احدث الاخبار

اسود وليسوا ذئابا منفردة

بقلم : التجاني صلاح عبد الله المبارك – المركز الديمقراطي العربي

 

اعتذر بداية للقارئ الكريم عن التأخر في كتابة هذا المقال الذي كنت قد بدأت فيه بالفعل، إلا أنه شغلتني شواغل عديدة، منها صدور كتابي الأول (قوة الدولة والقوة الإلهية) في نسخته الإلكترونية عن المركز الديمقراطي العربي، والله اسأل أن ينفع به، وان يثيب القائمين على ترتيبه وتنسيقه ونشره خير الجزاء.

يوم الجمعة 27 يناير/ كانون الثاني 2023 الماضي قام شاب فلسطيني بإطلاق النار في كنيس داخل مستوطنة “النبي يعقوب” في القدس المحتلة، ووضع نهاية سبعة من الإسرائيليين، فيما تم وصفه بهجوم الذئب المنفرد، أو عمليات(المخربون) في وصف وسائط الإعلام الإسرائيلية!

الذئب المنفرد يعرف بأنه الفرد الذي يقوم بأعمال عنف في دعم جماعة ما، أو حركة أو أيديولوجيا معينة، ولكن يفعل ذلك منفردا، خارجا عن نسق القيادة ودون مساعدة مادية من أي مجموعة. أو هم أفراد يقومون بعمليات هجومية ضد الآخرين، بطريقة منفردة وغير متوقعة وبوسائل بسيطة، وتحركهم في هذا دوافع وخلفيات إما عقائدية، أو اجتماعية، أو نفسية، أو مرضية من غير أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيم ما أو جهة ما.

الخبراء في أجهزة الأمن يرون أن الذئاب المنفردة هم الأفراد الذين ينفذون عمليات قتل بشكل انفرادي دون وجود جهة تنظيمية تضع لهم الخطط والتوجيهات، أو يتحركون بتأثير من دعاية تنظيم ما ولكنهم ليس لديهم تكليف مباشر بهذه المهمة من جهة القيادة، وغالبا ما يكون هؤلاء أفرادا عاديين لا يثيرون ريبة أو شبهة في حركاتهم وسلوكهم.

ولأن العمليات الهجومية في فلسطين المحتلة يقوم بها أفراد عاديون، محركاتهم ودوافعهم وتوجهاتهم عقائدية وقومية ضد الطرف الآخر في الصراع العربي _الإسرائيلي، فان تسميتهم ذئابا منفردة (فيما أتصور) فيه نوع من الإجحاف والتنقيص، لأن حقيقة ما يقومون به هو عمل بطولي وفدائي لا شك فيه أو ريب، فهم لذلك أبطال واسود وليسوا ذئابا منفردة، مجرد التسمية تعطي شعورا بالدونية لهؤلاء الأفراد بأنهم في نهاية الأمر ذئابا، مهما كان حجم العمل الذي قاموا به، صحيح انه ربما تصح التسمية في الجهات التنظيمية الإرهابية أو (المخربون)إلا أنها لا تصح عند أبطال المقاومة في فلسطين المحتلة.

مع هذا ربما تتزايد العمليات الهجومية في تقديري الأيام المقبلة لعدة أسباب منها:

1_الشعور المتزايد بالظلم لدى هذا الجيل في وعيه الجمعي، هو من أول الأسباب التي تجعله لا يتردد في المقاومة بأي وسيلة متاحة لديه في محاولة دفع هذا الظلم، وهو المتمثل في سرقة فلسطين العربية والإسلامية من المحتل الغاشم، الذي يمارس عليه أبشع أنواع الظلم والقتل والإبادة، وتطبيق نظام الفصل العنصري، وبناء المستوطنات وهدم البيوت وحرقها، والسجن والاعتقالات، وقتل الشيوخ والنساء والأطفال، ليس في ظل صمت مطبق وتام من المجتمع الدولي، بل في وجود تبرير يقدم لكل هذه الفظائع من الفاعلين الدوليين!

2_تزايد انتهاك المقدسات الإسلامية من المستوطنين الإسرائيليين ومن سلطات الاحتلال، خاصة بعد تشكيل الحكومة الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو، التي توصف بالأكثر تطرفا في تاريخ الدولة العبرية، والتي تضم إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وهذا من شأنه ليس فقط تكوين الرغبة في عمل هجومي منفرد من الجيل الناشئ ضد الإسرائيليين، لكن تكوين هذه الرغبة العقائدية والقومية لدى الكل، وهو ما من شأنه أن يجعل منهم عبارة عن قنابل موقوتة ربما تنفجر في أي وقت وفي أي مكان.

3_ تعامل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة باستهانة واستهتار مع السلطة الفلسطينية، المتمثل في خرق الاتفاقيات والأعراف والمعاهدات الدولية، بل محاولاتها الكثيرة لتطويع القوانين الدولية بما يضمن سلامتها وبقاءها، في ظل وجود تطابق تام مع حليفهم الأول الولايات المتحدة، التي تقدم الذريعة المتاحة لهم دائماً وهي حق الدفاع عن النفس.

4_ تطبيق نظام الابارتايد (الفصل العنصري) مع الفلسطينيين هو من أقسى وأفظع أنواع المعاملات التي يتعرض لها الفلسطينيين.

5_سعي إسرائيل والولايات المتحدة في إدخال بعض الدول العربية في مظلة التطبيع، الهدف منه هو تضييع القضية الفلسطينية ومحوها من الذاكرة العربية، ومن ثم تولد شعور عام لدى هذا الجيل بأنه لا ينبغي التعويل على دول المنطقة العربية بعد أن دخلت بعضها في عمليات التطبيع بالفعل.

ولأن السيطرة على العمليات الهجومية التي تقوم بها عناصر منفردة وإحباطها اصعب بكثير من إحباط العمليات التي تقوم بها الجماعات أو المنظمات الإرهابية، لاعتماد الدولة على تفعيل مفهوم الأمن الإستباقي القائم علي المعلوماتية المستمرة والمتواصلة، والتحليل المستمر للعلاقات البينية داخل تلك التنظيمات، والعلاقات البينية الخارجية بين التنظيمات وبعضها البعض، والذي له محصلة جيدة في إجهاض العمليات الهجومية قبل وقوعها، فان ذلك من شأنه أن يجعل الصراع الذي دوافعه ومحركاته عقائدية وقومية مثل الصراع العربي _الإسرائيلي من اصعب أنواع الصراعات، والذي يتعامل فيه الطرف الإسرائيلي بكل جبروت وغشم، وتعتبر بذلك العمليات المنفردة هي رسالة للطرف الآخر أن تراكم الظلم والقهر والاستبداد، يحول كل الأفراد إلى قنابل موقوته تنتظر الانفجار في أي لحظة.

في مقال للكاتبين “دافيد جارتنستاين- روس” وهو زميل بارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الأمريكية، وباحث متخصص في الجماعات الإرهابية، و” ناثانيل بار” مدير الأبحاث لدى مركز Valens Global للدراسات والأبحاث فيما يخص الجماعات السلفية المتطرفة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، نشرته مجلة” فورين أفيرز” ذكر المقال أن المراقبين يخطئون عندما يصنفون الهجمات أنها عمليات ذئب منفرد بصورة قطعيّة، والتي يتبين فيما بعد ارتباط فاعلها بخلايا أو شبكات أكثر انتشارًا. غالبًا ما تتواصل الذئاب المنفردة مع مسلحين آخرين، مستخدمين أساليب تشفير صعبة الفك في الكثير من الأحيان. لذلك من الخطر التسرع في تصنيف أشخاص بأنهم منفصلون عن الآخرين؛ لأن ذلك يغفل دور الشبكات الإرهابية التي تُسهِّل تلك الهجمات وتشجعها.

قد يكون الكلام مقبولا في الحديث عن التنظيمات الإرهابية لكن غير مقبول في حالة الصراع العربي _الإسرائيلي لانتفاء القيادة التنظيمية الموجهة عدا قيادة الإيمان والتوحيد والعقيدة الإسلامية، ولان حكومة نتنياهو تعلن بوضوح عن رغبتها في تهويد كافة الأراضي الفلسطينية وليس من المستبعد إقدامها المحتمل على هدم المسجد الأقصى.

3/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى