الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

التوتر الأمريكي الصيني في ضوء “الأزمة التايوانية”

إعداد: منى جمال شلقامي – جامعة بني سويف، باحثة متخصصة في الشؤون السياسية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

تُعد أزمة تايوان إحدى أقدم الأزمات في العالم الحديث، بالإضافة إلى أنها من أهم القضايا المؤثرة في العلاقات الأمريكية الصينية، ومنذ نهاية أربعينيات القرن العشرين بالتزامن مع انتهاء الحرب الأهلية الصينية مثّل مضيق تايوان بؤرة للأزمات والصراعات المسلحة بين جمهورية الصين الشعبية “البر الرئيسي للصين” وجمهورية الصين “تايوان”؛ حيث تعتبر حكومة الصين أن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها، أما تايوان فتتمسك باستقلاليتها وبحكمها الذاتي وتدعمها في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية.

الجذور التاريخية للأزمة

مرت جزيرة تايوان بأوضاع مضطربة وواجهت أزمات سياسية معقدة وطويلة؛ فبعد انهزام الامبراطورية الصينية من قِبل اليابان في حرب “جيا وو” في أواخر القرن التاسع عشر بقيت هذه الجزيرة قرابة نصف قرن -من ١٨٩٥ إلى ١٩٤٥- تحت حكم اليابان حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية، وبعد انتصار الصين في الحرب العالمية الثانية ١٩٤٥ بدأ الصراع داخل الصين بين حزب الكومينتانغ الصيني برئاسة “تشانج كاي شيك”، والحزب الشيوعي الصيني بقيادة “ماو تسي تونغ”؛ حيث رفض حزب الكومينتانغ تكوين حكومة ائتلافية مع الحزب الشيوعي الصيني، ومن هنا بدأت الحرب الأهلية بينهما منذ عام ١٩٤٦.

استمرت تلك الحرب ثلاثة أعوام، وانتهت بانتصار الحزب الشيوعي الصيني على حزب الكومينتانغ وإعلانه قيام جمهورية الصين الشعبية وعاصمتها بكين عام ١٩٤٩، وهرب أعضاء حزب الكومينتانغ مع حكومة “تشانج كاي شيك” من بر الصين الرئيسي إلى جزيرة فورموزا “تايوان حاليًا” ليعلن هناك جمهورية الصين وعاصمتها تايبيه، واعتبر نفسه الممثل الشرعي للصين، وأصبح الوضح كالتالي: اعتراف الدول الشرقية بقيادة الاتحاد السوفييتي بحكومة الحزب الشيوعي الصيني واعتبرته الممثل الشرعي للشعب الصيني، بينما قامت الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بالاعتراف بحكومة “تشانج كاي شيك” وما كان هذا الأمر ليستمر لولا الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة لتايوان ووقوفها بجانب حزب الكومينتانغ، الأمر الذي مكّن حكومة الصين الوطنية من الاستمرار، واحتلت المقعد الدائم في مجلس الأمن المخصص للصين حتى عام ١٩٧١.

أهمية تايوان في الحسابات الاستراتيجية الصينية

تُمثل تايوان نطاقًا حيويًا للصين، لأنها تشكل قاعدة استراتيجية لعمليات عسكرية محتملة من جانب الولايات المتحدة وحلفائها ضد الصين، نظرًا لأهميتها الجيواستراتيجية التي تقع بين بحري الصين الجنوبي والشرقي ولقربها من الصين، وتُعد مركز ثقل السياسة الأمنية الصينية، ولديها قيمة استراتيجية ضخمة في سلسلة التوريد العالمية للرقائق الإلكترونية وهذا سبب قوي للغرب في إبقاء الصين بعيدة عن تايوان.

وبالتالي تَعتبر الصين أن تايوان قضية مركزية وجزء أساسي اقتطع من سيادتها الوطنية، وأن استقلال تايوان قضية غير قابلة للنقاش في أولويات السياسة الخارجية الصينية؛ لذلك ترى الصين أن بقاء تايوان في حالة انفصال عنها انتقاصًا من هيبتها ومكانتها، وبالتالي يعد ضم تايوان للصين قضية قومية وجزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجية الصينية في الدفاع عن سيادتها تجاه توجهات الولايات المتحدة في آسيا، وفي حالة نجاح الصين في استعادة تايوان فسوف تتمكن من كسر محاولات الولايات المتحدة لتطويقها في سلسلة الجزر الأولى التي تمتد من اليابان إلى الفلبين؛ ومن ثم تعزيز قدرتها على تحقيق الهيمنة الإقليمية.

الأهمية الاستراتيجية لتايوان في السياسة الأمريكية

تشغل تايوان أهمية استراتيجية في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ تحتل موقعًا جغرافيًا مهمًا في شرقي آسيا يساعد الولايات المتحدة في الحفاظ على قواعدها العسكرية في آسيا، بالإضافة إلى أنه تمثل صناعة أشباه الموصلات من أهم الصناعات التي تميز تايوان عالميًا؛ حيث تعد شركة “تي إس إم سي” هي الأكبر في العالم لصناعة أشباه الموصلات، وتنتج تايوان أكثر من ٦٠٪  من أشباه الموصلات في العالم والتي تستفيد بها الولايات المتحدة عن طريق استخدامها في التقنيات المتقدمة التي تتراوح من السيارات ذاتية القيادة إلى الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الجيل الخامس.

وبالتالي يعود الاهتمام الأمريكي بتايوان انطلاقًا من أهميتها للمصلحة الأمريكية في تلك المنطقة الاستراتيجية وارتباطها بها خلال السنوات الأخيرة بعدد من المصالح الاقتصادية، بالإضافة إلى رغبة الولايات المتحدة في تحقيق وجود جيوسياسي في آسيا عمومًا وشرق آسيا بشكل خاص؛ لذلك تستمر الإدارات الأمريكية في تقديم مساعدات عسكرية لتايوان، وفى شهر أغسطس من العام الحالي ٢٠٢٣، كانت الخطوة الأولى لتقديم مساعدات عسكرية مباشرة لتايوان، بموجب برنامج مخصص للحكومات الأجنبية، حيث وافقت إدارة الرئيس جو بايدن للمرة الأولى على تقديم مساعدات عسكرية مباشرة لتايوان، بحزمة مساعدات عسكرية بقيمة ٨٠ مليون دولار لتعزيز قدراتها الدفاعية.

وعلى الرغم من أن قيمتها أقل بكثير من شحنات سابقة، لكنها الأولى بموجب برنامج التمويل العسكري الأجنبي؛ الذي يمنح الدول ذات السيادة قروضًا أو منحًا للتسليح، وبالتالي عارضت الصين بشده هذه الخطوة وصرحت بأن تلك السياسة تعرض أمن المنطقة للخطر.

أثر الأزمة التايوانية على العلاقات الأمريكية الصينية

تعتبر قضية تايوان أكثر القضايا أهمية فيما يخص العلاقات الصينية الأمريكية، ويظل الخلاف حول الجزيرة هو جوهر التنافس والصراع بين الدولتين، ويعود الصراع الأمريكي الصيني بشأن تايوان إلى عام ١٩٤٩، فعندما هرب أعضاء حزب الكومينتانغ بقيادة “تشانج كاي شيك” إلى تايوان بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني قامت الولايات المتحدة بدعم حكومة “تشانج كاي شيك” بهدف القضاء على الحزب الشيوعي الصيني، فبعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية انتهجت الولايات المتحدة سياسة عزل واحتواء الصين الجديدة “تايوان” وعملت على توطيد علاقاتها مع تايوان والاعتراف بها ممثلاً شرعيًا للصين بالإضافة إلى دعمها وتمكينها من شَغل المقعد الدائم في مجلس الأمن المخصص للصين حتى عام ١٩٧١، وبالتالي تعتبر الولايات المتحدة طرف ثالث وتقيم علاقات مع الجانبين وتحاول توظيف قضية تايوان كورقة في سياق تنافسها مع الصين على المكانة والنفوذ في النظام الدولي وهو ما يُعد أحد العوامل الرئيسية وراء بروز قضية تايوان كأحد أكثر الملفات حساسية في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة.

ولكن مع تغير الأوضاع الدولية، وتطور قوة الصين الجديدة، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تعديل سياساتها تجاه الصين، وظهر اتجاه فك الجمود في العلاقات الأمريكية الصينية، وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها رقم ٢٦ في أكتوبر عام ١٩٧١ استعادة جميع الحقوق الشرعية لجمهورية الصين الشعبية في الأمم المتحدة، وطرد تايوان من الأمم المتحدة، وبالرغم من ذلك باتت مساحات الخلاف أكبر بكثير من فرص التعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، ورغم تعدد قضايا التنافس بين البلدين إلا أن قضية تايوان تعتبر من أكثر القضايا حساسية فيما يخص العلاقات الأمريكية الصينية، حيث ترى الصين أن الولايات المتحدة تتدخل في شئونها وتنتهك سيادتها، ليس فقط فيما يتعلق بقضايا حقوق الانسان وإنما عندما تُثار قضية تايوان، التي تعتبرها جزءًا لا يتجزأ منها.

وتؤكد الصين على أحقيتها في ضم تايوان عن طريق التوحيد السلمي لأراضي الوطن الأم مع عدم استبعاد لجوء القيادة الصينية إلى الوسائل العسكرية إذا ما شعرت أن أهدافها الاستراتيجية المرتبطة بوحدة وسلامة أراضيها معرضة للتهديد طريق التوحيد السلمي لأراضي الوطن الأم مع عدم استبعاد لجوء القيادة الصينية إلى الوسائل العسكرية إذا ما شعرت أن أهدافها الاستراتيجية المرتبطة بوحدة وسلامة أراضيها معرضة للتهديد من قبل قوة خارجية

أما الولايات المتحدة الأمريكية فترى أن علاقاتها مع تايوان ضرورة استراتيجية باعتبارها تمثل واحدة من أهم تحالفاتها في شرق وجنوب شرق أسيا، وتعد قاعدة للعمليات العسكرية الأمريكية في حالات الأزمات الإقليمية أو العالمية بالإضافة لموقعها الاستراتيجي العسكري كبوابة بحرية بين شمال شرق وجنوب شرق آسيا، فيعود الاهتمام الأمريكي بتايوان من محاولة استخدامها في تحجيم مكانة الصين في منطقة شرقي آسيا، انطلاقاً من احتمالية تهديد الصين للمصالح الأمريكية في المنطقة.

وتعترف الولايات المتحدة بوحدة الصين، ولكنها لا تقر لها بسيادتها على كامل أراضيها، لذلك فإن احتمالية حدوث صدام مباشر بين الصين والولايات المتحدة تبقى قائمة وذلك في ظل الدعم الأمريكي لتايوان وتزويدها بالأسلحة مقابل إصرار الصين على أن تايوان جزء لا يتجزأ منها ويجب إعادتها إلى السيادة الوطنية بطريقة مناسبة، ومنذ زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكية السابقة نانسي بيلوسي إلى تايوان في أغسطس ٢٠٢٢، تصاعدت حدة التوتر بين الصين والولايات المتحدة؛ لأنه من وجهة النظر الصينية تُمثل تلك الزيارة انتهاكًا لمبدأ الصين الواحدة وخرقًا لسيادة الصين ووحدة أراضيها، وبالتالي أعلنت الصين أنها ستتخذ جميع الإجراءات الضرورية التي تحمي سيادتها وسلامة أراضيها، وسرعان ما قامت بمناورات وتدريبات عسكرية في محيط تايوان وبحر الصين الجنوبي، بالإضافة إلى فرض عقوبات اقتصادية ضد تايوان ووقف استيراد بعض المنتجات الغذائية منها وأوقفت تصدير بعض السلع الصينية إليها، وتعليق التعاون مع الولايات المتحدة.

أيضًا عندما قامت رئيسة تايوان “تساي وانغ- وين” بزيارة للولايات المتحدة في شهر مارس من العام الحالي ٢٠٢٣ وأعقبها زيارة نائب رئيسة تايوان في أغسطس الماضي لعام ٢٠٢٣  فقد وجهت الصين الاتهامات للولايات المتحدة بدعم التوجهات الانفصالية مما زاد من حدة التوتر بين الدولتين، وأدت إلى مزيد من المناورات والتدريبات العسكرية الصينية حول جزيرة تايوان تخللها نموذج محاكاة لحصار تايوان وبالتالي بات الخلاف حول الجزيرة هو جوهر التنافس والصراع بين الصين والولايات المتحدة، الأمر الذي يهدد باندلاع صدام مباشر بين الدولتين.

وختامًا.. يمكن رصد ثلاثة سيناريوهات محتملة بشأن الأزمة التايوانية؛ السيناريو الأول: انفصال تايوان واستقلالها، وهذا ما يتنباه النظام الحاكم في تايوان مستغلة دعم الولايات المتحدة الأمريكية ومدها بالأسلحة، إذ ترى تايوان نفسها دولة مستقلة لها دستورها وقاداتها، لكن على المستوى العملي نجد إمكانية حدوث هذا السيناريو ضعيفة؛ لاحتمالية استخدام الصين القوة العسكرية لمنع هذا الأمر لأنها تؤكد على أحقيتها في ضم تايوان.

السيناريو الثاني: اندماج تايوان مع الصين، فمن المنظور التاريخي نجد أن جزيرة تايوان كانت جزءًا من الصين وتابعة لها وبالتالي تُعد مسألة إعادة تايوان إلى الصين من أهم الأهداف الاستراتيجية الصينية وعامل قوة للصين لتعزيز مكانتها الإقليمية في منطقة شرق وجنوب شرق آسيا، وقد يتحقق من خلال وصول القوى المؤيدة للصين لسدة السلطة في تايوان وإعلان رغبتها في إعادة التوحيد مع الصين أو عن طريق طرح استفتاء عام لتحديد مستقبل تايوان، لكن على مستوى التطبيق نجد أيضًا أن احتمالية حدوث هذا السيناريو ضعيفة؛ بسبب موقف تايوان الرافض لفكرة الاندماج مع الصين فضلاً عن الدور الأمريكي الداعم لتايوان بهدف إضعاف دور الصين في المنطقة.

السيناريو الثالث والأخير: سيناريو المصالح المشتركة؛ يقوم هذا السيناريو على استمرار الحال على ما هو عليه بين الولايات المتحدة وتايوان، وكذلك بين الصين وتايوان؛ لتجنب المواجهة والحفاظ على الوضع الراهن ومنع الانزلاق في حرب كارثية ستكون لها عواقب وخيمة بالنسبة للولايات المتحدة والصين، فضلاً عن وجود مصالح يصعب تجاوزها بين البلدين، وبالتالي يمكن القول أن استمرار الوضع الراهن يُعتبر في صالح الولايات المتحدة والصين وكذلك تايوان.

5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى