الشرق الأوسطعاجل

المصالح التركية في الصراع ما بين أذربيجان وأرمينيا

بقلم : د. إسلام عيادي – أستاذة العلاقات الدولية – الجامعة العربية الأمريكية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

الصراع على الحدود بين أذربيجان وأرمينيا لم يكن مفاجأة بالنسبة لمن يعرفون تاريخ الصراع بينهما، فقد يظن البعض أنّ الحرب المندلعة في الوقت الحالي بين أذربيجان وأرمينيا هي حربٌ جديدة العهد أو أن عمرها لا يتجاوز بضعة أعوام، لكنهم سيتفاجؤون حتماً عند معرفة أنّ هذه الحرب عمرها يتجاوز 100 عام. وما أصبح عليه الوضع الآن، وما تخلل مرحلة وقف إطلاق النار و”عملية السلام” التي تلتها. ففي عام 1992 احتلت أرمينيا، التي كانت أكثر استعداداً في المرحلة الأولى من الحرب (مدعومة من الكادر المدرب لمنظمة أصالا الإرهابية، إضافة للدعم العسكري والاقتصادي والدبلوماسي الكبير للغاية لها) حوالي 20 بالمئة من الأراضي الأذربيجانية.

واتخذ مجلس الأمن الدولي والمنظمات الدولية الأخرى قرارات تدين الاحتلال وتطالب بإنهائه على الفور دون قيد أو شرط، ومع ذلك، لم تمتثل أرمينيا للقرارات ولا لإتفاق وقف إطلاق النار الموقع في مايو لعام 1994. واعتقدت أرمينيا أنها ستُبقي أذربيجان تحت الضغط مع احتمالية غزو واسع النطاق وشن هجمات جديدة عليها وأنها يمكن أن تمنع محاولات أذربيجان لإنقاذ أراضيها بدعم عسكري من روسيا.

فقد اندلعت الأعمال العدائية بين القوات الأرمينية والأذربيجانية مجدداً جراء الخلاف على منطقة ناغورنو كاراباخ المتنازع عليها في جنوب القوقاز. ويبدو أن القتال قد اندلع إثر محاولة القوات الأذربيجانية استعادة السيطرة على مناطق سبق أن احتلتها القوات الأرمينية في حرب كاراباخ في أعقاب تفكك الاتحاد السوفيتي، التي أسفرت عن نزوح مئات الآلاف من الأذريين عن ديارهم في هذه المناطق في الفترة بين 1992و 1994.

ويعتبر إقليم ناغورنو كاراباخ منطقة انفصالية تعيش فيها غالبية أرمينية ترفض سلطة أذربيجان، ويقع الإقليم داخل الأراضي الأذربيجانية وعاصمته خانكندي وكونه لم يلق أي اعتراف دولي باستقلاله فإنه حالياً يتبع لأذربيجان ويعيش فيه حوالي 150 ألف شخص نحو 95% منهم أرمن، والبقية من الأذريين. ويعد الإقليم فقيراً بموارده كونه يعتمد فقط على الزراعة وتربية المواشي إضافة لتصنيع بعض المنتجات الغذائية.

وأعلن هذا الإقليم في نهاية العام 1991 استقلاله عن أذربيجان من دون أن يحظى باعتراف أي دولة ولا حتى أرمينيا. وخلال الفترة الممتدة من 1988إلى 1994، شهد إقليم ناغورنو كاراباخ حرباً بين أرمينيا وأذربيجان أوقعت نحو 30 ألف قتيل وأدت إلى نزوح مئات آلاف الأشخاص غالبيتهم من الأذريين، ويقع إقليم ناغورنو كاراباخ بين إيران وروسيا وتركيا وهو لا يزال تابعاً بنظر المجتمع الدولي إلى أذربيجان.

المصالح التركية مع أذربيجان

تعود العلاقة بين البلدين إلى العام 1991 عندما كانت تركيا أول بلد يعترف بأذربيجان. قبل ذلك وقفت تركيا الى جانب أذربيجان في صراعها مع أرمينيا في النزاع على ناغورنو كاراباخ وذلك في العام 1986 ثم تلا ذلك سلسلة من التفاهمات والاتفاقيات التي تم توقيعها بين البلدين في العديد من المجالات. وكان أردوغان تعهد بدعم أذربيجان “حتى النهاية”، في حربها مع أرمينيا حول إقليم ناغورنو كاراباخ، وذلك بعد الاشتباكات التي اندلعت بين الجانبين في العام 2017. وقال أردوغان في بيان آنذاك “نصلي من أجل انتصارات أشقائنا الأذريين في هذه المعارك بأقل الخسائر الممكنة”.

أولاً: أذربيجان بالنسبة لتركيا هي البلد الشقيق والصديق حيث ينظر الأذريون إلى تركيا نظرة الوطن الأم والحاضنة والشقيق الأكبر، ويراهم الأتراك أخوتهم بالدم والعرق. وينتمي الأذريون إلى القومية التركية، فأذربيجان دولة ذات غالبية عرقية تركية، وتتجاور مع تركيا في الشمال الشرقي، وعضو مهم في المجلس التركي (الدول الناطقة باللغة التركية) الذي أنشئ في 2009 ويبلغ عدد أعضائه 7 دول. وتعتبر اللغة الأذرية من أقرب اللغات للغة التركية، فالأذرية هي لغة تركية من فرع أغوز، قريبة جدًا من التركية اليوم، لكن متأثرة بالعربية والفارسية والروسية، ويوجد حاليًّا بين 13 و30 مليون متحدث باللغة الأذرية.

ثانياً: تعول تركيا من جانب آخر في علاقتها مع أذربيجان آمالها على قطاع الطاقة والحصول على الغاز الرخيص الذي يثقل استيراده الميزانية التركية. ترتبط تركيا مع أذربيجان بمشروع أنبوب الغاز الطبيعي العابر للأناضول الذي تبلغ كلفته 8.5 مليارات دولار وهو يرتبط بأنبوب جنوب القوقاز الذي يضخ الغاز من حقل شاه دنيز 2 الأذربيجاني في بحر قزوين عبر أذربيجان وجورجيا إلى تركيا.
ويطلق على المشروع ككل تسمية ممر الغاز الجنوبي وتبلغ كلفته الإجمالية 40 مليار دولاراً.
ويرمي ممر الغاز الجنوبي لنقل الغاز لمسافة 3500 كيلومتر من بحر قزوين إلى أوروبا من خلال ثلاثة خطوط أنابيب متصلة، فيما يسعى الغرب إلى تقليل اعتماده على الطاقة الروسية.

ثالثاً: وأما على صعيد إستثمارات رجال الأعمال الأتراك في أذربيجان فقد بلغت أكثر من 10 مليارات دولاراً، فالرئيس الأذربيجاني قال في تصريحات صحافية إن علاقات الصداقة والأخوة بين البلدين ستشهد نمواً متصاعداً خلال الفترة المقبلة، وأردوغان ونظيره الأذري بالإضافة الى نظيرهما الجورجي كانوا قد دشنوا مشروعاً إستراتيجياً للنقل بالسكك الحديد، بطول 826 كيلومتراً يربط الدول الثلاث مؤسسين بذلك طريقاَ لنقل البضائع والمسافرين بين أوروبا وآسيا يتجاوز روسيا. وسيكون الخط الذي يشمل مساراً جديداً بطول 105 كيلومترات قادراً على نقل مليون مسافر وخمسة ملايين طن من البضائع. وترتبط الدول الثلاث بخط أنابيب النفط باكو-تفليس-جيهان الذي تقوده بي.بي وخط الغاز باكو-تفليس-أرضروم. لكن العلاقات التجارية بين تركيا ومنطقة القوقاز محدودة، ويبشر خط السكك الحديدية الجديد باكو-تفليس-قارص بإعطاء دفعة اقتصادية للمنطقة.

3.5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى