الدراسات البحثيةالمتخصصة

عالم مابعد كورونــــا .. الحاجة الى قيادة جديدة

The world after Coronavirus ... Needing for New Leadership

اعداد : د. علي عبد الخضر محمد المعموري – جامعة بابل – كلية القانون

  • المركز الديمقراطي العربي

 

الملخص:

في خضم تناقض الدول في مواجهة ظهور فايروس كورونا، تتوجه الأنظار الى الدول العظمى التي تقود العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، في طريقة تعاملها مع هذه الجائحة الفايروسية، حيث كان في السابق ينظر الى عظمة الدول من مفهوم جيوسياسي بحت، ولآن الدولة الأعظم هي الولايات المتحدة كما هو معلوم، فمن باب أولى نرى أنها المفروض تكون الدولة الأعلى شأناً في تعاطيها الإيجابي مع مواجهة هذا الفايروس، إلا أن الصادم في الأمر بات واضحاَ مدى ضعف الكثير من الدول في مواجهة هذا الفايروس ومن ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية، نحن نعلم جلياً أن النظام الرأسمالي تجاوز النظام الإشتراكي بأشواط وجعله ينهار أمامه بإنهيار الإتحاد السوفيتي، إلا أن وبعد ثلاثة عقود من هذا الإنهيار نجده يصطدم بجدار آخر خفي بايلوجي وهو فايروس كورونا، ليوقض تنين النظام الاستراكي الصيني والذي قد يكون سبباً مباشراً لربما بظهور قيادة عالمية جديدة بعد تعددية قطبية مهدت لذلك.

Abstract :

In light of the contradiction of states in the face of the emergence of the Corona virus, attention is directed to the great countries that lead the world, led by the United States of America, in the way they deal with the spreading virus, where previously he viewed the greatness of countries from a purely geopolitical concept, and because the greatest country is the United States of America as It is well known, on the one hand, that we believe that it is assumed that the state is the highest in its positive dealing with confronting this virus, but what is shocking about the weakness of many countries in the face of the virus, including the United States of America, we know clearly that the capitalist system has resorted to The socialist system went a long way and made it collapse before it with the collapse of the Soviet Union, but after three decades of collapse we find that it collides with another wall of Biology, Virus Corona, to destroy the Dragon of the Chinese socialist system, which started to be a direct cause of the emergence of a new global leadership after the multipolarization that has paved for this.

مقدمة:

لربما التحديات السابقة التي كانت تواجه العالم من أهم سماتها نشوب الصراعات والحروب وظهور المنظمات الإرهابية والاجرامية وكل ذلك ساهم بصورة كبيرة في عدم الإستقرار والذي  جعل من الولايات المتحدة مؤهلة لقيادة العالم، إلا أن ظهور تحديات مختلفة عن ذلك كله قد يكون السبب في تغير ملامح تلك القيادة وانتقالها وهذا ما يتعين علينا مراقبته، حيث شكلت تلك التحديات تغيراً مفاجئاً لينذر العالم بظهور تحدي أصعر حجما وأكبر تأثيرا مما يولد الحاجة الملحة والماسة ربما لظهور قيادة جديدة تتصدى لهذا التحدي وتقود العالم الى بر الأمان.

كما هو معلوم لدى الكثيرين ، أن شكل الصراع كان محصوراً بتصدر المشهد الإقتصادي العالمي والذي يتراوح بين قيادة الولايات المتحدة وبين محاولات الصين لتجاوزه، مما يجعل الأخيرة مؤهلة نسبياً للعب دور الريادة وقيادة العالم على الأسس التي تم من خلالها مواجهة تفشي فايروس كورونا، حيث يرى الكثير من الباحثين أن حالة الصراع التي نشهدها اليوم بين الولايات المتحدة والصين فيما يخص الإتهامات المتبادلة وتصدر الموقف الدولي في موضوع انتشار فايروس كورونا ما هو إلا إمتداد لحالة الصراع الإقتصادي والحرب الإقتصادية الدائرة بينهما و التي كان تحيط بهما في وقت سابق .

تمحورت مشكلة البحث حول، حول أزمة كورونا ومانتجت عنها من تداعيات على المستوى الدولي ، الأمر الذي جعل التنافس الدولي يحتدم بين قطبين معنيين في الأزمة ، هما كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين،  وما ترتب عليه خلال فترة إنتشار الفايروس على مجمل النظام الدولي. أما أهمي البحث فتكمن من مدى حالة الصراع على النفوذ العالمي ودور القيادة المحتدم بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين، حيث تمقل هذه الفترة فرصة حقيقة لا تتكرر للصين من أجل أخذ زاما قيادة العالم الجديد. وتكمن أهمية البحث في مدى تأثير إتساع جائحة كورنا المنتشر في الصراع الدائر بين الولايات المتحدة والصين حول أخذ زمام المبادرة في تخليص العالم من القايروس المنتشر والذي سيخلق بعده شكلا آخرا من القيادة العالمية وتغييرً في مفاهيم النظام الدولي.

أولاً: الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين : خلفية الصراع

بدء توتر العلاقات الإقتصادية بين الولايات المتحدة والصين نتيجة تغير عدة عوامل جعلت من ملامح المشهد التجاري العالمي يميل من كفة الغرب بقيادة الولايات المتحدة الى الشرق بقيادة الصين ، حيث نلاحظ أن التحول في تلك القيادة وميولها مر بعدة مراحل[1]:-

  1. التغيرات في مستوى أقطاب التجارة العالمية

كان في السابق دائرة التجارة العالمية تسيطر عليها الولايات المتحدة حتى وقت قريب، حيث ان في عام 1995 كانت تهيمن الولايات المتحدة على قرابة 25% من التجارة العالمية، إلا أن بعد عقد من الزمن هبطت التجارة الأمريكية الى نحو 15% لصالح الصين ، أم الآن فأن أكثر من نصف التجارة العالمية 53.3% تتركز في عشرة دول تتصدرها الصين، ومن ثم تاتي الولايات المتحدة بعدها والمانيا واليابان وهولندا وفرنسا وهونغ كونغ والمملكة المتحدة وكوريا الجنوبية ومن ثم ايطاليا، حيث تشكل الصين لوحدها فقط 13% بواقع 42,49 تريليون دولار بالنسبة للصادرات وبواقع 2,14 تريليون دولار بالنسبة للواردات.

  1. التغيير في الهيكل السلعي للتجارة العالمية

لقد شهد الهيكل الخاص بالسلع في التجارة العالمية تجولاً هائلاً من تجارة السلع التقليدية والتي تشمل على المواد الولية والمنتجات الصناعية الى الخدمات المالية والتجارية، حيث زادت حصة تقنية المعلومات والإتصالات بصورة كبيرة وانتقلت من 16,1% في عام 2008 الى 19,5 في عام 2018، حيث برزت الصين كثالث أكبر مصدر في العالم بهذا الشأن.

  1. التغيير في السياسات التجارية لدول العالم

من أهم هذه السياسات هي الحروب التجارية (تغيير دقيق ومركز لسياسة الحمائية التجارية) ، حيث تقوم بها بعض الدول من أجل تحقيق عدد من الأهداف السياسية والإقتصادية، ومن أهم وسائلها الرسوم الكمركية وحصص الإستيراد ، والهدف الأساسي من ذلك هو تعطيل حركة البضائع التجارية للشركاء بين الدول، كما تهدف الى حماية الشركات والوظائف المحلية، وايضاً تقليل العجز التجاري.

كما فرضت الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق أوباما في عام 2009 تعرفة كمركية على افطارات المستوردة من الصين على خلفية شكوى تققدمت بها نقابات العمال الأمريكية الخاصة بالسيارات وذلك نتيجة لتضررها و خسارتها لأكثر من 7,000 وظيفة نتيجة لذلك[2]، وتبعاً لهذا قامت الولايات المتحدة بفرض رسوماً تجارية  على الصين مداها ثلاثة سنوات بنسبة 35% في السنة الأولى منها و 30% في السنة الثانية كما فرضت 25% في السنة الثالثة عليها[3].

ثانياً: الصين .. صعود قطبي أم إنقلاب على النظام العالمي

يرى الكثيرون من المختصين والباحثين أنه بدأ إنبعاث نظام عالمي جديد حيث إستكمل حيثيات ولادته من الصين والتي بدأت تصعد في صمت دون إحداث إنقلاب على النظام الدولي الموجود، بل السيطرة عليه عن طريق الأدوات الناعمة من خلال زبادة حجم مشاركتها فيه بشكل مستمر عن طريق بناء إقتصاد وأسس قوية لذلك، والحقيقة أن العالم كان يتوقع من الصين تغييراً في العالم، إلا أننا نجدها تقود العالم الى مرحلة جديدة مغاير وبشكل جذري، حيث بدأت الصين بالتمدد الخارجي من أجل حماية مصالحها ، كما ادى إقتصاد الصين وخبراتها العلمية والتقنية مكنها من مضاعفة نفوذها السياسي في جميع أنحاء العالم والذي أنعكس سلباً على نفوذ الولايات المتحدة وانحسارها ولا سيما في المحيط الهادي وأفريقيا[4].

حيث تقوم وجهة النظر الإستراتيجية للصين على عامل الزمن والمراهنة عليه خيث هم لا يتعجلون في مزاحمة الولايات المتحدة الأمريكية في ربادة العالم فيما يخص المشكلات التي تعصف به ، حيث تقوم الولايات المتحدة بتحمل العبء الأكبر بالتصدي لها، وهو الأمر الذي أدى الى إستنزاف قواها في ظل تصديها في مجال التنمية الدولية وايجاد نظام عالمي أكثر إنسجاماً وتعاوناً، حيث أثر وصول الولايات المتحدة الى القمة إيذاناً ببداية إنحسارها وتراجعها، كما يؤكد الكثير من المختصين في هذا الشأن أن سياسة القطب الواحد أدت بها الى أزمات لا تنتهي، ويرون ان العودة لسياسة القطبين فيها افضل ويؤدي الى عدم التفرد بشؤون العالم ، حيث تحاول الصين ومن خلال عدة محاور منها الأمم المتحدة للعب دور مهم وكبير في متناول القضايا الدولية والمسائل العالقة لإنهاء نفوذ القطب الواحد وتقويضه[5].

وفق كل ماذكر، أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تقبل بتغيير جوهر المعادلة لصالح الصين لتكون الدولة العظمى الولى في العالم سواء من الناحية الإقتصادية او العسكرية ، حيث تشهد العلاقة بين واشنطن وبكين موجة من التصعيد الإستراتيجي والسياسي بشكل غير مسبوق، و لاسيما من الجانب الأمريكي، لكن الأمر لن يصل بالضرورة الى الحرب المباشرة والمواجهة ، فالولايات المتحدة تحتاج الصين بقدر حاجة الصين اليها، وتكاليف اي صراع سيؤدي الى فوضى باهضة الثمن على الطرفين على حد سواء، فعلى الرغم من وجود صراعات وتوترات جوهرية الا انه في المقابل يوجه ذلك مصالح مشتركة، لذلك نجد أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في بعض الحيان بطريقة سلسة مع الصين ، إلا أنه في ذات الوقت تحاول الولايات المتحدة إتباع سياسة تصعيدية عن طريق تطويق الصين من عدة جهات وستويات للحد من حصر قوة إقتصادها المتنامي، وذلك من خلال تعزيز حضورها الإستراتيجي والسياسي في إطار الجوار الصيني[6].

إن الوزن الإقتصادي المتزايد للصين في العالم أصبح ممكن ملاحظته بشكل جلي وواضح كما يمكن مراقبة نموها بنفس الطريقة، لكن معدلات النمو للصين وتأثيرها على التوازن العالمي وايضاً على ميزان القوى العالمي في المستقبل القريب ةهذا هو في واقع الأمر مايخيف الولايات المتحدة الأمريكية[7].

ثالثاً: كورونا .. أزمة صحية أم أزمة نفوذ

في ظل إنتشار فايروس كورونا إتسعت دائرة الإتهام علة صعيد العلاقات الدولية ، واصبحت السمة الواضحة التي تتسم بها السياسة الخارجية للدول ، ولا سيما بين الولايات المتحدة والصين، حيث يدعي كل طرف بأن الآخر هو المسبب لإنتشار الفايروس، وهذا جاء كله نتيجة ردود الفعل الدولية ، والرأي العام الأمريكي بسبب عدم التعاطي بواقعية أكثر مع إنتشار الفايروس ، لأن الأرقام التي نتحدث عنها في الولايات المتحدة أصبحت مخيفة وتصاعدي بشكل مفاجيء، نحن لسنا هنا بصدد إجراء إحصائيات في الأرقام، إلا أن إتساع الإنتشار في الولايات المتحدة وانحساره بشكل سريع في الصين، جعل الكثير من الأسئلة تدور حول جدوى الإجراءات الأمريكية التي يتم إتباعها في مكافحة الفايروس المنتشر، حيث بلغت الإصابات والوفيات في الولايات المتحدة أرقاماً قياسية جعلتها تتصدر المشهد العالمي في كل من عدد الإصابات والوفيات، وهذا ما يدفعنا الى الإعتقاد الى أن الأزمة الصحية الدولية الناتجة عن إنتشار الفايروس ، يتم التعامل معه من قبل واشنطن وبكين على أساس صراع نفوذ وليس على أساس وجود أزمة صحية عالمية يوجب التعامل معها على أساس التعاون والمشاركة في سبيل تجاوز تلك الأزمة.

من جانب الولايات المتحدة ، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومع إقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر 2020، يعتقد أن ذلك سيجعل من الديمقراطيين البدء بإستغلال تفشي فايروس كورونا وتحميل إدارته المسؤولية، لذلك فإنه يحاول من خلال تحميل المسؤولية للصين قطع الطريق أمام الديمقراطيين وإعادة إنتخابه مرة أخرى، كما تسعى الإدارة الأمريكية من خلال توجيه الإتهام للسلطات الصينية بنشر الفايروس من خلال وصمه بالفايروس الصيني، من اجل تشكيل رأي عام سلبي ضد بكين وهذا في الواقع يعزز رصيد واشنطن في المنافسة الإستراتيجية القائمة بين الطرفين، لاسيما وأن الحرب التجارية لا تزال قائمة ، كما أن كل المعطيات تشير الى أن التهديد الاقتصادي للصين لا يزال قيد التهديد للامن القومي الأمريكي، وهذه فرصة بحد ذاتها لا ينبغي تفويتها من الجانب الأمريكي لكبح جماح ثاني أكبر إقتصا في العالم[8].

من جانب آخر، فإن النجاحات الصينية التي حققتها الصين في مكافحة الفايروس المنتشر بات حديث العالم، وهو ما قد يفسر تهافت بلدان العالم وحكوماتها من أجل جلب خبراء صينين لتطبيق ما تم العمل به في الصين، والإستعانة بتجريتهم، في الوقت الذي عزلت واشنطن نفسها عملاً بمبدأ ” أمريكا أولاً”، خرجت الصين الى العالم من أجل مد يد العون والمساعدة للقضاء على الفايروس، حيث أكد وزير الخارجية الصيني “لو جاو خوي” أن الصين قدمت مساعدات طارئة لمكافحة الفايروس المنتشر لـ 83 دولة ومنظمة دولية، كما أكد الرئيس الصيني “تشي جين بينغ” بمكالمة هاتفية مع نظيره الأمريكي “دونالد ترامب” على إستعداد بلاده تقديم المساعدات للولايات المتحدة م}كداً على أن التعاون بين البلدين هو الخيار الأنجع[9].

ومن هذا كله، نجد أن العنت الأمريكي جاء من نظرتها للأزمة على أنها صراع نفوذ عالمي تبغي الصين منه لعب دور المنقذ فيه واخذ دور المبادرة في قيادة العالم على حساب واقع النفوذ الأمريكي، وهذا ما قد يراه الكثيرون الى أن الأزمة الصحية العالمية قد بينت وأوضحت مدى إخفاق الولايات المتحدة مع الأزمة وعدم تحمل مسؤولياتها الملقاة على عاتقها كونها متصدرة لقيادة العالم وهي صاحب صمام القيادة للمجتمع الدولي، مما يؤكد نظرية تبادل الدوار بين الولايات المتحدة والصين وانتقال دور القايدة لربما من الغرب الى الشرق، وما يمكن أن نسميه بإنقلاب المعادلة الدولية بين الإتجاهين.

رابعاً: حرب بايلوجية أم خطأ تقني

بعد بدء الفايروس إنتشاره مباشرة، تداولت وسائل التواصل الإجتماعي والإعلام عدة صفحات من رواية “عيون الظلام The Eyes of Darkness” والتي ألفها الكاتب الأمريكي المشهور “دين كونتز”عام 1981 والتي تتحدث عن ظهور تعديل الجيش الصيني اقتيروس صيني خطير في مدينة ووهان في الصين سنة 2020 اي قبل 39 سنة قبل ظهور الفايروس بشكل حقيقيوإنتشاره في العالم، إلا ان أولى الإتهامات بذلك صدرت عن الجانب الأمريكي ، وذلك عندما أتهم السيناتور الأجمهوري من على قناة فوكس نيوز في فبراير الماضي، بأن الجيش الصيني هو وراء الفايروس كسلاح حرب بايلوجي، في مفس الوقت، بدأت توجيه إتهامات الى الولاايات المتحدة من خلال منصات التواص الإجتماعي، حيث حذرت وكالات المخابرات الأمريكية من خطورة هذه الإتهامات، واضطر تويتر الى حذف الاف الحسابات ومنها حساب شهير أسمه “Zero Hedge” والذي يتمتع بملايين من المتابعين ، حيث انه حساب امريكي يؤكد فرضية المؤامرة في إنتشار الفايروس، والذي اشتهر بأنه وراء فضح بنك غولدمان ساكس بالتلاعب بالكثير من تقنيات الرياضية دقيقة عبر روبوتات بمنتوجات الشركات في البورصة “والت ستريت” عام 2009، حيث أتهم “فيليب ريكر” مساعد وزير الخارجية لشؤون الآسيوية والأوروبية في فبراير الماضي روسيا بالترويج لنظرية المؤامرة للإساء الى صورة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم[10].

وقد أوردت الكثير من الصحف الصينية والروسية تتهم مباشرة الولايات المتحدة بالوقوف وراء نشر الفايروس، وهناك رواية رائجة كثيراً ، هي استغلال الألعاب العسكرية العالمية في ووهان خلال إكتوبر من السنة الماضية ، حيث قام ضابط ضمن الجيش الأمريكي بنشر الفايروس بطريقة صامتة لأن أولى الحالت التي تم تسجيلها يوم 17 نوفمبر من العام الماضي، بعد اسبوعين من إنتهاء الألعاب، وهي مدة حضانة الفايروس في الجسم وبدء ظهور أعراضه، كما يبقى الإتهام الخطير هو الذي صدر بصورة غير مباشرة من الحكومة الصينية ، لا انها ترغب في توظيف العلم في تفسير مؤامرة فايروس كورونا في محاولة لأقناع الرأي العام الدولي ، حيث أن الحومات لا تشرف بصورة رسمية على تنفيذ تلك المؤامرات والأجندات السرية، بل يمكن أن تكون من حخلال تيارات داخل ما يسمى بمفهوم الدولة العميقة بكل شبكاتها الاستخبارية والعسكرية والاقتصادية والتي في اغلب الظن تكون مسؤولة عن تنفيذ تلك المخططات السرية[11].

وعلى العكس تماماً، فان الولايات المتحدة إتهمت الصين بتعمدها بنشر الفايروس. حيث قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن “حكومته تحاول تحديد فيما ائا كان الفايروس قد خرج من معمل في مدينة ووهان الصينية” ، وفي ذات السياق ، تواصل وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو في 14 أبريل مع دبلوماسي صيني لتأكيد مطالبة الإدارة الأمريكية باإلتزام الصين الشفافية، وإرسال سلسلة كاملة من المعلومات حول أصول فايروس كورونا المستجد وكيفية إنتشاره، وسط شكوى أمريكية متزايدة بشأن رد فعل الخكومة الصينية حول تفشيه من ووهان، وذلك بعد يوم واحد فقط من قرار تامب تجميد مدفوعات الولايات المتحدة لمنظمة الصحة العالمية، ‘نتظاراً لمراجعة كيفية تعاملها معه، وما إذا خضعت لضغوط صينية للتقليل من الخطر، وكان رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة قد ذكر أن المخابرات الأمريكية تشي الى ان الفايروس نشأ على الأرجح بشكل طبيعي ولم يٌخلق في معمل في الصين[12].

خامساً: أمريكا و إنقلاب المعادلة لصالح الصين

إن الأزمة العالمية الآنية قد كشفت أن جوهر الذي تتسم به العلاقات الدولية والتوازن الحاصل في مستوى النظام الدولي، فقد مر العالم بالكثير من الأزمات (سياسية إقتصادية، حروب) إلا أنه لم تبن بشكل واضح ملامح تغير سريع في إنتقال موازين القوى على المستوى الدولي مثل مانشهده في الوقت الحاضر، ففي السابق نرى أن صعود الولايات المتحدة الأمريكية كقطب عالمي واحد متفرد في قيادة العالم كان على حساب إنهيار الإتحاد السوفيتي، إلا أن مفردات الواقع الدولي القائم اليوم  المتمثل بفايروس كورونا فند الكثير من النظريات السياسية والجيوبوليتيكية القائمة على أساس فرض القوة والقيادة والتحكم بالعالم بإستخدام الأساليب التقليدية المعتادة، ففايروس كورونا  اليوم ممكن ان يقوم بتحديد مسار جديد لمستوى النظام الدولي.

وزعم تقرير حصري من مصادر إستخبارية لقناة فوكس نيوز الأمريكية في 15 من الشهر الجاري ، أن الفايروس نشأ في معمل ووهان، ليس كسلاح بيولوجي بل جزء من سعي الصين لإظهار جهودها الحثيثة لرصد الفايروسات ومكافحتها تكافيء أو تتخطى قدرات الولايات المتحدة الأمريكية ، وحسب التقرير المعلن حديثاً، أن الإنتقال الأولي للفايروس كان من خفاش الى انسان ، وان ” المريض صفر” كان يعمل في معمل للفايروسات ومن ثم إنتقال الى عموم السكان في ووهان الصينية، كما أشار هذا التقرير وتقارير أخرى في هذا الشأن الى ” ان ضعف معايير السلامة في المعمل الذي تمت فيه التجارب المتعلقة بالفايروسات في ووهان تسبب في إصابة شخص ما بالعدوى وظهورها في سوق بدأ الفايروس بالإنتشار”، إلا أن الصين فندت الإتهامات الأمريكية إتجاهها، حيث صرح “تشاو لي جان” المتحدث بأسم الخارجية الصينية، بأن منظمة الصحة العالمية قد أعلنت أنها لم تجد اي دليل على ان الفايروس المنتشر أنتج في أحد معامل ووهان الصينية، وكان معهد ووهان لعلم الفايروسات والذي يتلقى دعماً من الحكومة الصينية قد نفى في فبراير الماضي شائعات ترردت على ان الفايروس المنتشر ربما خلق في أحد معامله أو قد تسرب من أحد المعامل التابعة للصين[13].

وذكرت مجلة “Foreign Affairs” الأمريكية أن فايروس كورنا يمكن أن يؤدي الى إعادة تشكيل النظام العالمي، حيث تقوم الصين بالتناور من أجل قيادة العالم في اللحظة التي يتدداعى فيه دور الولايات المتحدة بشكل حاد، وفي تقرير لها، ذكرت ان التداعيات الجيوسياسية لإنتشار الفايروس على المدى الطويل ستكون مترابطة، خاصة فيما يتعلق بالوضع العالمي وموقف الولايات المتحدة ، ذلك ان الأنظمة العالمية تتغير بصورة تدريجية في البدء ومن ثم وبشكل مفاجيء يتغير الأمر كله، وأشارت الى أن القيادة العالمية للولايات المتحدة على مدار العقود السبع المنصرمة لم تقتصر في الواقع على الثروة والنفط وحسب، بل على الشرعية التي تكتسبها من الحكم الداخلي في الولايات المتحدة والقدرة والإمكانية والإستعداد على قيادة وتنسيق إستجابة المجتمع الدولي للأزمات ، وبينما تتداعى واشنطن في هذا الأزمة تقوم بكين بالتحرك بصورة سريعة للاستفادة من الإنفتاح الذي خلفته مجمل الأخطاء الأمريكية وملأت الفراغ من أجل تنصيب نفسها قائداً عالمياً في التعامل مع الفايروس المنتشر ، فقد قدمت مساعدات طبية وصحية لدول ومنظمات كثيرة، وبهذا يمكن ان ينظر الى بكين على انها تاخذ موقع الريادة وينظر الى واشنطن الى انها ليست لها القدرة او حتى الرغبة في القيام بهذا الأمر، ومن هذا التصور يمكن ان يغير ذلك بشكل اشاشي كل مواقف الولايات المتحدة في السياسة العالمية وحل الصين بدلها، كما ان ميزة بكين في تقديم المساعدات المادية للعديد من الدول جاءت من خلال واقعة معروفة بأن الكثير مما يعتمد عليه العالم في ماغحة الفايروس يتم صناعته في الصين، حيث كونها المنتج الاساسي للادوات الصحية ، في المقابل تفتقر الولايات المتحدة الامريكية على القدرة على تلبية الكثير من المتطلبات الصحية في داخلها ، فكيف بتقديم المساعدات في مناطق الأزمات[14].

الخاتمة والإستنتاجات:

بدا واضحاً من خلال كل ماسبق أن حالة النظام الدولي بعد انتهاء فايروس كورونا لن يعود كما هو، والإفتراض الأنسب لذلك أن الهزة التي اصابت المجتمع الدولي خلال فترة الإنتشار صدعت من بنيت النظام الدولي نتيجة تفشي ليس فقط الفايروس ولكن ايضاً نتيجة لتفشي عدم الثقة بين جميع دول العالم بالولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تُعدها متصدرة القيادة في العالم والتي وجب أن يقع عليها مبادرات الأخذ بإجماع الدول على مكافحته بدلاً من النأي بنفسها وإتخاذ مبدأ العزلة الدولية في التعامل مع هذا الأمر الأمر الذي أدى بالصين لخطف زمام المبادرة إعتقاداً منها بأنها مؤهلة لهذا المنصب الكبير، ولأن الأخير في واقع الأمر أبدت سلوكاً يحسب لها وتعاملت مع هذه الأزمة بقدر من المسؤولية لا تقدر بثمن على حساب إنخسار موقف الولايات المتحدة برغبتها ، أصبح العالم بحاجة الى قيادة جديدة ربما نعتقد أنها قيادة من نوع آخر يترتب عليها توفير الوقت والمصالح المشتركة ودعم الدول ليكون الموضوع جمعياً في ميزان القوى العالمية ما بعد كورونا.

إن الحاجة أصبحت ملحة لوجود قيادة عالمية جديدة ، وقد تكون هذه القيادة الجديدة ليست فاعلة بالضرورة في القوة العسكرية على الرغم من أن الصين تمتلكها ، إلا انه من المهم أن تكون فاعلة في جوانب أخرى أهم تبينت لنا من خلال هذه الفترة منها قدرتها على تجاوز الأزمات العالمية الصحية والدفع بمساعدة الدول لتجاوز تلك الأزماتوهذا مابينته الصين للعالم كله في الوقت الحالي، كما تتميز الصين بالقدرة الإقتصادية الهائلة ، كل ماذكر ممكن أن يقلب المعادلة لصالح الصين والتي تتطلع منذ زمن لإنتهاز فرصة لتمكنها من لعب دور أكبر من الولايات المتحدة بإستخدام سياسة القوة الناعمة وليس القوة الصلبة من أجل النفاذ للصدارة دون الإنقلاب على موازين النظام الدولي السائد.

المصادر والمراجع:

  1. د. عرفان الحسني & د.هبة عبد المنعم، التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين: أسبابها و آثارها على الإقتصادات العربية، صندوق النقد الدولي، الإمارات العربية المتحدة، 2020، ص17-25.
  2. Dyer G. & Braithwaite T., US tyre duties spark China clash, 14 September , 2009, https://www.ft.com.
  3. Reuters Press, China loses WTO appeal against U.S tire tariffs, 21 December, 2019, https://www.reuters.com.
  4. ليلى بن هدنة، التنين الصيني في مواجهة النسر الأمريكي لإنهاء القطب الواحد، البيان الإماراتية، دبي، الإمارات العربيةالمتحدة، 24 ديسمبر، 2019، albayan.ae.
  5. المصدر نفسه.
  6. المصدر نفسه.
  7. تشارميلز جونسون، ليس هناك بعد الآن القوة العظمى الوحيدة: الصين قادمة: ترجمة علي حسين باكير، ورقة عمل مقدمة 15-25 آذار 2019، معهد دراسات السياسات اليابانية & جامعة سان فرانسيسكو – مركز الحزام الباسيفيكي، ص1.
  8. علي أبو مريحيل، أسباب دفعت واشنطن لوصم كورونا بالفايروس الصيني، شبكة الجزيرة، مدونات، 29/3/2020، blogs.aljazeera.net
  9. المصدر نفسه.
  10. د. حسين مجدوبي، كيف تحاول الصين بهدوء بناء رواية اتهام واشنطن بمؤامرة الوقوف وراء كورونا فايروس؟، القدس العربي، 14 مارس، 2020، alquds.co.uk
  11. المصدر نفسه.
  12. Bret Baier, Gillian Turner, Adam Shaw, U.S officials confirm full-scale investigation of whether coronavirus escaped from Wuhan lab, 17/4/2020, foxnews.comm.
  13. Kurt M. Campbell & Rush Doshi, The Coronavirus Could Reshape Global Order: China Is Maneuvering for International Leadership as the United States Falters, Foreign Affairs : Current Issue, 18 March, 2020, www.foreignaffairs.co

4.6/5 - (5 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى