مقالات

العراق .. موعد التخلص من المارق الأمريكي والمناورة ما بين الدب الروسي و التنين الصيني

بقلم :  د.عمار مرعي الحسن – المركز الديمقراطي العربي

 

العراق بلد غني عن التعريف تعرض لموجات من الدمار والتخريب كان أقوها على يد المارق الامريكي الذي هيمن على مقاليد الحكم وزمام السلطة في العراق منذ العام 2003 بل تحكمت  تلك القوة المحتلة بمفاتيح اللعب على رقعة الشطرنج العراقية وفق الطريقة الامريكية، فالقيود الامريكية طوقت حراك السياسة العراقية التي بدأت تسير وفق نهج جديد يبتعد كل البعد عن النهج المتبع قبل العام 2003 ، ونتيجة لذلك سار العراق بمسار المارق الامريكي  الذي بدوره عمل على ابعاد الرجل المريض(العراق) كل البعد عن الدب الروسي والتنين الصيني نهجاً وفكراً وطريقةً. وبالفعل كان للمارد الامريكي ما اراد، اذ لم يجد الدب الروسي ولا التنين الصيني اية طريقة للدخول الى غابات العراق الخضرة المليئة بالأشجار المثمرة والاغنام السمينة التي ترعى من دون راعي.

ليست السيادة العراقية اصبحت في تناقص مستمر، بل إن الثروات الطبيعية والبشرية كادت تنفد بسبب دهاء العقل الامريكي في نهب الثروات واستنزاف القدرات والطاقات، فالعقول العراقية المبدعة هاجرت الى ديار المهجر، والثروات الطبيعية ان لم تسرق اُحرقت، وهكذا الحال حتى دخل العراق في سلسلة ازمات اخذت شكل القنبلة الانفجارية العنقودية ، فكلمات انتهت واحدة انشطر عنها ازمة اخرى، والمستفيد من ذلك المارق الامريكي الذي سار وفق خارطة طريق رسمها خبراء ودهاة السياسة الامريكية.

طوعاً أو كرهاً سار هواة السياسة العراقية على وفق الطريقة الامريكية على أمل ان يتغير الحال ويسترد البلد عافيته ويشفى من مرضه الذي اصاب جميع جسده. لكن لسوء الحظ أن المرض ازدادت شدته نتيجة كثرة العقاقير المنتهية الصلاحية (خطط وبرامج وتشريعات…)التي تجرعها بوصفة من الذين امتهنوا مهنة (القيادة الادارية) على الطريقة التقليدية  ولم يتعلموا الطريقة الامريكية في ادارة البلاد ورسم الخرائط لكي يتوصلوا الى خارطة تناسب المجتمع العراقي وتنسجم مع نهجه وفكره، فلبس العراق البنطالون الامريكي (الجينز) من دون معرفة القياسات والابعاد التي يحتاجها جسم العراق.

وبعد أن تدخلت بكل تفاصيل الحياة في العراق ودمرت بنيانه المرصوص اعلنت وبكل صراحة الولايات المتحدة الامريكية أنها جاءت محررة وتحمل في جعبتها الديمقراطية التي ستخرج العراق من عنق الزجاجة وتجعله مثالاً تحتذي به دول الشرق الاوسط ، وبالفعل اصبح العراق مثالاً يضرب عند كل حديث عن اكاذيب المارق الامريكي، اذ سرعان ما انكشفت تفاصيل المخططات الامريكية التي جاءت بالفوضى الخلاقة تحمل معها معول الهدم والخراب والتدمير الشامل لكل معالم الحياة في بلاد الحضارات.

فتقدم معيار المصالح على كل المعايير الاخرى التي طبلت لها القوة الامريكية، اذ اصبح شغلها الشاغل أن تحافظ على مصالحها في بلد الثروات والموارد والخيرات، وفي نفس الوقت تشعل فتيل الازمات والصراعات في عراق المحبة والسلام، وكأن القدر حتم على هذا البلد أن يعيش شاء أم ابا مرتبطاً بالولايات المتحدة الامريكية التي سخرت كل طاقتها للضر بدل النفع.

بعد أن ترسخت القناعة لدى المواطن البسيط قبل السياسي المحترف، أن الولايات المتحدة الامريكية لا تبحث في العراق الا عن مصالحها  وأنها قوة استعمارية ماكرة تحمل معول الهدم ولا تترك فرصة للبناء. وخير دليل يعزز تلك القناعة، تجارب الامس القريب حينما تخلت الولايات المتحدة الامريكية عن مسؤولياتها في افغانستان وتركت الشعب الافغاني يواجه مصيره على يد حركة طالبان التي كانت تعتبرها تحتل قمة هرم الحركات الارهابية. فبلامس هربت الولايات المتحدة وتخلت عن افغانستان، واليوم أو بعده ستتخلى عن العراق.

نتيجة لهذه القناعة المترسخة في العقل العراقي يتبادر سؤال يوجه الى صناع القرار السياسي أما آن الأوان أن نترك الولايات المتحدة الامريكية كونها هي من بادرت في أكثر من موضع وتخلت عن العراق، ونتوجه نحو القوى الدولية الفاعلة التي تقدم خدماتها ونفعها للعراق وشعبه؟. يجيب عن هذا السؤال واقع الحال الذي يقر بحتمية التخلص من المارق الامريكي باستخدام سلاح الذكاء والدهاء السياسي الممتلئ بقوة المصلحة الوطنية العراقية. فاذا كان قرار التوجه نحو روسيا الاتحادية  فيمكن أن يبرر ذلك وفق مستجدات ومتغيرات البيئة الاقليمية والدولية، لاسيما وان الدب الروسي الان يبحث عن مخرج ومتنفس من التضييق المفروض عليه من قبل القوى الغربية.

وإذا كان خيار التوجه والسفر نحو الصين التي تحتاج الى ثروات وخيرات العراق أكثر من غيرها، فيمكن التبرير لذلك بأن مصالح الصين تقتضي صداقة العراق فموقعه الجغرافي يوفر لها فرص تعجز بقية الدول عن توفيرها، وموارده الطبيعية المنتشرة في مختلف ارجائه لا يتوفر لها مثيل في سوق الصين الشعبية، فضلاً عن قدراته البشرية التي تتمتع بالقوة والصلبة والذكاء العالي. ليس ذلك فحسب بل أن شركات الصين الاستثمارية لا تجد افضل من بيئة العراق لتنفيذ مشاريعها وتعزيز موقعها في سوق المنافسة الاستثمارية. وبالمحصلة النهائية القدرات والامكانيات التي يمتلكها العراق تعد وسيلة قوية وحافزا يجذب ليس الصين فحسب، بل مختلف دول العالم التي تبحث عن فرص التواجد في ارض الخيرات.

المقصد من الحراك الخارجي المتعدد هو تعجيل خروج المارق الامريكي من العراق منكسراً وكسر حصاره المفروض على هذا البلد منذ عام 2003 ، وايجاد منافسين حقيقين بمستوى القوة الامريكية يدخلون السوق العراقية محملين بشتى البضائع التي تعزز من قوة العراق في سوق المنافسة الدولية. وحجم هذا الحراك الكبير يتطلب قدرات بشرية ذات صفات خارقة للعادة تحمل في روحها حب الوطن وتمتلك أرداه عالية تعلو قمم الجبال. ليس ببعيد أن تحرز الاهداف المرسومة وتحقق افضل النتائج، هذه النخبة البشرية المدربة على اقناع الحجر قبل البشر أن العراق فيه خيرات ولديه قدرات ويمتلك الخبرات، فالأولوية تعطى لمن يبادر قبل الاخر ويسبق الجميع بتقديم عروضه غير المشروطة ويحسن النوايا وفق قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) ولا غدر ولا فرار.

ختاماً يمكن القول انه اذا ترسخت القناعة لدى الصغير قبل الكبير في العراق أن المارق الامريكي ليس صديق بل هو عدو سلاحه الوحيد الوسوسة كما يفعل الشيطان بأن يوقع العداوة والبغضاء بين ابناء الأسرة الواحدة. حينها سيقرب موعد المواجهة مع العدو وستصبح هزيمته ليست صعبة ولا مستحيلة فتجربة فيتنام ليست ببعيدة عن واقعنا المعاصر، ويمكن أن تتكرر نفس التجربة بهزيمة قاسية للمارق الامريكي على يد دهاة الفكر وصناع الابداع والاختراع من العراقيين النجباء الذين يمتلكون سلاح الوحدة والبنيان المتين المستند على اساس الولاء للوطن. يدعمهم في هذا المسعى قوة ذات قدرة واقتدار تضاربت مصالحها مع مصالح المارق الامريكي فتطلب حسم صراع المصالح أن يبادر الطرف المضاد للمارق الامريكي بتطوير القنبلة النووية المصنعة عراقياً وتفجيرها في أرض المارق الامريكي حتى يحترق وتتشتت اوصاله ويذهب ادراج الرياح كما ذهبت عاد وثمود. افول المارق الامريكي من ارض العراق سيفتح باب الأمل على مصراعيه وستدخل منه جميع الامم الى ارض الرافدين بحثاً عن مشرب ومأوى ومأكل وملبس، فالأمة التي لا تحسن النوايا لن تجد ما يرضيها فتولي مدبرة.

4/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى