theory, Global Politics and Current Diplomacy, 2023, p: 22.

([26]) Servet Comert, Geopolitics, Strategy And Geostrategic, Military Academy Press, Turkey, 2000, p: 4.

[27])) عدنان السيد حسين، الجغرافيا السياسية والاقتصادية والسكانية للعالم المعاصر، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، لبنان، 1996، ص: 66.

([28]) عبدالرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون، الجزء الأول، مراجعة: سهيل زكار، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 2001، ص : 84 .

([29]) الكسندر دوغين، أسس الجيوبوليتيكا مستقبل روسيا الجيوبوليتيكي، ترجمة: عماد حاتم، دار أويا للطباعة والنشر والتوزيع والتنمية والثقافة، طرابلس، 2004، ص: 81.

[30])) مركز السياسة العالمية، النظرية الجيوبوليتكية، 2019، ص: 5.

ä ظهر مفهوم الدولة العضوية في ألمانيا، حيث أقترن به مفهوم مجال الحياة، وهو يتركز على فكرة توسع الدولة، ولكي تبقى الدولة فلابد لها من مجال أو مكان تعيش فيه وتتوسع منه، حيث يعتبر أول من أستعمل عبارة(Lebensraum)، الكاتب الانجليزي (ترتيسكي) الذي يدعي أن الدولة هي قوية. انظر : عبدالرازق عباس حسين، الجغرافيا السياسية مع التركيز على المفاهيم الجيوبوليتيكية، مطبعة أسعد، بغداد، العراق، 1976، ص: 32.

([31]) عدنان كاظم جبار الشيباني، قراءات في الجغرافيا السياسية، الناشر الأمل الجديد، دمشق، سوريا، 2012، ص: 26.

)[32]) energeopolitics, Classical Geopolitics: A Summary of Key Thinkers and Theories From the Classical Period of Geopolitics, 2015, p; 1-2.

[33])) ألكسندر دوغين، أسس الجيوبوليتيكا: مستقبل روسيا الجيوبوليتيكي، مرجع سابق، ص: 81.

ä حيث أقترح (ماكندر) أن العالم قد شهد ثلاث فترات جيوسياسية فريدة، كان قلب أوراسيا المغلق هو الموقع الجغرافي المحوري الذي كان مركزيا لتأسيس السيطرة العالمية، وكان هذا مبنياً على الاعتقاد بأن عصر الاستكشاف البحري الذي بدأ مع كولومبس كان يقترب من نهايته مع انتهاء القرن التاسع عشر، وسوف تستند الفترة التالية من النفوذ الجيوسياسي إلى تكنولوجية النقل البري التي من شأنها أن تعيد القوة القائمة على الأرض في مقابل القوة البحرية باعتبارها ضرورية للهيمنة السياسية، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى نهضة أوراسيا، لأنها كانت مجاورة لحدود العديد من البلدان المهمة، ولم تكن في متناول القوة البحرية، وكانت مدعومة إستراتيجيا بهلال داخلي وخارجي من الكتلة الأرضية، أما الفترة الثالثة للتفاعل الجيوسياسي هي أيضاً الفترة التي هيمنت فيها وسائل النقل البري، وبالتالي يرى (ماكندر) أن فترات النقل البري والبحري مره أخرى تشكل العلاقات الجيوسياسية، بينما ظلت الأرض في القلب هي الموقع الرئيسي في ساحة المعركة العالمية بغض النظر عن نوع النقل المهيمن .

[34])) روبرت ب. داونز، كتب غيرت العالم، ترجمة: أمين سلامة، مؤسسة هنداوي للنشر والتوزيع، مصر، 2022، ص: 122.

)[35]( Colin Flint, Introduction to geopolitics, Routledge, new York, usa, 2006, p: 35.

[36])) البسالة، قسم الشخصيات السياسية، ألفريد ثاير ماهان، انظر: https:\\ www.albasalh.com .

[37])) المدرسة الأمريكية: نظرية سيادة القوى البحرية، جامعة محمد لمين دباغين، سطيف، الجزائر، انظر: https:\\cte.univ- setif2.dz  .

ä كانت أفريقيا واستراليا في نظر (سبيكمان) أماكن تمتلك ثروات هائلة في شكل موارد طبيعية تم تجاهلها إلى حد كبير فيما يتعلق بقدرتها على تحقيق أي شيء يشبه وضع القوى العظمى، ومع ذلك اعترف (سبيكمان) أيضاً بأن هذه القارات البحرية لم تحقق بعد أي شيء ذي أهمية فيما يتعلق بسياسات القوى العظمى كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا واليابان، حيث اعتبر (سبيكمان) إن هذه الكيانات الثلاثة قادرة إلى حد كبير على أن تصبح قوى عالمية.

[38])) عبد القادر محمد فهمي، مدخل إلى دراسة الاستراتيجية، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، ط2، عمان، الأردن، 2015، ص: 51.

([39]) فؤاد حمه خورشيد، الجيوبوليتكس المعاصر تحليل منهج السلوك، مديرية الطبع والنشر، السليمانية، 2013، ص: 48.

[40])) جاسم سلطان، جيوبولتيك (عندما تتحدث الجغرافيا)، مرجع سابق، ص: 59.

[41])) محمد عبدالسلام، علي يونس، الجغرافيا السياسية (دراسة نظرية وتطبيقات عالمية)، مرجع سابق، ص: 638.

([42]) جاسم سلطان، جيوبولتيك (عندما تتحدث الجغرافيا)، مرجع سابق، ص: 61.

ä قوانين تطور الدول هي: (القانون الأول) أن رقعة الدولة تنمو بنمو الحضارة أو الثقافة الخاصة بالدولة، (القانون الثاني) يستمر نمو الدولة إلى أن تصل إلى مرحلة الضم بإضافة وحدات أخرى، (القانون الثالث) حدود الدولة هي التي تحميها لا بد من الحفاظ عليها، (القانون الرابع) تسعى الدول في نموها إلى امتصاص الأقاليم ذات القيمة السياسية، (القانون الخامس) الدافع للتوسع يأتي من الخارج، (القانون السادس) الميل العام للتوسع ينتقل من دولة إلى أخرى ثم يتزايد ويشتد، (القانون السابع) نمو الدولة عملية لاحقة لنمو سكانها.

[43])) محمد عبدالسلام، علي يونس، الجغرافيا السياسية (دراسة نظرية وتطبيقات عالمية)، مرجع سابق، ص: 639.

[44])) عبد الحفيظ عبد الرحمن محبوب، الجغرافيا السياسية (العالم يشكل وحدة سياسية واحدة)، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، 2020، ص: 286.

[45])) شاهر الشاهر، الجغرافيا السياسية، المركز الديمقراطي العربي، برلين، ألمانيا، 2024، ص: 174.

[46])) محمد طي، الجيوبولتيك منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى الآن، المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، العدد التاسع عشر، بيروت، لبنان، 2019، ص: 29.

)[47]) energeopolitics, Classical Geopolitics: A Summary of Key Thinkers and Theories From the Classical Period of Geopolitics, previous refrence, 2015, p; 4.

([48]) أحمد قاسم حسين، نظريات العلاقات الدولية (التخصص والتنوع)، سياسات عربية، العدد العشرين، 2016، ص: 127.

(([49] عدنان السيد حسين، الجغرافيا السياسية والاقتصادية والسكانية للعالم المعاصر، مرجع سابق، ص: 70.

ä أوروبا الشرقية تشمل بيلاروسيا، واستونيا، ولاتفيا، وليثوانيا، ومولدافيا، وأوكرانيا، في حين تمثل منطقة قلب العالم المنطقة التي كان يحتلها الاتحاد السوفييتي، أما الجزيرة العالمية فهي تتمثل في أوروبا وآسيا وأفريقيا.

([50]) جاسم سلطان، جيوبولتيك (عندما تتحدث الجغرافيا)، مرجع سابق، ص: 64.

ä أن المركزية التي أعطاها (ماكندر) لقلب العالم بنيت على الحروب التقليدية، التي يصعب معها على قوى البحر تهديد المناطق العميقة في قلب العالم، والمحصنة بالجبال والصحاري، وبالتالي ذهب (ماكندر) إلى أن الغلبة في هذا الصراع ستكون لقوى البر، ولم يتنبأ بالتطور التكنولوجي الذي قد يقلل من أهمية ومركزية منطقة قلب العالم.

([51]) suban kumar chowdury, A. kafi, the heartland theory of sir Halford john Mackinder: justification of foreign policy of the united states and Russia in central Asia, journal of liberty and international Affairs, 2015: p: 9.

(([52] نوار محمد ربيع خيري، مبادئ الجيوبوليتيك، دار مكتبة عدنان، بغداد، العراق، 2014، ص: 153.

ä الظهير الساحلي وهي الهيئة الفيزيائية للدولة، تتمثل في الأرض التي تقع خلف خط الساحل، وتوضح هيئة الشطان البحرية وأعداد المواني المتموضعة عليها.

(([53] محمد عبدالسلام، علي يونس، الجغرافيا السياسية (دراسة نظرية وتطبيقات عالمية)، مرجع سابق، ص: 652.

[54])) جاسم سلطان، جيوبولتيك (عندما تتحدث الجغرافيا)، مرجع سابق، ص: 66.

ä الهلال الداخلي أو الإطار الأرضي أو أرض الحافة تشمل لدى (سبيكمان)، معظم قارة أوربا، والعالم العربي، وإيران، وأفغانستان، والصين، وجنوب شرق آسيا، وكوريا، وشرق سيبيريا.

[55])) كاظم هاشم نعمة، الوجيز في الاستراتيجية، مرجع سابق، ص: 51.

([56]) رتيبة برد، الفكر الجيوسياسي والقراءات النظرية لترتيبات السيطرة الدولية، مجلة طبنة للدراسات العلمية والأكاديمية، العدد الثاني، الجزائر، 2021، ص: 165.

[57])) عادل محمد علي بوغرسة، الجغرافيا السياسية والسياسة الخارجية للدول، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية، العدد الأربعون، المجلد العاشر، برلين، ألمانيا، 2024، ص: 180.

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطي العربي

مؤسسة بحثية مستقلة تعمل فى إطار البحث العلمي الأكاديمي، وتعنى بنشر البحوث والدراسات في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية والعلوم التطبيقية، وذلك من خلال منافذ رصينة كالمجلات المحكمة والمؤتمرات العلمية ومشاريع الكتب الجماعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى