الدراسات البحثيةالعلاقات الدوليةالمتخصصةالنظم السياسي

السياسة الخارجية لمصر تحت حكم الإخوان

اعداد الباحثة : ياسمين حلمي العايدي – المركز الديمقراطي العربي

  

عقب قيام ثورة 25 يناير / كانون الثاني و سقوط نظام حكم مبارك ، بات الرأي العام في مصر يتطلع لسياسة خارجية جديدة ، أكثر تفاعلاً ، مع القضايا الدولية و الإقليمية، على أن ينتهي بموجبها نموذج ” القائد النخبة “، في عملية صنع القرار، و رسم السياسات الخارجية لمصر، بحيث لا يقتصر هذا الدور على رئيس الدولة ، وحده ، بل تشترك فيه القوى الشعبية و منظمات المجتمع المدني، في إطار ” النموذج المؤسسي”. أما فيما يخص البعد الإقليمي و الدولي ، فقد تآكل الدور المصري في المنطقة ، بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة من العقد البائد، مما زاد السخط الجماهيري تجاه سياسات هذا النظام ، فتعالت الأصوات المطالبة لعودة الدور الريادي الذي كانت تلعبه مصر مع الدوائر العربية ، و الإفريقية ، و الإسلامية ، هذا الدور الذي تحول من فكرة القومية إلى القطرية ، و إعلاء المصلحة الذاتية لمصر و خدمة أمنها القومي و ليس الأمن الإقليمي ، ككل.

مع تنامي النفوذ الإسلامي ووصوله إلى أسدة الحكم ، طرأت على السياسة الخارجية المصرية تغيرات ملحوظة ، فهي اتخذت بعداً دينياً و طائفياً ، بدا هذا ، جلياً ، حينما بدأ الرئيس د.محمد مرسي زياراته بالسعودية ، و أشارت فيها إلى أن كلاً من مصر و السعودية يدافعان عن ما يسمى، بـ ” الإسلام السني “، وهى ، بالطبع ، المرة الأولى في تاريخ السياسة الخارجية المصرية ، يتم فيها الإشارة إلى مفهوم الإسلام السني ، و هو ما يعتبر إفراغ للسياسة الخارجية لمصر من الإطارين الوطني و القومي، ووضعها في إطار ديني وطائفي، كما شهدت تقلصاً لدور وزارة الخارجية، بعد ظهور منصب مستشار الرئيس للشئون الخارجية ، و أعطت له الرئاسة صلاحيات أكبر من وزير الخارجية نفسه. اللافت أن هذا المنصب وضع لكي يكون حلقة الاتصال بين جماعة الإخوان المسلمين، ككيان وصل إلى السلطة ، و بين المجتمع الدولي، ليس كما يظهر إعلامياً ، أنه مختص بإدارة شئون الدولة الخارجية. غير أن زيارات الرئيس مرسي المتعددة، دولياً ، و التي استهلها بالسعودية ، ثم حضوره القمة الإفريقية ، ثم الصين، و إيران، و من بعدها زياراته لعدد من دول الاتحاد الأوروبي ، ثم باكستان ، و الهند، و أخيراً حضوره القمة العربية، كل هذه الجولات لم تسهم في إعادة صياغة العلاقات المصرية بدول العالم ، على النحو المأمول ، فهي لا تتعدى كونها زيارات بروتوكولية، في المقام الأول .

تأتي أهمية الدراسة من أهمية المرحلة الانتقالية في مصر بعد الثورة ، و بداية نظام جديد، من المتوقع منه رسم سياسات خارجية ، تعمل على تحقيق المصالح القومية للبلاد ، و تخرج مصر من الأزمة الاقتصادية الحالية ، و إعادة الدور المحوري ، الذي كانت تلعبه مصر، إبان الحقبة الناصرية ، بما يعيد ثقل مصر السياسي، إقليمياً و دولياً.

أولاً : ثوابت السياسة الخارجية لمصر :

ثمة ركائز أساسية لسياسة مصر الخارجية، فهي لا تتغير بتغير صانع القرار، هذه الثوابت لا يمكن الخلاف حولها، حيث تتأثر تلك الثوابت بنوعية النظام الدولي، و ما تفرضه المواثيق الدولية، و المعاهدات، و تتمثل هذه الثوابت في:

  • الأمن القومي المصري، بمفهومه الشامل، فلا يقتصر على البعد الحدودي، بحدود الدولة، بل يمتد للبعد المائي، ليشمل دول حوض النيل.
  • المصلحة الوطنية لمصر، في إطار ما يسمى بدبلوماسية التنمية و تطورها، لتشمل مشاريع و تجمعات اقتصادية، كالكوميسا، و مشروع الشراكة الأورومتوسطي.
  • من الثوابت الأساسية تأييد مبادئ الأمم المتحدة، كالحقوق السيادية، و عدم الدخول في أحلاف عسكرية، وقد تجلى ذلك في رفض مصر دخولها في “حلف بغداد” (1955).
  • الحق في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني و سيادته على أراضيه، و السعي نحو إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل.
  • الإلتزام بقواعد القانون الدولي و المعاهدات و الاتفاقيات، التي وقعت عليها مصر.

 ثانياً : سياسة مصر تجاة القوى الكبرى :

ما يحكم علاقة مصر بالقوى الكبرى، هو المحرك الاقتصادي ، أساساً، حيث تسعى مصر للحصول على دعم تلك القوى، لكي يتعافى الاقتصاد المصري ، الذي تأثر سالباً، من عواقب الثورة، بتدهور الحالة الأمنية ، و عدم الاستقرار السياسي في البلاد ، لذلك يقدم المجتمع الدولي مختلف أشكال الدعم ، فهذا الدعم منه ما يأخذ صورة قروض كقرض “صندوق النقد الدولي” المشروط، و منه ما يشكل منح لا ترد ، كالمنحة التي تنتظرها مصر من الولايات المتحدة، و التي هي الأخرى ، مشروطة بقرض “صندوق النقد الدولي”، علاوة على أن صناع القرار في مصر، ينتظرون صورة، أيضاً من صور الدعم، و التي تتمثل في الاستثمارات الأجنبية، خاصة من الإتحاد الأوروبي، و الصين.

  • علاقة مصر بالولايات المتحدة :

ما يظهر كيفية إدارة الولايات المتحدة العلاقات مع العالم العربي، في ظل “الربيع العربي”، هو أنها تنتهج نهج ” المدرسة الواقعية”، خاصة بعد أحداث سبتمبر / أيلول 2001 ، حيث فضلت واشنطن المصالح الإستراتيجية على غيرها من القضايا الملحة ، كالديمقراطية، و حقوق الإنسان، و الحريات العامة ، فتحاول واشنطن دمج الإسلاميين في الحياة السياسية، بشروط و حالات معينة ، مما يكسر “الفيتو” الأمريكي التاريخي، على وصول الحركات الإسلامية للسلطة. أضف إلى ذلك ضعف النظام السياسي العربي، و عدم قدرته على تجديد شرعيته، و مؤسساته ، و آلياته ، فالتحدي الرئيسي هو مدى استطاعة الحركات الإسلامية، على تطوير خطابها ، و ممارساتها ، بما يسمح لها أن تكون قوة حقيقية ، دافعة باتجاة الإصلاح و الديقراطية ، حتى تتمكن من تجاوز المناطق الرمادية ، في مواقفها السابقة، و حسم خياراتها الفكرية و السياسية. (1)  فالإخوان المسلمين كانوا يتخذون موقف شديد المعاداة تجاة الغرب و إسرائيل ، قبل الثورة ، ظهر ذلك بوضوح ، من النبرة الحادة ، التي تضمنتها تصريحات أبرز القيادات الإخوانية ، في السابق ، و بعد وصولهم إلى أسدة الحكم ، اتخذ الإخوان مواقف مغايرة ، تماماً ، عما كانت من قبل ، خاصة مع الولايات المتحدة ، فترى واشنطن أنه بالتقارب مع الإخوان ، غدت تملك نفوذاً مع حليف إستراتيجي في المنطقة العربية.

لعل ما يعكس رؤية الإدارة الأمريكية تجاة التيارات الإسلامية ، ما تناوله زيغنو بريجنسكي ، في دراسته ” السياسة الخارجية الأمريكية: تحديات القيادة في القرن الحادي و العشرين “، أن ” الحكومات الفاشلة هي التربة الرئيسية التي تولد التطرف الإسلامي ، و السياسات الخاطئة هي التهديد الرئيسي لمصالحنا الإستراتيجية ، و قد فشلت الحكومات و الأحزاب العلمانية ، في توفير أنماط مستقرة للتنمية الاقتصادية ، و البنية الأساسية اللازمة ، لإجراء تغيير اجتماعي ضخم ” (2).

غير أن الولايات المتحدة تعمل على استمرار السياسات و الاستراتيجيات ، بالنسبة للقضايا الثنائية، كالمعونة الاقتصادية ، و العلاقات العسكرية ، و التواصل مع المجتمع المدني، فواشنطن لم تنتهج سياسات مغايرة عما كانت عليه العلاقات إبان حكم مبارك ، أي أنه من غير المأمول أن تقدم واشنطن معونات اقتصادية ضخمة للقاهرة ، خاصة و أن الاقتصاد الأمريكي يعاني من أزمة مالية ، و إنما تنوي واشنطن تقديم معونة ، أكبر قليلاً عما كان في السابق، وهذه المعونة مشروطة بأن يحقق الإخوان المسلمون تقدماً ديمقراطياً مع مختلف التيارات الشعبية و المعارضة المصرية (3). فهنا تظهر الولايات المتحدة بدور الرقيب، إزاء سلوك الإخوان السياسي، و هو ما يدفع الإخوان إلى إقامة حوار مجتمعي، و إن كان شكلياً، كي تحظى بالوعود الأمريكية ، و التي تضمن تقديم المعونة، و كذلك منحة لاترد تقدر بـ 450 مليون دولار، لكنها مشروطة بموافقة ” صندوق النقد الدولي “، تقديم القرض لمصر، فبذلك تظل ورقة المساعدات الاقتصادية و التحكم في “صندوق النقد الدولي”، ورقة ضغط أمريكية دائمة على الإخوان المسلمين ، وحثهم على احترام “الحريات”، وخاصة “ملف الأقباط”، وكذلك العلاقات مع إسرائيل، في إطار المحافظة على معاهدة السلام معها. خاصة ما مثلته أحداث سبتمبر/ أيلول 2011، من مخاوف الإدارة الأمريكية إزاء المعاهدة، فمقتل خمسة جنود مصريين ، بينهم ضابط بنيران إسرائيلية ، على الشريط الحدودي ، أدى إلى رد فعل جماهيري في القاهرة تسبب في الهجوم على السفارة الإسرائيلية ، كما أن “عملية السلام في ظل حكم الإخوان ، تحمل تصعيداً آخر، انطلاقاً من سيناء، التى تكثر فيها جماعات والإرهاب ، لذلك ترى واشنطن أنه يجب عليها مساعدة مصر، وتعزيز التعاون بين القاهرة وإسرائيل ، للحيلولة دون جعل شبه جزيرة سيناء منطقة لا يمكن السيطرة عليها. (4)

أما فيما يخص “ملف الأقباط”، وحرية العبادات ، فهي من أكثر الملفات الشائكة بين واشنطن والقاهرة ، نظراً لأن الإخوان لم يقدموا شيئاً ملموساً في احترام “حقوق الأقباط”، خاصة مع تأزم العلاقة مع الكنيسة، وما زاد الأمر سوءاً ما أسفرت عنه أحداث الكاتدرائية (*) من عنف ممنهج ضد الأقباط ، وتقاعس الشرطة عن احتواء الأزمة، على العكس حينما تعرض الإرشاد للإخوان هجوم جماهيري، عملت حينها أجهزة الأمن على الحفاظ عليه، دون المساس، وهو ما يشير بأصابع الاتهام نحو الإخوان ، في تقاعسهم إزاء ما يخص الأقباط ، تلك الأحداث عملت على تأزيم العلاقات مع الولايات المتحدة ، في الآونة الأخيرة.

  • العلاقات مع الإتحاد الأوروبي:

ترجع علاقة مصر بالاتحاد الأوروبي، إلى “اتفاق الشركة الأورو- متوسطي”، بموجب “إعلان برشلونة”، لعام 1995م، حيث كان مخطط، طبقاً لهذا الإعلان، أن تقام منطقة تجارة حرة “أورومتوسطية”، بحلول العام2010، من أجل زيادة التعاون والتبادل التجاري بين دول حوض المتوسط، ثم دخلت اتفاقية المشاركة بين مصر والاتحاد الأوروبي حيزّ التنفيذ، في العام 2004، وذلك بعد التصديق عليها من قبل البرلمانيين، وهو ما انعكس على حجم التبادل التجاري بين القاهرة والاتحاد، حتى شهدت السنوات الأخيرة زيادة التعاون الاقتصادي بينهما ، كما أقر “إعلان برشلونة” بوضع آلية للحوار السياسي، ودعم “عملية السلام” في الشرق الأوسط.

ثم قدم الاتحاد الأوروبي دعماً معنوياً للشعب المصري، أثناء ثورة 25 يناير/كانون الثاني، من خلال تصريحات هادئة أيدت حق الشعوب في تقرير مصيرها ، وحقها في الحرية ، والتعبير عن الرأي ، وهو ما حملته زيارة وزير الخارجية الألماني، جيدوفيستر فيلا ، للقاهرة ، بعد أيام من تنحى مبارك، أضف إلى ذلك أن الاتحاد الأوروبي ، في 25 مايو/ أيار 2011 قام بمراجعة سياسة الجوار الأوروبي ، في وثيقة حملت عنوان ” استجابة جديدة لحوار متغير”، كي تتم تسوية للصراعات طويلة الأمد، كالهجرة، والأمن مع مصر، وتونس، والمغرب (5) كما انطلقت آلية أخرى، على المستوى الثنائي، في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم ، حيث شملت إعادة الحوار السياسي ، والمساعدات المالية ، وتحفيز الاستثمار، وتعزيز أوجه التعاون، في شتى المجالات.

للافت أن الموقف الأوروبي من الإخوان المسلمين هو أكثر مرونة وحرصاً على إدماجهم في المنظومة الدولية،  وإعطائهم فرصة ، لكي تهدأ الأوضاع السياسية في مصر، أن يخرج الاقتصاد المصري من أزمته. أتت زيارة الرئيس المصري د. محمد مرسي ، لألمانيا، في 30 يناير/ كانون الثاني 2013، كي تزيد ألمانيا دعمها للحكم الاخواني كما كان يخطط لها الإخوان، حيث تدرك الجماعة مدى تأثير ألمانيا، كدولة لها ثقلها في الاتحاد ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  (*) أحداث الكاتدرائية : هى الأحداث التي نشبت من قبل مجهولين و هجومهم على الأقباط في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية ، أثناء تشييع جثامين ضحايا منطقة الخصوص ( و التي شهدت عنف مماثل ) ، مما أسفر عن مصرع شخصين و إصابة 100 آخرين أمام الكاتدرائية ، و هو ما يمثل تعد صريح على الأقباط خاصة مع تأخر تعامل قوات الأمن مع الحدث .

الأوروبي ، إذا تحقق هذا الدعم الدبلوماسي، ستقنع حينها، الاتحاد، بتقديم المعونة الاقتصادية المقررة، لمساندة الاقتصاد المصري، فهذه الطموحات لم تؤتِ ثمارها، بعد، فقد جرت ، أثناء زيارة مرسي ولقائه بميركل ، أن تحدثت الأخيرة عن ضرورة تقديم ضمانات للعملية السياسية في مصر، أبرزها التواصل مع كافة التيارات السياسية ، واحترام الحكومة لحقوق الإنسان ، والحريات، خاصة حرية الأديان. كما رحبت ميركل بعزم السلطات المصرية السماح بعودة مراكز بحثية ألمانية في القاهرة، بعد توقف عملها، بعد الثورة.

أثناء لقاء مرسي برئيس البرلمان الألماني، ورؤساء كتل الأحزاب الممثلة بالبوندستاغ، أكد أن الدولة المصرية متمسكة بالطابع المدني للدولة، وأنه يرفض الدولة الدينية، أو الدولة العسكرية. بينما في اجتماعه بمنتدى لرجال الأعمال المصريين والألمان، تعهد بتذليل كل العقبات أمام الاستثمارات الألمانية والأجنبية بمصر، حينما التقى المثقفين الألمان في “مؤسسة كوربر” البحثية، وصف المخاوف على السياحة بمصر من التيارات الإسلامية، بافتقارها إلى أي أساس من الصحة. (6)

في حقيقة الأمر، لم تقنع تلك الزيارة ألمانيا ، بشكل كامل ، كي تخفف الديون التي تعد بإلغائها بالنسبة لمصر، نظراً لتضارب تصريحات الرئيس مرسي ، ولعل ما أثار استياء ميركل، عدم رد مرسي ، بشكل واضح ، حينما سئل عما قاله عن إسرائيل ، قبل وصوله للحكم ، وهو ما حمل تمييع في موقفه تجاهها، هذا ما قد وضحه الخبير الألماني البارز بقضايا العالمين ، الغربي و الاسلامى ، أودوشتا بنياخ ، في مقابلة معه على ” الجزيرة الفضائية “، كما أكد أن المسئولين الألمان، الذين التقاهم مرسي ، لم يصدر عنهم أي مواقف واضحة، من 2.5 مليار يورو، التي تمثل ديوناً مستحقة لألمانيا على مصر، أو إلغاء 240 مليون يورو من هذه الديون، كما كان مرجواً منها. (7) علاوه على أن هناك مخاوف تجاه تدفق رؤوس الأموال الألمانية لمصر، بسبب الوضع الأمني ، على الرغم من ذلك، فان ميركل كان عليها أن تتعاون مع القاهرة، ولو بشكل محدود، نسبياً ، وبالتالي اشتمل هذا التعاون على اتفاقيات ، تسهم في البناء التنموي لمصر، كتقديم مخصصات مالية لمصر، في العام 2013، بنحو 354 مليون يورو، وتوجيه مثل هذه المخصصات لخدمة البنية التحتية لمصر، وتطوير التعليم . غير أنه من المنتظر أن يتم ، خلال العام ، توقيع اتفاق للتعاون المائي، بمبلغ 165 مليون يورو، بين الحكومتين، المصرية والألمانية. (8)

3) مصر وصندوق النقد الدولي:

بوصفه ضمن مؤسسات التمويل الدولية ، التي تقدم وسيلة أخرى من الدعم ، متمثلة في القروض ، التي يمنحها ” صندوق النقد الدولي”، من أجل تعافى اقتصاديات الدول، فجاءت الحاجة الملحة ، التي وصل إليها الاقتصاد المصري، إلى جذب السلطة الحاكمة في مصر، والاتجاة إلى التفاوض مع ” الصندوق”، للحصول على قرض، بنسبة خدمة دين متدنية، تسمح بتقوية وضع الاحتياطي النقدي الأجنبي، والتدخل لمعالجة العجز في الموازنة. كما أن القروض ، التي يقدمها “صندوق النقد الدولي”، هي قروض مشروطة ، وبالتالي فعلى الحكومة المصرية تطبيق تلك الشروط ، التي تهدف إلى إتباع إجراءات تقشفية ، تتركز على تخفيض عجز الموازنة العامة للدولة ، من خلال أمرين ، أولهما زيادة الموارد السيادية ، الأمر الذي يتحقق بزيادة الضرائب ، ورفع أسعار الطاقة ، وزيادة رسوم الخدمات العامة ، وثانيهما هو تخفيض حجم الإنفاق الحكومي ، عن طريق تقليل الدعم إلى أدنى مستوى له ، وتقليص الإنفاق العام الاستثماري. (9)

تجلى ذلك في سعى حكومة هشام قنديل في فرض المزيد من الضرائب ورفع الدعم عن بعض القطاعات ، في محاولة من القيادة المصرية للتدخل في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي ، بشأن القرض الذي طلبته مصر والذي يقدر بـ 4.8 مليار دولار، اللافت أن الضرائب التي فرضتها الحكومة المصرية ، من أجل هذا القرض ، لم تطل إلا محدودي الدخل ، لتزيد العبء على قطاعات واسعة من المصريين ، فلم تلتف الحكومة إلى الضرائب التصاعدية ، والتي تطبق في كافة الدول المتقدمة ، فتزيد نسبتها على الطبقة الغنية ، والتي لن تتأثر، بشكل كبير، جراء هذه الضرائب. وتوصل كل من مصر و”صندوق النقد الدولي” إلى اتفاق مبدئي ، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ومن ثم استؤنفت المفاوضات في 17 مارس/ آذار 2013، ولا تزال مستمرة بين الجانبين.

  • العلاقات مع الصين:

تعود العلاقات بين القاهرة وبكين ، إلى العام 1999م ، حيث ابرمها اتفاق التعاون الاستراتيجي ، بين البلدين ، في إطار “المنتدى العربي- الصيني”، و “المنتدى الصيني- الافريقى”، تعددت سبل التعاون في النطاق الاقليمى لمصر، وهو ما زاد حجم التبادل التجاري بين مصر والصين ، من حينها ، فتعتبر مصر سادس أكبر شريك تجارى للصين في إفريقيا، وعقب الثورة المصرية على خلفية زيارة الرئيس مرسي لبكين ، ومعه رجال الدولة ، وعدد من رجال الأعمال المصريين، من أجل أن يزداد الانخراط التعاوني بين البلدين ، اقتصادياً ، وزيادة الاستثمارات ، والعمل على جذب السياحة الصينية لمصر.

  • العلاقات مع روسيا:

كان للعلاقات مع روسيا قبل ثورة 25 يناير مستويات مختلفة من التعاون ، وسياسياً شهدت تقارباً في العديد من المواقف ، أما بعد الثورة ، وفى ظل وقوف روسيا مع نظام بشار الأسد ، ودعمه في مواجهة “الثورة السورية”، ما أدى إلى أن العلاقات ينتابها جمود سياسي ، وهو ما شهدته زيارة وزير الخارجية الروسي ، في نوفمبر/ لتشرين الثاني 2012، فهي تطرقت للأزمة السورية ، وسبل الخروج منها ، غير أن الموقف الروسي إزائها يصعب الوصول لتسوية بشأنها.

ثانيا: سياسة مصر اتجاة إفريقيا:

بات التعاون مع دول القارة الأفريقية ، أمر ملح ، خاصة مع دول حوض النيل ، بعد، عقدت دول منابع النيل ” اتفاق عنتيبي”، والذي لا يعترف باتفاقيتي 1929 و 1965، التي تقران بحصة مصر التاريخية من مياه النيل ، وبالتالي فهذا الاتفاق ، إذا وقعت باقي دول المنابع عليه ، سيؤثر سلباً ، على الأمن المائي المصري ، هذا بالتزامن مع “إعلان أثيوبيا”، في ابريل/ نيسان 2011، البدء في بناء “سد النهضة” ، مستغلة في ذلك انشغال مصر بالأوضاع الداخلية غير المستقرة ، منذ بداية الثورة ، فبذلك تكون أديس بابا قد أخلت بشرط الإخطار المسبق ، وزادت الأمة على مصر.

شهدت فترة ما قبل الثورة تغيب مصر عن القمم الأفريقية ، في الكثير من الأحيان ، وعن العمل الجماعي الأفريقى ، بشكل عام ، مما سبب شرخاً في علاقة مصر بهذه الدول ، غير أنه اهتمام سياسة مصر الخارجية إنصب تحو دول حوض النيل ، ولكنه لم يعتد لتحقيق تعاون مشترك في مختلف المجالات ، وإنما اقتصر على التعاون الفني مع تلك الدول ، بشكل منفرد ، وذلك في إطار الحفاظ على الأمن المائي لمصر فحسب. علاوة على أن القوة الناعمة لإسرائيل في أفريقيا، خاصة دول منابع النيل، جعل إسرائيل تكسب قلوب وعقول الأفارقة. (10) بدى هذا جلياً من الموقف العدائي غير المسبوق لدول منابع النيل ، في مواجهة المصالح المصرية.

في حقيقة الأمر، لم تكن العلاقات بين مصر ودول حوض النيل، وطيدة ، بشكل كافٍ ، إبان حكم مبارك ، فكانت العلاقات بين إثيوبيا متوترة ، خاصة منذ محاولة اغتيال مبارك (*) ، حتى نهاية حكمه ، ومع عزم أثيوبيا بناء سدود على ضفاف النيل، ولعل من أكبرها “سد النهضة”، فهذا السد يهدد حصة مصر التاريخية، لأنه سوف يقللها بنسبة 20%، أي ما يعادل 12.9 مليار متر مكعب ، سنوياً ، ونظراً لأن مصر تعانى من عجز فى الميزان المائي ، بسبب زيادة عدد السكان ، علاوة على أن أثيوبيا لا تعترف بحصة مصر التاريخية ، وهو ما يزيد الأمر سوءاً ، وتبرر أديس بابا ذلك بزعمها أن اتفاقيتي 1929 وضعت إبان وقت الاستعمار، وعفي عليها الزمن . ولعل ما زاد من القلق المصري، هو انتهاز رئيس الوزراء الأثيوبي الراحل مليس زيناوي ، فرصة أن مصر منشغلة ، تلملم آثار اندلاع الثورة ، حيث وضع زيناوي حجر الأساس لمشروع “سد النهضة” ، في ابريل/ نيسان 2011، ليضع مصر أمام الأمر الواقع ، وبذلك أخلت أثيوبيا بمبدأ الإخطار المسبق. ثم عملت كل من القاهرة والخرطوم على إقامة لجنة ، على مستوى عال من الخبراء ، من مصر، والسودان ، وأثيوبيا ، اشترك معهم أربعة خبراء دوليين ، وذلك لتقييم الآثار المنتظرة للسد على الإيراد الطبيعي لمصر، لكن اللافت أن أديس بابا لم تعر اهتماماً لعمل اللجنة الثلاثية ، واستمرت في بناء السد ، مع أنها لا تقدم معلومات وافية للجنة ، وهو ما قد يؤدى لكوارث بيئية محتملة من بنائه. (11)

ما تزعم به دول منابع النيل أنها تسعى إلى تحقيق أهداف تنموية ، لكن ، في حقيقة الأمر، هذه الأزمة لها أبعاد إستراتيجية ، وليس كما يزعمون ، فقد أغفلت تلك الدول أن المياه هي ملك مشترك لكل دول الحوض، وليس لدول المنابع ، دون دول الممر والمصب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  (*) محاولة اغتيال مبارك : في أثيوبيا عام 1995 تعرض موكبه لهجوم مسلح ، لكن مبارك نجا منه ، و ذلك لأن سيارته كانت مصفحة ، و من أولى المتهمين في هذه القضية ، حسين شميط أحد القيادات  في الجماعة الإسلامية حينها .

أدت زيارة رئيس الوزراء الأسبق ، عصام شرف ، لإفريقيا تحريكاً للأزمة ، وجاءت زيارة مرسي لأثيوبيا ، في يوليو/ تموز 2012، إلى حدوث نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين ، فحرصت مصر في الحضور في جنازة زيناوي ، على مستوى رفيع ، إلا أن القضايا الأساسية لم تشهد تحركاً فيها ، على الشكل المأمول ، فلا تزال أديس بابا تصر على حشد دول حوض النيل الأخرى ، على التوقيع على ” اتفاق عنتيبي”.

من بعد ما تولى ديسالجن هيلا ميريام الحكم ، خلفاً لزيناوى ، راودت البعض شكوك حول طبيعة سياسته ، وهل سيكون أكثر انفتاحاً من سابقة ؟ ، لكن يبدو أنه سيسير على خطى زيناوي ، يتضح ذلك من تصريحاته ، بعد تقلده منصبه ، حيث قال على “مصر والسودان أن يتفهما أنه ليس هناك مجال لأي شيء دون التعاون “، وتمسك بموقف أثيوبيا الاتفاقيتين (1929و1956) ، وذكر أنهما جائرتان وعديمتا فائدة. (12) هذه التصريحات تظهر أن هيلا ميريام لن يغير سياسة سلفه المائية ، على الأقل.

أخذت الدبلوماسية الشعبية بعداً جديداً ، عقب الثورة ، مع القارة ، ما أثمر عن تقدم ، نوعاً ما ، في الأزمة مع دول المنابع ، فوفود المجتمع المدني المصري إلى إثيوبيا ، وعدد من الدول الأخرى ، أسفرت عن أن أديس بابا تعهدت بعدم التصديق على الاتفاقية الإطارية ، حتى يستقر الوضع في مصر، وهو ما قد يحرك المياه الراكدة ، ما ميّز هذه الجولات الشعبية أنها أتت بالتنسيق مع وزارة الخارجية المصرية.

 

ثالثاً: سياسة مصر تجاة القضية الفلسطينية:

من أدبيات الأخوان ، قبل وصولهم للسلطة ، فكرة القومية العربية بمسحة إسلامية ، وعلى أن تكون القضية الفلسطينية هي محورها ، وهو ما قد يحمل المزيد من الاهتمام اتجاهها، لكن هذا الفكر تغير بعد الثورة، تماماً ، وسعت الجماعة لإقامة علاقات مع الكيان الصهيوني، بدا هذا جلياً من خطابات الرئيس محمد مرسي للرئيس الإسرائيلي ، شيمون بيريز(*) ، والتي شهدت لهجه حميمية غير مسبوقة ، وهو قد يحمل ضمنياً محاولة الأخوان تسويف القضية الفلسطينية ، خاصة وان العلاقات مع فلسطين اقتصرت على غزة ، ومد جسور التعاون مع ” حماس”، دون حركة “فتح”.

فيما يخص الموقف الاسرائيلى، زادت المخاوف الإسرائيلية إزاء التحولات السياسية في المنطقة، فيما يسمى “الربيع العربي”، وهو ما تناوله باحث أمريكي ينتمي للمحافظين الجدد ، المعروفين بدعمهم لإسرائيل ، وهو روبرت ساتلوف ، حيث تطرق لهذه المخاوف، بقولة: “تجد إسرائيل نفسها، الآن ، فى موقع يتلاقى فيه التوجهان الكبيران في المنطقة ، وهما: الطموح الايرانى للهيمنة ، وانتشار التطرف السني الراديكالى”. (13) وأوضح أن هذين التوجهين يتصادمان مع بعضهما البعض، غير أن كليهما بالكاد يصارعان إسرائيل،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  (*)خطابات مرسي لبيريز : حيث ورد في خطاب إعتماد السفير المصري عاطف محمد سالم لدى إسرائيل ، عبارات بلهجة شديدة الحميمية على لسان الرئيس مرسي ، فشمل الخطاب عبارات كـ ” صاحب الفخامة السيد شيمون بيريز ” ، ووصف مرسي له بـ ” عزيزي و صديقي العظيم ” ، كما ختم الخطاب بقوله ” صديقك الوفي ” محمد مرسي .

بكونها العدو لكل منهما. لذلك عمل السياسة في إسرائيل على عمل دراسات ، لمعرفة التحديات التي ستواجه الإدارة الإسرائيلية ، وهو ما تناولته مجلة (يسرائيل ديفينس)، وأكدت على التحديات الأمنية التي ستطرأ ، خاصة بعد سقوط ما يسمى بالمعسكر المعتدل في العالم العربي ، فأبرزها مخاوف تتمثل في الانضمام إلى سباق التسلح النووي، وتعزيز الصواريخ طويلة المدى ، وتقييد الحركة الملاحية في قناة السويس ، وكذلك ترك المجال للتنظيمات الجهادية في سيناء.(14)

رابعاً: سياسة مصر تجاة الدول الآسيوية:

اتخذت سياسة مصر الخارجية تجاه دول آسيا ، منحى مغايراً عما كانت عليه إبان حكم مبارك ، حيث ساد الفتور علاقة مصر ببعض دول القارة كالهند ، وباكستان ، ومع دول أخرى ، اتخذت العلاقة شكل الجمود التام ، كالعلاقات مع إيران ، وبعد تولى الرئيس مرسي الحكم في مصر، قام بعدة زيارات للقارة ، بدأها بإيران ومن ثم الهند وباكستان ، كما استقبل كلاً من الرئيسيين ، التركى و الايرانى ، بالقاهرة ، كبادرة لإقامة علاقات تعاون مع دولتيهما ، ويبقى السؤال: هل يعود النفوذ المصري في القارة الأسيوية إلى ما كان عليه ، في الحقبة الناصرية؟!

  • العلاقات مع إيران:

لطالما حرصت جماعة “الأخوان المسلمون” على علاقاتها مع إيران ، قبل بداية الثورة الإسلامية (عام 1979م)، رغم اختلاف المذاهب الفقهية بينهما ، فقد عرض آية الله ، الخمينى، في سيرته الذاتية ، كيف أثرت زيارة (واب صفوي) ، مؤسس “حركة فدائي الإسلام”، في الأربعينيات ، إلى مصر، تلبية لدعوة سيد قطب ، “العقل المفكر لجماعة الأخوان المسلمين آنذاك ، وكيف أثرت هذه المقابلة على نظرة الإسلاميين الإيرانيين للقضية الفلسطينية ، فكان نادراً ما يشار إليها في المجتمع الإيرانى ، في ذلك الوقت ، ويذكر الخميني كيف أصبح مهتماً بها، بعد لقائه نواب صفوي، عقب عودته من مصر، وهو ما جعل الخميني يقوم بترجمة كتابين لسيد قطب ، قبل قيام الثورة الإيرانية ، وهما “المستقبل لهذا الدين” و “الإسلام ومشكلات الحضارة “. لعل ما يؤكد هذا التقارب بين الأخوان المسلمين وطهران ، ما صرح به المرشد العام السابق للإخوان ، مهدي عاكف ، في مقابلة له مع “وكالة الأنباء الإيرانية”، في 28 يناير/ كانون الثاني 1982، بأن ” كلاً من الأخوان والجمهورية الإسلامية متقاربين في الأفكار، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية و مكافحة الاحتلال “. (15)

أما على المستوى الرسمي ، فقد أصبحت العلاقات بين القاهرة وطهران بالجمود ، لأكثر من 30 عاماً ، وذلك لعدة أسباب ، منها استضافة السادات لشاه إيران وأسرته ، علاوة على أنه ، أثناء الحرب الإيرانية – العراقية ، قامت مصر بتوفير السلاح والخبراء للعراق ، رغم المقاطعة العربية. واشتدت الأزمة بين البلدين ، اثر قيام طهران بإطلاق اسم الإسلامبولى ، قاتل السادات ، على ميدان من أكبر الميادين في طهران. (16) ، وما زاد من حدة الخلافات ، التخوف المحتمل من المد الشيعي لإيران ، خاصة على دول الخليج ، وجزر الإمارات المحتلة من قبل إيران.

بعد وصول الأخوان المسلمين للسلطة، تطلعت الإدارة الإيرانية في إقامة علاقات قوية مع الجماعة ، طبقاً لما كانت عليه في السابق ، بيد أن طهران اصطدمت في تقديرها ، الذي طمح لتطبيع شبه كامل مع الأخوان ، بتصريحات مرسى في إيران، التي أثارت حفيظة الساسة في طهران ، ومن بعدها استقباله للرئيس الإيرانى ، أحمدي نجاد ، في القاهرة ، وهو ما أظهر هذا الخلاف القائم على أساس مذهبي ، بين سّنه وشيعة ، ورسوخ مقولة مفداها “أن إيران دولة ذات مشروع عالمي تبشيري”. غير أن الولايات المتحدة تدرك بأن أي تقارب بين مصر وإيران ، سيسهم في كسر عزلة إيران ، دولياً ، علاوة على أن تقارب كل من إيران – مصر – تركيا ، تخشى واشنطن أن يصل إلى مرحلة التعاون الاستراتيجي ، مما قد يراه البعض تهديداً لإسرائيل. (17) إن كل من إيران ومصر قوتان إقليميتان، ولكل منهما دوره في التأثير على التفاعل الإقليمى، بدا هذا ، جلياً ، في تفاعلاتهما تجاة الأزمة السورية ، والتي هي الأخرى أججت الخلافات بين طهران والقاهرة.

  • العلاقات مع تركيا:

ترجع العلاقة بين مصر وتركيا ، إلى فترة التسعينيات ، والتي شهدت تقارباً أكثر من الفترات التي قبلها ، حيث أتى رئيس الوزراء التركي ، حينه ا، نجم الدين أربكان (1996م) ، وكان الهدف من تلك الزيارة هو تكوين مجموعة اقتصادية إسلامية ، تفّعل سبل التعاون في المجالين الاقتصادي والتجاري ، وهو ما أنتج مجموعة الثمانية النامية ، والتي ضمت مصر، فقد فعّلت، وعقدت أولى جلساتها، بعد سنة من زيارة أربكان. مع زيارة الرئيس التركي لمصر عبد الله ، جول ، في فبراير/ شباط 2013، زمن قبلها رئيس الوزراء ، رجب طيب أردغان، كي يدرسان سبل تعزيز التعاون بين تركيا ومصر، عقب الثورة ، فتطرقت الاجتماعات مع الرئيس مرسى إلى الملفات الإقليمية ، خاصة الملف السوري ، وثيقة التوصل لحل الأزمة ، وإدارة عملية تقديم المساعدات للسوريين ، وكذلك سبل دعم القضية الفلسطينية ، من أجل استئناف “عملية السلام” في الشرق الأوسط.

كما تم التباحث في تعزيز التعاون الاقتصادي ، خاصة زيادة التبادل التجاري بين البلدين وزيادة حجم الاستثمارات ، وتقديم تسهيلات لعمل الشركات التركية في السوق المصري . وكذلك الاتفاق على تيسير خط ملاحي ، لتسهيل خدمات النقل ، وكذلك الترانزيت عبر الأراضى المصرية ، كي تصبح مصر بوابة التجارة الخارجية التركية لدول الخليج ، ومن ثم آسيا وأوروبا وذلك من خلال مينائي الإسكندرية وسفاجا. (18) وهو ما يدفع بتقوية العلاقات بين اسطنبول والقاهرة ، أكثر من ذى قبل.

  • العلاقات مع الهند وباكستان:

أتت زيارة الرئيس المصري ، د. محمد مرسي ، لكل من الهند ، وباكستان ، لكى تفتح أفاقاً جديدة في علاقة مصر بكلتيهما ، بعدما ساد الفتور علاقة مصر مع الدولتين ، فى فترة حكم مبارك ، وذلك على عكس ما كانت عليه في الحقبة الناصرية. رافق مرسي ، أثناء زيارته ، وفد رفيع المستوى ، بتقدمة وزير الدفاع ، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وعدد من رجال الدولة في مصر، أثناء زيارة الرئيس مرسي لباكستان ، أعطته الأخيرة شهادة الدكتوراة الفخرية ، في الفلسفة ، كبادرة حسن نية بين البلدين.

نتج عن هذا التقارب المصري بين الهند وباكستان ، عقد عدة اتفاقيات ، خاصة في المجالات الفنية ، والتكنولوجية ، والعسكرية ، وما تردد عن الحديث حول استثمارات لصالح مشروع إقليم قناة السويس ، غير أن الخبير الإستراتيجي المتخصص في الشئون الخارجية ، محمد غنيم ، ذكر أن الغرض من الزيارتان ، هو إعادة التوازن ، واستقدام الخبرات الهندية ، خاصة في المجالات التكنولوجية ، والفنية ، والعسكرية ، هذا ما عكسه سفر وزير الدفاع معه للتشاور في الملف العسكري ، وتوسيع العلاقات ، بما يجعل الرئيس مرسي يحظى بدعم في مواجهة الداخل المحتقن في مصر. (19) التيار المتفائل من تقوية العلاقات مع الهند وباكستان ، يرى أن هذه العلاقات تهدف إلى الانفتاح على شرق آسيا ، والاطلاع على النقلة الاقتصادية ، بما يمهد لحدوث نقلة تكنولوجية حقيقية و مترسخة ، وعلى الصعيد الآخر، يرى بعض المحللين السياسيين أن الزيارتين جاءتا في وقت غير مناسب ، بالتزامن مع الأوضاع غير المستقرة فى مصر، وأن نتائج التعاون بين الهند وباكستان لم تثمر، بشكل كبير، في تحقيق أهدافها ، على المدى القريب ، وإنما قد تؤتى ثمارها على المدى الطويل ، وهذا الرأي هو المرجح.

خامساً: العلاقات بين مصر والدول العربية:

أما اللافت ، فكان تأزم العلاقات مع الدول العربية، في مجملها بعد الثورة ، خاصة بعد وصول الأخوان المسلمين للحكم ، فاقتصرت العلاقات على قطر، وحدها ، ومع حركة “حماس” على الجانب الفلسطيني ، على الرغم من أن مرسي بدأ أول زياراته الدولية بالسعودية ، وأشار في أثناء زيارته إلى أن كلاً من مصر والسعودية يدافعان عن “الإسلام السني”، في محاولة منه للعزف على الوتر المذهبي ، ظناً منه أن الرياض بذلك ستعمل على تقوية علاقاتها بالقاهرة، لكن هذه المحاولات حقيقة لم تؤتِ ثمارها ، كما رسم لها الأخوان. غير أن زيارة مرسى للسودان في شان 4 ابريل/ نيسان2013 تفتح جبهة تعاون جديدة ، للخروج من المأزق العربي ، الذي يحاصر التيار الديني الحاكم في مصر.

  • فمع السعودية: أدت الاعتبارات المرحلية ، والوضع في مصر، إلى تجاوز الخطوط الكبرى في السياسة الخارجية المصرية مع الرياض، علاوة على أن اتجاة مصر إلى بلورة دائرة جديدة من العلاقات مع إيران ، ما زاد المخاوف الخليجية ، خاصة السعودية ، من المد الشيعي الإيرانى ، غير أن الساسة في مصر يبررون التقارب مع إيران ، على أنه تقارب مصالح ، وعمل تعاون اقتصادي فحسب ، على غرار العلاقات الخليجية مع طهران، و إن كان منها ما يمتد لأكثر من التعاون مع مصر، في المجال التجاري ، خاصة الإمارات. كما أن السعودية تريد تأكيدات إخوانية على ترجيح علاقتها الخليجية على العلاقات مع إيران. (20)
  • فيما يخص العلاقات مع قطر: السمة المميزة للعلاقات بينهما ، هي التقارب الأشبه بالتطابق مع النمط الإخواني في إدارته للبلاد ، وهو ما يعد نقلة نوعية بعد الثورة ، ومع زيارة هشام قنديل لقطر، في 10 ابريل/ نيسان2013، تم بحث سبل التعاون في المجالات الاقتصادية ، والاستثمارات ، ومنها:
  • السماح بعمل الشركات المصرية لدى قطر، دون كفيل.
  • اشتراك الشركات المصرية في الأعمال الإنشائية، حتى أجل التجهيز لكأس العالم، التي ستقوم قطر باستضافته ، في العام 2022.
  • تعهدت قطر بتقديم دعم لمصر بـ 3 مليارات دولار، وديعة، في صورة سندات وودائع.
  • مشاركة قطر في الإنفاق على مشروعات اقتصادية ، في المناطق الصناعية بمصر، ومشروعات الحديد والصلب.
  • تقوم قطر بتزويد مصر بالغاز الطبيعي.
  • تدخل الشركات القطرية في مزايدات على الأراضي المخصصة للاستثمار في مصر(21) .

حقيقة، أثناء زيارة الرئيس محمد مرسي لقطر، في مارس/آذار2013، لحضور القمة العربية ، بالدوحة ، تأزمت العلاقات قليلاً، على خلفية عدم استقباله بالشكل الرسمي اللائق، ولكن سرعان ما مرت الأمور قدماً نحو التطبيع الكامل بينهما.

  • أما بالنسبة للسودان: فأخذت العلاقات بين مصر والسودان في التقارب ، على اعتبار أن كليهما تطالهم الأزمة المائية الحالية مع دول منابع النيل ، على أثر ” اتفاق عنتيبى”، وهو ما يهدد الحصة التاريخية لكل منهما. مما دفع الخرطوم والقاهرة إلى التنسيق المشترك لحل تلك الأزمة ، وتعزيز التعاون بينهما في المجالات الأخرى خاصة الاقتصادية منها ، والزراعية ، والثروة الحيوانية ، هذا ما شملته زيارة مرسى للسودان ، في 4 أبريل/ نيسان 2013، كما تم الاتفاق على إقامة منطقة صناعية مشتركة بينهما ، وأيضاً افتتاح طريق برى شرق النيل، والطريق الغربي، خلال الأشهر القادمة. (22) وقد تردد في الإعلام المصري ، الحديث عن المناطق الحدودية بين البلدين ، خاصة وضع حلايب وشلاتين ، الذي تزامن ذلك مع تصريحات على لسان مسئولين سودانيين، أن مرسي تقدم بوعود للسودان بعودتهما ضمن حدوده ، وهو ما نفاه المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية المصرية ، إيهاب فهمي، لكن ما حملته تصريحات القطب الإخوانى . مهدى عاكف ، حول هذه القضية ، التي ركزت على القومية العربية فى العلاقات مع السودان ، وعلى أن وقوع حلايب و شلاتين ضمن الحدود المصرية ، أو الحدود السودانية ، لا يختلف الأمر، وهو ما يعتبر تمييعاً للقضية ، مما يدق ناقوس الخطر حول سيادة مصر على أراضيها ، وبعد خطاً أحمر لمفهوم الأمن القومي المصري، وهو ما يظهر التناقض التام عن وعود مرسي الانتخابية ، وتعهده بالحفاظ على الأمن القومي المصري ، دون المساس به.

وبعد ،،،

فإن المحرك الرئيسي في السياسة الخارجية المصرية ، تحت حكم الأخوان ، هو المحرك الاقتصادي ، يظهر ذلك في بنائه للعلاقات مع طهران فعلى الرغم من التضارب المستمر بين كل منهما ، إزاء الملفات السياسية ، والصراع على النفوذ المذهبي بينهما في المنطقة ، فإن الرؤية الإخوانية  لإيران ، على أساس اقتصادي فحسب ، فهي بذلك تضع على عاتقها العلاقات مع الإدارة الأمريكية ، التي ترى في تعزيز التعاون مع طهران ، ضرراً في مصالحها في الشرق الأوسط . حينما نتطرق لعدد الزيارات الدولية التي قام بها مرسي ، تحت مسمى ” دعم مصر اقتصادياً “، لم تكن أكثر من شكلية ، ويتخذها النظام الإخواني مبرراً للهروب من الأزمة الداخلية ، أضف إلى ذلك أنها كانت تحمل عبء على ميزانية الدولة. فالتقدم الملحوظ للسياسة الخارجية ، هو التقارب الفعلي مع الدول الإفريقية ، وما قام به ليس النظام ، وإنما القوى الشعبية ، التي أخذت بعداً دبلوماسياً أكثر فاعلية من ذي قبل .

الهوامش :

  • محمد أبو رمان، إدماج الإسلاميين في السياسة العربية (فرص- التحديات- العوائق)، من موقع مركز القدس للدراسات السياسية

http://www.algudscenter.org/arabic/pages.php?local_typ

  • زيغنو بريجنسكي ، السياسة الخارجية الأمريكية: تحديات القيادة في القرن الـ21، شئون الأوسط (بيروت) ، يناير/ كانون الثاني 1999، ص17
  • محمد عبد العظيم ، حدود التغيير: الشرق الأوسط في ولاية أوباما الثانية ، السياسة الدولية (القاهرة) ، يناير / كانون الثاني 2013، ص124-127.
  • المصدر نفسه.
  • محمد بيلى العليمى، الإقليمية المعايرة: العلاقات المتوسطية على ضوء الربيع العربي، السياسة الدولية (القاهرة)، يناير / كانون الثانى2013، ص38- 44.
  • العلاقات المصرية- الأوروبية ، موقع الهيئة العامة للاستعلامات ، 3/4/2013

http://www.sis.gov.eg/lastpag.aspx?category

  • موقع “الجزيرة”، 29/3/2013

http://www.aljazeera.net

  • العلاقات المصرية الألمانية ، من موقع الهيئة العامة للاستعلامات.
  • المصدر نفسه.
  • ضياء الدين القوصى، معادلة مراوغة: دوافع أثيوبيا لبناء السدود على نهر النيل، السياسة الدولية (القاهرة) ، يناير / كانون الثانى2013 من ص 64- 70.
  • المصدر نفسه.
  • جوزيف رامز أمين ، سياسة هيلا ميريام: هل تتأثر العلاقات المصرية، الأثيوبية بعد وفاة زيناوى؟ ، السياسة الدولية (القاهرة)، أبريل / نيسان2013.
  • سعيد عكاشة، تراجع فلسطيني: الصعود الاسلامى و إعادة ترتيب أولويات السياسة الإسرائيلية، تحويلات إستراتيجية، ملحق مجلة السياسة الدولية، (القاهرة)، أبريل / نيسان2013، ص23- 27.
  • المصدر نفسة
  • موقع إسلام أون لاين ، 18/2/2013

http://www.islamonline.net/servelt/s…wa%

  • عماد الدين أديب ، أول رئيس مصري في إيران ! ، الشرق الأوسط ، 14/3/2013.
  • عزت عبد الواحد ، نتائج محدودة : العلاقات المصرية- الإيرانية بعد زيارة نجارما السياسة الدولية (القاهرة)، أبريل / نيسان2013، ص 112- 115.
  • مصر وتركيا ، من موقع الهيئة العامة للاستعلامات ، 3/4/2013.

http://www.sis.gor.eg/ar/lastpage.aspx?category_id

  • حسنى قباني، مريى في باكستان والهند.. مصر الثورة تطرق أبواب أسيا، من موقع العهد الاخبارى ، 13/2/2013.

http://www.alahednews.com

  • معتز سلامة ، محددات العلاقات المصرية السعودية فى المجال الخليجى، ملف الأهرام الاستراتيجي، سبتمبر / أيلول، 2012.
  • العلاقات المصرية القطرية، موقع الهيئة العامة للاستعلامات.
  • العلاقات المصرية السودانية، موقع الهيئة العامة للاستعلامات .
  • خاص – المركز الديمقراطي العربي
Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى