تحليلات

وباء كورونا وما مدى تأثيره على السياسة المالية بالمغرب

اعداد : اليوسفي ياسين –  باحث في العلوم الإدارية والمالية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

تحظى السياسة المالية بمكانة مهمة بين السياسات الاقتصادية الكلية، إذ تمثل أداة رئيسية يمكن للحكومة إستعمالها في توجيه مسار النشاط الاقتصادي، ومعالجة ما يتعرض له من هزات وأزمات، وذلك بفضل أدواتها وبما يؤهلها من تحقيق معدلات تشغيل مرغوبة واستقرار نسبي في الأسعار في إطار سعيها لاستحثاث النمو، وإعادة توزيع الدخل بشكل عادل، مما تطلب من الحكومات أن تحدث تغييراً شاملا في رسم سياستها المالية بالشكل الذي يسهم في كبح المشاكل والأزمات التي تواجهها، أو تدارك أثارها ونتائجها. ومن ثم تحقيق الاستقرار الاقتصادي.

عن طريق السياسة المالية يمكن للحكومة التدخل في رسم الحياة الاقتصادية، وذلك من خلال إتخاذ مجموعة من التدابير المهمة وتبني توجهات واضحة، لمواجهة كافة الظروف المتغيرة، بغية تحقيق أثار مرغوبة وتجنب مخاطر واقعة أو توشك على الوقوع.

ولعل من أهم المتغيرات والأزمات الظرفية التي يواجهها العالم هو انتشار وباء “كورونا “في مختلف انحائه، فهذا الوباء شتت السياسات المالية لجميع الدول التي تفشى فيها، وزعزع أكثر السياسات تماسكا وتصلبا، وقلب توجهاتها المالية رأسا على عقب وأخرجها من مسارها الطبيعي، هذا ما جعل كل الدول تتبنى مسلكا واحدا وتوجها لا بديل عنه ألا وهو كيفية الخروج من حالة الركود التي اصابت مختلف الاقتصادات العالمية.

فالمغرب لم يسلم من التداعيات السلبية لفيروس “كورونا”، في ظل التنامي المستمر لتأثيرات انتشار الفيروس على اقتصادات دول العالم، حيث تكبد الاقتصاد المغربي هو الأخر خسائر مهمة من جراء التوقف الشبه الكلي في شتى المجالات الصناعية منها والفلاحية، والتجارية، ومختلف القطاعات الأخرى.

وللخروج من حالة الركود التي أصابت السياسة المالية بالمغربية وذلك لسلبياتها المتعددة والمتمثلة في إنخفاض حجم الإنفاق الكلي الأمر الذي يؤدي إلى نقص حجم الطلب الكلي في مواجهة العرض الكلي، مما يؤدي إلى الإنخفاض في المستوى العام للأسعار وتبدأ بعدها حركة البطالة في الازدياد، مما يولّد ضغوطاً مستمرة لتخفيض الطلب الكلي باستمرار ويتعمق الركود تدريجياً حتى يصل إلى حالة الكساد الاقتصادي، كل هذه الأسباب جعلت الحكومة المغربية بتوجيهات ملكية والبنك المغربي المركزي تسارع، لاتخاذ عدة تدابير وإجراءات احترازية، بهدف احتواء التداعيات السلبية للجائحة ومواجهتها، وذلك من خلال تبني سياسة مالية فورية تهدف بالأساس الى دعم الاقتصاد الوطني عبر تبنيها مجموعة من التدابير الاستباقية التي تتمثل أساسا في:

  • إحداث صندوق خاص بتدبير جائحة كورونا كوفيد-19″

تنفيذا للتعليمات السامية التي تفضل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بإعطائها للحكومة قصد الإحداث الفوري لصندوق خاص بتدبير ومواجهة وباء فيروس كورونا، بادرت الحكومة، بناء على هذه التعليمات الملكية، وعملا بمقتضيات القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، والمادة 29 من قانون المالية للسنة المالية 2020، والمادة 25 من المرسوم 2.15.426 المتعلق بإعداد وتنفيذ قوانين المالية، بإحداث حساب مرصد لأمور خصوصية في 17 مارس 2020، يحمل اسم “الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا “كوفيد-19”.

سيرصد لهذا الصندوق غلاف مالي يقدر بعشرة ملايير درهم، سيخصص بشكل أساسي للتكلفة بالنفقات المتعلقة بتأهيل الاليات والوسائل الصحية، كما أن هذا الصندوق ستكون له المساهمة في دعم الاقتصاد الوطني من خلال دعم القطاعات الأكثر تأثرا.

  • البنك المركزي المغربي يخفض أسعار الفائدة لمواجهة تبعات كورونا

على إثر التطورات الاقتصادية بسبب تفشي الفيروس، توقع البنك المركزي المغربي في 17 مارس 2020، أن تتراجع نسبة النمو عند 2.3 بالمئة في 2020، مقارنة مع 3 بالمئة في 2019.

كما عبر البنك المركزي، إن توقعات نسبة نمو الاقتصاد المحلي، تبقى محاطة بقدر كبير من الشكوك، وقابلة للتخفيض، إذا لم يتم إحتواء تفشي الفيروس في أقرب الآجال، لهذا قرر البنك المركزي المغربي في اجتماع مجلسه الأول خلال هذا العام، تخفيض سعر الفائدة الرئيسي بواقع 25 نقطة أساس، إلى 2 بالمئة بدل 2.25 بالمئة، بسبب تبعات كورونا والأوضاع المناخية.

فيما قال البنك المركزي المغربي، إنه حصل على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، لمواجهة تداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد.

  • إنشاء لجنة اليقظة الاقتصادية لمواجهة انعكاسات وباء فيروس كورونا

أعلنت الحكومة يوم الأربعاء 11 مارس 2020، عن إنشاء “لجنة اليقظة الاقتصادية” لمواجهة إنعكاسات وباء فيروس “كورونا المستجد” على الاقتصاد الوطني، وتحديد الإجراءات المواكبة، ويقوم بتنسيق عمل اللجنة وزير المالية محمد بنشعبون، وممثلون من 7 وزارات وممثل عن البنك المركزي، و4 منظمات مهنية متعلقة بالبنوك والمقاولات والصناعة والتجارة.

تبنت لجنة اليقظة الاقتصادية حزمة من التدابير المهمة التي من شأنها التخفيف على الضغوطات المفروضة على المقاولات والأفراد على حد سواء، ويمكن صياغة هذه التدابير فيما يلي:

  • تدابير لفائدة المأجورين

– سيستفيد جميع المأجورين المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في فبراير 2020، المتوقفون عن العمل من طرف المقاولة في وضعية صعبة، من تعويض شهري ثابت وصافي قدره 2000 درهم، بالإضافة إلى التعويضات العائلية وتلك المتعلقة بالتأمين الإجباري عن المرض.

– سيتمكن الأجراء أيضا من الاستفادة من تأجيل سداد القروض البنكية (قروض الاستهلاك وقروض السكن) إلى غاية 30 يونيو 2020.

  • تدابير لفائدة المقاولات والمقاولات الصغيرة والمتوسطة والصغيرة جدا والمهن الحرة

– تعليق أداء المساهمات الاجتماعية إلى غاية 30 يونيو 2020.

– تأجيل سداد القروض البنكية وتلك المتعلقة بقروض الإيجار حتى 30 يونيو بدون أداء رسوم أو غرامات.

– تفعيل خط إضافي للقروض تمنحها البنوك ويضمنها الصندوق المركزي للضمان.

  • تدابير ضريبية

وتشمل الإجراءات المتعلقة بالضريبة، والتي أقرتها السلطات المغربية، استفادة الشركات التي تقل معاملاتها للسنة المالية لسنة 2019، عن 20 مليون درهم، من تأجيل وضع التصريحات الضريبية (وثائق تبين أداء الضريبة) حتى نهاية يونيو المقبل”.

كما تقرر أيضا، تعليق المراقبة الضريبية، للشركات الصغرى والمتوسطة، حتى 30 يونيو 2020.

  • تعديل قانون المالية بسبب كوفيد-19″

بسبب جائحة كورونا، تم التأثير على جميع التوقعات التي كانت مدرجة في قانون المالية لسنة 2020، وتضررت قطاعات حيوية في تنشيط الاقتصاد المغربي من وضع حالة الطوارئ، هذا ما يجعل الحاجة ملحة الى قانون مالية تعديلي إذ تعتبر القوانين المالية المعدِّلة بمثابة تصحيحٍ وتعديلٍ للسياسة المالية التي توقعتها الدولة في قانون مالية السنة الأصلي بفعل وقوع مستجدات غير منتظرة أثرت بشكل كبير على المالية العمومية داخل السنة المالية. وتهدف القوانين المالية المعدِّلة تجاوز مختلف التداعيات المالية الطارئة وإدخال إجراءات استعجالية مع ما يتطلب ذلك من تعديل التقديرات المتعلقة بالإيرادات أو بالنفقات أو خلق إيرادات جديدة.

هذا جعل وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، تجري صياغة مشروع قانون مالية معدل، سيشمل تحيين الفرضيات التي تم اعتمادها لإعداد مشروع قانون المالية لسنة 2020، كما أعلنت الوزارة أنه تم وضع توقعات جديدة، أخذا بعين الاعتبار تأثير الأزمة على عجز الميزانية وميزان الأداءات والدين.

في الختام يمكن القول أن وباء فيروس كورونا “كوفيد-19″، قد فتك بمختلف القطاعات داخل الدولة وتسبب في صدمة إقتصادية حقيقية، هذا ما ألزم على مدبري الشأن العام إتخاذ مجموعة من التدابير الجريئة والأنية وذلك عبر سياسة مالية ظرفية واستباقية، من أجل التحفيز والنهوض بالاقتصاد الوطني، فوباء كورونا اليوم غير منحى السياسة المالية للدولة وحتم عليها توجهات معينة وأولويات محددة، ويمكن ترتيب هذه الأولويات التي فرضتها الجائحة على السياسة المالية للدولة بالمغرب إلى ثلاثة أولويات والتي تتمثل في القطاعات الأساسية التالية وهي قطاع الصحة، والتعليم والبحث العلمي.

4.1/5 - (9 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى