الدراسات البحثيةالمتخصصة

مــصــر: مشروع منخفض القطارة الخلافي 

اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – مصر – القاهرة

 

هناك عدة منخفضات أرضية بالعالم منها منطقة بحر سالتون في جنوب غرب الولايات المتحدة ومنخفض القطارة في مصر والأردن ومنطقة البحر الميت في فلسطين المحتلة ومنخفض أرضي في إريتريا بالقرب من البحر الأحمرومنخفض بري بين تونس والجزائر وكذلك بحر قزوين منطقة , وقد حاولت بعض الدول التي بها منخفضات أرضية إستغلال هذه المنخفضات بطريقة إقتصادية علي نحو أو آخر فمثلاً اقترحت الحكومة الأردنية إنقاذ البحر الميت عن طريق تحويل مياه البحر من خليج العقبة وكانت هناك مقترحات لتكييف بحر سالتون لتخزين الطاقة الهيدروليكية التي يتم ضخها وربما كان في حفر قناة السويس أساساً يتم من خلاله ربط القنوات بين المحيط والمنخفضات الأرضية الساحلية القريبة وقد يكون هناك أيضًا مجال لتجريف قناة بين نهر الدون بالقرب من بحر آزوف وبحر قزوين لتدفق مياه إضافية على مدى عدة سنوات  .

مشروع منخفض القطارة ماهو ومن يرعاه ومن يموله ؟

في حالة مصر هناك جدل علمي وإقتصادي وربما سياسي بشأن هذا المشروع المُثير ليس للجدل فحسب بل أحياناً المُثير للدهشة , فمنخفض القطارة الذي يقع على عمق 60 إلى 150 مترًا تحت مستوى سطح البحر ومخفض القطارة يقع في شمال غرب مصر وتحديداً في محافظة مطروح ويُعد جزءا من الصحراء الغربية لمصر وهوتحت مستوى سطح البحر وقاعه مغطى بأحواض الملح والكثبان الرملية والمستنقعات المالحة ويعد منخفض القطارة ثاني أدنى نقطة في إفريقيا على ارتفاع 133 مترًا (436 قدمًا) تحت مستوى سطح البحر فأقل نقطة بأفريقيا هي بحيرة عسل في جيبوتي ويغطي المنخفض حوالي 19605 كيلومترات مربعة (7570 ميل مربع) وهو حجم مماثل لبحيرة أونتاريو أو ضعف مساحة لبنان ونظرًا لحجمه وقربه من شواطئ البحر الأبيض المتوسط فقد أجريت دراسات سابقة إقترحت إغراق منطقة المنخفض لاستخدامات مختلفة مثل إمكانية توليد الطاقة الكهرومائية , وكان المنخفض قد نشأ نتيجة تفاعل عوامل التجوية الملحية والتعرية بفعل الرياح وعلى بعد حوالي 20 كيلومترًا (10 ميل) إلى الغرب من المنخفض تقع واحات سيوة في مصر وجغبوب في ليبيا في منخفضات أصغر ولكنها مماثلة , وقد خرج منخفض القطارة من نطاق كونه مظهر جغرافي ليتحول إلي نطاق إعتباره مشروع تنموي لمصر , ولكن السؤال المهم هو : ماهو مصدر تمويل هذا المشروع الذي أثير منذ زمن بعيد وكلما أثير عاد فجأة لينزوي في ركن بعيد منسي ؟

أعلن في القاهرة يوم  11 أبريل 2023أن شركة EGIT Consulting ومقرها لندن(وهي شركة إدارة مالية تقدم خدمات متعلقة بالمشاريع بما في ذلك الإدارة والاستشارات والتمويل ، لا سيما للبنية التحتية الكبيرة والمشاريع التجارية الضخمة) وقعت اتفاقية لإجراء دراسة جدوى جديدة لمشروع منخفض القطارة مع شركة Elite Capital & Co  , وقد طلبت شركة Elite Capital & Co أوالنخبة كابيتال من شركة EGIT Consulting استكمال دراسة جدوى جديدة لمنخفض القطارة ، بناءً على تجنب كل العقبات التي واجهها هذا المشروع لعقود من الزمن بما في ذلك العقبات البيئية وعلى أساس استخدام المفاهيم والتكنولوجيا الأكثر تقدمًا التي من شأنها زيادة حجم الصادرات وقال د. إيهاب أنور الرئيس التنفيذي للمجموعة المصرية للتجارة الدولية والاستشارات (EGIT Consulting): “أن  المال يتدفق على مصر” , وأضاف إيهاب أنور : “من المتوقع أن يساهم مشروع منخفض القطارة في الاقتصاد المصري فسيوفر فرص عمل جديدة ويزيد الناتج المحلي الإجمالي لمصر وستوفر دراسة الجدوى الجديدة هذه تحليلاً مفصلاً للجوانب الفنية والاقتصادية والبيئية للمشروع وستحدد أيضًا أي مخاطر محتملة وتضع خطة شاملة لتنفيذ المشروع ” , أما السيد جورج ماتارو الرئيس التنفيذي لشركة Elite Capital & Co. Limited فيعتقد أن مستقبل العمل في جمهورية مصر العربية سيكون مزدهرا بعد تجاوز فترة التقلبات المالية العالمية ودخول مرحلة الاستقرار المتوقعة في أسواق المال والأعمال وأن إجراء دراسة لأكبر مشروع أخضر في العالم ، وتحديداً في مصرتقوم على أربعة عناصر (الطاقة الهيدروجينية والزراعة والصناعة والتعدين الحديث) لزيادة الصادرات المصرية إلى جانب الحفاظ على البيئة وهذه العناصر الأربع ستكون من أهم الخطوات نحو القفز إلى المستقبل الذي تطمح إليه كل دولة في العالم ” , كذلك قال السيد أحمد أبو الزيد المدير الإقليمي لشركة Elite Capital & Co. المحدودة في مصر :“سيتعاون فريق Elite Capital في مصروكذلك في المكتب الرئيسي في لندن مع EGIT Consulting جنبًا إلى جنب أثناء تطوير الدراسة لتبادل جميع المعلومات الداعمة والتنسيق مع الهيئات الأكاديمية الدولية المتخصصة , وكانت شركتي الدراسة DynaFin من بلجيكا و CBF من الولايات المتحدة الأمريكية دخلتا في كونسورتيوم مع EGIT Consulting لإجراء دراسة الجدوى الجديدة لمنخفض القطارة وأعلنت  Elite Capitalأن دراسة الجدوى الجديدة ستقدم إلى مصر على نفقتنا الخاصة دون أي شروط مسبقة أو التزامات من أي نوع على الحكومة المصرية ، وذلك دعماً لجهود مصر في تطوير المشروعات الخضراء والحفاظ على البيئة والمناخ في جميع أنحاء العالم , ومن المتوقع – وفقاً لما نشرة موقع Elite Capital & Co. Limited – “أن تكتمل دراسة الجدوى الجديدة في الأشهر المقبلة وستقدم تحليلاً مفصلاً للجدوى الفنية وطلب السوق والأثر البيئي للمشروع كما ستحدد الدراسة المخاطر والتحديات المحتملة وتضع خطة شاملة لتنفيذ المشروع وفي نفس الوقت من المتوقع أن يكون مشروع منخفض القطارة محولا رئيسيا للاقتصاد المصري .

هناك في مصر من يري أنه مشروع ناجح (هكذا !!) فمثلاً يقول ا/  محمود الفرماوي في حوار مع م/ ماجد خلوصي نقيب المهندسين السابق في مصر : أن مشروع منخفض القطارة يعد البديل الأكثر جدوي وهو من أنجح المشروعات حاليا في ظل مشكلة السد الإثيوبي مع أن الركن الأساسي لهذا المشروع يقوم علي إستجلاب المياه المالحة من البحر الأبيض المتوسط لملأ المنخفض وأوضح أن مشروع قانون الصكوك سيساعد فى تنفيذ عدد كبير من المشروعات الاستثمارية فى البلاد ، مثل مشروع منخفض القطارة وجميع المشروعات العملاقة .

لكن علي نحو مُغاير كتب الأستاذ إبراهيم العسيري مقالاُ بجريدة “الوطن” في 29 أغسطس 2014 فذكر أنه من الصحيح أنه قد صدر مؤخرا قرارا جمهوريا بتكليف وزير الكهرباء والطاقة المتجددة بإنشاء هيئة منخفض القطارة وهو ما دفعني إلي كتابة هذا المقال , وهنا أشير إلي أن مشروع منخفض القطارة يعتمد علي منخفض القطارة وهو عبارة عن منخفض ضخم بمحافظة مطروح يصل أقصي انخفاض له إلي 134 متر تحت سطح البحر ويبدأ المنخفـض من جنوب العلمين (بالقرب من مارينا) علي مسافة حوالي 100 كيلو متر تقريبا وتبلغ مساحة المنخفض حوالي 20 ألف كيلو متر مربع ويبلغ أقصي طول له حوالي 300 كيلو متر وأقصي عرض له حوالي 80 كيلو متر مربع وقدبدأت فكرة المشروع منذ حوالي مائة عام بواسطة استاذ ألماني يدعي هانز بنك في جامعة برلين ثم بواسطة استاذ انجليزي يدعي جون بول الذي نشر دراسة عنه عام 1931ويقع المشروع بالقرب من مدينة العلمين عند مارينا ويتلخص في شق قناة بطول 75 كيلو متر مربع تندفع فيه مياه البحر الأبيض المتوسط إلي المنخفض الهائل وتتكون بذلك بحيرة صناعية من ماء البحر تزيد مساحتها عن 12 ألف كيلو متر مربع , ويزعم أحد أعضاء مجلس الشوري أن من شدة اندفاع المياه يمكن توفير طاقة كهربية تغنينا عن العديد من المحطات النووية كما يمكن استغلال البحيرة في إنتاج السمك والملح بالإضافة إلي أن التغيرات المناخية قد تساعد علي نزول الأمطار وزراعة الأراضي هذا خلاف توفير مشروعات سياحية ومدن سكنية بالمنطقة , وقد حاز هذا المشروع بتأييد العديد من السياسيين والعلماء والمهندسين ولكن في ذات الوقت عارضه العديد من العلماء والمتخصصين (ومنهم الدكتور فاروق الباز الجيولوجي العالمي المعروف) .

وبهذا الصدد يضيق أ / إبراهيم العسيري في مقاله المُسهب : إنني أطرح عدة تساؤلات ومحاذير حول المشروع أود أن أجد لها أجابة من هؤلاء الذين يزعمون بأهمية هذا المشروع في التنمية رغم أنه تكلفته تتعدي عشرات المليارات من الجنيهات والتي أعتقد أنه من الأفضل ترشيد استخدامها فيما هو أجدي وأنفع: 1- هل تم تحديث الجدوي الإقتصادية للمشروع للحكم علميا واقتصاديا علي مدي جدواه؟ 2- هل تم تقدير تكاليف حفر القناة والتي يبلغ طولها أكثر من 75 كيلومتر وخاصة أن جيولوجيا المنطقة صخرية (حجر جيري في أغلبها)؟ وكيف سيتم تخصيص ملكية الأراضي التي تمر بها القناة وتقع بها البحيرة وتعويض أهلها؟ 3- كيف ستؤثر القناة والتي يبلغ عرضها من 136-256 متر علي تأمين الصحراء الغربيـة وخاصة أنها ستقسم الصحراء إلي قسمين؟ 4- ما تأثير البحيرة الصناعية علي توازنات الطبقات الجيولوجية وعلي إستحداث الزلازل في المنطقة وخاصة أن مساحة البحيرة تزيد عن 12 ألف كيلو متر مربع (أي 12 مليار متر مربع). 5- ما تأثير هذه البحيرة الصناعية الضخمة من المياه المالحة علي مخزون المياة الجوفية وزراعات المنطقة؟ وخاصة أن الخرائط الحديثة (علي حد قول عالم الجيولوجيا الأستاذ الدكتور محمود زغلول) تثبت وجود شقوق في قاع المنخفض وصورتها بالفعل طائرات الأواكس الأمريكية والأقمار الصناعية , كما نشر مؤخرا بجريدة الأهرام علي لسان وزير الموارد المائية والري ، أن أجهزة الوزارة اكتشفت منطقة واعدة على خريطة الجمهورية قابلة للتنمية الزراعية وتتوافر بها إمكانيات مياه جوفية تكفى لتحقيق تنمية مستدامة فى مساحة يصل إجماليها إلى 250 ألف فدان بمنطقة جنوب وجنوب شرق منخفض القطارة كما صرح الدكتور هشام قنديل عندما كان وزيرا للموارد المائية والري أن الوزارة تقوم بتنفيذ دراسة متكاملة في نطاق منخفض القطارة وذلك بهدف تقييم المخزون المائي الجوفي بالمنطقة ومدى الاستفادة منها في تحقيق تنمية زراعية من خلال استصلاح وزراعة نحو 250 ألف فدان وأعلنت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى بالفعل عن طرح 60 ألف فدان للشركات والجمعيات والأفراد بجنوب شرق منخفض القطارة بعد التنسيق مع وزارات “الدفاع” و”الرى والموارد البيئية” و”البيئة” بجانب المركز الوطنى لاستخدامات أراضى الدولة 6- هل تم التأكد من عدم وجود آثار تاريخية في المنطقـة التي سيتم حفر القناة بها وكـذلك منطقة المنخفــض التي ستغمــرها المياة المالـحة؟ 7- هل تم مقارنة العائد (مقابل تكلفة المشروع) من استغلال البحيرة الصناعية في تنمية الثروة السمكية بالعائد الذي يمكن الحصول عليه في حال الإهتمام بالصيد في البحر المتوسط ووالبحر الأحمر وكذلك تنمية الثروة السمكية في بحيرات البردويل والمنزلة والبرلس ومريوط بالإضافة إلي بحيرة ناصر والتي تبلغ مساحتها وحدها حوالي 6000 كيلومتر مربع؟ وأين تفعيل مشروعات تنمية الثروة السمكية في هذه البحيرات ومشروعات الصناعات المعتمدة عليها من مصانع تعليب الأسماك وصناعة الأعلاف وخلافه؟ هل من الإنصاف تجفيف البحيرات الحالية ثم البحث عن بديل عنها تماما كما يتم تبوير الأراضي الزراعية بالدلتا والبحث عن بديل عنها بالصحراء؟ 8- هل تم دراسة تكاليف إزالة الألغام التي زرعت في المنطقة أثناء الحرب العالمية الثانية؟ 9- أثير أن هذا المشروع سيفيد في إنتاج الكهرباء بما يعادل ثلاث مرات قدرة السد العالي (أي ما يعادل 6300 ميجاوات كهربي) والسؤال علي أي أساس تم حساب حجم هذه القدرة الكهربية والذي تؤكد كل الدراسات عدم صحته ؟ وماالحال عندما يتساوي مستوي الماء في المنخفض بمستواه في البحر المتوسط ويكون تدفق الماء ناجم فقط عن تعويض البخر بالبحيرة؟ تقول الدراسات أن الكهرباء المولدة في هذه الحالة تقل عن 600 ميجاوات كهرباء. فهل تم دراسة الجدوي من توليد الكهرباء بهذا الحجم الضئيل من المشروع؟ 10- أثير أن هذا المشروع سيفيد في إنتاج الملح في حين أن المجلس التصديري للصناعات التعدينية أكد وجود ثروة من الملح الصخري الطبيعي في منخفض القطارة وواحة سيوة تزيد علي 15 مليار طن من ملح كريستال ونشر عن الدكتور عبد العال حسن عطية مساعد رئيس هيئة التنمية الصناعية في المشروعات التعدينية تصريحه بأن هذه الكمية من الملح جاهزة للبيع المباشر ويمكن أن توفر للدولة مايقرب من 900 مليار دولار تكفي لسداد مديونيات مصر حتي 10 سنوات . 11- يقول أحد الخبراء الجيولوجيين في مصر أنه إذا لم تكن هناك أي جدوي من المشروع فيكفي أنه سيحمي الدلتا من خطرالغرق حيث أنه سيسحب من 25-30 مليار متر مكعب من البحر المتوسط . والسؤال كيف سيحمي ذلك الدلتا من خطر الغرق ؟ وهل سينخفض مستوي سطح البحر المتوسط نتيجة هذا السحب؟ ومع ذلك فقد أشار عالم البحار الأستاذ الدكتور/ إبراهيم معيزة أستاذ الطبيعة البحرية بالمعهد القومي لعلوم البحار بالأسكندرية والذي يشغل منصب عضو اللجنة العالمية للتنبوءات الجوية والحـد من تأثير موجات التسونامي ، أن شائعة غرق الدلتا ترجع إلي فترة الثمانينات حيث أكد بعض المجتهدين في المجال البحري أنه مع حلول عام 2000 ستختفي تماما منطقة الدلتا من خريطة العالم وهو ما لم يحدث حتى الآن ويحذر العالم المصري وسائل الإعلام من الإسهاب في الإشاعات واستقطاب ضيوف غير متخصصين في علوم البحار للحديث في هذه المواضيع وهنا نشير إلي قول المهندس المدني أيمن الٌقاضي أن إطلاق المياه في مسافة قدرها 72كيلومتر تجري أولا في ترعة مكشوفة عرضها 50 متر ثم في أنفاق حتى تصل إلى حافة الغور (أو المنخض) حيث تمر إلى التوربينات لتوليد الكهرباء منها وإذا حددنا مقدار السقوط 50 مترا فإنه من الممكن توليد قوى كهربائية قدرها 300 ميجاوات ، كما يقول “أن الترعة المكشوفة حسب الخريطة الكنتورية طولها حوالي 7ك وباقي المسافة بطول أكثر من 50 كيلومتر في أرض تتصاعد تدريجيا حتى ارتفاع 200 متر عند حافة الغور أي هي مسافة الأنفاق أو المواسير لمسافة أكثر من 50 كيلومتر وبقطر 20 متر أي بقطر نفق الأزهر وتكلفته ستكون باهظة بالإضافة إلي المشاكل في صيانة الأنفاق لأن فوقها جبل متدرج الارتفاع حتى 200 متر وليست كنفق الأزهر يتم صيانتها من السلالم الجانبية لمستوى الشارع وبطول 2 كيلومتر فقط لأن الطول هنا يتعدي 50كيلومتر.فمن يستطيع صيانتها؟ وكل هذا لنولد 300 ميجاوات أو علي الأكثر 600 ميجاوات وفترة زمنية لتنفيذ النفق لن تقل عن الفترة الزمنية التي أنشأنا فيها مترو الأنفاق من بدايته حتى الآن” ويستند المهندس أيمن الٌقاضي في قوله إلي المرجع “الخطوط العريضة في كهربة مصر” للدكتور عبدالعزيز أحمد بالاشتراك مع هيئة اليونسكو عام 1955 والدكتور عبدالعزيز أحمد كان يشغل في هذه الفترة منصب عميد كلية هندسة الجيزة ومدير عام مصلحة الميكانيكا والكهرباء ووكيل وزارة الأشغال العمومية والمشرف على كهربة خزان أسوان والمملكة الليبية كما يجدر الإشارة إلي حوار نشر بجريدة الأهرام في 11 إبريل مع الدكتور بهي الدين عيسوي وهو أحد كبار العلماء والخبراء في مجال الجيولوجيا علي مستوي العالم‏ ،‏ وهو أحد السابحين ضد التيار‏..‏ في الستينيات وفي غمرة الدعاية لمشروع توشكي وقف رافضا المشروع ومحذرا من الفشل الذريع الذي ينتظره ‏،‏ والآن يقف الدكتور عيسوي وقفة مماثلة ضد مشروع منخفض القطارة الذي يري فيه البعض وسيلة لا غني عنها لتوليد الكهرباء.. حيث قال ” أنادي الآن أيضا لمنع تكرار تجربة مشروع توشكي الفاشل بالمشروع الوهمي في منخفض القطارة لجر مياه البحر لمسافة 50 كم واهالتها ـ كشلالات ـ في المنخفض لتوليد الكهرباء، لان ذلك مصيبة وقد سبق رفضه مرتين، والمصيبة أنه قد يكلف الدولة ما لا يقل عن 51 مليار جنيه فقد تم رفض مشروع منخفض القطارة بناءا علي دراسات علمية حقيقية ومتأنية ، الأولي عام 1927 وقام بها المهندس الانجليزي (جون بول) وكان رئيسا لهيئة المساحة حيث توجه بنفسه الي المنطقة وهناك تأكد أن منخفض القطارة أقل نقطة انخفاضا في قارة إفريقيا (134 مترا تحت سطح البحر) في منطقة مساحتها 18 ألف كم (أقل قليلا من مساحة الدلتا)، وقتها فكر في الاستفادة منها بإيصال مياه البحر المتوسط إليها وإسقاطها فيه لتوليد الكهرباء ، وسجل ذلك في دراسة كبيرة ولكن بعد آخر سطر فيها وضع نقطتين وكتب.. واحسرتاه.. لأن المياه المالحة لو دخلت الي المنخفض لتسربت الي أسفل منطقة الدلتا، وهو ما سيؤدي الي تمليحها. ربما بعد أعوام قليلة عشرة أو عشرين سنة ، وهذه ليست المعضلة ولكن المأساة أنها بالتأكيد ستملح التربة فهل نفرح بإنجاز مشروع أمامنا وبعد سنوات نقضي علي الزراعة في الدلتا كلها . ولقد أعيدت الفكرة الآن ربما لإيجاد حل ما سياسي أو اقتصادي وأعتقد (والحديث مايزال علي لسان الدكتور بهي الدين عيسوي) أن الدكتور خالد عودة صاحبها لم يقرأ هذه الدراسات لأننا لا نشك في وطنيته وسمو أهدافه لخدمة البلاد، ولكن لايجوز أن تستخدم كما استخدم مشروع توشكى الذي كان وبالا على مصر” وعن رأيه في طرح الدكتور خالد عودة عن عدم مناسبة أرض الضبعة للمشروع النووي صرح بأن ـ نفي الدكتور عودة صلاحية المنطقة وأرضها لإقامة المفاعل النووي غير مبرر وغير علمي.وقوله عن ضعف وتفكك التربة وهشاشتها غير صحيح فالتربة هناك غير هشة وغير مفككة، وحتي لو افترضنا من باب الجدل ذلك، فإذا كنا قد أقمنا كوبري في النيل أعمدته الحاملة كأساس دقت في قاعه وكذلك أقام السعوديون كوبري الملك فهد في الخليج العربي لمسافة 21 كم تقريبا يربطها بالبحرين، وأقام الخليجيون أطول الأبراج في العالم علي شاطئ الخليج وأقام الفرنسيون مع الانجليز نفق المانش.. فهل تعجز تربة الضبعة عن تحمل المفاعل!!” وهنا أطرح سؤالا أخيرا أليس المشروع النووي المصري لإنتاج الكهرباء وتحلية المياه أكثر جدوي في توفير احتياجات التنمية الأقتصادية والاجتماعية في ظل نضوب مصادر الطاقة التقليدية فضلا عن أهميته في تطوير ورفع جودة الصناعة المحلية وإدخال صناعات جديدة بالإضافة إلي أهمية تنفيذه من أجل تنويع مصادر إنتاج الطاقة الكهربية وفي استثمار تصديقنا علي اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية وفي امتلاك سلاح الردع بالمعرفة التكنولوجية وحرصا منا علي الحد من تسرب الكوادر الفنية المدربة وخاصة أن هذا المشروع النووي سيغطي تكاليفه في أقل من خمس سنوات فقط من الوفورات التي يحققها من فارق تكلفة الوقود النووي عن تكلفة الغاز الطبيعي والبترول كما أنه لن يضيف أعباءا مالية علي الدولة في تمويله حيث أن مواصفات المحطة النووية تنص علي قيام المورد بتوفير عروض تمويلية تغطي 85% من المكون الأجنبي و 15% من المكون المحلي لتكاليف المشروع وكذلك تنص علي ضرورة مساهمة الصناعة المحلية بنسبة 20% في مكونات المحطة النووية كحد أدني ويزاد هذا الحد الأدني في المحطات النووية التالية. هذه المعلومات والتساؤلات أطرحها علي المتخصصين في الكهرباء والطاقة وفي السياحة والثروة السمكية والزلازل والمياه الجوفية والآثار والبترول وفي الأرصاد والتنبوءات المناخية، كل في مجاله، لعلهم يدلون بدلوهم ويردون عليها علميا وفنيا حتي يتم التأكد بكل شفافية وموضوعية بأن مشروع منخفض القطارة لايحمل الخير لمصر بل سيغرقها في المزيد من الديون ويلهيها عن مشروعات أخري قومية واستراتيجية هي أكثر جدوي وأعظم منفعة غير أنها تحتاج إلي إرادة سياسية قوية لتنفيذها… واسئلوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون. * حاصل علي جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الهندسية عام 1986 وحاصل علي نوط الاستحقاق من الطبقة الاولي عام 1995 وحاصل علي جائزة نوبل عام 2005 ضمن مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية مناصفة مع مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ذلك الوقت وعضو مجلس إدارة علماء مصر .

أبدي السفير سيد قاسم المصري مساعد وزير الخارجية الأسبق في الأول من يونيو 2022 بصحيفة “الشروق” موقفاً آخر من المشروع فقال : ” أنا لا أطالب بتبنى المشروع ولكن بإعادة فتح الملف لإتاحة الفرصة للخبراء والمتخصصين للنظر فى إمكانية تنفيذ المشروع فى ضوء التقدم التكنولوجى الكبير الذى طرأ على العالم منذ آخر دراسة تمت عام 1975 لعل هذا التقدم التكنولوجى قد تغلب على مشاكل نفقات الحفر، وبذلك نكون قد اقتربنا من تنفيذ هذا الحلم الذى راود المصريين ولا يزال يراودهم ، وكان مصدر إلهام لأشهر كُتاب الخيال العلمى وهو ﭽول ﭭيرن الذى كتب رواية باسم (بحر الصحراء) تحدث فيها عن تحويل الصحراء الكبرى إلى بحيرة عملاقة . وواضح أيضاً أن موقف السد السفير لم يتناول أهم مخاطر المشروع وهو التأثير سلباً علي تربة الدلتا الخصيبة بالتمليح .

وزارة البيئة المصرية تعلن رفض مشروع منخفض القطارة :

مشروع منخفض القطارة هو أحد المشروعات المدرجة بخطة وزارة الكهرباء والطاقة باعتباره مشروعا تمت دراسته بمعرفة هيئة تنفيذ مشروعات المحطات المائية لتوليد الكهرباء بقدرة مركبة 1800 ميجاوات      و   ولكن لم يُدرج المشروع للتنفيذ فى أى خطة لمشروعات محطات التوليد حتى الآن رغم عشرات الدراسات منذ عام 1916 .

يُلاحظ أن وزارة الكهرباء المصرية ومنذ أن أعلن في القاهرة يوم 11 أبريل 2023عن أن شركة EGIT Consulting وقعت اتفاقية لإجراء دراسة جدوى جديدة لمشروع منخفض القطارة مع شركة Elite Capital & Co إلا أن وزارة الكهرباء المصرية لم تُعلق علي هذا الحدث الذي من المفترض أنه داخل في نطاق إختصاصها , ومع هذا كان رد الفعل الوحيد الذي رُصد من وزارة البيئة المصرية , فقد نُشر في 3 سبتمبر 2014 ما صرح به د خالد فهمي وزير البيئة عندما أعلن عن رفضه لمشروع «منخفض القطارة» وعن أسباب الرفض أوضح وزير البيئة خلال لقائه ببرنامج «مصر في يوم» المُذاع عبر شاشة «دريم2» : أن المشروع سيتسبب في ارتفاع منسوب المياه الجوفية وزيادة عمليات «الرشح» التي قد تؤثر على البنية التحتية فضلا عن التأثير السلبي على الحيوانات والكائنات وأعرب عن رفض الوزارة أيضًا لصرف مخالفات المصارف في «بحيرة المنزلة» قائلا: «البحيرة تمنع تسرب مياه البحر الأبيض المتوسط، لتربة الدلتا الزراعية وإذا أفرغنا فيها مياه المصارف ستتأثر زراعة الدلتا سلبا» , لكن الوزير لم يفصح صراحة عن أهم سبب للرفض ألا وهو تمليح تربة الدلتا وبالتالي تخريبها , وكان من المنطقي أن تتدخل وزارة الري ووزرة الزراعة المصريتين وإعلان   موقفهما من مشروع ستترتب عليه – إن حدث وفُفذ – تداعيات علي نشاطي الري والزراعة في مصر

لكن من الجدير بالنظر أنه منذ أن رسم البريطانيون خريطة المنخفض لأول مرة بعد الحرب العالمية الأولى كانت هناك مقترحات لربطه بالبحر الأبيض المتوسط عن طريق قناة أو نفق أو مزيج وكانت الطاقة الكهرومائية من مياه البحر المتدفقة إلى الحوض هي الاهتمام الأساسي , لكن وحتي هذه الميزة الرئيسية للمشروع تُواجه بالتقليل من كونها ميزة فطاقة الرياح والطاقة الشمسية الرخيصة قللت من قيمة الطاقة الكهرومائية الأساسية فلم تعد الطاقة من تدفق مياه البحر الأبيض المتوسط إلى المنخفض هي الطريقة الوحيدة القابلة للتطبيق لشحن نظام التخزين الذي يتم ضخه كما أنها ليست الأرخص بالضرورة , ويمكن أن يكون مستوى الطاقة الكهرمائية التي يتم ضخها أعلى بكثير من 315 ميجاوات ويعتمد مقدار الارتفاع ( لنفق تحويل مياه البحر المتوسط للمنخفق)على الحمولة القصوى التي يحتاجها النظام لتوفير مقدار الوقت مقابل جزء سعة التحميل الأساسي المحولة إلى ضخ التخزين مع 315 ميجاوات من الحمل الأساسي وعدم وجود مدخلات للطاقة الشمسية ، يبدو أن السعة القصوى البالغة 1500 ميجاوات هي أقصى ما يمكن أن يكون منطقيًا , وتري The Energy Collective Group :”أن هناك مشكلة في الخطة الأساسية فالــ  315 ميجاواط ليست مثيرة للإعجاب لمشروع كبير لتوليد الطاقة الكهرومائية ولنقل 656 متر مكعب / ثانية من مياه البحر لمسافة تزيد عن 55 إلى 80 كيلومترًا مع فقدان 10٪ فقط (6 أمتار) من الرأس ، فالمرء يحتاج إلى نفق كبير جدًا – 15 مترًا في الواقع ولن يكون هذا الرقم القياسي العالمي لطول النفق أو قطره لكنه لن يكون بعيدًا عنه ولا يمكن أن يبرر توليد 300 ميجاواط من الطاقة الأساسية في حد ذاته التكلفة فحتى مع إضافة 1.5 جيجاوات من ضخ المياه لبضع ساعات في اليوم فإنه لا يبدو استثمارًا جيدًا , قد تكون القدرة الكهرومائية المتواضعة التي يتم ضخها مفيدة لتوفير الطاقة لمعسكرات المستوطنات ليلاً ولإدارة معالجة النفايات ومحطات تحلية المياه قليلة الملوحة بجدول زمني فعال على مدار 24 ساعة. مع انخفاض الارتفاع بمقدار 300 متر في العديد من الأماكن بين حافة هضبة ديفا وقاع المنخفض تحتها ، يظل منخفض القطارة موقعًا مناسبًا جدًا لتخزين الطاقة الكهرومائية التي يتم ضخها. لا تتطلب سعة التخزين المتواضعة التي تصل إلى بضع عشرات من ميغاواط في الساعة بحرًا داخليًا ليكون بمثابة الخزان السفلي  .

يُضاف إلي هذا أن وصول مياه البحر الأبيض لمنخفض القطارة (مشكلة القناة الكبيرة من البحر للمنخفض هي قضية تكلفة وليست جدوى تقنية) سيعتبر مصدرا إضافياً للمياه بالنسبة لمنخفض القطارة فالمياه موجودة في المنخفض من هذه المصادر :

– هطول الأمطار من حين لآخر في المنخفض نفسه والأراضي الصحراوية المرتفعة المحيطة به  .

– طبقة المياه الجوفية النوبية الارتوازية من الجنوب والشرق , ويقدر الحجم الإجمالي لتدفق المياه الجوفية بما يصل إلى مليار متر مكعب في السنة ومع ذلك فهي منتشرة على مساحة كبيرة جدًا ويتسرب المياه الجوفيةإلى السطح ببطء وتتبخر دون تكوين بحيرات أو قنوات جريان إلى الأجزاء السفلية من المنخفض وعندما يتبخر الماء فإنه يترك وراءه أملاح ذائبة ويصبح السطح مغطى بالأملاح ويصير غير مناسب لنمو النباتات خارج النباتات الملحية الشديدة في المستنقعات المالحة .

– طبقة المياه الجوفية في دلتا النيل إلى الشمال الشرقي , واستصلاح الأرض في ظل هذه الظروف سيتطلب عمالة مكثفة ,  ولابد أن تكون المياه الجوفية هناك عذبة بدرجة كافية فمن المحتمل أن تكون تلك هي المناطق الأولى المستهدفة للاستصلاح في مناطق أخرى ، وقد تنتج الآبار مياه قليلة الملوحة ولكن محتوى الملح فيها منخفض بما يكفي لتحلية المياه بطريقة اقتصادية ويمكن أيضًا استيراد المياه العذبة عن طريق خط الأنابيب مباشرة من دلتا نهر النيل على بعد بضع مئات من الكيلومترات إلى الشمال الشرقي , لكن أيضاً وبدلاً من ذلك يمكن استيراد المياه من آبار الإنتاج الكبيرة التي تستغل طبقة المياه الجوفية في دلتا النيل على مسافات أقل  بشرط ألا يؤدي الضخ إلى خفض طبقة المياه الجوفية بدرجة كافية للتأثير على الآبار في المجتمعات القريبة من الدلتا  .

– البحر الأبيض المتوسط من الشمال ويتدفق تحت هضبة ديفا .

ويتزامن إفتراح بعض الجهات في مصر مشروع منخفض القطارة الذي يعتمد مروجوه علي أن ميزته الرئيسية هي توليد الطاقة الكهربائية مع ترويج الحكومة المصرية لبيع محطة توليد الطاقة الكهربائية التي إشترتها بقروض من شركة سيمينز الألمانية منذ عدة سنوات ولم تدخل الخدمة بعد !!! فكيف يُستساغ منطقياً أن أمضي قدماً في تنفيذ مشروع منخفض القطارة الذي من مزاياه الرئيسية توليد الطاقة الكهربائية فيما الحكومة المصرية تعاني في هذه السنوات من ضائقة إقتصادية ووصول علاقتها مع صندوق النقد الدولي إلي نقطة حرجة بسبب موقف الحكومة المصرية المالي الذي لا سابقة له والذي يتميز الآن بوصوزل ما يُسمي بالـــ Three C,sإلي أدني منسوب لها ؟!!! .

لما كانت ومازالت هذه المنطقة حارة وجافة لذا فمن شأن التبخر السريع – في تقديري – أن يتيح استمرار تدفق كميات كبيرة من مياه البحر إلى أجل غير مسمى وهو ضغط مُستمر علي القشرة الأرضية لهذه المنطقة مما قد يؤدي إلي أنشطة زلزالية مُحتملة , ويمكن غي نظر The Energy Collective Group أن تدعم البحيرة التي تم تشكيلها المستوطنات على طول شواطئها مع اقتصادات الصيد المحلي وتعدين الملح ويمكن توقع تبريد المنطقة وزيادة هطول الأمطار أيضًا .

على الرغم من ما يقرب من قرن من الدراسات والمقترحات وعلى الرغم من الاهتمام الكبير من جانب السلطات المصرية إلا أن جميع خطط تطويرالمنخفض باءت بالفشل في النهاية فقد تعثرت الحكومات المتوالية في تحليل التكاليف مقابل الفوائد والمخاطر ومع ذلك مازال البعض يري أنه قد تغير الكثير في العقود الأربعة التي أعقبت إجراء دراسة الجدوى الأخيرة – ورفضتها في النهاية – من قبل حكومة أنور السادات المصرية وأن الوقت قد حان لإعادة الزيارة  .

مشروع منخفض القطارة تكرار لمشروعات شبيهة :

إن مشروع منخفض القطارة ليس سوي تكراراً لمشروعات أخري أخري شبيهة وإن كانت بدرجة أقل في عدد العقبات التي إعترضت هذه المشروعات الشبيهة وإن كان مشروع منخفض القطارة وهذه المشروعات الشبيهة مآله الفشل أو علي الأقل التا<يل في تنفيذه لاٍباب عديدة أهمها الأسباب التمويلية ومن بين أهم هذه المشروعات الشبيهة التي حاولت مصر الإضطلاع بتنفيذها :

1 – مــشـــروع تــوشــكي :

كان تنفيذ مشروع توشكي أيضاً أحد الدلائل الرئيسية علي غلبة الطبيعة السياسية لقرارات وزارة الري ولأهمية هذا المشروع في بيان إستراتيجية مياه النيل وتطبيقها ميدانياً , فالمشروع تعرض من بين أمور أخري لمناقشات ثارت في مجلس الشعب المصري في جلسة يوم 3 أبريل 2006 تناولت 85 طلب إحاطة وسؤال وإستجوابان  وُجهت لوزراء الري والتخطيط والزراعة عن عدم تحقيق هذا المشروع للمستهدف منه , والمشروع – إن كان من الممكن أن أتجرد وأبدوا مُحايداً – كان عملاً سياسياً بإمتياز لسبب بسيط هو أنه كان أمام متخذ القرار السياسي مشروعان يمكن بهما تحقيق الأمن الغذائي المصري وهو في تقديري وتقدير كثيرين أحد مكونات الأمن القومي أيضاً , والمشروعان هما أولاً المشروع القومي لتنمية سيناء والمُقدر له رسمياً أن يتم في الفترة ما بين 1994 حتي 2017 ( المشروع القومي لتنمية سيناء . وزارة الإعلام- الهيئة العامة للإستعلامات – أبريل 1996 ) والتوسع بالمشروع الزراعي القائم بالوادي الجديد حيث دلتا قديمة لنهر النيل تُقدر بـ 3,5 مليون فدان , والمُلفت للتأمل أن المشروع القومي لتنمية سيناء خُطط لتنفيذه ليتزامن مع البداية الفعلية للشح المائي المُتوقع أن يُواجه مصر عام 2017 فوفقاً لنشرة أصدرتها وزارة الري المصرية في أغسطس 1999 ( عندما كان عدد السكان 63 مليون نسمة ) فإن حصة الفرد المصري من المياه التي تبلغ أقل من 936 متر مكعب سنوياً ستبلغ  نصف هذه الكمية خلال الـ 25 عاماً القادمة بسبب تزايد السكان وأشارت النشرة إلي أنه سيبلغ عام 2025 582 متر مكعب / عام وأن الحد الأدني لنصيب الفرد المُوصي به عالمياً يبلغ 1000 متر مكعب / عام , لكن الذي يلفت النظر أيضاً ويجعل المرء مندهشاً أن هذه النشرة التي كان عنوانها ” المياه وموقف مصر ” والتي وُضعت علي شكل أسئلة وإجابات , أجابت عن سؤال : “هل يمكننا زيادة مواردنا المائية ؟”  إجابة حالمة ومنفصلة عن الواقع المحيط بمصر , وهي إجابة تُظهر وزارة الري وكأنها أحد المساهمين الفعليين في صياغة واقع وردي يُرضي مؤسس نظرية الإستقرار بأي ثمن ودون النظر للواقع وهو الرئيس المصري الذي تولي حكم مصر حسني مبارك من 1981 حتي فبراير2011 .

2- مشروع شق قناة جونجلي بجنوب السودان :

علي الرغم من ثبات حصة مصر من مياه النيل عند 55,5 مليار متر مكعب / عام إلا أن وزارة الأشغال العامة والموارد المائية توقعت زيادة كمية المياه المُتاحة بين عامي 1990 و2017 وذلك من خلال تنفيذ مشروعات أعالي النيل مثل قناة جونجلي وهي أحد المشروعات التي سعت الدولة جاهدة لتنفيذها , حيث كان من المفترض أن توفر لمصر حوالي 2 مليار متر مكعب سنوياً من مياه النيل , ولكن هذه الزيادة لن تكون كافية لمواجهة الطلب المُتزايد علي المياه , لذا ستكون عمليات إعادة إستخدام المياه ذات أهمية قصوي في المستقبل ” , فمن المستحيل أن وزارة الري التي لها أكثر من محطة ري في السودان لا تعلم مثلاً أن محطة ملكال بولاية أعالي النيل التابعة لها وهي محطة شاسعة مُعطلة بسبب تداعيات الحرب ضد التمرد التي أدت إلي أن تتواجد فيها عناصر أمنية / عسكرية حكومية ومن فصائل جنوبية مُتحالفة معها عام (1998) مما حدا بالسفارة أن ترسل مذكرة للخارجية السودانية في هذا الشأن , ثم أن المؤسسات المعنية بالشأن السوداني بالدولة المصرية كانت علي علم يومي بمجريات الأمور بالسودان ومنها مثلاً أن مناطق إنتاج البترول السوداني والتي تتركز في ولايات أعالي النيل شمالاً  بمنطقة عداريل وجنوب كردفان جنوباً بمنطقة أبو جابرة  كانت مسرحاً لقتال بين القوات المسلحة السودانية والمتمردين هذا بالإضافة إلي خط أنابيب نقل البترول من مناطق الإنتاج حتي تصديره من ميناء بورسودان (ميناء بشاير) عبر أنبوب طوله 1540 كم يتعرض لتهديدات وإغارات وقام علي حمايتها قبل إنفصال الجنوب في 9 يوليو 2011 فرقة سودانية تعاونها قوات جنوبية صديقة بقيادة / ريك مشار , وقد ألقي الرئيس البشير في 5 مايو 1999 خطاباً أمام قادة الشرطة دعا فيه شباب السودان لحماية البترول المُنتظر تصديره في نهايو يونيو 1999 وكشف عن تشكيل لواء ” حماية البترول” وأن هناك ثمة مخططات أمريكية وأوغندية وأرترية علي حدود السودان الشرقية لمنع تصدير البترول , وكان من ضمن واجباتي عندما عملت للمرةالثانية والثالثة مستشاراً سياسياً بالسفارة في الفترة من 1996 حتي 2001 متابعة التحركات العسكرية في جنوب السودان  للتمرد  بفصائله المختلفة  جوانج جارانج وكاربينو كوانين وريك مشار وأضرابهم تحت عنواين مختلفة منها ” تقدير موقف حول إنقلاب عناصر كاربينو كوانين علي الحكومة السودانية في واو ” و ” التحرك العسكري الأخير لقوات ريك مشار بالجنوب وعلاقة ذلك بالوضع العسكري العام ” و ” الموقف العسكري في جنوب السودان و ” الترتيبات التي تتخذها حكومة السودان لحماية حقول البترول في الجنوب إزاء تهديدات جارانج” و ” الخطوط العامة للقتال في الجنوب في المرحلة المقبلة “… ألخ , وكانت هذه التقارير في الفترة من 1995 حتي 1999 بصفة مركزة , وكذلك فقد تقريرين احدهما في  فبراير1999 عن ” تقييم التحرك الليبي لمواصلة مشروع جونجلي  بجنوب السودان ومقترح بتوظيف مصر لهذا الدور” , والثاني عام 2001 عن ” موقف إستئناف العمل في قناة جونجلي بجنوب السودان ” وتعرضت فيهما لعرقلة التمرد عمداً مع جهود مخابراتية غربية للمشروع ومحاولة مصر دعوة الحكومة السودانية لإستئنافه خلال إجتماعي اللجنة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل عامي 2005 و2006 وكان وأوضحت وقتها في تقديري للموقف  أن أي طرح لإستئناف العمل في قناة جونجلي من جانب مصر سيكون إما غير فعال أو غير مُنتج , ذلك أن التطورات الحالية بالسودان حتي الآن غير مواتية لنا فالقضية الأهم منطقياً لمصر حالياً هي كيفية الحفاظ علي وحدة الأراضي السودانية التي هي ضرورة حتمية لتفعيل إتفاقية الإنتفاع الكامل من مياه النيل مع السودان , وأن قضية دارفور أضافت عائقاً جديداً أمام مصالحنا النيلية فهي قد أجبرت الحكومة السودانية علي تبديل أولوياتها بحيث أصبح الحفاظ علي كيان الدولة وسيادتها أهم من مصالحها المادية الأخري , وأنه من الأفضل لمصر التريث حالما تسفر التحولات الواقعة بالسودان عن ما قد يجدد آمالنا في إستئناف المشروع خاصة وأن هناك فريق بالسودان لا تتطابق آراءه مع آراءنا في شأن قضية مياه النيل برمتها كما أنه من غير المُتيقن منه أن الأوضاع ما بين قبيلتي الدنكا والنوير المتواجدتين في نطاق المشروع ستكون غير عدائية مثلما هي الآن خاصة وأن هناك إتفاقية مشاكوس أو إتفاق السلام الشامل الموقع في 2005 والذي نص علي تقرير المصير في مدي أقصاه فبراير 2011 والذي تم بالفعل وأختار الجنوبيين الإنفصال وأعلنت دولة الجنوب في 9 يوليو 2011 ونوهت إلي أن هناك إستحالة في أن توقع دولة جنوب السودان إتفاقاً مشابهاً لما وقعناه مع السودان في نوفمبر 1959 , وبالتالي فنحن أمام وضع غاية في الصعوبة , كل ذلك كان الفيض من المعلومات والتقديرات كان في متناول متخذ القرار أو صانعه في القاهرة لكن النتيجة التي وصلنا إليها تقول ببساطة أنه إما نحاه جانباً أو لم يعره أهمية او إنتباهاً لأن هذه المعلومات والتقديرات ببساطة تستحق المواجهة والتحرك إيجابياً وليس الإكتفاء بمشاهدة السودان وهو يذود عن أراضيه والنيل وسيادته ويضطر للتفاوض وفي كلا الموقفين الحرب والتفاوض كانت مصر تتابع وتشاهد وتتفرج وتتكلم في نفس الوقت عن أنها مع وحدة أراضي السودان … موقف يدعو للرثاء , ولهذا كان حديث وزارة الري عن مشروع جونجلي منفصلاً عن ما لديها من معلومات مؤكدة عن أن تنفيذه أصبح مستحيلاً لكنها أضطرت للحديث عنه في معرض حديثها الرسمي بهذه النشرة الصادرة عنها لتخدير الشعب المصري وبدلاً من أن تشير النشرة إلي أن المشروع متوقف نظراً للحرب في جنوب السودان , تشير إلي أن ” الدولة تسعي جاهدة لتنفيذها ” فلو ذكرت الحرب لوجب علينا أن ننهض بدورنا للدفاع عن النيل ولن أقول السودان , وبالتالي قد يفهم من توقيت الإعلان عن شروع الدولة في تنفيذ مشروع توشكي أنه بديل لمشروع قناة جونجلي الذي أصبح مرتبطاً بضرورة مشاركة مصر للسودان في الدفاع عن جنوب السودان حرباً أو تفاوضاً وهو ما نأت عنه سياسة مصر خلال الـ 30 عاماً التي تقلد فيها الرئيس المخلوع في السلطة , لكن وحتي بعد أن تبنت وزارة الري تنفيذ المشروع الذي مولته الخزانة العامة بأكثر من ستة مليارات جنيه والدفاع عنه في مجلس الشعب في جلسته في 3 أبريل 2006 لم نعد نسمع عنه الآن , ذلك أنه كان خدمة سياسية للسلطة من وزارة الري بغض النظر عن مردوديته والتي سنتعرض لها لاحقاً .

لم تنجح مصر ومعها السودان في إجتياز عقبة الصراع في السودان وتأثيره المُدمر لأهم مشروع في الإستفادة من مياه النيل , ولم تنجح مصر في الإنخراط في تسوية الصراع في جنوب السودان بين الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة جون جارانج وحكومان السودان المُتعاقبة خاصة في عهدي نميري والبشير وفضلت أن تنأي بنفسها عنها والإنخراط في اصراع العربي الإسرائيلي , وكان حيز التفضيل بين الصراعين يكاد يكون ضيقاً فكلاهما علي نفس الدرجة من الأهمية والخطورة وطاقة الدبلوماسية الصرية كانت كافية وأكثر للتواجد وتسوية الصراعين لولا أن مصر كانت في عهدد مبارك كسيحة , وللتدليل علي عجز نظام مبارك يمكن أن نقارنه بموقف تركيا إزاء الصراع مع القبارصة اليونانيين والدفاع عن أمن تركيا القومي بدعم جمهورية قبرص التركية التي لا يعترف بها سوي حكومة تركيا فقط , ففي سبيل الحفاظ علي وترسيخ أمن تركيا القومي وتثبيت حكومة شمال قبرص التركية     وتوطيد مركز جمهورية شمال قبرص المتقدم في نظرية أمن تركيا القومي صرح الرئيس أردوجان  أثناء زيارة رسمية لجمهورية شمال قبرص في 1 سبتمبر 2014 وقال : “أن المياه ستصل إلى قبرص في غضون الشهرين القادمين عبر الأنابيب التي يتم تمديدها في قاع البحر” ومن جانبه قال رئيس وزراء تركيا أحمد داوود أوغلو في هذه المناسبة في 17 أكتوبر 2015 : “أن تركيا تلتقي مجددًا بجمهورية شمال قبرص التركية من خلال مشروع نقل المياه من البلاد إلى شمالي قبرص” مشيراً إلى “أن تركيا وقبرص التحمتا بحيث أنهما لن تنفصلا عن بعضهما أبدًا” , وأوضح أوغلو في كلمة ألقاها خلال حفل تدشين المشروع أنّهم سيبنون جسرًا من المياه يصل ما بين تركيا وشمال قبرص لافتاً إلى أن “المشروع الذي أُطلق عليه مشروع القرن يهدف إلى نقل المياه من تركيا إلى جمهورية شمال قبرص التركية عبر البحر الأبيض المتوسط” , وقد دشن الرئيس التركي رجب طيب اردوجان في أكتوبر2015شبكة لتزويد “جمهورية شمال قبرص التركية” بالمياه بعد تأخير استمر عشر سنوات في خطوة نددت بها الحكومة القبرصية (اليونانية) وبحسب السلطات التركية فإن اعمال البناء التي استمرت اربع سنوات سمحت بمد انابيب ارضية بطول 24 كيلومترا في جنوب تركيا و3,7 كيلومترات في “جمهورية شمال قبرص التركية” التي لا تعترف بها سوى انقرة وستمد انابيب بطول 67 كيلومترا تحت سطح البحر , واكد اردوجان خلال حفل التدشين في انامور بجنوب تركيا ان “المياه ستتدفق الى جمهورية شمال قبرص” وبحسب السلطات التركية فإن شمال قبرص ستزود جمهورية شمال قبرص بـ75 مليون متر مكعب من المياه سنويا عبر الشبكة التي يبلغ طولها 107 كيلومترات , وتربط بين سد الاكوبرو في انامور التركية وسد جيسيتكوي في الجزء الشمالي من الجزيرة القبرصية وسيخصص نصف كمية هذه المياه للاستعمال المنزلي والنصف الآخر في الري الزراعي – بحسب ما اوضح اردوجان – , وقال متحدث باسم وزارة الطاقة التركية إن أعمال المشروع ستنتهي في غضون 27 شهرا إلا أنه لم يحدد أي تاريخ لوضع خط الأنابيب في الخدمة , وعموماً من شان هذا المشروع الذي أطلق عليه إسم مشروع “العصر” والذي يتألف من سدين إلى جانب خط أنابيب نقل مياه يبلغ طوله الإجمالي نحو 107 كم ، 80 كم منها تمر من تحت البحر أن يزود شمال قبرص التركية بالمياه حتى عام 2050ويغطي حاجات مياه الشرب والري حتى خمسين عاما على الاقل كما ستستفيد “جمهورية شمال قبرص التركية” من العائدات الزراعية  .

إن مشروع مخفض القطارة يقع في قلب الصحراء الغربية لمصر بعيداً عن مجري النيل وبالتالي فهو نظرياً ليس مشروعاً من المشروعات التي تقع في نطاق إتفاقية مياه النيل مع السودان الموقعة في القاهرة في 8 نوفمبر 1959 وبالتالي فإن الحكومة المصرية إن تبنت هذه المشروع فعليها أن تمضي في تنفيذه بمفردها , وعليه فإن هناك ثمة تساؤلات جديرة بالإجابة عليها أو علي الأقل النظر فيها وهي :

1- شركة EGIT Consulting أو المجموعة المصرية للتجارة الدولية والإستشارات مقرها لندن بالمملكة المتحدة في 107Burdett Road, London, England, E3 4JN وكذاشركة  Elite Capital & Co. Limited مقرها لندن بالمملكة المتحدة في 33 St James’s Square, St. James’s, London SW1Y 4JS  أي أن كلا الطرفين الموقعين لعقد إستكمال دراسة الجدوي جديدة لمشروع منخفض القطارة خارج مصر , وقد طلبت شركة أو مجموعة Elite Capital من شركة أو المجموعة المصرية للتجارة الدولية والإستشارات إستكمال دراسة جدودي جديدة , ولم يُشر أو يُوضح الجهة الأصلية الطالبة لإستكمال دراسة الجدوي الجديدة هلي هي جهة مصرية أم جهة أجنبية ؟ , لم يُميط واضع الخبر اللثام عن تفاصيل أخري مُتعلقة بالعقد وشروطه إلا أنه أشار إلي أن دراسة الجدوي سيُناط تنفيذها إلي كوسورتيوم مكون من DynaFin من بلجيكا و CBF من الولايات المتحدة الأمريكية و EGIT Consulting التي ستتحمل تكاليف إنجاز هذه الدراسة علي نفقتها الخاصة دون أي شروط مسبقة أو التزامات من أي نوع على الحكومة المصرية دعماً لجهود مصر في تطوير المشروعات الخضراء والحفاظ على البيئة والمناخ في جميع أنحاء العالم  “, كما تعمد واضع الخبر عدم الإشارة إلي أي من الجهات الرسمية / الحكومية المصرية بالموضوع من قريب أو بعيد وكأن الطرفان الموقعان قد أعطيا الأذن لنفسيهما للإنخراط في مشروع كهذا ذا بعد قومي مصري ويُلاحظ أن إستكمال دراسة الجدوي للمشروع سيقوم بها كوسورتيوم مكون من DynaFin من بلجيكا و CBF من الولايات المتحدة الأمريكية و EGIT Consulting ويُلاحظ أن وزارة الكهرباء المصرية هي الجهة المسؤلة قانوناً عن هذا المشروع إلا أنها غابت عن توقيع هذا العقد فلم يأت أي ذكر لها وهذا أمر يحمل في طياته معان متعددة .

2- يهدف مشروع منخفض القطارة إلى توليد الكهرباء عن طريق شق مجرى يوصل مياه البحر الأبيض المتوسط، لتصب فى منطقة منخفض القطارة فى الصحراء الغربية المصرية , فقد نشرت صحيفة اليوم السابع المصرية في 18 يناير 2021 أن مصر تمتلك حاليا أكبر وأحدث محطات لتوليد الكهرباء بالعالم , وهذه المحطات ببنى سويف والعاصمة الإدارية الجديدة والبرلس وهى كالاتى : (1) تعد محطات سيمنز الثلاثة ببنى سويف والعاصمة الإدارية الجديدة والبرلس ضمن الاتفاق الحكومى بين مصر وألمانيا، بقدرة 14 ألف 400 ميجا وات (2) بعد افتتاح المحطات الثلاثة رسميا، أصبحت مصر لأول مرة الأولى عالمياً فى قطاع الكهرباء، وذلك عقب الإنتهاء من المرحلة الأولى من محطة ببنى سويف (3) أعلنت سيمنز الألمانية أن عقد تنفيذ 3 محطات بقدرة 14 ألف 400 ميجا وات فى مصر يمثل أكبر تعاقد فى تاريخ الشركة .

يعني ما تقدم أن مصر حالياً ليست بحاجة مُلحة لتنفيذ مشروع منخفض القطارة , فالمشكلة التي تواجه مصر الأن وفي المستقبل المنظور ليست مشكلة طاقة وإنما مشكلة مياه , فمشكلة مصر تحديداً مع وبسبب سد النهضة الإثيوبي وتداعياته السلبية بل والخطيرة علي قطاعي الري والزراعة في مصر ويجب مواجهة هذه المشكلة في أنسب وأقرب وقت ممكن قدر الإمكان وبأي وسيلة علي أن تكون وسيلىة حاسمة .

3- إن مجرد التفكير أو البث والترويج الإعلامي عن مشروع مخفض القطارة أو غيره يضر بالموقف التفاوضي مع أثيوبيا في شأن سد النهضة , فنحن نقول للإثيوبيين أننا بحثنا فوجدنا بدائل لخفض الأثر السلبي لسد النهضة علينا وهذا طبعاً ا/ر بعيد عن الحقيقة , – وهي مفاوضات لا طائل تحتها – لكنها تضر بموقف مصر عموماً في أي شأن يتصل بأزمة مصر في نطاق مياه النيل , ولم يُستدل حتي الآن علي أن مصر لديها إستراتيجية تتصل بمجمل الموقفين الإثيوبي والسوداني فيما يتعلق بمياه النيل  ’ وأنا أعني بمصطلح إستراتيجية  الإستراتيجية الكلية المتماسكة لا السياسات الجزئية , وعلي أية حال تري مصر في إقامة إثيوبيا لسد النهضة بالمواصفات الفنية الحالية ومنها فترة ملأ خزان السد والسعة التخزينية له والتي تُقدر بنحو 74 مليار متر مكعب تراه مُدياً إلي تناقص الوارد من مياه النيل للأراضي المصرية , فحصة مصر من مياه النيل تبلغ 55,5 مليار متر مكعب / عام طبقاً لإتفاقية الإنتفاع الكامل بمياه النيل المُوقعة في 8 نوفمبر 1959مع السودان وهي الإتفاقية الثنائية الوحيدة بين دولتين من دول حوض نهر النيل العشر والتي بموجب الجزء ” أولاً ” مادة 4 منها تنص علي أنه ” وبعد تشغيل السد العالي يكون نصيب مصر من صافي إيراد النيل 55,5 مليار متر مكعب/ عام ويكون للسودان (75% من مساحته واقعة في حوض النيل ويمد السودان بنحو 77% من  إحتياجاته المائية) 18,5 مليار متر مكعب / عام وفي حالة زيادة متوسط إيراد مياه النيل تُقسم هذه الزيادة مناصفة بين جمهوريتي مصر والسودان” , وبالتالي فقد خاضت مصر ما يمكن وصفه بمفاوضات عقيمة لم تتمخض عن شيء يُغير الواقع المائي بمصر والذي تفرضه إثيوبيا علي مصر فرضاً بإقامتها لسد النهضة بالمواصفات الفنية الإثيوبية الحالية والتي تؤيدها السودان الذي من المُفترض أن حكومته مُرتبطة مع مصر بإتفاق 1959 المُشار إليه , وها نحن نري أن أزمة سد النهضة كشفت فيما كشفت عنه أن إتفاق الإنتفاع الكامل بمياه النيل 1959 مع السودان أصبح أثراً بعد عين وهو أمر يُعد من المكاسب الثمينة التي أحرزتها إثيوبيا , ومشروع منخفض القطارة لا يمكن مصر من تجاوز مشكلتها المائية فهو في الحد الأدني مشروع دعائي ولا يصلح لأن يقلل الأثر السئ جداً لتداعيات سد النهضة الذي ستضطر مصر يوما ما لتديره وهي تصارع من أجل البقاء فسد النهضة سجبرمصر إلي المعادلة الصفرية : أن تكون أو لا تكون .

4- التحدي الأول لمشروع منخفض القطارة والذي يمثل عنصر تكلفة مؤثر علي قابلية المشروع أو عدم قابليته للتمويل هو تحدي الألغام الموجودة في الصحراء الغربية لمصر في محيط منطقة العلمين وجنوبها حيث يقع المشروع , فقد أشار تقرير صادر عن الأمانة التنفيذية لازالة الألغام وتنمية الساحلي الشمالي الغربي لمصرأن مصادر أمريكية قدرت في منتصف تسعينيات القرن الماضي الأجسام القابلة للانفجار التي خلفتها الحرب العالمية الثانية في الأراضي المصرية بنحو 19.7 مليون جسم منتشرة على مساحة تبلغ 287 ألف هكتار اي (683 ألف فدان) تمتد من غرب الأسكندرية وحتى الحدود الليبية ، (الإحصاءات الرسمية تُشر إلي أن مصر بها حوالي 21 مليوناً و800 ألف لغم بعد أن كان الرقم 23 مليون لغم وذلك بعد إزالة ما يقرب من 1.3 مليون لغم منذ عام 1995 وحتى الآن) , مما جعل مصر الدولة الأولى عالميًا من حيث تواجد أكبر عدد ألغام , إن الخرائط التي سلمتها ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا لمصر لم تعد توضح الأماكن الفعلية التي تتواجد بها حقول الألغام بسبب التغيرات المناخية ونشاط الكثبان الرملية التي قد حركت تلك الألغام , كذالك فالموقف المصري من مشكلة زرع الأطراف المُتحاربة للألغام بصحراءها الغربية يتأسس علي القاعدة رقم (٨٣) من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي التي تنص على : “عند انتهاء الأعمال العدائية الفعلية يجب على طرف النزاع الذي استخدم ألغامًا أرضية إزالتها أو إبطال ضررها على المدنيين أو تسهيل إزالتها” , وأيضًا علي ما تضمنته اتفاقية “اوتاوا” التي أيدت إتباع القانون الدولي فيما يخص أزمة الألغام . إن تحدي الألغم في الصحراء الغربية عامل أساسي في تنفيذ هذا المشروع عملياً فالألغام ستؤثر ليس فقط علي موقع المشروع بل الطرق والبنية التحتية التي تقع في محيطه , ويجب وضعها في حسابات التكاليف .

حظي السد العالي في مصر والذي اُعلن عنه في عام 1955 برعاية تمويلية دولية وكان بحق مشروعاً قومياً علي عكس مشروع منخفض القطارة الذي يعيش في أدراج مقفلة أكثر مما يعيش خارجها , فبعد تخلي الولايات المتحدة وبريطانيا والبنك الدولي بضغط منهما عن تعهد تمويل السد العالي تحول الرئيس المصري عبد الناصرللإتحاد السوفيتي بحثاً عن التمويل فأبرم معه إتفاقية عام 1958 تضمنت التمويل بالروبلات السوفيتية وتسديدها بالعملة المصرية وإمداد مصر بكل المعدات والخبرة اللازمة وأسهم هذا التحول في تصعيد أهمية إثيوبيا لدي الولايات المتحدة التي زادت من معوناتها لها وصدقت علي سياسة جديدة تجاهها خلال أكتوبر 1956وكان من أهم ما نتج عن عزم مصر إقامة السد العالي أن أصدرت الحكومة الإثيوبية  مذكرة Aid – Memoire في 23 سبتمبر 1957 وجهتها بتعليمات من أديس أبابا سفارة إثيوبيا للبعثات الدبلوماسية بالقاهرة ثم كررتها عام 1958 ورد فيها ما نصه : “إن إثيوبيا لديها الحق والإلتزام في إستغلال موارد المياه الواقعة في أراضي الإمبراطورية … لصالح الأجيال الحالية والمستقبلة من مواطنيها … وأن إثيوبيا ” تؤكد وتحتفظ  الآن وفي المستقبل بالحق في إستخدام مياه النيل الأزرق دون الإعتراف بأي محددات علي حريتها في العمل , كما وأن إثيوبيا تُلزمها إحتياجاتها الإقتصادية التحرر من إلتزامات الإتفاقيات القديمة التي تحد من حريتها في العمل فيما يتعلق بمياه النيل “, من جهة أخري فإن السودان بعد إستقلاله عن مصر إنتقد إتفاق مياه النيل لعام 1929 حيث رأي كثير من المُتخصصين السودانيين أن إتفاق مياه النيل لعام 1929(والذي وقّعته بريطانيا نيابةً عن مستعمراتها الأربعة – السودان وكينيا وأوغندا وتنجانيقا – مع مصر) نص على أن انسياب مياه النيل من 19 يناير وحتى 15 يوليو من كل عام (زمن الانخفاض) تكون موقوفةً على استعمالات مصر ولا يحقّ للسودان استعمال مياه النيل في هذه الفترة إلا لإستعمالات الري عن طريق الطلمبات وفي نطاقٍ محدود ويكون من حق السودان استعمال مياه النيل من 16 يوليو وحتى 18 يناير ( زمن الفائض) لري مشروع الجزيرة وللبدء في حجز المياه في بحيرة خزان سنارولكن بكمياتٍ محددة وبزيادة تدريجية ونقصان تدريجي في تواريخ معيّنة , كما أن أكثر النصوص إثارةً للجدل في اتفاق مياه النيل لعام 1929 هي الفقرة الرابعة (ب)  التي تنصّ عليها تلك الفقرة التي تشير بألا تُقام أو تُجرى أي أعمال للري أو توليد الطاقة أو تُتخذ إجراءات على النيل أو فروعه أو على البحيرات التي تغذيه سواءٌ الموجودة في السودان أو في الأقاليم الخاضعة للإدارة البريطانية، والتي قد تضرّ بأي شكلٍ بمصالح مصر، سواءٌ بتقليل كمية المياه التي تصل إليها، أو بتعديل وقت وصولها أو تخفيض منسوب المياه، إلاّ بالاتفاق مع الحكومة المصرية .

كان مشروع السد العالي ومازال معتبراً مشروعاً قومياً يستحق مالحق بمصر من أضرار نتجت عن تأميم قناة السويس بموجب القانون رقم 285 لسنة 1956ليس أقلها العدوان الثلاثي علي مصر في 29 أكتوبر 1956 ونتائجه الكارثية علي الإقتصاد المصري وعلي العسكرية المصرية وكذا إضطرار الخزانة العامة المصرية لدفع سندات التعويض الناتجة عن قرار عبد الناصر المُتسرع وغير المدروس بتأميم قناة السويس وكانت في حوزة شركة قناة السويس لإدارة الملاحة في قناة السويس والأخطر هو دفع مصر التي وإن كانت غير محايدة نظرياً إلا وجود قناة السويس في قلب أراضيها دفعتها دفعاً لتتنكب الطريق لحو الحياد العملي والتطبيقي وهو الأمر الذي إضطرت للخروج بلا حذر كاف عن موجباته عندما قبلت القروض السوفيتية لتمويل السد العالي بعدما سحبت الولايات المتحدة وبريطانيا والبنك الدولي تمويل السد العالي , فلقد أبرمت مصر مع الإتحاد السوفيتي إتفاقية في ديسمبر 1958 يقوم بموجبها الإتحاد السوفيتي بتمويل بناء السد العالي ومد مصر بجميع الأدوات والمعدات الضرورية والخبراء السوفييت مع منح مصر قرض بالروبلات السوفيتية يُسدد بالعملة المصرية , وقد بُدأ في العمل الفعلي لبناء السد في أول يناير 1960 وتم الإنتهاء منه في مايو 1964وأفتتحه الرئيسين السوفيتي / نيكيتا خرشوف والمصري / جمال عبد الناصر  .

لكن مشروع منخفض القطارة لا يتوقع أن يُحدث نفس ما أحدثه مشروع السد العالي الذي كان يمكن تويله بلا تأميم للقناة ولا الدخول في حرب مع تحالف قوي الشر الثلاثية , لكنه علي أي الأصعدة لن يجد تمويلاً خارجياً لأسباب كثيرة منها أنه لا يمكن بطبيعته أن يُعتبر مشروعاً قومياً أو مُدراً بشكل إقتصادي علي الأجلين القصير والمتوسط علي الأقل وخاصة أنه ليس مشروعاً قابلاً لأن يكون وسيلة ناجعة لنجاح مصر في كفاحها ضد سد النهضة اللعين ومن ثم فهو فاقد لاجماع النخبة والقاعدة معاً , وأعتقد أنه مهما تم إستخدام الإعلام بكثافة للترويج لمشروع منخفض القطارة فلن يجدي ذلك نفعاً فلن يتجاوز مشروع منخفض القطارة حد إعتباره ممن يفقهون الأمورعلي حقيقتها مجرد مشروع مقاولات ولس مشروعاً قوميا , فطالما أنه بعيد عن مجري النيل فسيبقي كذلك , فالصراع علي مياه النيل وليس مياه البحر الأبيض المتوسط هو مناط الإهتمام الوحيد لمصر حتي يوم الدين .

ما تقدم يؤكد أن مشروع السد العالي لم تكن الولايات المتحدة لترفض تمويله لمجرد أن أحد حلفاءها الثانويين يستهدف ذلك  ولا لأنها وبريطانيا والبنك الدولي يضعون في إعتبارهم وجهة النظر الإثيوبية في شأن مياه النيل فقد كانت بريطانيا وحتي عام 1953 ترتبط مع مصر من خلال تبادل للمذكرات لإقامة مشروع شلالات أوين بأوغندا , فلم تكن إثيوبيا ليُستجاب لها لمجرد أن لديها دوافع لا مبرر لها من الوجهة الفنية تدفعها لمعارضة مشروع السد العالي , فمشروع السد العالي تحول بفعل الحرب الباردة إلي مرآة عاكسة لها , لكن كل ما أدي إليه هذا المشروع هو أنه حفز الحكومة الإثيوبية لتبرم – كما سبقت الإشارة إليه – إتفاقات مع مؤسسات أمريكية لإجراء مسح متعدد الأغراض لحوض النيل بإثيوبيا يهدف من بين أهداف أخري إلي دراسة إمكانية بناء سدود بإثيوبيا لتنمية الطاقة الكهربائية والتنمية الزراعية وتحقيقاً  للأمن الغذائي , وقد إستطاع الإثيوبيون من خلال تجربة مصر في بناء السد العالي  الوقوف علي الحجم الحقيقي لمصر بين القوي الكبري وعلي القدرات العالية في إدارة الجزء الخاص بها من صراع هذه القوي بالرغم من بعض النواحي الخلافية في التناول السياسي للرئيس المصري , الذي كان يضع قضية الكرامة الوطنية مُضافاً إليها قدرات وخبرات لم تكن بعد في ممارسة التفاوض السياسي , لكنه في النهاية حقق مشروع كانت البلاد في حاجة إليه خاصة في ضوء إفتقاد إثيوبيا القدرة علي عزل دوافعها التنافسية مع مصر التي كانت تنطلق فقط من حيازتها للجزء الأكبر من منابع النيل وهي الدوافع التي طغت لدرجة الإستبعاد لخيار التعاون الفني وهو المبدأ الذي حاولت مصر الإستمساك به في علاقاتها مع دول حوض النيل وفي مقدمتهم إثيوبيا .

مما تقدم نري أن مبدأ الحق التاريخي لمصر – والمُتنازع عليه – الذي تستند عليه سياسة مصر النيلية حتي يومنا هذا صيغ في ظروف كان الوضع السياسي في مصر مُعقداً تماماً , وهذا الحق ترسخ بالإشارة إليه في تقرير اللجنة الثلاثية للنيل التي أُنشأت بموجب تبادل المذكرات مؤرخة في 26 يناير 1925 بين المعتمد البريطاني بالقاهرة ورئيس مجلس الوزراء المصري إتفاقية مياه النيل الموقعة بين بريطانيا ومصر ” بغرض إستعراض وإقتراح الأسس التي بناء عليها تُنفذ أعمال ومنشآت الري مع الوضع في الإعتبار تماماً مصالح مصر وبدون الإضرار بحقوقها الطبيعية والتاريخية ” , وبنص إتفاقية 20 مارس 1929 في مادتها الثامنة أعتبرت بريطانيا ومصر هذا التقرير مرجعاً لهذه الإتفاقية , وهو أيضاً ما أشار إليه وأكده محمد محمود باشا رئيس مجلس الوزراء المصري في كتابه الذي وجهه للمندوب السامي البريطاني بالقاهرة بخصوص “مسائل الري ” بتاريخ 7 مايو 1929 وذلك في البند الثالث من الخطاب المُشار إليه وكذلك في البند الثالث والرابع من رد المندوب السامي البريطاني سالف الإشارة إليه .

5- إن تدمير لسد كاخوفكا في أوكرانيا في 6 يونيو 2023 تسبب في فيضانات واسعة النطاق وهذا السد الواقع على نهر دنيبر في إقليم خيرسون سيطر الجيش الروسي عليه في فبراير 2022 في الأيام الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا وكان السد تحت سيطرته وقت تدميره لكن السلطات الروسية القت باللوم في تدمير السد على القصف الأوكراني بينما اتهمت أوكرانيا وحلفاؤها القوات الروسية بتفجير السد لعرقلة هجوم أوكراني مضاد كان مخططًا له ,ايا كانت الجهة المسؤلة عن تدمير هذا السد  وقبل التدمير كانت مستويات المياه في خزان كاخوفكا ترتفع منذ شهور وكانت في أعلى مستوياتها على الإطلاق عندما جرى تدمير السد وأدى ذلك التدمير إلى إجلاء الآلاف من السكان في اتجاه مجرى النهر ، حيث غمرت الفيضانات عدة قرى في المناطق الخاضعة للسيطرة الأوكرانية والروسية يهدد فقدان المياه في خزان السد إمدادات المياه لشبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا ومحطة زاباروجيا للطاقة النووية التي تسيطر عليها .

ما يمكن أن نستخلصه هو أن تدمير السد في صراع كالذي بين روسيا الإتحادية وأوكرانيا تلقاه المجتمع الدولي وكأنه عمل عسكري متوقع , ففي الصراعات الحادة ستهدف أطراف الصراع تحقيق أعلي قدر ممكن من الضرر علي الطرف المقابل لخفض تهديده  , فلماذا لا تلجأ مصر إلي عمل مماثل فالراي العام الدولي و/ أو الأفريقي لم ولن يعبأ بعطش وجفاف مصر وتهديد بقاءها ووجودها , وبالتالي فأي عمل عسكري مماثل لتدمير لسد كاخوفكا في أوكرانيا سيكون مبرراً في حالة مصر بل إن الحالة المصرية ستلقي بعض التأييد الدولي فسد النهضة تهديد وجودي لمصر التي أضناها مسلسل عقيم من المفاوضات الماراثونية الغير منتجة والتي توقفت عند نقطة الصفر فلما لا تقوم مصر بتدمير سد السد كحالة سد كاخوفكا ؟ المجتمع الدولي لم يخش علي مصر التي تغطي الصحاري 85% من مساحتها البالغة مليون كم مربع من الجفاف والتصحر فلم لا تدافع مصر عن وجودها ؟ إن مصر لديها من المبررات ما يكفيها لتبرير ضربتها العسكرية ضد سد النهضة , ففي الحرب الروسية / الأوكرانية الجارية الآن لم يعبأ طرفي الصراع بتدمير السد فالصراع بينهما مازال جارياً ةلم يتوقف .

6- لم تبادر قوي دولية واحدة بالتدخل أو الوساطة في “أزمة” سد النهضة , إذ أن أي متابع للشئون السياسية الدولية يعلم أن تدخلات القوي الدولية في الأزمات الإقليمية تنشأ بغرض الدفاع إستباقياً أو في الوقت المناسب لحماية وصيانة مصالحها الحالية أو المُرتقبة , ولعلي أؤكد هذا المبدأ من واقع عملي كسفير لمصر لدي النيجر 2009 – 2013 فقد ثارت أزمة دستورية داخلية بالنيجر عام 2009 عندما قرر رئيس النيجر Mamadou Tandja  وضع دستور جديد للنيجر لتغيير عدد مرات تولي منصب الرئاسة ليكون لثلاث مرات خلافاً لدستور النيجر السابق الذي وُضع في أغسطس 1999 وينص علي أن فترات الرئاسة لا تتجاوز مدتان , تدخلت أطراف عديدة ومختلفة في هذه الأزمة الدستورية منها الأمم المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي والتجمع الإقتصادي لدول غرب أفريقيا وغيرهم بل وجماعة سانت أجيديو  St. Egido الكاثوليكية التي تدخلت في الصراع في جنوب السودان بالتوازي مع منظمة IGAd في تسعينات القرن الماضي وتدخلت في الأزمة الدستورية في النيجر عام  وفي غيرهما 2009 , والسبب الرئيسي لهذه التدخلات هي المصالح الإقتصادية ففي حالة النيجر مثلاً تدخلت القوي الدولية (فرنسا والولايات المتحدة تحديداً) بسبب أن النيجرثالث أو رابع أكبر منتج لليورايوم علي مستوي العالم وتغذي فرنسا مفاعلاتها البالغ عددها 48 مفاعل بالكعكة الصفراء   Yallow Cakeمن يورانيوم النيجر , كما أن النيجر بدأت في هذا الوقت من عام 2008 تتنامي أهميته للقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM لمحاربة الإرهاب في الساحل نظراً لقوة شكيمة التيارالإسلامي الجهادي في منطقتي الساحل والصحراء , كما أن هناك مشروعات طاقة عملاقة كان مسرحها هاتين المنطقتين وللنيجر مشاركة ضرورية فيهما وهما مـــشروع توليد الطاقة من آشعة شمس الصحراء الكبري المعروف باسم DESERTEC وهو المشروع الذي  أعلنت عنه مؤسسة DESERTEC في 18 يونيو 2009 وأشارت إلي أن هناك إتجاهاً من ألمانيا وأوروبا لإستخلاص الطاقة الكهربائية من شمس الصحراء الكبري وتُقدر تكلفته 555 مليار دولار , أما المشروع الثاني فهو مــــشروع خط الغاز العابر للصحراء الكبري يُعتبر هذا المشروع أحد مشروعات الطاقة العملاقة بأفريقيا وهو أيضاً من المشروعات التي يعول عليها الإتحاد الأوروبي في إطار إستراتيجيته لأمن الطاقة والمشروع مُصمم بحيث يمد أوروبا بالغاز من خلال ربطه بخط الغاز القائم  وبخطوط أخري هي خط عبر المتوسط TRANS – MEDITERRANEAN وخط المغرب – أوروبا وخط MEDGAZ وخط GALSI وكلها خطوط تعبر المتوسط ويُقدر طول خط الغاز العابر للصحراء والقادم من نيجيريا حتي المتوسط 4,200 كم منهم 1,030 كم داخل أراضي نيجيريا و853 كم داخل أراضي جمهورية النيجر و2,310 كم داخل أراضي الجزائر ويسير الخط  في 50% من طوله في إقليم السافانا الإستوائي شبه الجاف قبل أن يصل إلي جبال الأطلس وأخيراً يصل إلي منطقة حاسي الرمال وهي منطقة إلتقاءلأنابيب البترول و الغاز الطبيعي الواصلة للساحل الجزائري علي المتوسط , وتقدر تكلفة المشروع 10 بليون دولار لإنشاء الخط و3 بليون دولار لتجميع الغاز والبنية الأساسية اللازمة للخط .

ظلت ضغوط وتدخلات القوي الدولية تُمارس علي رئيس النيجر Mamadou Tandja إلي أن تم الإنقلاب العسكري عليه في 18 فبراير 2010 وتخلصت فرنسا أكبر مُستفيد من هذا الإنقلاب علي الرئيس الذي رفض الإنصياع لشروط فرنسا في تسعير بخص ليورانيوم النيجر وأستطاع تغيير أسعار توريده لفرنسا صيانة لثروة بلاده , لكنه أطيح به في النهاية وعادت فرنسا لمسلكها القديم في إستغلال يورانيوم النيجر بفضل العسكريين , وحالة النيجر شبيهة بحالات صراعات وأزمات أفريقية أخري مثل قضية كابيندا في أنجولا والتوجو والكونجو الديموقراطية وبوروندي تتدخل فيها القوي الدولية لدعم إتجاه يصب في مصلحتها الإقتصادية المباشرة أو لا تتدخل تماماً أيضاً حفاظاً علي مصالحها مع أحد طرفي الأزمة أو النزاع كما هو الحال في أزمة سد النهضة الإثيوبي فمصالحهم الأثقل وزناً مع إثيوبيا فمصر أخذوا منها ما يريدون : أمن إسرائيل بموجب معاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل في 26 مارس 1979 وسلسلة التنازلات اللاحقة ولم يتحقق سلام كل ما تحقق هو تحييد مصر وإضعافها إلي أن أتي زمن تسيطر فيه إثيوبيا علي مصر .

إن هذه القوي الدولية (تحديداً الولايات المتحد الأمريكية والصين وروسيا والإتحاد الأوروبي) كما لم ولن يعنيهم مدي الضرر الذي سلحقه سد النهضة بمصر , سوف لا يعنيهم أن تتبني مصر أو لا تتبني مشروع منخفض القطارة , وهذا ليس أمراً نابع من ” نطرية المؤامرة” وأنما نبع من نظرية المصالح , هم ليست لديهم دافعية تجاه مصر فهي بالنسبة لهم ليست هدفاً إقتصادياً يستهدفونه , هي دولة علي وشك الإفلاس أو هكذا يراها معظمهم , ومن ثم فلا يمكن لمصر في هذا الفضاء المعتم أن تنتظر تمويل هذا المشروع من جهة أجنبية مهما كانت دراسات الجدوي إيجابية فالمناخ الإستثماري في مصر تغشاه صعوبات جمة , يضاف إلي ذلك أن مشروع منخفض القطارة كما سبق وأشرت مشروع ترددت إدارات مصرية عديدة في المضي نحو تنفيذه خاصة وأن مردوديته Rentabilité ليست مؤكدة بالإضافة إلي علاقة المشروع نفسه المتذبذبة بمعاملات دراسة جدوي جادة وموضوعية .

7- إن علي مُتخذ القرار السياسي والإقتصادي وكذا المفاوض المصري أن يدركوا أن سد النهضة ليس إحتياجاً أو لم يعد مع إقترابة من الإكتمال إحتياجاً إقتصادياً إثيوبياً فقط بل أصبح بالإضافة إلي ذلك إحتياجاً إقتصادياً إقليميا إذ أنه مورد للطاقة الكهربائية لدول الجوار الإثيوبي وهي فيما عدا جيبوتي دول نيلية , كما أنه إحتياج إقتصادي للإتحاد الأوروبي وللدول الأوروبية إستثماراتها وشبكة أعمالها التي تتضمن تنفيذ مشروعات مفتاحية Mega بالقرن الأفريقي منها الشركة الإيطالية التي تُنفذ سد النهضة والتي أُسند إليها تنفيذه بالأمر المباشر , ومع ذلك وحتي مع إدراك مصر لهذه الحقيقة فمازال هناك ثمة حيز لمنطق ومبرر يبرر لمصر الحل العسكري بإعتباره البديل الوحيد المُتاح بعد إستنفاذ المسلك التفاوضي الدبلوماسي الذي كانت آخر جولاته الإجتماع التساعي بأديس أبابا والذي وقعوا في ختامه علي وثيقة تضمنت 5 بنود تؤسس لخارطة طريق جديدة بعيدة عن المسارات السابقة التي لم تُؤد لنتيجة وتعهدت الدول الثلاث في متنها بالتعاون وفقاً لما تضمنه إعلان مبادئ سد النهضة المُوقع بالخرطوم في مارس 2015 , لكن وثيقة هذا الإجتماع التساعي لم تحسم الجدل والخلاف بين مصر وإثيوبيا فيما يتعلق بإجراء دراسات فنية لتحديد تأثيرات السد السلبيّة على مصر أو الاتّفاق على آلية تخزين السدّ وتشغيله بدون التسبّب في ضرر بالغ لمصر , والمحصلة النهائية بعد كل ذلك أن أزمة سد النهضة الإثيوبي لا تعتبرها إثيوبيا ولا السودان أزمة بأي مقياس , فهي مازالت وستظل “أزمة” مصر وحدها للأسف , وعليها وحدها أيضاً أن تمارس حقها في الدفاع المشروع عن النفس لإحباط ” جريمة ” تقترفها إثيوبيا برضي السودان ضد مصر فهي “جريمة ضد الإنسانية ” , ولكن وبفرض صواب الفرضيات المانعة لإستخدام مصر بديل الحل العسكري في ضوء الإصرار الإثيوبي مع المساندة السودانية في المضي قُدماً في إنجاز سد النهضة وفقاً للتصميم الهندسي الإثيوبي الذي تتحفظ مصر عليه , فإن المناخ السياسي السائد في منطقة القرن الأفريقي أصبح غير موات تماماً لمصر لتأييد إقليمي ودولي لمثل هذا البديل , فها نحن أمام مسرح سياسي إقليمي يتبدل لمصلحة إثيوبيا ففي 9 يوليو 2018 أعلنت كل من إرتريا وإثيوبيا رسمياً إنتهاء حالة الحرب بينهما بعد عقدين من العداء المُتواصل خلال الزيارة التاريخية لرئيس الوزراء الإثيوبي Abiy Ahmed لأسمرا في 8 يوليو 2018 والتي أعلن خلالها أيضاً عن تطبيع العلاقات الثنائية في مجالات عدة , كذلك قام الرئيس الصومالي بدعوة من الرئيس الإرتري بزيارة تاريخية لإرتريا في 28 يوليو 2018 فيما يُعد نقلة نوعية لعلاقة كانت بين خصمين تبادلا الإتهامات بدعم المعارضة لكنها الآن وبعد هذه الزيارة أصبحا شقيقين لتكتمل النسخة الجديدة للقرن الأفريقي نسخة بلا مواجهات مُسلحة وعنوانها التنمية والإستقرار , مما سيُغير من تحالفات الأمس التي كانت فيها مصر تملأ مكان إثيوبيا في علاقات إرتريا الخارجية وكانت الحركة المصرية الحرة في إرتريا مصدر تهديد قض مضاجع إثيوبيا , لكن اليوم وبعد إنتهاء حالة الحرب بين إثيوبيا وجارتها التي ظلت منذ قامت إثيوبيا بإحتلال مناطق أخري وفرضت الإتحاد الفيدرالي علي إرتريا عام 1925 بدعم بريطاني ثم ألحقتها بإثيوبيا رسمياً عام 1936 حتي إستقلال أرتريا عام 1994 , لكن هاهي أرتريا قد عادت للنطاق الإيجابي في نظرية الأمن القومي الإثيوبي بعد أن وصل الأمربالتنسيق المُتبادل بين إرتريا ومصري إلي حد أن راجت أخبار أشارت إليها صحيفة SUDAN TRIBUNE علي موقعها في 17 أبريل 2017بالإحالة علي منظمة عفار البحر الأحمر الديموقراطية RSADO المُعارضة لنظام الحكم القائم بإرتريا تفيد بأن حكومة أسمرا أعطت مصر الضوء الأخضر لبناء والحصول علي قاعدة عسكرية علي الأراضي الأرترية في جزيرة (محلية) Nora أو Norah ثاني أكبر الجزر المسكونة بأرخبيل  Dahlak  وتبلغ مساحتها حوالي 105 كم مربع , وأشارت هذه المصادر إلي أن وفداً عسكرياً وأمنياً مصرياً قام بزيارة لأسمرا مطلع أبريل 2017 للإتفاق علي تمركزعدد يتراوح ما بين 2000 إلي 3000 من عناصر البحرية المصرية بهذه القاعدة البحرية , كما تكررت إتهامات إثيوبيا لمصر وأرتريا بتهديد أمنها حتي أن الرئيس الأرتري في 26 مايو 2017 هون من شأن تقاريرإعلامية تفيد بأن بلاده عمقت علاقاتها بمصر من أجل القيام بعمل تخريبي لسد النهضة الإثيوبي وتكررت إتهامات إثيوبية أخري – نفتها مصر – تفيد بأن ثمة تحالف ثلاثي مُكون من مصر وجنوب السودان وأوغندا بهدف عمل تخريبي ضد سد النهضة ونشرت africanews في 16 أبريل 2017 أن المحكمة العليا بإثيوبيا أصدرت حكمها علي مجموعة من المُتمردين المُنتمين لحركة بني شنقول ” Benishangul Gumuz People’s Liberation Movement ” لقيامهم بعمل من شأنه إعاقة العمل بسد النهضة ,  وفي 22 أبريل 2017 نشر نفس هذا الموقع أن جهات الأمن الإثيوبية ألقت القبض علي 98 من الإرتريين بإعتبارهم عناصر مُناهضة للسلام  , ومع أن  إثيوبيا إستطاعت مد شبكة أمنها القومي في محيط دول الجوار وربطتها بمصالح إقتصادية مُضطردة وقابلة للتحقيق في الأمد القصير , ومن ثم فقد أمتدت الآن شبكة أمن إثيوبيا القومي من الصومال وجيبوتي وإرتريا والسودان ثم دعمتها بتحرك ديبلوماسي شمل كينيا ورواندا وبوروندي وأوغندا , بحيث لم يعد ممكنا – من الوجهتين النظرية والعملية – إمكانية مبادرة مصر بعمل عسكري ما ضد إثيوبيا وسد النهضة تحديداً , لكن تهديد مصر في وجودها سوف يبرر تكرار تدير سد النهضة ولنا في سابقة تدمير سد كاخوفكا أسوة نتأسي بها ومفادها إنه في الصراعات الحادة وفي الدفاع عن وصيانة الأمن القومي ليست هناك خطوط حمراء , فالخطوط الوحيدة هي خطوط حلبة الصراع  المؤدية لتحقيق أعلي معدلات الأمن القومي لمصر .

نـــتـــيـــجــة :

مشروع منخفض القطارة الذي أُعلن أن شركتين مقرهما لندن ستمضيان مع كونسورتيوم يضم شركتين إحداهما بلجيكية والأخري أمريكية في “إستكمال” دراسة جدوي جديدة مشروع مكتبي أكثر منه مشروع قابل للتطبيق لأسباب سبق الإشارة إليها , وهو مشروع مشكوك في توفر مصادر تمويله ناهيك عن تنفيذه ومتابعته بالإضافة إلي أن مردوديته  Rentabilitéكما أشرت ليست محل إجماع ممن يتدبرون أو يفقهون ثم أنه إن كان الدافع من وراءه سياسي فمن المُتوقع أن لايحققه بدرجة معقولة وقد يُحدث أثراً عكسياً تماماً هذا في حال تنفيذه .

اعداد : الـــــــســـــــفـــــيـــــر بــــــــلال الـــــــمـــــصــــــري حصريا – المركز الديمقراطي العربي –  الـــقــــاهـــــرة  تـــحــــريـــراً في 21 يونيو 2023

5/5 - (4 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى