الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

الأسرى المؤبدات بين القتل الممنهج ومفاتيح النصر والتحرر

يقلم : د. عقل صلاح – كاتب وباحث فلسطيني مختص بالحركات الأيديولوجية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

تعد قضية الأسرى من القضايا الرئيسية عند الشعب الفلسطيني، فالأسرى قدموا حريتهم وأرواحهم وأعمارهم من أجل القضية، فقد تم اعتقال أكثر من مليون فلسطيني وفلسطينية منذ سنة 1967، فمنذ النكسة وحتى يومنا هذا والحركة الأسيرة تعاني الويلات في السجون الإسرائيلية، ورغم السجن والسجان عمدت الحركة الأسيرة بدمائها تاريخًا مشرقًا. وتعتبر قضية الأسرى من القضايا الفلسطينية الثورية التي يوجد عليها إجماع فلسطيني منقطع النظير حتى في صفقات التبادل التي جرت بعد السابع من أكتوبر التي كان من نتائجها خروج الحافلات محملة بالأسرى المؤبدات من جميع أطياف اللون السياسي الفلسطيني، لذلك كانت ومازالت الحركة الأسيرة مستهدفة من قبل مصلحة السجون بقيادة إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي الإسرائيلي ما قبل السابع من أكتوبر، فقد تم حرمان الأسرى من أبسط الحقوق التي نصت عليها كافة المواثيق الدولية وفي مقدمتها حقهم في العلاج، من خلال سياسة الإهمال الطبي المتعمد، حيث استشهد مئات الأسرى داخل سجون الاحتلال أو بعد الإفراج عنهم بفترة وجيزة بسبب الإهمال الطبي المتعمدة والتعذيب الممنهج.

كما عملت إسرائيل على تشريع القوانين العنصرية ضد الأسرى، ومن أبرزها، مشروع قانون إعدام الأسرى، ومشروع قانون يقضي بحظر الإفراج عن الأسرى، مقابل جثث الجنود الإسرائيليين المحتجزين لدى فصائل المقاومة، وقانون خصم مخصصات الشهداء والأسرى من مستحقات أموال المقاصة للسلطة الفلسطينية التي تم سنه في الكنيست الإسرائيلي وتم تنفيذه منذ سنوات ومازالت قائمًا ومستمرًا، وطبقت إسرائيل كل ما تم سنه من قبل الكنيست، حيث أصبحت السياسة الإسرائيلية تتمحور حول معاقبة الأسرى واستهدافهم بكل الوسائل والسبل، فقد تفننت بأساليب تعذيب الأسرى. إن الهدف من هذه القرارات والتشريعات المتخذة ضد الأسرى هو إفراغهم من قيمهم الوطنية وزرع الشك في قناعاتهم تجاه مقاومة الاحتلال، وصبغ الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية بالصبغة القانونية. بالإضافة إلى أن إسرائيل خلقت حالة من الإحباط عند أسرى المؤبدات بأن المقاومة قد تخلت عنهم وسوف يموتون في السجون أو سيخرجون في أكياس سوداء.

ولا بد من التأكيد على قول بن غفير “غيرنا أوضاع السجون بالكامل، لا يوجد لهم تمثيل، حمام ربع ساعة فقط، الطعام فقط الحد الأدنى من الأساسيات، لا طبيب أسنان، يخرجون يوميا ساعة واحدة فقط لا يوجد لهم ثلاجات كبيرة، لا يوجد لهم كنتين”. ففي 17تموز/يوليو 2025، يقول بن غفير أفتخر بتغييري سياسة السجون فقد كان السجين سابقًا يأتي نحيفا ويخرج سمينًا”، مضيفًا “ولن أسمح للمحكمة العليا بتغيير السياسة المتبعة الآن في السجون المتعلقة بتوزيع الطعام على السجناء”. وفي خطوة خطيرة تكشف مدى الحقد والإرهاب والتطرف اقتحم بن غفير في 14آب/أغسطس 2025، قسم العزل الانفرادي في سجن غانوت وقام بتهديد الأسير القيادي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح مروان البرغوثي في زنزانته بشكل مباشر وظهر على شاشات التلفزة.

لقد قامت إسرائيل ما قبل السابع من أكتوبر بشن عدوان شامل ورسمي على الأسرى وحقوقهم، فلم تعد ممارسات الاحتلال بحق الأسرى مجرد ممارسات إدارية وإنما أصبحت تمر وتطبق تحت غطاء التشريعات والقوانين العنصرية المعادية لحقوق الإنسان وللقانون الدولي الإنساني؛ بهدف الإساءة لنضالات الأسرى، وتشويه مكانتهم القانونية والنضالية، وتصويرهم وكأنهم قتلة وليسوا مناضلين من أجل الحرية.

فقد ارتقى 315 شهيدًا منذ سنة 1967 وحتى10 أيلول/سبتمبر2025، داخل سجون الاحتلال، ومنذ السابع من أكتوبر تم إعدام العشرات من المعتقلين الذين استشهدوا في ظل حرب الإبادة، وهذا العدد هو الأعلى تاريخيًا، حيث تعتبر هذه المرحلة الأكثر دموية في تاريخ الحركة الأسيرة منذ سنة 1967، كما ويرتفع عدد الشهداء الأسرى المحتجزة جثامينهم إلى (86) من بينهم (78) منذ بدء الحرب، بالإضافة إلى استمرار إخفاء هويات غالبية شهداء معتقلي قطاع غزة الذين ارتقوا في المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال. وقد بلغ عدد الأسرى المحكومين أحكامًا فلكية “المؤبدات” تقريبًا 700 أسير، قبل الإفراج عن النصف منهم بعد السابع من أكتوبر، منهم من هو رهن الاعتقال منذ أكثر من ثلاثة عقود.

في نفس الصدد، يقول القائد الأسير عاهد أبو غلمة عن الوضع في السجن “نحن الأسرى بشر يستمتعوا بتعذيبنا أناس ساديون وهذا انعكاس للطبيعة البشرية الشريرة، ونحن أسرى للعنصرية الصهيونية التي يحكمها شعب الله المختار، ونحن أيضًا أسرى للاحتلال الذي يمارس الاضطهاد والقتل دون حساب، وأسرى لمجموعة لحالات لأمراض نفسية لسجانين استجلبوهم لأجل علاجهم باعتبارهم مهمة للعلاج النفسي”.

ولا بد من الإشارة إلى ما نشرته القناة 13 العبرية حول الضجة في إسرائيل الذي رافق أول تقرير استخباراتي رسمي يتهم “نتنياهو وبن غفير” بتأجيج مشاعر حماس وتسريع خطة الهجوم بسبب سياساتهم ضد المسجد الأقصى وضد الأسرى الفلسطينيين، حيث يتهم الحكومة ورئيسها بشكل واضح بالتسبب بهجوم السابع من أكتوبر.

لقد تعرضت غزة لعدد من الحروب التي شنها الاحتلال على مر السنين. فبعد انسحاب قوات الاحتلال من القطاع عام 2005، وهي تقوم بعمليات عسكرية من وقت لآخر، بعضها تحول إلى حروب نتج عنها آلاف الشهداء. وعندما قامت الحركة بالسيطرة العسكرية على القطاع، أعلنت إسرائيل القطاع “كيانًا معاديًا”، وقامت بحصاره في أكتوبر/تشرين الأول 2007، وشنت عددًا من الحروب على القطاع منذ 2007، فكانت الحرب الأولى، في 27 كانون الأول/ ديسمبر 2008، هدفت إسرائيل منها إلى إنهاء حكم حماس، والقضاء على المقاومة، وتحرير الجندي الأسير جلعاد شاليط، واستمر العدوان الإٍسرائيلي 23 يومًا.

لقد جرى العديد من صفقات التبادل التي تم بناء عليها إطلاق سراح آلاف الأسرى، إلا أنها تمت بناء على شروط الاحتلال ومنها، عدم إطلاق سراح من شاركوا في عمليات قتل، واشتراط إبعاد بعض الأسرى إلى خارج الوطن أو إلى القطاع. فتجربة أسر شاليط قد ألزمت الاحتلال بإطلاق سراح أكثر من ألف أسير فلسطيني مقابل الإفراج عنه. ومن أجل إنقاذ الأسرى قامت حماس بتطوير عملها المسلح وصولًا لمعركة طوفان الأقصى وهي الحرب الثانية تحت عنوان تحرير الأسرى، والتي كان من أسبابها الرئيسية تحرير الأسرى المؤبدات ووقف الاعتداءات المستمرة على المسجد الأقصى. فقد شكل العديد من القادة الأسرى منهم حسن سلامة وعبد الله البرغوثي وإبراهيم حامد وغيرهم ضغطًا على الحركة من خلال رسائلهم الناقدة للحركة من أجل العمل على تحريرهم.

ففي اتفاق الهدنة في التاسع عشر من يناير الماضي تم الإفراج عما مجموعه (1777) أسيرًا ومعتقلاً في إطار المرحلة الأولى، وعلى 8 دفعات، بينهم (611) من أسرى المؤبدات والأحكام العالية.

ومازالت المقاومة في غزة تحتفظ بـ 20 رهينة أحياء وثلاثين جثة، حيث تعول المقاومة على تبيض السجون وبالتحديد أصحاب الأحكام الفلكية والعالية وعددهم أكثر من ألف أسير من المؤبدات والأحكام العالية منهم تقريبًا (300) يقضون أحكامًا بالسجن المؤبد و(17) أسيرًا منهم معتقل منذ ما قبل اتفاقية أوسلو سنة 1993، بالإضافة إلى الأسيرات والأشبال والمرضى.

ففي حال تم تنفيذ المرحلة الثانية من الصفقة وتم إخراج جميع الأسرى المؤبدات والأحكام العالية ستكون معجزة إلهية تحققت في التاريخ الفلسطيني والإنساني بأن تم تحرير من كان الاحتلال يريد لهم الخروج في أكياس سوداء إلى ثلاجاته في السجون ومقابر الأرقام، فتكون المقاومة قد حققت نصرًا عظيمًا على منهجية وقاعدة الاحتلال بعدم إطلاق سراح ما يطلقون عليهم “ملطّخة أيديهم بالدماء” ونحن الفلسطينيون نطلق عليهم الأبطال والذين قدموا حياتهم من أجل القضية الفلسطينية.

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطي العربي

مؤسسة بحثية مستقلة تعمل فى إطار البحث العلمي الأكاديمي، وتعنى بنشر البحوث والدراسات في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية والعلوم التطبيقية، وذلك من خلال منافذ رصينة كالمجلات المحكمة والمؤتمرات العلمية ومشاريع الكتب الجماعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى