خـــــــطـــــاب الــــمــــا بــــعـــــديــات نمط تدين وقيم الإسلام السياسي أنموذجا
Patterns of Religiosity and the Values of Political Islam as a Model

اعداد : الدكتور رشيد العزوزي – باحث في تحليل الخطاب
المركز الديمقراطي العربي : –
-
مجلة العلوم السياسية والقانون : العدد الخامس والأربعون أيلول – سبتمبر 2025 – المجلد 11 – وهي مجلة دولية محكمة تصدر عن #المركز_الديمقراطي_العربي المانيا- برلين.
- تُعنى المجلة في الدراسات والبحوث والأوراق البحثية عمومًا في مجالات العلوم السياسية والعلاقات الدولية،والقانون والسياسات المقارنة، والنظم المؤسسية الوطنية أو الإقليمية والدولية.
Nationales ISSN-Zentrum für Deutschland
Journal of Political Science and Law
للأطلاع على البحث من خلال الرابط المرفق : –
ملخص |
تحاول هذه الدراسة تتبع أهم المسارات والمنعطفات التاريخية الكبرى التي مر ويمر بها الإسلام السياسي، من حيث مرجعياتهه، وتصوراتهه، ومفاهميمه، واستراتيجياته التي انتقلت من الإسلام السياسي الصلب، إلى الإسلام الملبرل، ثم مرحلة الإسلام السائل، وهي تعيش الان ما يمكن تسميته بالإسلام المجاني، هذه التحولات حتمت علينا التوسل بمناهج متعددة تمثلت في المنهج التاريخي والمنهج التحليلي التفكيكي. فالمنهج التاريخي سمح لنا بتتبع المسار الفلسفي والسوسيوسياسي لخطاب المابعديات عموما، ونمط تدين وقيم الإسلام السياسي خصوصا، أما المنهج التحليلي والتفكيكي فسعينا من خلاله إلى مساءلة الخطاب الذي تنتجه هذه الحركات، عبر تفكيك بنياته اللغوية والرمزية من خلال ربط الفكر بالممارسة، للكشف عن الثابت والمتحول في هندسته الإيديولوجية. لتخلص الدراسة في الأخير إلى أن ما بعد الإسلام السياسي فكرة يمكن أن تصدق على حركة أو حركات بعينها، لكن في المقابل يصعب تعميمها على مجمل الحالة الإسلامية.
الكلمات المفتاحية: الخطاب-الإسلام- السياسة- السوق- الما بعد- التاريخ- النهايات |
Abstract |
This study seeks to trace the major trajectories and historical turning points that political Islam has undergone and continues to experience, particularly with regard to its references, conceptual frameworks, visions, and strategies. These strategies have evolved from a rigid or “hard” form of political Islam, to a more liberal Islam, then to what has been described as “liquid Islam,” and are currently manifesting in what may be termed “free Islam.” Such transformations necessitated the adoption of multiple methodological approaches, most notably the historical method and the analytical-deconstructive method. The historical method allowed us to follow the philosophical and socio-political trajectory of post-ism discourses in general, and the modes of religiosity and values within political Islam in particular. Meanwhile, through the analytical-deconstructive method, we sought to interrogate the discourse produced by these movements by dismantling its linguistic, symbolic, and ideological structures, and by linking thought to practice in order to uncover both the constants and the variables in its ideological architecture. The study ultimately concludes that the notion of “post-Islamism” may accurately describe certain movements, yet it remains difficult to generalize across the entirety of the Islamic political phenomenon.
Keywords: discourse – Islam – politics – market – beyond – history – endings |
تقديم:
ترجع الأطر المعرفية للإسلام السياسي إلى القرن التاسع عشر، وما عرفه العالم العربي من دينامية فكرية /النهضة/اليقضة[1]، حيث تبلورت عدة مشاريع فكرية لحلحلة الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للأمة العربية من المحيط إلى الخليج.
من بين هذه المشاريع مشروع أسلمة السياسة الذي حاول تقديم إجابة لواقع مأزوم، لخصته كبرى مدارس هذا التوجه حركة الإخوان المسلمين بمصر في شعار ” الإسلام هو الحل”؛ لكن الواقع كان أمر الحضاري في المنطقة كان أعقد مما تتصور، فأصبح هو من يؤثر في الحركة داخل وخارج القاهرة، لا هي من تؤثر كما يمكن أن يستشف من تحولات الحركة الإسلامية.
والرصد التاريخي لمسارات الإسلام السياسي وتفكيك خطابها يمكننا من وضع تحقيب ثلاثي له يتمثل في مرحلة تسيس الإسلام، ثم مرحلة ربطه باقتصاد السوق، وأخيرا مرحلة السيولة، في كل مرحلة كان سؤال الاستمرار والقطيعة مطروحا، وهم البدايات والنهايات حاضرا، وهاجس المالات مؤرقا للفاعل والمتابع.
الإشكالية:
عرف الإسلام السياسي قبيل وبعد ما عرف بالربيع العربي مستجدات عدة في الفكر، وتغيرات شتى في الممارسة، مست المعنى؛ أثرت في نمط التدين وعدلت في النموذج القيمي، وصلت عند البعض حد نزع القداسة عن الالتزام التنظيمي في السياسة، والانتقال من المطلق إلى النسبي في الفلسفة؛ فما هو سياق هذا الانقلاب وكيف نفهمه؟ وما هي أبرز سماته وخصائصه؟ وماهي مالاته؟
أسئلة الدراسة:
هل انتهى التاريخ مع الانتشار العمودي والأفقي للفكر الليبرالي؟ في زماننا، زمن بعد ما بعد الحداثة هل نعيش عصر النهايات أم خطاب الما بعديات؟ بأي معنى يمكن الحديث عن ما بعد الإسلام السياسي في المنطقة العربية؟ ماذا عن إسلام السوق؟ ما سماته وخصائصه؟ هل انتقلنا من الإسلام الليبرالي إلى الإسلام السائل.
الفرضيات:
سنسعى من خلال هذه الورقة البحثية إلى التحقق من صحة الفرضيات التالية:
- الفرضية الأولى: نعيش تاريخ النهايات.
- الفرضية الثانية: نعيش عصر الما بعديات.
- الفرضية الثالثة: الإسلام السياسي انتهى فكرا وممارسة.
- الفرضية الرابعة: إسلام السوق استمرار وقطيعة للإسلام السياسي.
الإطار المنهجي:
- المنهج التاريخي.
- المنهج التحليلي والتفكيكي.
تصميم الدراسة:
- أولاً: خطاب الما بعديات أم عصر النهايات.
- ثانياً: ما بعد الإسلام السياسي.
- ثالثاً: مفهوم إسلام السوق.
- رابعاً: السمات والخصائص.
أهمية وأهداف الدراسة:
تتحدد أهمية هذه الورقة في سعيها إلى تسليط الضوء على خطاب الما بعديات عموما، والإسلام السياسي خصوصا، بالنظر إلى التحولات الأخيرة التي باتت تعرفها الحركات الإسلاموية فكرا وممارسة قبيل وبعد تجريب الحكم في أكثر من بلد عربي.
وتكمن أهدافها في فك الارتباط بين خطاب النهايات وخطاب الما بعديات، ثم ربط ذلك بما بعد الإسلام السياسي وبعد ما بعده، نظرا لتغير الرهانات والهواجس، وبالتالي الانتقال من براديغم إسلام السوق إلى براديغم الإسلام السائل فظاهرة الإسلام المجاني.
أولاً: خطاب الما بعديات أم عصر النهايات
من المعلوم أن خطاب النهايات ليس جديدا على الفكر الإنساني بل صداه تردد منذ الأزمنة القديمة حتى التاريخ الراهن مرورا بالوسيط والحديث، سواء كان الباعث أسطوريا أو دينيا أو فكريا أو هما معا، لتحقيق غايات معينة في سياقات محددة.
فكرة نهاية التاريخ (دون المصطلح) ليست جديدة أو مُستحدثة؛ بل هي فكرة كان لها دعاة منذ القدم بدءاً من الفكر اليوناني؛ فأفلاطون رأى أن نهاية التاريخ تكون بارتقاء الروح الإنسانية من عالم الواقع إلى عالم المُثل، حيث يجمع بين النزعة الروحية والنزعة العقلية وذلك عن طريق إيمانه بالفلسفة التي تستطيع أن تخلص النفس وتدخلها النعيم. بينما أرسطو في كتابه “السياسة” ربط نهاية التاريخ بنهاية النظم السياسية الفاسدة (أمين، 1953 ص 105)
في العصور الوسطى حضرت النهاية التي عبر عنها النبي محمد بقوله” تكونُ النُّبُوَّةُ فيكم ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ – تعالى -، ثم تكونُ خلافةٌ على مِنهاجِ النُّبُوَّةِ ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ – تعالى -، ثم تكونُ مُلْكًا عاضًّا، فتكونُ ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ – تعالى -، ثم تكونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فيكونُ ما شاء اللهُ أن يكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ – تعالى -، ثم تكونُ خلافةً على مِنهاجِ نُبُوَّةٍ. (الألباني)
وتحضر في الفكر الكهنوتي المسيحي مع سان أوغسطين المفكر المسيحي الذي رأى في انتصار مدينة الله، التي أسسها المسيح مقابل المدينة الأرضية، حيث ينتمي المرء إلى مدينة الله فقط إذا كان يوجه حبه إلى الله حتى على حساب محبته لنفسه، وينتمي إلى المدينة الأرضية أو مدينة الشيطان فقط إذا ما جعل محبة الله تالية لمحبته لنفسه، مدينة الله أخلاقيا تعتبر هدفا نهائيا وأخرويًّا تفهم على أنها نهاية الزمان.
في عصر النهضة رأى ميكيافلي في نهاية تشرذم أوروبا عموما وإيطاليا خصوصا، وانتقالها إلى إطار قومي موحد، عنونه العريض “الأمة”، نهاية التاريخ بحكم أمير واقعي، له القدرة على الفصل بين السياسي والأخلاقي[2].
من جهته اعتبر “هيغل” أن انتصار الثورة الفرنسية 1806م (معركة جينا) كان إيذاناً بإعلان نهاية التاريخ، حيث يعتبر هيغل أن في انتصار مجتمع أو دولة نهاية للتاريخ، وهو ما تحقق بانتصار الثورة الفرنسية وما لحقها من حروب نابوليونية؛ نابوليون الذي نظر إليه هيجل كـ “روح العالم” ممتطيا حصانه مؤيدا تصدير الثورة الفرنسية للدساتير الليبرالية في جميع أوربا كان هيجل يعني بالروح تطور الفعالية الانسانية أو العملية التاريخية للانعتاق وهو ما اشتغل عليه كارل ماركس بعد صياغته صياغة عكسية.
إن نهاية التاريخ لدى ماركس تتمثل في المجتمع اللاطبقي، حيث ستنتهي الرأسمالية إلى نقيضها الشيوعية، وقتها ستنعدم الطبقات ويتوقف الصراع، ستنتهي وسائل القهر من جيش وشرطة، مجتمع لا يستحوذ فيه أحد على مجال النشاط، فالإنسان الشيوعي يستطيع أن يفعل شيئا اليوم وآخر غدا، أن يقتنص في الصباح، ويصيد بعد الظهيرة، ويربي الماشية في المساء[3] واقع إنساني سوسيو اقتصادي سيأتي تتويجا لمراحل وتطورات أربعة سابقة.
حسب المتن الماركسي مر تاريخ البشرية “بعدة تطورات ومراحل، ابتدءا من الشيوعية البدائية الجماعية إلى نظام الطبقات، متمثلا في انقسام المجتمع إلى سادة وعبيد في العصور القديمة، وإلى سادة إقطاعيين وأقنان في العصر الإقطاعي، ورأسماليين وعمال أجراء في العصر الحديث، وأن هذا التطور يتجه بفعل القوانين التي تتحكم فيه إلى نظام جدید تزول فيه المصالح الاقتصادية المتضاربة (طحطح, 2009 ص 61- 62 (.
حتى الان يتضح لنا عمق الاختلاف بين فكرة نهاية العالم كما تم التعبير عنها في الديانات المُختلفة، والتي تتنبأ دمارًا كاملاً للأرض أو للحياة على الأرض، ونهاية الجنس البشري وفكرة نهاية التاريخ باعتباره مفهوم سياسي وفلسفي يفترض أن نظامًا سياسيًا أو اقتصاديًا أو اجتماعيًا معينًا قد وصل إلى مستوى من الاكتمال والنضج بحيث يشكل نقطة النهاية لتطور البشرية.
كل هذه الأفكار التي تشكل فلسفة ما للتاريخ لم تجعل فكرة النهاية محورية في متنها، وإنما كانت على هامشه حتى أنه لم يخصص لها مؤلف منفرد؛ فهي تحصيل حاصل بالنسبة للفكر الديني، وتتويج ويستفالي للعقل السياسي، وسيرورة تاريخية في المشروع المثالي والمادي الجدلي، وكل ما ذكر وزيادة مع نظرية فوكوياما.
هذا الرجل الذي حفر في الفكرة أكثر من غيره حتى ارتبط اسمه بأطروحة النهاية التي تعد تكثيفا فكريا للسرديات الكبرى التي تحدثنا عنها انفا لاعتبارات عديدة، لعل من أهمها أن الرجل رغم أصوله الأسيوية يبقى فكره إفرازا صريحا للحضارة الغربية باعتبارها مركزا، كسب المعركة الحضارية وباقي النماذج يجب أن تباد، أو تبقى بالضروة على الهامش وإن اقتضى الأمر استعمال القوة، كما أن هذا الياباني الأصل لا يخفى على أحد قربه من المحافظين الجدد.
على كل حال مضمون أطروحة فوكو ياما طرحه لأول مرة ” في مقال له نشر في مجلة “The national interest” خلال عام 1983 تحت عنوان “نهاية التاريخ”، ويقول فرانسيس فوكوياما لقد طرحت في ذلك المقال الفكرة التالية “يبدو أنه قد ظهر توافق مدهش في السنوات الأخيرة يتعلق بالديمقراطية الليبرالية كنظام للحكم لأنها انتصرت على الإيديولوجيات المنافسة كالنظام الملكي الوراثي والفاشية وأخيراً الشيوعية، ويقول أيضا “ لقد أشرت فضلاً عن ذلك إلى أن الديمقراطية الليبرالية بإمكانها أن تشكل فعلاً منتهي التطور الأيديولوجي للإنسانية (فوكوياما،1993 ص15)، أي “نهاية التاريخ نهاية الحروب والثورات الدموية، فباتفاقهم على الغايات تزول القضايا الكبري التي يتقاتل الناس باسمها (فوكوياما، 1993 ص270)
عموماً لقد تعرضت فكرة نهاية التاريخ لسيل من الانتقادات في الغرب إذ اعتبرها دريدا قمع لأي معارضة سياسية أو أيديولوجية للأنظمة الأيديولوجية السائدة. وأن المثال الليبرالي الديمقراطي الذي يزعم بانتصاره النهائي لا يزال يعاني كثيرا كما هو واقع اليوم والمثلة كثيرة، أزمة 2008 ودعم الديكتاتوريات، ما عرف بالربيع العربي، ناهيك عن تعدد أقطاب الاقتصاد العالمي، وعودة اليسار البوليفاري. أما في الشرق فقد اعتبر سمير أمين مقولة نهاية التاريخ خطابا قديما جديدا لكل الإيدولوجيات المهيمنة. بل إن فوكوياما نفسه تراجع عن أغلب أفكاره فيما يخص نهاية التاريخ فهل الأمر يتعلق بالنهايات التي لها بدايات أي الما بعديات؟ بمعنى التجاوز وليس القطائع النهائية؟
هذه المقولات حول النهايات والبدايات، لا تقرأ بصورة حرفية وساذجة، بوصفها قطيعات حاسمة وفاصلة بين أطوار من الوجود والعدم، إذ الحاضر هو في النهاية ما قاد إليه الماضي، تماما كما أن المستقبل هو ما يمكن أن يقود إليه الحاضر. ولذا نحن إزاء عبارات تأويلها أن العالم الموجود، نفسه، لم يعد كما كان عليه، إن من حيث زمنه وفضائه، أو من حيث نظامه وإيقاعه، أو من حيث قواه وآلياته، فضلا عن عقلانيته وأنسيته (حرب, 2000 ص 67 (.
إن النهايات والبدايات في حياة المجتمعات ليست نهايات وبدايات مطلقة وإنما اللحظة التي تتغير فيها قيم المجتمع ومؤسساته، لحظة انتقال تاريخي من نهاية قيم ومؤسسات لبداية قيم ومؤسسات جديدة.. فالتاريخ، كالكون والحياة، دورات، والدورة التاريخية هي التدفق الكامل لأحداث كائن تاريخي في دورة زمنية كاملة. و تمتد الدورة التاريخية الواحدة في المتوسط من 100 إلى 300 سنة، وتتخللها غالبا أحداث عنيفة بشكل دوري (كل 50 سنة وفق قانون بيتر تورشين)، ولبداية ونهاية الدورات التاريخية علامات تدل عليها أهمها الازمات. (أوهلال، 2021 ص 17) التي غالبا ما ينجح الإنسان في تجاوزها.
والتجاوز يعني الانتقال إلى منطقة فكرية جديدة، تمارس المشروعية المعرفية فيها، عبر شبكة جديدة من المقولات، مثل المعرفة والقوة، النص والحقيقة، قواعد الخطاب وأفعال الكلام، الاستراتيجيات التأويلية والسرديات العقلانية، الفكر التركيبي والفعل التواصلي، فضلا عن مفاهيم التسوية والمراهنة، أو اللعبة والمجازفة، أو الخرق والتجاوز، أو الزحزحة
والإحالة، أو الاختلاف والمغايرة، أو الصرف والتحويل.. (علي، 2004 2004 ص 169). انتقالات عميقة جدا وسريعة للغاية لا تنفع معها الرؤية مع أو الرؤية من أسفل، وإنما الرؤية من فوق لتحقيق وعي حقيقي بها.
رؤية الأشياء من أعالي التاريخ تمنحنا نظرة أوسع وأعمق وأبعد للأحداث ولحركتنا فيها، أما الرؤية الضيقة لأشياء من أسافل الأحداث فمحدودة الافق، لذلك يحتاج الفاعلون الذين يحملون مشاريع تاريخية إلى اكتشاف الدورات التاريخية لأنها تقدم لهم فهما أفضل لحركتهم في التاريخ. والفاعل الذي لا يعرف دورات التاريخ محكوم عليه أن يعيش أسيرا ومفعولاً به داخل الزمن السياسي لا حرا وفاعلا عبر الزمن التاريخي (علي، 2004 ص 17 -18 ) .
هذا النوع من الرؤية افتقده فوكوياما عندما جازف بتعميم منظوراته على بعض المجتمعات ذات الخصوصية التاريخية مثل المجتمعات الإسلامية التي يتطرق لها في كتابه اللهم إشارات شاحبة حول إيران التي اختصر فيها العالم الإسلامي وتاريخه منتقلا إلى إبراز دورها في مستقبل الصراع العالمي وبناء المجتمع الدولي الجديد، مجتمع ما بعد الثنائية القطبية على المستوى الدولي، وما بعد الإسلام السياسي على المستوى العربي الإسلامي.
ثانياً: مــا بعد الإسلام السياسي
استقرت الحالة الإسلامية على نوع من التعامل الحذر عندما حاولت بعض التنظيمات ذات المرجعية الدينية الوصول إلى البرلمان عبر مدخل تجريب الانتخابات هذه المرة، بأذرع حربية متوارية، وأخرى عديدة في صيغة مدنية، منها الحركة للدعوة، والجمعية لـ ”الإحسان”، والفصيل الطلابي بالجامعة، والنقابة للشغيلة.
طرح راهن عليه الإسلام السياسي كثيرا، واعتقد أنه راكم ما يكفي من الجناح الحزبي للوصول إلى السلطة مع ما عرف بالربيع العربي، لكن سرعان ما اتضح فشل تدبيره السياسي، وانحسار نموذجه الديني المنغلق، والفكري الجامد، وسط عالم لا يهدأ له بال، يعج بشباب لم يعد يقبل تنميط واجترار تنظيمات “أرثوذوكسية” أفقيا، ويرفض علاقة الشيخ بالمريد عموديا.
هذا النسق التنظيمي البطيء في عالم متسارع، وذاك اليأس من مناهج التعليم والدعوة بالجماعة ستدفع حسب الباحث المصري حسام تمام “مجموعات من الشباب المبادر، حديث التعليم، كي يتحرك ويؤسس عمله الخاص، سواء الدعوي أو الاقتصادي. وسيظهر في ما بعد وفي الإطار نفسه “الإسلامي الناجح”، صاحب الفاعلية الاقتصادية، والمتحرر من الالتزام السياسي، مستثمرًا قيم الثروة والإنجاز. إنه نوع جديد من التدين ارتكز على الثروة واخترق بعمق خيال الإسلام الجديد في مصر”.
في خضم هذه الانقلابات الكبرى، اقترحت عدة حلول ركزت على إحداث ثورة في المنهج (المنهج الاقتصادي) وابتكار في المضمون (الإدارة والتنمية)، منهج ومضمون سيروجه الشيخ/الأستاذ/الداعية/المدرب/المفتي مع فجر التسعينيات، أمثال طارق السويدان، ومحمد أحمد الراشد، ومحمد التكريتي، ثم نجيب الرفاعي وغيرهم من المتشبعين بالفكر الإداري، المنتشر بقوة وقتها في جامعات الاقتصاد الأمريكية، حيث تواجدوا لمدة من الزمن.
وهكذا، مع منتصف تسعينيات القرن المنصرم، عرف الإسلاميون تحولات ومنعطفات جديدة في مسارهم، بعد فشل الصحوة الإسلامية وفي قلبها الإسلام السياسي، كما عبر عن ذلك أكاديميون؛ ما أجبرهم على النزول بورقة أخرى، من سماتها “تعايش الأسلمة والعولمة”، سماها الباحث السويسري بارتيك هايني “إسلام السوق”.
ثالثاً: مــفــهـــوم إسـلام السوق
لقد عرف هايني إسلام السوق بأنه مزيج من النزعة الفردانية المتعولمة ونزع للقداسة عن الالتزام التنظيمي، بما يتضمنه ذلك من التخلي عن الشعارات الكبرى التي كانت تدعو إلى أن الإسلام هو الحل وإعادة النظر في فكرة شمولية الإسلام لكل مناحي الحياة.
إن شئنا، حسب الباحث المغربي عبد الهادي أعراب تدين “منزوع الدسم” يعبّر عن “برجزة” سيرورة الأسلمة، وإعادة برمجة العرض الديني ليوافق العالمية، أو قل هو إسلام البورجوازية المتدينة الجديدة الخالي من أي تعبير ديني عن المحرومين والمهمشين، والأقرب إلى التدين العملي الرأسمالي الذي رصده “ماكس فيبر” لدى البروتستانت؛ هو روح أو توجّه جديد توطّن وانتشر وامتد إعلاميا امتداد الشلال؛ فصار ظاهرة مجتمعية لدى الطبقات الوسطى الحضرية.
ينفي باتريك هيني أن يكون إسلام السوق حركة مؤسسة على حزب أو تنظيم، ولا تيارا إيديولوجيا كالسلفية، أو سياسيا كالإسلام السياسي. ولا يمثل “إسلام السوق” مدرسة في الفكر الديني، وإنما في الواقع هو حالة أو توجه قادر على التوطن والتأثير في كل حقائق الإسلام المعاصر، يمكن أن يتجلى في بعض أنماط الحياة وأشكال معينة من الدعوة لدى السلفية والإخوان والصوفية أيضا.
مفهوم مرتبط بما يعرفه عالم اليوم في ما يسميه الفيلسوف البولندي زيجمونت باومان الثقافة السائلة، لا يمكن القبض عليها إلا عبر استيعاب انقلاب العقل والخطاب الإسلامويين، من مرجعياته الكبرى ونظرته الشمولية للأنا والغير وما يتوسطهما، إلى أطروحات ما بعد الإسلام السياسي والمقاربة التقنوقراطية، المهمشة نسبيا للإيديولوجية، المتكيفة مع متطلبات ترويج المنتجات الثقافية والرمزية في السوق الاقتصادية، بطريقة مكشوفة، ميكيافيلية، من شعاراتها الغاية تبرر الوسيلة، وإن تعلق الأمر بـ”الدين”.
رابعاً: الـسـمات والـخـصائص والمالات
أ_ السمات السوسيولوجية
لمعالجة سمات وخصائص “إسلام السوق” لا بد من رصد النقلة النوعية، من عدة مفاهيمية دينية قيمية قديمة ثنائية، لا مجال فيها لأفكار وسطى زادها: الكفر والإيمان – دار الحرب ودار الإسلام – الدنيا والآخرة -الجنة والنار – النور والظلام – مجتمع ملائكي ومجتمع شيطاني، وغيرها من تقابلات الخطاب الأصولي، المحكوم بثالوث العنف والمقدس والحقيقة[4]
انتقال تكتيكي استهدف به أصحابه تغيير الآليات، إيمانا منهم بتطور الواقع، أو انصياعا لمنحى التاريخ. في الحالتين فإن العولمة حاضرة مؤثرة في كل شيء، وذلك ما يمكن الوقوف على حقيقته عبر استحضار الجهاز المفاهيمي الجديد تسليع الإسلام- إسلام المشاريع – سوق الحلال والبركة – علمنة التديّن – عصرنة الدعوة – المنجمنت الأخلاقي – عالم الألبسة المعولم – فقه الازدهار- أسلمة العولمة – الحشمة – التمثيل – الصورة الفاضلة – ومجتمع الفرجة.
هذا المنحى عملية خطرة ومكلّفة، لأنها ترمي إلى اقتطاع مفاهيم إسلامية من سياقها اللغوي والحضاري وإذابتها في سياق معولم سائل، لذلك فهي ليست سوى مجرد جهد ترقيعي وتوافقي بين الإسلام والغرب بشكل ضمني أحيانا وعلني أحيانا أخرى.
فبإعادة تفسير وإحياء الإسلام في ضوء العولمة تمكن “فرسان إسلام السوق” من الدخول إلى الحداثة، دون شرط المرور بالتنوير كما حدث في أوربا، ما يعني أن محاولة التحديث والعصرنة لم تتم تيولوجيا، وإنما توقفت سوسيولوجيا عند حدود التكيف والمواءمة دون طرح بديل صلب (العزوزي، 20 فبراير 2019)
إن “الحداثة الدينية الحقيقية لا تتم إلا عبر نزع الطابع الأيديولوجي للديني؛ ولأن الأمر اقتصر هاهنا على العواطف والمشاعر بعيدا عن مراجعة الأسس النظرية، نكون بذلك أمام مرحلة تحديث دون مشروع الحداثة، وعليه إسلام السوق لا يقدم إلا النموذج المحلي لروح الرأسمالية، أي نسخة محلية لإحياء المضامين والمعاني القديمة، تجعل من الإسلام مجرد محرك أو أداة للعلمنة أو إطارا أكثر منه محتوى، أو مظهرا أو تمثيلا. ( قراءة في كتاب “إسلام السوق” لباتريك هايني، مايو 2016)
والسبب في ذلك يرجع إلى اعتماد “فلسفة النظر” المتلونة بالإعجاب والتلذذ حد الافتتان، إلى درجة أصبح معها كل ما يعاش، يعاش على نحو غير مباشر، مبتعدا متحولا إلى تمثيل، وفرجة في حركية مستمرة طبعت المجتمعات المعاصرة، تستعمل وسائل متنوعة من دعاية وإعلان وإشهار، لتجعل مرئيا ذلك العالم الذي لم يعد يمكن الإمساك به مباشرة، تجعله تحت الأنظار[5]
وهكذا من الطبيعي أن يصبح “النظر” مع الإسلاميين هو الموجه والغاية، الحكم والفيصل لمشروع “الجماعة”، بعدما كان “القلب” مضغة الجسد، التي إذا صلحت صلح “الفرد”؛ حتى القلب اليوم أصبح في حاجة دائمة حتى لا ينقلب إلى الترانيم والأناشيد الدينية الحماسية وغيرها من الأجناس الفنية المغرقة مضامينها في التغني بالمحن والمنح ذات الأثر من حيث التعبئة، للترويح عن النفس وللتحكم في استجابات الجمهور كما كان يعتقد الجيل الأول.
أما بالنسبة للجيل الثاني والثالث من أبناء حركات الإسلام السياسي، خصوصا الذين تواجدوا بالغرب، فقد “استحل كل أنوع المعروضات التعبيرية الفنية بما فيها الراب، والروك وغيرهما، وبكافة الأدوات الموسيقية المتوفرة، لكي يرضوا الجمهور الذي بدا متعطشا لهذا النوع من الأغاني التي يشعر فيها بالاسترخاء والسعادة والنشوة، بدل تلك التي تذكره بالموت وبالتعاسة وبالجهاد وبالمحن حتى اللباس (الحجاب نموذجا) “الذي يرمز إلى حياء المرأة أصبح يستعير العلامات التجارية الغربية (هايني، 2015 ص 35) ولم يعد فقط رمزا لـ “حشمة” و”تقوى”، وإنما للتباهي والموضة والزينة والتموقع الاجتماعي، بل والتماهي مع آخر صيحات السوق التجارية وقوانينها الكافرة بالمقدس، المهتمة بمنطق العرض والطلب، كما حدث في تركيا العلمانية/ الإسلامية التي تزامن ولوجها إلى السوق الحر مع تشكل طبقة أدنى بقليل من البورجوازية، وأكبر بكثير من المتوسطة، شكلت ما يعرف الآن بالنموذج التركي، الذي يحاول حزب العدالة التنمية هناك تصديره للعالم العربي عبر الإعلام، ومن خلال شركات النسيج التركية التي غزت الأسواق العربية، خاصة تلك التي تربطها بأنقرة اتفاقية تبادل حر مثل المغرب.
ب- الخصائص التنظيمية
يلاحظ التراجع الذي أصاب السردية الإسلاموية الكبرى، بالمقام الأول، في الحياة اليومية للمناضل الإسلاموي. لا سيما داخل حركة الإخوان المسلمين. فالقواعد المنظمة للعلاقات بين الأفراد، والعلاقة مع التنظيم، ومعنى الانضباط، أو ما يسمى بالثقافة الإخوانية لم تعد أمرا مسلما به. تتأكل مصداقية التنظيم بشكل مستمر في نظر مجموعة من ناشطيه بحيث لم يعد يمثل لهم كيانا مسئولا عن التنشئة الاجتماعية. فالتخف الذي أصاب مفهوم الحياء، وانبثاق معان أكثر نسبية للقيم، وتزايد حالات الانخراط في هياكل أخرى خارج الإطار الإسلاموي، وتلاشي العلاقات المتصلة بين الحركة ومحيطها؛ هذه المظاهر توضح أن المطالبات بالاستقلالية الذاتية تتأكد أكثر فأكثر بحيث تقف کشاهد عيان على عملية نزع القداسة عن التنظيم داخل القواعد الإسلاموية (هايني، إسلام السوق، 2015 ص 48) التي دخلت في صراع مفتوح مع جهات عدة.
صراعات على جميع المستويات، فمن صراعاتها الداخلية في كل حركة وحزب، إلى صراعاتها البينية على احتلال مواقع المجتمع الذي تعيش فيه، إلى صراعها مع الحكومات التي تعيش في ظلها، إلى صراعاتها الإقليمية والدولية، فهي تعاني كثيرا (سلطان، 2015 ص 9 ) مع هذه الجهات بالقدر نفسه الذي يعاني فيه أي فرد فكر في الانسحاب من هذه البنية.
علاقة من قرر الخروج من دائرة التنظيم ربما لافتقاد القناعات اللازمة للاستمرار أو بسبب زعل طارئ أو خصام مع مسؤول وكل ذلك يحدث.. تتحول إلى حرب وإن كان رفيق درب طويل وتصبح الخصومة معه أشد وأقسى ويصل التجريح إلى مداه، فكل شيء يصبح مستباحا فيه.. من فكرة أن الدعوة تنفي خبثها إلى شتى التهم بالعمالة والخيانة.. وكل ذلك يتم بدعوى حماية الدعوة..فالعلاقة السابقة لم تكن علاقة في الله خالصة إنما هي علاقة بسبب الاتحاد في التنظيم (سلطان، 2015 ص 162- 163) وباقي المؤسسات التي تسير في فلكه.
تجاذبات قوية تخيم على المؤسسات والتنظيمات الداخلية لتيار الإخوان، حول مهام وصلاحيات الأحزاب ووصايتها على بعض الجمعيات الفاعلة، أفضى إلى قطعية غير معلنة بين الطرفين، وحتى إلى أزمة صامتة داخل البيت الإخواني..المنذر بصدام في أي وقت بسبب الطموحات السياسية لمختلف الأطراف، إلى جانب رغبة القيادات السياسية في الإبقاء على الأذرع المدنية في الصفوف الخلفية وإملاء التوجيهات عليها ( الأذرع الخيرية الإسلامية بالجزائر تتبخر في ذروة أزمة كورونا،).
ج- هل انتهى الإسلام السياسي إذن
مبدئيا يمكن القول أن المشروع الإسلامي لدى هذه الحركات لم يعد مشروعا مطلقا فقط، بل أضحى مشروعا متجاوزا من الناحية العلمية (سطي، 2014 ص 7 ) والتجاوز يعني التواري واستنفاذ الأغراض وليس الانتهاء، لأن التنظيم مر بمحطات أسوأ من انتكاسة ما بعد ” الربيع العربي” ولم يقبر، ولأن رموز المشروع اغتيلو وسجنوا ولم تنته الفكرة، ولأن ما يصدق على فصيل أو حركة في بلد عربي ما يصعب تعميمه.
إن كبار مؤسسي الإخوان أعدموا واغتيلوا ولم تنتهِ الأخونة، لأنهم صامدون في الميدان وباقون في المجتمع المدني، أساسهم الوجودي الثابت وإن تغيّرت الاستراتيجيات، يبقى الانسجام مع فكرة المؤسس حسن البنا، “فعلى امتداد تاريخهم وقعت لهم “محن” كبيرة، استفادوا منها في الدعوة، منذ جمال عبد الناصر حتى السادات وإلى مبارك، فعاشوا داخل السجون
دون مشاكل (العزوزي، هل سقطت الهيمنة الإخوانية على العالم العربي،، 18/10/2018) حتى لا يتم تجاوزهم تحت يافطة أي عنوان كما قد يفهم من عبارة ما بعد الإسلام السياسي.
أتصور أنّ القول بما بعد الإسلام السياسي يمكن أن يصدق على حركة أو حركات بعينها، وإن كان يصعب تطبيقه كاملا على مجمل الحالة الإسلامية. إنّه طرح يتفاوت داخل الحالة الإسلامية، فلا يعمّم عليها كلها كما لا يعمّم أحيانا داخل الحركة الواحدة، بما فيها حركة الإخوان التي تمثّل في نظري مظلة تنظيميّة كبرى لتيارات وأفكار إسلامية مختلفة، تبدأ من تخوم السلفية الجهادية المنزوعة السلاح، وتتعدّد حتى تلامس الأفكار الليبرالية. ومهما تكلّمنا عن التحوّلات لدى الإخوان باتجاه ما بعد الإسلام السياسي، فإن تيارا داخلها سيظل عصيّا على هذا التغيير، هو تيار الموقف السياسي لا الممارسة السياسية (تمام، 2008 / 9 /)،ما لم يعد تركيب مفهوم الأمة والانتماء للمؤسسة.
لا بد من إعادة تصور مفهوم الأمة والخروج من أسر التفكير بمنطق المؤسسات والتنظيمات حصرا (على أهميتها) وفهم تحولات علاقة الدين بالدولة في العالم وليس في ظل الربيع العربي فقط (عزت، 2015، ص 95 -96 ) إعادة تستدعي من الجميع تبني الدين بصفته مشروعًا معرفيًا حضاريًا – لا إيديولوجيا ولا مجانياً.
والإسلام المجاني هو ظاهرة تعني رغبة المسلم في أن يكون تدينه بلا كلفة أو ثمن، بمعنى أن يعيش إسلامه بدون تحمل أعباء أو ضوابط دينية محزنة، فيختار فقط ما يتوافق مع مزاجه النفسي ويريد أن يكون الإسلام بحسب أهوائه وبدون معاناة أو تحديات. هو نوع من التدين الانتقائي يختار الأحكام الأسهل والتي تناسب النفس دون الالتزام الكامل بكل تعاليم الإسلام، ويرفض تحمل مسؤوليات ودفع “ثمن” الالتزام الديني الحقيقي (نايف بن نهار، 2025) .
هذه الظاهرة تزيد في العصر الحديث مع كثرة التحديات والمصائب، حيث يرغب البعض في إسلام مريح دون اختبار أو ابتلاء، وهو ما ينافي جوهر الدين الذي يتطلب الثبات والصبر على المصاعب لتحقيق الإيمان الحقيقي. كما أن الإسلام الحقيقي يتطلب مجابهة الفتن والابتلاءات وأن يكون الإنسان مستعدًا لتحمل الكلفة والضريبة من أجل الدين، وإلا فإنه يكون إسلاماً شكلياً وغير صادق. ( نايف بن نهار، 2025).
تعكس هذه التحولات القوية والمتسارعة ديناميكية المجتمع الإسلامي المعاصر وتفاعل الإسلام السياسي مع العولمة، التي تحتم عليه الانخراط في شكل من أشكال الاستجابة لاحتياجات المؤسسة ونوازع الفرد، لذلك لابد من دراسات مستقبلية تفكك ما بعد الإسلام السائل “الإسلام المجاني” كمفهوم مستقل، وتدرس دوائر تأثيره وانتشاره، وهل هو ردة فعل أو بديل عن تشكيلات الإسلام السياسي السابقة.
على كل حال يتضح أن تغيرات الإسلام السياسي المتسارعة والجذرية منذ تسعينات القرن الماضي على الأقل حتى ما عرف بالربيع العربي، والتي أطلق عليها الباحثون ما بعد الإسلام السياسي، ورصد تجيلياتها مؤلف إسلام السوق أصبحت بعد تجارب الحكم متجاوزة أو فيها نظر، ونقترح أن ننتقل من براديغم إسلام السوق إلى براديغم أكثر مواكبة وهو الإسلام السائل، أستعير هنا المفهوم من باوفمنت[6] لاعتبارات عديدة أهمها اثنان، المرجعية والموقف:
- من الملاحظ أن مرجعية الإسلام السياسي فيما يمكن نعته بما بعد بعد الإسلام السياسي أصبحت سائلة، لا يمكن تعريفها أو القبض على معناها، معنى يحتمل فهما واحد يتساوى في إدراكه المثقف والأمي كما كان مع ما بعد الإسلام السياسي.
- بالنسبة للمواقف فقد أصبحت أيضا سائلة مع وضد في الان ذاته بعدما كانت واضحة شفافة والشاهد عندنا، الموقف من إسرائيل بالنسبة للإسلام السياسي في المغرب، موقف يجسد حقيقة هذه السيولة ويؤكد على عمقها.
البيبليوغرافيا
الكتب:
- إدريس أوهلال (2021) الانفجار العظيم عصر النهايات، مجموعة الأكاديميات الدولية.
- الالباني تخريج مشكاة المصابيح رقم 5306 موقع دررنت
- أمين أمين ذكي، ( 1953) “قصة الفلسفة اليونانية”، (مطبعة دار الكتاب المصرية، الطبعة الثانية، القاهرة.
- باتريك هايني، (2015) إسلام السوق، ترجمة: عومرية سلطاني، مدارات للأبحاث والنشر، القاهرة، سنة 2015
- جاسم سلطان (2015) ” أزمة التنظيمات الإسلامية الإخوان نموذجا ” الشبكة العربية للأبحاث والنشر ” بيروت.
- خليد طحطح (2009) في فلسفة التاريخ ، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت .
- عبد الاله سطي (2016) ما بعد الإسلام السياسي في المغرب: مقدمات في د راسة تحولات الحركات الإسلامية في المغرب، إفريقا الشرق.
- علي حرب (0200)حديث النهايات فتوحات العولمة ومازق الهوية، المركز الثقاقي العربي، الدار البيضاء.
- علي حرب (2004) حيدث النهايات فتوحات العولمة ومأزق الهوية، المركز القومي العربي، الدار البيضاء ط 2.
- فرانسيس فوكوياما، (1993) “نهاية التاريخ والإنسان الأخير”، تقديم مطاوع صفدي، ترجمة فؤاد شاهين واّخرون، مركز الإنماء القومي، بيروت، لبنان،.
- هبة رؤوف عزت (2025)”الخيال السياسي عند الإسلاميين ماقبل الدولة وما بعدها” الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الدار البيضاء ط2 المغرب.
المقالات الصحفية :
- رشيد العزوزي، الإسلاميون الجدد والأسئلة القديمة، نشر على هسبريس بتاريخ الأربعاء 20 فبراير 2019
- ندوة قراءة في كتاب “إسلام السوق” لباتريك هايني، مؤمنون بلا حدود بتاريخ مايو 2016 متاح على الرابط المختصر التالي: https://shortest.link/2we9
- حسام تمام، ما بعد الإسلام السياسي، الحوار المتمدن، العدد: 2391 – 2008 / 9 / 1
- رشيد العزوزي، هل سقطت الهيمنة الإخوانية على العالم العربي، موقع حفريات، بتاريخ 18/10/2018 متاح على الرابط المختصر التالي: https://shortest.link/2weH
- الأذرع الخيرية الإسلامية بالجزائر تتبخر في ذروة أزمة كورونا، نشر في “جريدة العرب” على الرابط التالي: https://cutt.ly/DlS1g2s
المحاضرات :
- نايف بن نهار، ظاهرة (الإسلام المجاني) نشر على قناة مؤسسة وعي بتاريخ 2 غشت سنة 2025 متاح على الرابط التالي للاطلاع والتوسع : https://www.youtube.com/watch?v=VJO4Ac4pWdE
[1] يتحفظ المفكر عبد الله العروي على نعت النهضة العربية خلال القرن 19، ويعتبر ما حدث مجرد يقظة فكرية لأن من عرف نهضة لا يمكن ان يسقط مباشرة بعدها في براثين الاستعمار.
[2] بهذا الفهم الواقعي للسياسة اعتبر هذا المفكر الإيطالي مؤسسا لعلم السياسية.
[3] لتفاصيل أكثر حول المجتمع الأخير بالفهم المادي للتاريخ طالع كتاب «الأيديولوجية الألمانية» لكارل ماركس.
[4] للتوسع أكثر طالع محمد أركون في كتابه ” تقد العقل الإسلامي“.
[5] للتوسع أكثر طالع كتاب مجتمع الاستعراض ل جي ديبور
[6] زيجمونت باومان هو عالم اجتماع وفيلسوف بولندي، وُلد في 19 نوفمبر 1925 وتوفي في 9 يناير 2017. يُعتبر من أبرز المنظرين الاجتماعيين في القرن العشرين والواحد والعشرين، وخاصة في مجالات الحداثة وما بعدها، ويشتهر بنظرية “الحداثة السائلة”.