الأفريقية وحوض النيلالدراسات البحثيةالمتخصصة

الاخطاء السبعة للسياسة المصرية تجاه افريقيا ,وخاصة دول حوض النيل منذ 1995 حتى 2013

اعداد : أ.د محمود أبو العينين  – المركز الديمقراطي العربي

مقدمة:

واجهت السياسة الخارجية المصرية أزمة حقيقية في منطقة حوض النيل منذ نحو عقدين  ونصف من الزمن، أي منذ منتصف  التسعينيات من القرن العشرين ومازالت الازمه مستمرة ، ومنطقة حوض النيل هي منطقة المصالح المصيرية الدائمة للدولة المصرية،  حيث تشتمل على المصالح الاتية :

  • حقوق مصر ومصالحها في مياه النيل:وهي أكبر واهم المصالح المصرية على وجه الإطلاق،وتتمثل أساساً في حصة مصر السنوية الطبيعية والتي تقدر بـ55,5مليار متر مكعب في المتوسط،وهي مقننة باتفاقيات دولية،وخاصة مع السودان.وأهميتها تنبع من اعتماد مصر على تلك الحصة من مياه النيل، اعتماداً كاملاً تقريباً فيما يخص الزراعة ومياه الشرب والأغراض الأخرى، وتمثل 96,5%من المياه المتاحة من كل المصادر (بالإضافة إلى نسبة من المياه الجوفية + 1% من مياه الامطار)،ومن ثم تعتبر مياه النيل هي الأساس في بقاء المصريين كشعب وكدولة منذ فجر التاريخ.
  • الاستقرار السياسي في السودان:ويمثل أحد العوامل الرئيسية للأمن القومي المصري؛وقد تطلعت مصر لأن تظل السودان دولة موحدة، وأن تنتهي الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، غير أن الأوضاع الداخلية والدولية دفعت لانفصال واستقلال الجنوب السوداني في عام 2011م، وهناك ثمة تهديدات أخرى بتفتيت السودان وعدم استقراره، وهو أمر يؤثر حتماً على المصالح المصرية في الجنوب، وعلى أمن مصر ذاتها، وعتى إمكانيات التنسيق بشأن التفاوض مع دول حوض النيل في أعالي النيل.
  • استقرار الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس: وهي مصلحة كبرى للأمن القومي المصري،وتؤثر دول حوض النيل والقرن الإفريقي بشكل واضح على طريق الملاحة خاصة (إريتريا والسودان وكذلك جيبوتي والصومال وكينيا … الخ).

ولا شك أن عدم الاستقرار في منطقة حوض النيل والقرن الإفريقي ينعكس سلباً على طريق الملاحة الدولي عبر قناة السويس، ومن وإلى المحيط الهندي وبحر العرب وباب المندب ، وشرق إفريقيا ، وهي مصالح مصيرية داءمة ووثيقة والتي مازالت مهددة بعدم الاستقرار والقرصنة، وكذلك التدخلات الأجنبية التي انتشرت في السنوات العشرين الأخيرة، وأثرت على الأمن القومي المصري، وكذلك على الأمن القومي العربي والإفريقي على السواء.

بالرغم من الجهود التي بُذلت من جانب الحكومات المصرية على مدى السنوات الماضية في سبيل تحقيق أهدافنا وتأمين مصالحنا وخاصة حقوقنا المائية، إلا أن هذه الجهود قد تعثرت في النهاية، ووضعت البلاد في مفترق طرق تاريخي في منطقة المصالح المصيرية الدائمة للدولة المصرية، وخاصة بين كل من مصر والسودان من جهة، ودول منابع النيل العليا  وخاصة اثيوبيا من جهة أخرى، لا سيما حول صيغة توزيع أو إعادة توزيع مياه النيل بشكل عادل ومنصف تحت مظلة مبادرة حوض النيل.

ومما لا شك فيه أن هذا الإخفاق من الجانب المصري والسوداني لا يعود في حقيقة الأمر إلى جوانب فنية تتعلق بالمياه فقط، لكن الإخفاق يعود إلى عوامل متعددة ومعقدة اختزلت في المياه، وهذه العوامل المتعددة يمكن تحديدها في أخطاء (أو خطايا) سبعة للسياسة المصرية في تعاملها مع دول حوض النيل وملف المياه على وجه التحديد، وتعاملها مع أفريقيا والدول الإفريقية بوجه عام.

الأخطاء (أو الخطايا) السبعة للسياسة المصرية مند 1995

منذ أن واجه المصريون  فى عامي 2009م و2010م انتكاسة في مفاوضات مياه النيل مع الأشقاء الأفارقة في مبادرة  حوض النيل، حينها بدأ الجميع يستيقظ على حقائق الوضع القائم في أهم منطقة إقليمية محيطة بمصر، وهي منطقة حوض النيل، وصدرت ردود أفعال عديدة ومتباينة على مستوى الرأي العام، بعضها عاقل وبعضها يتسم بالتشنج والتعصب، وخرج الأمر منذ ذلك الحين من منطقة التعتيم والإظلام النسبي إلى منطقة العلانية والحرب الإعلامية، وما تمخض عنه  من هلع شعبي على مستقبل مصر والأجيال القادمة.

وثار جدل كبير حول “السياسة المصرية تجاه حوض النيل”، وحول تراجع الدور الإقليمي المصري في القارة عموماً وفي غيرها، ويمكن بلورة سبعة أخطاء رئيسية للسياسة الخارجية المصرية تجاه دول حوض النيل على وجه الخصوص، كشفت مدى عجز السياسة المصرية عن الفهم الصحيح والسليم للمنطقة، والتي هي بالغة الأهمية لمصر والمصريين، فكانت مؤسسات صنع واتخاذ القرار محل قصور شديد سواء كان ذلك في إدراك الأمور أو التنبؤ بمجرياتها مما أوقعنا في الأزمة الكبيرة التي مازلنا نعاني من أثرها .

والأخطاء (أو الخطايا) السبعة  يمكن عرضها فى  الآتي:

[1] تراجع الدائرة الإفريقية لصالح دوائر إقليمية أخرى:

مع بداية التسعينيات تراجعت الدائرة الإفريقية في أولويات السياسة الخارجية المصرية، حيث انشغلت السياسة الخارجية المصرية بدوائر الحركة الإقليمية الجديدة، والتي ظهرت مواكبة للمشروعات الإقليمية التي طرحت نفسها للمستقبل ودار حولها نقاش،خاصة على ضوء المحادثات متعددة الأطراف المتعلقة بإقامة “نظام إقليمي شرق أوسطي للأمن والتعاون”، لا سيما بعد مؤتمر مدريد للسلام (يناير 1992)، حيث تلى ذلك عدة مؤتمرات اقتصادية  :مؤتمر الدار البيضاء للشرق الأوسط وشمال أفريقيا” في 30/10-1/11/1994م، ثم مؤتمرا”عمان والدوحة” التي انتهت على المستوى المتوسطي بإعلان برشلونة (نوفمبر 1995)، والذي تبنته دول الاتحاد الأوروبي والشركاء المتوسطيين الجنوبيين الـ12، بما فيهم مصر، وكانت الولايات وإسرائيل تقود وتدعو للنظام الشرق اوسطى  بينما الاتحاد الأوروبي كان يدعو للنظام المتوسطي، حيث ادى هذا الانفتاح التعددي للدوائر الإقليمية، والنقاش الذي دار حوله  أدى لتراجع  نسبى فى الاهتمام بالدائرة الإفريقية التي احتفظت بالمكانة الثانية في أولويات السياسة المصرية منذ ثورة يوليو 1952م بعد الدائرة العربية.

ورغم بعض التناقض الذي لاح ظاهرياً على الأقل عند بعض الأفارقة، بين الانتماء العروبي لمصر والانتماء الأفريقي، إلا أن لغة الخطاب السياسي لثورة يوليو وقادتها، وممارساتهم أثبتت للأفارقة أن القومية العربية هي قوة لأفريقيا، والانتماء الأفريقي هو دعم للعرب، وأن التمييز أو الفصل بينهم هو بمثابة عمل استعماري,فضلا عن ان الافريقانية او المفهوم القارى  الافريقى الجديد بعد الاستقلال ينطوى على تعددية ثقافية تشمل الانجلوفون والفرانكوفون  والليزوفون والاراب فون , فضلا عن المتحدثين باللغات الافريقية الوطنية او المحلية

ويمكن القول بأن الدائرة الأفريقية منذ منتصف التسعينيات قد انتقلت إلى آخر قائمة الأولويات للسياسة الخارجة المصرية رغم بعض التصريحات الرسمية للمسئولين المصريين في المناسبات الأفريقية المختلفة، وظل هذا الوضع قائماً تقريباً إلى نهاية حكم الرئيس السابق مبارك، والتى ساهمت ثورة 25 يناير 2011م في إنهاء حكمه.

ورغم الاهتمام الذي بدأ  ظاهريا من  العناصر الجديدة , اوما اطلق عليهم مسمى  “الثوار”  ,  رغم اهتمامهم بافريقيا بعد 25 يناير، خاصة على ضوء احتدام الأزمة في حوض النيل، إلا أن النظام الجديد  فى مصر والذى كان حينها  نظاما انتقاليا  لم تتحدد معالمه بعد ،  كان قد ابدى مؤشرات معينة، سواء من خلال البرامج الانتخابية الرئاسية التى اعقبت الثورة، أو  حتى من خلال مشروع الدستور” الاخوانى “الجديد للبلاد 2012 والذى تم تعطيله فيما بعد ، تلك المؤشرات يمكن أن تشير الى  أن الوضع  فى أفريقيا بات من أولويات الجمهورية االقادمة , لكن كان الوقت متاخرا  وكان ثمة فراغ سياسى  وعدم استقرار داخلى واضح ,مما جعل الاهتمام فى هذه الفترة الحرجه   لا قيمة له   .فقد كان البرنامج الرئاسي للدكتور مرسي “مرشح حزب العدالة” ومرشح تيار “الإسلام السياسي” عموماً،  كان يؤكد على فكرة الموازنة بين دوائر الاهتمام على المستوى الخارجي، وهو ما قد يشير إلى الاتجاه نحو عدم وجود ترتيب هرمي للدوائر، على عكس ما فعل نظام ثورة يوليو 1952، كما  ان هذا التمويه قد يشير من ناحية أخرى الى إخفاء النية نحو جعل الدائرة الإسلامية هي الدائرة الأولى في اهتمام رئيس الدولة فى حالة نجاحه وهذا هو الارجح، خاصة وأن ثمة تداخل واضح اوقاسم مشترك “إسلامي” بين الدوائر الرئيسية الثلاث (العربية، الإفريقية، الإسلامية).

ولم يكن لتجارتنا الخارجية مع القارة ومع دول حوض النيل اى ثقل يعكس حجم الازمة وحجم الطموح المصرى لتجاوزها . ففى عام 2012 كانت نسبة تجارتنا مع القارة لاتتجاوز 3% من مجمل تجارتنا الخارجية, اى  2,2مليار دولار ,بينما وصلت الاستثمارات المصرية فى نفس العام الى 2 مليار دولار وهى نسبة لايمكن ان تساعد اى دور اقليمى او تفعله ,وهو الامر الذى استمر حتى ثورة 30 يونيو

 [2] الإخفاق في تشكيل “تجمع إقليمي لدول حوض ا,,لنيل”:

رغم أن المبادرات الإقليمية لم تتوقف في إفريقيا منذ استقلال دولها، ورغم التعاطف الشديد مع “الإقليمية” في التسعينيات، فيما يعرف” بالإقليمية الجديدة، “ومع  وجود 14 تجمع إقليمي في القارة الإفريقية حالياً  ورغم ان احواض الانهار فى افريقيا والتى تبلغ نحو 51 حوضا قد دخل بعضها فى  مرحلة التعاون المؤسسى  ( 12 حالة  بنسبة 23% )، إلا أن دول حوض النيل الإحد عشر (الآن) لم تنضم في تجمع إقليمي  مؤسسى واحد، كما لم يسبق أن تجمعت جميعها في تنظيم أو تجمع اقتصادي معين، اللهم إلا بعض أطر التعاون الفني المحدود وبعض المحاولات غير الناجحة وغير المكتملة لإقامة تعاون إقليمي مؤسسي.

كما أن المحاولة التي كان يفترض فيها النجاح في  قيام إطار مؤسسي إقليمي للإدارة المتكاملة للمياه بين دول حوض النيل “مبادرة حوض النيل NBI”  والتى تاسست عام 1999 قد تعثرت على ضوء الخلافات حول الإطار القانوني والسياسي للمبادرة.

وتجدر الاشارة الى أن هذا لا يعني غياب التعاون المؤسسي والتكاملي “الجزئي” بين بعض دول حوض النيل، بشكل ثنائي أو متعدد الأطراف ,لكنه ليس شاملا ، خاصة:

  • اتفاقية 1959 بين مصر والسودان.
  • مشروع الدراسات الهيدرومترولوجية في هضبة البحيرات الاستوائية 1967.
  • مشروع لجنة التعاون الفني لتنمية حوض النيل” تيكونيل “والذي بدأ عام 1992 بين كل من مصر والسودان وأثيوبيا وأوغندا وتنزانيا والكنغو الديمقراطية ورواندا.
  • تجمع الأندوجو Undugu عام 1983 ويعنى الاخاء باللغة السواحيلية ، وهو مبادرة مصرية تضم كل من (مصر والسودان والكنغو الديمقراطية وأفريقيا الوسطى ثم انضمت رواندا وبورندي لا حقا )، وقد تجمدت اجتماعاته بعد عام 1991 ولم تنضم له إثيوبيا وكينيا وبقية دول حوض النيل .
  • الجماعة الاقتصادية لدول البحيرات العظمى cedgl منذ عام 1976 وتضم كلا من رواندا وبوراندي والكونغو الديمقراطية.
  • منظمة حو ض نهركاجيراKBO ، تأسست عام 1977 بين كل من رواندا وبورندي وتنزانيا وانضمت لها أوغندا عام 1981، وتستهدف تكثيف التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء والمشاركين في النهر الذي يصب في بحيرة فيكتوريا، وكان من المنتظر أن تصبح “مبادرة حوض النيل” التي تأسست عام 1999 صيغة لتأسيس إطار إقليمي سياسي وقانونى مقبول من جميع دول حوض النيل، إلا أن الخلافات التي نشبت منذ عام 2007 تحديداً قد حالت دون ذلك.

ورغم الجهود التي بذلت للوصول لمشروع الأطار  القانوني والمؤسسي وحل نقاط الخلاف بشأنه، إلا أن نص المادة محل الخلاف الرئيسي (مادة رقم 14من مشروع القانون )، فقد ظلت محلاً للخلاف منذ عام 2007. وتجدر الإشارة إلى أن النص الذي قدم في مشروع الاتفاق الإطاري، ودفع رؤساء الدول لحسمه، كانت تنص في البند (أ) “على ضرورة العمل والمشاركة بين جميع الدول على تحقيق الأمن المائي بصورة مستديمة”، وفي البند (ب) “ألا يتسبب تحقيق الأمن المائي في أي ضرر جسيم لأي من دول إقليم حوض النيل”.

غير أن الصيغة التي طرحتها مصر والسودان “كصيغة بديلة” كانت تنص على “ألا يتسبب تحقيق الأمن المائي في التأثير غير الملائم على الأمن المائي والاستخدامات القائمة وحقوق أي دولة من دول حوض النيل” “Not to adversely affect the water security and current uses and rights of any other Nile State”.

وبطبيعة الحال، انتهى الأمر بتوقيع اتفاقية الإطار التعاوني في 14 مايو2010   فى عنتيبى ,  بتوقيع 5 دول  هى اثيوبيا واوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندا  وانضمت لهم دولة سادسة بعد ذلك  بعد قيا الثورة فى مصر وهى بورندى , وبدون كل من مصر والسودان  بطبيعة الحال .وبخصوص المادة محل الخلاف “المادة (14) البند (ب)،”  تم التوافق على صيغه بشانها    ونصها”أن تقوم مفوضية حوض نهر النيل وخلال 6 أشهر من تأسيسها على حل الخلاف بشأن البند (ب) من المادة (14)، وأن البند مثار الخلاف ملحق باتفاقية الإطار لحين البت بشأنه، حيث لم يحظ بتوافق أو إجماع”، وقد طرحت الكونغو الديمقراطية هذا الرأي , أي جعله كملحق بالاتفاقية لحين حسمه بعد تأسيس المفوضية. ومن ثم اخفقت الجهود التى استمرت  اكثر من12 عاما لتاسيس تجمع اقليمى يضم كل دول حوض النيل  فى زمن الاقليمية الجديدة .

[3] تراجع الدور الإقليمي المصري “التاريخي” وعدم تطوير نظرية جديدة للدور المصري في القارة:

فقد ارتكنت السياسة الخارجية المصرية إلى الرصيد التاريخي للدور الإقليمي المصري الفاعل في القارة الإفريقية، وخاصة منذ ثورة يوليو 1952، وظن الجميع أن الأشقاء الأفارقة الذين بذلنا جهداً تاريخياً في مساعدتهم وتحقيق استقلالهم من الاستعمار ومساعدتهم في مناهضة العنصرية (الأبارتهيد) في مناطق الجنوب الإفريقي، سوف لا يقدمون على أي عمل قد يضر بمصر ومصالحها أو حقوقها.

ورغم التميز الذي يلمسه المحلل لمنطقة حوض النيل في سياسة مصر الإفريقية، إلا أن نفس المنطقة قد دخلت في خبرة العمل الإقليمي المصري الخارجى  من الباب الإفريقي، وهو لم يكن “الباب العالى ”  او باب الاولويه بوجه عام، خاصة مند التسعينيات.

لقد ظل التوجه الإقليمي المصري متجها بثبات نحو الجنوب، أي نحو القارة الأفريقية، خاصة فيما بين (1840م-1952م)، أي نحو أكثر من قرن تقريباً، ومنذ ثورة يوليو كانت المنطقة العربية أكثر المناطق جاذبية للدور الإقليمي المصري، خاصة بعد أن اختار السودانيون الاستقلال عن مصر عام 1956م، لكن الدور الأقليمى المصري كان دوراً فاعلاً سواء على المستوى العربي أو المستوى الأفريقي على السواء.

وإذا كان الدور الإقليمي المصري في أفريقيا بدأ يتأثر منذ عدوان 1967، إلا أنه بدأ يتراجع بشكل واضح منذ منتصف التسعينيات، بحكم عدة عوامل، منها أن القضايا المطروحة على الساحة لم تعد على نفس جاذبية وملاءمة قضايا التحرر الوطني والاستقلال ومناهضة العنصرية، وهي القضايا التي سيطرت على العمل الإفريقي منذ الخمسينات ولعبت فيها مصر دوراً قائداً ورائداً، فقضايا أفريقيا الجديدة تتعلق بالتنمية والتكامل الإقليمى والمديونية والمساعدات الخارجية أو قضايا الأمن والاستقرار وحل الصراعات، ومشكلات التحول الديمقراطي وقضايا التطرف الديني، وهي قضايا كانت تحتاج ومازالت إلى تطوير نظرة أو نظرية للدور الإقليمي المصري من خلال العمل الجماعي العربي الأفريقي، والاهتمام بالريادة الثقافية خاصة في مناطق أفريقيا العربية والإسلامية، والتحرك بشكل واضح ومؤثر في مجال حل الصراعات وحفظ السلام، واستئناف دور الدولة “الرئيسي” أو المحرك للتعاون العربي الأفريقي بشكل مؤسسي، وهي مناطق التميز لدى الجانب المصري، حيث تتمتع مصر بميزة نسبية  تنافسيه على الصعيد الإفريقي والعربي.

و كان لابد من بحث بدائل لتفعيل الدور الإقليمي المصري في القارة بصفة عامة، وحوض النيل بصفة خاصة،  حيث لاحظنا  ان الاتجاه المصري يتزايد نحو الانعزال والتركيز على الداخل، في ظل ما عرف “بدبلوماسية التنمية” التي طبقتها مصر في عهد الرئيس الاسبق  مبارك، والذي أكد أكثر م مرة في خطابه السياسي على ذلك، متجاهلاً  ان الأمن القومي المصري “طريق مزدوج”، وليس طريق ذو اتجاه واحد.

وقد أدى بنا ذلك إلى فقدان مكانتنا الأفريقية وقدرتنا على التأثير في الأحداث حولنا، وخاصة في مناطق المصالح الرئيسية، ولم يعد بالإمكان الاستناد على الرصيد التاريخي المصري الإيجابي وقت الأزمة في حوض النيل،  بل ان المنافسين هم    الدين يستخدمون التاريخ للنيل من المصالح المصرية والحقوق المصرية، فرئيس الوزراء الإثيوبي الاسبق “ميليس زيناوي” كانت تصريحاته حول التذكير والتحذير مما أسماه “سياسات القرن التاسع عشر”، في إشارة إلى الدور التاريخي المصري في المنطقة،  متجاهلا ان مصر  احتفظت بعلاقات  تاريخية ودية مع اثيوبيا ( الحبشه القديمة)  , ولم تهاجم  او تعتدى عليها  , , بل ان اثيوبيا فى نفس التاريخ المشار اليه كانت تتوسع على حساب جيرانها من الاقاليم والجماعات المحيطة بها  وهو ما ساهم فى تكوين دولة اثيوبيا الحديثة .  كما إن الرئيس الأوغندي “يوري موسيفني” وهو يخطب في عيد الاستقلال لبلاده في أكتوبر 2010 أشار بتركيز شديد على التجربة الناصرية، وإلى سجل الزعيم الخالد جمال عبد الناصر في موضوع تأميم قناة السويس و بناء السد العالي، وبعد أن اتجه إلى البنك الدولي الذي خذله، ومن ثم لجأ إلى الروس أو السوفيت لبناء السد العالي الذي ينتج طاقة كهربائية ضخمة، وذلك كمرجعية للاتجاه الأوغندي إلى بناء سدود لإنتاج الكهرباء دون إذن من أحد, متجاهلا ان السد العالى يبنى على ارض مصرية ولا يؤثر سلبا ولا ايجابا على اى دوله بعد مصر,بل  هو منقذ لمصر من الفيضانات  العاليه والمنقطعة لسنوات , اى  المغرقة والمهلكة للمصريين طوال التاريخ .

ولابد أن نشير إلى مناسبتين قريبتين مثلتا اختبارا حقيقيا لتراجع الدور الإقليمي المصري في القارة، وضربة للدبلوماسية المصرية وللسياسة الخارجية المصرية:

المناسبة ألأولى، حين لاحت فرصة تمثيل مصر لأفريقيا في مجلس الأمن إبان بحث مسألة توسيع مجلس الأمن الدولي عامي 2004م و2005م، فقد ظهر أن مصر لم تكن مستعدة بشكل فعلي، ولا مؤهلة – آنذاك –  للفوز  بهذا الدور، الذي نافسها عليه كل من جنوب أفريقيا ونيجريا، ودخلت دول أخرى كالسنغال وكينيا وليبيا … إلخ،لحلبة  المنافسة، وكان التحليل الأخير يرى أن مصر يمكن أن يكون وضعها أفضل داخل الجمعية العامة، وليس داخل الاتحاد الإفريقي، الذي صار بوابة التصفية الإفريقية للصعود.

المناسبة الثانية حينما واجهت كل من مصر والسودان أزمة مع دول أعالي النيل فيما بين عامي (2007-2010)، لم يكن بإمكان الجانب المصرى أن يوقف عملية التوقيع على اتفاقية عنتيبي الإطارية لا بالترغيب ولا بالترهيب، كما  أن “دبلوماسية التحالف”، لم تكن واردة أمام السياسة المصرية، بدليل أن دولة مثل بورندي لم تكن قد وقعت على الاتفاقية في عنتيبي، الا انها اتجهت للتوقيع مع الدول الخمس الموقعه بعد أن رأت أن مصر أصبحت خارج المنافسة الإقليمية، خاصة بعد ثورة 25 يناير 2011.

هكذا صار الدور الإقليمي المصري في أفريقيا مسألة تاريخية، بحيث أصبح يمكن الحديث عن أ “العصر الذهبي” للدور المصري في ظل ثورة يوليو أو “الأيام الخوالي” لمصر الإفريقية.

[4] ترك السودان وإهمال شعار “وحدة وادي النيل”:

بحكم العمق والامتداد السوداني داخل الدائرة النيلية ومنطقة القرن الأفريقي، فقد كفل الوجود المصري القوي داخل السودان كفل تاريخيا  منذ تاسيس الدولة المصرية فى عهد محمد على حيث كانت حدودها مع الحبشة واوغندا ، ويمكن أن يكفل  فى حالة العلاقات المصرية السودانية القوية  فى ظل وحدة وادى النيل او التكامل المصرى السودانى الحقيقى بعد استقلال السودان , يمكن ان يكفل نفوذاً  قويا  لدول المصب في مواجهة مجموعة دول أعالي النيل  وبصفة خاصة  تجاه إثيوبيا ، وعلى العكس فالوضع المتردي بين مصر والسودان يحرم مصر هذه الميزة الفائقة ومن ميزات أخرى.

ولعل الوجود القوي   سواء أخذناه بمفهوم “الدولة الموحدة” تاريخياً، أو بمفهوم التكامل والاندماج تحت شعار “وحدة وادي النيل” بعد الاستقلال، وليس مجرد الضغط السياسي والدبلوماسي الذي كفلته اتفاقية 1959، فيما يتعلق بمبدأ التنسيق المشترك بين البلدين تجاه دول حوض النيل الأخرى من باب المصلحة الموحدة، هذا الوجود القومي تدهور في أغلب الفترات بعد استقلال السودان، وخاصة في فترة حكومة عبد الله خليل خلال أزمة 1958م، أو حكومة الجبهة الإسلامية القومية، زمن الانقاذ , خاصة في وجود حسن الترابي 1992/1999م.

وقد تعرضت المصالح المصرية التاريخية للخطر، خاصة في التسعينيات، حيث شهدت مثلاً: ترحيل البعثة التعليمية والاستيلاء على المدارس وفرع جامعة القاهرة بالخرطوم، وتجميد نشاط أجهزة الري المصرية ومنعها من أداء مهامها، التلويح بإغفال اتفاقية 1959 والبدء في ملء خزان الروصيرص وحفر الترع … الخ، وإثارة مشكلة الحدود الإدارية في حلايب وشلاتين المصرية، حتى وصل الامر الى التورط  السودانى في محاولة اغتيال الرئيس  الاسبق مبارك في أديس بابا عام 1995.

ورغم المحاولات المصرية السودانية لتأسيس علاقات تكاملية حققت بعض النجاحات، خاصة ما تحقق في عهد الرئيس السوداني الأسبق نميري  خاصة الفترة (1974-1980) وما تحقق  عامي (2003-2004م)، خاصة اتفاقية الحريات الأربعة في 4/4/2004م فى عهد البشير، غير أن هذا التكامل ارتبط صعوداً وهبوطاً بالصراع الداخلي والحرب الأهلية في جنوب السودان من جهة، والتوترات بين أجنحة النخبة السودانية في الشمال، ومظاهر عدم الاستقرار في دارفور وغيرها من ناحية أخرى، هدا فضلا عن انشغال الإرادة السياسية المصرية في مصر من ناحية ثالثة.

وقد أدت هذه العوامل وغيرها إلى خروج مصر من مفاوضات  التسوية الشاملة في الحرب الأهلية في الجنوب تقريباً,  رغم المبادرة المصريه الليبيه  المشتركة عام 1998، وبداية العد التنازلي لانفصال واستقلال جنوب السودان، ذو الأهمية الفائقة لمصر ولدول المصب  حيث يدخله نحو 26,5 مليار متر مكعب من المياه، ويسقط فيه المطر لمدة 8 أشهر، والدولة رقم (11) في دول حوض النيل ذات التأثير الكبير في عملية التوازن بين دول المصب ودول المنبع في هذه التحالفات الإقليمية  ومحاولات الاستقطاب  المتنوعة.

وأصبح على مصر أن تتفاعل مع دولتين في السودان، ليس بينهما ود، على الاقل فى هذه المرحلة  بل ستظل بؤر عدم الاستقرار قائمة بينهما لفترة قد تطول وقد تقصر، ولعل بناء شراكة استراتيجية بين مصر وكل من الدولتين يتيح لمصر أن تلعب دور “الحكم Arbiter” أو المسهل Facilitator في الخلافات السودانية – السودانية، كما يتيح ضم جنوب السودان إلى “مفهوم دول المصب”، ولمنع الخطورة الناجمة عن تحول جنوب السودان إلى جبهة الدول المناوئة في أعالي النيل. وهكذا فان ضعف التماسك المصرى السودانى بوجه عام هو الذى شجع دول المنابع على التمرد وتعمد اغفال الحقوق المصرية الثابتة فى مياه النيل ومحولة الاعتداء بل والتحكم لاول مرة  فى مياه النهر الدولى المشترك  مما سيؤذى دول المصب جميعها , وليس مصر وحدها .

[5] النظرة “الاستعلائية” والبعد الثقافي في العلاقات:

ثمة أخطاء وقعت فيها السياسة المصرية في مخاطبة شعوب دول حوض النيل، وخاصة الإثيوبيين، سواء كان على مستوى التفاوض او  على مستوى ردود الأفعال أثناء الأزمات، أو حتى على مستوى استجابة المؤسسات العلمية والثقافية والإعلامية، وعلى المستوى الشعبي بوجه عام، الأمر الذي تمخض عنه ردود أفعال على نفس المستوى من الجانب الآخر.

فلم يدرك المسؤولون المصريون في مراكز صنع القرار، سر الحساسية المفرطة لدى الإثيوبيين مثلاً، وكذلك دول حوض النيل، من نبرة  ما سمى التعامل “الاستعلائي” المصري الذي أضاف بعداً جديداً لما يسمونه مثلاً في إثيوبيا “سياسات القرن التاسع عشر”، والتحديدات المصرية التاريخية  لهم او  بمعنى ادق حولهم في (السودان، إريتريا، أوغندا، الصومال … الخ)، كما لم يدرك الجميع في مصر مدى الحساسية الناجمة من أن مجموعة دول حوض النيل، والقرن الإفريقي تنقسم بشكل رئيسي بين أطراف أفريقية عربية (مصر والسودان)، ويمكن إضافة (الصومال وجيبوتي)، وأطراف أفريقية غير عربية (إثيوبيا – إريتريا – أوغندا – كينيا – رواندا – بوروندي – الكونغو الديمقراطية)، ويمكن إضافة جنوب السودان إليها الآن، كما لم يتم تفهم الحقائق الثقافية والعرقية والدينية التعددية المتمايزة والمتنافسة تاريخياً، وقد أحياها الصراع بين العرب وغير العرب في السودان.

صحيح أن المصريين ليسوا عنصريين تجاه لون البشرة، بالمفهوم الاصطلاحى, وصحيح أن المسيحية الأرثوذكسية انتشرت في إثيوبيا (الحبشة القديمة) عن طريق مصر في القرن الرابع الميلادي وتعززت العلاقات بين الكنيستين المصرية والأثيوبية، وصحيح أن “الأحباش” تاريخيا  حظوا بوضع مميز من المنظور الإسلامي على إثر هجرة المسلمين الأوائل للحبشة وإكرامهم، خاصة بعد حديث الرسول (عليه الصلاة والسلام) “اتركوا الأحباش ما تركوكم”، فلم تعتبر الحبشه أرض جهاد، إضافة للروابط الإيجابية بين مسلمي الحبشة وبين مصر عبر أروقة الجامع الأزهر ، ” رواق الجبرتية “رغم كل ذلك تم اختزال علاقتنا بإثيوبيا في المياه، ولم نهتم منذ وقت طويل بتفعيل قنوات التبادل العلمي والثقافي بين البلدين، فمصر لديها  عام 2012   53 جامعة مرشحة للزيادة، وزادت ىفعلا,  وإثيوبيا لديها فى نفس الوقت 31 جامعة، ورغم ذلك لا توجد اتفاقيات تعاون بين الجامعات المصرية والجامعات الإثيوبية منذ زمن طويل، حتى جامعة القاهرة ومعهد البحوث والدراسات الإفريقية  كلية الدراسات الافريقية العليا حاليا , لا تربطه اتفاقيات تعاون، حتى مع جامعة “بحر دار Bahir Dar” في إقليم الأمهرا  بما تحتويه من “مركز بحوث إدارة موارد بحيرة تانا”، كما لم يتم  حتى هذا التاريخ تفعيل “القوة الناعمة المصرية” متمثلاً في دور الأزهر الشريف ودور الكنيسة القبطية، وليست هناك مراكز ثقافية تعيد بناء التفاهم والتفاعل والتواصل الثقافي بين البلدين، مصر وإثيوبيا، وغيرها، ونقل تبعية المراكز الثقافية  من  وزارة التعليم العالي في اطار هيئه  متخصصه تتبع لوزارة  مستقلة مرتبطة بافريقيا ، كما أن الدولة لم تتحرك لتأسيس قناة تليفزيونية فضائية لمخاطبة شعوب دول حوض النيل بلغاتها المحلية والرسمية، مما يسهم في دعم العلاقات الثقافية وتحقيق قدر من الترابط ويخلق مناخاً مناسباً للتعاون المستقبلي، وتجاوز الأزمات التي يخلقها  بعض الإعلاميين غير المتخصصين في الأزمات المختلفة، وهي كثيرة وصادمة.

ومن ثم يتوقع في المرحلة القادمة محاولة إرسال هذا الجانب الحيوي في العلاقات ورفع معدلات التبادل الطلابي، وزيادة المنح الدراسية لدول حوض النيل، خاصة في التخصصات التي تخدم اغراض  التنميه في بلدانهم، وتفعيل دور الأزهر مع التدقيق في اختيار رجال الدين، وزيادة حركة الترجمة من وإلى اللغات الإفريقية والعربية، وإقامة “مهرجانات متبادلة للفنون” بشكل منظم، وتغيير تناول السينما المصرية للشخصية أو السلوك الإفريقي ليكون إيجابياً.

وبوجه عام، ينبغي التخلص نهائياً، سواء على مستوى تصريحات المسئولين الرسميين، أو ردود الأفعال الإعلامية والشعبية، من أي عبارات تنطوي على تلميح أو تصريح باستخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات بين مصر والدول الشقيقة في حوض النيل، أياً كانت طبيعة الأزمة التي تمر بها العلاقات، كما ينبغي التركيز على المشكلات القائمة في دول حوض النيل، وخاصة المشكلات الاقتصادية، المشكلات الناجمة عن الكوارث الطبيعية كالجفاف أو الفيضانات، وإبداء الشعور بالتعاطف مع هذه المشكلات والدعوة للمشاركة الإغاثية فيها من خلال المجتمع المدني المصري والعربي.

وعلى أي الأحوال، سوف يأخذ هذا البعد وقتاً طويلاً نسبياً، ومن ثم لا ينتظر سد الفجوة في الثقة المتبادلة رسمياً وشعبياً بالسرعة المطلوبة، غير أن البدء بخطى مدروسة سيكون مفيداً في كل الأحوال.

 [6] مؤسسات صنع القرار الخارجي تجاه دول حوض النيل (الرئيس والبيروقراطية):

تأثرت إلى حد بعيد علاقات مصر بدول حوض النيل، وعلاقاتها الأفريقية بوجه عام، بعملية صنع القرارات والمؤسسات المرتبطة بهذه العملية.

وبوجه عام، يمكن القول بأن الأطر المؤسسية التقليدية التي هيمنت على صنع سياسة مصر الأفريقية، منذ ثورة يوليو تتمثل في هيمنة الرئيس، وتحكم أجهزة الدولة البيروقراطية المعنية، وذلك في غيبة تامة تقريباً لمؤسسة البرلمان والرقابة السياسية، مع استبعاد لأي تأثير منظم للأحزاب السياسية المعارضة، أو للمتخصصين الأكاديميين وغيرهم، أو لأي جماعة من جماعات المصالح أو جماعات المجتمع المدني المهتمة بما فيها الإعلام، هذا مع الفارق – بطبيعة الحال – بين مرحلة وأخرى.

فمنذ عام 1952م كان الرئيس جمال عبد الناصر هو المخطط أو المشرف العام على صنع وتنفيذ السياسة المصرية تجاه أفريقيا، من خلال مكتب الشئون الأفريقية برئاسة الجمهورية بر ئاسة الأستاذ |/ محمد فايق، والأستاذ حلمي شعراوي وغيرهم، كما كانت  بعض الأجهزة الرئاسية كالمخابرات العامة تدعم الرئيس في وضع السياسات واتخاذ القرارات وأوجه الدعم الأخرى، وبجوار الرئاسة أنشئت بعض الإدارات كإدارة الشئون الأفريقية بوزارة الخارجية عام 1955م، وإدارة البرامج المصرية الموجهة لأفريقيا بالإذاعة، وبدأت تبث برامجها منذ يوليو 1961، هذا فضلاً عن بعض الأجهزة الشعبية غير الحكومية كالرابطة الأفريقية 1956، واللجنة المصرية للتضامن الأفرو أسيوي عام 1957م، وبعض التنظيميات النقابية.

في عهد الرئيس السادات، ظل الأمر تقريباً كما هو عليه، لكن لحسن الحظ عُيّن وزير دولة للشئون الخارجية د. بطرس غالي، والذي كان ذو خبرة في الشئون الأفريقية، واستغل موقعه الجديد لتعزيز وتوجيه السياسة المصرية في أفريقيا بمساندة مباشرة من الرئيس، وظل هذا الوضع قائماً حتى بدايات حكم الرئيس السابق مبارك، لكن بعد أن انتقل بطرس غالي للعمل كأمين عام للأمم المتحدة، ظلت السياسة الخارجية المصرية تخطط من قبل الحزب الوطني، وتقوم وزارة الخارجية المصرية بالدور المحوري في التنفيذ والمتابعة، مع وجود نوع من التنسيق “غير المجدي” مع وزارة التعاون الدولي، والوزرات الأخرى، وخاصة وزارة الموارد المائية والري.

وفيما يتعلق بملف مفاوضات المياه مع دول حوض النيل، ظلت هذه المسألة المصيرية في أيدي وزارة الموارد المائية والري، بالتنسيق مع “اللجنة العليا لمياه النيل”، وهي لجنة تأسست بقرار من مجلس الوزراء  منذ عام 1964م، حيث يتجدد تشكيلها وطريقة اجتماعاتها بين الحين والآخر، وتضم في جلساتها إبان حكومة د. نظيف في مارس 2005م، مثلا  كلٌ من رئيس الوزراء ووزير الدفاع ومدير المخابرات العامة ووزير الكهرباء والطاقة ووزير الموارد المائية والري ووزير التعليم العالي والتعاون الدولي والنقل، بالإضافة إلى عدد من الخبراء حسب الموضوعات التي سيتم مناقشتها، وكانت تعقد جلساتها بشكل نصف سنوي لبحث المستجدات، مع إقامة آلية على مستوى الخبراء برئاسة وزير الموارد المائية والري.

وقد أُعيد تشكيل اللجنة العليا برئاسة الدكتور/ عصام شرف رئيس الوزراء في 30/10/2011م ويلاحظ أن وزير الخارجية لم يكن  عضواً في اجتماعات اللجنة العليا، فى هذا الوقت, مما يعني أن أمر مفاوضات مياه النيل كان يتم اعتباره جانب فني تتولاه وزارة الموارد المائية والري.

ومع ذلك، بقيت الأجهزة البيروقراطية هي المهيمنة على القرار، مع تغليب الطابع الفني في مفاوضاتها مع دول حوض النيل، وحينما وصل الأمر إلى حد الأزمة منذ مؤتمر كينشاسا، عام 2009، ورفع ملف المياه إلى رئاسة الجمهورية حتى نهاية حكم الرئيس الاسبق مبارك، لم يعد بالإمكان تدارك الأمر في هذا الوقت المتأخر.

هكذا، فإن عدم تحديث أجهزة ومؤسسات صنع السياسة المصرية تجاه أفريقيا بوجه عام،  وتجاه دول حوض النيل بوجه خاص، عكس قدراً من الجمود العام لعملية صنع واتخاذ القرارات تجاه أفريقيا ودول حوض النيل في القلب منها، كما عكس احتكار الرئيس والأجهزة البيروقراطية للملفات الرئيسية التي تهم الأمن القومي المصري وأسلوب تنمية والحفاظ على مصالحنا في الخارج، في ظل غيبة كاملة للرقابة البرلمانية، وتوزان كامل بين الأجهزة الرسمية وغير الرسمية، وغيبة العمل المؤسسي الدائم في متابعة سياساتنا الأفريقية عكس  تاخرا فى متابعة الالتحديات خاصة على ضوء كبر سن الرئيس الاسبق مبارك

في ظل الجمهورية ا لجديدة،  كان الوضع  لايبشر أو يفتح قدرا من التفاؤل بشأن تخطيط وتنفيذ ومتابعة سياساتنا الخارجية تجاه دول حوض النيل وتجاه القارة الأفريقية، خاصة في ظل هذا الوضع الانتقالى غير المستقر.

غير أن الأمر كان  يتطلب من هذه الناحية ما يلي:

  • تأسيس مجلس أمن قومي: لتخطيط وإدارة ومتابعة تنفيذ سياسة مصر الخارجية تجاه دول العالم، بما فيها أفريقيا، فقد كان إنشاء هذا الجهاز القومي مسألة حتمية من الناحية الاستراتيجية والعملية، خاصة وأن تداول السلطة سيكون على وتيرة أسرع، ولن تتوافر استمرارية إلا من خلال جهاز مؤسسي قومي دائم، يسهم في ترشيد عملية اتخاذ القرارات، واحتواء التأثيرات الضارة، كما يبعد قضايا السياسة الخارجية عن المضاربات والمنافسات الحزبية السلبية، وبالفعل تبنى الدستور الجديد 2014 هدا الاتجاه فيما بعد
  • على المستوى التنفيذي: لابد من التفكير في تخصيص “وزير دولة للشئون الأفريقية”، وذلك لقيادة العمل التنفيذي وإحكام عملية التنسيق بين الإدارات والمصالح الحكومية المعنية وغير الحكومية، والتفرغ للشأن الأفريقي في إطار السياسة العامة للدولة.

ويتعين على ووزارة الخارجية أن تعيد النظر في هيكلة إداراتها بحيث لا تفصل بين دول الشمال الأفريقية (العربية) والدول الأفريقية جنوب الصحراء وهذا اسلوب غير منطقى  ويعطى دلاله او رسالة خاطئة للمنظور المصرى للقارة.

  • على المستوى البرلماني: كان ينتظر تأسيس لجنة خاصة بأفريقيا في البرلمان  (مجلس النواب)، بحيث تكون معنية بالرقابة والمتابعة، وتعكس الاهتمام البرلماني والشعبي بمصالحنا وتنميتها في القارة الأفريقية، وتشارك الحكومة في رسم سياستنا الأفريقية، إذ لم يهتم البرلمان المصري بتأسيس لجنة خاصة، أو حتى فرعية معنية بالشأن الأفريقي، إلا في الفترة من (2003-2006)، حيث أنشئت “لجنة النيباد” البرلمانية  وكانت  معنية بمبادرة الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا  ثم اختفت.  وقد  طال انتظار هذه اللجنة البرلمانية كثيرا ,رغم المناشدات المتكرره , حتى جات اخيرا فى عهد الرئيس السيسى.

4–كما أن تعزيز الدبلوماسية الشعبية، وربط الاهتمامات  الحزبية بالقارة عن طريق إنشاء وحدات خاصة بالشئون الأفريقية في هياكلها وتعزيز الزيارات المتبادلة على كل المستويات، وتعزيز القوة الناعمة المصرية في القارة، وحسن اختيار قضايا الاهتمام المصري، وذلك لإكساب سياستنا الأفريقية وجهاً إنسانياً وشعبيا ، وليس فقط مجرد التعبيرعن المصالح.

[7] حقائق الأوضاع الجديدة في مصر ومنطقة حوض النيل وأهمية إدراكها :

تواجه السياسة الخارجية المصرية على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي أوضاعاً جديدة، قد تستمر تحدياتها قائمة وممتدة  لفترة طويلة، ومن أهم هذه الحقائق التى ينبغى التحسب لها  وبناء تصورات واساليب واقعية للتعامل مع تداعياتها :

أولاً: الوضع الداخلي في مصر بعد لثورة (25 يناير) وفى ظل الاخوان :

شهدت مصر ثورة شعبية في 25 يناير 2011، أطاحت بالرئيس الاسبق مبارك وأركان إدارته  و قد كانوا اساسا المسئولين عن إهمال أفريقيا والأزمة التي حدثت مع دول حوض النيل.

وبعد فترة انتقالية قادها المجلس الأعلى للقوات المسلحة،  شرعت البلاد بتشكيل نظام سياسي جديد، مع انتخابات رئاسية وبرلمانية،  لكن ظلت مصر في مرحلة عدم استقرار داخلى استمر نحو ثلاث سنوات ، مما يشير إلى استمرار الازمة وعدم وجود سياسه خارجية بدرجة أو أخرى.

صحيح أن مشروع الدستور الجديد  2012قد تم إنجازه بالشكل المعلوم، وتم عرضه على الاستفتاء العام ، لكن  يمكن القول بأن عنصر الاستقرار الداخلي في مصركان مازال  يهتز بشدة، وهو أهم عامل مؤثر في أي سياسة خارجية فاعلة، فإذا اهتز الاستقرار الداخلي عموما فى اى دولة  سوف تستغله الاطراف الاقليميه  والدوليه المتربصة .وفى الحاله المصريه كان من المتوقع بعد استيلاء الاخوان على مقاليد الحكم  ان ينشغلوا  فى قضايا الدخول فى سياسات التمكين لجماعلت الاسلام السياسى  والانخراط فى  ارضاء شركائهم فى الداخل والخارج . وعدم وجود مصداقية  او شعبية داخلية تساندهم  .

وفى هذا السياق ,كان لابد  ان يذهب سدى الأثر الإيجابي الهش ، الذي أحدثته ثورة يناير في العلاقات المصرية الأفريقية عامة، والعلاقات مع دول حوض النيل على وجه الخصوص، كما  كان سيضع على كاهل السياسة المصرية أعباء لا يمكن أن تقوم بها، إذ ستصبح مصر فى ظل حكمهم  عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها  تجاه مشروع سد النهضه الاثيوبى  وغيره وستكون في موقف تفاوضى بائس,وهذا ما حدث

ثانياً: الأوضاع المتغيرة في دول حوض النيل:

شهدت دول حوض النيل تغيرات متوالية، ومتعددة الأبعاد في السنوات الأخيرة، سواء على المستوى السياسي والاقتصادي اوالديمغرافي كذلك.

* فعلى المستوى السياسي:

تعرضت بعض دول الإقليم الإحد عشر   لتغيرات سياسية مما كان يفرض على للسياسة المصرية  ادراك مضامينها ودلالاتها تجاه المنطقة، ومن أهم هذه التغيرات:

استقلال جنوب السودان في يناير 2011 ورسمياً في يوليو 2011. حيث أضيفت دولة جديدة لدول حوض النيل لتصبح الدولة رقم 11،  وهى جميعا دول مشاركه  فى حوض النهر مع اختلاف المساحة ونسبه المنطقه التى تسهم بها فى الحوض_انظر الجدول رقم 1- ويكمن أهمية ذلك بالنسبة لموضوعنا أن جنوب السودان يدخل منها إلى السودان ومنها إلى مصر (21% من تدفقات المياه)، كما أن ثمة مشروعات مائية  منتظرة في قناة جونقلي  وغيرها تقدر بنحو 20 مليار متر مكعب، أي 50% من تدفق النيل الأبيض كانت تضيع في المستنقعات والتبخر.

وخلال المفاوضات التي قادت للاستقلال، تجنبت الحركة الشعبية لتحرير السودان أي إشارة إلى مياه النيل، ورغم التطمينات التي بدأها مسئولوا الدولة الجديدة لمصر، غير أن هذا الأمر يظل مجرد تطمينات، حيث ينبغي إدراك أن جنوب السودان تتعرض لضغوط وإغراءات من الأطراف المتنازعة كي يكون جنوب السودان معهم  فى هذاالموقف المتأزم.

والدولة الجديدة ليس بها أية بنية أساسية، وخاصة الطاقة الكهربائية، وتخطط لإقامة مشروعات للطاقة اعتماداً على مياه النيل، ولدى مصر برنامج لحفر الآبار، ودراسة إقامة بعض السدود لتوليد الطاقة، كما  يمكن ربط جنوب السودان بمشروع الربط الكهربائي لدول حوض النيل.

وتجدر الإشارة إلى أن جمهورية السودان “الشمالي” أصبحت تعاني جراء انفصال الجنوب وإعادة توزيع الثروة، وسوف تواجه أزمات اقتصادية وسياسية. وهو ماحدث بالفعل

جدول رقم (1)
مساحات دول حوض النيل وامساحات داخل الوض

  Area
(Km3)
Area falling within Nile Basin Area within Nile Basin as % of Country Area Area within Basin As % of Nile Basin Area
بوروندي 28.062 12.860 49.4% 0.4%
كونغو 2.401.941 21.796 0.9% 0.7%
مصر 996.960 303.452 30.3% 9.2%
إريتريا 121.722 25.697 21.1% 0.8%
إثيوبيا 1.144.035 365.318 31.9% 11.2%
كينيا 593.116 51.363 8.7% 1.6%
رواندا 24.550 20.625 84.0% 0.6%
جنوب السودان 635.150 620.626 97.7% 73.5%
السودان 1.864.049 1.396.230 74.9% 44.0%
تنزانيا 933.566 118.507 12.7% 3.7%
أوغندا 241.248 240.067 99.5% 7.6%
Source GAUL GAUL GAUL GAUL

المصدر:

Nile Basin Initiative State of the River Nile Basin 2012 (Estate Uganda, Oct. 2010), P. 13

ثانيا :  وعلى المستوى الاثيوبى رحل  ميلس زيناوى عن المشهد السياسى فى ااثيوبيا,   وكان الرجل القوى فى اثيوبيا  , فقد رحل فى  20 اغسطس 2012  بعد اختفاء لمدة شهرين  للعلاج من مرض غامض  فى مستشفيات بوكسل  عن عمر ناهز 57 عاما  وبعد نحو 21 عاما قضاها فى حكم اثيوبيا منذ ثورة 1991 , رحل مايسمى الامبراطور الاخير لاثيوبيا  بعد ان حقق كثيرا من الانجازات  السياسية والاقتصادية  اهمها بنا ء دوله حديثة ونظام سياسى قائم على الفيدرالية البرلمانية الديمقراطية  كما اسهم نظامه فى رفع معدلات النمو الاقتصادى بنسبه وصلت الى 11% فى السنوات الاخيره من حياته , كما كان وراء الغزو الاثيوبى للصومال  عام 2006 بالتنسيق مع الادارة الامريكيه  ثم انسحب عام 2009 , ثم تدخل مرة اخرى عام 2012 بنحو 10 الاف جندى لضرب جماعة شباب المحاهدين وبؤرهم الارهابية مما حعلهم يرحبون بوفاته  ويتوقعون تفكك اثيوبيا , وساهم زيناوى فى زيادة المساعدات الخارجيه لبلاده بمعدل وصل الى12% من اجمالى الناتج المحلى كما ساهم فى التوسط بين السودان الشمالى والجنوبى بخصوص تعريفة االنفط  والنزاع على المنطقة الحدودية فى ابيي                                                                                       ونظرا لانه  كان الرجل القوى والفاعل الرئيسى فى تجميع دول اعالى النيل ضد مصر والسودان حول مياه النيل  وبناء سد النهضة , فقد كان رحيله  مثيرا للتساؤلات خاصة بعدما زار مصر بعد الثورة واطلق تصريحات مطمئنة ووافق على تشكيل  لجنة ثلاثية من كل من مصر واثيوبيا والسودان

وقد  تم تعيين خلفه “هيلا ماريام ديسالين ” والذى شغل منصب وزير الخارجية الاثيوبى منذ عام 2010 ونائبا لرئيس الوزراء  حيث اختاره  زيناوى  بحكم تخصصه فى هندسة المياه  وحصل على شهادات علمية من فنلندا  فى هذا التخصص .

وينتمى  ديسالين , الذى كان قائما بأعمال رئيس الوزراء الجديد إلى جماعة صغيرة نسبيا “وللايتا Walleyta” وهي في جنوب إثيوبيا، وتتداخل مع جماعة “الأورمو” اقليميا ، ولم يكن ديسالين من الرجال الثوريين الذي شاركوا “زيناوي” في الإطاحة بالنظام السابق في 27/5/1991، هكذا، فهو لا ينتمي للجماعات الرئيسية التي تتناوب  لااو تتنافس على الحكم في البلاد منذ تاريخ طويل، وخاصة الأمهراوالتيجراي او حتى الأورومو الذين يتطلعون لذلك بحكم تفوقهم االعددى ، و يشكلون الضلع الثالث من أضلاع المثلث العرقي البارز في البلاد.

ويرى البعض أن ديسالين المسيحي البروتستانتي، والذي  كان ينمتي “للحركة الديمقراطية لشعوب الجنوب الإثيوبي”، وهي حركة ضعيفة تعمل تحت مظلة الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا “EPRDF”، وهي الجبهة أو التحالف الحاكم، قد يكون وجوده  درمزيا، لكن  يرى البعض انه قد يكون مفيداً , حيث لا ينتمي لأي من الجماعتين المتنافستين (الأمهرا،والتيجراي)، الأمر الذي يمكن أن يهدئ الأوضاع الداخلية نسبياً إلى حين انتخاب رئيس وزراء جديد في 2015، لكن الأمر يحتاج إلى توافق الجبهة الديمقراطية الثورية وحزب الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي التي كانت مسيطرة في عهد زيناوي، والنقل السلمي للسلطة سواء له أو لغيره، ومواجهة تطلع بعض الجماعات الداخلية للانفصال شمالاً “أوجادين”، هذه التحديات الداخلية ستجبر إثيوبيا على التركيز على الداخل، والتعامل مع الملفات الإقليمية بقدر من الهدوء، وهو ما قد ينعكس إيجابياً على العلاقات مع مصر والسودان، خاصة وأن مصر تتجه بثبات وقوة للتعاون مع إثيوبيا، وتعزيز حجم الاستثمارات المصرية هناك، والتي تعدت 2,2 مليار دولار، رغم النية المصرية في عدم التوقيع على الاتفاقية الإطارية في شكلها الراهن.

* على المستوى السكائي:

فالنمو السكاني في حوض النيل يندفع للأمام بقوة الأمر الذي سيدفع لإعادة النظر والتفاوض المستمر حول المياه، كي تأخذ في الحسبان الحقائق السكانية القائمة والمستقبلية، فالنمو السكاني في مصر والسودان يسير بمعدل 2% سنوياً، ومعنى هذا أنه خلال أقل من 40 عاماً، سيقفز عدد السكان في مصر من 90 مليون حالياً2011/2012   إلى أكثر من 135 مليون عام 2050، كما سيقفز السودان الشمالي سكانياً من 33,5 مليون إلى نحو 74,1 مليون، وجنوب السودان من 8,4 مليون إلى 25,1 مليون.

أما دول منابع النيل، فينتظر أن تقفز إثيوبيا من 87,5 مليون حالياً  (2012إ) الى 166,5 مليون بمعدل نمو 2,8%، والكونغو الديمقراطي من 69,1 مليون حالياً إلى 194,2 مليون، وتنزانيا من 47,7 مليون إلى 198,3 مليون، وكينيا من 43 مليون إلى 70 مليون … الخ. انظر الجدول رقم (2).

هكذا، فإن الوضع الديمغرافي في إثيوبيا، وهي أهم دولة في منابع النيل وتنافس كلا من مصر والسودان سكانيا ، ومن ثم في مياه النيل رغم وفرة المياه لديها، كما أن اقتراب إثيوبيا المحدود من المياه السطحية يضع قيوداً على الصحة العامة والاجتماعية للسكان (حيث إن من يحصلون على مياه نظيفة في إثيوبيا في حدود 44%، مقارنة بنسبة 99% في مصر، كما أن 17% فقط من السكان في إثيوبيا لديهم اقتراب من الكهرباء، الأمر الذي يدفع الإثيوبيين للتخطيط للاعتماد على مياه النيل في الكهرباء والمياه معاً.

جدول رقم (2)
سكان دول حوض النيل في 2012 بالمليون نسمة

دول حوض النيل عدد السكان بالمليون نسمة 2012 نسبة الزيادة الطبيعية % عدد السكان المتوقعين بالمليون
Mid-2025 Mid-2050
مصر 82,3 2,0 102,0 13,5,6
السودان 33,5 2,4 46,8 74,1
بوروندي 10,6 3,2 15,5 27,1
إريتريا 5,6 2,8 7,3 11,3
أثيوبيا 87,0 2,4 115,0 166,5
كينيا 47,0 2,7 53,2 70,8
رواندا 10,8 2,2 14,3 20,6
تنزانيا 47,1 3,0 70,9 198,3
أوغندا 33,6 3,3 52,3 94,3
الكونغو الديمقراطية 69,1 2,8 101,0 194,2
جنوب السودان 8,4 2,8 14,6 25,1

المصدر: after: World Population date sheet 2012, Population reference Bureau (intermet: PRB’s, 1992-2012

* على المستوى الدولي:  

بعد انهيار القطبية الثنائية وانتهاء الحرب الباردة، بدأت الدول الكبرى تتكالب على موارد أفريقيا وأسواقها بوجه عام، كما بدأت تتزايد مصالح الدول الكبرى في منطقة حوض النيل على حساب العلاقات البينية بين الدول الأفريقية بعضها البعض، فالاتحاد الأوروبي تقفز تجارته مع أفريقيا إلى 229 مليار يورو أو ما يوازي 9% من حجم تجارته االدولية  عام 2010، والصين يرتفع حجم تجارتها من 104 مليار دولار عام 2008 إلى 160 مليار دولار عام 2012، والولايات المتحدة يصل ميزان تجارتها السلعي مع أفريقيا جنوب الصحراء  الى120,8 مليار دولار عام 2011.

ولعل هذا الوضع قد أثر على قدرات مصر التفاوضية مع دول حوض النيل، وقلل من فرص مصر في زيادة حجم تجارتها  بوجه عام، فتجارة مصر مع الدول الأفريقية (غير العربية) في عام 2012بلغت 11,8 مليار جنيه أو ما يعادل اقل من 2مليار دولار (7,7مليار صادرات 4,1مليار واردات)، وهو حجم يمثل اقل من  نصف حجم تجارتنا مع الدول  العربية، ونحو ثمن حجم تجارتنا مع الاتحاد الأوروبي، وليس هناك سوى دولة واحدة في حوض النيل من بين 50 دولة تصدر لها مصر فيما بين عامي 2005 و2010.

و لعل مجموع حجم التبادل التجاري المصري مع إثيوبيا (أهم دولة في أعالي النيل) ظلت في حدود 26 مليون دولار عام 2007، بينما ارتفع مع تفاقم الأزمة إلى نحو 250 مليون عام 2011، وكان ثمة  اتجاه لمضاعفته في السنوات التالية وهذا لا يناسب دولة من أهمية إثيوبيا، لذلك اتجهت الاستثمارات المصرية من القطاع الخاص لتعويض هذا الوضع السيء في السنتين أو الثلاث ال المتاخرة ، انظر جدول رقم (3).

جدول رقم (3)
الصادرات والواردات المصرية مع المجموعات الدولية 2008_2012(مليار جنيه)

المجموعة السنة صادرات واردات حجم التجارة
الاتحاد الأوروبي EU 2008 34.018 61.790 95.808
2009 22.557 82.296 104.853
2010 29.155 92.049 121.204
2011 35.993 102.312 138.305
2012 27.438 11.330 38.768
جامعة الدول العربية 2008 38.123 15.200 53.323
2009 41.416 12.610 54.026
2010 45.308 18.115 63.423
2011 20.886 20.481 41.367
2012 43.538 16.929 60.467
الولايات المتحدة الأمريكية 2008 6.474 25.599 32.073
2009 5.993 29.324 35.317
2010 7.774 34.438 42.212
2011 9.180 41.334 50.514
2012 7.506 27.247 34.753
آسيا بدون الدول العربية 2008 11.102 69.179 80.281
2009 11.861 78.972 90.833
2010 13.878 96.012 109.890
2011 16.201 105.080 121.281
2012 14.683 93.609 108.292
أفريقيا بدون الدول العربية 2008 3.639 5.110 8.749
2009 3.500 3.761 7.261
2010 7.456 4.665 12.121
2011 11.747 5.529 17.276
2012 7.789 4.195 11.984
أخرى 2008 3.639 5.110 8.749
2009 3.500 3.761 7.261
2010 7.456 4.665 12.121
2011 11.747 5.529 17.276
2012 7.789 4.195 11.984

الخاتمة:

كانت هذه هى اوضاع العلاقات المصرية مع دول حوض النيل فى الفترة من 1995 وحتى عام 2013 اى منذ النصف الثانى لعهد الرئيس الاسبق مبارك الى ثورة 25 يناير وحتى نهايه حكم الاخوان وقد ركزنا فيها على الاخطاء او بمعنى ادق الخطايا  الرئيسية للسيلسه المصرية تجاه افريقيا بوجه عام وتجاه دول حوض النيل بوجه خاص فى هذه الفترة الحرجه

ثم تاتى مرحله انتقالية مدتها عام واحد  بدات مع ثورة 30  يونيو  2013 لتبدا صفحة جديدة من علاقات مصر الافريقية وخاصة فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي  صفحة مليئة بالثقة واستعادة الامل وروح التعاو ن  بين مصر ودول القارة ككل مع التركيز على حل ازمة سد النهضه فى اطار تعاونى  مع دول حوض النيل الشرقى .

(*)  أستاذ العلوم السياسية والعميد الاسبق  لكلية الدراسات الأفريقية  العليا – جامعة القاهرة, وقد عرضت هذه الدراسة  ,فى مسود تها الاولى ,فى اجتماع لجنة العلوم السياسية بالمجلس الاعلى للثقافة يوم الثلاثاء  18 ديسمبر 2012

4.4/5 - (5 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى