الدراسات البحثيةالمتخصصة

تأثير صعود اليمين الشعبوي في السياسة الخارجية دراسة لحالتي : الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا

The Impact of the Rise of the Populist Right in Foreign Policy: A Case Study of the United States and Italy

إعداد : جهاد وائل صلاح الدين نفاد , عبدالرحمن أحمد فكري يوسف , فجر عبدالمنعم محمد سيلمان , محمد أحمد السعيد فايد , نورهان عماد الدين محمد قاسم  – إشراف : أ.د. وليد حسن قاسم – كلية  العلوم السياسية  – جامعة الإسكندرية – مصر

  • المركز الديمقراطي العربي

 

مُستخلص:

تناولت هذه الدراسة تأثير صعود اليمين الشعبوي في توجهات السياسة الخارجية، وذلك من خلال تحليل حالتين رئيسيتين هما الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا، في الفترة ما بين عامي 2017 و2025. وتكمن أهمية هذه الدراسة في تسليط الضوء على التحولات الجوهرية التي فرضها هذا الصعود على بنية النسق الدولي، من خلال إعادة تعريف الأولويات والمحددات التي توجه سلوك الدول خارجيًا، كما تسعى إلى سد فجوة بحثية تتعلق بفهم العلاقة بين التحولات السياسية الداخلية وصناعة القرار الخارجي، خاصة في ظل تصاعد التيارات ذات التوجهات القومية والانغلاقية.

اعتمدت الدراسة على المنهج الاستقرائي لرصد الظاهرة وتحليل أبعادها، بالإضافة إلى أداة دراسة الحالة لتحليل ديناميكيات السياسات الخارجية في الولايات المتحدة وإيطاليا خلال الفترة المستهدفة. وقد ركزت الدراسة على مجموعة من المحاور النظرية والتطبيقية، شملت استعراض الخصائص لهذه التيارات، ودراسة مواقفها السياسية التي تميل إلى المبالغة في تمجيد الهوية الوطنية، ورفض العولمة، ومناهضة الهجرة، فضلًا عن المواقف المتحفظة تجاه المؤسسات الدولية متعددة الأطراف.

خلصت الدراسة إلى أن صعود اليمين الشعبوي يُسهم في إعادة تشكيل أولويات السياسة الخارجية بعدد من الطرق، من بينها الميل إلى السياسات الانعزالية، وإعادة تعريف مفاهيم مثل “المصلحة الوطنية” بصورة ضيقة، وتفضيل العلاقات الثنائية على التعددية، بالإضافة إلى اتساع الفجوة بين هذه التوجهات وبعض المبادئ التي قام عليها النسق الليبرالي العالمي بعد الحرب الباردة. وقد انعكس ذلك في مواقف أكثر تحفظًا تجاه الأطر والمؤسسات الدولية، وفي تراجع واضح في الالتزام بالاتفاقات البيئية، والسياسات المشتركة المتعلقة بالهجرة، والشؤون الأمنية العابرة للحدود.

وتُعد هذه التحولات مؤشرًا على تغير أعمق في بنية النسق الدولي، حيث لم تعد السياسة الخارجية تُصاغ فقط وفق حسابات المصالح التقليدية، وإنما باتت تتأثر بصورة مباشرة بالتحولات الداخلية المرتبطة بصعود تيارات ذات نزعة قومية وشعبوية. وتشير نتائج الدراسة إلى أن فهم هذا الاتجاه يستدعي مراجعة مستمرة للأطر النظرية التي تُفسر العلاقة بين الداخل والخارج في السياسات المعاصرة.

Abstract

This study examines the impact of the rise of populism in foreign policy, focusing on two key case studies: the United States and Italy, between 2017 and 2025. It highlights how this rise has reshaped the international system by redefining the priorities that guide foreign behavior. The study aims to fill a research gap by exploring the link between internal political changes and foreign policy decision-making, particularly in the context of growing nationalist and isolationist movements that have gained influence in many Western political systems.

The study uses an inductive approach to observe the phenomenon and case study analysis to examine the dynamics of foreign policy in the United States and Italy. Key aspects explored include the characteristics of these movements, their political stances that emphasize national identity, reject globalization, oppose immigration, and adopt cautious views towards multilateral international institutions.

The study concludes that populism has reshaped foreign policy priorities in several ways, such as promoting isolationist policies, narrowing the concept of “national interest,” and favoring bilateral over multilateral relations.

These changes suggest a deeper transformation in the international system, where foreign policy is increasingly influenced by internal shifts linked to the rise of nationalist and populist movements that challenge traditional norms of international engagement.

مُقدمــة :

شهد النسق الدولي في السنوات الأخيرة موجة من التحولات العميقة التي طالت أسس العلاقات الدولية، وقوّضت الكثير من المبادئ التي شكّلت مرتكزًا للنظام الليبرالي العالمي منذ نهاية الحرب الباردة. ومن بين أبرز ملامح هذه التحولات، برزت ظاهرة صعود اليمين الشعبوي كقوة سياسية فاعلة في العديد من الدول الغربية، حيث تمكنت من الوصول إلى مراكز الحكم، وبدأت في إعادة توجيه السياسات العامة استنادًا إلى رؤى تقوم على القومية، ومعاداة النخب، والتشكيك في المؤسسات الدولية، ورفض الانفتاح الاقتصادي والثقافي الذي رافق العولمة في العقود الأخيرة.

لم يقتصر تأثير هذه التيارات على المجال الداخلي، بل امتد بشكل واضح إلى السياسة الخارجية، حيث عملت الحكومات الشعبوية على إعادة تعريف المصالح الوطنية، والتخلي عن بعض الالتزامات الدولية، وإعادة ترتيب أولويات الدولة في علاقاتها الإقليمية والدولية. وفي هذا السياق، تمثل تجربتا الولايات المتحدة الأمريكية خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب (2017–2021)، وإيطاليا خلال صعود قوى اليمين الشعبوي ممثلة في حزب “الرابطة” و”إخوة إيطاليا”، نموذجين دالّين على كيفية تفاعل الشعبوية مع السياسة الخارجية في سياقات ديمقراطية متقدمة، تختلف في البنية المؤسسية والتاريخ السياسي؛ لكنها تلتقي في تبني توجهات شعبوية ذات ملامح مشتركة.

تسعى هذه الدراسة إلى تحليل تأثير صعود اليمين الشعبوي في السياسة الخارجية في كل من الولايات المتحدة وإيطاليا، من خلال الوقوف على التحولات التي طرأت على المواقف الرسمية تجاه قضايا الهجرة، والعلاقات مع القوى الكبرى، والموقف من المؤسسات متعددة الأطراف، والسياسات التجارية والاقتصادية العابرة للحدود. كما تهدف إلى فهم الكيفية التي تُترجم بها التصورات الشعبوية إلى سياسات خارجية عملية، والعوامل التي تسهم في تعزيز أو تقييد هذا التأثير ضمن الأطر السياسية والمؤسسية للدولتين.

ترتكز الدراسة على فرضية أساسية مفادها أن الشعبوية – بصيغتها اليمينية – ليست مجرد ظاهرة احتجاجية أو عارضة، بل تمثل نمطًا من أنماط التفكير السياسي القادر على إعادة صياغة التوجهات الاستراتيجية للدولة، بما في ذلك سياستها الخارجية. ومن خلال دراسة هذه الظاهرة، يمكن فهم كيفية تأثير القوى الشعبوية في صوغ السياسات التي تلامس قضايا أساسية مثل الأمن القومي، والعلاقات الاقتصادية، والهجرة، والتعاون الدولي.

أولًا: المشكلـة البحثيــة

يُعد صعود التيارات اليمينية الشعبوية من أبرز الظواهر السياسية في العقود الأخيرة، حيث أثّر بشكل ملحوظ في التوجهات السياسية الداخلية والخارجية لعدد من الدول. وبالرغم من تعدد الدراسات حول الشعبوية كظاهرة اجتماعية وسياسية، إلا إن هناك حاجة لدراسة العلاقة بين صعود اليمين الشعبوي وتأثيره المباشر في السياسة الخارجية للدول. حيث أن هذا الأمر يثير العديد من التساؤلات حول كيفية تأثير هذه التيارات في استراتيجيات الدول الخارجية، وما إذا كانت تغير من أولوياتها في العلاقات الدولية. ومن هنا تنمحور المشكلة البحثية في تساؤل رئيسي مفاده: كيف يؤثر صعود اليمين الشعبوي في مواقف وسلوكيات الدول في سياستها الخارجية؟

ويندرج تحت هذا التساؤل الرئيسي مجموعة من التساؤلات الفرعية قوامها:

  • ما المقصود باليمين الشعبوي، وما أبرز سماته الفكرية والسياسية؟
  • ما العوامل التي أدت إلى صعود التيارات اليمينية الشعبوية؟
  • كيف ينعكس صعود اليمين الشعبوي على توجهات السياسة الخارجية وفق الأطر النظرية المختلفة؟
  • كيف أثر صعود اليمين الشعبوي في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية؟
  • كيف تجلى تأثير اليمين الشعبوي في السياسة الخارجية لإيطاليا؟

ثانيًا: هدف الدراســـة

تهدف هذه الدراسة إلى تحليل تأثير صعود اليمين الشعبوي في السياسة الخارجية من خلال تناول طبيعته كتيار سياسي يتسم بالنزعة القومية والانكفائية ورفض المؤسسات الدولية، واستعراض العوامل التي ساعدت على انتشاره في عدد من الدول. وتتناول الدراسة حالتي الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا باعتبارهما نموذجين شهدتا وصول قوى شعبوية إلى السلطة، ما أتاح فرصة لرصد التحولات التي طرأت على مواقف الدولتين الخارجية، وتحديد الكيفية التي أثّر بها اليمين الشعبوي في صياغة القرارات الدولية، وتوجيه السياسات تجاه القضايا العالمية مثل الهجرة، والتحالفات العسكرية، والعلاقات الاقتصادية. وتكمن أهمية هذا الطرح في تزايد تأثير الخطابات الشعبوية على مراكز صنع القرار ومسار العلاقات الدولية.

ثالثًا: أهمية الدراســـة

تنبع أهمية هذه الدراسة من طبيعة الموضوع الذي تتناوله، حيث يمثل صعود اليمين الشعبوي ظاهرة سياسية معاصرة لها انعكاسات متعددة على السياسة الخارجية للدول. وتنقسم أهمية الدراسة إلى جانبين رئيسيين:

  • الأهمية العلمية:

تكمن الأهمية العلمية لهذه الدراسة في مساهمتها بتوسيع الفهم النظري لظاهرة صعود اليمين الشعبوي وتأثيره في السياسة الخارجية للدول، من خلال تقديم إطار تحليلي يجمع بين المفاهيم النظرية والتطبيقات العملية. كما تسعى الدراسة إلى سد فجوة بحثية تتعلق بكيفية انعكاس التحولات السياسية الداخلية المرتبطة بالشعبوية على سلوك الدول الخارجي، عبر دراسة حالتين معاصرتين هما الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا.

  • الأهمية العملية:

تتمثل الأهمية العملية للدراسة في تقديم نتائج قد تساعد صناع القرار والمهتمين بالعلاقات الدولية على فهم الديناميات الجديدة التي تفرضها الحركات اليمينية الشعبوية على السياسة الخارجية، بما يسهم في صياغة استراتيجيات أكثر فاعلية للتعامل مع هذه الظاهرة. كما توفر الدراسة نموذجًا مقارنًا يمكن الاستفادة منه في تحليل حالات أخرى مشابهة مستقبلًا.

رابعًا: منهج الدراســـة

تعتمد هذه الدراسة على مجموعة من المناهج التي تتسق مع طبيعة الموضوع وأهدافه، والمتمثلة في تحليل تأثير صعود اليمين الشعبوي على السياسة الخارجية لدولتين محوريتين في النسق الدولي، هما الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا، خلال الفترة من 2017 حتى 2025. ويتم اختيار منهجين رئيسيين هما: المنهج الاستقرائي ومنهج دراسة الحالة المقارنة، باعتبارهما الأنسب لتتبع الظاهرة وفهم أبعادها المتعددة.

أولًا: المنهج الاستقرائي

يُعد المنهج الاستقرائي من المناهج النوعية التي تقوم على تتبع الظواهر من الجزئيات إلى الكليات، أي من الحالات الخاصة إلى استنتاجات أو تعميمات أوسع. ويتم توظيف هذا المنهج في الدراسة لتحليل التحولات التي تطرأ على السياسة الخارجية لكل من الولايات المتحدة وإيطاليا في ضوء صعود التيارات اليمينية الشعبوية، وذلك من خلال جمع المعطيات المتصلة بالخطاب السياسي، والقرارات التنفيذية، والمواقف الخارجية التي تصدر عن هذه التيارات خلال فترة الدراسة. ويساعد هذا المنهج في بناء فهم تراكمي للكيفية التي تُعيد بها الشعبوية صياغة توجهات السياسة الخارجية، انطلاقًا من سياقات واقعية ومعطيات ملموسة، دون الالتزام بإطار نظري مسبق أو نتائج جاهزة.

ثانيًا: منهج دراسة الحالة المقارنة

يتم توظيف منهج دراسة الحالة المقارنة لتحليل حالتين واقعيتين تمثلان نماذج لصعود اليمين الشعبوي وتأثيره في السياسة الخارجية، وهما الولايات المتحدة وإيطاليا. ويأتي اختيار هاتين الدولتين استنادًا إلى عدة اعتبارات، أبرزها ثقلهما السياسي والدبلوماسي على الساحة الدولية، إضافة إلى ما توفره تجربتاهما من مادة تحليلية تسهم في فهم أنماط التفاعل بين التيارات الشعبوية وصنع القرار في السياسة الخارجية. ويساعد هذا المنهج في دراسة السياق السياسي الداخلي، وتوجهات القيادات الشعبوية، وطبيعة القرارات الخارجية التي تصدر عنها، مما يتيح إبراز ملامح التأثير المباشر وغير المباشر لهذه التيارات على موقع الدولة وتوجهاتها. كما يتيح تحليل كل حالة على حدة، ثم إجراء مقارنة معمقة بينهما لاستخلاص نقاط الالتقاء والاختلاف في التأثيرات التي تُحدثها التيارات الشعبوية على السياسة الخارجية.

خامسًا: حدود الدراســـة

تتحدد هذه الدراسة وفقًا لعدة أطر أساسية هي الحدود الموضوعية والمكانية والزمانية، وذلك على النحو التالي:

أولًا: الحدود الموضوعية

تنحصر الدراسة في تحليل ظاهرة صعود تيارات اليمين الشعبوي وتأثير هذا الصعود في توجهات السياسة الخارجية للدول. وتهدف الدراسة إلى استكشاف الكيفية التي أعادت بها الحركات الشعبوية تشكيل مفاهيم المصلحة القومية وأولويات السياسة الخارجية بما يخدم أجنداتها السياسية. كما تسعى إلى تحليل العلاقة بين الصعود الداخلي لهذه التيارات وبين التحولات الخارجية، مع التركيز على دراسة الأبعاد الفكرية والسياسية لصعود اليمين الشعبوي في السياقين الأمريكي والإيطالي، بما يعزز من فهم ديناميات التأثير المتبادل بين البيئة الداخلية والسياسة الخارجية.

ثانيًا: الحدود المكانية

تتركز الدراسة في نطاقين جغرافيين يمثلان نماذج بارزة لصعود اليمين الشعبوي، وهما: الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية إيطاليا. وقد جاء اختيار هاتين الدولتين نظرًا لما تتمتعان به من مكانة مؤثرة على المستويين الإقليمي والدولي، ولأن صعود التيارات الشعبوية فيهما قد أسفر عن تحولات واضحة في توجهات السياسة الخارجية. كما أن اختلاف السياقات السياسية والثقافية بين الولايات المتحدة كقوة عظمى، وإيطاليا كدولة أوروبية محورية، يوفر فرصة لقراءة معمقة للكيفية التي يؤثر بها اليمين الشعبوي في رسم السياسات الخارجية في بيئات دولية متنوعة، بما يعزز من قدرة الدراسة على تقديم تحليل مقارن أكثر دقة وشمولية.

ثالثًا: الحدود الزمانية

يغطي الإطار الزمني للدراسة الفترة الممتدة من عام 2017 إلى عام 2025، وهي الفترة التي شهدت تصاعدًا ملحوظًا لصعود التيارات اليمينية الشعبوية إلى مراكز صناعة القرار في الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا. وقد أتاح هذا الإطار الزمني فرصة لرصد التحولات التي طرأت على السياسة الخارجية في أعقاب هذا الصعود، سواء من حيث توجهاتها الجديدة أو من حيث آليات صنع القرار، بما يسمح بتحليل الظاهرة في تطورها وليس في لحظة زمنية ثابتة، وهو ما يعزز من عمق النتائج التي تسعى الدراسة للوصول إليها.

Map Number (2): Italy                           Map Number (1): USA

 

(1) Source: USA Map with States and Cities – GIS Geography

(2) Source: https://www.nationsonline.org/maps/Italy-Political-Map.jpg

سادسًا: الدراســـات السابقــــة

نظرًا لتزايد الاهتمام الأكاديمي بصعود التيارات اليمينية الشعبوية وتأثيرها في توجهات السياسة الخارجية للدول، فقد تناولت العديد من الدراسات هذه الظاهرة من زوايا متعددة، سواء من خلال تحليل السياقات الأيديولوجية والاجتماعية التي أدت إلى بروزها، أو من خلال دراسة انعكاساتها على ممارسات السياسة الخارجية في بعض الدول.

وفي هذا الإطار، تسعى الدراسة الحالية إلى الاستفادة من الأدبيات السابقة، عبر مراجعة وتحليل أبرز الدراسات ذات الصلة، وذلك بهدف تحديد ما أنجزته تلك الدراسات من نتائج، وما كشفت عنه من أوجه قصور أو فجوات بحثية، وهو ما يساعد في تأطير الإسهام الذي تسعى الدراسة الحالية إلى تقديمه ضمن هذا الحقل العلمي المتطور.

  • عمرو عبد العزيز صلاح، أثر التوجهات اليمينية الشعبوية على السياسة الخارجية الأمريكية في ظل رئاسة ترامب، (رسالة ماجستير، كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية، جامعة الإسكندرية، 2023).

تناولت الدراسة تأثير صعود التيار اليميني الشعبوي في السياسة الخارجية الأمريكية خلال فترة حكم دونالد ترامب، مركّزةً على كيفية انعكاس توجهاته الأيديولوجية على القرارات الخارجية التي اتخذها، والخروج عن الثوابت الأمريكية التقليدية في هذا المجال مثل البراغماتية والتحالفات مع أوروبا. أوضحت الدراسة أن ترامب انتهج خطابًا يمينيًا شعبويًا صريحًا أثّر في مجمل سياساته، وأن هذه الحقبة مثلت نموذجًا بارزًا لتأثير القيادة اليمينية على صنع القرار الخارجي. كما أبرزت الدراسة أهمية تحليل هذا النمط من القيادة لفهم التحولات في التفاعلات السياسية الدولية.

استندنا إلى هذه الدراسة في بناء الإطار النظري المرتبط بمفاهيم الشعبوية واليمين الأمريكي، كما أسهمت في توجيه تحليلنا للكيفية التي تُترجم بها التوجهات السياسية الداخلية إلى مواقف خارجية مؤثرة. إلا أن الدراسة ركزت حصريًا على الحالة الأمريكية، ما يُعد من أوجه القصور التي سعينا لمعالجتها من خلال تناول حالة إضافية، هي إيطاليا، بما يتيح فهماً أكثر شمولًا لتأثير هذا التيار في سياقات سياسية مختلفة. كما أن الدراسة اقتصرت على الفترة من 2017 حتى 2021، في حين امتد تحليلنا ليشمل التطورات حتى عام 2025، بما يسمح برصد الاتجاهات المستمرة أو المتغيرة في هذا الصدد.

  • أحمد سليم البرصان، “مفهوم اليمين المتطرف وجذوره الفكرية في الغرب”، مجلة البيان والمركز العربي للدراسات الإنسانية، العدد 15،

تناولت الدراسة التحليل الفكري والتاريخي لصعود التيار اليميني الشعبوي في أوروبا والولايات المتحدة حيث تسلط الضوء على الخلفيات الثقافية والدينية والسياسية التي شكلت أساس هذا التيار، من عنصرية الرجل الأبيض، إلى الشعور بالتهميش الطبقي والاجتماعي، بالإضافة إلى العوامل التي ساهمت في تعزيزه، كما توضح الدراسة كيف استثمرت شخصيات مثل دونالد ترامب هذه الظروف لصالح برامجها الانتخابية وأجنداتها السياسية.

اعتمدنا في دراستنا على الجوانب النظرية التي تناولتها تلك الدراسة، خاصة فيما يتعلق بتعريف مفهوم اليمين الشعبوي، والعوامل التي ساهمت في صعوده مثل الأزمات الاقتصادية، والخوف من الهجرة، وتصاعد الإسلاموفوبيا. وقد شكّلت هذه الخلفية الفكرية مدخلًا مهمًا لفهم التحولات السياسية التي يشهدها الغرب. لكن الدراسة تفتقر إلى التحليل التطبيقي لكيفية انعكاس هذه التحولات على السياسة الخارجية. وهنا تميزت دراستنا بتركيزها على الجانب العملي، من خلال تحليل حالتي الولايات المتحدة وإيطاليا، لتوضيح كيف أثّر صعود اليمين الشعبوي في رسم توجهات السياسة الخارجية في كلٍّ منهما، خصوصًا فيما يتعلق بالهجرة، والشراكات السياسة، والتعامل مع القضايا الاقتصادية والعسكرية.

  • عزمي بشارة، “الشعبوية والأزمة الدائمة للديمقراطية”، مجلة سياسات عربية، العدد 40، 2019.

تناولت الدراسة النزعات الشعبوية في الغرب من خلال تحليلها باعتبارها ظاهرة سياسية متنامية تهدد الديمقراطيات الليبرالية من الداخل. تبدأ الدراسة بتفكيك مفهوم الشعبوية، ويرى أن الشعبوية تقوم على ثنائية “الشعب النقي” ضد “النخبة الفاسدة”،  يركز على الشعبوية اليمينية التي تزايدت في أوروبا والولايات المتحدة، وتنامي مشاعر التهميش، فضلًا عن تأثير الهجرة والعولمة في تعزيز الخطاب المعادي للمؤسسات والنخب.

استخدمنا الدراسة أساسًا نظريًا لفهم المفهوم العام للشعبوية، ولبناء الإطار التحليلي الذي يربط بين السياقات الاقتصادية والاجتماعية وصعود التيارات الشعبوية، لا سيما في الولايات المتحدة. وقد ساعدنا في التعرف على السمات الخطابية للشعبوية اليمينية، إلا أن أوجه القصور في الدراسة تتمثل في تركيزها النظري العام وعدم تخصيصها تحليلات معمقة للحالات القُطرية، خاصة من حيث تأثير الشعبوية على السياسات الخارجية. كما أن الدراسة لا تعالج بشكل تفصيلي مرحلة ما بعد صعود الشعبويين إلى السلطة، هنا تكمُن مساهمة بحثنا، إذ نعمل على سد هذه الفجوة من خلال دراسة الحالة الأميركية والحالة الإيطالية ضمن الفصل التطبيقي، بهدف تعميق فهمنا لتأثير الشعبوية على توجهات السياسة الخارجية في نماذج متعددة.

  • باسم راشد، “تداعيات صعود اليمين المتطرف في أوروبا على سياستها الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط”، ورقة بحثية مقدمة في المؤتمر العلمي الثامن لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسيةجامعة الإسكندرية، 2025.

تناولت الدراسة صعود أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، ودراسة التغيرات التي طرأت على أولويات السياسة الخارجية الأوروبية نتيجة تصاعد الخطاب اليميني الشعبوي، مع تقديم تفسير لآليات هذا التحول وانعكاساته الإقليمية.

توصلت الدراسة إلى أن تأثير اليمين المتطرف على السياسة الخارجية الأوروبية تجاه منطقة الشرق الأوسط، قد شمل: تبني سياسات مشددة تجاه الهجرة غير وإظهار عداء واضح تجاه الإسلام، بينما كان أبرز قصور الدراسة عدم احتوائها على حالة تبرز تأثير اليمين المتطرف في مخرجات السياسة الخارجية للدولة المدروسة، عالجنا ذلك بدراسة حالتي الولايات المتحدة وإيطاليا لتبيان هذا التأثير والتدليل على تحقق خصائص سياسات اليمين الشعبوي الخارجية.

  • Bertjan Verbeek and Andrej Zaslove, “The impact of populist radical right parties on foreign policy: the Northern League as a junior coalition partner in the Berlusconi Governments”. European Political Science Review, 7, (2015), p. 525-546.

تناولت الدراسة تأثير أحزاب اليمين الشعبوي في السياسة الخارجية، باستخدام حالة “رابطة الشمال” الإيطالية كشريك صغير في حكومات برلسكوني، ركّزت الدراسة على كيفية تأثير الحزب على سياسات الهجرة والاتحاد الأوروبي، مستندةً إلى إطار نظري يجمع بين السياسة المقارنة والعلاقات الدولية. أوضحت النتائج أن تأثير الحزب اختلف باختلاف القضايا: فبينما كان تأثيره واضحًا في تشديد سياسات الهجرة، كان محدودًا في قضايا العولمة الاقتصادية، كما كان موقف الحزب من الاتحاد الاوروبي مرنًا.

ساهمت هذه الدراسة في فهمنا لكيفية التفاعل بين الأحزاب اليمينية والسياسة الخارجية، خاصةً في سياق التحالفات الحكومية المعقدة. ويُقدم الإطار النظري للدراسة أداةً لفهم كيفية تأثير العوامل المحلية على القرارات الخارجية، وهو ما تمكنا من تطبيقه في حالة إيطاليا، ومع ذلك، تظهر الدراسة أوجه قصور تتمثل في اقتصار التحليل على إيطاليا وحزب “رابطة الشمال” مما يحد من إمكانية تعميم النتائج. وهو ما عالجناه بتحليل دولتي الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا، كما لم تُغطِّ الدراسة التغيرات الحديثة اللاحقة للحكومة اليمينية الشعوبية حيث اقتصرت على الفترة (1994-2011) وهو ما تلافيناه في دراستنا حيث ركزنا على الفترة (2017-2025).

سابعًا: تقسيم الدراسة:

تتضمن هذه الدراسة ثلاثة فصول رئيسية تهدف إلى تحليل ظاهرة صعود اليمين الشعبوي وتأثيرها في السياسة الخارجية. يبدأ الفصل الأول بتقديم تعريف شامل لليمين الشعبوي مع إبراز السمات المميزة له، كما يستعرض العوامل المختلفة التي فسرت تصاعد هذا التيار في الساحة السياسية. ينتقل الفصل الثاني إلى تحليل التأثير النظري لصعود اليمين الشعبوي على السياسة الخارجية، مركزاً على سياسات الهجرة والحمائية الاقتصادية، بالإضافة إلى موقفه من العلاقات مع القوى الكبرى والمؤسسات الدولية والقانون الدولي. أما الفصل الثالث، فيخصص لدراسة تطبيقية تتناول انعكاسات صعود اليمين الشعبوي على توجهات السياسة الخارجية من خلال دراسة حالتي الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا، حيث يتناول المبحث الأول تأثير اليمين الشعبوي في السياسة الخارجية الأمريكية، فيما يركز المبحث الثاني على انعكاساته على السياسة الخارجية الإيطالية. وفي خاتمة الدراسة، تُعرض أبرز النتائج التي تم التوصل إليها، لتقديم رؤية متكاملة حول الموضوع.

الفصل الأول

في التعريف باليمين الشعبوي والعوامل المفسرة لصعوده

يمثل صعود التيارات اليمينية الشعبوية ظاهرة بارزة في السياسة العالمية المعاصرة، حيث أعادت تشكيل المشهد السياسي في العديد من الدول الغربية، وأسهمت في إحداث تحولات جذرية في الخطاب السياسي والسياسات العامة، لا سيما فيما يتعلق بقضايا الهوية والهجرة والعلاقات الدولية. وقد جاء هذا الصعود في سياق أزمات متعددة، شملت الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إضافة إلى تراجع الثقة في النخب السياسية والمؤسسات التقليدية، ما أوجد بيئة خصبة لانتشار الخطاب الشعبوي اليميني.

في هذا الإطار، يسعى هذا الفصل إلى تقديم إطار مفاهيمي وتحليلي شامل لظاهرة اليمين الشعبوي، من خلال الوقوف أولًا على الإشكالية النظرية المرتبطة بتعريفه، باعتباره مفهوماً مركبًا يجمع بين البُعدين “اليميني” و”الشعبوي”، وما يرتبط بهما من دلالات سياسية وثقافية متغيرة بتغير السياقات. ويركز الفصل على توضيح السمات العامة التي تميز اليمين الشعبوي، من حيث البنية الخطابية، وأدوات الحشد السياسي، وأنماط التفاعل مع القضايا العامة.

كذلك، يُخصص جزء مهم من هذا الفصل لعرض وتحليل أبرز العوامل التي أسهمت في صعود اليمين الشعبوي، سواء على المستوى الهيكلي (كالأزمات الاقتصادية وتراجع الرعاية الاجتماعية)، أو المستوى السياسي (كفقدان الثقة في المؤسسات والأحزاب التقليدية)، أو المستوى الثقافي (كصراع الهوية والخوف من الآخر). ويهدف هذا الطرح إلى التمهيد لفهم الدور الذي تلعبه هذه العوامل في تفسير ظهور الشعبوية اليمينية بوصفها استجابة – وأحيانًا احتجاجًا – على تحولات عميقة في البنية السياسية والاجتماعية للعالم المعاصر.

ويمثل هذا الطرح مدخلًا نظريًا تأسيسيًا للدراسة، يمكّن من فهم الإطار العام الذي نشأت فيه هذه الظاهرة وتفاعلت من خلاله مع النظم السياسية، تمهيدًا لتحليل تمظهراتها وتأثيرها على السياسة الخارجية في السياقين الأمريكي والإيطالي خلال الفترة من 2017 إلى 2025. كما يستعرض العوامل السياسية والاجتماعية التي ساهمت في تعزيز الخطاب الشعبوي، مما يتيح فهمًا أعمق لكيفية تأثير هذا التيار على استراتيجيات الدول في مجال العلاقات الدولية.

المبحث الأول

التعريف باليمين الشعبوي وأبرز السمات المميزة له

يُعد اليمين الشعبوي من أبرز الظواهر السياسية التي أثارت اهتمام الباحثين خلال العقود الأخيرة، نظرًا لتأثيره المتزايد على النظم السياسية والديمقراطية الليبرالية. ويهدف هذا المبحث إلى تقديم تعريف دقيق لهذا التيار، مع توضيح الطابع المركب لمصطلحي “اليمين” و”الشعبوية”. كما يستعرض السمات العامة التي تميّز اليمين الشعبوي في خطابه وسلوكه السياسي.

أولاً: التعريف باليمين الشعبوي

ظهر مصطلح اليمين الشعبوي في الأوساط الغربية في العقد الأخير من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين ليشير إلى تحول كثير من أحزاب اليمين المتطرف من حركات سياسية عنصرية ونخبوية عنيفة ومتشددة إلى حركات سياسية توجه خطابها ذا السمات الشعبوية الواضحة إلى المجتمع وتنافس الأحزاب التقليدية، خاصة مع تنامي صعود الأحزاب اليمينية المتشددة انتخابيًا في الفترة 2016-2017، واعتمادها خطابًا سياسيًا شعبويًا لا يمكن إنكاره.[1]

وعند الإشارة إلى هذه الظاهرة، يتم استخدام مصطلحات مثل “اليمين الشعبوي” و”اليمين المتطرف” و”اليمين الراديكالي” أو “اليمين الراديكالي الشعبوي” وغيرها من الأسماء التي تصف هذه الظاهرة،[2] مما يعكس التداخل في استخدام الألفاظ المعبرة عن ذات المضمون.

ولكي نفرق بين اليمين الشعبوي واليمين المتطرف في الغرب لا بد أن نشير إلى أن البداية الفكرية والسياسية لليمين الشعبوي كانت في أحضان اليمين المتطرف، لكنها مع مرور الوقت ومع صعود قيادات كاريزمية جديدة تعاملت بواقعية سياسية مع الوضع السياسي وعدلت من خطابها المتطرف لتقدمه للناخبين في شكل برامج سياسية تخدم تطلعات الطبقات المهمشة المتضررة من سياسات النخب التقليدية. ويفرق عزمي بشارة بين اليمين المتطرف واليمين الشعبوي بقوله: “إن اليمين المتطرف حركة نخبوية تطرح أفكارًا غالبًا ما تكون أيديولوجية يصعب على المجتمع التكيف معها، أما اليمين الشعبوي فلا تهمه الأيديولوجيا بقدر ما يهمه مخاطبة مشاعر قسم كبير من المجتمع واجتذاب الفئات المهمشة”.[3]

ينقسم مصطلح اليمين الشعبوي الي مفهومين أساسيين هما (اليمين) و (الشعبوية)، لذا سنعرف شقي المصطلح على النحو التالي:

أ) اليمين:

ترجع جذور هذا المصطلح إلى الثورة الفرنسية عام 1789، حينما اجتمع أعضاء المجلس الوطني الفرنسي لمناقشة مستقبل البلاد، حيث جلس الموالون لبقاء الملك بكامل سلطاته (المحافظون) على يمين رئيس المجلس، بينما جلس المعارضون لذات الفكرة على اليسار (التقدميون).[4]

فيما بعد انتشر استخدام هذا المصطلح بشكل واسع في أرجاء القارة الأوروبية، وتعدى ذلك لينقسم اليمين إلى يمين محافظ، وآخر معتدل، وثالث متطرف. وعلى كل، يمكن تعريف اصطلاح “اليمين” على أنه تيار أصولي محافظ يميل إلى الاعتدال في الحياة السياسية والقضايا العامة، ويؤمن رواده بضرورة الحفاظ على تقاليد المجتمع، وإثراء “الطبقية” بين المواطنين بناء على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، فضلاً عن أن الطبقية بالنسبة إليهم شيء طبيعي.[5]

ب) الشعبوية:

يأتي أصل كلمة (شعبوية – Populism) من كلمة (شعب-People)، وهي تعبر عن نظرية الشعبويين الذين يصورون بواقعية حياة عامة الشعب، ويفترض الخطاب (الشعبوي) التوجه المُباشر إلى الجماهير، فهي تُعبِّر عن أيديولوجيا أو فلسفة سياسية-اجتماعية، تنحو نحو تقديس الشعب.[6]

حاز مفهوم الشعبوية على اهتمام واسع لاسيما من حيث التعريف به ومحاولة الوقوف على نشأته وتطوراته وصولاً إلى الشعبوية كظاهرة سياسية اجتماعية والتي لها امتداد تاريخي باعتبارها تتمثل في صورة القائد الملهم لجماهير شعبه والمحرك لعواطفهم ومشاعرهم والقادر على توجيههم إلى ما يصبو إليه من أهداف سياسية.[7]

يرتد الاهتمام الأكاديمي بمصطلح الشعبوية – وفقًا لمعظم المعنيين به – إلى ثمانينيات القرن المنصرم، وهناك العديد من التعريفات والمدارس والاتجاهات التي تناولت المفهوم. وفيما يلي سنحاول عرض مجموعة من أبرز التعريفات لمفهوم الشعبوية، وذلك سعيًا للكشف عن الخصائص المشتركة لهذا المفهوم وأبرز أنواعه.[8]

يعرف (عزمي بشارة) ظاهرة الشعبوية السياسية بأنها ” نمط من الخطاب السياسي، يتداخل فيه المستويان الخطابي والسلوكي بشكل وثيق. وقد يتفاعل هذا الخطاب مع عفوية تقوم على مزاج سياسي غاضب لجمهور فقد الثقة بالنظام والأحزاب السياسية القائمة والنخب الحاكمة، كما يوظّف بوصفه استراتيجيةً سياسية في مخاطبة هذا المزاج هادفةً إلى إحداث تغيير سياسي عبر الوصول إلى الحكم. ويتحول هذا الخطاب إلى أيديولوجيا في الحالات المتطرفة.[9]

وقد عرف (شيلز) الشعبوية بأنها أيديولوجيا الاستيلاء الموجَّه ضد نظام اجتماعي مفروض من قبل طبقة معينة (النخبة) تحتكر السلطة والثروة والامتيازات الثقافية، مضى على وجودها في الحكم فترة طويلة من الزمن. وفق هذا، أشار “شيلز” إلى العلاقة التصارعية بين المجتمع والنخب الحاكمة المهيمنة على كافة مقاليد الثروة، بما فيها العامل الثقافي الذي من خلاله تفرض ثقافات جديدة على ثقافة الشعب والتي تدعي الحركات الشعبوية الدفاع عنها.[10]

ويعرفها (أندرو هيود) في كتابه مدخل إلى الأيديولوجيات السياسية بأنها تستخدم لوصف حركة سياسية معينة، يدعي الشخصيات والأحزاب التي تتبناها شخصية المساند والمدافع عن تطلعات وآمال المواطنين، وذلك في وجه النخب المجتمعية سواءً السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.[11]

وهناك من يرى، مثل (كاثرين كايو تيرين)، أن وصف حركة سياسية “بالشعبوية” يعد بمثابة عقبة في طريق أي تفسير ذي دلالة جدية للتحولات السياسية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، فهو مصطلح غير مؤهل لتحليل الآراء وسلوك الأفراد على السواء. وفي اللغة الدارجة؛ أصبحت “الشعبوية” تسمية للمعارضة السياسية التي يمكن أن تظهر في شكل حركات سياسية من خارج دائرة الأحزاب الكلاسيكية أو حتى في داخلها.[12]

والجدير بالذكر أن البعض يعرف الشعبوية باعتبارها أسلوباً سياسياً وليست أيديولوجية كالليبرالية والاشتراكية، بينما اعتبرها آخرون مجرد أيديولوجية “رخوة”. فيما عرفها فريق آخر بأنها خطاب يستهدف القطاعات العريضة من الشعب ويدفعهم ويحثهم على عدم الثقة تجاه الكيانات الاجتماعية الأخرى.[13]

ثانيًا: أبرز السمات المميزة لليمين الشعبوي

  • الهوية القومية:

من المتعارف عليه، أن معظم حركات اليمين الشعبوي تقدم نفسها باعتبارها المدافع الأول عن هوية الشعب والنقاء العرقي والجذور المسيحية للغرب ضد النخب السياسية الفاسدة والأجانب أو القيم الليبرالية الجديدة المتمثلة في المؤسسات العابرة للحدود، وخصوصاً الاتحاد الأوروبي الذي يشكل خطراً على الهوية المحلية من خلال ترسيخ مبادئ الهوية الأوروبية الموحدة.

يرتكز خطاب اليمين المتطرف في أوروبا بشكل أساسي على مفهوم “الهوية”، حيث يُصوَّر على أنه دفاع عن “العرق الأبيض النقي” والتقاليد القومية التاريخية. يُحمِّل هذا الخطاب المهاجرين مسؤولية ارتفاع معدلات الجريمة والبطالة، ويُروج لفكرة أن الهجرة تُهدد الهوية الثقافية الأوروبية. تُستخدم هذه القضايا كأدوات سياسية لكسب الدعم الشعبي، مما يزيد من هوس الإسلاموفوبيا وتراجع التعددية الثقافية في المجتمعات الغربية.[14]

وبالتالي يقوم اليمين الشعبوي على التمييز بين “نحن” و”هم”، فلكي يتم بناء هوية أصيلة، يجب رسم حدود تفصلها عن هويات أخرى، أي هويات غير المنتمين لتلك الجماعة. بعبارة أخرى، من أجل تكوين “الداخل” (نحن)، لا بد من تشكيل “الخارج” (هم).[15]

  • كراهية الاجانب ومعاداة المهاجرين:

تمثل قضية الهجرة إحدى القضايا التي تشكل ركيزة أساسية في الخطاب السياسي لليمين الشعبوي، حيث يقوم هذا الخطاب على التمسك بمفهوم “Nativism”، الذي يُعتبر أحد الأوجه الأساسية للقومية ذات الطابع المعادي للأجانب. ويرى هذا المفهوم أن الدولة القومية هي الصورة المثلى للدولة، وينظر لها على أنها كيان موحد ثقافيًا ومتجانس من حيث اللغة والثقافة والأصول. وفي هذا السياق، يتم تصوير الأجانب على أنهم يشكلون تهديدًا مباشرًا لهوية الأمة ووحدتها الثقافية.[16] كما يردد الشعبويون شعارات مثل (المهاجرون يستولون على الوظائف وقوت الشعب الأوروبي).[17]

ولم يقتصر الخطاب الشعبوي على انتقاد المهاجرين وطالبي اللجوء فقط، بل وصل حد الدعوة إلى نفي هؤلاء الأشخاص خارج حدود الدولة. مثل تصريحات قادة حزب “البديل من أجل ألمانيا”، الذين أعربوا عن رغبتهم في ترحيل طالبي اللجوء إلى عدة جزر تقع خارج نطاق الاتحاد الأوروبي، وأن تُدار هذه العملية تحت إشراف وتفويض من قبل الأمم المتحدة.[18]

يُعدّ خطاب “الإسلاموفوبيا” أحد المرتكزات الأساسية لأحزاب اليمين الشعبوي في أوروبا، وكان حزب “الجبهة الوطنية” الفرنسي (FN) من أوائل الأحزاب السياسية التي وظّفت هذا الخطاب في دعايتها الانتخابية، مُصوّرةً الإسلام والمسلمين كتهديد مباشر للقيم الأوروبية. وأكّد الحزب في خطابه السياسي أن القيم التي تتمسك بها أوروبا لا تنسجم مع الدين الإسلامي، كما صوَّر مؤسسه “جان ماري لوبان” المهاجرين المسلمين على أنهم غزاة ويشكّلون خطراً ثقافياً على المجتمعات الأوروبية، بسبب تمسّكهم بخصائصهم الدينية والثقافية، كما دعا لحظر مظاهر الإسلام كالحجاب وأضحية عيد الأضحى. [19]

مؤخراً ومع زيادة صعود اليمين الشعبوي، تنامى بشكل أكبر هذا الخطاب والذي يسعى إلى بث الخوف من المسلمين ووصف الجاليات المسلمة بالإرهاب، لا سيما في ظل تزايد عدد الهجمات الإرهابية في بعض الدول الأوروبية كفرنسا وبلجيكا وبريطانيا.[20]

وفي السياق ذاته، تبنّى حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) خطاباً أكثر تطرفاً، اعتبر فيه الإسلام تهديداً رئيسياً للنظام الاجتماعي والديمقراطي في البلاد. وقد طالب الحزب بحظر الحجاب الكامل، ومنع ختان الذكور، وحظر رفع الأذان، معتبرًا أن الإسلام لا يقتصر على كونه ديانة فحسب، بل يمثل – حسب زعمه – عقيدة سياسية تهدف لاختراق المجتمع وتهديد القيم الديمقراطية.[21]

  • رفض المؤسسات فوق القومية:

يكن الفكر اليميني الشعبوي العداء للمنظمات الدولية والتكتلات الاقتصادية فوق القومية إذ تعتقد هذه الأحزاب أن الاتحاد الأوروبي قد انتهك السيادة الوطنية من خلال إلغاء الحدود والتوسع، ويعدون ذلك تهديدا لهويتهم وثقافتهم الوطنية، بل ويلومونه على كل مشكلة في بلدهم تقريبا،[22] حيث وصفته مارين لوبان رئيسة حزب الجبهة الوطنية في فرنسا بأنه عدو للحرية ومعارض لسيادة الأمم بل ومعارض للديمقراطية،[23] ورفضت وضع علمه أثناء إجراء مقابلة تلفزيونية معها،[24] كما تعتبر اليورو سلاحاً سياسياً، وسكيناً يطعن بها الاتحاد الأوروبي الشعوب ليجبرهم على الذهاب إلى حيث لا يريدون،[25] ولكن على الرغم من أن أحزاب اليمين الشعبوي ترفض جزئيا أو كليا الاتحاد الأوروبي إلا أنهم يخوضون انتخابات البرلمان الأوروبي باستمرار.[26]

كما شهدت السنوات الأخيرة تناميًا لظاهرة “الشكوك الأوروبية(Euroscepticism) ، التي تُعبّر عن فقدان الثقة في فعالية الاتحاد الأوروبي كمشروع وحدوي قادر على حماية مصالح الدول الأعضاء وهوياتهم الوطنية. وقد تجسدت هذه النزعة بشكل جلي في تجربة خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي (Brexit)، التي أتت مدفوعة بتصاعد الخطاب اليميني بعد أزمة اللاجئين في ٢٠١٥، ما حفّز أحزابًا يمينية أخرى على تبني خطاب الانفصال كخيار شرعي.[27]

تُجمع الأحزاب اليمينية المتطرفة على تصوير الاتحاد الأوروبي ككيان بيروقراطي فوق وطني، يُضعف السيادة الوطنية ويذيب الخصوصيات الثقافية للدول الأعضاء. كما تُحمّله مسؤولية الفشل في إدارة الأزمات الكبرى مثل الهجرة وأزمة اليورو، إضافة إلى ضعف سياساته الأمنية، خاصة بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، مما يدعم رواية اليمين بأن الاتحاد غير قادر على حماية الأمن والرفاه الأوروبي.[28]

  • الشعبوية

يتميز أسلوب الخطاب السياسي لليمين الشعبوي بالطابع الشعبوي حيث يهدف إلى تعبئة العامة ضد “بنية السلطة القائمة والأفكار والقيم السائدة في المجتمع”، بهدف تقويض هذه الأخيرة كأساس للشرعية السياسية واستبدالها بـ “الحس السليم لعامة الناس” كأساس جديد للشرعية السياسية، ويعتمد الخطاب الشعبوي على استغلال مشاعر الاستياء سياسياً، فمن أسباب نجاح أحزاب اليمين الشعبوي الحديثة هو قدرتها على الترويج لنفسها كأدوات فعالة للتعبير عن الإحباط الشعبي، وبالتالي تحظى هذه الأحزاب بشعبية في وقت تزايد مشاعر خيبة الأمل العامة تجاه الأحزاب التقليدية، والقيادة السياسية، والعملية السياسية، وحتى الديمقراطية التقليدية برمتها وفي هذا السياق، تروج الأحزاب اليمينة الشعبوية بأنها تمثل صوت ومطالب ومشاعر عامة الناس غير المعلنة.[29]

كذلك تميل الأحزاب الشعبوية إلى تبسيط القضايا السياسية، وتقسيمها إلى أبيض وأسود، وتدعو إلى إجابات بنعم أو لا، كما تعتبر النخبة طبقة طفيلية تُثري نفسها وتتجاهل مظالم الشعب بشكل منهجي. وتتناقض قيم هذه النخبة غير الأخلاقية -في نظرهم- مع حكمة الشعب وفطرته السليمة. كما تهدف الى وضع السلطة في أيدي الشعب غير المقيدة، وتدعو إلى زيادة استخدام أدوات الديمقراطية المباشرة.[30]

  • مناهضة العولمة:

ترى هذه الأحزاب أن العولمة تُعد وسيلة لهيمنة الأجانب على السوق. كما يعتقدون أن العولمة ساهمت في زيادة أعداد المهاجرين، وخفض الأجور، وتقليل نسبة السكان الأصليين. ويُعد أغلب ناخبي اليمين المتطرف من الذين يصفون أنفسهم بأنهم خاسرون في ظل العولمة، وكذلك الفئات التي تأثرت سلبًا بالتغيرات الاجتماعية، وتبرر أحزاب اليمين الشعبوي موقفها المعادي للهجرة من خلال تصورها لهوية ثقافية متجانسة ترى أن العولمة تسعى إلى تدميرها عبر تشجيع الهجرة عمدًا.[31]

وفي جانبها الاقتصادي، يرى اليمينيون الشعبويون أن العولمة تُضعف الديمقراطية وتقوّض دولة الرفاه. كما أدت العولمة الاقتصادية إلى تنامي المخاوف في أوروبا بشأن اختفاء نظام الرعاية الاجتماعية، حيث فرضت المنافسة ضغوطًا على الحكومات نحو إدخال تغييرات جذرية على نموذج دولة الرفاه.[32]

  • السلطوية:

تحبذ أحزاب اليمين الشعبوي نموذج الدولة السلطوية، إذ ترى أن السلطة الصارمة ضرورية لحماية الأمة من التهديدات الداخلية والخارجية. وتتبنى هذه الأحزاب خطابًا يؤكد على أهمية التمسك بالقيم التقليدية والأعراف الاجتماعية، كما تبرر استخدام العنف ضد المنحرفين ومن يتحدون النظام القائم. وتعكس برامج هذه الأحزاب هذا التوجه السلطوي من خلال التركيز على “التطبيق الصارم للقانون” و”عدم التسامح مع المخالفين”. فعلى سبيل المثال، تضمّن البرنامج الانتخابي للجبهة الوطنية الفرنسية (FN) عام 2017 مقترحات مثل توظيف المزيد من عناصر الشرطة، وإنشاء 40 ألف مكان إضافي في السجون خلال خمس سنوات، وفرض عقوبة السجن مدى الحياة على الجرائم الخطيرة دون إمكانية تخفيف الحكم. كما دعا حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) إلى إجراءات مشددة، من بينها خفض سن المسؤولية الجنائية إلى 12 عامًا.[33]

ختامًا، تناول هذا المبحث في بدايته التعريف باليمين الشعبوي باعتباره تيارًا مركبًا يجمع بين النزعة القومية والخطاب المعادي للنخب. كما استعرض السمات الأساسية التي تميز هذا التيار، وفي مقدمتها كراهية الأجانب، والعداء للمؤسسات الدولية، والنزعة السلطوية، ومناهضة العولمة. وتمثل هذه السمات مدخلًا ضروريًا لفهم طبيعة اليمين الشعبوي وتحليل أدواره في السياقات المختلفة.

المبحث الثاني

العوامل المفسرة لصعود اليمين الشعبوي

لم يأتِ صعود اليمين الشعبوي في العديد من الدول الغربية من فراغ، بل كان نتاجًا لمجموعة من العوامل المتضافرة التي مهدت الطريق لانتشاره وتعزيز حضوره في المشهد السياسي. وقد أسهمت تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية في خلق بيئة مواتية لخطابه وممارساته. ويركز هذا المبحث على تحليل أبرز هذه العوامل، بما يشمل ضعف الأحزاب التقليدية، والأزمات الاقتصادية، ودور وسائل الإعلام، وتنامي أعداد المهاجرين، والإسلاموفوبيا، وأخرها التصويت الاحتجاجي.

  • ضعف الأحزاب التقليدية

تربط العديد من الدراسات صعود الأحزاب اليمينية الشعبوية في أوروبا بالتغيرات التي طرأت على طبيعة المنافسة الحزبية. ويقوم هذا الطرح على أن البيئة السياسية تصبح ملائمة لصعود اليمين الشعبوي عندما تتقارب الأحزاب الرئيسية في مواقفها وأهدافها وبرامجها. وفي ظل هذا التقارب، يتجه الناخبون نحو الأحزاب الشعبوية، لا سيما تلك الموجودة على أقصى اليمين، التي تنتقد الأحزاب التقليدية وتقدم نفسها بوصفها بديلاً حقيقياً في مشهد بات يفتقر إلى التمايز السياسي. ويُعزى هذا الاتجاه إلى تراجع البعد الأيديولوجي (وخاصة الاقتصادي) كمحور رئيسي في التنافس، مما يدفع الناخبين إلى البحث عن قوى سياسية بديلة تعبّر عن مواقف مغايرة.[34]

يذهب الطرح الثاني إلى أن أحزاب اليمين المتطرف تحقق أداءً أفضل عندما تتبنى الأحزاب اليمينية التقليدية مواقف وسطية؛ إذ يمنح هذا التحول اليمين الشعبوي مساحة سياسية أوسع للمناورة واستغلال الفراغ في المشهد الحزبي. وتتنوع الأدلة الداعمة لهذا الطرح، إلا أن هناك من يشكك في مدى تأثير هذا العامل على نمو اليمين المتطرف، ويرى أنه لا يُشكّل عنصرًا حاسمًا في تفسير صعوده.[35]

تُظهر استطلاعات الرأي في السنوات الأخيرة مستوى غير مسبوق من انعدام الثقة تجاه الأحزاب السياسية التقليدية في أوروبا، إذ سجلت أدنى درجات الثقة بين مختلف المؤسسات السياسية، بمتوسط بلغ (٣.٩ من ١٠) بين مواطني الاتحاد الأوروبي. وتلتها في الترتيب الحكومات بمتوسط (٤.٠ من ١٠)، ثم البرلمانات بنسبة (٤.٢ من ١٠).[36]

يشير المعنيون بالسلوك الانتخابي إلى أن الناخبين الذين يشعرون بالحرمان أو التهديد نتيجة عمليات العولمة الثقافية والاقتصادية غالبًا ما يتحولون إلى دعم أحزاب اليمين الراديكالي الشعبوي، خاصة في ظل ما يرونه من إهمال من قِبل الأحزاب الرئيسية للقضايا المجتمعية المستجدة، التي تُعد محورًا رئيسيًا في اهتماماتهم. ومن هنا، سُجلت أعداد متزايدة من الناخبين المنصرفين عن الأحزاب التقليدية، الذين اختاروا الانضمام إلى أحزاب يمينية متطرفة، تعبيرًا عن حالة من عدم الثقة في النخب السياسية القائمة.[37]

مما لا جدال فيه أن صعود اليمين المتطرف ونجاحه السياسي لم يكن حصيلةً حصريةً لأخطاء خصومه السياسيين أو نتيجةً مباشرةً لأزمات خارجية لم يكن له يد فيها، بل يجب الاعتراف بأن الأحزاب اليمينية المتطرفة التي حققت تقدماً ملحوظاً في المشهد السياسي قد أظهرت كفاءة تنظيمية واستراتيجية لا يُستهان بها. فقد تمكنت هذه الأحزاب من استغلال اللحظات السياسية الحرجة والفرص التي أتاحتها الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، تماماً كما تفعل أي قوى سياسية تسعى إلى توسيع نفوذها. كما برزت هذه الأحزاب في قدرتها على تسليط الضوء على القضايا المثيرة للقلق بالنسبة لقطاعات واسعة من الناخبين، مستثمرةً في ذلك الشعور المتنامي بالاستياء من السياسات السائدة. وبالفعل، أظهرت هذه القوى اليمينية براعة في مخاطبة الفئات المتضررة والمهمّشة، مما مكّنها من تحويل حالة الرفض الشعبي المتزايد تجاه الحكومات الوطنية إلى مكاسب سياسية ملموسة على مستوى صناديق الاقتراع.[38]

في الأعوام الأخيرة، استغلت الأحزاب اليمينية المتطرفة أزمة فيروس كورونا لتأجيج مشاعر الغضب لدى المواطنين، نتيجةً لعدم فعالية استجابة الحكومات للجائحة، إلى جانب الانتشار الواسع للمعلومات المضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وقد أتاح هذا الوضع، على سبيل المثال، للأحزاب اليمينية مساحة أوسع لنشر أفكارها السياسية اليمينية المتطرفة، ذات الطابع المحافظ، التي تستند إلى كراهية الأجانب، واستُغلت هذه الأوضاع في الترويج للأفكار المعادية للمهاجرين، بوصفهم ناقلين للعدوى.[39]

تكمن قوة هذه الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا – التي تشهد تصاعدًا مستمرًا – في استراتيجياتها التعبوية الناجحة، التي تعتمد على تضخيم أخطاء الحكومات. ويُنظر إلى هذه الأحزاب على أنها أكثر مرونة تنظيميًا، وخطابها يبدو متسقًا بدرجة أكبر مع المتغيرات الاجتماعية الراهنة، ولديها قدرة ملحوظة على التكيف معها.

  • العوامل الاقتصادية

شهدت أوروبا حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي ناتجة عن الأزمة المالية لعام 2008، مما أسفر عن انعدام الأمن المالي الذي يثير قلق الأفراد وينبع منه الكساد الاقتصادي. وتخافت الأيديولوجية الاشتراكية، خصوصًا منذ نهاية الحرب الباردة، والتي كان جوهرها الاعتماد على النقابات العمالية والمساواة والشعور بالعمل الجماعي، وازدهرت الفردية الرأسمالية في سعيها للربح، فأصبحت فكرة يصعب دمجها مع الاشتراكية، لذلك فقدت الاشتراكية مؤيديها. وساهمت التحولات الهيكلية في الاقتصاد العالمي، لا سيما بعد الأزمة المالية العالمية 2008، في إضعاف الثقة الشعبية بالمؤسسات الليبرالية والنخب الاقتصادية؛ فقد تراجعت الحماية الاجتماعية، وتدهورت ظروف العمل، خاصة في القطاعات التي تضررت من العولمة مثل الصناعات التحويلية، ما أدى إلى شعور قطاعات واسعة من المواطنين بالتهميش. الأحزاب اليمينية الشعبوية استغلت هذا الوضع بتبني خطاب يربط بين التدهور الاقتصادي وسوء إدارة النخب، ويعد بإعادة السيادة الاقتصادية للدولة الوطنية.[40]

تُظهر الأدبيات الاقتصادية أن العولمة أدت إلى استفادة فئات محددة داخل المجتمع، خصوصًا أصحاب المهارات العالية وسكان المدن الكبرى، بينما تحمّلت الطبقات العاملة تكلفة المنافسة الأجنبية وفقدان الوظائف. هذا التفاوت في توزيع المكاسب والخسائر خلق حالة من “التفكك الداخلي”، حيث تميل الفئات المتضررة إلى دعم الأحزاب الشعبوية التي تتبنى خطابًا معاديًا للعولمة وتدعو للحمائية الاقتصادية والسيادة الوطنية.[41] كما تشير الدراسات التجريبية إلى أن الشعور بعدم المساواة غير العادلة – أي الفجوات الاقتصادية الناتجة عن ظروف خارجة عن إرادة الفرد، مثل مكان الإقامة أو الخلفية الاجتماعية – يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتأييد الحركات الشعبوية في مثل هذه البيئات، حيث تتآكل فرص التقدم الاجتماعي، ويسهل على الخطاب الشعبوي أن يُحمّل “النظام” أو “النخب” مسؤولية الوضع، ويطرح نفسه كبديل يمثل الإرادة الشعبية.

تؤكد بعض الدراسات أن الأفراد الذين يتعرضون لصدمات اقتصادية مفاجئة، كفقدان الوظيفة أو الانهيار المالي الشخصي، يُظهرون ميلًا متزايدًا لدعم الأحزاب الشعبوية. فالانكشاف المفاجئ على المخاطر يعزز من التفسيرات المبسطة التي تقدمها تلك الأحزاب، والتي تلقي باللوم على الآخرين” سواء النخب، أو الأجانب، أو المؤسسات الدولية” بدلًا من التحليل الهيكلي المعقد للأزمات.[42]

رغم أن بعض الأدلة تبيّن أن التأثير الاقتصادي ليس العامل الوحيد في صعود الشعبوية، إلا أن له أهمية خاصة في السياقات السياسية المتقاربة. فعندما يكون التنافس الانتخابي شديدًا، فإن التغيرات الاقتصادية قد تكون العامل المرجّح الذي يدفع الناخبين لاختيار الأحزاب الشعبوية، لا سيما إن ارتبطت هذه التغيرات بعدم أمان اقتصادي شخصي.[43]

ضمن هذا السياق، تُطرح سيناريوهات مستقبلية مرتبطة بتصاعد نفوذ اليمين المتطرف داخل مؤسسات الاتحاد، حيث تتزايد الدعوات لإعادة هيكلة النسق الأوروبي، أو الانسحاب منه، أو إلغاء العملة الموحدة. وفي ظل تصاعد هذه الدعوات، يظهر خطر تقويض المشروع الأوروبي على المدى المتوسط، خاصة إذا ما تم استلهام نموذج “بريكست” في دول أخرى، ما قد يفضي فعليًا إلى انهيار المنظومة الاتحادية في المدى المتوسط أو البعيد.[44]

تُظهر تحليلات أخرى أن الاتحاد الأوروبي أصبح ساحة مفتوحة للاستقطاب الشعبوي، حيث تستغل الأحزاب اليمينية التوتر القائم بين الحكومات الوطنية ومؤسسات الاتحاد في تعزيز خطاب السيادة. يُصوّر الاتحاد كمصدر للقيود القانونية والسياسية التي تعرقل اتخاذ قرارات تمثّل الإرادة المحلية، وهو ما يعزز الطروحات الانفصالية والدعوة لإعادة المركزية الوطنية.[45]

من ناحية أخرى، تشير تقارير دولية حديثة إلى أن تأثير الأحزاب اليمينية الشعبوية تجاوز الخطاب، ليهدد فعليًا وحدة الاتحاد. في المجر مثلًا، ارتبطت الخلافات المستمرة مع بروكسل بتعليق تمويلات أوروبية، مما دفع المعارضة لاستغلال الموقف سياسيًا. وفي النمسا، برز احتمال فوز اليمين المتطرف بالانتخابات لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، ما يثير مخاوف بشأن مستقبل التكامل الأوروبي.[46]

وأخيرًا، يرى باحثون في دراسات الاتحاد الأوروبي أن رفض اليمين الشعبوي لفكرة “الهيمنة فوق القومية” يشكّل جوهر الخطاب المعادي للتكامل الأوروبي. فهذه الأحزاب ترى أن الاتحاد يسلب الحكومات الوطنية أدواتها السيادية ويضعها تحت هيمنة مؤسسات غير منتخبة. لذلك، تظل مسألة تفكك الاتحاد أحد السيناريوهات السياسية المطروحة بقوة في ظل استمرار صعود هذه التيارات.[47]

  • وسائل الإعلام والإنترنت

شهدت العقود الأخيرة تحولًا جذريًا في أدوات التأثير السياسي، حيث أتاح تطور الإنترنت ووسائل الإعلام الرقمية لأحزاب اليمين الشعبوي منصات جديدة لتجاوز الوسائل التقليدية ونشر خطاباتها السياسية مباشرة إلى جمهور واسع. وبرز هذا التحول خصوصًا في الدول الأوروبية، حيث استفادت الأحزاب اليمينية من المساحات الرقمية المفتوحة لتشكيل مجتمعات افتراضية تعزز من تماسكها وتروّج لأفكارها، دون الخضوع لرقابة الإعلام التقليدي أو ما تسميه (فلترة النخب). وقد أظهرت الدراسات كيف مكنت وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأحزاب من إعادة تشكيل الخطاب السياسي من خلال أدوات بسيطة وفعّالة مثل التغريدات، الفيديوهات، والبث المباشر، مع التركيز على رسائل عاطفية واستقطابية تعتمد على ثنائية “نحن” مقابل “هم”،  وتنتقد النخب الحاكمة واللاجئين والاتحاد الأوروبي. ويُعد حزب “الجبهة الوطنية” في فرنسا نموذجًا لنجاح هذا الاستخدام؛ إذ يمتلك حضورًا رقميًا قويًا يشمل موقعًا رسميًا يُحدّث يوميًا، وصفحات تواصل اجتماعي نشطة، وخدمة بث مباشر تُستخدم لنشر خطاب الحزب وبرامجه.[48]

في السياق ذاته، يشير رالف شرودر إلى أن الإعلام الرقمي لم يكن مجرد وسيلة لنشر المعلومات، بل أداة استراتيجية لإعادة بناء الأجندة السياسية وفق منظور يميني شعبوي، يعارض النخب الإعلامية ويُضعف

تأثيرها. وبهذا أصبح الإعلام الرقمي أحد أهم ركائز انتشار الشعبوية وتعزيز الاستقطاب السياسي والاجتماعي.[49]

من ناحية أخرى، يلعب الإعلام التقليدي دورًا مزدوجًا، إذ رغم محاولاته الأولى لتجاهل هذه الأحزاب، فقد أسهم لاحقًا في تسليط الضوء عليها من خلال تغطيات مثيرة أو حتى نقدية، ما ساعدها دون قصد على كسب جماهير جديدة. ويرى مركز الأهرام أن الإعلام الشعبوي يُنتج خطابًا بسيطًا ومشحونًا بالعاطفة، يرسّخ الاستقطاب ويدفع باتجاه تسطيح القضايا المعقدة، وهو ما يُعد بيئة مثالية لصعود خطاب اليمين المتطرف.[50]

  • تنامي أعداد المهاجرين

تُعد الهجرة أحد العوامل المحورية التي ساهمت في تنامي قوة التيارات اليمينية المتطرفة في أوروبا خلال العقد الأخير، وقد ازدادت حدة هذا التأثير بعد موجة اللجوء الكبرى التي شهدتها القارة عام ٢٠١٥، والتي مثّلت لحظة فارقة في إدراك الرأي العام الأوروبي لتبعات الهجرة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد كشفت عدة دراسات علمية عن تصاعد مشاعر القلق والرفض تجاه المهاجرين بين قطاعات واسعة من المواطنين الأوروبيين، حيث باتت الهجرة تُنظر إليها من قِبل شرائح مختلفة بوصفها تهديدًا للهوية القومية، والاستقرار الاقتصادي، والأمن المجتمعي. وفي هذا الإطار، أظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة Betz أن نحو ٧١% من الناخبين الألمان يرون في قضية الهجرة التحدي الأكبر الذي يواجه المجتمع الألماني، وهو ما يعكس حجم القلق الشعبي إزاء هذه الظاهرة. وفي السياق ذاته، أفادت تقارير انتخابية في فرنسا بأن قضية الهجرة جاءت في المرتبة الثانية ضمن أبرز العوامل التي دفعت الناخبين إلى دعم الأحزاب اليمينية المتطرفة، وفقًا لانطباعاتهم الذاتية. من جهة أخرى، كشفت دراسة ميدانية أجرتها مؤسسةIpsos  في سبتمبر من عام ٢٠١٧ عن أن ٥% فقط من المواطنين المجريين و١٥% من البولنديين يعتقدون أن للهجرة تأثيرًا إيجابيًا على أوضاع بلدانهم، في حين أعرب ٦٧% من المجريين و٥١% من البولنديين عن تأييدهم الكامل لإغلاق الحدود الوطنية أمام اللاجئين. وتشير هذه المعطيات إلى وجود علاقة ارتباط قوية بين تصاعد الخطاب المناهض للهجرة واتساع القاعدة الانتخابية لليمين المتطرف في العديد من الدول الأوروبية.[51]

في سياق النقاش المتعلق بالهجرة، برزت نظرية “الاستبدال العظيم” (Great Replacement)، وهي أطروحة تبناها عدد من التيارات اليمينية المتطرفة في أوروبا، وتعود جذورها إلى الكاتب الفرنسي رينو كامو الذي طرحها عام 2010. وتقوم هذه النظرية على فرضية أن موجات الهجرة الجماعية، لاسيما من دول الشرق الأوسط وشمال وجنوب إفريقيا، تشكل تهديدًا ديموغرافيًا مباشرًا للشعوب الأوروبية الأصلية، عبر ما يُوصف بعملية “الإحلال الديموغرافي”، التي قد تؤدي – حسب أنصار النظرية – إلى تحوّل الأوروبيين إلى أقلية داخل مجتمعاتهم أو حتى إلى تلاشي “الهوية الأوروبية” على المدى البعيد. وتروج هذه النظرية لفكرة مفادها أن النخب الليبرالية العالمية تسعى عمدًا إلى استبدال السكان الأصليين بالمهاجرين من خلال سياسات هجرة مفتوحة، وهو ما يسهم في تأجيج مشاعر القلق والخوف من الآخر، ويغذي الخطابات العنصرية والمعادية للأجانب داخل المجال العمومي الأوروبي. وقد تجسدت هذه الطروحات بوضوح في الخطاب السياسي لبعض الزعامات اليمينية، وعلى رأسها رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي أعرب مرارًا عن رفضه للهجرة، محذرًا من تداعيات ما يُطلق عليه “اختلاط الأعراق”، بوصفه تهديدًا مباشراً للتماسك الثقافي والعرقي للمجتمعات الأوروبية.[52]

  • الإسلاموفوبيا

منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر وبداية ما عُرف بـ “الحرب على الإرهاب”، تحولت الإسلاموفوبيا إلى ظاهرة متجذّرة في الواقع الاجتماعي والسياسي الغربي، لا سيما في السياق الأوروبي. ولم تقتصر مظاهر هذه الظاهرة على السياسات التشريعية التي تمسّ بحقوق المسلمين – كما يتجلى في قوانين حظر ارتداء الحجاب في كل من فرنسا وبلجيكا، أو حظر بناء المآذن في سويسرا – بل امتد تأثيرها إلى الخطابات السياسية والإعلامية السائدة. فقد أصبح من المقبول، بل ومن المشروع، انتقاد المجتمعات المسلمة المهاجرة في الغرب تحت ذرائع مستندة إلى القيم الليبرالية، كحرية التعبير والدفاع عن حقوق المرأة. والمفارقة أن هذا الخطاب لقي دعمًا واسعًا من وسائل الإعلام، ما أسهم في تطبيع التوجهات العنصرية والمعادية للمسلمين، وجعل من التمييز ضدهم سلوكًا شبه مشروع في الفضاء العام. وهكذا بات من الممكن ملاحظة أن الإسلاموفوبيا لم تعد مجرد مواقف فردية أو هامشية، بل أصبحت مكونًا بارزًا في المناخ السياسي والمجتمعي العام في عدد من الدول الأوروبية.[53]

تُعد أحزاب اليمين المتطرف من أبرز الجهات التي تبنّت الخطاب المعادي للإسلام في السياق الغربي، إذ تنسجم مبادئها الأيديولوجية، التي تم تناولها سابقًا، مع تبني توجهات إسلاموفوبية بشكل صريح. وفي هذا السياق، يؤكد الباحث جواو باولو زيكيت (J. P. Zuquete) في دراسته المعنونة “اليمين الأوروبي المتطرف والإسلام” على أن هذه الأحزاب تُعرَف بعدائها الصريح تجاه الإسلام (Anti-Islam)، وهو ما بات يُمثّل – بحسبه – واقعًا راسخًا وشائعًا في الأدبيات السياسية. كما يشير إلى أن قضايا الإسلام والمسلمين المقيمين في أوروبا شكّلت محورًا رئيسًا ضمن اهتمامات اليمين المتطرف على مدار العقدين الماضيين، بالنظر إلى ما تعتبره هذه التيارات تهديدًا مباشرًا للقيم والهوية الأوروبية.[54]

  • التصويت الاحتجاجي

في سياق “عدم الرضا عن أداء الأحزاب التقليدية”، تسعى أحزاب اليمين المتطرف إلى جذب الناخبين الغاضبين من خلال انتقاد النظام السياسي التقليدي والأحزاب القائمة، مع الإدعاء بأنها تمثل الحامي لمصالح “الشعب العام”. تقدم هذه الأحزاب نفسها ككيانات احتجاجية معارضة للأحزاب السائدة، مستغلة خطابًا نقديًا موجهًا ضد الأحزاب التقليدية والنخب السياسية بشكل عام.[55]

يُنظر إلى “التصويت الاحتجاجي” بوصفه أحد التفسيرات المركزية لصعود أحزاب اليمين المتطرف في العديد من السياقات الديمقراطية، إذ يتجه الناخبون غير الراضين عن أداء الأحزاب التقليدية، والذين تتسم مواقفهم بالسخرية أو فقدان الثقة في النخب السياسية، إلى دعم تلك الأحزاب بوصفه تعبيرًا عن رفضهم للوضع القائم، أكثر من كونه تأييدًا فعليًا لمضامينها الأيديولوجية أو لبرامجها السياسية.[56]

ختامًا، يتبيّن أن صعود اليمين الشعبوي ليس نتاج عامل واحد، بل نتيجة تفاعل معقّد بين أسباب سياسية واقتصادية واجتماعية. وقد لعبت التحولات في بنية النظام الحزبي، إلى جانب الأزمات والهواجس الثقافية، دورًا محوريًا في تمهيد الطريق لهذا الصعود. ويُعد فهم هذه العوامل خطوة أساسية لتفسير حضور اليمين الشعبوي في السياسات الداخلية والخارجية.

الفصل الثاني

تأثير صعود اليمين الشعبوي في السياسة الخارجية: تحليل نظري

أصبح اليمين الشعبوي ظاهرة سياسية مركزية في المشهد العالمي المعاصر، لا سيما منذ مطلع الألفية الثالثة، إذ تمكنت حركات وأحزاب تتبنى خطابًا يمزج بين النزعة القومية والعداء للمؤسسات التقليدية من تحقيق نجاحات انتخابية لافتة في عدد من الدول الديمقراطية. هذا الصعود لا يعكس فقط تحولات في المزاج الشعبي أو تراجع الثقة في النخب الحاكمة، بل يمثل إعادة تشكيل جذرية للعلاقة بين الدولة والعالم الخارجي. فاليمين الشعبوي، بخطابه المبني على “نحن” الوطنيون في مواجهة “هم” الأجانب أو النخب أو المؤسسات الدولية، لا يقتصر تأثيره على السياسات الداخلية، بل يمتد بشكل جوهري إلى السياسات الخارجية، حيث يعاد تعريف المصالح القومية، والأولويات الدبلوماسية، وحتى أدوات القوة والنفوذ.

في هذا السياق، يسعى هذا الفصل إلى تحليل تأثير اليمين الشعبوي في السياسة الخارجية، من خلال تسليط الضوء على القضايا المحورية التي تمثل صدامًا بين الرؤية الشعبوية والنهج الليبرالي التقليدي. أولى هذه القضايا هي الهجرة، حيث يُنظر إليها كتهديد للهوية الوطنية والثقافة المحلية، مما يؤدي إلى تبنّي سياسات انغلاق وتشدّد، تعكس رؤية أمنية ضيقة تتعارض مع المعايير الإنسانية والقانون الدولي.

القضية الثانية هي الحمائية الاقتصادية، حيث يرفض اليمين الشعبوي سياسات السوق المفتوحة والعولمة الاقتصادية، مفضلًا سياسات “صُنع في الوطن” والدفاع عن الصناعات الوطنية، حتى وإن أدى ذلك إلى توتر العلاقات مع شركاء تجاريين. هذا التوجه يُحدث تأثيرًا ملموسًا على الاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف ويعيد تعريف مفهوم المصلحة القومية في الاقتصاد الدولي.

كما يتناول الفصل تأثير الخطاب الشعبوي على العلاقات مع القوى الخارجية، حيث يُلاحظ ميل نحو العلاقات الثنائية على حساب العمل الجماعي متعدد الأطراف، وازدياد التوتر مع الخصوم الجيوسياسيين والحلفاء التقليديين. وأخيرًا، يناقش الفصل الموقف الشعبوي من المؤسسات الدولية والقانون الدولي، حيث تنظر هذه التيارات إلى تلك الكيانات كعقبات أمام السيادة الوطنية، وتسعى إما إلى الانسحاب منها أو تقليص التزاماتها، ما يهدد بتآكل النسق الدولي القائم على التعاون والقواعد.

من خلال هذا التحليل، يسعى المبحث إلى فهم كيفية إعادة تشكيل اليمين الشعبوي لمحددات السياسة الخارجية، وما إذا كانت هذه التحولات مؤقتة أم تعبيرًا عن تغير هيكلي في بنية النسق العالمي.

المبحث الأول

اليمين الشعبوي وسياسات الهجرة والحمائية الاقتصادية

يشهد النسق الدولي تحولات ملحوظة مع صعود التيارات اليمينية الشعبوية التي باتت تؤثر بعمق في توجهات السياسة الخارجية للدول. ويتجلى هذا التأثير بوضوح في مواقفها تجاه قضايا الهجرة والانفتاح الاقتصادي، حيث تعتمد رؤى تتسم بالتشدد والانغلاق. يسعى هذا المبحث إلى تحليل الأسس الأيديولوجية لتلك السياسات وتفسير انعكاساتها على النسق العالمي القائم.

أولاً: سياسات الهجرة

يولي اليمين الشعبوي اهتمامًا بالغًا بمسألة الحفاظ على الهوية الوطنية، بوصفها الحاضنة الأساسية للقيم الثقافية والاجتماعية والسياسية التي تشكل كيان الأمة.[57] وينطلق هذا التوجه من تصور ضيق لمفهوم الأمة، حيث تُعرَّف الأمة باعتبارها وحدة متجانسة، تمتلك خصائص ثقافية ودينية وإثنية ثابتة وغير قابلة للتغيير. ومن هذا المنظور، تُبنى الهوية الوطنية على أسس استبعادية، تستند إلى تصور يفترض وجود حدود صلبة بين “الداخل”الوطني و”الخارج” الغريب. وهكذا يتجلى التصور الشعبوي للأمة في نزعة إلى تجانس الهويات ورفض التعددية الثقافية، عبر ترسيخ معايير صارمة للانتماء تُقصي كل من لا يندرج ضمن الفئة الأصلية (المتجانسة) من دائرة الهوية الوطنية.[58]

انطلاقًا من هذا الإطار النظري، يتبلور موقف اليمين الشعبوي المعادي للهجرة والمهاجرين، حيث يُنظر إلى تدفقات الهجرة بوصفها تهديدًا مباشرًا للتماسك الوطني والثقافي. فالمهاجرون يُصورون كعناصر دخيلة تحمل ثقافات وقيمًا مغايرة، مما يؤدي إلى اعتبارهم قوة مهددة لبنية المجتمع ووحدته. في هذا السياق، يتم إحياء مفهوم “الشعب الأصلي” (indigenous people)، الذي يُحصر في أولئك الذين يتشاركون نمط الحياة الغربي والقيم الثقافية السائدة. ويُنظر إلى التساهل مع سياسات الهجرة باعتباره خطوة نحو تآكل الهوية الوطنية، بما قد يؤدي إلى نشوء صراع ثقافي عميق داخل المجتمعات الغربية، ويحولها تدريجيًا إلى مجتمعات تعاني من الانقسام وعدم الاستقرار، بما يشابه أوضاع دول العالم الثالث.[59]

لعبت الهجرة دورًا محوريًا في تشكيل خطاب اليمين الشعبوي في أوروبا، إذ لم تعد مجرد قضية ثانوية، بل غدت أداة مركزية لتأجيج المخاوف الاجتماعية والسياسية. فقد أكد بيم فورتيون، أحد أبرز قادة اليمين الهولندي، أن “هولندا قد امتلأت”، مشددًا على ضرورة إغلاق حدود البلاد أمام المهاجرين. وفي السياق ذاته، دعا جان ماري لوبان إلى أولوية “الفرنسيين أولًا”، مطالبًا بإدخال تعديلات دستورية تكفل حماية ما يسميه بـ”الأولوية الوطنية”. ومع تصاعد هذا الخطاب، أصبح المهاجرون يُصورون باعتبارهم المصدر الرئيس لمختلف الأزمات الداخلية، مثل تفشي البطالة، وارتفاع معدلات الجريمة، وتراجع جودة التعليم. وأسهم هذا التصور في تعزيز النظرة السلبية تجاه المهاجرين، مما مهّد الطريق لخطابات الإقصاء والكراهية، وأدى إلى تصاعد موجات العداء للأجانب والعنصرية داخل المجتمعات الأوروبية.[60]

تُجمع الأدبيات الأكاديمية على توصيف اليمين المتطرف بأنه «معادٍ للمهاجرين»، تأكيدًا على ما يحتله موضوع الهجرة من مكانة محورية في بنيته الفكرية واستراتيجياته الانتخابية. ويُعد الخطاب المناهض للمهاجرين قاسمًا مشتركًا ومكونًا أساسيًا يُميز مختلف تيارات اليمين المتطرف ضمن السياق السياسي الأوروبي.[61]

في يوليو 2023، دفعت إيطاليا الاتحاد الأوروبي لتوقيع اتفاقيات مهمة مع كل من تونس ومصر وليبيا، في إطار مذكرة تفاهم مع تونس، تهدف إلى إقامة شراكة استراتيجية شاملة، بالتركيز على مجالات مثل الاستقرار الاقتصادي الكلي، والعلاقات التجارية، والتحول في مجال الطاقة. غير أنّ هذه الاتفاقية استهدفت بالأساس محاولة الحد من العدد المتزايد من المهاجرين غير النظاميين إلى إيطاليا عبر طريق البحر المتوسط، لكنها في الوقت نفسه استندت على مقاربة خارجية، وتقتضي الاتفاقية عموماً بتكليف إدارة الحدود بالمسؤولية إلى الجانب التونسي. كما نصت الاتفاقية على توفير نحو 12 ألف فرصة عمل موسمية أمام الشباب التونسي، وذلك خلال ثلاث سنوات، أي بمعدل 4 آلاف عامل في العام. في هذا الإطار، رصدت إيطاليا مبلغ 18 مليون يورو للوكالة التونسية للتشغيل، لرفع قدرات الشباب التونسي، قبل التوجه إلى سوق العمل الإيطالي بعقود عمل قانونية. وعلى الرغم من تشكيك بعض دول الاتحاد الأوروبي في العملية التي أدت إلى توقيع مذكرة التفاهم، فضلاً عن المخاوف المثارة بشأن وضع حقوق الإنسان في تونس، إلا أن المحصلة النهائية مثّلت خطوة إيجابية في هذا الاتجاه، الذي يخدم مصلحة إيطاليا ويدعم التنمية في المنطقة في الوقت نفسه.[62]

في سياق متصل، وبدءً من عام ٢٠٢٣، اتجهت إيطاليا، بدعم من الاتحاد الأوروبي، إلى تعزيز سياستها الرامية إلى مكافحة الهجرة غير النظامية القادمة عبر ليبيا، من خلال إبرام اتفاقات مع دول ثالثة. من بين هذه الاتفاقات، يبرز البروتوكول الموقع مع ألبانيا، والذي يقضي بنقل ما يصل إلى ٣٦ ألف طالب لجوء إلى مراكز احتجاز داخل الأراضي الألبانية سنويًا، وذلك حتى فبراير ٢٠٢٤، بتفويض من الحكومة الإيطالية. وقد حظي هذا التوجه بدعم مباشر من الاتحاد الأوروبي، الذي وصلت مشاركته إلى حد اعتبار المفوضية الأوروبية هذا النموذج مرجعًا لتوجه أوروبي أوسع، يقوم على تفويض دول خارج الاتحاد بمهام الحد من دخول المهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا. وعلى هذا الأساس، اقترحت المفوضية على الدول الأعضاء اعتماد اتفاقيات مماثلة مع دول العبور مثل ليبيا وتونس، وهو ما طُرح للنقاش خلال اجتماع بروكسل يوم ١٠ أكتوبر ٢٠٢٤، وأثار حينها جدلًا واسعًا بين الدول الأعضاء.[63]

بحسب الاتفاق الليبي-الإيطالي الموقّع في عام ٢٠١٧، والذي تم برعاية الاتحاد الأوروبي ويتم تجديده سنويًا، تقدم إيطاليا دعماً مالياً ولوجستياً يشمل تجهيز وتدريب غفر السواحل الليبي بهدف الحد من الهجرة غير النظامية. وقد خصص الاتحاد الأوروبي تمويلات تُقدّر بنحو ٣٢٧.٧ مليون يورو، يتم توظيفها من خلال بعض المنظمات الحقوقية المنتقدة لهذا الدعم. ويستثمر الاتحاد الأوروبي هذه الأموال في إدارة الحدود في ليبيا وتونس، وذلك منذ عام ٢٠١٦ وحتى عام ٢٠٢٧.[64]

في نهج مشابه لما حدث مع دول أخرى، لعبت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني دورًا محوريًا في دفع الاتحاد الأوروبي نحو تعزيز التعاون مع مصر في ملفي الهجرة والمساعدات التنموية. وقد تُوّج هذا التوجه بتوقيع اتفاقية أُطلق عليها اسم «الشراكة الاستراتيجية» بين مصر والاتحاد الأوروبي في مارس ٢٠٢٤، بلغت قيمتها نحو ٧.٤ مليار يورو، تُوزع على مدى أربع سنوات. وتهدف هذه الاتفاقية إلى الحد من الهجرة غير النظامية نحو أوروبا من خلال دعم الاقتصاد المصري وتعزيز قدرته على ضبط الحدود. ومن اللافت أن ميلوني كانت من أبرز الوجوه الدافعة لعقد هذه الشراكة، وصرّحت بأن الاتفاقية تتيح لمصر ودول أفريقية أخرى فرصة للتنمية مقابل تقليص تدفقات الهجرة نحو أوروبا.[65]

ثانيًا: الحمائية الاقتصادية

شهد النسق الاقتصادي العالمي خلال العقود الأخيرة تحولات عميقة نتيجة تصاعد التيارات الشعبوية، التي أعادت الاعتبار لمفهوم السيادة الاقتصادية عبر تبني السياسات الحمائية. إذ باتت الحركات اليمينية الشعبوية ترى في الانفتاح الاقتصادي تهديدًا مباشرًا لمصالح المواطنين العاديين، ومصدرًا لفقدان الهوية الوطنية.[66]

وقد ارتبط الخطاب الشعبوي في الولايات المتحدة وأوروبا بالحمائية الاقتصادية باعتبارها رد فعل على تداعيات العولمة، التي اعتُبرت مسؤولة عن تهميش الطبقات المتوسطة وفقدان الصناعات التقليدية. ولم تعد الحمائية مجرد سياسة اقتصادية، بل تحولت إلى شعار سياسي مركزي ضمن حملات القادة الشعبويين، مثل دونالد ترامب ومارين لوبان.[67]

ترتبط النزعة الحمائية في الفكر الشعبوي برفض الهيمنة الاقتصادية العالمية التي فرضتها العولمة، حيث يرى الشعبويون أن الاتفاقيات التجارية الحرة قيدت قدرة الدول على حماية اقتصاداتها المحلية، وأضرت بقطاعات واسعة من المجتمع.[68]

من هذا المنطلق، روجت الحركات الشعبوية إلى أن استعادة السيادة الوطنية تتطلب فرض قيود جمركية وإعادة التفاوض أو الانسحاب من الاتفاقيات الاقتصادية الدولية، ففي الولايات المتحدة، اتخذت إدارة ترامب سياسة” أمريكا أولًا” شعارًا لاستعادة الهيمنة الاقتصادية الوطنية، معتمدة على سياسات حمائية صريحة.[69]

كما دعمت الأحزاب الشعبوية في أوروبا، مثل حزب”البديل من أجل ألمانيا”، فكرة أن الحمائية تحمي السوق الوطنية من التلاعب الاقتصادي القادم من الخارج.[70]

تجلت السياسات الحمائية اليمينية في السياسات الخارجية عبر خطوات عملية مثل فرض الرسوم الجمركية والانسحاب من الاتفاقيات التجارية. في أمريكا، انسحب ترامب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP) وأعاد التفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (NAFTA)، والتي أعيدت تسميتها لاحقًا إلى اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA).[71]

في أوروبا، استخدم الشعبويون مثل سالفيني في إيطاليا خطابًا حمائيًا يدعو لحماية الشركات الوطنية ضد المنافسة الأوروبية.[72] كذلك، في فرنسا، روّجت مارين لوبان لفكرة الانفصال عن الاتحاد الأوروبي كوسيلة لتحرير السياسة التجارية الفرنسية، هذه المواقف عكست تحولا عن السياسات الليبرالية التقليدية، واستبدالها بسياسات قومية اقتصادية تهدف إلى إعادة مركزية القرار الاقتصادي للدولة الوطنية.[73]

أثرت النزعة الحمائية الشعبوية بشكل مباشر على فعالية المؤسسات الاقتصادية الدولية. أدى إضعاف دور منظمة التجارة العالمية إلى تفاقم النزاعات التجارية بين الدول، مما أضعف نظام تسوية المنازعات داخل المنظمة.[74]

كما واجه صندوق النقد الدولي تحديات في التعامل مع الحكومات الشعبوية التي تفضل السياسات الاقتصادية الوطنية الانعزالية على التعاون متعدد الأطراف، وزاد الشك في فعالية النسق الاقتصادي الليبرالي، مع تصاعد الخطاب الذي يعتبر المؤسسات الدولية أدوات للنخب ضد مصالح الشعوب.[75]

يتضح أن السياسات الحمائية لم تكن مجرد ردة فعل عابرة على أزمات اقتصادية، بل أصبحت مكونًا أساسيًا في الخطاب والممارسة السياسية لليمين الشعبوي. إذ أعاد هذا التيار صياغة العلاقة بين الاقتصاد والسيادة الوطنية، مؤكدًا على أن حماية السوق المحلية تشكل عنصرًا جوهريًا في استعادة “حق الشعوب” في تقرير مصيره، لكن هذه النزعة أدت إلى تعقيد العلاقات الاقتصادية الدولية وإضعاف المؤسسات المتعددة الأطراف، مما ينذر بتحولات جوهرية في هيكل النسق العالمي.

ختامًا، يتّضح من التحليل أن اليمين الشعبوي يُعيد رسم أولويات السياسة الخارجية، مستبدلًا قيم العولمة والانفتاح بمفاهيم الهوية والسيادة الاقتصادية. وقد أسفرت هذه التحولات عن تحديات جدية للنظام الدولي الليبرالي، خاصة في مجالي الهجرة والاقتصاد. ومن ثم، تظل الحاجة ملحّة لفهم هذه الظاهرة في سياقها البنيوي المتغير عالميًا.

المبحث الثاني

اليمين الشعبوي والعلاقات مع القوى الخارجية وموقفه من المؤسسات الدولية والقانون الدولي

يشكّل صعود اليمين الشعبوي ظاهرة مؤثرة في إعادة تشكيل السياسات الخارجية، لا سيما فيما يتعلق بالعلاقات مع القوى الدولية والموقف من النسق العالمي القائم. تتبنى هذه التيارات مقاربة نقدية للمؤسسات الدولية والقانون الدولي، باعتبارها قيودًا على السيادة الوطنية وخيارات الدول المستقلة. يهدف هذا المبحث إلى تحليل هذا التوجّه وتفكيك انعكاساته على بنية النسق الدولي القائم.

 أولا: اليمين الشعبوي والعلاقات مع القوى الخارجية

يتبنى اليمين الشعبوي قاعدة إعلاء المصالح الوطنية على الاعتبارات الأوروبية، ومن ثم فإن توجه الاحزاب القومية اليمينية بشأن العلاقات مع القوى الدولية يعد خروجاً عن النهج الأوروبي التقليدي، وقد انعكس ذلك بوضوح في مواقف التيارات اليمينية الشعبوية من قوى دولية حال روسيا والولايات المتحدة الامريكية.[76]

يتجه اليمين الشعبوي في سياسته الخارجية نحو تعزيز علاقاته مع القوى العظمى، وهي العلاقة التي تقوم بالأساس على فكرة المصالح المشتركة، ويتصدر هذا المشهد العلاقة الوثيقة بين اليمين الأوروبي واليمين الروسي بزعامة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث يرى اليمين الاوروبي في روسيا حليفاً اساسياً لمواجهة الليبرالية والإسلاموفوبيا والحفاظ على القيم المسيحية بإعتبار أن روسيا تمثل حارس البوابة المسيحية فهي الحاجز بين الشرق والغرب، وأن الرئيس بوتين هو الزعيم القوي الملهم، غير أن بعض الاحزاب اليمينية الشعبوية تلجأ إلى روسيا للحصول على الدعم والتمويل المالي لتغطية نشاطها وحملاتها الانتخابية.[77]

تسعى روسيا من خلال علاقتها بأحزاب اليمين الشعبوي إلى تحقيق أهداف عديدة بعيدة ومتوسطة وقريبة المدى مثل تشكيل تحالف(أورو- اسيوي) بهدف قلب الموازين الاوروبية وقيمها الليبرالية والعمل علي فصل أوروبا عن حلف الاطلسي والولايات المتحدة، وكذلك إضعاف الاتحاد الأوروبي من خلال كسب قدرا من التأثير على قراراته، وقد عززت الأزمة الأوكرانية خطاب تلك الأحزاب في مسارين يتوافقان مع خطاب بوتين: الأول يصور الاتحاد الاوروبي بأنه ذا تأثير مزعزعاً للأستقرار، والثاني يصور الاتحاد الأوروبي بكونه مهدرا للأموال والتي يمكن إنفاقها بشكل أفضل في البلدان التي لا تزال تتعرض للأزمات المالية والاقتصادية، وقد أيد (خيرت فيلدر) رئيس حزب الحرية اليميني الهولندي الفكرة الأولى بخصوص الأزمة الأوكرانية بقوله:”إن الاتحاد الأوروبي يقف وراء الحرب” في خطاب له بتاريخ ١ مارس ٢٠١٤.[78]

إن التقارب الفكري بين اليمين الشعبوي الأوروبي وفلاديمير بوتين يمكن أن يمثل مصدراً لإضفاء الشرعية على السياسات الروسية من قبل قوى لها مكانة في مراكز القرار الدولي، حيث إن (ناجيل فاراج) رئيس حزب “بريكست” البريطاني يصف بوتين بأنه” استراتيجي رائع”،[79] كما أعرب (فيكتور أوربان) عن إعجابة بمفهوم بوتين للسيادة وزعم (ماتيو سالفيني) “أن روسيا تمثل المستقبل”، وتنضم إليهم ماري لوبان التي ترى “أن روسيا تعد جزء من التراث المسيحي للحضارة الاوروبية”.[80]

وقد اظهرت أحزاب اليمين الشعبوي موقفها المؤيد لروسيا خلال استفتاء ضم شبة جزيرة القرم بتاريخ ١٦ مارس ٢٠١٤، بالتزامن مع مقاطعة الاتحاد الاوروبي له، حيث وجهت روسيا الدعوة لعدد من تلك الاحزاب   ( رابطة الشمال الإيطالية، واعصبة الفلمنكية البلجيكية، وجوبيك المجري، وحزب الحرية النمساوي،  والتجمع الوطني الفرنسي)؛ لمراقبة نزاهة هذا الاستفتاء.[81]

تعددت سبل التعاون بين الأحزاب اليمينية الشعبوية وروسيا، فمثلاً وقع حزب الحرية اليميني النمساوي مع الحزب الروسي الحاكم “روسيا الموحدة” للتنسيق والتفاهم حول عدد من القضايا، واعتبر رئيس حزب الحرية-آنذاك- نوربرت هوفر أن ” التعاون مع حزب روسيا الموحدة هو بمثابة بادرة نحو التعاون السلمي”.[82]

على الرغم من إعجاب بعض من الأحزاب اليمينية الشعبوية بفكرة ” أمريكا أولاً” التي انتهجتها إدراة ترامب السابقة،[83] إلا أن معاداة أمريكا مثلت منصة حشد للعديد من الأحزاب الشعبوية أبرزهم حزب الجبهة الوطنية، حيث ترتبط تصورات معظم هذة الأحزاب بما يمثله حلف شمال الاطلسي(الناتو) في قضايا الأمن والدفاع والتدخل العسكري، وعلى سبيل المثال في إيطاليا يروج حزب خمس نجوم للعديد من نظريات المؤامرة حول الولايات المتحدة ويثير الشكوك حولها رغبة منه في أن تترك أمريكا قواعدها العسكرية في إيطاليا.[84]

يتبنى حزب الجبهة الوطنية أيديولوجية قومية راسخة تتسم بمعاداة أمريكا وحلف الناتو، حيث تفضل ماري لوبان الخروج من هيكل القيادة لحلف الناتو وكبديل له تقترح فكرة “أوروبا الأمم” مع قيام تحالف استراتيجي عسكري وطاقوي مع روسيا، وقيام اتحاد أوروبي يشمل دول ذات سيادة ويضم روسيا وسويسرا غير أنه يستثني تركيا.[85]

على الجانب الآخر، اعتبر قادة أحزاب اليمين الشعبوي فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الاخيرة على منافسته كاميلا هاريس نقطة تحول في صالحهم، حيث إنه منذ فترة ولايته السابقة عام ٢٠١٦ يمثل مصدر إلهام لهذه الأحزاب بسبب تشابه خطابه مع خطابهم في عديد من القضايا، أبرزها العداء للهجره والمهاجرين، العولمة، رفض النخب، ومناهضة المؤسسات الدولية؛ فقد سارع قادة هذه الأحزاب لتهنئة ترامب، ووصف رئيس وزراء المجر(فيكتور أوروبان) هذه النتيجة بأنها”النصر الذي يحتاجه العالم بشدة” مضيفاً ” لدينا خطط كبيرة للمستقبل” وينطوي ذلك على تعزيز الشراكة التي بدأت منذ فترة ولاية ترامب الأولى، والتي تشمل مساعدة المسيحيين المضطهدين في جميع أنحاء العالم، ووقف الهجرة غير الشرعية، وفقاً لعضو البرلمان (أندراس لازلو) من حزب أوروبان.[86]

ثانيًا: اليمين الشعبوي في مواجهة المؤسسات الدولية والقانون الدولي

تتبنى الحكومات اليمينية الشعبوية استراتيجيات متنوعة تجاه المؤسسات الدولية، تتراوح من الانتقاد العلني، الذي يتضمن تصريحات تنتقد العمليات والتوجهات الأخلاقية لهذه المؤسسات، وصولاً إلى الابتزاز، الذي يتجسد في تهديدات بالامتناع عن تمويل هذه المؤسسات أو تعليق التعاون معها. إضافة إلى ذلك، قد تتبع هذه الحكومات أسلوب العرقلة، حيث تسعى إلى إضعاف فعالية المؤسسة الدولية على المستوى العملي، مثل تعطيل اتخاذ القرارات أو عدم الامتثال للسياسات المتفق عليها. وفي حالات نادرة، قد تصل الأمور إلى الخروج الكامل من هذه المؤسسات. وفيما يلي نتناول بالدراسة رؤية اليمين الشعبوي لكل من المؤسسات الدولية والقانون الدولي.

  • اليمين الشعبوي ومعضلة التكامل الأوروبي

خلال العقد الأخير، واجه الاتحاد الأوروبي سلسلة من الأزمات الكبرى التي طرحت تحديات عميقة أمام مشروع التكامل الأوروبي، بدءًا من أزمة الديون السيادية، مرورًا بأزمة اللاجئين، واستفتاء خروج بريطانيا، وجائحة كوفيد-١٩، وصولًا إلى الحرب الروسية الأوكرانية. وقد أدت هذه الأزمات المتلاحقة إلى وصف هذه المرحلة بـ “عقد الأزمات”. وعلى الرغم من تعدد الأزمات، برز صعود الاتجاهات اليمينية المتطرفة كأكبر تهديد لمستقبل الاتحاد الأوروبي. فقد أظهر استطلاع أُجري عام ٢٠١٧، شمل أكثر من ١٨٠٠ شخصية أوروبية مؤثرة، أن تنامي الأحزاب الشعبوية المعادية للتكامل الأوروبي يمثل الخطر الأكبر، متقدمًا بذلك على بقية التحديات الأخرى.[87]

يرى بعض الباحثين أن “اليورو” يمثل جوهر المشكلات المرتبطة بالتكامل الأوروبي، إذ اعتبره أحد مؤسسي حزب البديل من أجل ألمانيا أساسًا لفشل مشروع الوحدة النقدية. وقد وُصفت تجربة إنشاء العملة الموحدة بأنها قامت على تصورات غير واقعية وتجاهلت الحقائق الاقتصادية، مما جعلها تتسبب بأزمات لاحقة. حيث تنتقد أحزاب مثل البديل من أجل ألمانيا وحركة النجوم الخمس العملة الموحدة وتدعو إلى إصلاح أو تفكيك منطقة اليورو. كما ترتبط الدعوات لمغادرة اليورو أو رفضه بأحزاب مثل الجبهة الوطنية ،وحزب الحرية، وحزب القانون والعدالة. بينما تتبنى بعض الأحزاب مواقف نقدية معتدلة، مثل حزب الفنلنديين، ترفض أخرى الاتحاد الأوروبي برمته بوصفه خاضعًا لليبرالية الجديدة. في المقابل، تتعامل بعض الأحزاب مع اليورو بمرونة تكتيكية، مثل رابطة الشمال الإيطالية، التي عدّلت موقفها وفقًا لمصالحها المحلية، فيما استغلت أحزاب أخرى، مثل الجبهة الوطنية، نقد اليورو لاستقطاب دعم الطبقات العاملة.[88]

كان للأحزاب الشعبوية تأثيراً كبيراً على علاقة المملكة المتحدة بالاتحاد الأوروبي، حيث دفع التشكيك في الاتحاد الأوروبي الحكومة البريطانية لإجراء استفتاء على عضوية الاتحاد عام ٢٠١٧. استفاد حزب استقلال المملكة المتحدة من تيارات التشكيك في الاتحاد داخل أكبر حزبين، مما جعل “خروج بريطانيا” يؤثر على دول الاتحاد الأخرى، حيث نجحت الأحزاب الشعبوية لدول أخرى في دفع نقاشات مشابهة حول العضوية، مثل مطالبة أحزاب مثل حزب الشعب التقدمي وحزب يوبيك بإجراء استفتاءات مشابهة للاستفتاء البريطاني على عضوية الاتحاد الأوروبي.[89]

لذا فقد شكّلت نتيجة استفتاء بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) صدمة لأوروبا والعالم، خاصة في ظل العلاقة الاستثنائية التي جمعت المملكة المتحدة بالاتحاد منذ انضمامها عام ١٩٧٥. وقد فتح هذا الحدث الباب أمام تصاعد الدعوات اليمينية في عدد من الدول الأوروبية، مثل فرنسا وإيطاليا والنرويج، لإجراء استفتاءات مماثلة، ما أثار مخاوف حقيقية بشأن مستقبل الاتحاد وتفككه المحتمل. وتشير تقارير اقتصادية إلى إمكانية تكرار سيناريو الخروج في دول أخرى، منها ألمانيا والسويد وفرنسا، غير أن هذه المخاوف لم تكن ناجمة فقط عن احتمالية تنظيم استفتاءات، بل في جوهرها تعكس القلق الأعمق من صعود قوى اليمين السياسي ذاته في عدد متزايد من دول الاتحاد الأوروبي.[90]

شهدت الأحزاب المشككة في الاتحاد الأوروبي تحولاً واضحاً بعد انتخابات ٢٠١٤، حيث انتقلت من مواقف راديكالية تدعو للخروج من الاتحاد إلى تبني خطاب إصلاحي يهدف إلى تغييره من الداخل. هذا التغيير جاء استجابة لتحول الرأي العام الأوروبي، خصوصاً بعد خروج بريطانيا، حيث ازداد دعم المواطنين لفكرة التكامل الأوروبي، ورغم تراجع الدعوات الصريحة للانسحاب، استمرت الأحزاب اليمينية في استغلال مشاعر عدم الثقة تجاه الأحزاب التقليدية والمؤسسات الرسمية لتعزيز نفوذها داخل البرلمان الأوروبي، مدعية أنها تسعى لبناء “أوروبا مختلفة”.[91]

أدى صعود اليمين الشعبوي في أوروبا إلى إحداث تأثيرات متباينة على مستقبل الاتحاد الأوروبي. فمن جهة، أثار هذا الصعود مخاوف من احتمال تفكك الاتحاد، نتيجة الضغوط المتزايدة لإعادة النظر في بنيته، مثل الدعوات إلى إلغاء العملة الموحدة (اليورو) والتشدد في سياسات الهجرة، مع إمكانية أن يحفز خروج بريطانيا دولًا أخرى على اتخاذ خطوات مماثلة. ومن جهة أخرى، يرى بعض الباحثين أن تأثير هذا الصعود سيبقى محدودًا، نظرًا للانقسامات العميقة داخل معسكر اليمين الشعبوي نفسه بين شرق وغرب أوروبا، لا سيما فيما يتعلق بمسألة التكامل الأوروبي. كما أن صعود اليمين لن يؤدي بالضرورة إلى انهيار الاتحاد، بل سيتسبب في إضعاف سلطته وعرقلة عمل مؤسساته، خاصة البرلمان الأوروبي، مما سيؤثر على قدرة الاتحاد على فرض سياساته، خصوصًا في مجالات الهجرة والسياسة الاقتصادية.[92]

اكتسب اليمين الشعبوي المتطرف زخماً كبيراً في المشهد السياسي للأتحاد الأوروبي في عام ٢٠٢٤. ليصبح لديه الأن ١٨٧ عضواً في البرلمان الأوروبي، وينقسم هؤلاء الأعضاء إلي ثلاث مجموعات المجموعة الأولي هي”الوطنيون من أجل أوروبا” والتي تضم حزب التجمع الوطني ف فرنسا، وحزب فيدس في المجر، وحزب فوكس في إسبانيا، وحزب الرابطة في إيطاليا، بينما المجموعة الثانية هي ” المحافظون والأصلاحيون الأوروبيون” والتي تضم حزب إخوان إيطاليا وحزب القانون والعدالة في بولندا. وأخيراً، المجموعة الثالثة هي “أوروبا الدول ذات السيادة” والتي تتألف في الغالب من حزب البديل من أجل ألمانيا. وتزامناً مع فوز ترامب في الانتخابات الامريكية، أضحي الموقف محتدم بشأن تهديد المشروع الأوروبي، حيث يتفق هؤلاء علي التهديد الوجودي المتصور الذي تشكله الهجرة، والحاجة إلي ما يسمي ” القيم الأسرية التقليدية” و “مكافحة اليقظة” مع تداعيات تتراوح من الأمن والتجارة العالمية إلي حقوق الانسان.[93]

عقدت في بروكسل بتاريخ ١٣/ ١١ /٢٠٢٤ جلسة عامة للبرلمان الأوروبي حول تأثير نتائج الأنتخابات الرئاسية الأمريكية على العلاقات بين الأتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، شدد الممثل الأعلى للأتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، على وجوب استعداد أوروبا وتعزيز سياستها الدفاعية لمواجهة الحقائق الجيوسياسية التي قد تتغير بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية وأفاد بوريل أن التغيير في الولايات المتحدة سيؤثر على الديناميكيات العالمية، وأن هذا الوضع سيؤدي إلى تغييرات كبيرة في العلاقات بين الأتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. لذا تدفع المخاوف بشأن تمويل حلف شمال الأطلسي والتخفيضات المحتملة في المساعدات العسكرية الأمريكية تعزيز أوروبا لإنفاقها الدفاعي.[94]

وفي ضوء ما تقدم، يُلاحظ أن صعود اليمين الشعبوي يُشكّل تحديًا حقيقيًا للاتحاد الأوروبي، تتفاوت حدّته بين تهديد وجودي محتمل وإضعاف تدريجي لفعالية مؤسساته.

  • اليمين الشعبوي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)

يعارض اليمين الشعبوي حلف شمال الأطلسي (الناتو) بشكل أقل نسبيًا مقارنةً بالاتحاد الأوروبي إذ يُظهر بعض اليمينيون ميلًا أكبر للدفاع عن حليف يتعرض للهجوم ضمن الحلف لذلك تُعدّ التوقعات تجاه مستقبل (الناتو) أكثر تفاؤلاً نسبيًا؛ فقد وصفه بعض الخبراء بأنه “لا غنى عنه” ، و”ضروري للسلام العالمي”، كما اعتبروه “التحالف الأطلسي الدائم من أجل السلام والأمن”. ورغم ذلك فان كثيرا من الأحزاب اليمينية الشعبوية تكن له العداء تماما كغيره من المؤسسات فوق القومية.[95]

يبرز تأثير االأحزاب اليمينية الشعبوية  على السياسات الخارجية تجاه الناتو في مقدرتهم على عرقلة عملية صنع القرار بالإجماع داخل الحلف لصالح ما يسمونه “إرادة الشعب”،  مثال على ذلك، استخدام المجر لحق النقض (الفيتو) ضد إعلان مشترك للناتو حول أوكرانيا، بذريعة حماية حقوق المجريين العرقيين، في خطوة فسّرها البعض على أنها إرضاء للقاعدة القومية المحلية على حساب مصالح الحلف،[96] ولا يقتصر التأثير الشعبوي على الحكومات فقط؛ فالأحزاب الشعبوية في المعارضة لها قدرة واضحة على التأثير أيضًا، سواء عبر استقطاب الأحزاب الأخرى، أو عبر تحديد أجندة النقاش الإعلامي، أو بدفع قضايا مثيرة للجدل مثل الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. بهذه الطرق، يستطيع الشعبويون سواء داخل البرلمان أو خارجه، الترويج لخطابات وسياسات معادية للناتو.[97]

تتعدد الأسباب التي تدفع الأحزاب الشعبوية إلى اتخاذ مواقف مناهضة للناتو. من بين هذه الأسباب تركيز كل دولة على قضاياها الأمنية المحلية، حيث ترى دول جنوب أوروبا أن مصدر الخطر يكمن في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، بينما تعتبر دول شرق أوروبا روسيا التهديد الأكبر.  وفقًا لبعض الدراسات، يرى العديد من الأوروبيين أن التهديدات الأمنية تُعدّ مشكلات وطنية وليست جماعية.[98]

يرى اليمينيون الشعبويون أن عضوية الحلف تقلص من السيطرة الوطنية على شؤون الدفاع والسياسة الخارجية، حيث يتم اتخاذ القرارات تحت تأثير قوى خارجية، وهو ما يُعتبر تهديدًا مباشرًا للسيادة الوطنية. كما ينتقدون أيضًا ما يرونه طبيعة عالية المخاطر وضيئلة المكافآت لعضوية الناتو. فهم يجادلون بأن الارتباط بالتحالف الغربي يخلق توترات مع قوى أخرى كروسيا والصين، ويتهمون الناتو بعدم الوفاء بالتزاماته بحماية أعضائه وقت الأزمات. كما يرون أن الناتو، بدلًا من إحلال السلام، ساهم في تأجيج النزاعات العالمية، مؤكدين أن عضوية الحلف تعرض الأمن الوطني للخطر.[99] كما تمثل التكاليف المالية المرتفعة لعضوية الناتو سببًا إضافيًا للرفض الشعبوي؛ إذ ترى هذه الأحزاب أن النفقات التي تتكبدها الدول الأعضاء – مثل شراء المعدات العسكرية والمشاركة في العمليات الخارجية – تفرض أعباءً مالية لا تقابلها فوائد ملموسة.[100]

تجدر الإشارة إلى أن هذه الانتقادات لم تقتصر على الساحة الأوروبية فقط. ففي الولايات المتحدة، شكك الرئيس دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية في إلتزام بلاده بحلف الناتو، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة لن توفر الحماية لدول الحلف إلا إذا أوفت هذه الدول بالتزاماتها المالية. وعلى الرغم من أن ترامب لاحقًا أكد تمسكه بالمادة الخامسة من معاهدة الناتو، فإن تذبذب مواقفه أثار قلق الحلفاء الأوروبيين بشأن مستقبل إلتزام واشنطن تجاه الحلف.[101]

لذلك ينادي العديد من القادة اليمينين الشعبويين بضرورة اعتماد أوروبا على نفسها في الدفاع، وتزايدت تلك المطالبات مؤخراً مع وقوع الحرب الروسية الأكرانية وخصوصا بعد مواقف ترامب الاخيرة من تلك الحرب وواقعة التراشق اللفظي بينه وبين زيلينسكي (الرئيس الأوكراني) حيث عبر أحد قادة حزب الشعب الأوروبي عن هذا المشهد بقوله “يجب على كل من ينظر إلى واشنطن أن يفهم: أوروبا بمفردها، وعلينا الآن أن نسلح أنفسنا بشكل مستقل”. وأضاف: “علينا أيضًا اتخاذ الخطوات الأولى نحو جيش أوروبي. لقد أهدرنا الكثير من الوقت بالفعل”.[102]

  • اليمين الشعبوي ومنظمة الصحة العالمية:

في عام ٢٠٢٠، وخلال ذروة جائحة كوفيد-١٩، قررت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من منظمة الصحة العالمية (WHO)، متهمةً المنظمة بالتحيز إلى الصين وسوء إدارة الأزمة الصحية العالمية. هذا القرار أثار مخاوف واسعة حول التأثير المحتمل على الأمن الصحي والدبلوماسي للولايات المتحدة، حيث توفر المنظمة معلومات استخباراتية مبكرة حول تفشي الأمراض، بالإضافة إلى كونها أداة دبلوماسية فعالة تُمكّن الولايات المتحدة من تعزيز علاقاتها بالدول الأخرى من خلال الدعم والمساعدات الصحية. لذلك فإن الانسحاب لم يؤثر فقط على الصحة العامة العالمية، بل أضر أيضًا بالأمن القومي الأمريكي.[103]

  • اليمين الشعبوي ومشروعية القانون الدولي

يتّسم موقف الشعبويين، وخاصة اليمين الشعبوي، بعدم الثقة في القانون الدولي والتشكيك في مشروعيته وأهميته، وهو ما يظهر جليًا في عدة مواقف وخطابات وسياسات تبنتها حكومات وأحزاب يمينية شعبوية. هذه الخطابات لا تنكر وجود القانون الدولي صراحة، بل تصفه بأنه معيب أو من صنع نخب فاسدة ومنفصلة عن الشعوب، ويروج اليمينيون الشعبويون كذلك لفكرة أن القانون الدولي ليس سوى وسيلة لفرض الإرادة على الشعوب والتدخل في الشؤون الداخلية للدول تحت غطاء “التنسيق الدولي”،[104] و وبينما يركز الخطاب اليميني الشعبوي على حقوق دولهم فإنه يهمل أو يتجاهل واجباتها تجاه الآخرين، وهو ما يُحدث اختلالًا في فهم القانون الدولي بوصفه التزامًا متبادلًا بين الدول.[105]

في إطار معارضة اليمينين الشعبويين للقانون الدولي فإنهم يميلون إلى نبذ الاتفاقيات الدولية متعددة الأطراف والاستعاضة عنها باتفاقيات ثنائية فمثلًا، انتقد ترمب منظمة التجارة العالمية بشدة، بل وهدد بالانسحاب منها رغم أنها تمثل الإطار الأهم لتنظيم التجارة العالمية وفق معاهدة تشريعية دولية،[106] ولم تقتصر المواقف الشعبوية على رفض الاتفاقيات التجارية، بل امتدت إلى المجال البيئي. إذ انسحب ترامب من اتفاقية باريس للمناخ، معتبرًا أن الأدلة العلمية بشأن تغير المناخ غير مقنعة.[107] وامتدت الانسحابات إلى مؤسسات القانون الدولي حيث انسحبت الفلبين من المحكمة الجنائية الدولية، كما كان لحزب استقلال المملكة المتحدة دورًا محوريًا في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

إلى جانب الانسحابات، تزداد معدلات عدم الامتثال للمؤسسات الدولية من قبل الحكومات الشعبوية، حيث تُعتبر هذه المؤسسات أدوات تتعارض مع المصالح الوطنية. فمثلًا، يضع حزب الحرية النمساوي التزامات البلاد الدولية تحت شرط “عدم الإضرار بمصلحة الشعب النمساوي ” وهو ما يُضعف الهياكل القانونية الدولية ويجعلها عرضة للتجاهل عند تعارضها مع السياسات الداخلية.

في مجال العلاقات الدبلوماسية قد تنتهك الحكومات اليمينية الشعبوية الاتفاقيات الدولية إذا خالفت مصالحه، فمثلاً قرّر ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهو ما اعتبرته فلسطين انتهاكًا لإتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام ١٩٦١، ورفعت بذلك دعوى ضد الولايات المتحدة أمام محكمة العدل الدولية. يُبرز هذا الفعل تجاهلًا واضحًا للقواعد القانونية المتفق عليها دوليًا وتحديًا مباشرًا لمفاهيم الشرعية القانونية الدولية.[108]

في شأن المحاكم الدولية يرى اليمين الشعبوي أنها تمثل تهديدًا مباشرًا لسيادة الحكومات الوطنية، فهي لا تكتفي بتقييد سلطات هذه الحكومات، بل تسهم كذلك في حماية القيود الليبرالية المفروضة على الأغلبية، ما يجعلها في نظرهم أداة لحماية مصالح النخب الفاسدة. مما يجعلها خصمًا مباشرًا “لصوت الأغلبية”، كما أنها تفشل في تمثيل إرادة الشعب أو تحقيق “النتائج السياسية الصحيحة أخلاقيًا”.[109]

ينبع هذا العداء للمحاكم الدولية من اعتقاد راسخ لدى اليمينيين الشعبويين بأنها لا تستحق السلطة التي تمارسها، إذ يرون أن السيادة يجب أن تكون للشعب وحده، لا لكيانات دولية بعيدة. ويتجلى ذلك في ظاهرة “رد الفعل العكسي”، والتي تُعبر عن الإجراءات الحكومية الموجهة ليس فقط ضد قرارات المحاكم، بل ضد المحاكم الدولية ذاتها، بهدف الحد من سلطتها أو تقويضها، وهو ما يختلف عن مجرد عدم الامتثال لقراراتها.[110]

تتجلى مواقف القادة الشعبوييين من المحاكم الدولية في إدانتهم للمحكمة الجنائية الدولية وسعي بعضهم للخروج من اتفاقية روما المؤسسة لها، بل وفرض عقوبات عليها، على سبيل المثال في إحدى خطاباته عام ٢٠١٨، أعلن ترامب رفضه للمحكمة الجنائية الدولية، مؤكدًا أن “أمريكا يحكمها الأمريكيون”، ورافضًا “أيديولوجيا العولمة” لصالح مبدأ الوطنية، قائلاً “لن نُسلّم سيادة أمريكا أبدًا إلى بيروقراطية عالمية غير مُنتخبة وغير خاضعة للمساءلة.” وداعياً الدول المسؤولة في جميع أنحاء العالم للدفاع عن نفسها ضد التهديدات التي تُهدّد السيادة،[111] وكان التتويج لتلك السياسة بفرض العقوبات التي وقعها مؤخراً على قضاة المحكمة.[112]

ختامًا، أبرز المبحث كيف يسعى اليمين الشعبوي إلى تقويض دور المؤسسات الدولية وإعادة تعريف الشرعية القانونية خارج أطر القانون الدولي التقليدي. هذا التوجه لا يهدد فقط آليات التعاون الدولي، بل يُسهم أيضًا في إضعاف منظومة القواعد التي تنظّم العلاقات بين الدول. وفي حال استمراره، فإنه ينذر بتفكك تدريجي للنسق الدولي القائم على الشرعية التعاقدية والمؤسسية.

الفصل الثالث

انعكاسات صعود اليمين الشعبوي على توجهات السياسة الخارجية

(دراسة لحالتي: الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا)

في العقود الأخيرة، برزت الشعبوية اليمينية كإحدى أكثر التيارات السياسية إثارة للجدل داخل النظم الديمقراطية الغربية، ليس بسبب حضورها المتصاعد فقط، بل نتيجة تأثيرها المباشر على طبيعة صناعة القرار، بما في ذلك السياسة الخارجية، التي عادة ما تُعتبر مجالًا تقنيًا واستراتيجيًا يخضع لحسابات عقلانية ومصالح عليا. ومع ذلك؛ فقد أثبتت تجارب عدة أن الخطاب الشعبوي – حين يصل إلى السلطة – لا يقتصر على إعادة تشكيل المشهد الداخلي، بل ينعكس بشكل ملموس على التوجهات الدولية للدولة، مما يثير تساؤلات حقيقية حول طبيعة هذه التحولات وحدودها.

يرتكز اليمين الشعبوي في مقاربته للسياسة الخارجية على مجموعة من المبادئ الأساسية، أبرزها: النزعة السيادية، والرفض الجزئي أو الكلي للتعددية، والارتياب من الالتزامات الدولية التي يُنظر إليها باعتبارها تقييدًا للقرار الوطني. ونتيجة لذلك، تبرز تحولات في الخطاب والممارسة الخارجية، تتجلى في الانسحاب من الاتفاقيات، وإعادة تقييم العلاقات الثنائية والتحالفات، وتبني سياسة خارجية ذات طابع صدامي أو انعزالي في بعض الحالات.

تأتي الولايات المتحدة وإيطاليا كنموذجين بارزين لصعود التيارات اليمينية الشعبوية، وإن كان كل منهما ينطلق من سياق سياسي ومؤسسي مختلف؛ ففي الولايات المتحدة، أدى وصول دونالد ترامب إلى الحكم عام ٢٠١٧ إلى تغييرات كبيرة في السياسة الخارجية، ومع عودته إلى السلطة مؤخرًا، تتجدد ملامح هذا التوجه القومي الحاد. أما في إيطاليا؛ فقد أدّى صعود أحزاب مثل “الرابطة” و”إخوة إيطاليا” إلى إعادة تشكيل الخطاب الدبلوماسي، لا سيما تجاه الاتحاد الأوروبي، والهجرة، والعلاقات مع روسيا.

ينطلق هذا الفصل من فرضية مفادها أن صعود اليمين الشعبوي يُحدث تحولات ملموسة في السياسة الخارجية، تشمل إعادة ترتيب الأولويات، وتغيير طبيعة العلاقات الدولية، وتعديل خطاب الدولة داخل المؤسسات متعددة الأطراف. ومن خلال دراسة حالتي الولايات المتحدة وإيطاليا، تسعى الدراسة إلى تحليل كيفية انعكاس الخطاب الشعبوي على الممارسة السياسية.

يمثّل هذا التحليل مدخلًا لفهم كيف تعيد النزعات الشعبوية تشكيل أدوار الدول خارجيًا، ليس فقط عبر السياسات المُعلنة، بل أيضًا من خلال التصورات الذهنية التي تحدد العلاقة بين “الذات” و”الآخر” في السلوك الدولي.

المبحث الأول

انعكاسات صعود اليمين الشعبوي على توجهات السياسة الخارجية الأمريكية

تُمثّل الولايات المتحدة الأمريكية نموذجًا مركزيًا لتحليل ظاهرة اليمين الشعبوي في السياق العالمي، ليس فقط نظرًا لمكانتها الدولية باعتبارها قوة عظمى، ولكن أيضًا بسبب ما أفرزته تجربتها السياسية خلال العقد الأخير من مؤشرات واضحة على تحوّل في المزاج السياسي العام نحو اتجاهات شعبوية ومحافظة. ويُعتبر وصول دونالد ترامب إلى الحكم عام 2017 نقطة تحول مفصلية في هذا الإطار، إذ عكست حملته الانتخابية، ومن ثم إدارته، جملة من الخصائص التي تتسق بوضوح مع أدبيات الشعبوية اليمينية، مثل الخطاب المعادي للنخبة، والنزعة القومية المتشددة، والرفض الصريح للعولمة، والتشكيك في المؤسسات الدولية والتحالفات التقليدية للولايات المتحدة.

ومع عودته إلى الحكم مجددًا في عام 2025، يبرز سؤال الشعبوية مرة أخرى كظاهرة سياسية ذات أبعاد متعددة، ليست محصورة في الحملة الانتخابية فقط، بل كمنهج قد يتكرر في السياسة الخارجية مع احتمال تطور بعض الاتجاهات في ضوء التغيرات الدولية والمحلية. إذ إن عودة ترامب لا تعبّر فقط عن قرار فردي للناخب الأمريكي، بل تعكس امتدادًا لتيار سياسي واجتماعي يجد في الشعبوية اليمينية تعبيرًا عن مطالبه وهويته. هذا يفتح المجال لتحليل فترتي حكم ترامب كحالتين قد لا تتطابقان بالضرورة، لكنهما تحملان استمرارية في النهج الشعبوي وتأثيره على علاقات الولايات المتحدة بالعالم الخارجي.

وعليه، يسعى هذا المبحث من الفصل إلى تقديم تحليل تطبيقي لتأثير التوجهات الشعبوية اليمينية على السياسة الخارجية الأمريكية، من خلال التركيز على فترتي حكم دونالد ترامب الأولى والثانية، وذلك في ضوء الإطار النظري الذي تم التأسيس له في الفصول السابقة، والذي تناول الخصائص العامة للشعبوية اليمينية، والعوامل المفسّرة لصعودها، وكيفية تأثيرها على السياسة الخارجية. وسيركز التحليل على عدد من المحاور الأساسية، يأتي على رأسها الهجرة، والموقف من المؤسسات الدولية، وما دونهما من قضايا تبيّن كيف تترجم الشعبوية نفسها إلى سياسات خارجية مغايرة لما اعتادت عليه الولايات المتحدة في المراحل السابقة.

أولًا: الجذور التاريخية وصعود التيار اليميني الشعبوي في الولايات المتحدة الأمريكية  

تعود الجذور الأولى للشعبوية في الولايات المتحدة إلى أواخر القرن التاسع عشر، حين ظهرت حركات احتجاجية يقودها المزارعون في الريف الأمريكي، وخاصة في الجنوب والغرب، وعُرفت هذه الموجة بـ”شعبوية البراري”. قامت هذه الحركات على فكرة الصراع بين “المنتجين الحقيقيين” من الفلاحين والعُمّال، وبين النخب المالية والسياسية التي تسيطر على السلطة والثروة. وقد كان مفهوم “المنتِج مقابل الطفيلي” هو جوهر هذا التيار، الذي رأى أن المؤسسات الديمقراطية انحرفت لصالح مصالح الأقلية.[113]

ثم تطور هذا التيار لاحقًا، خاصة في النصف الثاني من القرن العشرين، حين أصبح الخطاب الشعبوي أكثر ارتباطًا بالهوية الثقافية والدينية. فقد أُعيد تعريف “الشعب الحقيقي” كمواطنين بيض محافظين ينتمون إلى الطبقة الوسطى، في مقابل نخبة ليبرالية تُتهم بتهديد القيم التقليدية والدينية، والتقارب من الاشتراكية. واندمجت هذه التصورات مع الخطاب اليميني خلال الحرب الباردة، لتصوير النخب الأكاديمية والإعلامية والسياسية كأعداء داخليين.[114]

برزت شخصيات استخدمت خطابًا معاديًا للنخب، ومؤيدة للفصل العنصري باسم”حقوق الولايات”، كما ظهر نمط اقتصادي من الشعبوية ركّز على الهجوم ضد “النخبة في واشنطن”، ورفض العولمة، والاتفاقيات التجارية مثل “نافتا”، متهمًا إياها بتدمير الوظائف الأمريكية. أعيد لاحقًا تفعيل هذا الخطاب بلغة مباشرة وشعبية، هاجمت النخب ووسائل الإعلام والمؤسسات التقليدية، واعتُمدت فكرة “استعادة أمريكا” من الداخل والخارج.[115]

ساعد السخط الاجتماعي والاقتصادي الناتج عن التغيرات البنيوية في الاقتصاد الأمريكي، بفعل سياسات العولمة، في صعود هذا الخطاب الشعبوي، وخصوصًا في مناطق الغرب الأوسط التي شهدت تدهورًا في قطاعات التصنيع والوظائف. كما استفاد من نزعة “الهوية البيضاء” والاستياء من النخب الليبرالية، واستثمر في تصور أن “الشعب الحقيقي” هم الأمريكيون البيض المحافظون، ما عزز من شعبيته بين قطاعات ريفية ووسطى.[116]

ولم يكن هذا التوجه قطيعة مع الماضي، بل امتدادًا لمفاهيم قومية بيضاء سادت تاريخيًا، وأُعيد تفعيلها من خلال رموز ثقافية وتصورات ثنائية بين “الشعب” و”النخب الخائنة”. وتوضح التحليلات أن هذا الصعود لا ينفصل عن السياق الاقتصادي والثقافي بعد ٢٠٠٨، في ظل أزمة ثقة واسعة في النخبة السياسية. كما أن الخطاب الشعبوي اعتمد على استدعاء رموز التدين البروتستانتي والانتماء الأبيض بوصفهما جوهر الأمة، مقابل اتهام النخب بإضعاف هذه القيم.[117]

شهدت الولايات المتحدة خلال العقود الأخيرة تراكمًا لجذور اليمين الشعبوي، تجسّد في سردية تقوم على التمييز بين “الشعب الحقيقي” والنخب السياسية والاقتصادية، وهو ما عاد إلى الواجهة بقوة مع صعود دونالد ترامب. ورغم أن جذور هذا التيار تعود إلى نهايات القرن التاسع عشر، فإنها أخذت منحى أكثر حدّة في بداية القرن الحادي والعشرين، حين ظهرت مشاعر التهميش لدى قطاعات واسعة من الطبقة العاملة البيضاء في سياق تسارع العولمة وتراجع التصنيع. وقد استثمر ترامب هذه المظالم التاريخية ليقدّم نفسه كزعيم شعبوي يمثل “الرجل الأبيض الغاضب”، ويخاطب المخاوف المرتبطة بالهوية، والهجرة، والتغيرات الاقتصادية. لم يكن ترامب مرشحًا تقليديًا من داخل المؤسسة، بل تعمّد الظهور كـ”منقذ” خارجي، يتحدى أعراف المؤسسة الليبرالية ويعيد الاعتبار لقيم الوطنية الأمريكية بمعناها الانعزالي المحافظ. وقد تبنّى خطابًا بسيطًا وصداميًا يعكس خصائص الخطاب الشعبوي، كاستخدام العبارات الشعبوية المباشرة مثل “أمريكا أولًا”، وتصوير الإعلام كعدو، والنخب كخونة، والشعب كمصدر للشرعية المطلقة. بهذا، لم يكن صعود ترامب انقطاعًا عن تاريخ الشعبوية الأمريكية، بل إعادة بعث لها في سياق دولي ومحلي متشابك، يعكس تلاقي العوامل الاقتصادية والثقافية والهوياتية في توليد موجة شعبوية جديدة تتغذى على الأزمات وفقدان الثقة بالمؤسسات الرسمية.[118]

ثانيًا: تجليات اليمين الشعبوي في السياسة الخارجية الأمريكية في ظل ولاية ترامب الأولى

يمثل صعود اليمين الشعبوي في الولايات المتحدة خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب الأولى (2017–2021) لحظة مفصلية أعادت تشكيل توجهات السياسة الخارجية الأمريكية على نحو غير تقليدي. فقد تجلى هذا التأثير في تبني سياسات هجرة متشددة، وإعادة تعريف العلاقات مع القوى الكبرى، والتشكيك في جدوى المؤسسات الدولية، إلى جانب نهج اقتصادي حمائي يتجاوز الخطاب الليبرالي التقليدي. ويتناول هذا الجزء تحليل هذه المحاور للكشف عن ملامح التحول في السياسة الخارجية الأمريكية في ظل تلك المتغيرات.

  • سياسات الهجرة واللاجئين

اتسمت خطابات ترامب وسياساته بالعداء الشديد والعنصرية تجاه المهاجرين حيث بدأ حملته الانتخابية في 2015 بهجوم حاد على المهاجرين، إذ صرّح قائلًا: “إنهم يرسلون أشخاصًا يعانون من مشاكل كثيرة، ويجلبون معهم مشاكلهم. يجلبون المخدرات، ويجلبون الجريمة، ويغتصبون”. كان هذا الخطاب إيذانًا بجعل الهجرة قضية محورية في حملته، حيث يصور المهاجرين بقوافل الغزاة الذين يشكلون الخطر الأكبر على الولايات المتحدة ويستولون على وظائف مواطنيها.[119]

هاجم ترمب بشدة إدارة أوباما وانتقد جهودها في مجال مراقبة الحدود والأمن آنذاك، مجادلًا بأنه لم يتم بذل جهود كافية لتأمين حدود الولايات المتحدة والحفاظ على سلامة الأمريكيين.[120] يأتي ذلك متسقًا مع الخطاب اليميني الشعبوي الذي يصف الشعب بأنه أمة تخلّت عنها النخب التقليدية، وتُركت عُرضةً للخطر في مواجهة الآخر غير المرغوب فيه.[121]

انصب جهد ترمب خلال أيامه الأولى في إصدار الأوامر التنفيذية ولم تكن الهجرة استثناءً من ذلك إذ وقَّع في أسبوعه الأول أمرًا تنفيذيًا يقضي ببناء جدار بطول 2000 ميل على الحدود مع المكسيك.[122] وذلك بعد حملة خطابية وإعلامية شنها ترمب ضد المكسيك طوال حملته الانتخابية، حيث وعد ناخبيه ببناء جدار على الحدود تتحمل المكسيك تكلفة بنائه، يأتي الأمر ببناء الجدار في اتساق مع موقف ترامب من المهاجرين اللاتينيين الذين يضعهم في موضع الخطر على السلامة العامة والديموغرافية للسكان البيض في الولايات المتحدة.[123]

وقع ترمب في بداية ولايته كذلك أمرًا تنفيذيًا آخر يقضي بمنع مواطني سبعة دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة وذلك لاتّسامه بنزعة دينية وعرقية معادية للمسلمين كافة وحرصه على شيطنتهم باعتبارهم كارهين للولايات المتحدة الأمريكية ويتبعون شريعة بربرية –حسب وصفه– في قلبها الجهاد الذي هاجمه كثيرا. وقد استعمل توصيفات عرقية أحيانا لوصف المسلمين، مثلما قال في 2018 إن المجرمين والشرق أوسطيين المجهولين قادمون في قافلة هجرة من الهندوراس.[124] كذلك ربط الأشخاص ذوي السمات الجسدية التي تُعتبر “مظهرًا إسلاميًا” بالإرهاب والمخاطر.[125]

كذلك نفذت إدارة ترامب العديد من السياسات وأقرَّت العديد من القوانين للحد من الهجرة أو لمعاقبة المهاجرين منها تخفيضات كبيرة في جميع فئات تأشيرات المهاجرين وتأشيرات العمل، وتأشيرات لم شمل الأسرة؛ وكذا تخفيض كبير في عدد اللاجئين المقبولين في الولايات المتحدة والتدقيق الصارم في جميع الأفراد الذين يتقدمون بطلبات للحصول على جميع أنواع التأشيرات؛ ووضع آلاف الأطفال والبالغين في مراكز احتجاز في ما يزعم الكثيرون أنها “أقفاص”، مع فصل الأطفال عن والديهم، وترحيل الآباء بينما يظل أطفالهم رهن الاحتجاز عمليات ترحيل عدوانية وواسعة النطاق للمهاجرين غير المسجلين والمهاجرين الشرعيين ذوي الجرائم القانونية أو الجنائية البسيطة، وتوظيف عدد أكبر بكثير من ضباط إنفاذ قوانين الهجرة لاعتقال المهاجرين ومراقبة الحدود الأمريكية المكسيكية.[126]

  • نهج العلاقات مع القوى الكبرى

أولًا: روسيا

أثار موقف ترامب من روسيا الكثير من الجدل، خاصة بعد الاتهامات التي طالتها بشأن تدخلها في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام ٢٠١٦. ورغم هذه الاتهامات، أبدى ترامب إعجابًا واضحًا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وحرص على الحفاظ على علاقة شخصية قوية معه. كما رفض مرارًا اتهام روسيا بالتدخل، وتبنّى خطابًا متسامحًا نسبيًا، مخالفًا بذلك توجهات المؤسسات الأمنية الأمريكية. حاول ترامب تقديم روسيا كشريك محتمل في بعض الملفات الدولية مثل سوريا، حيث اعتبر أن التعاون معها قد يكون مفيدًا إذا بُني على أسس المصلحة المتبادلة، وليس على الصراع الأيديولوجي.[127]

ثانيًا: الصين

تبنّى الرئيس دونالد ترامب أثناء ولايته الأولى سياسة صدامية تجاه الصين، حيث اعتبرها التهديد الاستراتيجي الأول للولايات المتحدة. اتخذت إدارته العديد من الإجراءات لعزل الصين اقتصاديًا، بدءًا من فرض تعريفات جمركية واسعة على وارداتها، وصولًا إلى اتهامها بسرقة الوظائف والتكنولوجيا. وقد شكّلت هذه السياسة بداية “الحرب التجارية” التي انطلقت في عام ٢٠١٨، وكان الهدف المعلن منها هو استعادة الهيمنة الاقتصادية الأمريكية وتحقيق مبدأ السيادة الوطنية في مواجهة العولمة. ورأى ترامب أن صعود الصين الاقتصادي حدث نتيجة استفادتها من انفتاح النظام الليبرالي العالمي، وهو ما فسّره بأنه فشل للنظام القائم، الذي يجب إعادة تشكيله على أساس المصلحة الأمريكية.[128]

عكست سياسة ترامب الخارجية تجاه الصين وروسيا الثنائية القائمة بين الصدام والانحياز الإيديولوجي. فقد تبنّى ترامب تجاه الصين خطابًا عدائيًا يُحمّلها مسؤولية اختلال الميزان التجاري الأمريكي وفقدان الوظائف. تشير بعض الدراسات إلى أن الصين كانت هدفًا مباشرًا للسياسة الحمائية التي تبنّاها ترامب ضمن إطار قومي اقتصادي. من جانب آخر، وصف البعض الصين بأنها “العدو التجاري الأول”، واعتُبر الخطاب الشعبوي أداة لحشد الدعم الشعبي لتبرير الحرب التجارية. أما روسيا، فقد تعامل معها ترامب بمرونة نسبية، رغم الضغوط التي مارسها النظام الأمني الأمريكي، وهو ما فسره البعض بوجود تقارب إيديولوجي حول القيم التقليدية ورفض العولمة. كما يُشير آخرون إلى أن العلاقة مع روسيا لم تتخذ طابعًا عدائيًا واضحًا، وأن المواقف اللفظية لترامب كانت أحيانًا إيجابية بشكل غير تقليدي، مما أثار جدلًا واسعًا. وفي سياق آخر، تم عرض تفاصيل هذا التناقض حيث شُنت حرب اقتصادية على الصين عبر تعريفات جمركية متصاعدة، بينما اتسمت العلاقات مع روسيا بتوازن مضطرب مبني على تجنب التصعيد، ما أثار تساؤلات حول طبيعة مصالح ترامب في تلك العلاقة.[129]

  • الموقف من المؤسسات الدولية

تبنت إدارة ترامب سياسة “الانتقائية الدولية”، التي تركز على المشاركة في المؤسسات الدولية والاتفاقات التي تخدم المصلحة الأمريكية المباشرة فقط، مع رفض تلك التي تقيد السيادة الوطنية. وكان هذا النهج يمثل قطيعة مع السياسة الخارجية الأمريكية التقليدية بعد الحرب العالمية الثانية، والتي كانت ترى في التعاون متعدد الأطراف وسيلة لتحقيق الاستقرار الدولي. لم يكن هذا التوجه مجرد موقف سياسي عابر، بل كان جزءًا من سياسة هيكلية تهدف إلى تقليص التمثيل الأمريكي في بعض المنظمات الدولية، بالإضافة إلى رفض الانضمام إلى المبادرات العالمية مثل الاتفاق العالمي للهجرة.[130]

كان الخطاب الشعبوي اليميني في عهد ترامب يشير بوضوح إلى عداء تجاه المؤسسات الدولية. إذ كان يُنظر إلى النسق الدولي الليبرالي باعتباره عقبة أمام السيادة الوطنية، وكانت الاتفاقيات الدولية تُعتبر وسائل لخدمة مصالح الدول الأخرى على حساب المصلحة الأمريكية. في هذا السياق، كان يُعتقد أن العولمة أسهمت في تآكل الديمقراطية الوطنية، مما أدى إلى تعزيز خطاب الانعزال القومي في السياسة الأمريكية. من جهة أخرى، ركز ترامب على فكرة “استعادة أمريكا” من قبضة النخب الدولية، مشيرًا إلى أن المؤسسات فوق القومية تفرض سياسات تتعارض مع مصالح المواطنين الأمريكيين، وتسبب تراجع الاقتصاد الأمريكي من خلال اتفاقيات مثل “نافتا” ومنظمة التجارة العالمية. وقد لاقى هذا الخطاب صدى لدى بعض قطاعات الرأي العام الأمريكي، التي رأت أن المؤسسات الدولية تمثل تجاوزًا على الإرادة السياسية للشعب الأمريكي.[131]

أولًا: الاتحاد الأوروبي

رأى ترامب في الاتحاد الأوروبي شريكًا منافسًا أكثر منه حليفًا استراتيجيًا، وطبّق عليه سياسات «أميركا أولًا» القائمة على المعاملة بالمثل؛ فقد اتّهم الاتحاد بأنه «أنشئ لاستغلال» الولايات المتحدة، وهدّد بفرض تعريفات جمركية عالية على وارداته (على سبيل المثال أشار خلال حملته الانتخابية إلى فرض ١٠% على جميع السلع الأوروبية).[132] كذلك شجع ترامب انسحاب بريطانيا من الاتحاد (بريكست) وطلب صفقات ثنائية مع دول كألمانيا بدلًا من التفاوض عبر الاتحاد.[133] على الصعيد الدولي انسحب من الاتفاق النووي مع إيران، وهي اتفاقية كان الاتحاد الأوروبي من الداعمين الرئيسيين لهما، مما زاد التباعد السياسي بين واشنطن وبروكسل.[134]

نتج عن هذه السياسات توتر كبير في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. وردّت بروكسل فورًا بإجراءات مضادة: فقد خطّط الاتحاد لفرض رسوم انتقامية على بضائع أميركية، وأعلن قادته أنهم “لن يتنازلوا” عن الرد إذا جرت أي زيادة في الرسوم الأميركية على سلعهم.[135] وعمدت المفوضية الأوروبية إلى إعلان استياء قاده وصفوا قرار ترامب بأنه “حمائية بحتة” ومخالف لقواعد التجارة الدولية، وأحالت الملف إلى منظمة التجارة العالمية. واعتُبر هذا الصدام دافعًا للاتحاد الأوروبي لإعادة صياغة سياسته الخارجية، فحسب أحد المسؤولين الأوروبيين، فإن تهديدات ترامب دفعت الجميع إلى بناء علاقات تجارية مع بقية العالم.[136]

ثانيًا: حلف شمال الأطلسي )الناتو)

كانت السياسة الأمريكية تجاه حلف شمال الأطلسي )الناتو) مليئة بالانتقادات، حيث اعتبر ترامب أن الولايات المتحدة تتحمل عبئًا غير عادل في تمويل الحلف مقارنة بالدول الأوروبية الأعضاء، وطالب الحلفاء بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي، مهددًا بإعادة النظر في الالتزامات الأمريكية تجاه الحلف في حال عدم الوفاء بهذا الشرط. من خلال هذه السياسات، أظهر ترامب تحفّظًا على التحالفات التقليدية، معتبرًا إياها عوامل مضعفة لقدرة أمريكا على اتخاذ قراراتها بشكل مستقل.[137]

  • الحمائية الاقتصادية

شكّلت السياسات التجارية إحدى الأدوات المركزية التي استخدمها دونالد ترامب لتجسيد رؤيته للسيادة الاقتصادية الأمريكية في إطار خطابه اليميني الشعبوي. وبعيدًا عن الأطر التقليدية للتجارة الدولية، تبنّى ترامب مسارًا تصادميًا أعاد تعريف علاقة الولايات المتحدة بمحيطها التجاري.

انتقد ترامب في حملته الانتخابية نظام التجارة الحالي، واصفًا إياه بأنه غير عادل ومنحاز، ومحذرا من خطره على ناخبي الطبقة العاملة والمتوسطة.[138] كما اتخذ شعار أمريكا أولًا رمزا لحملته الانتخابية داعيًا إلى كبح العجز التجاري الأمريكي مع الدول الأخرى خاصةً الصين والمكسيك واليابان والاتحاد الأوروبي والذي يرى بأنه ناتج عن المنافسة غير العادلة.[139]

بمجرد توليه الرئاسة سعى ترامب لتطبيق سياساته التجارية الحمائية من خلال رفض الاتفاقيات التجارية القائمة والتي يعتبرها مجحفة بحق الولايات المتحدة، فكان من أوائل قراراته انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، حيث اعتبر أن الاتفاقية تضر بالعمال الأمريكيين وتؤدي إلى فقدان الوظائف لصالح الدول ذات تكلفة العمال المنخفضة.[140]

كذلك هدد ترامب بالانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) –وهي اتفاقية أُبرمت عام 1994 بين الولايات المتحدة، وكندا، والمكسيك- إن لم تدخل الدول الأعضاء في مفاوضات لإعادة صياغتها ذلك لأنه يرى أنها أسوأ اتفاقية تجارية للولايات المتحدة على الإطلاق وواحدة من أسوأ الأمور التي حدثت للصناعة التحويلية على الإطلاق، وقد تمت إعادة المفاوضات حول بنود الاتفاقية بالفعل مما أدى إلى إبرام اتفاقية بديلة بين الدول الثلاث تحمل اسم (USCAMA) بشروط أكثر إرضاءً للولايات المتحدة.[141] كما عمل ترامب على إعادة المفاوضات على الاتفاقيات المبرمة مع بعض حلفائه وشركائه التجاريين حال كل من اليابان وكوريا الجنوبية.[142]

ولم تسلم منظمة التجارة العالمية من انتقادات ترامب إذ وصفها بالكارثة وهدد بالانسحاب منها إذا لم تقبل الدول الأعضاء شروطا جديدة لعضوية أمريكا أو إذا تقدمت دولة عضو بطعن قانوني ضد سياساته.[143]

أخيرًا، كانت السياسة الحمائية الأجلى التي اتخذها ترامب ما سُميت بالحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وكذلك العديد من شركائها التجاريين من خلال فرض الضرائب الجمركية بهدف تقليل الخلل التجاري، إذ بلغ إجمالي العجز التجاري في السلع مع الصين لعام 2016 ما قيمته 347 مليار دولار، بينما بلغ العجز مع الاتحاد الأوروبي 147 مليار دولار وكذلك لحماية الصناعات الأمريكية من المنافسة الأجنبية.[144]

ثالثًا: تجليات الشعبوية في السياسة الخارجية الأمريكية في ظل ولاية ترامب الحالية

جاءت بداية الولاية الجديدة للرئيس دونالد ترامب في 2025، والتي من المقرر أن تستمر حتى 2029، تمثل استمرارًا قويًا لتوجهاته في ولايته الأولى، ولكن مع تشدد أكبر في العديد من المجالات. في الأشهر الأولى لهذه الولاية، تعكس السياسات الخارجية الأمريكية تصعيدًا واضحًا للنهج الذي بدأه ترامب سابقًا، حيث يتم تكثيف القيود على الهجرة، وتستمر محاولات إعادة صياغة العلاقات مع القوى الكبرى، لكن بدرجة أكبر من الحسم. كما يستمر التشكيك في فاعلية المؤسسات الدولية، بينما تظل السياسة الاقتصادية تتبنى توجهات حمائية بشكل أكثر قوة.

  • سياسات الهجرة واللاجئين

تُستأنف ولاية ترامب الثانية بتغييرات كبيرة في سياسة الهجرة، استكمالًا لخطط لم يسعفه الوقت لتنفيذها خلال فترته الأولى، بعد أن أعاد توجيه مواقف الحزب الجمهوري، الأمر الذي يُرجّح أن يُقابل بمقاومة أقل عند تنفيذ مقترحاته الأكثر صرامة.[145]

وفي هذا السياق، تتسم سياسة ترامب الجديدة تجاه أمريكا اللاتينية -بخلاف الإهمال الذي طبع إدارته السابقة (٢٠١٧–٢٠٢١) – باهتمام ملحوظ منذ بداية ولايته الثانية. ويُعزى هذا الاهتمام إلى تركيز ترامب على المعالجة الصارمة لقضية الهجرة غير القانونية. وقد تجلّى هذا التوجه في خطاب استعلائي يتبناه ترامب في تعامله مع أمريكا اللاتينية، إذ يُصوّر المهاجرين القادمين من تلك المنطقة على أنهم “مجرمون”، ويتجلى ذلك بوضوح في عمليات الترحيل الجماعي التي تنفذها الولايات المتحدة، إذ نُقل المهاجرون عبر طائرات عسكرية وهم مقيّدو الأيدي، وتعرض عدد كبير منهم لمعاملة لا إنسانية قبل إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية. وتشير الإحصاءات إلى أن المهاجرين من أمريكا اللاتينية يشكلون نحو ٧٧% من إجمالي عدد المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة، والذين يُقدَّر عددهم بنحو ١١ مليون شخص.[146]

وتعزيزًا لهذا التوجه، تبدأ الولاية الثانية لترامب بإعلان “حالة الطوارئ الوطنية” على الحدود الجنوبية مع المكسيك، وأمره بنشر قوات الجيش في المنطقة لمنع دخول المهاجرين غير القانونيين من المكسيك.[147]

  • نهج العلاقات مع القوى الكبرى

أولًا: روسيا

بعودة ترامب إلى سدة الحكم، يمكن التأكيد على أن سعيه لتحسين العلاقات مع روسيا يتركز حول هدفين أساسيين: تسوية الأزمة الروسية-الأوكرانية، والعمل على إضعاف التحالف الاستراتيجي بين موسكو وبكين. فيما يخص “الأزمة الروسية-الأوكرانية”، عبّر خلال حملته الانتخابية عن عزمه على إنهاء الحرب بسرعة، مستندًا إلى قدرته على الضغط على الطرفين. ويرى أنصاره أن تهديده بوقف الدعم العسكري لكييف، مقابل استعداده لتعزيزه إذا لزم الأمر، قد يشكل وسيلة فعّالة لدفع موسكو وكييف نحو طاولة المفاوضات.[148]

فيما يتعلق بالتقارب “الروسي-الصيني”، على خلاف العديد من الوكالات والمؤسسات الأمريكية التي تنظر إلى روسيا باعتبارها تهديداً استراتيجياً، يرى ترامب في موسكو شريكاً محورياً في المواجهة الجيوسياسية مع بكين. وبناءً على ذلك، فإن سعيه لتحسين العلاقات مع روسيا ينبع من اعتبارات استراتيجية تهدف إلى تفكيك التحالف الروسي-الصيني، تمهيداً للتفرغ لمواجهة التحدي الصيني. وقد يسعى ترامب إلى تقديم حوافز لموسكو مقابل تقليص مستوى تقاربها مع بكين، وفي حال عدم استجابتها لذلك، فمن المرجّح أن يعمد إلى تزويد أوكرانيا بكميات كبيرة من الأسلحة الاستراتيجية.[149]

ثانيًا: الصين

في ضوء التطورات الأخيرة في العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، عادت السياسات الحمائية لتحتل موقعًا مركزيًا في أجندة الإدارة الأمريكية، خاصة مع عودة دونالد ترامب إلى الحكم. ففي أبريل ٢٠٢٥، اتخذ ترامب خطوة تصعيدية بارزة في إطار الحرب التجارية القائمة، من خلال فرض تعريفات جمركية على الواردات الصينية بلغت ١٤٥%.[150] وقد برّر هذا الإجراء باعتباره ضرورة استراتيجية لحماية الصناعات الوطنية وتقليل اعتماد الاقتصاد الأمريكي على الخارج، رغم ما قد يترتب عليه من ارتفاع في أسعار بعض السلع بالنسبة للمستهلك الأمريكي. ويجسد هذا القرار استمرارًا واضحًا لنهج ترامب الاقتصادي، الذي يرتكز على تقليص الانفتاح التجاري وتعزيز مبدأ الاكتفاء الذاتي، في محاولة لإعادة تشكيل ميزان القوى الاقتصادية بين واشنطن وبكين.

  • الموقف من المؤسسات الدولية

أولًا: الاتحاد الأوروبي

في ولايته الثانية، واصل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ترسيخ سياسة “أمريكا أولاً”، التي تضع المصالح الأمريكية في صدارة الأولويات، دون اكتراث كبير بالانعكاسات المحتملة على حلفاء الولايات المتحدة قبل خصومها. ومنذ انطلاق حملته الانتخابية، اتخذت مواقفه منحى أكثر تشددًا تجاه أوروبا، تجسد في مستويين رئيسيين: أولهما، الخلافات المباشرة في السياسات الخارجية، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الأمني، وثانيهما، التأثيرات السلبية غير المباشرة الناتجة عن مواقفه إزاء قضايا دولية مثل العلاقات مع الصين أو روسيا أو التوترات في منطقة الشرق الأوسط. وقد بدت بوادر اتساع الفجوة بين واشنطن والعواصم الأوروبية جلية في القرارات والتصريحات التي صدرت عن ترامب مع بداية ولايته الثانية، ما يثير مخاوف بشأن إمكانية تأثر العلاقات عبر الأطلسي مستقبلًا، خاصة في مجالات التجارة والاقتصاد والأمن، إلى جانب قضايا المناخ والبيئة، وهو ما ستظهره الأيام القادمة.[151]

ثانيًا: حلف شمال الأطلسي )الناتو)

تفتح عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية فصلًا جديدًا من الغموض الاستراتيجي حول مستقبل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، خاصة فيما يتعلق بمستوى التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها الأوروبيين. فقد أعاد ترامب طرح فكرة تقليص الضمانات الأمنية الأمريكية لأوروبا، في حال عدم رفع الإنفاق الدفاعي للدول الأعضاء إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، بعدما أن كانت 2% في ولايته الأولى، وهو ما لم تحققه غالبية الدول حتى الآن. هذه التصريحات أعادت إلى الواجهة مخاوف أوروبية جدية، خصوصًا في ظل استمرار الحرب “الروسية-الأوكرانية”، حيث يُنظر إلى تقليص الدور الأمريكي كتهديد مباشر للوحدة الأوروبية ولمنظومة الأمن الجماعي. وسط مخاوف في أوروبا من تراجع التزام واشنطن بتفعيل المادة الخامسة من ميثاق الناتو، التي تضمن الدفاع المشترك في حال تعرض أي عضو لهجوم. وقد ظهرت هذه المخاوف في وقت حساس، دفع فيه احتمال التصعيد من جانب موسكو قادة الناتو إلى التأكيد على ضرورة تعزيز قدرات الردع، وهو ما عبّر عنه الأمين العام للناتو “مارك روته” مطلع هذا العام، داعيًا الأوروبيين إلى زيادة الإنفاق العسكري وتعزيز استقلالية جيوشهم.[152]

  • الحمائية الاقتصادية:

استهل الرئيس دونالد ترامب ولايته الرئاسية الثانية بإبراز الخلافات التجارية القائمة مع دول الاتحاد الأوروبي، وذلك في ظل تنامٍ ملحوظ للعجز في الميزان التجاري السلعي بين الولايات المتحدة وأوروبا. وقد سعى ترامب إلى تقليص هذا العجز من خلال تبنّي سياسة تجارية أكثر حمائية، تمثلت في فرض تعريفات جمركية مرتفعة. وكان قد أعلن خلال حملته الانتخابية عن نيّته فرض رسوم جمركية تتراوح بين ١٠% و٢٠% على جميع الواردات إلى الولايات المتحدة، باستثناء الواردات القادمة من الصين.[153] وفي ١١ فبراير، اتخذ قرارًا بفرض رسوم جمركية بنسبة ٢٥% على واردات الصلب والألومنيوم.[154] وفي ١٤ فبراير، كشف عن خطة جديدة لفرض ما يُعرف بـ “الرسوم الجمركية التبادلية”، التي تقوم على مبدأ المعاملة بالمثل، حيث تُرفع الرسوم الجمركية الأمريكية على صادرات أي دولة إلى الولايات المتحدة بما يعادل مستوى الرسوم التي تفرضها تلك الدولة على السلع الأمريكية، مع اعتبار الرئيس ترامب أن ضرائب القيمة المضافة تُحتسب ضمن الرسوم الجمركية المفروضة.[155]

وفيما يتعلق بالمنافسة مع الصين في إطار الحرب التجارية القائمة بينهما، نجد أن ترامب في بدايات ولايته الثانية قام بفرض رسوم جمركية على السلع الصينية مقدارها ١٤٥%، وهو ما أشرنا إليه سابقًا فيما يتعلق بالعلاقات مع الصين.

ختامًا، يُظهر تحليل تأثير اليمين الشعبوي على السياسة الخارجية الأمريكية خلال فترتي رئاسة دونالد ترامب، الأولى والحالية، تحوّلًا جذريًا في توجهات الولايات المتحدة الخارجية، عكس ميلًا واضحًا نحو الانكفاء القومي والرغبة في إعادة تعريف دور أمريكا في النسق الدولي وفقًا لأولوية “أمريكا أولًا”. فقد استند هذا التوجه إلى جذور أيديولوجية شعبوية تعادي النخب، وتشكك في فعالية العولمة والمؤسسات الدولية، وتُعلي من شأن السيادة الوطنية. وقد انعكس ذلك بوضوح في سياسات الهجرة المتشددة، والانكفاء عن الالتزامات الدولية، وتبني خطاب تصادمي تجاه قوى كبرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي، إلى جانب اللجوء إلى الحماية الاقتصادية كأداة لإعادة التوازن في العلاقات التجارية. ومن هنا، فإن فترتي حكم ترامب تمثلان لحظة مفصلية لفهم كيف يمكن للتيارات الشعبوية أن تعيد توجيه السياسة الخارجية لدولة بحجم الولايات المتحدة، وتعيد تشكيل أولوياتها وأدواتها في التعامل مع العالم.

المبحث الثاني

انعكاسات صعود اليمين الشعبوي على توجهات السياسة الخارجية الإيطالية

شهدت العقود الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في نفوذ التيارات اليمينية الشعبوية في العديد من الدول الأوروبية، حيث استطاعت هذه الحركات أن تُعيد تشكيل المشهد السياسي الداخلي وتؤثر بشكل ملموس في توجهات السياسة الخارجية. وتُعد إيطاليا من أبرز النماذج التي تجسّد هذا التحول، لاسيما مع بروز أحزاب مثل “الرابطة” بزعامة ماتيو سالفيني و”إخوة إيطاليا” بقيادة جورجيا ميلوني.

وقد شكّلت حكومة الائتلاف بين “الرابطة” و”حركة خمس نجوم” (٢٠١٨–٢٠١٩)، ثم صعود حزب “إخوة إيطاليا” بقيادة جورجيا ميلوني إلى رئاسة الحكومة في عام ٢٠٢٢، نقطتين فاصلتين في مسار السياسة الخارجية الإيطالية، فقد كان لليمين الشعبوي تأثير مباشر على توجهاتها؛ إذ سعى إلى تقليل تبعية البلاد للمؤسسات الأوروبية والانفتاح على قوى دولية بديلة مثل الولايات المتحدة (خلال إدارة ترامب)، وروسيا، والصين. وقد شكّلت هذه السياسة محاولة لتأكيد السيادة الوطنية وكسب دعم سياسي داخلي، في وقت كانت فيه الحكومة تخوض صراعًا مع بروكسل حول الموازنة. وبذلك، لم تقتصر مقاربة اليمين الشعبوي على إعادة رسم السياسات الاقتصادية، بل امتدت لتشمل إعادة تموضع استراتيجي لإيطاليا على الساحة الدولية.

يتضمن هذا المبحث تحليل تطبيقي لتأثير التوجهات اليمينية الشعبوية على السياسة الخارجية الإيطالية، من خلال تحليل دور الخلفيات اليمينية الشعبوية للأحزاب عند تواجدها في الحكومة سواء ضمن ائتلاف مثل حكومة كونتي والتي تضم “حزب الرابطة” و “حركة خمس نجوم” أو ترأس الحكومة مثل حكومة ميلوني زعيمة حزب إخوان إيطاليا وما يتبع ذلك من تغير في مخرجات السياسة الخارجية في ضوء العوامل الهيكلية والدولية الضابطة لهذه التوجهات، ولمعرفة مدى هذا الأثر؛ سنتناول التعريف بتيارات اليمين الشعبوي في إيطاليا، والعوامل الهيكلية والدولية المؤثرة، ومتغيرات السياسة الخارجية الإيطالية في قضايا الهجرة، وتعزيز العلاقات الخارجية مع القوى الكبرى، وكذلك الموقف من الاتحاد الأوروبي في ظل الحكومات اليمينية الشعبوية.

أولاً: ماهية القوى اليمينية الشعبوية في ايطاليا

يتمثل اليمين الشعبوي الإيطالي في الأحزاب التي تبنّت خطابًا قوميًا متشددًا يرتكز على مفاهيم السيادة الوطنية، ومعاداة الهجرة، والشكوك تجاه الاتحاد الأوروبي، ومن أبرزها ما يلي:

  • حزب الرابطة (League (Lega:

هو حزب سياسي شعبوي يميني متطرف، أسسه “أومبرتو بوسي” في عام ١٩٩١ لتمثيل الإيطاليين الشماليين،[156] تم تصنيف الحزب على أنه يمثل الخوف من الأجانب وضد المهاجرين في عام ١٩٩٢. تحولت أجندة الحزب تحت قيادة “ماتيو سالفيني” بشكل متزايد إلى اليمين في قضايا مثل الجريمة والهجرة غير الشرعية مع إعطاء أولوية أقل بكثير لاستقلال الشمال،[157] حدد البرنامج الأصلي للحزب “الفدرالية التحررية” بأنها أيديولوجية.[158]

تنتقد رابطة الشمال الاتحاد الأوروبي وتعارض ما تسميه” الدولة الأوروبية العظمى” خاصة في ظل قيادة (ماتيو سالفيني)، يتخذ الحزب موقفاً صارماً تجاه الهجرة غير الشرعية بالأخص من الدول الإسلامية في حين يدعم الهجرة من دول غير إسلامية من أجل حماية “الهوية المسيحية” لإيطاليا وأوروبا، والتي وفقاً لمسؤولي الحزب يجب أن تستند إلى “التراث اليهودي المسيحي”، فهي تقترب كثيراً من التقاليد الكاثوليكية حيث عقدت تحالفات أوروبية مع جماعات مشابهة تتبنى كراهية الأجانب مثل حزب الحرية النمساوي.[159]

  • حركة خمس نجوم (Five Star Movement (M5S:

تم تأسيس M5S من قبل الممثل الكوميدي “بيبي غريللو” Beppe Grillo في عام ٢٠٠٩، لا تفضل هذه الحركة أن يطلق عليها اسم حزب سياسي؛ فهي تٌوصف بأنها حركة شعبوية مناهضة للفساد وتستمد أفكارها من التيار الشعبوي واليميني والبيئي. ترفض التدخلات العسكرية الأوروبية والأمريكية في الشرق الأوسط خاصة سوريا والعراق. تسعي إلى تغيير ما يسمي ب “اتفاقية دوبلن” التي تنص على وجوب تقديم المهاجرين لطلبات لجوئهم في أول دولة يصلون إليها في الاتحاد الأوروبي، وتبحث عن بدائل لعملة اليورو والتحالف مع دول أوروبا الجنوبية، وكغيرها من الحركات الشعبوية الاخري هي ضد المؤسساتية وتندد بالنخب الإيطالية ككل.[160]

  • حزب إخوان إيطاليا (FdI)Brothers of Italy:

تأسس الحزب في عام ٢٠١٢ خلفاً للتحالف الوطني ذي الأصل الفاشي، وهو يعد قوة سياسية ناشئة تعزز احترام السيادة والوحدة الوطنية، وتدافع عن ضرورة الأمن وسيادة القانون والتماسُك الاجتماعي، وتنفي ميلوني زعيمة الحزب أي صلة لها بأفكار موسوليني، ويقول بييرو إغنازي –الأستاذ الفخري في جامعة بولونيا والخبير في شؤون إخوان إيطاليا– “ترتبط هوية الحزب في معظمها بتقاليد ما بعد الفاشية؛ لكن منصتها تمزج هذا التقليد مع بعض الأفكار المحافظة السائدة والعناصر النيوليبرالية مثل المشاريع الحرة”.[161]

  • حزب إيطاليا إلى الأمام ( :Forza Italia (FI

يرجع تواجد الحزب للفترة بين ١٩٩٤-٢٠٠٩، أسسه سيلفيو برلسكوني في عام ١٩٩٣، شهدت العديد من الانقسامات من ضمنها التحالف اليميني الذي أطلقه برلكسوني عام ٢٠٠٧ بالتحالف مع حزب الرابطة، تم حل التحالف وإطلاق حزب ايطاليا للأمام بشكله الحالي عام ٢٠١٣، ينص دستور الحزب على أنه يستند الي ” مُثُل الديمقراطية الليبرالية والكاثوليكية الليبرالية والتقاليد الإصلاحية الأوروبية”.[162]

ثانيًا: العوامل الهيكلية والدولية المؤثره في السياسة الخارجية الشعبوية

شكلت هذه الأحزاب والحركات اليمينية الشعبوية مجتمعة توجه السياسة الخارجية الإيطالية خلال فترة تواجدها في الحكم سواء كانت ضمن حكومة ائتلافية أو ترأس الحكومة، إلا أنها تعرضت لقيود داخلية وكذلك ضغوط خارجية عملت على كبح جماح السياسة الخارجية الشعبوية، ففي ظل النظام البرلماني اللامركزي في إيطاليا تُمنح السلطة التنفيذية نفوذاً أقل؛ حيث مثل رئيس الجمهورية (سيرجيو ماتريلا)  قيداً رئيسياً من خلال استخدام صلاحياته الدستورية في مواجهة الحكومة الشعبوية عندما أجبر الائتلاف على اختيار تكنوقراطي وسطي يدعي (جيوفاني تريا) وزيراً للمالية بدلاً من (باولو سافونا) ذي التوجهات الشعبوية حفاظاً على موقع إيطاليا في منطقة اليورو، وكذا مُنح  منصب وزير الخارجية لتكنوقراطي آخر هو (لإنزو ميلانيزي)، وصف الشعبويون (ماتريلا)بأنه تجاوز سلطاته الدستورية، وهدد اليميني المتحفظ (لويجي دي ماريو) معبراً عن غضبه بعزل الرئيس بتهمة الخيانة العظمي، في المقابل سمح لماتيو سالفيني و لويجي دي مايو بتولي مناصب وزارية مرتبطة بالقضايا التي تحوز أولوية لديهم: كالأمن الداخلي، السياسة الاقتصادية، والرعاية الاجتماعية. ومع ذلك، لا يمكن التمييز بين السياسة الداخلية والخارجية إلى حد كبير في ايطاليا، فمجالات الإنفاق العام تخضع لالتزامات إيطاليا الدولية كعضو في منطقة اليورو.[163]

يتسم موقع إيطاليا في النسق الدولي بالغموض؛ فهي لا تعد قوى عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية، ولا هي دولة هامشية، والأرجح أنها تقع بين هاتين الحالتين، بالتالي الضغوط الدولية التي تواجهها لا تقارن بتلك التي تواجهها اليونان أو الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أن السياسة الخارجية الإيطالية خلال الحرب الباردة كانت مقيدة بشكل كبير بالنظام ثنائي القطبية وعضويتها في حلف شمال الأطلسي، ومع انهيار الاتحاد السوفيتي وظهور الأحادية القطبية ظلت أهداف السياسة الخارجية الإيطالية ثابتة ًعلى نحو تعزيز مكانتها من خلال المشاركة الفعالة في حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي، مع استخدام حلف الناتو كورقة رابحة في مفاوضاتها مع دول الاتحاد الأوروبي مثل (ألمانيا وفرنسا). غير أنه مع نهاية عصر القطب الأوحد وحدوث تحول هيكلي في توزيع القوى العالمية وصعود الصين وروسيا كقوى مؤثرة في الواقع الدولي، مثلت هذه التغييرات فرصة سانحة للشعبويين لتعزيز العلاقات مع موسكو وبكين بهدف تحدي منافسيها ألمانيا وفرنسا. تتقيد إيطاليا بوضعها الثانوي أثناء المناورات السياسية؛ فهي لا تستطيع تحدي منافسيها الأقوياء دون تكبد تكاليف باهظة، لذا يتوخى القادة السياسيون الشعبويون في إيطاليا الحذر ويفضلون إتباع نهج “التوازن الناعم”، ويتجلى ذلك في توقيع مبادرة الحزام والطريق مع الصين لتكتسب إيطاليا نفوذاً في المفاوضات المستقبلية مع شركائها الغربيين، وكذا موقفها المؤيد لروسيا على الرغم من عدم استخدام حق الفيتو في مواجهة قرار بروكسل بتجديد العقوبات على روسيا بعد ضمها لشبه جزيرة القرم.[164]

ثالثًا: متغيرات السياسة الخارجية الإيطالية في ظل الحكومات اليمينية الشعبوية

بالنظر إلى متغيرات السياسة الخارجية الإيطالية ذات الطابع الداخلي، نجد تعاظماً في دور توجهات اليمين الشعبوي وما يتبعها من تأثير على مخرجات السياسة الخارجية الإيطالية، خاصة فيما يتعلق بسياسات الهجرة واللاجئين وتبني شراكات مع قوى دولية عظمي تعزز من مكانتها الدولية، وكذلك اتخاذ موقف متغير تجاه الاتحاد الأوروبي. لذا سنحلل السياسات الخارجية الإيطالية في ظل الحكومات اليمينية الشعبوية، بالتركيز على حكومة جوزيب كونتي (Giuseppe Conte)الائتلافية (٢٠١٨-٢٠١٩)، وحكومة جورجيا ميلوني (٢٠٢٢- ٢٠٢٥).

  • سياسات الهجرة واللاجئين

تعد قضية الهجرة واللاجئين الركيزة الأساسية في خطاب اليمينيين الشعبويين، وبمجرد نجاحهم في تكوين حكومة شعبوية من ائتلاف حزبي رابطة الشمال وخمسة نجوم بقيادة كونتي أخذوا يطبقون سياساتهم الخارجية المعادية للهجرة وتحجيم تدفق اللاجئين الوافدين إلى إيطاليا من الجنوب عبر البحر الأبيض المتوسط.

كان جوهر السياسة الخارجية لحكومة كونتي )٢٠١٨) تجاه الهجرة إعادة توزيع اللاجئين على أساس طوعي. والتأكيد أن السيادة الإقليمية لا يمكن تقليصها”، وفي الوقت ذاته انتقاد الاتحاد الأوروبي لعدم تقديمه ما يكفي من المساعدة في استقبال اللاجئين،[165]  كما سعت الحكومة إلى رفع مستوى الوعي لدى الدول الأوروبية الأخرى بأن الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط قضية أوروبية، وليست إيطالية فحسب. سعيًا إلى تعزيز نهج تقاسم الأعباء واستقطاب دول أخرى؛ لاستقبال المهاجرين الواصلين إلى الشواطئ الإيطالية.

وبتوليه منصب وزير الداخلية اتبع رئيس حزب رابطة الشمال (سالفيني) سياسة “الموانئ المغلقة” أمام سفن إنقاذ اللاجئين التي تديرها منظمات غير حكومية قائلاً “انتهى المرح بالنسبة لتجار البشر الذين اعتبروا إيطاليا مخيمًا للاجئين”؛  [166] وقد أيدت العديد من استطلاعات الرأي حملة الوزير الصارمة على عمليات المنظمات غير الحكومية، متقبلةً بشكل أساسي رواية رابطة الشمال عن فاعلي الخير العالميين المتطفلين الذين يحمون دولهم الأصلية من مسؤولياتهم السياسية”.[167]

وفي إطار سياسة الموانئ المغلقة رفض سالفيني رسو عدة سفن تحمل لاجئين تم انقاذهم من البحر المتوسط مطالباً بتوزيعهم على باقي دول الاتحاد الأوروبي، وعندما عرضت إسبانيا استقبال إحدى هذه السفن بسبب خطورة وضع اللاجئين على متنها عبّر سالفيني عن أمله في أن تستقبل الحكومة الإسبانية ٦٦٦٢٩ لاجئًا آخر أو أن يستقبلهم الفرنسيون أو البرتغاليون أو المالطيون. [168]

ومن الجدير بالذكر أن سالفيني لم يكن وحيدًا في موقفه المُعادي للاتحاد الأوروبي، بل جاء موقف شريكه في الحكومة (دي مايو) –نائب رئيس الوزراء في حكومة (جوزيبي كونتي) وزعيم حزب خمس نجوم–أقوى وأكثر عدائية ً إذ هدد بأنه في حال عدم قبول الاتحاد الأوروبي للمهاجرين، فقد تُوقف إيطاليا مساهماتها في ميزانية الاتحاد.[169]

أدت سياسات الهجرة تلك إلى وقوع أزمة دبلوماسية –لم تحدث منذ الحرب العالمية الثانية– بين إيطاليا وفرنسا؛ بسبب اتهام دي مايو فرنسا بإفقار أفريقيا مما يدفع السكان إلى مغادرتها حيث قال “إذا أردنا الاستمرار في الحديث عن الآثار؛ فلنواصل الحديث عن الوفيات في البحر، وهي بالطبع مأساة، وأُشارككم كل تعاطفي، ولكن يجب أن نتحدث عن الأسباب، لأن الناس يغادرون اليوم؛ فذلك لأن بعض الدول الأوروبية، بقيادة فرنسا، لم تتوقف أبدًا عن استعمار أفريقيا”.  دفع هذا وزيرة الشؤون الأوروبية الفرنسية، إلى استدعاء السفيرة الإيطالية احتجاجًا، ورد دي مايو على تلك الخطوة بقوله: “فرنسا من الدول التي تُعيق التنمية وتُساهم في رحيل اللاجئين بطباعتها عملات لأربعة عشر دولة.[170]

لقد حقق الترويج السياسي الذي قاده اليمينيون الشعبويون في إيطاليا كرابطة الشمال بقيادة ماتيو سالفيني أو من قبل حزب خمسة نجوم بقيادة دي مايوًا ثقافيًا في نشر فكرة: بلد يتعرض للغزو من قِبَل جحافل اللاجئين غير الشرعيين الأفارقة والعرب، وأن شركاءهم الأوروبيين قد تخلوا عن إيطاليا وتركوها تواجه ذلك الخطر بمفردها، ذلك الخطاب الذي ظهر تبنيه في خطابات وسياسات حكومة كونتي، ولم تتخذ حكومة فراتيلي دي إيطاليا (إخوان إيطاليا) بقيادة جورجيا ميلوني غير ذلك الخطاب، فقد أعلنت ميلوني مرارًا وتكرارًا: “أنها لن تسمح لإيطاليا بأن تصبح مخيم اللاجئين في أوروبا.[171]

تعج خطابات حكومة ميلوني بالدعوة الى محاربة ظاهرة الإتجار بالبشر مطالبين الأمم المتحدة بالتدخل للقضاء على تلك الظاهرة معتبرين أنها نسخة جديدة من العبودية وأنها السبب الرئيسي في تشجيع تدفق المهاجرين، ويظهر ذلك في خطاباتهم مثل خطاب ميلوني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تساءلت قائلة: “هل يُمكن لهذه الجمعية، التي لعبت في أوقات سابقة دورًا أساسيًا في القضاء نهائيًا على تلك الجريمة العالمية المتمثلة في العبودية، أن تتسامح حقًا مع عودتها اليوم بأشكال أخرى، والتي لا تزال تُسلّع من خلالها الحياة البشرية؟” [172]

بالإضافة إلى المتاجرين بالبشر، تضمر حكومة ميلوني العداء للمنظمات غير الحكومية التي تعمل على إنقاذ اللاجئين في البحر المتوسط اذ تم في (فبراير ٢٠٢٣) اعتماد قانون يحد من تلك المؤسسات ويقوض عملها،[173] وفي ذات الإطار انتقدت ميلوني الحكومة الألمانية لأنها كانت ستدعم المنظمات غير الحكومية المشاركة في عمليات الإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط بأموال كثيرة وفي الترحيب بالمهاجرين غير النظاميين على الأراضي الإيطالية دون التنسيق معها.[174]

كما تلقي حكومة ميلوني باللوم على روسيا في تدفق المهاجرين من أفريقيا معتبرةً أنها جزء من استراتيجية حرب هجينة واضحة تُنفّذها مجموعة فاغنر –وهم المرتزقة المأجورون من روسيا– مُستغلةً نفوذها الكبير في بعض الدول الأفريقية لتكوين أداة للضغط على إيطاليا من خلال اللاجئين.[175]

في سبيل التخلص من مشكلة الهجرة واللاجئين حذت حكومة ميلوني حذو بريطانيا والدنمارك والنمسا في نقل طالبي اللجوء الى دول ثالثة مثل رواندا؛ فأقرت اتفاقية لنقلهم الى ألبانيا، وعلى الرغم من الجدل القانوني وحظر القضاء الإيطالي تنفيذ الاتفاقية لثلاث مرات متتالية، إلا أنها استطاعت البدء بتنفيذها وترحيل ٤٠ طالباً للجوء. [176]

كذلك سعت ميلوني إلى الحد من الهجرة غير الشرعية من خلال عقد شراكات ووضع خطط لتنمية العديد من دول أفريقيا حتى تخفض الهجرة من منابعها حيث قالت: “لن يتم إيقاف الهجرة غير الشرعية الجماعية، ولن يتم هزيمة المتاجرين بالبشر؛ إذا لم يتم معالجة الأسباب الجذرية التي تدفع الشخص إلى التخلي عن وطنه، وهذا هو بالضبط ما نعتزم القيام به، من ناحية إعلان الحرب على تجار الرقيق في الألفية الثالثة، ومن ناحية أخرى العمل على تقديم بديل للشعوب الأفريقية من خلال الفرص والعمل والتدريب ومسارات الهجرة القانونية.[177]

  • نهج العلاقات الخارجية مع القوى الكبرى

أولًا: تعزيز الشراكات مع الصين وروسيا

شهدت السياسة الخارجية الإيطالية تحولاً ملحوظاً مع صعود الحركات الشعبوية، وعلى رأسها حركة النجوم الخمس، التي اتبعت نهجاً يتسم بالتردد والتأجيل في اتخاذ قرارات استراتيجية، خصوصاً في مجالات الدفاع والتكنولوجيا، مع غياب توجه أيديولوجي واضح. وقد انعكس هذا النهج على علاقات إيطاليا الخارجية، مما ساهم في إعادة رسم أولوياتها وتحالفاتها الدولية، وقد تجلى هذا الانفتاح من خلال توقيع مذكرة تفاهم مثيرة للجدل مع الصين عام ٢٠١٩، بشأن مبادرة “الحزام والطريق” (BRI)، ما جعل إيطاليا أول دولة من مجموعة الدول السبع توقع مثل هذه الاتفاقية. هذا التوجه مثّل خروجاً واضحاً عن الإطار التقليدي لتحالفات إيطاليا الغربية، وأثار تساؤلاتٍ حول استقلالية القرار السياسي الإيطالي، خاصةً في ظل انتقادات أوروبية وأميركية لتلك الخطوة، والتي عُدّت خرقاً للخط العام للسياسات الغربية.[178]

شكّلت زيارة وزير المالية الإيطالي جيوفاني تريا إلى الصين عام ٢٠١٨ مؤشرًا واضحًا على تحوّل أولويات السياسة الخارجية الإيطالية تحت تأثير الحكومة الشعبوية (تحالف النجوم الخمس وحزب الرابطة”الليجا”). إذ كانت هذه هي المرة الأولى التي يختار فيها وزير مالية إيطالي حديث التعيين الصين كوجهة دبلوماسية أولى، مما يعكس توجّهًا استراتيجيًا نحو تنويع الشراكات الدولية خارج الإطار الأوروبي من خلال سعي الحكومة إلى جذب رأس المال الصيني لطمأنة الأسواق المالية، عكست الزيارة أبعادًا سياسية داخلية، حيث سعى التحالف الشعبوي، المكوّن من حركة النجوم الخمس بقيادة “لويجي دي مايو” والليجا بقيادة “سالفيني” إلى توظيف السياسة الخارجية لتحقيق مكاسب انتخابية حيث ركّز سالفيني على ملف الهجرة، بينما قاد دي مايو توجهًا اقتصاديًا في السياسة الخارجية، يهدف إلى تعزيز التجارة وجذب الاستثمارات، بما يتماشى مع أولويات الحركة الاجتماعية.[179]

يعكس توقيع مذكرة التفاهم مع الصين في عهد حكومة كونتي الأولى تأثير الشعبوية على توجهات السياسة الخارجية الإيطالية. فعلى الرغم من أن المفاوضات المتعلقة بهذه المذكرة كانت قد بدأت في عهد الحكومة السابقة، فإن حكومة كونتي الأولى – التي ضمّت أحزابًا ذات توجهات شعبوية – أولت اهتمامًا خاصًا بتعزيز العلاقات مع الصين، واعتبرتها شريكًا استراتيجيًا ضمن مقاربة تعكس تفضيلاتها السياسية قصيرة الأجل.[180]

ارتبط تعزيز العلاقة بين أحزاب اليمين الشعبوي في إيطاليا واليمين الروسي بقيادة فلاديمير بوتين بعامليين رئيسيين، أولهما المصلحة الاقتصادية حيث تعد إيطاليا من كبار مستوردي الطاقة في روسيا وتربط كثير من الشركات الإيطالية مصالح تجارية مباشرة بالسوق الروسية، ثانيهما الاعتبارات الثقافية والسياسية حيث يجد اليمين الشعبوي في بوتين نموذجا للزعيم القوي المدافع عن التقاليد المسيحية.[181]

         رغم تصاعد التوترات بين روسيا والغرب قبيل غزو أوكرانيا، إلا أن السياسة الخارجية الإيطالية حافظت على نهج الانخراط مع موسكو، مدفوعةً بعلاقات اقتصادية واستراتيجية عميقة؛ فقد صرح رئيس الوزراء ماريو دراجي، بأن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى مواصلة التعامل مع الرئيس بوتين” ويعكس هذا الموقف تقليداً راسخاً في السياسة الخارجية الإيطالية، التي نظرت إلى روسيا كشريك رئيسي في ملفات إقليمية ودولية، مثل مكافحة الإرهاب وتسوية النزاعات في الشرق الأوسط وأوروبا، حتى قبل ضم شبه جزيرة القرم، كانت العلاقة الثنائية توصف بـ “العلاقات المتميزة“.[182]

ويُلاحظ أن الشعبوية، وخصوصاً مع صعود أحزاب مثل حركة النجوم الخمس ورابطة الشمال، قد عززت هذا التوجه، إذ تبنّت خطاباً سيادياً مشككاً في النهج الأطلسي التقليدي، ومؤيداً لانخراط أكثر استقلالية مع القوى الكبرى، بما في ذلك روسيا. فقد أعطت هذه الأحزاب أولوية للمصالح الاقتصادية الوطنية، حتى عندما تعارضت مع توجهات الاتحاد الأوروبي. يتجلى ذلك بوضوح في مشاركة كبار رجال الأعمال الإيطاليين في منتدى غرفة التجارة الإيطالية الروسية في يناير ٢٠٢٢، حيث نوه الرئيس الروسي “بوتين” بالتعاون الاقتصادي مع روما، مشيداً بزيادة التجارة بين البلدين بنسبة ٥٤% مقارنة بالعام السابق.[183]

تكشف الحرب الروسية على أوكرانيا عن تحوّل عميق في الخطاب السياسي الإيطالي، حيث يُعاد تأطير مفاهيم مثل “حب الوطن” و ” قيمة الأمة” في مواجهة تهديدات يُنظر إليها كعودة إلى منطق الهيمنة الإمبريالية. ويظهر خطاب جورجيا ميلوني في الأمم المتحدة تأثير واضح لليمين الشعبوي، الذي يوظّف لغة وجدانية قوية تجمع بين الدفاع عن القيم الوطنية، والاصطفاف الأخلاقي في الصراع، وبين الإدانة الصارمة للقوى التي تهدّد الاستقرار العالمي، خاصة من خلال استهداف المدنيين أو استخدام الغذاء والطاقة كوسائل ابتزاز سياسي، بهذا يتحوّل الخطاب الشعبوي من الداخل إلى الخارج: من مقاومة الهجرة والإسلام السياسي إلى ادّعاء لعب دور في حماية الاستقرار العالمي؛ لكن دائمًا انطلاقًا من “المصلحة الوطنية أولًا”،  ومن تصور يُضفي على السياسة الخارجية طابعًا أخلاقيًا مدعوماً بشعور جماعي بالخطر والانتماء.[184]

كانــت بعــض الــدول الغربيــة الحليفــة لإيطاليــا متخوفــة مــن توجهــات حكومة ميلوني، بمــا هــو معــروف عــن” ســالفيني“و“برلســكوني“مــن تأييــد لروسـيا، إلا أن تحـركات وتوجهـات” ميلونـي“جـاءت متسـقة مــع الموقــف الأوروبــي الموحــد الداعــم لأوكرانيــا؛ فبمجرد فوزها في الانتخابات وعــدت بـدعمهـا الكامـل لأوكرانيـا فـي مكالمـة هاتفيـة مـع الرئيـس الأوكراني فولوديمير زيلينيسكي، بعيداً عن تصريحــات برلســكوني المؤيــدة لبوتيــن، كمــا قامــت بزيـارة إلـى كييـف يـوم ٢٠ فبرايـر ٢٠٢٣؛ وذلـك فـي ذكرى مرور عام على انــدلاع الحــرب الروســية الأوكرانيــة، فــي دعــم واضــح لزيلينســكي وإضفاءً لمزيــد مــن الزخــم علــى زيــارة الرئيــس الأمريكــي بايــدن إلــى كييــف.[185]

تكشف هذه الحالة عن نمط مميز من “الشعبوية البراغماتية” في السياسة الخارجية، حيث يُوظَّف الخطاب القومي لتعزيز الموقع التفاوضي للدولة دون أن يقترن ذلك بالانعزال أو رفض المنظومة الغربية. ومن ثمّ، تؤكد التجربة الإيطالية قدرة بعض الحكومات الشعبوية على تبني سياسة خارجية واقعية ومتوازنة، تجمع بين المصالح الوطنية والانخراط في النظام الدولي.[186]

ثانيًا: النهج المتوازن مع الولايات المتحدة الأمريكية

بعد الحرب العالمية الثانية، واجهت إيطاليا تحدياتٍ كبيرة فيما يتعلق بترتيباتها الأمنية واختياراتها في السياسة الخارجية. فعلى الرغم من انضمامها إلى المعسكر الغربي وعضويتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ظلت قطاعات واسعة من الطيف السياسي الإيطالي، بما في ذلك اليمين، متشككة في العلاقة الوثيقة مع الولايات المتحدة. وكان هذا التوجه ناجماً عن تجارب الحرب الباردة، حيث رأى العديد من الفاعلين السياسيين أن التبعية للولايات المتحدة تحد من استقلالية القرار الإيطالي.[187] 

مثّل بيتينو كراكسي نقطة تحوّل في السياسة الخارجية الإيطالية خلال الثمانينيات، حيث سعى إلى إعادة تعريف العلاقة مع الولايات المتحدة ضمن “طريق ثالث” يجمع بين الحفاظ على التحالف الأطلسي والاستقلال في القرار السيادي، وقد شكّل هذا النهج أرضية تبنّاها لاحقًا اليمين الشعبوي، لا سيما في عهد برلسكوني، الذي حافظ على تحالف وثيق مع واشنطن في سياق الحرب على الإرهاب، لكنه قدّمه دومًا كتحالف يخدم المصالح الإيطالية أولًا، ومع صعود اليمين الشعبوي، أصبحت العلاقات الخارجية تُصاغ وفق اعتبارات داخلية، كالهجرة، والطاقة، والسيادة، ما حوّل السياسة الخارجية من التزام مؤسسي إلى أداة تخدم الأجندة الوطنية. وهكذا، أعاد اليمين الشعبوي تعريف التحالف مع الولايات المتحدة من كونه شراكة استراتيجية إلى كونه خيارًا براغماتيًا مرهونًا بالمصلحة والظرف السياسي.[188]

اتسمت العلاقات الإيطالية–الأمريكية في العقد الأخير بتأثرها بتغير الإدارات في واشنطن، وتباين مواقفها من الأوضاع السياسية الداخلية في إيطاليا، لا سيما مع صعود التيارات الشعبوية. ففي ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، أبدت واشنطن تساهلًا نسبيًا مع الحكومات الإيطالية التي ضمت قوى يمينية وشعبوية، مثل حركة النجوم الخمسة وحزب الرابطة، حيث تلاقى هذا التوجه مع دعم ترامب العام للحركات المناهضة للمؤسسات الأوروبية التقليدية، وقد انعكس ذلك في عدم اعتراض واشنطن على انخراط إيطاليا في مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، أو في مواقفها المتساهلة تجاه روسيا.[189]

حاولـت ميلونـي، كمـا فعـل برلسـكوني فـي حكمـه، التقـرب أكثـر مـن واشـنطن ولتعزيـز العلاقـات مع واشـنطن، سـعت ميلونـي للترويج لدور إيطاليــا فــي الناتــو وفــي حــوض البحــر الأبيــض المتوســط؛ فقــد أبــرزت الأهميــة الأســتراتيجية للجنــاح الجنوبــي للقــارة الأوروبيــة فــي مواجهــة تمــدد نفــوذ الصيــن وتأثيــر روســيا المســتمر فــي شــمال إفريقيــا ومنطقــة الســاحل الأفريقــي، وهـي كلهـا تحـركات تهـدف إلـى إثبـات ولاء رومـا لأهـداف واشــنطن الأســتراتيجية،[190] وللموازنة بين علاقتها الجيدة بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبين قادة أوروبا، في الوقت الذي يشهد تردد بين واشنطن وبروكسل، قامت ميلوني بالحفاظ على علاقة جيدة مع الولايات المتحدة في حين تلعب دورًا بناءً في الاتحاد الأوروبي ورغبتها في إعادة تسليح الجيش الإيطالي، بالتوافق مع خطة رئيسة المفوضية الأوروبية، بحسب موقع “إن تي في” الألماني.[191]

  • الموقف من الاتحاد الأوروبي

تُعد العلاقة بين سيلفيو برلسكوني والاتحاد الأوروبي من أكثر العلاقات تعقيدًا في تاريخ السياسة الإيطالية الحديثة. فمنذ فوزه المفاجئ في انتخابات عام ١٩٩٤، واجه برلسكوني حالة من التوجّس الأوروبي، نظرًا لتركيبته السياسية غير التقليدية، وارتباطه بائتلاف يضم أطرافًا ذات جذور ما بعد فاشية مثل “أليانزا ناسيونالي”، في وقت كانت فيه الهوية الأوروبية – خاصة في إيطاليا – تقوم على إرث مناهض للفاشية. كما زاد من هذا القلق تعيين أنطونيو مارتينو، المعروف بتشككه في معاهدة ماستريخت، وزيرًا للخارجية، وتبنّي خطاب يشكك في جدوى العملة الموحدة.[192]

وعلى الرغم من استخدامه لخطاب داعم للتكامل الأوروبي في بعض المحافل، خاصة من خلال الحديث عن “الولايات المتحدة الأوروبية” وضرورة وجود سياسة دفاعية وأمنية مشتركة، فإن برلسكوني في الواقع كان كثيرًا ما يصطدم بالمؤسسات الأوروبية، ويمارس ما يُعرف بـ “تحويل اللوم” من المستوى الوطني إلى الأوروبي، خصوصًا عند فشل السياسات الاقتصادية أو تعثر الإصلاحات الداخلية. وقد تجلّى ذلك في محاولاته المتكررة لإلقاء اللوم على الاتحاد الأوروبي – بل وعلى ألمانيا وفرنسا تحديدًا – عندما عرقلت القيود الأوروبية قدرة حكومته على تنفيذ رؤيته الاقتصادية الليبرالية.[193]

تأثرت علاقة إيطاليا بالاتحاد الأوروبي بشكل ملحوظ بصعود التيارات الشعبوية، وعلى رأسها حركة النجوم الخمسة، التي مثلت في بداياتها إحدى أبرز القوى المناهضة للمنظومة الأوروبية. فمنذ الانتخابات التشريعية في مارس ٢٠١٨، شهدت البلاد تشكيل ثلاث حكومات متعاقبة، عكست كل منها تحولات في المزاج السياسي الإيطالي تجاه الاتحاد الأوروبي. بدأت هذه المرحلة بحكومة شعبوية خالصة، ضمت حركة النجوم الخمسة وحزب الرابطة اليميني، واتسمت بمواقف تصادمية مع بروكسل، لاسيما بشأن السياسات الاقتصادية والهجرة. [194]

مع تولي ميلوني رئاسة الحكومة تراجع خطابها المتشدد تجــاه مشــروع الاندماج الأوروبــي أســرع مـن المتوقـع، بـل اتخـذت خطـوات فـي الاتجاه العكسـي الـذي يوحـي بـأن اهتمامهـا بـدول الجـوار الأوروبـي – بـل بمشـروع ُ التكامــل – يســير علــى خطــى ســلفها الوســطي البرجماتــي ”ماريــو دراجــي”.وقـد تجلـت هـذه السياسـة الداعمـة للمشـروع الأوروبـي فـي عـدد مـن المظاهـر؛ أهمهـا اختيـار أنطونيـو تاجانـي فـي منصـب وزيـر الخارجيـة، بمـا هـو معـروف عنـه مـن اطـلاع علـى نظـم العمـل فـي بروكسـل، كمـا شـغل منصـب المفـوض الأوروبي ورئيس البرلمان الأوروبي، فضلا عــن قيامهــا بزيــارة إلــى بروكســل فــي أول زيــارة خارجيــة لهــا عقــب انتخابهــا فــي نوفمبــر٢٠٢٢ .[195]

خففت ميلوني من حدة خطابها المناهض للاتحاد الأوروبي في أعقاب صدور نتائج الانتخابات البرلمانية الأوروبية 2024، حيث إن حزبها “إخوان إيطاليا” فاز بنسبة ٢٨.٨% من الأصوات، أي أكثر من أربعة أضعاف ما حصل عليه في انتخابات الاتحاد الأوروبي الأخيرة في عام ٢٠١٩، ويتجاوز نسبة ٢٦% التي حصل عليها في الانتخابات الوطنية عام ٢٠٢٢، عندما وصل إلى السلطة. ما دفع ميلوني إلي قول “إن ما نحتاج إليه هو أوروبا التي تستمع إلى المواطنين، والتي تنظر أكثر إلى يمين الوسط، وتنتهج سياسات أكثر براغماتية وأقل أيديولوجية”، مضيفة أنه في ضوء النتائج، سيكون لإيطاليا بالضرورة دور أساسي في الاتحاد الأوروبي.[196]

ختامًا، تُبرز تجربة اليمين الشعبوي في إيطاليا مدى التحوّل الذي طرأ على أولويات الدولة في ملفات الهجرة والسياسة الخارجية، حيث اتسم خطاب هذه التيارات بتشدد قومي ورفض للمنظومة الأوروبية التقليدية، إلى جانب توجه براغماتي في التعامل مع القوى الكبرى. وقد انعكس ذلك في سعيها لإعادة تعريف المصالح الوطنية خارج الأطر المؤسسية المعتادة، لا سيما من خلال انتقاد السياسات الأوروبية الموحدة والدعوة إلى استعادة السيادة الوطنية في صنع القرار. وفي هذا السياق، يظهر أن الشعبوية لم تعد مجرد توجه احتجاجي، بل أصبحت قوة فاعلة تُسهم في صياغة السياسات العامة، وهو ما يستدعي فهمًا أعمق لتأثيراتها المتعددة، خاصة في ظل بيئة دولية تتسم بعدم اليقين وتزايد الضغوط على النظم الليبرالية التقليدية.

خاتمــة الدراســـة

شكّل صعود اليمين الشعبوي خلال العقدين الأخيرين أحد أبرز التحولات في الساحة السياسية لعدد من الديمقراطيات الغربية، حيث استطاعت هذه القوى الانتقال من الهامش إلى مراكز السلطة، مما انعكس بوضوح على توجهات السياسة الخارجية في عدد من الدول. وانطلقت هذه الدراسة من فرضية رئيسية مفادها أن الشعبوية اليمينية تؤثر في السياسة الخارجية من خلال إعادة تعريف المصالح الوطنية، وإعادة ترتيب الأولويات الخارجية على أسس تميل إلى القومية والانغلاق والابتعاد عن الأطر متعددة الأطراف. وقد ساعدت الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي مرّت بها العديد من الدول، خاصة بعد الأزمات المالية وموجات الهجرة، على تمهيد الطريق أمام هذه القوى لتكسب شرعية شعبية واسعة، وتطرح رؤى مختلفة لإدارة علاقات الدولة الخارجية.

تناولت الدراسة هذه الظاهرة من خلال ثلاثة مستويات مترابطة؛ أولًا: التعريف باليمين الشعبوي وخصائصه والعوامل التي ساهمت في صعوده، ثانيًا: تحليل نظري لتأثير هذا الصعود في مجالات محددة في السياسة الخارجية كالهجرة والاقتصاد والعلاقات الدولية، ثالثًا: دراسة تطبيقية لحالتي الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا، حيث تم توثيق كيف أثّر صعود هذا التيار في مواقف الدولتين من قضايا مثل الهجرة، والمؤسسات الدولية، والعلاقات مع القوى الكبرى. وقد تم الاعتماد في التحليل على الربط بين التحولات الداخلية والديناميكيات الخارجية، لفهم الكيفية التي انعكست بها التغيرات السياسية على السلوك الخارجي للدولتين. كما تم الأخذ بعين الاعتبار التباينات في السياق المؤسسي والتاريخي لكل حالة، مما أتاح مقاربة أكثر دقة لطبيعة التأثير وحدوده في كل تجربة.

كما أظهرت الدراسة أن الشعبوية اليمينية في الحالتين المدروستين اتخذت مواقف تتسم بالتحفظ تجاه التعاون الدولي، والانسحاب من بعض الاتفاقيات، واعتماد خطاب يميل إلى النزعة القومية والتشكيك في جدوى النسق الليبرالي العالمي. وقد كان لهذا التحول أثر ملموس على عدد من المسارات التي ظلت لعقود تمثل توجهًا ثابتًا في السياسة الخارجية، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع المنظمات متعددة الأطراف، والتزامات الدولة تجاه الشراكات الدولية. وقد ارتبط هذا التحول أيضًا بإعادة ترتيب أولويات السياسة الخارجية بما يخدم الاعتبارات الداخلية ويستجيب لضغوط القواعد الانتخابية التي دعمت صعود هذه التيارات.

ختامًا، توصلت الدراسة إلى أن صعود اليمين الشعبوي يمثل عاملًا مؤثرًا في إعادة تشكيل السياسة الخارجية للدول، من خلال تبني مواقف أكثر قومية وانعزالية، وهو ما يستدعي من الباحثين وصناع القرار الانتباه إلى هذه التحولات، لما تحمله من تبعات محتملة على استقرار النسق الدولي وتوازناته المستقبلية.

نتائج الدراســـة

تتمثل النتائج التي توصلت إليها الدراسة في النقاط التالية:

  • الشعبوية اليمينية تمثل نمطًا سياسيًا مؤثرًا في السياسة الخارجية، وليست ظاهرة داخلية فقط؛ إذ إن وصولها إلى السلطة يؤدي إلى إعادة ترتيب أولويات الدولة على الساحة الدولية، بما يتماشى مع رؤاها القومية والرافضة للعولمة.
  • تتسم السياسة الخارجية تحت حكم التيارات اليمينية الشعبوية بطابع أحادي وانعزالي، حيث تميل هذه التيارات إلى تفضيل السيادة الوطنية على الانخراط في ترتيبات التعاون متعدد الأطراف، ما يؤثر على مكانة الدول داخل النسق الدولي.
  • قضايا الهجرة تُعد من أبرز مجالات تأثير اليمين الشعبوي في السياسة الخارجية، حيث يتم تصويرها كتهديد للهوية والأمن القومي، ما يدفع إلى تبني سياسات متشددة تجاه اللاجئين والمهاجرين، بل والتشدد في المفاوضات مع الدول والمنظمات ذات الصلة.
  • الشعبوية لا تُنتج سياسة خارجية موحّدة، بل تتأثر بالسياق الوطني والمؤسسي، لكنها تشترك عمومًا في مواقف متحفظة تجاه الانخراط الدولي، وتفضيل القرارات التي تلبّي مصالح وطنية ضيقة.
  • صعود الشعبوية يطرح تحديات جدية أمام استقرار النسق الدولي، إذ يؤدي إلى تراجع الالتزام الجماعي بالقانون الدولي والمؤسسات متعددة الأطراف، ويزيد من احتمالات التصادم بين القوى الكبرى.
  • رغم الطابع التصادمي للشعبوية في السياسة الخارجية، إلا أن قدرتها على إحداث تغييرات جذرية تظل مرهونة بالقيود المؤسسية، مثل النظام السياسي الداخلي، والضغوط من الفاعلين الاقتصاديين والدوليين.

يُمكن أن نقارن بين تأثير صعود اليمين الشعبوي في السياسة الخارجية لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا من خلال النقاط التالية:

أولًا: الفوارق المؤسسية والهيكلية

  • هيكل النظام السياسي

يمنح النظام الرئاسي الأمريكي رئيس الجمهورية سلطات تنفيذية واسعة، خاصة في مجالات السياسة الخارجية والدفاع، مكّنت هذه الصلاحيات خاصة مع بروز قيادة شعبوية كاريزمية -متمثلة في دونالد ترامب- من تنفيذ التوجهات الشعبوية بشكل مباشر، دون الحاجة إلى توافقات حزبية أو مؤسساتية موسعة. وقد تُرجم ذلك في الخطابات القومية الشعبوية التي تصدرها شعار “أمريكا أولًا”، وإصدار قرارات فاصلة مثل الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ، ومنظمة الصحة العالمية.

بينما تُدار إيطاليا وفق نظام برلماني يقوم على التعددية الحزبية والائتلافات الحكومية. هذا الإطار المؤسسي يُقيّد إلى حد كبير قدرة الأحزاب الشعبوية على فرض رؤاها في السياسة الخارجية بشكل منفرد. فرغم صعود أحزاب مثل “الرابطة” بزعامة ماتيو سالفيني و”إخوة إيطاليا” بزعامة جورجيا ميلوني، إلا أن قرارات السياسة الخارجية ظلت محكومة بالتوازنات داخل الحكومة، وبالقيود المرتبطة بعضوية إيطاليا في الاتحاد الأوروبي، مع تماهي الخط الفاصل بين ما هو شأن داخلي أو خارجي في السياسة الإيطالية.

  • الموقع من النسق الدولي

يتفاوت موقع كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا داخل النسق الدولي من حيث الوزن الاستراتيجي، والقدرة على التأثير في النظام الدولي، والاستقلالية في صنع القرار الخارجي، حيث انعكس ذلك في مدي تأثير صعود اليمين الشعبوي في السياسة الخارجية لكل دولة على حدى.

تُعد الولايات المتحدة فاعلًا مركزيًا وإحدى اقطاب النسق الدولي، كما تتمتع باستقلالية عالية عن أي إلتزامات فوق قومية، مما يسمح لها بإعادة صياغة سياستها الخارجية وفقًا لرؤى التيار الحاكم دون الحاجة إلى توافقات دولية، كما يُضفي على أي تحوّل داخلي – كصعود اليمين الشعبوي – أثرًا عالميًا واسع النطاق.

في المقابل، تأتي إيطاليا في موقع أقل تأثيرًا داخل النسق الدولي، وتُعد فاعلًا ثانوياً مرتبطًا بنيويًا بمنظومة الاتحاد الأوروبي. وهذا الانتماء يحدّ من حركتها في مجال السياسة الخارجية، خاصةً في القضايا الاستراتيجية والأمنية، مما يُخضع قراراتها الخارجية لأُطر جماعية ويُضعف من قدرة الأحزاب الشعبوية على فرض تحول راديكالي في هذا المجال؛ لذا تضطر هذه الأحزاب إلى التوجه نحو تبني نهج “التوازن الناعم” في العلاقات الخارجية.

ثانيًا: إنعكاس توجهات اليمين الشعبوي على قضايا السياسة الخارجية

  • الهجرة واللاجئون

في الولايات المتحدة، ركزت إدارة دونالد ترامب على تقليص الهجرة بكافة الوسائل، من إصدار أوامر تنفيذية بحظر دخول مواطني دول إسلامية، إلى بناء الجدار الحدودي مع المكسيك، وتنفيذ عمليات ترحيل جماعية، وفصل الأطفال عن ذويهم في مراكز الاحتجاز. وقد اتسم هذا النهج بخطاب صريح يصوِّر المهاجرين بوصفهم تهديدًا مباشرًا للأمن القومي والهوية الثقافية للبلاد.

أما في إيطاليا؛ فقد كانت قضية الهجرة أيضًا في صلب أجندة اليمين الشعبوي، حيث اتبع ماتيو سالفيني سياسة “الموانئ المغلقة”، ورفض استقبال سفن إنقاذ اللاجئين. وعززت حكومة جورجيا ميلوني هذا التوجه عبر توقيع اتفاق مع ألبانيا لترحيل طالبي اللجوء، كما قيدت عمل منظمات الإنقاذ غير الحكومية، واعتبرت الهجرة غير النظامية تهديدًا سياسيًا وأمنيًا.

أظهرت مواقف اليمين الشعبوي في الحالتين تشابهاً في التشدد تجاه اللاجئين والمهاجرين، وفي توظيف الهجرة كأداة سياسية، رغم اختلاف الأدوات التنظيمية والسياقات القانونية بين النظامين الأمريكي والإيطالي.

  • الموقف من المؤسسات الدولية

تبنّت الولايات المتحدة، في ظل إدارة ترامب، موقفًا متشددًا تجاه المؤسسات الدولية، التي اعتبرها ترامب تقيد القرار السيادي الأمريكي، وتخدم مصالح خارجية على حساب المواطنين، حيث انتقد منظمة التجارة العالمية، وهدد بالخروج من حلف الناتو، معتبرًا أن هذه الكيانات تعيق حرية واشنطن في اتخاذ قراراتها، وتقوم هذه الرؤية على أن العولمة والمؤسسات متعددة الأطراف أسهمت في “تآكل الديمقراطية الوطنية”، وأن استعادة السيادة تتطلب فك الارتباط مع هذه الهياكل فوق القومية.

أما في إيطاليا فقد سلكت الحكومات الشعبوية مسارًا ناقدًا للاتحاد الأوروبي، لا سيما حكومة كونتي، التي هددت بتجميد المساهمات في ميزانيته. إلا أن حكومة ميلوني خففت لاحقًا من الخطاب المتشدد، وأكدت إلتزامها بالتكامل الأوروبي، مع إعادة تعريف دور إيطاليا ضمن المشروع الأوروبي دون الصدام المباشر مع مؤسساته.

تشترك الولايات المتحدة وإيطاليا في انتقاد المؤسسات فوق القومية، لكن الولايات المتحدة تبنّت مقاربة صدامية وانسحابية واضحة، في حين لجأت إيطاليا إلى التكيف البراغماتي لضمان مصالحها ضمن النظام الأوروبي.

  • الحمائية الاقتصادية

اعتمدت إدارة ترامب نهجًا اقتصاديًا حمائيًا صريحًا، تمثل في الانسحاب من اتفاقيات تجارية مثل الشراكة عبر المحيط الهادئ، وإعادة التفاوض على “نافتا”، وفرض تعريفات جمركية على الصين والاتحاد الأوروبي. وجاء ذلك ضمن خطاب قومي يرفع شعار “أمريكا أولًا”، ويركز على حماية الصناعة المحلية وتقليل الاعتماد على الاقتصاد العالمي.

أما في إيطاليا، فلم تتخذ الحكومات الشعبوية خطوات تصادمية مماثلة، لكنها اتجهت إلى عقد شراكات بديلة، من أبرزها توقيع مذكرة تفاهم مع الصين ضمن مبادرة “الحزام والطريق”، بهدف جذب الاستثمارات في محاولة لتقوية النفوذ الاقتصادي الإيطالي، وتنويع الشراكات خارج الإطار الأوروبي، دون الدخول في مواجهة مباشرة مع النظام التجاري الدولي.

اشترك اليمين الشعبوي في الحالتين في تبني خطاب اقتصادي قومي، لكن الولايات المتحدة استخدمت أدوات تصادمية مباشرة، بينما فضّلت إيطاليا اتباع نهج براغماتي قائم على تنويع الشركاء واستثمار التوازنات الدولية.

  • نهج العلاقات مع القوى الكبري

عكست سياسة ترامب الخارجية تجاه الصين وروسيا الثنائية القائمة بين الصدام والانحياز الإيديولوجي، حيث إن الصين كانت هدفًا مباشرًا للسياسة الحمائية التي تبنّاها ترامب ضمن إطار قومي اقتصادي. أما روسيا، فقد تعامل معها ترامب بمرونة نسبية، حيث يرى ترامب في موسكو شريكاً محورياً في المواجهة الجيوسياسية مع بكين. ومن ثمّ، إتبعت الولايات المتحدة في علاقاتها الخارجية نهج التحالفات الإنتقائية.

على صعيد آخر، تكشف حالة إيطاليا عن نمط مميز من “الشعبوية البراغماتية” في السياسة الخارجية، حيث يُوظَّف الخطاب القومي لتعزيز الموقع التفاوضي للدولة دون أن يقترن ذلك بالانعزال أو رفض المنظومة الغربية. فقد حافظت الحكومة الإيطالية على علاقات وثيقة مع واشنطن واضطلعت بدورًا بناءًا في الاتحاد الأوروبي، في حين عززت علاقتها الاستراتيجية والاقتصادية مع كلا من الصين وروسيا. ومن ثمّ، تؤكد التجربة الإيطالية قدرة بعض الحكومات الشعبوية على تبني سياسة خارجية واقعية ومتوازنة، تجمع بين المصالح الوطنية والانخراط في النظام الدولي.

وبناءً على ما سبق من تحليل، تُظهر المقارنة بين حالتي الولايات المتحدة وإيطاليا أن صعود اليمين الشعبوي لم يؤدِ إلى نمط موحد في السياسة الخارجية، بل جاء التأثير متفاوتًا وفق الإطار المؤسسي والموقع داخل النسق الدولي لكل دولة. ففي الولايات المتحدة، منح النظام الرئاسي الرئيس ترامب صلاحيات تنفيذية واسعة، مكّنته من توجيه السياسة الخارجية بشكل مباشر نحو الانسحاب من الاتفاقيات الدولية، وتبنّي نهج أحادي قائم على أولوية المصالح الوطنية. أما في إيطاليا، فقد حالت الطبيعة الخاصة للنظام البرلماني، والانخراط العميق في الاتحاد الأوروبي، دون حدوث قطيعة واضحة مع السياسات التقليدية، ما دفع الحكومات الشعبوية إلى اتباع سياسة خارجية أكثر توازنًا ومرونة داخل الأطر القائمة.

ورغم وجود قواسم مشتركة بين التجربتين، كالتشدد تجاه الهجرة وانتقاد المؤسسات فوق القومية، إلا أن الأدوات المستخدمة والنتائج المتحققة اختلفت بشكل لافت. فقد اتجهت الولايات المتحدة نحو التصعيد والمواجهة، بينما اعتمدت إيطاليا على البراغماتية وإعادة التموضع داخل النسق القائم. وهو ما يدل على أن تأثير الشعبوية لا يمكن فصله عن السياقات الوطنية الخاصة، وأن دراسة هذا التأثير تستدعي فهمًا مزدوجًا للبُعد الأيديولوجي من جهة، والإطار المؤسسي والتموضع داخل النسق الدولي من جهة أخرى.

قائمة المراجع

أولًا: المراجع باللغة العربية:

  • الكتب العلمية:
  • إبراهيم، عزت، صعود ترامب “تحولات السياسة الأمريكية في القرن الواحد والعشرين“، (القاهرة: المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، يناير٢٠٢٥).
  • عسكر، أحمد، صعود اليمين المتطرف في أوروبا: مؤشراته وعواقبه (الرياض: التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، ٢٠٢٤).
  • هيود، أندرو، مدخل الي الايديولوجيات السياسية (القاهرة: المركز القومي للترجمة،٢٠١٢).
  • الدوريات العلمية:
  • البرصان، أحمد سليم، “مفهوم اليمين المتطرف وجذوره الفكرية في الغرب”، التقرير الاستراتيجي الخامس عشر، الرياض: مجلة البيان والمركز العربي للدراسات الإنسانية، (٢٠١٨)، ص ١١-٢٨.
  • العادلي، أسامة، عبد المطلب، علي، “صعود اليمين المتطرف في غرب أوروبا وتداعياته: دراسة مقارنه بين حالتي فرنسا ألمانيا”، مجلة الدراسات السياسية والاقتصادية، العدد 2، (أكتوبر ٢٠٢٣)، ص ٣٩٢-٤٣٦.
  • العادلي، أسامه، قاسم، وليد، “قادة اليمين الشعبوي وسياسات تغير المناخ: دراسة حالة الولايات المتحدة الامريكيه في عهد دونالد ترامب”، مجلة كلية السياسة والاقتصاد، العدد٢٣، (يوليو٢٠٢٤)، ص ٩٢-١١٥.
  • العادلي، أسامه، عبد المطلب، علي، “مستقبل الاتحاد الأوروبي في ظل تنامي الاتجاهات اليمينية المتطرفة”، مجلة كلية السياسة والاقتصاد، العدد ٢١، (يناير ٢٠٢٤)، ص ٩٢-١١٥.
  • الموساوي، عبد الحميد، مجيد، حسام الدين، “الشعبوية في الشرق الاوسط ماهية الخطاب وخصائصة المقارنة”، مجلة العلوم السياسية، العدد٥٨ (أبريل ٢٠١٩)، ص ٥٩-١٠٢.
  • الجابري، احمد ستار، “أحزاب االيمين المتطرف في أوروبا: دراسة في الأفكار والدور السياسي“، مجلة دراسات دولية، العدد ٣٥، ص ٤٧-٦٢.
  • الدهلكي، خضير، داود، عماد، العلاقة بين روسيا واليمين الاوروبي الشعبوي المتطرف: الدوافع والتوظيف السياسي، مجلة قضايا سياسية، العدد٧٢، (٢٠٢٣)، ص ١٠٣-١٢٣.
  • الدهلكي، خضير،” الحركات الشعبوية في اوروبا وتأثيرها السياسي حركة خمس نجوم نموذجاً”، المجلة السياسية والدولية، العدد٤٤، (سبتمبر٢٠٢٠)، ص ٤٦٣-٤٨١.
  • الدهلكي، خضير، علوان، إبتسام “الأحزاب اليمينية الشعبوية الأوروبية المتطرفة الأيدلوجيات والسياسات”، مجلة قضايا سياسية، العدد٦٩، (يوليو٢٠٢٢)، ص ١٧١-١٩٥.
  • “برجماتية اليمين: أبعاد السياسة الخارجية الإيطالية في عهد جورجيا ميلوني”، إنترريجونال للتحليلات الأستراتيجية، العدد ١٦٨، (مارس ٢٠٢٣)، ص ١-٦.
  • بشارة، عزمي، ” الشعبوية والأزمة الدائمة للديمقراطية”، مجلة سياسات عربية، العدد٤٠، (سبتمبر ٢٠١٩)، ص ٧-٢٨.
  • حسين، مصطفي، ” الاتحاد الأوروبي وظاهرة اليمين المتطرف: البريسكت نموذجًا” مجلة العلوم السياسية، العدد٦١، (٢٠٢١)، ص ٢٠٥-٢٥٨.
  • حركات، أحلام، “صعود اليمين المتطرف بأوروبا: السمات والمخاطر”، مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية، العدد٣٦، (٢٠٢٤)، ص ١٢٢-١٢٨.
  • حمد، ياسين، عبد الرزاق، خالد، ” الشعبوية دراسة في الإطار النظري”، مجلة دراسات دولية، عدد ٧٧-٧٨، (٢٠١٩)، ص ١-٢٧.
  • حسين، أحمد سيد، “السياسة الروسية وإرهاصات ولاية دونالد ترامب الثانية: استراتيجيات استباقية وتحديات”، مجلة السياسة الدولية (ملحق تحولات استراتيجية)، العدد٢٤٠، (أبريل٢٠٢٥)، ص ٥-١٠.
  • راشد، باسم، “تداعيات صعود اليمين المتطرف في أوروبا على سياستها الخارجية تجاة الشرق الاوسط”، ورقة بحثية مقدمة في المؤتمر العلمي الثامن لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية، جامعة الاسكندرية، (فبراير٢٠٢٥)، ص ١-٢٦.
  • راشد، باسم، “براجماتية محسوبة: توجهات السياسة الخارجية الإيطالية في عهد “ميلوني” تجاه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، كراسات استراتيجية، العدد٣٦٧، (ديسمبر٢٠٢٤)، ص١٢-٢٤.
  • راشد، باسم، “استعدادات أوروبا للتحول في السياسة الأمريكية خلال إدارة ترامب الثانية”، مجلة السياسة الدولية (ملحق تحولات استراتيجية)، العدد٢٤٠، (أبريل٢٠٢٥)، ص١١-١٤.
  • صافي محمود، محمود، “أثر صعود أحزاب اليمين المتطرف على حالة الديمقراطية في النظم السياسية الأوروبية: رؤية مقارنة.” مجلة كلية السياسة والاقتصاد، المجلد ٢٢، العدد ٢١، (يناير ٢٠٢٤)، ص ٢٠٧-٢٣٧.
  • عبد العظيم، أحمد ياسر، “مستقبل اليمين المتطرف وتداعياته على الاتحاد الأوروبي”، آفاق مستقبلية، العدد٣، (يناير٢٠٢٣)، ص ٤٨٤-٤٩٤.
  • عرفات، الشيماء، ” الخريطة الحزبية في إيطاليا”، المركز المصري للفكر والدراسات الأستراتيجية، (مارس ٢٠٢١)، ص ٩-٢٣.
  • قاسم، وليد “تأثير الهجرة الدولية على صعود أحزاب اليمين الراديكالي: دراسة حالة ألمانيا”، مجلة كلية الأقتصاد والعلوم السياسية، المجلد٢٥، العدد ٣، (يوليو٢٠٢٤)، ص ٢٠٥-٢٨٣.
  • كامل، مصطفي، “السياسة الخارجية لترامب :استقراء بين الولاية السابقة والمتوقعة“، ورقة بحثية، مركز البيان للدراسات والتخطيط، (٢٠٢٤)، ص٣-١٧.
  • لعروستي، محمد عصام، “صعود الأحزاب اليمينية الشعبوية في أوروبا: الأبعاد والتداعيات”، أبعاد للدراسات الإستراتيجية، (أبريل٢٠٢٣)، ص ٤-٣١.
  • محمود، بهاء، “السياسة الخارجية لإيطاليا”، المركز المصري للفكر والدراسات الأستراتيجية، (مارس٢٠٢١)، ص ٢٩-٣٢.
  • محمود، صدفة محمد “أنماط تعامل دول أمريكا اللاتينية والكاريبي مع الولاية الثانية لدونالد ترامب”، مجلة السياسة الدولية (ملحق تحولات استراتيجية)، العدد٢٤٠، (أبريل٢٠٢٥)، ص٢٤-٢٨.
  • مخيط أبو صليب، فيصل، “الشعبوية في السياسة الأمريكية: حالة إدارة الرئيس دونالد ترامب (٢٠١٧-٢٠٢١)، سياسات عربية ١١، العدد ٦٤ (نوفمبر ٢٠٢٣)، ص ٩٩-١١٢.
  • ماركو، جون “اليمين المتطرف يغزو الديمقراطيات الأوروبية”، ترجمة مالك عوني، السياسة الدولية، المجلد ٣٧، العدد ١٤٩، (يوليو ٢٠٠٢)، ص ١٩٢-١٩٧.
  • الرسائل العلمية:
  • حواس، نادية فرحان، الشعبوية في الفكر السياسي الأمريكي المعاصر (رسالة ماجستير، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، ٢٠٢١).
  • جميل، زه ري نوزاد، النسق السياسي العقيدي للرئيس دونالد ترامب وتأثيره في السياسة الخارجية الأمريكية (رسالة ماجستير، كلية العلوم الاقتصادية والإدارية قسم العلاقات الدولية، جامعة الشرق الأدنى،٢٠٢١).
  • صلاح، عمرو عبد العزير، أثر التوجهات اليمينية الشعبوية على السياسية الخارجية الأمريكية في ظل رئاسة ترامب (رسالة ماجستير، كلية الدراسات الإقتصادية والعلوم السياسية، جامعة الإسكندرية، ٢٠٢٣).
  • المواقع الإلكترونية:
  • أنور، أحمد، “رغم علاقتها الجيدة بترامب.. ميلوني تمتثل لأوروبا وتعيد تسليح الجيش الإيطالي”، القاهرة الأخبارية، ١٣ مارس ٢٠٢٥، شوهد في ١/٥/٢٠٢٥, على الرابط https://alqaheranews.net/news/12056/
  • “الإعلام الشعبوي: أنماط التوظيف واحتمالات الاستمرار”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ، ١٥ مارس ٢٠٢٣ شوهد في ١٨/٤/٢٠٢٥ على الرابط https://acpss.ahram.org.eg/News/17057.aspx
  • الدهلكي، خضير، “عودة ترامب للبيت الأبيض بين ترحيب اليمين المتطرف ومخاوف الأوروبيون”، مركز البيان للدراسات والتخطيط، (٢٠٢٥)، ٧/١/٢٠٢٥، شوهد في ١/٥/٢٠٢٥ على الرابط https://www.bayancenter.org/2025/01/13050/
  • بنافي، ريناس، “صعود اليمين المتطرف: الأسباب والتداعيات – دراسة تحليلية.” المركز الديمقراطي العربي، ١٢ مايو ٢٠١٧ شوهد في ١٨/٤/٢٠٢٥ على الرابط

  https://democraticac.de/?p=46400

ثانيًا: المراجع باللغة الإنجليزية:

  • Books
  • Andrew Geddes, The Politics of Migration and Immigration in Europe, 3rd ed. (London: SAGE Publications, 2023).
  • Biancalana, Cecilia, “Italy’s Multiple Populisms Facing the Russo-Ukrainian War,” in The Impacts of the Russian Invasion of Ukraine on Right-wing Populism in Europe, Gilles Ivaldi and Emilia Zankina (Brussels: European Center for Populism Studies, 2023).
  • Blockmans, Steven, and Russack, Sophia, Representative Democracy in the EU..Recovering Legitumacy, (London: Rowman & Littlefield International LTD, 2019),
  • Clapton, William, Immigration, Risk, and Security Under the Trump Administration: Keeping ‘Undesirables’ Out (Sydney: School of Social Sciences, UNSW Sydney, 2022).
  • Diodato, Emidio, and Niglia, Federico, Berlusconi: The Diplomat, Populism and Foreign Policy in Italy (Cham, Switzerland: Springer Nature Switzerland AG, 2019),
  • Mudde, Cas, Populist Radical Right Parties in Europe (Cambridge: Cambridge University Press, 2007).
  • Schori Liang, Christina, Europe for the Europeans: The Foreign and Security Policy of the Populist Radical Right, (London: Routledge, 2016).
  • Givens, Terri, Voting Radical Right in Western Europe (Cambridge: Cambridge University Press, 2005).
  • Göçek, Naz, Transatlantic Turmoil: Populist Parties and NATO Membership in the European Union (California, Stanford University, 2020).
  • Gruszczynski, Lukasz, and Lawrence, Jessica, “Trump, International Trade and Populism,” in Netherlands Yearbook of International Law (2018), Vol. 49, ed. J. Nijman and W. Werner (The Hague: T.M.C. Asser Press, 2019).
  • Hans-Georg Betz, “Conditions Favouring the Success and Failure of Radical Right-Wing Populist Parties in Contemporary Democracies,” in Democracies and the Populist Challenge, ed. Yves Mény and Yves Surel (London: Palgrave Macmillan, 2002).
  • Scientific journals
  • Ambrosini, Maurizio, “The Populist Far Right Paradox: The Identification of the Enemy and Its Exceptions in the Immigration Policies of the Meloni Government in Italy,” Comparative Migration Studies, Vol. 13, No. 1, (2025), pp. 1–19.
  • Balnaves, Hugo, et al, “European Populism in the European Union: Results and Human Rights Impacts of the 2019 Parliamentary Elections,” Global Campus Human Rights Journal 4, no. 1, (2020), pp. 176–200.
  • Beghdadi, Farouk, “Could Trump ‘Make America Great Again’ with His Protectionist Policy?”, Ennass Journal, Vol. 8, No. 3, (2021), pp. 716–725.
  • Béland, Daniel, “Right-Wing Populism and the Politics of Insecurity: How President Trump Frames Migrants as Collective Threats,” Political Studies Review, Vol. 18, No. 2, (2020), pp. 162–177.
  • Boswell, Christina, “Externalization of Migration Governance in the EU: New Developments after 2020.” Journal of European Public Policy, Vol. 31, No. 2, (2024), pp. 234–252.
  • Brighi, Elisabetta, and Serena, Giusti, “Italian Diplomacy and the Ukrainian Crisis: The Challenges (and Cost) of Continuity,” Contemporary Italian Politics, Vol. 15, No. 2, (2023), pp. 190–204.
  • Coticchia, Fabrizio, “A Sovereignist Revolution? Italy’s Foreign Policy under the ‘Yellow–Green’ Government”, Rivista Italiana di Scienza Politica, Vol. 51, No. 3, (2021), pp. 739–759.
  • Cusumano, Eugenio, and Villa, Matteo, “From ‘Angels’ to ‘Vice Smugglers’: The Criminalization of Sea Rescue NGOs in Italy,” European Journal on Criminal Policy and Research, 7, (2020), pp. 23–40.
  • Eshbaugh-Soha, Matthew, and Barnes, Kenlea, “The Immigration Rhetoric of Donald Trump,” Presidential Studies Quarterly, Vol. 51, No. 4, (December 2021), pp. 781–801.
  • Fabbrini, Sergio, and Zgaga, Tiziano, “Italy and the European Union: The Discontinuity of the Conte Government,” Contemporary Italian Politics, Vol. 11, No. 3, (2019), P. 280–293.
  • Fletcher, Bill, ‘Stars and Bars’: Understanding Right-Wing Populism in the USA,” Socialist Register, (2016), pp. 296–311.
  • Gary Schrank, Phillip, “The Rise of Populism and the Future of NATO,” Global Politics Review, Vol. 3, No. 2, (October 2017), pp. 53–62.
  • Giurlando, Philip, “Populist foreign policy: the case of Italy”, Canadian Foreign Policy Journal, Vol. 27, No. 2, (2021), pp. 251–267.
  • Golder, Matt, “Far Right Parties in Europe,” Annual Review of Political Science, Vol. 19, No. 1, (2016). pp. 477–497.
  • Hans-Georg Betz, & Carol Johnson, “Against the current _ stemming the tide: The nostalgic ideology of the contemporary radical populist right”, Journal of Political Ideologies, vol. 9, No. 3, (2024), p. 311–327.
  • Haynes, Jeffrey, “Right-Wing Populism and Religion in Europe and the USA,” Religions, Vol. 11, N 10 (2020), pp. 1–18.
  • Humble, Kristian, “Populism and the Threat to International Law,” Laws, Vol. 11, No. 3 (2022), 1–12.
  • Jacky Kaba, Amadu, “United States Immigration Policies in the Trump Era,” Journal of International Migration and Integration, Vol. 9, (October 2019), pp. 316–349.
  • jones, Kent, “Populism, Globalization, and the Prospects for Restoring the WTO”, Politics and Governance, Vol.11, 1, (2023), pp. 181–192.
  • Klaus, Larres, “Trump’s Trade Wars: America, China, Europe, and Global Disorder.” Journal of Transatlantic Studies, 18, No. 1, (2020), pp. 103–129.
  • Krieger, Heike, “Populist Governments and International Law,” European Journal of International Law, 30, No. 3, (2019), pp. 971–996.
  • Lavenex, Sandra, “The External Dimension of European Migration Governance: A Critical Analysis.” European Political Science, Vol. 17, N 3, (2018), pp. 417–443.
  • Leonard Fischer, Carl, and Lorenz Meister, “Economic Determinants of Populism,” DIW Roundup: Politik im Fokus, (August 2023), pp. 1–12.
  • Moreira, Melina, “International Law under Far-Right Governments: A Comparison between the Administrations of Donald Trump and bolsonaro,” Seqüência: Estudos Jurídicos e Políticos, Vol. 43, No. 90, (2022), pp. 1–28.
  • Mudde, Cas, “Fighting the System? Populist Radical Right Parties and Party System Change,” Party Politics, 20, No. 2, (March 2014), pp. 217–226.
  • Nader Nourbakhsh, et al, “Rise of the Far Right Parties in Europe: From Nationalism to Euroscepticism,” Geopolitics Quarterly, 18, No. 4, ( 2023), pp. 47–70.
  • Olaniyi, Evans, “The Effects of US-China Trade War and Trumponomics.” Forum Scientiae Oeconomia, Vol. 7, No. 1, (2019), pp. 47–55.
  • Pacciardi, Agnese, et al, “Beyond Exit: How Populist Governments Disengage from International Institutions.” International Affairs, 100, No. 5, (September 2024), pp. 2025–2045.
  • Populism, Protectionism and Paralysis,” Intereconomics: Review of European Economic Policy, 55, No. 1, (January/February 2020). p. 1-2.
  • Pugliese, Giulio, et al, “Italy’s Embrace of the Belt and Road Initiative: Populist Foreign Policy and Political Marketing”, International Affairs, Vol.1 98, No. 3, (2022), pp.1033–1051.
  • Rodrik, Dani, “Why Does Globalization Fuel Populism? Economics, Culture, and the Rise of Right-Wing Populism.” Annual Review of Economics, Vol. 13, (August 2021), 133–170.
  • Schroeder, Ralph, “Digital Media and the Entrenchment of Right-Wing Populist Agendas.” Social Media + Society, Vol. 5, No. 4, (2019), pp. 1–11.
  • Voeten, Erik, “Populism and Backlashes against International Courts,” Perspectives on Politics, 18, No. 2, (2019), pp. 407–422.
  • Zhirkov, Kirill, Nativist but not alienated: A Comparative Perspective on the radical right vote in Western Europe, Party Politics, Vol. 20, No. 2, (December 2013), pp. 286–296.
  • Electronic Websites
  • A far-right leader could soon take the helm in EU member country Austria. Here’s why it matters.” AP News, January 2025, accessed on 18/ 4/2025, availableat,https://apnews.com/article/d5de1b28909f9e469d8151a057dbb4ed.
  • Alter, Charlotte, “Transcript: Read the Full Text of the Fourth Republican Debate in Milwaukee,” Time, 11 November 2015, accessed on 29/ 4/2025, available at, https://time.com/4107636/transcript-read-the-full-text-of-the-fourth-republican-debate-in-milwaukee /.
  • Balmer, Crispian, and Amante, Angelo, “Italy’s PM Meloni comes out on top in EU vote, strengthening her hand”, Reuters, 10 june 2024, accessed on 3/5/2025, available at, https://www.reuters.com/world/europe/italys-pm-meloni-solidifies-top-spot-eu-vote-exit-poll-2024-06-09/.
  • Burwell, Frances, “The art of the transatlantic deal”, Atlantic council, 3 March 2025, accessed on 3/ 5/2025, available at, https://www.atlanticcouncil.org/in-depth-research-reports/report/the-art-of-the-transatlantic-deal/
  • CRF Editors, “Trump’s foreign policy moments”, Council on foreign Relations, accessed on 3/ 5/2025, available at, https://www.cfr.org/timeline/trumps-foreign-policy-moments.
  • Donald Trump Says It Might Be time for the U.S. To Quit the WTO”, Fortune, 25 July  2016, accessed on 29/ 4/2025, available at,  https://fortune.com/2016/07/25/donald-trump-free-trade-wto.
  • Dorman, John, “Trump says American kids might have fewer toys because of his China tariffs — and he’s fine with that”, Business Insider, 30 April, 2025, accessed on 1/ 5/2025, available at, https://www.businessinsider.com/trump-china-tariffs-fewer-dolls-us-children-2025-4.
  • Economic Shocks Encourage People to Vote for Populists.” The Times, November 2019, accessed on 18/ 4/2025, available at, https://www.thetimes.co.uk/article/economic-shocks-encourage-people-to-vote-for-populists-fz9tg5.
  • European Center for Populism Studies, Protectionist Populism”, European Center for Populism Studies, accessed on 25 April 2025, available at, https://www.populismstudies.org/Vocabulary/protectionist-populism/.
  • European Commission. Commission Implementing Regulation (EU) 2018/886 of 20 June 2018 on Certain Commercial Policy Measures Concerning Certain Products Originating in the United States of America and Amending Implementing Regulation (EU) 2018/724. Official Journal of the European Union L 158, 21 June  2018, accessed on 29/ 4/2025, available at,  https://eur-lex.europa.eu/eli/reg_impl/2018/886/oj/eng.
  • Freiheitliche Partei Österreichs (FPÖ). “Recht und Gerechtigkeit.” Freiheitliche Partei Österreichs. Accessed on 19/ 4/2025, available at, https://www.fpoe.at/themen/parteiprogramm/recht-und-gerechtigkeit.
  • Galindo, Gabrielo, “Trump: EU was set to make advantage of US”, Politico, 28 June 2018, accessed on 3/ 5/2025, available at, https://www.politico.eu/article/donald-trump-eu-was-set-up-to-take-advantage-of-us-trade-tariffs-protectionism/.
  • Gijs, Camille, “Trump’s Tariff war empowers Europe’s free traders”, Politico, 22 April 2025, accessed on 3/ 5/2025, available at, https://www.politico.eu/article/us-donald-trump-tariff-war-empowering-eu-europe-free-trade-commission/.
  • Groitl, Gerlinde, “The Good, the Bad, and the Ugly: What Donald Trump’s Return to the White House Means for US Strategic Competition with Russia and China”, Springer Nature link, 5 March 2025, accessed on 3/ 5/2025, available at, https://link.springer.com/article/10.1007/s41358-025-00403-2.
  • Hungarian opposition leader pledges to unlock EU funds if elected.” Reuters, 13 April 2025, accessed on 18/ 4/2025, available at, https://www.reuters.com/world/europe/hungarian-opposition-leader-pledges-unlock-eu-funds-if-elected-2025-04-13/.
  • IGiorgia Meloni, “Il discorso di Giorgia Meloni all’Onu,” AGI, 21 September 2023, accessed on 29/ 4/2025, available at, https://www.agi.it/politica/news/2023-09-21/discorso-integrale-giorgia-meloni-onu-23132383/.
  • International Trade Administration. “USMCA – United States-Mexico-Canada Agreement.”S. Department of Commerce. Accessed on 29/ 4/2025, available at, https://www.trade.gov/usmca
  • “Italy deports 40 migrants to Albania after their asylum applications were rejected,” Euronews, 12 April 2025, accessed on 29/ 4/2025, available at,https://arabic.euronews.com/2025/04/12/italy-deports-40-migrants-to-albania-after-their-asylum-applications-were-rejected.
  • Trump, Donald, “Imposing Sanctions on the International Criminal Court,” The White House, 6 February, 2025, accessed on 19/ 4/2025, available at, https://www.whitehouse.gov/presidential-actions/2025/02/imposing-sanctions-on-the-international-criminal-court /.
  • jones, Kent, “The Populist Damage to the Trading System”, VoxEU – CEPR, 19 jan.2022, accessed on 26 april 2025, available at, https://cepr.org/voxeu/columns/populist-damage-trading-system
  • Le Pen Demanded EU Flag Be Removed for TV Interview,” Politico, 19 April, 2017, accessed on 17/ 4/2025, available at https://www.politico.eu/article/marine-le-pen-demanded-eu-flag-be-removed-for-tv-interview/.
  • Lister, Tim, and Hodge, Nathan, “Trump, Putin and Hungary’s Orban All Share a Disdain for Ukraine. That’s Raising Alarm Bells,” CNN, 5 November 2019, accessed on 21/ 4/2025, available at, https://edition.cnn.com/2019/11/05/europe/hungary-orban-Ukraine-putin-trump-intl/index.html.
  • Lombardi, Chris, “NATO at 70: The Enduring Transatlantic Alliance for Peace and Security,” Euractiv, 3 April 2019, accessed on 21/ 4/2025, available at, https://www.euractiv.com/section/defence-and-security/opinion/nnato-at-70-the-enduring-transatlantic-Alliance-for-peace-and-securit.
  • Lunday, Chris, “Europe is on its own’ after Trump-Zelenskyy clash, EPP’s Weber says,” Politico, 2 March 2025, accessed on 22/ 4/2025, available at, https://www.politico.eu/article/manfred-weber-europe-on-its-own-defense-donald-trump-volodymyr-zelenskyy/.
  • Margalit, Yotam, “Economic Causes of Populism: Important, Marginally Important, or Important on the Margin.” CEPR VoxEU, November 2019, accessed on 18/ 4/2025, available at, https://cepr.org/voxeu/columns/economic-causes-populism-important-marginally-important-or-important-m.
  • “Marine Le Pen: Either the EU Changes or It Will Die,” Politico, 3 February, 2017, accessed on 17/ 4/2025, available at https://www.politico.eu/article/marine-le-pen-either-the-eu-changes-or-it-will-die-france-election-2017-populism-europe.
  • Migranti, Meloni a Scholz: ‘Con le Ong In mare più partenze e rischio tragedie’,” TGCOM24, 26 September 2023, accessed on 29/ 4/2025, available at, https://www.tgcom24.mediaset.it/politica/migranti-meloni-scholz-ong_70396926-202302k.shtml.
  • “O PNR opõe-se à actual Nato,” Ergue-te (formerly PNR), 15 November 2010, accessed on 21/ 4/2025, available at, https://www.partidoergue-te.pt/2010/11/o-pnr-opoe-se-a-actual-nato/.
  • “Populism, the Far Right and EU Integration: Beyond Simple Dichotomies.” Journal of European Integration, 2025, accessed on 18/ 4/2025, available at,https://www.tandfonline.com/doi/full/10.1080/07036337.2025.2434341.
  • Rahman, Mujtaba, “Here’s what a le pen presidency would really mean for France and the EU”, Politico, 5 April 2024, accessed on 25 April 2025, available at, https://www.politico.eu/article/france-what-le-pen-president-would-mean-eu-elections-national-rally.
  • Schneider-Petsinger, Marianne, “US–EU trade relations in the Trump era: which way forward?”, Chattam House, 8 march, 2019, accessed on 1/ 5/2025, available at, https://apo.org.au/node/225401.
  • “Send Rejected Asylum-Seekers to Islands: AfD Leader,” DW, 13 August , 2016, accessed on 17/4/2025, available at  https://www.dw.com/en/send-rejected-asylum-seekers-to-islands-afd-leader/a-19473591.
  • Silva, Hugo, “Social Media and the Rise of Radical Right Populism in Portugal.” Humanities and Social Sciences Communications, 14 June 2024, accessed on 18/ 4/2025, available at, https://www.nature.com/articles/s41599-024-03224-w.
  • solìs, Mireya, “Trump withdrawing from the trans-Pacific partnership”, The Brookings Institution, 24 march 2017, accessed on 25 April 2025, available at, https://www.brookings.edu/articles/trump-withdrawing-from-the-trans-pacific-partnership/#:~:text=,era%20of%20multinational%20trade%20agreements
  • Stille, Alexander, “How Matteo salvini pulled Italy to the far right”,The Guardian, 9 August 2018, accessed on 26 April 2025, available at, https://www.theguardian.com/news/2018/aug/09/how-matteo-salvini-pulled-italy-to-the-far-right.
  • Swanson, Ana, “Trump Says He’ll Rework Global Trading Relations With ‘Reciprocal’ Tariffs”, The New York Times, 13 February, 2025, accessed on 1/ 5/2025, available at: https://tinyurl.com/bdz4fnw4.
  • Tavolo Asilo e Immigrazione. “Appello al Parlamento perché non ratifichi il Protocollo Italia-Albania.” ASGI. 21 November 2023, accessed on 29/ 4/2025, available at, https://www.asgi.it/allontamento-espulsione/tavolo-asilo-e-immigrazione-appello-al-parlamento-perche-non-ratifichi-il-protocollo-italia-albania.
  • Teng, Tina, “Markets unsettled as Trump imposes 25% tariffs on steel and aluminium”, Euro News, 11 February, 2025, accessed on 1/ 5/2025, available at, https://tinyurl.com/mthkyxzm.
  • Trump, Donald, “Read Donald Trump’s Speech on Trade,” Time, 28 June 2016, accessed on 29/ 4/2025, available at, https://time.com/4386335/donald-trump-trade-speech-transcript/.
  • “Trump Speaks in Pennsylvania; Examining Proposed Actions in First 100 Days of Trump Administration.” CNN Newsroom, 22 October 2016, accessed on 29/ 4/2025, available at,  http://transcripts.cnn.com/TRANSCRIPTS/1610/22/cnr.03.html.
  • Vinocur, Nicholas, “EU leaders ink €7.4B economic aid, migration deal with Egypt”, Politico , 17 march, 2024, accessed on 2/ 5/2025, available at, https://www.politico.eu/article/eu-leaders-egypt-e7-4b-economic-aid-migration-deal-italy-greece-belgium-austria-cyprus/.

[1] خضير الدهلكي، “الحركات الشعبوية في اوروبا وتأثيرها السياسي حركة خمس نجوم نموذجًا”، المجلة السياسية والدولية، العدد٤٤، (سبتمبر٢٠٢٠)، ص ٤٦٨.

[2]أسامه العادلي، علي عبد المطلب، “صعود اليمين المتطرف في غرب أوروبا وتداعياته: دراسة مقارنة بين حالتي فرنسا ألمانيا”، مجلة الدراسات السياسية والاقتصادية، العدد الثاني، (اكتوبر٢٠٢٣)، ص ٣٩٦.

[3] خضير الدهلكي، الحركات الشعبوية في أوروبا وتأثيرها السياسي حركة خمس نجوم نموذجا، مرجع سبق ذكره، ص٤٦٩.

[4] أسامة العادلي، وليد قاسم، “قادة اليمين الشعبوي وسياسات تغير المناخ: دراسة حالة الولايات المتحدة الامريكيه في عهد دونالد ترامب”، مجلة كلية السياسة والاقتصاد، العدد٢٣، (يوليو٢٠٢٤)، ص٩٩.

[5] المرجع السابق، ص٩٩.

[6] ياسين حمد، خالد عبد الرزاق، ” الشعبوية دراسة في الإطار النظري”، مجلة دراسات دولية، العددان( ٧٧،٧٨)، ص ٥.

[7] أسامه العادلي، وليد قاسم، مرجع سبق ذكره، ص ٩٧.

[8] أسامه العادلي، وليد قاسم، مرجع سبق ذكره، ص٩٨.

[9] عزمي بشارة،” الشعبوية والأزمة الدائمة للديمقراطية”، مجلة سياسات عربية، العدد٤٠، (سبتمبر ٢٠١٩)، ص ٨.

[10] خضير الدهلكي، الحركات الشعبوية في أوروبا وتأثيرها السياسي حركة خمس نجوم نموذجًا، مرجع سبق ذكره، ص٤٦٥.

[11] أندرو هيود، مدخل الي الايديولوجيات السياسية (القاهرة: المركز القومي للترجمة،٢٠١٢)، ص ٤٣٧.

[12] عبد الحميد الموساوي، حسام الدين مجيد، “الشعبوية في الشرق الاوسط ماهية الخطاب وخصائصة المقارنة”، مجلة العلوم السياسية، (أبريل ٢٠١٩)، ص ٦٢.

[13] أسامة العادلي، وليد قاسم، مرجع سبق ذكره. ص٩٨.

[14] أحمد سليم البرصان، “مفهوم اليمين المتطرف وجذوره الفكرية في الغرب”، التقرير الاستراتيجي الخامس عشر، الرياض: مجلة البيان والمركز العربي للدراسات الإنسانية، التقرير الاستراتيجي الخامس عشر، (٢٠١٨)، ص ١٦.

[15] Cas Mudde, Populist Radical Right Parties in Europe (Cambridge: Cambridge University Press, 2007), P .63.

[16] Cas Mudde, “Fighting the System? Populist Radical Right Parties and Party System Change,” Party Politics, Vol. 20, No. 2, (March 2014), P. 218.

[17] جون ماركو، “اليمين المتطرف يغزو الديمقراطيات الأوروبية”، ترجمة مالك عوني، مجلة السياسة الدولية، المجلد ٣٧، العدد ١٤٩، (يوليو ٢٠٠٢)، ص ١٩٢.

[18] DW, “Send Rejected Asylum-Seekers to Islands: AfD Leader,” DW, 13 August 2016, accessed on 17/4/2025, available at  https://www.dw.com/en/send-rejected-asylum-seekers-to-islands-afd-leader/a-19473591.

[19]حلام حركات، “صعود اليمين المتطرف بأوروبا: السمات والمخاطر”، مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية، العدد٣٦، (٢٠٢٤)،  ص١٢٦.

[20] أحمد عسكر، صعود اليمين المتطرف في أوروبا: مؤشراته وعواقبه (الرياض: التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، ٢٠٢٤)، ص٣.

[21] أحمد عسكر، المرجع السابق، ص٤٠١.

[22] Seyed Nader Nourbakhsh et al, “Rise of the Far-Right Parties in Europe: From Nationalism to Euroscepticism,” Geopolitics Quarterly, Vol. 18, No. 4, (2023), P. 56.

[23] Marine Le Pen, interview by France Inter, quoted in, “Marine Le Pen calls out ‘anti-democratic and threatening EU’ that ‘French no longer want”, Express, 13 April 2022, accessed on 17/ 4/2025, available at https://www.express.co.uk/news/world/1594807/marine-le-pen-european-union-french-elections-vn.Marine.

[24] Le Pen Demanded EU Flag Be Removed for TV Interview,” Politico, 19 April 2017, accessed on 17/ 4/2025, available at https://www.politico.eu/article/marine-le-pen-demanded-eu-flag-be-removed-for-tv-interview/.

[25] “Marine Le Pen: Either the EU Changes or It Will Die,” Politico, 3 February 2017, accessed on 17/ 4/2025, available at https://www.politico.eu/article/marine-le-pen-either-the-eu-changes-or-it-will-die-france-election-2017-populism-europe

[26]Hugo Balnaves et al., “European Populism in the European Union: Results and Human Rights Impacts of the 2019 Parliamentary Elections,” Global Campus Human Rights Journal Vol. 4, no. 1, (2020), P. 185.

[27] عبد العظيم، أحمد ياسر، “مستقبل اليمين المتطرف وتداعياته على الاتحاد الأوروبي” ، مجلة آفاق مستقبلية، العدد ٣، ( يناير٢٠٢٣)، ص ٤٨٦، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، مجلس الوزراء.

[28] المرجع السابق، ص ٤٩٢.

[29]Betz, Hans-Georg. “Conditions Favouring the Success and Failure of Radical Right-Wing Populist Parties in Contemporary Democracies.” Democracies and the Populist Challenge , Palgrave Macmillan,1  edited 2002, p. 200.

[30] Matt Golder, “Far Right Parties in Europe,” Annual Review of Political Science, Vol. 19, No. 1, (2016), P. 480.

[31] Seyed Nader Nourbakhsh et  al, Op. Cit, P. 60.

[32] Christina Schori Liang, Europe for the Europeans: The Foreign and Security Policy of the Populist Radical Right, (London: Routledge, 2016), P. 8.

[33] أسامة أحمد العادلي، علي عبد المطلب، صعود اليمين المتطرف في غرب أوروبا وتداعياته، مرجع سبق ذكره، ص٤٠٤.

[34] محمد عصام لعروسي، “صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا: الأبعاد والتداعيات”، أبعاد للدراسات الإستراتيجية، أبريل ٢٠٢٣، ص١٦.

[35] Matt Golder, “Far Right Parties in Europe”, Annual Review of Political Science, 19 (2016): 477–497. the link: https://doi.org/10.1146/annurev-polisci-042814-012441

[36] Steven Blockmans & Sophia Russack, Representative Democracy in the EU..Recovering Legitumacy, (London: Rowman & Littlefield International LTD, 2019), p.3.

[37] أسامة العادلي، علي عبدالمطلب، صعود اليمين المتطرف في غرب أوروبا وتداعياته: دراسة مقارنه بين حالتي فرنسا ألمانيا، مرجع سبق ذكره، ص ٤٠٩.

[38] المرجع السابق ص ٤١١-٤١٢.

[39] محمد عصام لعروسي، مرجع سبق ذكره، ص ١٧.

[40]محمود صافي محمود، “أثر صعود أحزاب اليمين المتطرف على حالة الديمقراطية في النظم السياسية الأوروبية: رؤية مقارنة.” مجلة كلية السياسة والاقتصاد، جامعة بني سويف، المجلد ٢٢، العدد 21، (يناير ٢٠٢٤)، ص ٢٠٧-٢٣٧.

[41] Rodrik, Dani. “Why Does Globalization Fuel Populism? Economics, Culture, and the Rise of Right-Wing Populism.” Annual Review of Economics, Vol. 13, (August 2021), P. 139,141.

3 Carl Leonard Fischer and Lorenz Meister, ” Economic Determinants of populism”, DIW Berliy, No.145, (2023), p. 3,4.

[42] Economic Shocks Encourage People to Vote for Populists.” The Times, November 2019, accessed on 18/ 4/2025, available at, https://www.thetimes.co.uk/article/economic-shocks-encourage-people-to-vote-for-populists-fz9tg5

[43] Margalit, Yotam. “Economic Causes of Populism: Important, Marginally Important, or Important on the Margin.” CEPR VoxEU, November 2019, accessed on 18/ 4/2025, available at, https://cepr.org/voxeu/columns/economic-causes-populism-important-marginally-important-or-important-m

[44] المرجع السابق، ص ٤٩٣.

[45] ريناس بنافي. “صعود اليمين المتطرف: الأسباب والتداعيات – دراسة تحليلية.” المركز الديمقراطي العربي، ١٢ مايو ٢٠١٧ شوهد في ١٨/٤/٢٠٢٥ على الرابط  https://democraticac.de/?p=46400

[46] Hungarian opposition leader pledges to unlock EU funds if elected.” Reuters, 13 April  2025, accessed on 18/ 4/2025, available at, https://www.reuters.com/world/europe/hungarian-opposition-leader-pledges-unlock-eu-funds-if-elected-2025-04-13/

[47] A far-right leader could soon take the helm in EU member country Austria. Here’s why it matters.” AP News, January 2025, accessed on 18/ 4/2025, available at,https://apnews.com/article/d5de1b28909f9e469d8151a057dbb4ed

[48] أسامة العادلي، علي عبد المطلب ، مرجع سبق ذكره، ص ٤١٨.

[49] Schroeder, Ralph. “Digital Media and the Entrenchment of Right-Wing Populist Agendas.” Social Media + Society, Vol. 5, No. 4, (2019): 1–6.

[50] مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. “الإعلام الشعبوي: أنماط التوظيف واحتمالات الاستمرار” ١٥ مارس ٢٠٢٣ شوهد في ١٨/٤/٢٠٢٥ على الرابط  https://acpss.ahram.org.eg/News/17057.aspx

[51] أحمد ياسر عبد العظيم، “مستقبل اليمين المتطرف وتداعياته على الاتحاد الأوروبي”، مجلة آفاق مستقبلية، العدد ٣، (يناير ٢٠٢٣)، ص ٤٨٦، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، مجلس الوزراء.

[52] المركز الإستشاري للدراسات والتوثيق،”صعود اليمين المتطرف في أوروبا: أبرز العوامل والشخصيات والأفكار “، سلسلة البحث الراجح، سلسلة غير دورية تبحث في سياق توثيقي لموضوعات محددة، بيروت – لبنان، العدد ٣٥، مايو٢٠١٩، ص١٠.

[53] Lisa Bjurwald, “The Extreme and Far Right in Europe”, FORES Policy Paper, Forum För Reformer och Entreprenörskap Stockholm, vol. 5 (2010), p. 5.

[54]Egdūnas Račius, «The Far Right in Lithuania – on the Margins of Marginality, » paper presented at: Conference «Far Right Networks in Northern and Eastern Europe», Uppsala University, 25-27 March 2010, p. 1.

[55] أسامة العادلي، علي عبد المطلب، صعود اليمين المتطرف في غرب أوروبا وتداعياته، مرجع سبق ذكره، ص٤٠٩.

[56] kirill Zhirkov, Nativist but not alienated: A Comparative Perspective on the radical right vote in Western Europe, Party Politics, Vol. 20, No. 2, (December 2013), P. 288.

[57] Terri Givens, Voting Radical Right in Western Europe (Cambridge: Cambridge University Press, 2005), p. 36.

[58] وليد قاسم، “تأثير الهجرة الدولية على صعود أحزاب اليمين الراديكالي:دراسة حالة ألمانيا”، مجلة كلية الاقتصاد والعلو السياسية-جامعة القاهرة، المجلد الخامس والعشرون، العدد الثالث، يوليو٢٠٢٤، ص٢٠٩.

[59]Hans-Georg Betz, & Carol Johnson, “Against the current _ stemming the tide: The nostalgic ideology of the contemporary radical populist right”, Journal of Political Ideologies, vol. 9, No. 3(2024), p. 318.

[60]  أحمد ستار جابر الجابري، “أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا: دراسة في الأفكار والدور السياسي”، مجلة دراسات دولية، العدد الخامس والثلاثون، ص ٥٩.

[61] Kirill Zhirkov, Nativist but not alienated: A Comparative Perspective on the radical right vote in Western Europe, Op. cit., P. 287.

[62] International Rescue Committee. “What Is the Italy-Albania Asylum Deal?” International Rescue Committee, 15 October 2024, accessed on 2 may, 2025, avilabale at: https://www.rescue.org/article/what-italy-albania-asylum-deal.

[63] باسم راشد، “براجماتية محسوبة: توجهات السياسة الخارجية الإيطالية في عهد “ميلوني” تجاه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، دراسات استراتيجية، العدد ٣٦٧، ديسمبر٢٠٢٤، ص٢١.

[64] المرجع السابق، ص٢١.

[65] Nicholas Vinocur, “EU leaders’ ink €7.4B economic aid, migration deal with Egypt”, Politico, 17 march, 2024, accessed on 2 may, 2025, available at: https://www.politico.eu/article/eu-leaders-egypt-e7-4b-economic-aid-migration-deal-italy-greece-belgium-austria-cyprus/.

[66] “Protectionist Populism.” European Center for Populism Studies, accessed on 25 April 2025, available at, https://www.populismstudies.org/Vocabulary/protectionist-populism/

[67] Marcel fratzscher, “Populism, Protectionism and Paralysis.” Intereconomics 55, no.1(2020), accessed on 25 april 2025, available at, https://www.intereconomics.eu/contents/year/2020/number/1/article/populism-protectionism-and-paralysis.html

[68] Kent jones, “The Populist Damage to the Trading System”, VoxEU – CEPR, 19 jan.2022, accessed on 26 april 2025, available at, https://cepr.org/voxeu/columns/populist-damage-trading-system

[69] عمرو عبدالعزيز صلاح، أثر التوجهات اليمينية الشعبوية على السياسة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب“،( رسالة ماجستير، كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية، جامعة الإسكندرية، ٢٠٢٣)، ص ٥٤-٥٥.

[70] Kent jones, “Populism, Globalization, and the Prospects for Restoring the WTO”, Politics and Governance, Vol.11,No.1,(2023), p.182-183.

[71] Mireya solìs, “Trump withdrawing from the trans-Pacific partnership”, The Brookings Institution, 24 march 2017, accessed on 25 April 2025, available at, https://www.brookings.edu/articles/trump-withdrawing-from-the-trans-pacific-partnership/#:~:text=,era%20of%20multinational%20trade%20agreements

[72] Alexander Stille, “How Matteo salvini pulled Italy to the far right”,The Guardian, 9 August 2018, accessed on 26 April 2025, available at, https://www.theguardian.com/news/2018/aug/09/how-matteo-salvini-pulled-italy-to-the-far-right

[73] Alexander Stille, “How Matteo salvini pulled Italy to the far right”,The Guardian, 9 August 2018, accessed on 26 April 2025, available at, https://www.theguardian.com/news/2018/aug/09/how-matteo-salvini-pulled-italy-to-the-far-right

[74] Kent jones, politics and governance, Op.Cit. p.184.

[75]  Rosa Balfour et al, “Europe’s troublemakers the populist challenge to foreign policy”, (Brussels: European Policy Centre, 2016), p.39-41.

[76] باسم راشد، تداعيات صعود اليمين المتطرف في أوروبا على سياستها الخارجية تجاة الشرق الاوسط، ورقة بحثية مقدمة في المؤتمر العلمي الثامن لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية، جامعة الاسكندرية، (فبراير٢٠٢٥)، ص١٤.

[77] خضير الدهلكي، عماد داود، العلاقة بين روسيا واليمين الاوروبي الشعبوي المتطرف: الدوافع والتوظيف السياسي، مجلة قضايا سياسية، العدد٧٢، (٢٠٢٣)، ص٥٥.

[78] خضير الهلكي، عماد داود، المرجع السابق، ص٥٦.

[79] خضير الهلكي، عماد داود، المرجع السابق، ص٥٧.

[80] Rosa Balfour et al ,Europe’s troublemakers the populist challenge to foreign policy, (Brussels: European Policy Centre, 2016(, p. 32.

[81] خضير الدهلكي، عماد داود، مرجع سبق ذكره، ص٥٨.

[82] خضير الدهلكي، عماد داود، المرجع سبق ذكره، ص٥٩.

[83] باسم راشد، مرجع سبق ذكره، ص ١٤.

[84] Rosa Balfour et al, Op. Cit, P. 32.

[85] Ibid, p. 32.

[86] خضير الدهلكي، عودة ترامب للبيت الأبيض بين ترحيب اليمين المتطرف ومخاوف الأوروبيون، مركز البيان للدراسات والتخطيط، (٢٠٢٥)، ص ٤.

[87] أسامة العادلي، علي عبد المطلب. “مستقبل الاتحاد الأوروبي في ظل تنامي الاتجاهات اليمينية المتطرفة.” مجلة كلية السياسة والاقتصاد، جامعة بني سويف، العدد الحادي والعشرون، يناير ٢٠٢٤، ص ٦٧.

[88] Rosa Balfour et al, Europe’s troublemakers the populist challenge to foreign policy, (Brussels: European Policy Centre, 2016), p. 28.

[89] Ibid, p.29

[90] مصطفى جاسم حسين، ” الاتحاد الأوروبي وظاهرة اليمين المتطرف: البريسكت نموذجًا” مجلة العلوم السياسية، العدد ٦١، (٢٠٢١) ص٢١٧.

[91] أسامة العادلي، علي عبد المطلب، مستقبل الاتحاد الأوروبي في ظل تنامي الاتجاهات اليمينية المتطرفة،  مرجع سبق ذكره، ص٨٢.

[92] أحمد ياسر عبد العظيم، “مستقبل اليمين المتطرف وتداعياته على الاتحاد الأوروبي،” آفاق مستقبلية، العدد ٣ (يناير ٢٠٢٣) ص ٤٩٣.

[93] خضير الدهلكي، عودة ترامب للبيت الأبيض بين ترحيب اليمين المتطرف ومخاوف الأوروبيون، المرجع السابق، ص ٩.

[94] خضير الدهلكي، المرجع السابق، ص ٩.

[95] Chris Lombardi, “NATO at 70: The Enduring Transatlantic Alliance for Peace and Security,” Euractiv, 3 April 2019, accessed on 21/ 4/2025, available at,https://www.euractiv.com/section/defence-and-security/opinion/nato-at-70-the-enduring-transatlantic-Alliance-for-peace-and-security

[96] Tim Lister and Nathan Hodge, “Trump, Putin and Hungary’s Orban All Share a Disdain for Ukraine. That’s Raising Alarm Bells,” CNN, 5 November  2019, accessed on 21/ 4/2025, available at, https://edition.cnn.com/2019/11/05/europe/hungary-orban-Ukraine-putin-trump-intl/index.html

[97] Naz Göçek, Transatlantic Turmoil: Populist Parties and NATO Membership in the European Union (California, Stanford University, 2020), P. 25.

[98] Phillip Gary Schrank, “The Rise of Populism and the Future of NATO,” Global Politics Review, Vol. 3, No. 2, (October 2017), P. 56.

[99] .Naz Göçek, Op. Cit, P. 58

[100] Ergue-te (formerly PNR), “O PNR opõe-se à actual Nato,” 15 November 2010, accessed on 21/ 4/2025, available at, https://www.partidoergue-te.pt/2010/11/o-pnr-opoe-se-a-actual-nato/.

[101] Phillip Gary Schrank, Op. Cit, P. 56.

[102] Chris Lunday, “Europe is on its own’ after Trump-Zelenskyy clash, EPP’s Weber says,” Politico, 2 March 2025, accessed on 22/ 4/2025, available at, https://www.politico.eu/article/manfred-weber-europe-on-its-own-defense-donald-trump-volodymyr-zelenskyy/.

[103] Thomas J. Bollyky and Stewart M. Patrick, “Why Trump’s Attack on the WHO Harms U.S. Interests,” Foreign Affairs, May 14, 2020,

 

[104] Kristian Humble, “Populism and the Threat to International Law,” Laws, Vol. 11, No. 3 (2022), P. 12.

[105] Heike Krieger, “Populist Governments and International Law,” European Journal of International Law 30, no. 3 (2019), P. 987

[106] Kristian Humble, Op. Cit, P. 13

[107] Melina Moreira Campos Lima, “International Law under Far-Right Governments: A Comparison between the Administrations of Donald Trump and bolsonaro,” Seqüência: Estudos Jurídicos e Políticos 43, no. 90 (2022), P. 13.

[108] Ibid, P. 20

[109] Erik Voeten, “Populism and Backlashes against International Courts,” Perspectives on Politics, Vol. 18, No. 2, (2019), P. 11.

[110] Ibid, P. 4

[111] Kristian Humble, Op. Cit, P. 968

[112] Donald J. Trump, “Imposing Sanctions on the International Criminal Court,” The White House, 6 February, 2025, accessed on 19/ 4/2025, available at, https://www.whitehouse.gov/presidential-actions/2025/02/imposing-sanctions-on-the-international-criminal-court.

[113] Bill fletcher, ‘Stars and Bars’: Understanding Right-Wing Populism in the USA,” Socialist Register, 2016, p. 305-306.

[114]  نادية فرحان حواس، الشعبوية في الفكر السياسي الأمريكي المعاصر (رسالة ماجستير، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، ٢٠٢١)، ص ٦٢-٦٤.

[115] المرجع السابق، ص ١٣٧-١٣٨.

[116] المرجع السابق ص ١٤١-١٤٣.

[117] Jeffrey Haynes, “Right-Wing Populism and Religion in Europe and the USA,” Religions 11, no. 10 (2020),p. 3-7.

[118] عمرو عبد العزيز صلاح، أثر التوجهات اليمينية الشعبوية على السياسية الخارجية الأمريكية في ظل رئاسة ترامب ( رسالة ماجستير، كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية، جامعة الإسكندرية، ٢٠٢٣)، ص ٤٩-٥٦.

[119] فيصل مخيط أبو صليب، مرجع سبق ذكره، ص ٦٥.

[120] William Clapton, Immigration, Risk, and Security Under the Trump Administration: Keeping ‘Undesirables’ Out (Sydney: School of Social Sciences, UNSW Sydney, 2022), P. 101.

[121] Daniel Béland, “Right-Wing Populism and the Politics of Insecurity: How President Trump Frames Migrants as Collective Threats,” Political Studies Review, Vol. 18, No. 2, (2020), P. 172.

[122] Matthew Eshbaugh-Soha and Kenlea Barnes, “The Immigration Rhetoric of Donald Trump,” Presidential Studies Quarterly, Vol. 51, No. 4, (December 2021), 784.

[123] William Clapton, Op. Cit, P. 105.

[124] عمرو عبد العزيز صلاح، مرجع سبق ذكره، ص ٨٧.

[125] William Clapton, Op. Cit, P. 139.

[126] Amadu Jacky Kaba, “United States Immigration Policies in the Trump Era,” Journal of International Migration and Integration, Vol. 9, (October 2019), P. 322.

[127] زهري نوزاد جميل، النسق السياسي العقيدي للرئيس دونالد ترامب وتأثيره في السياسة الخارجية الأمريكية (رسالة ماجستير، كلية العلوم الاقتصادية والإدارية قسم العلاقات الدولية، جامعة الشرق الأدنى،٢٠٢١)، ص ٤٤.

[128]  مصطفى كامل، السياسة الخارجية لترامب :استقراء بين الولاية السابقة والمتوقعة، ورقة بحثية، مركز البيان للدراسات والتخطيط، (٢٠٢٤)، ص ١٠.

[129] Gerlinde Groitl, “The Good, the Bad, and the Ugly: What Donald Trump’s Return to the White House Means for US Strategic Competition with Russia and China”, Springer Nature link, 5 March 2025, accessed on 3 May 2025, available at, https://link.springer.com/article/10.1007/s41358-025-00403-2

[130] Ferid Belhaj, “The New Trump Administration: selective multilateralism and the new south’s challenge for global relevance”, policy centre for the new south, Policy Brief PB-62/24, (2024), p.1-4.

[131] عمرو عبدالعزيز صلاح، مرجع سبق ذكره، ص 113-114.

[132] Gabrielo Galindo, “Trump: EU was set to make advantage of US”, Politico, 28 June 2018, accessed on 3 May 2025, available at, https://www.politico.eu/article/donald-trump-eu-was-set-up-to-take-advantage-of-us-trade-tariffs-protectionism/

[133] Frances Burwell, “The art of the transatlantic deal”, Atlantic council, 3 March 2025, accessed on 3 May 2025, available at, https://www.atlanticcouncil.org/in-depth-research-reports/report/the-art-of-the-transatlantic-deal/

[134] CRF Editors, “Trump’s foreign policy moments”, Council on foreign Relations, accessed on 3 May 2025, available at, https://www.cfr.org/timeline/trumps-foreign-policy-moments

[135] Politico, 28 June 2018, OP.Cit.

[136] Camille Gijs, “Trump’s Tariff war empowers Europe’s free traders”, Politico, 22 April 2025, accessed on 3 May 2025, available at, https://www.politico.eu/article/us-donald-trump-tariff-war-empowering-eu-europe-free-trade-commission/

[137] زهري نوزاد جميل، مرجع سبق ذكره، ص ٤٣-٤٤.

[138] Donald Trump, “Read Donald Trump’s Speech on Trade,” Time, 28 June  2016, accessed on 29/ 4/2025, available at, https://time.com/4386335/donald-trump-trade-speech-transcript/.

[139] Charlotte Alter, “Transcript: Read the Full Text of the Fourth Republican Debate in Milwaukee,” Time, 11 November  2015, accessed on 29/ 4/2025, available at, https://time.com/4107636/transcript-read-the-full-text-of-the-fourth-republican-debate-in-milwaukee

[140] Lukasz Gruszczynski and Jessica Lawrence, “Trump, International Trade and Populism,” in Netherlands Yearbook of International Law (2018), Vol. 49, ed. J. Nijman and W. Werner (The Hague: T.M.C. Asser Press, 2019, P. 11.

[141] International Trade Administration. “USMCA – United States-Mexico-Canada Agreement.” U.S. Department of Commerce. accessed on 29/ 4/2025, available at,  https://www.trade.gov/usmca

[142] Lukasz Gruszczynski and Jessica Lawrence ,Op. Cit, P. 13.

[143] Fortune, “Donald Trump Says It Might Be time for the U.S. To Quit the WTO,”25  July  2016, accessed on 29/ 4/2025, available at,  https://fortune.com/2016/07/25/donald-trump-free-trade-wto

[144] Klaus Larres, “Trump’s Trade Wars: America, China, Europe, and Global Disorder.” Journal of Transatlantic Studies, Vol. 18, No. 1, (2020), P. 113.

[145] عزت إبراهيم، صعود ترامب “تحولات السياسة الأمريكية في القرن الواحد والعشرين”، (مصر: المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، يناير2025)، ص ٩٩.

[146] صدفة محمد محمود، “أنماط تعامل دول أمريكا اللاتينية والكاريبي مع الولاية الثانية لدونالد ترامب”، مجلة السياسة الدولية (ملحق تحولات استراتيجية)، العدد٢٤٠، أبريل٢٠٢٥، ص ٢٤.

[147] ‏John Perry and Roger D. Harris, “Whether Biden or Trump, US’s Latin American Policy Will Still Be Contemptible – Migration, Drugs, and Tariffs”, Pressenza New York, 30 January ,2025, accessed on 1 may, 2025, available at: https://tinyurl.com/4wzpa7aw.

 

[148] أحمد سيد حسين، “السياسة الروسية وإرهاصات ولاية دونالد ترامب الثانية: استراتيجيات استباقية وتحديات”، مجلة السياسة الدولية (ملحق تحولات استراتيجية)، العدد٢٤٠، أبريل٢٠٢٥، ص ٥.

[149] المرجع السابق، ص ٦.

[150] John Dorman, “Trump says American kids might have fewer toys because of his China tariffs — and he’s fine with that”, Business Insider, 30 April, 2025, accessed on 1 may, 2025, available at: https://www.businessinsider.com/trump-china-tariffs-fewer-dolls-us-children-2025-4.

[151] باسم راشد، “استعدادات أوروبا للتحول في السياسة الأمريكية خلال إدارة ترامب الثانية”، مجلة السياسة الدولية (ملحق تحولات استراتيجية)، العدد٢٤٠، أبريل٢٠٢٥، ص ١١.

[152] المرجع السابق، ص ١٢.

[153] Marianne Schneider-Petsinger, “US–EU trade relations in the Trump era: which way forward?”, Chattam House, 8 march, 2019, accessed on 1 may, 2025, available at: https://apo.org.au/node/225401.

[154] Tina Teng, “Markets unsettled as Trump imposes 25% tariffs on steel and aluminium”, Euro News, 11 February, 2025, accessed on 1 may, 2025, available at: https://tinyurl.com/mthkyxzm.

[155] Ana Swanson, “Trump Says He’ll Rework Global Trading Relations With ‘Reciprocal’ Tariffs”, The New York Times, 13 February, 2025, accessed on 1 may, 2025, available at: https://tinyurl.com/bdz4fnw4.

[156] محمد عصام لعروستي، “صعود الأحزاب اليمينية الشعبوية في أوروبا: الأبعاد والتداعيات”، أبعاد للدراسات الإستراتيجية، (أبريل٢٠٢٣)، ص ١١.

[157] المرجع السابق، ص ١١.

[158] خضير الدهلكي، ابتسام علوان، “الأحزاب اليمينية الشعبوية الأوروبية المتطرفة الأيدلوجيات والسياسات”، مجلة قضايا سياسية، العدد ٦٩، ص ١٨٣

[159] المرجع السابق، ص ١٨٣.

[160]  خضير الدهلكي، ” الحركات الشعبوية في اوروبا وتأثيرها السياسي حركة خمس نجوم نموذجاً”، المجلة السياسية والدولية، (٢٠٢٠)، ص ٤٧٨.

[161] محمد عصام لعروستي، مرجع سبق ذكره، ص ١٢.

[162] الشيماء عرفات، ” إيطاليا حكومة إنقاد أم حكومة مؤقتة”، المركز المصري للفكر والدراسات الأستراتيجية، (مارس٢٠٢١) ص ١١.

[163] Philip Giurlando, “Populist foreign policy: the case of Italy”, Canadian Foreign Policy Journal, (2021), p. 260.

[164]Ibid, p. 261.

[165] Sergio Fabbrini and Tiziano Zgaga, “Italy and the European Union: The Discontinuity of the Conte Government,” Contemporary Italian Politics, Vol. 11, No. 3, (2019), P. 284.

[166] Edoardo Bianchi, “Aquarius a Valencia, Salvini: ‘Grazie Spagna,ora accolgano altri 66mila migranti’,” la Repubblica, 17 June 2018, accessed on 29/ 4/2025, available at, https://www.repubblica.it/dossier/cronaca/Immigrati-2015/2018/06/17/video/aquarius_a_valencia_salvini_grazie_spagna_ora_accolgano_altri_66mila_migranti-423065346/.

[167] Gianfranco Baldini and Matteo F.N. Giglioli, “Bread or Circuses? Repoliticization in the Italian Populist Government Experience,” Government and Opposition, Vol. 56, No. 3, (2020), P .15.

[168] Edoardo Bianchi, Op, cit.

[169] Sergio Fabbrini and Tiziano Zgaga, Op, Cit. P. 283.

[170] Hanna Corsini, Populists in Power: A Comparative Analysis of the Impact of Populism on the Foreign Policy of Italy, Austria, and Hungary (PhD diss, University of Cambridge, 2023), P. 105.

[171] Maurizio Ambrosini, “The Populist Far Right Paradox: The Identification of the Enemy and Its Exceptions in the Immigration Policies of the Meloni Government in Italy,” Comparative Migration Studies, Vol. 13, No. 1, (2025), P. 6.

[172] Ibid, P. 7.

[173] Redazione. “Il decreto ‘Ong’ è stato convertito in legge.” Pagella Politica, 23 February  2023, accessed on 29/ 4/2025, available at, https://pagellapolitica.it/articoli/approvazione-decreto-ong.

[174] Migranti, Meloni a Scholz: ‘Con le Ong In mare più partenze e rischio tragedie’,” TGCOM24, 26 September 2023, accessed on 29/ 4/2025, available at, https://www.tgcom24.mediaset.it/politica/migranti-meloni-scholz-ong_70396926-202302k.shtml.

[175] Maurizio Ambrosini, Op. Cit, P. 8.

[176] “Italy deports 40 migrants to Albania after their asylum applications were rejected,” Euronews, 12 April  2025, accessed on 29/ 4/2025, available at,

https://arabic.euronews.com/2025/04/12/italy-deports-40-migrants-to-albania-after-their-asylum-applications-were-rejected

[177] Presidenza del Consiglio dei Ministri. “Vertice Italia-Africa: l’intervento di apertura del Presidente Meloni.” Governo Italiano, 29 January  2024, accessed on 29/ 4/2025, available at, https://www.governo.it/it/articolo/vertice-italia-africa-linterventi-di-apertura-del-presidente-meloni/24857

[178] Fabrizio Coticchia. “A Sovereignist Revolution? Italy’s Foreign Policy under the ‘Yellow–Green’ Government”, Rivista Italiana di Scienza Politica, Vol. 51, No. 3, (2021), p. 755.

[179] Giulio Pugliese et al, Op. Cit, P. 1039.

[180] Hanna Corsini, Op. Cit, P.117.

[181] Ibid, P. 190.

[182] Elisabetta Brighi and Serena Giusti, “Italian Diplomacy and the Ukrainian Crisis: The Challenges (and Cost) of Continuity,” Contemporary Italian Politics, Vol. 15, No. 2, (2023), P. 191.

[183] Ibid, P. 191.

[184] “IGiorgia Meloni, “Il discorso di Giorgia Meloni all’Onu,” AGI, 21 September  2023, accessed on 29/ 4/2025, available at, https://www.agi.it/politica/news/2023-09-21/discorso-integrale-giorgia-meloni-onu-23132383/.

[185] “برجماتية اليمين: أبعاد السياسة الخارجية الإيطالية في عهد جورجيا ميلوني”، إنترريجونال للتحليلات الأستراتيجية، العدد ١٦٨، (مارس 2023)، ص ٤.

[186] Giulio Pugliese et al, Op. Cit, p. 1050.

[187] Cecilia Biancalana, “Italy’s Multiple Populisms Facing the Russo-Ukrainian War,” in The Impacts of the Russian Invasion of Ukraine on Right-wing Populism in Europe, ed. Gilles Ivaldi and Emilia Zankina (Brussels: European Center for Populism Studies, 2023), p. 190.

[188] Emidio Diodato, Federico Niglia, Berlusconi: The Diplomat, Populism and Foreign Policy in Italy (Cham, Switzerland: Springer Nature Switzerland AG, 2019), p. 19.

[189] بهاء محمود، “إيطاليا: حكومة إنقاذ أم حكومة مؤقتة؟”، المركز المصري للفكر والدراسات الأستراتيجية، (مارس٢٠٢١) ص ٣٠.

[190] “برجماتية اليمين: أبعاد السياسة الخارجية الإيطالية في عهد جورجيا ميلوني”، مرجع سبق ذكره، ص ٥.

[191] أحمد أنور، “رغم علاقتها الجيدة بترامب.. ميلوني تمتثل لأوروبا وتعيد تسليح الجيش الإيطالي”، القاهرة الأخبارية، ١٣ مارس ٢٠٢٥، شوهد في ١/٥/٢٠٢٥, متاح على : https://alqaheranews.net/news/120560/

[192] Emidio Diodato, Federico Niglia, Op, Cit, p. 144.

[193] Ibid, p.146.

[194] بهاء محمود، مرجع سبق ذكره، ص ٣٠.

[195]“برجماتية اليمين: أبعاد السياسة الخارجية الإيطالية في عهد جورجيا ميلوني”، مرجع سبق ذكره، ص ٤.

[196] Crispian Balmer and Angelo Amante,”Italy’s PM Meloni comes out on top in EU vote, strengthening her hand”, Reuters, 10 june 2024, accessed on 3/5/2025, available at,  https://www.reuters.com/world/europe/italys-pm-meloni-solidifies-top-spot-eu-vote-exit-poll-2024-06-09/

4/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى